مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٨

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دفتر سماحة آية الله العظمى السبزواري
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٣
ISBN: 946-5665-07-8
الصفحات: ٣٩٧

١
٢

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٣))

الآيات الشريفة تبيّن حكما آخر ـ من الأحكام الاجتماعيّة ـ الذي له الأهميّة العظمى في الأديان الإلهيّة ، لا سيما شريعة الإسلام ، وتحدّد مسئولية الفرد تجاه التزاوج والنسل ، وتبيّن النكاح المحلّل الصحيح عن النكاح المحرّم الفاسد ؛ تهذيبا للشهوة العارمة وجعلها في المسار الصحيح ، لئلّا تتولّد الفاحشة ـ بعد ما أذن الشرع المبين في نكاح ما طاب من النساء ، فكان لا بد من بيان جوانب موضوع هذا الحكم المهم.

وقد حدّدت الآيات المباركة ما يحرم من النكاح من النساء بعد بيان كيفيّة المعاشرة مع الأزواج في الآية السابقة.

٥

التفسير

قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ).

مادة (نكح) تدلّ على الانضمام والاختلاط ، يقال : نكح المطر الأرض. إذا اختلط بثراها ، وتناكحت الأشجار إذا انضمّ بعضها مع بعض ، وتطلق على العقد باعتبار كونه سببا لاختلاط أحد الزوجين مع الآخر بالوجه الشرعي ، كما تطلق على ما وراء العقد وما يقصد به ، باعتبار كونه من لوازم الانضمام والاختلاط ، الظاهري ، أو على مسبّبه الواقعي وهو الوطء ، فالحقيقة واحدة والاختلاف بالاعتبار ، وقد استعمل في كلّ منهما ، ففي الحديث عن نبيّنا الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ولدت من نكاح لا من سفاح» ، أي : من وطء حلال لا حرام ، وفي حديث آخر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يحلّ للرجل من امرأته الحائض كلّ شيء إلّا النكاح» ، وقال الأعشى :

فلا تقربن جارة إن سرها

عليك حرام فانكحن أو تأبدا

أي : العقد. وبعد ذلك لا وجه للنزاع في كون هذا اللفظ حقيقة في العقد أو الوطء ، فإنّه استعمل في المعنى الجامع ، وهما من مظاهر ذلك. والنكاح في الشرع علقة الزواج ، وسببها هو العقد المبيح للوطء.

وكيف كان ، فالمراد من النكاح المنهي عنه في الآية الشريفة ، ما ضمّه الأب إليه من النساء بالعقد أو الوطء ، فيشمل المعقود عليها بالعقد الصحيح ، والموطوءة بالملك ، والموطوءة بالسفاح ، ويدلّ على ذلك الإجماع والأخبار المستفيضة.

و «ما» في قوله تعالى : (ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) موصولة واقعة على النوع أو القسم ، أي : لا تنكحوا مصاديق هذا النوع أو القسم ، نظير قوله تعالى : (أَوْ ما

٦

مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) [سورة النساء ، الآية : ٣] ، وقوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) [سورة النساء ، الآية : ٢٤] ، وقوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) [سورة النساء ، الآية : ٣].

وقيل : إن «ما» مصدرية ، أي : لا تنكحوا مثل نكاح آبائكم.

ولكنّه خلاف ظاهر الآية المباركة ، إلّا أن يراد منها المفعول به من المصدر ، أي : منكوحاتءابائكم. وهو وإن كان صحيحا ، لكنّه تطويل بلا طائل تحته.

والمراد بالآباء : كلّ من صدق عليه الأب من ناحية الأب أو الام ، فيدخل فيه أجداد الأب وأجداد الام وإن علوا. ويدلّ عليه ظاهر اللفظ وبعض الأخبار.

قوله تعالى : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ).

أي : إلّا ما وقع من هذه العلقة في السلف ـ يعني : في الجاهلية ـ قبل ورود النهي ، فانقضت بموت أو طلاق ، فلا يتناول ما يتجدّد في المستقبل.

وقد قيل في هذا الاستثناء وجوه ، ويمكن أن يكون (إلا) بمعنى (غير) صفة للموصول ، أو لعلقة النكاح المدلول عليها بالنهي.

وكيف كان ، فالآية الشريفة تدلّ على المبالغة في النهي والشدّة في التنزّه عن هذه الفاحشة ، وسدّ باب إباحتها حدوثا وبقاء.

قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً).

تقدّم معنى الفاحشة. والمقت : البغض ، أي : أن نكاح حلائل الآباء من الفاحشة التي حكمت الفطرة بقبحها ، وأنّها مبغوضة عند أرباب العقول وذوي المروءات.

قوله تعالى : (وَساءَ سَبِيلاً).

أي : بئس السبيل والطريق في النكاح الذي يقيم النسل ويجلب السعادة ، وقد ذمّ تعالى هذا السبيل مبالغة في ذمّ سالكه ، فلا بد من اتباع السبيل الذي حدّده عزوجل ، والبعد عمّا نهى عنه.

٧

وقد تتابع الذمّ على هذا الفعل الشنيع ؛ لبيان أنّه بلغ الغاية في القبح ؛ ولذا أفرد عزوجل هذا النكاح بالذكر عن غيره من الأفراد التي سيذكرها.

قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ).

بيان لأنواع المحرّمات النسبيّة في النكاح ، لحكمة متعالية وعلّة ثابتة واقعيّة.

وقد ذكر عزوجل أنواعا ثلاثة ، وهي : المحرّمات النسبيّة ، والمحرّمات بالمصاهرة ، والمحرّمات بالرضاع. ولكلّ نوع أصناف متعدّدة ، وهذه الآية الشريفة جمعت تلك الأصناف بأسلوب لطيف وبيان واضح.

والآية الكريمة تشتمل على المجاز العقلي ، فإنها نسبت الحرمة إلى الذوات كالأمهات والبنات وغيرهن ، والمراد بها حرمة نكاحهن ، الأعمّ من إيجاد علقة النكاح بالعقد المقصود به ذلك ، والوطء لمناسبة الحكم والموضوع ، فإنّها من القرائن التي يعتمد عليها المتعارف في المحاورات.

وللمقام نظائر كثيرة في القرآن الكريم ، قال تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) [سورة المائدة ، الآية : ٣] ، فإن المراد حرمة الأكل ، وقال تعالى : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) [سورة المائدة ، الآية : ٢٦] ، أي : سكنى الأرض ونحو ذلك.

والخطاب وإن كان متوجّها إلى الرجال ، لكنّه يشمل النساء ، فيحرم عليهن آباؤهن وأبناؤهن وغير ذلك ؛ للملازمة بينهما ؛ ولأنّ الخطبة والطلب إنّما يكون من الرجال عادة دون النساء.

والعموم في الموضعين في قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) انبساطي بالنسبة إلى الأفراد ، أي : كلّ فرد يحرم عليه نكاح امه وبنته وأخته.

٨

ثمّ إنّه ذكر سبحانه وتعالى في الآية الشريفة المحرّمات النسبيّة في أصناف :

الأول : الأمهات. والام هي كلّ امرأة ولدتك بلا واسطة ، أو بواسطة الأب أو الام ، كالجدّات من طرف الأب أو من طرف الام.

الثاني : البنات ، والبنت هي كلّ امرأة ترجع نسبها إليك بلا واسطة أو معها ، ذكرا أو أنثى. وبعبارة أخرى ، كلّ أنثى ولّدتها أو ولدت ممّن ولدتها.

وهاتان الطائفتان هما الأصول والفروع بالنسبة إلى الرجل. وقد أثبت علماء الطبيعة ومهرة خواص الآثار أن اتصال الفروع بالأصول أو بالعكس ، يوجب حدوث مفاسد ومضار ، ولهم في ذلك أدلّة وشواهد في النباتات والحيوانات ، ونسبوا بعضها إلى فلاسفة اليونان وغيرهم ، وتحريم الام على الابن. والبنت على أبيها ، أو الاخت على الأخ ، داخل في ما ذكروه ، ولعلّ العلوم الطبيعيّة الحديثة تكشف النقاب عن بعض الآثار في القرون الآتية إن شاء الله تعالى.

والعموم يشمل البنت المولودة بالوجه الشرعيّ والبنت المولودة من الزنا ؛ لصدق البنت عليها ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» في مقام بيان نفي آثار النسب الشرعيّ وفوائده عند الشكّ والتردّد ، لا نفي الحقيقة وجميع الآثار المترتّبة على النسب.

الثالث : الأخوات. والاخت هي كلّ أنثى ولدها شخص ولدك بلا واسطة ، والعموم يشمل الاخت من الأبوين ـ وهي الشقيقة ـ ومن الأب فقط أو من الام كذلك.

الرابع : العمّات. والعمّة كلّ أنثى هي اخت لذكر تنسب إليه بالولادة منه بواسطة أو بلا واسطة ، بلا فرق بين أن تكون من جهة الأب أو الام أو منهما.

الخامس : الخالات. والخالة كلّ أنثى هي اخت لانثى تنسب إليها بالولادة منها ، فهي تقابل العمّة ، فتدخل فيها خالة الأب أو خالة الام وهكذا. والتحريم في العمّة والخالة يختصّ بهما أنفسهما دون بناتهما.

٩

السادس : بنات الأخ ، أي : ويحرم على الرجل نكاح بنات أخيه ، سواء كن شقيقات أم من الأب فقط أم لام ، وكذلك فروعهن.

السابع : بنات الاخت ، سواء أكانت أختا شقيقة أم من الأب أم الام ، وكذا فروعهن.

وإنّما ذكر عزوجل الأخ والاخت مفردا إما لإرادة الجنس ، أو لإضافة الجمع (بنات) إليهما.

وكيف كان ، فهذه أصناف سبعة من النساء نسبية تحرم مؤبدا على الرجل ، بعضهن اصول الرجل ، وأخرى فرعه ، وثالثة من الحواشي القريبة ، ورابعة من الحواشي البعيدة ، وللفقهاء في ضبط المحرّمات النسبيّة عبارات متفاوتة ، وفي المقام فروع كثيرة من أراد الاطلاع عليها يراجع كتب الفقه ، وقد ذكرناها في كتابنا (مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام).

قوله تعالى : (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ).

هذا هو النوع الثاني ، وهي المحرّمات بالرضاعة ، وإنّما ذكر سبحانه وتعالى صنفين ، وهما الام والبنت ، للدلالة على أن الحال في الرضاع كالحال في النسب ، ويدلّ عليه قول نبيّنا الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» ، وهو يدلّ على أن الرضاعة من الروابط النسبيّة بحسب التشريع ، فيحرم كلّ عنوان رضاعي إذا كان مثل العنوان النسبيّ كالام والبنت والاخت والخالة وغير ذلك.

وظاهر الآية الشريفة يدلّ على ترتّب الحكم على مسمّى الرضاعة كيف اتفق ، ولكن السنّة الشريفة ذكرت لها شروطا ، فلا يمكن الأخذ بالإطلاق مع وجود القيد.

والرضاعة : ـ بفتح الراء ـ مصدر رضع ، ومثله الرضاعة بالكسر والرضاع ، والرضع كالكتف ، والمرضع هي المرأة التي يكون لها ولد ترضعه ،

١٠

والمرضعة إذا وصفت بإرضاع الولد ، والرضاع مصّ الثدي بالشروط المعروفة في كتب الفقه ، وقد ذكرناها في كتاب النكاح من (مهذب الأحكام).

وجملة : (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) صفة مبيّنة لجهة التسمية بالأم ، فيدور الإطلاق وشمول الحكم مدار هذه التسمية وتحقّق عنوان الام ، ولا تتأتى هذه لو كانت العبارة على غير النحو المذكور في القرآن الكريم.

والمراد من قوله تعالى : (وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) ، أي : الأخوات التي تتحقّق بسبب ارضاعهن من لبن هذه المرضع مع وحدة الفحل.

وكيف كان ، فكلّ عنوان محرم في النسب إذا تحقّق مثله بعينه من الرضاع يكون محرما ، سواء كان بسيطا ، كعنوان الام والاخت أم مركبا ، كعنوان بنات الأخ ونحوها من العناوين النسبيّة المذكورة في الآية الشريفة ، فلا فرق بين أن يكون كلا طرفي الإضافة من الرضاعة ، كالبنت الرضاعيّة للأخ الرضاعيّ ، أو كان أحد العنوانين نسبيّا والآخر رضاعيّا ، والتفصيل يطلب من كتابنا (مهذب الأحكام).

قوله تعالى : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ).

بيان للنوع الثالث ، وهو المحرّمات بالمصاهرة. والأمهات جمع أمهة ، يقال : أم وامهة بمعنى واحد. وقد ورد كلاهما في القرآن الكريم قال تعالى : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) [سورة الزخرف ، الآية : ٤].

وقيل : إن الأصل أم أمهة على وزن فعّلة مثل قبّره ، وقيل غير ذلك.

وإطلاق الآية الشريفة يشمل ام المرأة التي يتزوّجها الرجل وجدّتها ، سواء دخل بالمرأة أم لم يدخل ، ويدلّ عليه أيضا التقييد الآتي في قوله تعالى : (مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ).

كما أنّه يستفاد من إطلاق (نسائكم) ما يشمل المرأة المعقود عليها بالعقد الدائم أو بالعقد المنقطع ، أو من يدخل بها الرجل بملك اليمين.

١١

قوله تعالى : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ).

الربائب : جمع ربيبة من التربية ، فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكّر والمؤنّث ، ولكن لما الحق بالأسماء الجامدة جاز لحوق التاء له ، وهذا هو معنى قول النحاة والصرفيين : إن التاء للنقل إلى الاسميّة.

والربيب ابن الزوجة من غير الزوج ، والربيبة بنت امرأة الرجل من غيره ، وسمّيت بذلك لأنّها في معرض تربية الزوج غالبا ، وإن لم يكن كذلك دائما.

والحجور : جمع حجر بالفتح أو بالكسر ، وهو حضن الإنسان ، واستعمل في مطلق الكنف والمنعة ، يقال : فلان في حجر فلان ، أي : كنفه ومنعته وستره ، وهذا القيد لبيان الحكمة في تشريع الحكم لا العليّة ، وقد اتفق الجميع على أن الحكمة في التشريعات لا كليّة فيها ، وللإشارة إلى شدّة العلقة ، وأنّ التربية في غاية القرب ، فتكون مشاركة لسائر القريبات وبحكم الولد ، فلا يكون القيد حقيقيا احترازيا ، بل جرى مجرى الغالب ، فالتحريم يشمل الربيبة ـ سواء كانت في حجر الرجل أم لا ـ إذا تزوّج الرجل بأمها ودخل بها ، كما هو في الآية الشريفة نفيا وإثباتا.

قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ).

أي : وإن لم يتحقّق منكم الدخول بأم الربيبة فلا جناح عليكم في التزويج بها ، ويستفاد من الآية المباركة أنّ الدخول شرط في تحريم الربيبة على الزوج ، وإلا فلا بأس بالنكاح ولو تحقّق التربية في الحجور.

قوله تعالى : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ).

الحلائل : جمع الحليلة ، وهي الزوجة ، قيل : إنّه مشتق من الحلال ، فهي حليلة بمعنى محلّلة ، والزوج حليل وجمعه أحلة ، كعزير وأعزّة ، وقيل : هو من الحلول ؛ لأنّها تحلّ مع الزوج حيث حلّ ، فتكون فعيلة بمعنى فاعلة.

١٢

وكيف كان ، فالتاء فيها لاجرائها مجرى الواحد.

والمراد من الأبناء كلّ من انتسب بالإنسان بولادة ، سواء كان مباشرة من دون واسطة ، أم معها ، كابن الابن وابن البنت ، وهم الذين يسمّون بأولاد الصلب مقابل ولد التبنّي الذي كان شائعا في عصر نزول القرآن الكريم ، فكانوا يعاملون مع الولد الدعي معاملة ولدهم الحقيقي في كلّ ما يترتّب على النسب من الآثار ، كالخلطة ، والخلوة ، وعدم الحجاب ونحو ذلك ، وقد أبطل الإسلام هذه العادة ، وما كان تزويج الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله بزوجة زيد بن حارثة ، إلا لأجل إبطال ما كان معروفا من التبني ، قال تعالى : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) [سورة الأحزاب ، الآية : ٣٧].

وهذا القيد : (مِنْ أَصْلابِكُمْ) لا مفهوم له يثبت الحكم لحليلة الابن من الرضاع على الأب أيضا ؛ لأنّه يلحق بالولد الرضاعيّ ؛ لما تقدّم من أنّه «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» ، فتحرم حليلة الابن من الرضاع كما تحرم حليلة الابن للصلب على الأب.

قوله تعالى : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ).

بيان لنوع آخر من الأنواع المحرّمة ، وهو المحرّم بسبب عارض ، وهو الجمع بين الأختين ، سواء كان بالعقد أم بملك اليمين ـ على ما يأتي من التفصيل ـ أم بالاختلاف. فإن جمع بينهما بعقدين مترتّبين ، يكون السابق صحيحا واللاحق باطلا ، وإن جمع بينهما في عقد واحد يبطلان معا.

وقيل : هو مخيّر في إمساك أيتهما شاء ، ويدلّ على ذلك جملة من الروايات.

والمنساق من الآية الشريفة حرمة الجمع بينهما في النكاح في زمان واحد ، فلو زال هذا الوصف فلا بأس به ، كما إذا نكح الرجل إحدى الأختين ثم فارقها بالطلاق أو الموت ، فتزوّج الاخت الاخرى.

وفي المقام فروع كثيرة مذكورة في كتب الفقه ، فراجع (مهذب الأحكام).

١٣

قوله تعالى : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ).

أي : حرّم ذلك عليكم إلا ما وقع منكم في الجاهلية وزال موضوعه ، فإنّه مغفور لكم ومعفوّ عنكم ، ونظير هذا ما تقدّم في قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) ، ورفع الحكم لا يستلزم رفع الآثار المترتّبة عليه ، فتثبت القرابة الشرعيّة والتوارث بين القرابة المتولّدين من الجمع بين الأختين في الجاهلية.

وقيل : إنّه يمكن إرجاع هذه الجملة إلى جميع ما ورد في الآية المباركة ، من غير اختصاص بالفقرة الأخيرة ، فيأتي فيها ما ذكرناه آنفا ، ولكنّه بعيد من ظاهر الآية الشريفة. وإن كان يناسبه ذيل الآية الشريفة من سعة عفوه وغفرانه.

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً).

تعليل لما ذكر في المستثنى والمستثنى منه ، أي : أنّ الله تعالى غفور لما وقع منكم في الجاهلية ، والإطلاق يشمل آثار الذنب والمعاصي.

أي : أنّ الله تعالى غفور لما وقع منكم في الجاهلية ، رحيم بعباده ، يشرّع الأحكام لأجل سعادتكم وتكميل نفوسكم ، فهو رحيم بعباده ؛ لأنّه أرشدهم إلى ما هو الأصلح لهم في معاشهم ومعادهم.

وقد اتفق الفلاسفة المتألّهون وغيرهم على أن كلّما ينزل من السماء من الوحي المبين ، له علل ومصالح واقعيّة ، ربّما لا يدرك العقل تلك المصالح والعلل مهما بلغ شأنه ، فجميع ما ذكره عزوجل في الآية المباركة في حرمة تلك الطوائف والأفراد ذات مصلحة واقعيّة تكوينيّة ، لا سيما في تنظيم الاسرة ، وتهذيب السلوك والتخلّق بمكارم الأخلاق ، وبعث روح الاحترام والتقدير في النفوس بالنسبة إلى الآخرين ، ونزع روح الانتقام والبغضاء منها ، إلى غير ذلك من المصالح التي قد لا يدركها العقل إلا بعد قرون عديدة.

١٤

بحوث المقام

بحث دلالي :

تدلّ الآيات الشريفة على امور :

الأول : يدلّ قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً) ، على أنّ النكاح المحرّم ممّا يوجب الدخول في الفحشاء ، ويزيد الجرأة على ارتكاب المآثم ، وأنّه السبيل الذي لا يهدى إلى الكمال المنشود في تكوين الاسرة والاجتماع ، ويستلزم بعث روح الانتقام والبغضاء في النفوس.

وبالجملة : أنّ النكاح المحرّم يؤثّر في النفوس والأعقاب ، ويوجب استيلاء مادة الفساد وروح الانتقام والبغضاء ، والاستهانة بالحقائق والمقدّسات ، والدخول في مسالك وسبل لا توصل الإنسان إلى الكمال.

الثاني : يستفاد من قوله تعالى : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) ، رفع الحكم الوضعيّ والتكليفيّ معا بالنسبة إلى ما وقع قبل تشريع الحكم ، أي : أنّ هذا النكاح الذي حرّمه الله تعالى جار من حين إنشاء الحكم ، لا أن يعمّ ما قبله ، فلا حرمة له في ما سبق ولا أثر له من ذنب وغيره ، ولكن هذا لا يدلّ على أنّ النكاح الموجود حين التشريع مباح لهم ، فإنّ التشريع قد حرّمه بقاء ، فتجب المفارقة فورا.

وعلى هذا ، فلا معنى للنزاع في ان الاستثناء في الآية الشريفة منقطع أو متصل.

الثالث : قال بعض العلماء : إنّه يمكن أن يستفاد من قوله تعالى : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) الحكمة في تشريع الأحكام في هذه الآية ، وهي الاختلاط وشدّة المصاحبة والمعاشرة بين هذه الأصناف من النساء المذكورات في الآية المباركة وبين الرجل ، بحيث يعدّ أحدهما من الآخر ، وفي هذه الحالة لا وجه للنكاح.

١٥

وهو وإن كان حسنا ثبوتا ، ولكن لا كليّة فيه إثباتا ، بل إن ذيل الآية الكريمة : (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَ) ينافي ما ذكره من التعليل.

بحث روائي

في تفسير العياشي في قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) عن الباقر عليه‌السلام : «لا يصلح للرجل أن ينكح امرأة جدّه».

أقول : التعبير ب (لا يصلح) لا ينافي الحرمة ، لاستعماله كثيرا في الأعمّ.

وفي الدرّ المنثور : أخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) ، قال : «نزلت في أبي قيس بن الاسلت خلف على ام عبيد بنت ضمرة كانت تحت الاسلت أبيه ، وفي الأسود بن خلف ، وكان خلف على بنت أبي طلحة بن عبد العزي بن عثمان بن عبد الدار ، وكانت عند أبيه خلف ، وفي فاختة ابنة الأسود بن المطلب بن أسد ، كانت عند امية بن خلف ، فخلف عليها صفوان بن امية ، وفي منظور بن رباب ، وكان خلف على مليكة ابنة خارجة وكانت عند أبيه رباب بن سيار».

وفيه ـ أيضا ـ : أخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي قال : «كان الرجل إذا توفّى عن امرأة كان ابنه أحقّ بها أن ينكحها إن شاء ، إن لم تكن أمّه ، أو ينكحها من شاء ، فلمّا مات أبو قيس بن الاسلت قام ابنه محصن فورث نكاح امرأته ولم ينفق عليها ولم يورثها من المال شيئا ، فأتت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فذكرت ذلك له ، فقال : ارجعي لعلّ الله ينزل فيك شيئا ، فنزلت : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) ، ونزلت : (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً).

وفيه : أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال : «كان أهل الجاهليّة يحرّمون ما حرّم الله إلا امرأة الأب ، والجمع بين الأختين ، فأنزل الله : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) ، وقوله تعالى : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ).

١٦

أقول : في مضمون ذلك أخبار اخرى ، ولا منافاة بينها بعد إمكان تعدّد منشأ النزول.

وفي كتب الأحاديث والفقه عن نبيّنا الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إن الله حرّم من الرضاعة ما حرّم من النسب» ، وفي حديث آخر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الرضاع لحمة كلحمة النسب».

أقول : الحديثان معروفان عند الإماميّة والجمهور ، ومذكوران في كتب الحديث والفقه.

وفي الدرّ المنثور : أخرج مالك وعبد الرزاق عن عائشة ، قالت : «كان في ما انزل من القرآن عشر رضعات معلومات ، فنسخن بخمس معلومات ، فتوفّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهن في ما يقرأ من القرآن».

أقول : الرواية تدلّ على التحريف ، فهي مطروحة. وأما نشر الحرمة بالرضاع فله شروط مذكورة في الفقه ، وقد تعرّضنا لها في كتابنا (مهذب الأحكام).

وفي الفقيه والتهذيب : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إذا تزوّج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالأم ، فإذا لم يدخل بالأم فلا بأس أن يتزوّج بالابنة ، وإذا تزوّج الابنة فدخل بها أو لم يدخل بها فقد حرمت عليه الام ، وقال عليه‌السلام : الربائب حرام ، كن في الحجر أو لم يكن».

وفي الاستبصار : عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل تكون له الجارية فيصيب منها ، أله أن ينكح ابنتها؟ قال عليه‌السلام : لا ، هي كما قال الله تعالى : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ).

أقول : الروايات في هذا المعنى متضافرة عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام بل يعتبر ذلك من مذهبهم ، وقد ذكرنا جملة منها في كتابنا (مهذب الأحكام) ، وهي

١٧

صريحة في اشتراط الدخول بالأم في حرمة البنت وعدم اشتراط الحجور أيضا.

ولكن ، في بعض الروايات التي رواها أهل السنّة والجماعة عن علي عليه‌السلام أنّه اشترط الحجور في حرمة البنت.

ولكنّه مردود بما علمت ، ومخالف لما هو المستفاد من الآية الشريفة.

وفي الدرّ المنثور : أخرج عبد الرزاق ، وعبد الحميد ، وابن جرير وابن المنذر ، والبيهقي في سننه من طريقين ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوّج أمها ، دخل بالابنة أو لم يدخل ، وإذا تزوّج الام فلم يدخل بها ثم طلّقها ، فإن شاء تزوّج الابنة».

أقول : في مضمون ذلك روايات متعدّدة.

وفي الاستبصار : عن جعفر ، عن أبيه : «أن عليّا عليه‌السلام كان يقول : الربائب عليكم حرام مع الأمهات اللاتي دخلتم بهن ، في الحجور وغير الحجور سواء ، والأمهات دخل بالبنات أم لم يدخل ، فحرّموا وأبهموا ما أبهم الله».

أقول : صدر الحديث موافق لما هو المأثور عن الأئمة عليهم‌السلام ، والمعروف من مذهبهم كما تقدّم. وأما ذيل الحديث : «والأمهات مبهمات» ، أي : أمهات نسائكم مطلقات غير مقيدة بالدخول بالبنت ، فهن محرّمات سواء دخل بالبنات أم لا.

وفي الكافي : عن منصور بن حازم قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوّج امرأة فماتت قبل أن يدخل بها أيتزوّج بأمها؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : قد فعله رجل منا فلم ير به بأسا ، فقلت : جعلت فداك ما تفتخر الشيعة إلا بقضاء علي عليه‌السلام في هذا الشمخية التي أفتاه ابن مسعود أنّه لا بأس بذلك ، ثمّ أتى عليّا عليه‌السلام فسأله.

فقال له علي عليه‌السلام : من أين أخذ بها؟ فقال : من قول الله عزوجل : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا

١٨

دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) ، فقال علي عليه‌السلام : إن هذه مستثناة وهذه مرسلة ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أما تسمع ما يروى هذا عن علي عليه‌السلام؟ فلما قمت ندمت وقلت : أي شيء صنعت؟ يقول : قد فعله رجل منّا ولم ير به بأسا وأقول أنا : قضى عليّ فيها! فلقيته بعد ذلك وقلت : جعلت فداك ، مسألة الرجل إنّما كان الذي قلت كان زلّة مني فما تقول فيها ، فقال : يا شيخ ، تخبرني أن عليّا عليه‌السلام قضى فيها وتسألني ما تقول فيها؟!».

أقول : الظاهر من قوله عليه‌السلام : «رجل منا» ، أي : ابن مسعود كما يأتي في ما رواه الدرّ المنثور ، وأما قضاء علي عليه‌السلام كان في حرمة ام الزوجة مطلقا ، فلا محالة لا بد من حمل الرواية على التقية ، فلا يصحّ التمسّك بالرواية مقابل ظاهر الآية الشريفة والروايات المستفيضة وإجماع الفقهاء الدالّة على حرمة ام الزوجة مطلقا.

وفي الدرّ المنثور عن البيهقي في سننه : «أن رجلا من بني شمخ تزوّج امرأة ولم يدخل بها ، ثمّ رأى أمها فأعجبته ، فاستفتى ابن مسعود فأمره أن يفارقها ثم يتزوّج أمها ففعل وولدت له أولادا ، ثمّ أتى ابن مسعود المدينة فقيل له : لا تصلح ، فلما رجع إلى الكوفة فقال للرجل : إنّها عليك حرام ففارقها».

أقول : حكم الجواز لم يصدر عن معصوم ، فلا يمكن الاعتماد على هذه الرواية.

وفيه أيضا عن علي عليه‌السلام : «إنّ ام الزوجة لا بأس بنكاحها قبل الدخول بالبنت ، وإنّها بمنزلة الربيبة ، إذا لم تكن في حجر زوج أمها لم تحرم عليه نكاحها».

أقول : هذه الرواية مخالفة المذهب أهل البيت والمأثور عنهم عليهم‌السلام كما عرفت.

وفي التهذيب : عن عبد الله بن سنان قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا كانت عند الإنسان الأختان المملوكتان ، فنكح إحديهما ثمّ بدا له في الثانية ، فليس ينبغي له أن ينكح الاخرى حتّى تخرج الاولى من ملكه ، يهبها فإن وهبها لولده يجزيه».

١٩

أقول : الرواية تدلّ على حرمة الجمع بين الأختين في الوطء بالملك ، وما ورد في روايات اخرى من جواز الجمع بينهما في أصل الملكية ، لا بد من طرحها أو حملها على عدم وطئهما أو إحداهما وغير ذلك.

وفي تفسير العياشي : عن أبي عون قال : «سمعت أبا صالح الحنفي قال : قال علي عليه‌السلام ذات يوم : سلوني ، فقال ابن الكواء : أخبرني عن بنت الاخت من الرضاعة ، وعن المملوكتين الأختين ، فقال : إنّك لذاهب في التيه ، سل عمّا يعنيك أو ينفعك ، فقال ابن الكواء : إنّما نسألك عمّا لا نعلم ، وأما ما نعلم فلا نسألك عنه ، ثمّ قال : أما الأختان المملوكتان أحلّتهما آية وحرّمتهما آية ، ولا أحلّه ولا أحرّمه ، ولا افعله أنا ولا واحد من أهل بيتي».

أقول : هذا الحديث يفسّره ما ورد عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رواية عبد الله بن سنان المروية في التهذيب كما تقدّم ، ويشهد لذلك ما روى عن قبيصة بن ذؤيب : «ان رجلا سأله عليه‌السلام عن ذلك فقال : لو كان إليّ من الأمر شيء ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا» ، فإنها ظاهرة في أن الجمع بين المملوكتين كان شائعا في عصر الأئمة عليهم‌السلام ، ولكنّه عليه‌السلام لم يقدر على بيان الحكم الواقعي للتقية ، والتفصيل مذكور في كتب الفقه فراجع.

وفي التهذيب : عن معمر بن يحيى بن سالم قال : «سألنا أبا جعفر عليه‌السلام عمّا يروي الناس عن أمير المؤمنين عليه‌السلام عن أشياء لم يكن يأمر بها ولا ينهى إلا نفسه وولده ، فقلت : كيف يكون ذلك؟ قال : قد أحلّتها آية وحرّمتها آية أخرى. فقلنا : الأولى أن يكون إحديهما نسخت الاخرى ، أم هما محكمتان ينبغي أن يعمل بهما؟ فقال : قد بيّن لهم إذ نهى نفسه وولده ، قلنا : ما منعه أن يبيّن ذلك للناس؟ قال : خشي أن لا يطاع ، فلو أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ثبت قدماه أقام كتاب الله والحقّ كلّه».

أقول : ظهر وجه ما تقدّم من هذه الرواية.

٢٠