مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٨

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دفتر سماحة آية الله العظمى السبزواري
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٣
ISBN: 946-5665-07-8
الصفحات: ٣٩٧

(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٨))

الآية الشريفة تشتمل على الوعد والوعيد معا ، وتتضمّن ما تؤكّد عليه الآية السابقة ، فإنّه بعد ما أمر سبحانه وتعالى الذين أوتوا الكتاب بالإيمان ودعاهم إلى الحقّ وأوعدهم السخط واللعنة إن هم أعرضوا عنه ، ذكر في هذه الآية المباركة السبب في الحكم المزبور ، وبيّن جلّ شأنه أنّ طريق النجاة منحصر في الإيمان والانصياع إلى الحقّ ، فإنّه لا غفران بدونه ، لا ما يتمنّاه أهل الكتاب.

وقد وعد عزوجل المؤمنين بالغفران ورفع الآثار المترتّبة على الماضي ، وأرشدهم إلى أنّ الكبائر السابقة لا تكون مانعة عن قبول إيمانهم. وفي الآية المباركة كمال الرأفة بهم والامتنان عليهم ، فكانت من أرجى الآيات في القرآن الكريم.

التفسير

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ)

جملة مستأنفة مؤكّدة لمضمون ما ورد في الآية السابقة ، وهي في مقام التعليل للحكم المذكور فيها ، أي : إن لم تؤمنوا فإنّكم مشركون ، والله تعالى لا يغفر أن يشرك به ويحلّ عليكم سخطه وغضبه ، وأما الإيمان ففيه الفوز بالمغفرة والنجاة ؛ ولهذا كانت الآية المباركة متضمّنة للوعد والوعيد معا.

وقد وردت مثل هذه الآية الشريفة في موضع آخر من هذه السورة أيضا ، قال تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) [سورة النساء ، الآية : ١١٦].

ولعلّ الاختلاف بينهما ـ بعد الاتفاق على أنّهما تدلان على جميع الآثار المترتّبة على الشرك الدنيويّة والاخرويّة إذا آمنوا ورجعوا إلى الحقّ ـ أنّ الآية

٢٦١

الكريمة في المقام تبيّن أنّ الطريق في الإيمان دون التمنّي والترجّي والافتراء على الله تعالى بأنّه سيغفر لنا ، كما تزعمه اليهود والنصارى ، كما حكاه عزوجل في غير موضع من القرآن الكريم ، قال تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا) [سورة الأعراف ، الآية : ١٦٩] ، ويدلّ على ذلك ذيل الآية الشريفة : (فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) ، فإنّه يدلّ على نفي جميع إشكال التظنّي والتمنّي. وأمّا الآية الثانية ، فإنّها تنفي جميع سبل الشرك وأنحائه التي ذكر جملة منها في الآيات السابقة والتالية لها ، ويؤكّد ذلك ذيل الآية الشريفة ، قال تعالى : (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) [سورة النساء ، الآية : ١١٦] ، فإنّه يدلّ على أنّ الشرك بجميع أنحائه ضلال لا تفاوت بينها.

كما أنّه يمكن الفرق بينهما بأنّ الآية الشريفة في المقام تبيّن رفع الآثار التي ذكرها عزوجل في الآية السابقة من الطمس واللعنة إن هم آمنوا. وأما الآية الثانية فإنّها سيقت لرفع الآثار المترتّبة على الشرك إذا آمنوا وانصاعوا للحقّ.

ثم إنّ عموم الشرك يشمل كلّ ما يشرك بالله تعالى في مقام الالوهيّة وجميع شؤونها. كما أنّ للشرك مظاهر مختلفة في مرّ العصور ، فمنها يكون عن الوثنيّة ، فإنّهم جعلوا كلّ نوع من أنواع المخلوقات إلها وربّا يدبّر أمره ، فجعلوا للماء ربّا ، وللنار إلها وللتراب إلها وللهواء إلها وغير ذلك ، وفيهم نزلت الآية الكريمة (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) [سورة يوسف ، الآية : ٣٩].

ومن الشرك تأليه بعض القوى والنجوم السيارة ممّا جعلوا المجسّمات والأصنام تمثالا ورمزا لعبادتها ، فكان ذلك هو الأصل في عبادة الأصنام والأوثان وإن خفي ذلك على الذين يعبدونها.

ومن الشرك ما يزعمه جمع في بعض البشر من أنّه متولّد من الله تعالى ومن العذراء الإنسيّة ، فكان ابن الله تعالى تولّد منهما ، فجعلوا جلّ شأنه الواحد ذا

٢٦٢

أقانيم ثلاثة : الأب والابن والروح القدس ، وأثبتوا لكلّ واحد من هذه الثلاثة آثارا خاصّة في مقام الالوهيّة ، ومن القائلين بهذا البراهمة والبوذيين والنصارى وغيرهم.

ومن الشرك تأليه بعض أفراد البشر ، والقول بأنّه خلق العالم وهو رازق أهله.

ومن الشرك بعض آراء الفلاسفة في العالم وخلقه وتدبيره ، وغير ذلك من الآراء والمذاهب المعروفة التي نقلها العلماء في كتبهم العلميّة.

وإطلاق الآية الشريفة يشمل الشرك في الذات والفعل والعبادة ، بل يشمل الكفر أيضا باعتبار الحكم الوارد في الآية المباركة ، أي : أنّ الكافر لا يغفر له حتّى يرجع عنه ويدخل في الإيمان ، وإن لم يصدق عليه المشرك بالعنوان الأولي لكن يمكن أن يقال إنّ كلّ كافر مشرك ؛ لأنّ الذي يشاقق الحقّ والرسول وما أنزله الله تعالى عليه مشرك ؛ لأنّه جعل ما في يده أو ما عنده شريكا مع الله ، تعالى وهو عزوجل لا يريده ، ولعلّه لذلك ورد التعبير : (أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) دون المشرك أو المشركين ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً* إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) [سورة النساء ، الآية : ١١٥ ـ ١١٦] ، فجعل الشقاق مع الرسول واتباع غير السبيل المؤمنين من مصاديق الشرك.

والتعبير بالفعل المضارع : «أن يشرك» ، للدلالة على أنّه لا يغفر للإنسان إشراكه الذي يداوم عليه إلى الموت ، فإذا انقطع عنه الشرك ، فالله يغفر له الذنوب السابقة ويرفع عنه آثارها ، وتدلّ عليه آيات كثيرة ، قال تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي

٢٦٣

التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [سورة الفتح ، الآية : ٢٩] ، وتقدّم في الآيات السابقة ما يرتبط بالمقام.

والمعنى : أنّ الله تعالى لا يغفر الشرك بجميع مظاهره ؛ لأنّ الحكمة اقتضت خلق الإنسان على أساس الرحمة والعبوديّة ، قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [سورة الذاريات ، الآية : ٥٦] ، والله تعالى شرّع الدين الحقّ لتزكية النفوس وتطهير الأرواح عمّا ينافي تلك الحكمة ، وإنّ الشرك على خلاف ذلك ، فإنّه آخر درجات الهبوط لعقول البشر ، وإنّه يفسد أخلاق الإنسان ويوجب السقوط في الشقاء والأخلاق الفاسدة.

قوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)

أي : يغفر ما دون الشرك من المعاصي وإن عظمت ، فإنّها مهما عظمت فلا تصل إلى حدّ عظمة الشرك ، فإنّ له درجة بعيدة في القبح ، وما سواه دونه في الدرجة ، ولعلّه لهذا أشار إليه ب : (ذلِكَ) ، وتدلّ عليه كلمة (دُونَ).

والآية الشريفة تدلّ على غفرانه لمن يشاء ممّن له أهليّة لقبول الفيض الإلهي والغفران بسبب الأعمال الصالحة التي تؤهّل الإنسان للصلاح والسعادة ، فإنّ الله تعالى يغفر له برحمته الواسعة وحكمته المتعاليّة ، فكانت المشيئة مطابقة للحكمة المتعاليّة ، فإنّها تقتضي أن يكون الغفران للمذنب الذي له الأهليّة والاستعداد المكتسب بالأعمال الصالحة وغيرها ، وعدم الغفران للمشرك.

ويستفاد من وقوع المشيئة بعد الغفران امور :

الأول : أنّها وردت لدفع ما يتوهّم أنّ ذلك خرج عن قدرته المتعاليّة ، أو أنّ لأحد التأثير عليه عزوجل فيقهره على المغفرة قاهر ، ولعلّه لأجل ذلك وقعت المشيئة في كثير من الموارد من القرآن الكريم ، قال تعالى : (خالِدِينَ فِيها

٢٦٤

ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) [سورة هود ، الآية : ١٠٨] ، فإنّ الخلود أمر ثابت ، وتعليقه على المشيئة لبيان أنّ ذلك غير خارج عن قدرته ، ولا يكون لأجل قهر قاهر عليه.

الثاني : أنّها تدلّ على أنّ المغفرة وعدمها لا تكونان جزافيّتين ، بل تكونان وفق حكمة متعالية وهو العزيز الحكيم ، فإنّها اقتضت أن لا يغفر للشرك الذي يوجب فساد الفطرة وصرف الإنسان عمّا اقتضته خلقته الأصليّة ، وهي العبوديّة للواحد القهّار ، كما بيّنه عزوجل في قوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [سورة الذاريات ، الآية : ٥٦].

الثالث : إنّما ذكر المشيئة لئلّا يغترّ الناس برحمته تعالى ، فيتركوا العمل اتكالا عليها ، وإلا لغى التشريع وبطل الأمر والنهي.

وقد اختلف العلماء والمفسّرون في المراد من الآية الشريفة ، حتّى جعلها بعضهم من المتشابهات التي لا يمكن فهم معناها ، والحقّ ما ذكرناه.

وإطلاق الآية المباركة يدلّ على غفران الذنوب غير الشرك مطلقا ، ولكن لا ينافي هذا أن يكون غفرانه لسائر المعاصي والذنوب دون الشرك بالطرق التي ذكرها عزوجل في غير موضع في القرآن الكريم ، مثل شفاعة من جعلت له الشفاعة ، كالأنبياء والملائكة والأولياء ، ومثل الأعمال الصالحة التي تكفّر الذنوب.

كما أنّ إطلاق الآية المباركة يدلّ على غفران الذنوب والمعاصي غير الشرك بحسب الحكمة المتعالية ، وإن لم يبادرها بالتوبة ، وأما مع التوبة فإنّه يغفر جميع الذنوب حتّى الشرك بحسب وعده العظيم ، قال تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ) [سورة الزمر ، الآية : ٥٣ و ٥٤].

٢٦٥

قوله تعالى : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً)

تعليل لعدم غفران الشرك ، وإظهار اسم الجلالة لزيادة الرهبة وإدخال الروع في النفوس ، ولإظهار تقبيح الشرك وتفضيح عمل المشرك.

ومادة (فري) تدلّ على القطع ، والافتراء افتعال ، قال الراغب : الفري قطع الجلد للخز والإصلاح والإفراء القطع للإفساد ، والافتراء فيهما وفي الإفساد أكثر ، ولذلك استعمل في الكذب والشرك والظلم. وفي المجمع : فريت الأديم إذا قطّعته على وجه الإصلاح ، وأفريته إذا قطّعته على وجه الفساد.

وكيف كان ، فهو يطلق على الكذب المختلق ؛ لأنّه يوجب فساد الأقوال والأعمال ، وقد ذكر المصدر الذي هو الافتراء مع صفته اللازمة وهو الإثم و (عَظِيماً) صفة للمصدر وهو الافتراء أو الإثم.

والمعنى : ومن يشرك بالله تعالى الجامع لجميع صفات الكمال والمنزّه عن جميع صفات الجلال ، فقد ارتكب الإثم العظيم الذي يستحقر دونه الآثام ، فلا تتعلّق به المغفرة ، والوجه في ذلك أنّه يجعل الشريك الذي اجتمع فيه صفات المخلوقين من الحدوث ونقص الإمكان والاحتياج ونحو ذلك بمنزلة الآله ويختلق له الصفات الإلهيّة ، وما ذلك إلا افتراء وإثم والقائل به مرتكب لإثم عظيم لا يستحقّ معه المغفرة المعدّة لسائر الذنوب والمعاصي.

بحوث المقام

بحث دلالي :

تدلّ الآية الشريفة على عظم أمر الشرك وقبحه الشديد ، ويكفي في ذلك أنّه تعالى لا يغفر أن يشرك به ، ولعلّ ما ورد في قوله تعالى حكاية عن لقمان : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [سورة لقمان ، الآية : ١٣] ، إشارة إلى هذه الجهة ، أيضا ، فإنّ الظلم الذي لا يغفر لصاحبه هو عظيم.

٢٦٦

وعموم الآية الشريفة يشمل جميع أنحاء الشرك الجلّي منه والخفيّ ، وجميع أقسامه إن كان الشرك عن عقيدة واختيار ، فلا يشمل ما لو كان الشرك بالقسوة كالإكراه والاضطرار ، ولعلّ التعبير بالمبنيّ للمجهول (أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) ؛ للإشارة إلى ذلك ، وفيه إيماء أيضا إلى أنّ الشرك قد يتحقّق وإن لم يعلم صاحبه به ، فلا بد من الرجوع إلى الإسلام وتعاليمه ودين الحقّ لدفع ذلك.

وقد بيّن عزوجل السبب في عدم غفرانه للشرك في هذه الآية الكريمة بأنّ فيه الافتراء وارتكاب الإثم العظيم ، كما بيّن سببا آخر في الآية المباركة التي هي نظير هذه الآية ، وهو أنّ الشرك يوجب الضلال والغواية ؛ لأنّ كلّ ما يتوهّمه المشركون هو افتراء وكذب ، فإنّ فطرتهم تنادي بالوهيّة الله الواجب الوجود.

وأما قوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) ، فهو يدلّ على أنّ غير الشرك من المعاصي والآثام هي دون الشرك وإن اختلفت في الدرجات ، لكنّها لا تمنع من تعلّق غفرانه عزوجل بها ، فإنّها مهما بلغت في العظمة لا تصل إلى درجة الشرك الذي هو ظلم عظيم لا يغفره ربّ العالمين ؛ لأنّه تصرّف في سلطانه ، بخلاف غير الشرك من الكبائر ، فإنّ سعة رحمته عزوجل تشمل جميع الذنوب ، وهي تتضمّن السبب في غفرانها ؛ لأنّها دون الشرك ، هذا إذا لم تصدر توبة من فاعلها ، وإلا فإنّ الذنوب جميعها ـ الشرك وغيره ـ مغفورة مع تحقّق التوبة بمقتضى وعده عزوجل : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) [سورة الزمر ، الآية : ٥٣] ، وقوله تعالى : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) [سورة الانعام ، الآية : ١٢].

وتقدّم في بعض الآيات المباركة معنى غفران الذنوب ، وذكرنا أنّ الغفران هو ستر الذنوب ومحو آثارهم ، وممّا ذكرنا يظهر فساد ما ذكره جمع من المفسّرين في تفسير هذه الآية الكريمة مع أنّها بعيدة عن سياقها ، بل بعضها ينافي قداسة القرآن.

وقد ذكرنا ما يتعلّق بقوله تعالى : (لِمَنْ يَشاءُ) ، فإنّ لهذه الكلمة وقعا

٢٦٧

كبيرا في هذا الموضع ، فإنّها تدلّ على أنّ لله تعالى القدرة في غفران جميع الذنوب حتّى الشرك ، لكنّه لا يفعل إلا ما يوافق حكمته المتعالية ، وأنّ الغفران لا يكون تصرّفا في سلطانه التامّ ، وتقدّم ما يتعلّق بذلك فراجع.

بحث روائي

في تفسير علي بن إبراهيم بإسناده عن ابن أبي عمير ، عن هشام ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «قلت له : دخلت الكبائر في الاستثناء؟ قال : نعم».

أقول : الغفران عن الكبائر مشروط بالموت مع الإيمان ، وتقدّم أنّ الاجتناب عن الكبائر سبب لغفران الصغائر ، كما تدلّ عليه الآية الشريفة السابقة ، ولا إشكال في أن يتعلّق المشيئة بفعل مشروط بالاختيار ، فالكبائر داخلة في الاستثناء ، فإنّها قابلة للغفران بشرط بقاء الإيمان.

وفي الفقيه : عن الصدوق قال : «سئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ، هل تدخل الكبائر في المشيئة؟ قال : نعم ذاك إليه عزوجل ، إن شاء عاقب عليها وإن شاء عفى».

أقول : تقدّم ما يتعلّق به وأنّ مشيئته تعالى قد يتعلّق بالغفران والعفو عن الكبائر إن تحقّقت الأهليّة في العبد ، وإلا عاقب عليها ، فلا قصور في المشيئة أصلا ، فإنّه تعالى يصنع ما يشاء ويفعل ما يريد.

وفي الدرّ المنثور : عن أبي أيوب الأنصاري قال : «جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إنّ لي ابن أخ لا ينتهي عن الحرام ، قال : وما دينه؟ قال : يصلّي ويوّحد الله تعالى ، قال : استوهب منه دينه فإن أبى فابتعه منه ، فطلب الرجل ذلك منه فأبى عليه فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره فقال : وجدته شحيحا على دينه ، فنزلت : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ).

٢٦٨

أقول : الرواية على فرض صحّتها تدلّ على أنّ الكبائر قابلة للعفو والغفران ، بخلاف الشرك فإنّه غير قابل لذلك إلا بالتوبة ، وقد ذكر صلى‌الله‌عليه‌وآله بعض علامات الشرك وعدم استقرار التوحيد في القلب بالامتحان ، والآية المباركة من باب التطبيق ، أو من باب تعدّد منشأ النزول.

وفيه ـ أيضا ـ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر ، قال : «لما نزلت : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ، فقام رجل فقال : والشرك يا نبيّ الله؟ فكره ذلك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ)».

أقول : قريب منها غيرها ، والرواية تبيّن عظمة قبح الشرك ، وأنّه لظلم عظيم وغير قابل للعفو والغفران ، فلو مات الشخص على الشرك بلا توبة دخل النّار كما تدلّ عليه الآية المباركة (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) ، ولو تاب فتشمله الآية المباركة : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) ، فلا تنافي بين الآيتين المباركتين.

وأما الشفاعة فلا تشمل الشرك أصلا ؛ لأنّ من شرائطها الإيمان ، وبين الموحّد والمشرك بون بعيد لا تناسب بينهما أصلا ، وبذلك يمكن أن يجمع بين الآيتين الشريفتين أيضا.

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما من عبد يموت لا يشرك بالله شيئا إلا حلّت له المغفرة ، إن شاء غفر له وإن شاء عذّبه ، إن الله استثنى فقال : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)».

أقول : تقدّم ما يتعلّق بهذه الرواية وأمثالها سابقا.

وأخرج الطبراني عن سليمان قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ذنب لا يغفر ،

٢٦٩

وذنب لا يترك ، وذنب يغفر ، فأما الذي لا يغفر فالشرك بالله ، وأما الذي يغفر فذنب بينه وبين الله عزوجل ، وأما الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا».

أقول : قريب منه ما عن البيهقي في شعب الإيمان وما عن أهل البيت عليهم‌السلام في كتب الأحاديث ، ومن مات على الشرك فقد حرّم الله عليه الجنّة ، فلا يغفر له وأما الذي بينه وبين ربّه ـ كترك بعض الواجبات ـ فإن شاء غفر له وإن شاء عذّبه ، وتشمله الشفاعة أيضا ، وأما ظلم العباد بعضهم بعضا فإنّه لا يترك لما يترتّب عليه من الحقوق التي لا بد من استرضاء صاحب الحقّ كما فصّلناه في الفقه.

وعن الصدوق في الفقه : عن ثوير ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام قال : «ما في القرآن آية أحبّ إليّ من قوله عزوجل : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)».

أقول : لأنّ غفرانه تعالى المذنبين من أجلى مظاهر رحمته التي سبقت كلّ شيء.

وعن ابن مسعود قال : «أربع آيات في كتاب الله عزوجل أحبّ إليّ من حمر النعم وسودها ، في سورة النساء قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها) ، وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ، وقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) ، وقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً)».

أقول : هذه الآيات كلّها تشير إلى أمر واحد ، وهو العفو عن السيئات الصادرة عن المذنبين ورفع درجات المحسنين ، وتقدّم أنّ ذلك من أجلى مظاهر رحمته.

وفي الفقيه بإسناده عن زيد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : «المؤمن

٢٧٠

على أي حال مات ، وفي أي يوم مات وساعة قبض ، فهو صدّيق شهيد ، لقد سمعت حبيبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لو أنّ المؤمن خرج من الدنيا وعليه مثل ذنوب أهل الأرض ، لكان الموت كفّارة لتلك الذنوب ، ثم قال : من قال : لا إله إلا الله بإخلاص ، فهو بريء من الشرك ، ومن خرج من الدنيا لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة ، ثم تلا هذه الآية : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ـ الحديث».

أقول : إنّ أسباب التكفير مع حفظ الإيمان حين الخروج من هذه الدنيا إلى عالم الآخرة كثيرة ، منها سكرات الموت ، ومنها دعاء المؤمنين والصلحاء له ، ومنها الصدقة الجارية وذكر الخير ، ومنها الشفاعة ، وتقدّم قوله تعالى كما عن نبيّنا الأعظم : «اغفر ولا ابالي» ، ويبيّن ذلك ذيل الآية المباركة.

وفي المجمع : عن الكلبي في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ، نزلت في المشركين وحشي وأصحابه ، وذلك أنّه لما قتل حمزة ، وكان قد جعل له على قتله أن يعتق فلم يوف له بذلك ، فلما قدم مكّة ندم على صنيعه هو وأصحابه ، فكتبوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّا قد ندمنا على الذي صنعناه ، وليس يمنعنا عن الإسلام إلا إنّا سمعناك تقول وأنت بمكة : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ) ، وقد دعونا مع الله إلها آخر وقتلنا النفس التي حرّم الله إلا بالحقّ وزنينا ، فلو لا هذه لاتبعناك ، فنزلت الآية : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) ، فبعث بهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى وحشي وأصحابه ، فلما قرءوهما كتبوا إليه : هذا الشرط شديد نخاف أن لا نعمل عملا صالحا فلا نكون من أهل هذه الآية ، فنزلت : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ، فبعث بها إليهم فقرؤها فبعثوا إليه : إنّا نخاف أن لا نكون من أهل مشيئته ، فنزلت : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ

٢٧١

اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ، فبعث بها إليهم ، فلما قرؤها دخل هو وأصحابه في الإسلام ورجعوا إلى رسول الله ، فقبل منهم ، ثم قال لوحشي : اخبرني كيف قتلت حمزة؟ فلما أخبره قال : ويحك غيّب شخصك عني ، فلحق وحشي بعد ذلك بالشام وكان بها إلى أن مات».

أقول : على فرض صحّة الرواية أنّها تدلّ على شقاء الوحشي وأصحابه وأنّهم كانوا بعيدين كلّ البعد عن الفطرة الإنسانيّة والمعارف الإلهيّة ، وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي هو رحمة للعالمين أراد أن يستنقذهم من المهالك ويقرّبهم إلى الفطرة المستقيمة وما فيه نجاتهم ، فأبوا ذلك ، فأضمروا شقاءهم وأسلموا إسلاما ظاهريا لحقن دمائهم ، وإنّ الآيات المباركة لم تنزل في حقّ وحشي وأصحابه ، وإنّما هو من باب التطبيق وسرد الحجّة ، وقد ذكر في بعض التواريخ أنّه سكن حمص إحدى مدن الشام ومات فيها ، وكان مدمن الخمر.

وفي المجمع : روى مطرف بن شخير عن عمر بن الخطاب قال : «كنّا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا مات الرجل منّا على كبيرة ، شهدنا بأنّه من أهل النّار حتّى نزلت الآية : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ، فأمسكنا عن الشهادات.

أقول : أمثال هذه الرواية كثيرة ، وتقدّم في بحث الشفاعة أنّ من مات على كبيرة لا يكون من أهل النّار ؛ لأنّ أسباب التكفير كثيرة حتّى بعد الموت ، وأما لو مات على الشرك ، فإنّه لا يغفر له بمقتضى هذه الآيات المباركة وغيرها من الآيات الشريفة.

وفي تفسير العياشي : عن أبي العباس قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أدنى ما يكون به الإنسان مشركا؟ قال : من ابتدع وليّا (رأيا) فأحبّ عليه وأبغض».

أقول : يستفاد من هذه الرواية وأمثالها أنّ للشرك مراتب متفاوتة جدّا ، كالإيمان ، وأن أدناها ما ذكر فيها من الحبّ والبغض باعتبار الولاية.

٢٧٢

بحث قرآني

ليس بين الآيات المباركة التي تدلّ على شيء واحد أو تهدف أمرا معنويّا خاصّا أو تثبت حكما أو ما يتعلّق بعالم الدنيا أو الآخرة ، أيّ تناف وتضاد ، كما تقدّم في أحد مباحثنا السابقة.

وربّما يتوهّم التنافي بين هذه الآية الشريفة : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ، وبين قوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) ، باعتبار أنّه عزوجل جعل السبب في التكفير عن السيئات الاجتناب عن الكبائر ، وأما الآية الكريمة التي تقدّم تفسيرها فإنّها تجعل الإعراض عن الشرك موجبا لغفران ما دون ذلك ، سواء كان كبيرة أم غيرها.

إلا أنّ التعمّق في الآيتين المباركتين يكشف أنّ آية اجتناب الكبائر تجعل من أسباب التكفير عن الخطايا والذنوب الصغائر ، اجتناب الكبائر ، وآية نفي الغفران عن الشرك تدلّ على أنّ الله تعالى يغفر ما دون الشرك ، ولم يبيّن عزوجل طرق الغفران وأسبابه ، فهي من هذه الجهة مجملة ترفع إجمالها الآيات الاخرى التي تبيّن أسباب الغفران ، كآية اجتناب الكبائر ، والآية التي تثبت الشفاعة لأهل الشفاعة ، والآية التي تدلّ على استغفار الملائكة لأهل الإيمان وأنّ الأعمال الصالحة تكفّر السيئات ، وغير ذلك ممّا ورد في القرآن الكريم والسنّة الشريفة ، فالله جلّ شأنه يغفر ما دون الشرك بأسبابه الخاصّة المعروفة ، وأما الشرك فلا تؤثّر تلك الأسباب فيه مطلقا. مضافا إلى أنّ الشرك من أكبر الكبائر ، وأنّ اجتنابه يوجب التكفير عن مطلق السيئات أيضا ، فعلى أي حال لا تنافي بين الآيات الشريفة.

٢٧٣

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (٥٠) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (٥١) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (٥٢) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (٥٣) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٥٤) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (٥٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (٥٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (٥٧))

الآيات الشريفة تتعرّض لحال الكفّار واليهود منهم بالخصوص ، وتعرّفنا بعض صفاتهم وطباعهم ، وتكشف عن بعض ما تطويه نفوسهم من النوايا السيئة والصفات الذميمة ، وتهددهم حينا وتشهر بهم حينا آخر.

فقد ذكر عزوجل في هذه الآيات أهمّ تلك الصفات ، وهي الكبر والغرور وتزكيتهم ومدحهم لأنفسهم وحسبانهم أنّهم أفضل أهل الأرض وحقدهم بالنسبة إلى الإيمان وأهله والافتراء والكذب عليهم ، مع إعراضهم عن الحقّ الذي هو الإيمان بالله ودينه القيم ؛ لأنّهم يؤمنون بالجبت والطاغوت ، ممّا أوجب لعنهم وبعدهم عن رحمته عزوجل ، فلا يوفّقون لتكميل أنفسهم بالكمالات ، فهم

٢٧٤

على دناءة من الأخلاق واتصاف بالرذائل ـ كالحسد والبخل ـ وقد أوعدهم عزوجل العذاب الأليم الأبدي الذي لا ينفكّ عنهم. وأما المؤمنون فقد أوعدهم الأجر الجزيل ليكونوا على بيّنة من أمرهم.

وليعلم أنّ الله تعالى يوصل كلّ عامل إلى نتيجة عمله ، فلا يضيع أجر العاملين ، والآيات المباركة لا تخلو من الارتباط بما قبلها.

التفسير

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ)

التزكية : التطهير والتنمية ، والزكاة ، النمو الحاصل عن بركة الله تعالى ، سواء كان ذلك في الأمور الدنيويّة أو الاخرويّة. بالتطهير عن الأوساخ.

وتزكية النفس تطهيرها عن ما يوجب البعد عنه تعالى ، بحيث يستحقّ الإنسان في الدنيا الأوصاف المحمودة لطهارة خلقه ، وفي الآخرة المثوبة وعلوّ الدرجات ، ولا تحصل إلا بالعمل على وفق الشريعة وترويضها على التقوى والعمل الصالح.

وهي قد تنسب إلى العبد إذا كان مكتسبا ومتحرّيا لما فيه تطهير نفسه ، كقوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) [سورة الشمس ، الآية : ٩].

واخرى : تنسب إلى الله تعالى لكونه الباعث والخالق والمهدي لذلك في الحقيقة ، كقوله تعالى : (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ).

وثالثة : تنسب إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّه واسطة الفيض ، وبه يصل العبد إلى المقامات العالية ، كقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) [سورة الجمعة ، الآية : ٢] ، وقوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) [سورة التوبة ، الآية : ١٠٣].

٢٧٥

ورابعة : إلى العبادة التي هي وسيلة لتطهير النفس وتزكيتها ، نحو قوله تعالى : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ١٣].

وقد تكون التزكية بالخلقة ، بأن يجعل بعض عباده طاهر الخلق عالما لا بالتعلم والممارسة ، كما في المعصومين من الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام.

وتزكية الإنسان نفسه على قسمين :

الأول : التزكية بالفعل ، وهذه هي التزكية الحقيقيّة المحمودة في القرآن الكريم ، وقد حثّ عليها في مواضع كثيرة منه ، مثل قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) [سورة الشمس ، الآية : ٩] ، وقال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) [سورة الأعلى ، الآية : ١٤] ، وتقدّم أنّها لا تحصل إلا بإتيان الواجبات واجتناب المحرّمات والشرور والآثام والتوجّه إليه سبحانه وتعالى.

الثاني : التزكية بالقول والادعاء ، كتزكية العادل غيره إن كان مطابقا للواقع. وقد يكون تزكية الإنسان نفسه لنفسه ، وهذا قبيح عقلا وشرعا ، كما نهى الله تعالى عنه : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) ، ولذا قيل : «مدح الإنسان نفسه من أقبح القبائح ؛ لأنّه يرجع إلى الغرور والجهل والاستكبار.

وعبارة : «لم تر» تستعمل في مقام التعجّب والإنكار مع الغير والتنبيه إلى شناعة الفعل وردائته ، وقد وردت في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ، لا سيما أحوال أهل الكتاب.

والمراد (بالذين) هم أهل الكتاب ممّن تقدّم ذكرهم ، خصوصا اليهود ، ولم يصفهم عزوجل بأهل الكتاب ، لأنّ من كان عالما بالله تعالى وبالكتاب ، لا ينبغي له أن يتّصف بالرذائل ، فإنّه بعيد عن الكتاب وتعاليمه.

وأما تزكيتهم لأنفسهم فقد حكى عزوجل عنهم في مواضع متفرّقة من القرآن الكريم ، منها قولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [سورة المائدة ، الآية : ١٨] ، وقولهم : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ

٢٧٦

قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سورة البقرة ، الآية : ١١١] ، وقولهم : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) [سورة البقرة ، الآية : ٨٠] ، وغير ذلك ممّا هو من مظاهر تزكيتهم لأنفسهم ، فإنّ لها مصاديق كثيرة.

قوله تعالى : (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ)

إبطال لتزكية أنفسهم ، والآية الشريفة باسلوبها الجميل ولحنها الجذاب ردّ لهم ، وتبيّن أنّها عادة سيئة ، وترشد الناس إلى أنّ التزكية من شؤون الربوبيّة يختصّ بها من يكون عليما خبيرا وغنيّا ، فالإنسان الفقير المحتاج الذي لا يملك لنفسه شيئا مهما بلغ من الفضائل والكمال والشرف غير قابل لتزكية نفسه ، فهي كلّها نعم ربوبيّة فيضها على من يشاء من عباده ، فهو يزكي من عباده ، لعلمه بأحوالهم وأفعالهم وأخلاقهم وسرائرهم ، وقد تعارض تزكيتهم لأنفسهم مع ما فيهم من الصفات وهم يعلمون ذلك ، والمزكي لنفسه لا بد من أن تطابق سريرته مع علانيته ، فالله تعالى يزكي من يشاء من عباده المؤمنين الصالحين الذين تأهّلوا لذلك ؛ لأنّه عزوجل العليم الخبير بالحقائق وخفايا الأمور قد زكى جلّ شأنه في القرآن الكريم أنبياءه العظام ورسله الكرام وبعض أوليائه بالصلاح والتقوى ، ومن أعظمها ما ورد في شأن نبيّنا الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [سورة القلم ، الآية : ٤].

قوله تعالى : (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً)

الفتيل الخيط الذي في شقّ النواة ، ويضرب به المثل في الشيء الحقير ، كما أنّ النقير هو الذي في ظهر النواة ، والقطمير هو قشرتها الرقيقة ، وقد وردت جميعها في القرآن الكريم أمثلة للقلّة والحقارة.

وقيل : الفتيل هو ما يفتل بين الأصابع من خيط أو وسخ فتدلكه بها.

والآية المباركة في موضع التعليل للآية السابقة ، أي : أنّ الله تعالى يزكي من يشاء لأنّه لا يضيع الحقوق ، بل يضعها في موضعها ، ولا يظلم أحدا فلا يسلبه

٢٧٧

حقّه ، فإن كان زكيّا يصله إلى جزاء عمله ، وإن لم يكن كذلك فلا يستفاد من تزكيته لنفسه شيئا.

ويستفاد من ذلك أنّ التزكية الحاصلة من الإنسان لنفسه إنّما هي من الظلم للنفس ؛ لأنّه إن لم يهذبها عن الرذائل ولم يزيّنها بالكمالات ، رجع ذلك إلى الغرور والتكبّر والاستعلاء على الغير.

قوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ)

بيان لبعض ما يتصف به من يزكي نفسه ، وقد ذكر عزوجل ثلاثة أوصاف له : الكذب ، والبخل ، والحسد ، ويظهر من ذلك أنّ التزكية للنفس أمر مستنكر تستتبع أهمّ الصفات الرذيلة وأشنع الأخلاق الفاسدة ، ولمزيد التشنيع عليهم أنّ الله تعالى أمر نبيّه الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنظر تأكيدا للتعجّب المستفاد من سياق الآية الشريفة ، وأنّهم مع تزكيتهم لأنفسهم وادعائهم الفضل لها باطلا ، يفترون على الله الكذب بتلك الافتراءات التي حكاها عزوجل في مواضع متفرّقة ، كادعائهم النبوّة ، وأنّ الله تعالى خصّهم بحبّه وولايته ، وغير ذلك ممّا افتروه عليه سبحانه وتعالى.

ويستفاد من الآية الشريفة أنّ التزكية بنفسها كذب ؛ لأنّه تصرّف في سلطان الله تعالى. وفي التصريح بالكذب مع أنّ الافتراء أيضا ـ كذلك كما عرفت ـ للتأكيد والمبالغة على شناعة الفعل ، فإنّ الكذب على الله تعالى يختصّ بمزيّة ، وهي أنّه افتراء محض.

قوله تعالى : (وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً)

أي : كفى بالكذب على الله تعالى أنّه إثم ظاهر واضح ؛ لأنّ في التزكية جرأة على الله تعالى ومحادّة له عزوجل وشرك وتصرّف في سلطانه ، ووصف الذنب بالمبين لتعظيمه وذمّه ، وهو كاف في استحقاقهم العذاب والجزاء ، وتقدّم أنّ من يشرك بالله تعالى فقد افترى إثما عظيما (الآية ـ ٤٨) ، وهنا كان إثما مبينا للإرشاد

٢٧٨

إلى كون فاعله آثما بالإثم الظاهر ، ومعه كيف تتحقّق التزكية لأنفسهم منه ، ولا يمكن أن يكون زكيا عند الله تعالى.

ويستفاد منه أنّ التزكية للنفس من الإثم الواضح الذي يمنع الإنسان من نيل الخيرات والوصول إلى الكمالات ، فهي مع الشرك متساويان في منع نزول الرحمة والمغفرة ، كما عرفت في الآية الكريمة السابقة.

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ)

تقدّم أنّ مثل هذا الخطاب ذو الأسلوب الرفيع يدلّ على التقريع والتوبيخ بأنّهم مع إتيانهم النصيب من الكتاب لا بد أن يكون كافيا في ردعهم عن القبائح والآثام ، وللتعريض بأحوالهم بأنّهم على خلاف الحقيقة ، فإنّهم مع ادعائهم إيتاء الكتاب لا يكونون كذلك ، إلا أنّهم أوتوا نصيبا باعتبار ما بقي من الكتاب الإلهي الذي أنزله عزوجل لتكميل النفوس وتهذيبها ، ولكنهم ضيعوه بالتحريف والتبديل ، وفي الآية الشريفة التأكيد للتعجيب السابق.

قوله تعالى : (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ)

مادة «جبت» ، تدلّ على كلّ ما لا خير فيه ، وقد استعملها القرآن الكريم في كلّ ما يعبد من دون الله سبحانه وتعالى لرجوعه إلى الضلال ، وفي حديث الدعاء : «اللهم العن الجوابيت والطواغيت ، وكلّ ندّ يدعى من دون الله» ، وسمّي بالجبت كلّ ضال مضلّ. والطاغوت مبالغة في الطغيان ، يطلق على كلّ متجاوز عن الحدّ في الطغيان والضلال ، مثل الأصنام والشيطان ، ورؤساء الشرك والعناد ، والجبت والطاغوت يشتركان في إطلاقهما على كلّ ما يكون سببا للخروج عن الحقّ والصراط المستقيم ، سواء كان صنما أو شيطانا أو إنسانا أو العصبية والأهواء الباطلة ، فلها وجود نوعيّ يشمل جميع الأفراد والمصاديق التي تكون ضالّة ومضلّة ، وقد ذكر العلماء والمفسّرون لهاتين الكلمتين معان متعدّدة ، والحقّ أنّها مصاديق لهما ، وإنّما تعرف من القرائن المحفوفة بالكلام.

٢٧٩

والآية الشريفة تدلّ على خبث باطنهم في أنّهم يتركون الهداية والإيمان بالحقّ ، ويؤمنون بكلّ ضالّ مضلّ ، وأنّهم نصروا المشركين وقضوا للجبت والطاغوت كما حكى عنهم عزوجل بعد ذلك ، فحرموا أنفسهم من كلّ خير وهداية.

قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا)

بيان لإيمانهم بالجبت والطاغوت ، أي : يحكمون لقومهم الذين كفروا ، فاستحقوا بذلك أن يكونوا مؤمنين بهما ، فإنّ الحكم للباطل إنّما يكون لأجل أنّه من مصاديق الجبت والطاغوت.

قوله تعالى : (هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً)

بيان لقولهم واظهار لعقائدهم ، والآية المباركة إشارة إلى أهل مكة ومشركيها ، أي : أنّهم حكموا لهم بأنّهم أهدى من أهل الإيمان وأقوم سبيلا.

وإنّما أوردوا أفعل التفضيل في كلامهم على سبيل الاستهزاء ، وإلا فإنّهم لم يلحظوا معنى التشريك فيه. وقد وصف سبحانه وتعالى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله واتباعه بالوصف الجميل ، فإنّهم الذين آمنوا تخطئة لمزاعم الكافرين وردّا لما وصفوا أهل الإيمان بأشنع القبائح.

قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ)

أي : أولئك الذين أوتوا نصيبا من الكتاب لعنهم الله وأبعدهم من رحمته ، وإنّما أشار إليهم بالبعد لأجل بعدهم عن الحقّ وغورهم في الضلالة وكفرهم بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وخبث باطنهم.

قوله تعالى : (وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً)

بيان لجريان سنّته جلّ شأنه في الذين لعنهم الله تعالى وطردهم عن رحمته بأنّه لا ناصر لهم ، ومن ذا ينصر على الله من لعنه ، فلا ينصرهم أحد فيمنع عنهم العذاب.

٢٨٠