تفسير الثعالبي - ج ٥

عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف أبي زيد الثعالبي المالكي

تفسير الثعالبي - ج ٥

المؤلف:

عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف أبي زيد الثعالبي المالكي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٧١

في الحديث ، ويقال : أكبّ الرجل إذا درّ وجهه إلى الأرض ، وكبّه غيره ، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «وهل يكبّ الناس في النار على وجوههم إلّا حصائد ألسنتهم» (١) فهذا الفعل على خلاف القاعدة المعلومة ؛ لأنّ «أفعل» هنا لا يتعدّى ، و «فعل» يتعدّى ، ونظيره قشعت الريح السّحاب فانقشع ، وقال ـ ص ـ : (مُكِبًّا) حال وهو من أكبّ غير متعدّ ، وكبّ متعد ، قال تعالى : (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) [النمل : ٩٠] والهمزة فيه للدخول في الشيء ، أو للصيرورة ، ومطاوع / كبّ : انكبّ ، تقول كببته فانكبّ ، قال بعض الناس : ولا شيء من بناء «أفعل» مطاوعا ، انتهى ، و (أَهْدى) في هذه الآية أفعل تفضيل من الهدى.

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ)(٣٠)

وقوله تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) يريدون أمر القيامة والعذاب المتوعّد به ، ثم أمر سبحانه نبيه* ع* أن يخبرهم بأنّ علم القيامة والوعد الصدق مما تفرّد الله ـ سبحانه ـ بعلمه.

وقوله سبحانه : (فَلَمَّا رَأَوْهُ) الضمير للعذاب الذي تضمّنه الوعد ، وهذه حكاية حال تأتي ، والمعنى : فإذا رأوه.

و (زُلْفَةً) معناه قريبا ، قال الحسن : عيانا (٢).

و (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) معناه : ظهر فيها السوء.

و (تَدَّعُونَ) معناه : تتداعون أمره بينكم ، وقال الحسن : تدعون أنّه لا جنّة ولا نار (٣) ، وروي في تأويل قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ ...) الآية ، أنّهم كانوا يدعون على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه بالهلاك ، فقال الله تعالى لنبيه : قل لهم : أرأيتم

__________________

(١) تقدم تخريجه.

(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ١٧٢ ـ ١٧٣) ، برقم : (٣٤٥١٦ ـ ٣٤٥١٧) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٤٣)

(٣) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٤٣)

٤٦١

إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا ، فمن يجيركم من العذاب الذي يوجبه كفركم؟ ، ثم وقفهم سبحانه على مياههم التي يعيشون منها ، إن غارت ، أي : ذهبت في الأرض ، من يجيئهم بماء كثير كاف؟ ـ ص ـ : والغور : مصدر بمعنى الغائر ، انتهى ، والمعين : فعيل من معن الماء إذا كثر ، وقال ابن عبّاس : معين عذب (١) :

__________________

(١) أخرجه الطبري (١٢ / ١٧٤) ، برقم : (٣٤٥٢٤) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٤٤) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٨٦) ، وعزاه لعبد بن حميد.

٤٦٢

تفسير سورة القلم

وهي مكّيّة بلا خلاف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)(٧)

قوله عزوجل : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ن) حرف مقطع في قول الجمهور ، فيدخله من الاختلاف ما يدخل أوائل السّور ، ويختصّ هذا الموضع من الأقوال ، بأن قال مجاهد وابن عبّاس : (ن) اسم الحوت الأعظم / الّذي عليه الأرضون السّبع فيما يروى (١) ، وقال ابن عبّاس أيضا وغيره : (ن) اسم الدّواة (٢) ، فمن قال بأنه اسم الحوت جعل [القلم] القلم الذي خلقه الله وأمره بكتب الكائنات ، وجعل الضمير في (يَسْطُرُونَ) للملائكة ، ومن قال بأنّ (ن) اسم للدّواة جعل القلم هذا القلم المتعارف بأيدي الناس ؛ نصّ على ذلك ابن عبّاس وجعل الضمير في (يَسْطُرُونَ) للنّاس فجاء القسم على هذا بمجموع أمر الكتاب الذي هو قوام للعلوم والمعارف ، وأمور الدنيا ، والآخرة ، فإنّ القلم أخو اللسان ، وعضد الإنسان ، ومطيّة الفطنة ، ونعمة من الله عامّة ، وروى معاوية بن قرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «(ن) لوح من نور».

__________________

(١) ذكره البغوي (٤ / ٣٧٤) ، وابن عطية (٥ / ٣٤٥) ، وابن كثير (٤ / ٤٠٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٨٧) ، وعزاه لابن جرير ، والطبراني ، وابن مردويه عن ابن عبّاس ، (٦ / ٣٨٨) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن المنذر عن مجاهد.

(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ١٧٦) ، برقم : (٣٤٥٣٨ ـ ٣٤٥٣٩) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٤٥) ، وابن كثير (٤ / ٤٠١) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٨٨) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر

٤٦٣

وقال ابن عبّاس أيضا وغيره : (ن) هو حرف من حروف الرحمن (١) ، وقالوا إنّه تقطّع في القرآن (الر) و (حم) و (ن) ، و (يَسْطُرُونَ) : معناه : يكتبون سطورا ، فإن أراد الملائكة فهو كتب الأعمال وما يؤمرون به ، وإن أراد بني آدم ؛ فهي الكتب المنزلة والعلوم وما جرى مجراها ، قال ابن العربي في «أحكامه» : روى الوليد بن مسلم عن مالك عن سميّ مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «أوّل ما خلق الله القلم ، ثمّ خلق النون ، وهي الدواة ، وذلك قوله : (ن وَالْقَلَمِ) ثم قال له : اكتب ؛ قال : وما أكتب؟ قال : ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ، قال : ثمّ ختم العمل ، فلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة ، ثمّ خلق العقل ، فقال الجبّار : ما خلقت خلقا أعجب إليّ منك ، وعزّتي لأكمّلنّك فيمن أحببت ، ولأنقصنّك فيمن أبغضت ، / قال : ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أكمل الناس عقلا أطوعهم لله وأعملهم بطاعته» (٢) ، انتهى ، * ت* : وهذا الحديث هو الذي يعوّل عليه في تفسير الآية ، لصحته ، والله سبحانه أعلم.

وقوله تعالى : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) هو جواب القسم ، و (ما) هنا عاملة لها اسم وخبر ، وكذلك هي متى دخلت الباء في الخبر ، وقوله : (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) اعتراض ، كما تقول لإنسان : أنت بحمد الله فاضل ، وسبب الآية هو ما كان من قريش في رميهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجنون ، فنفى الله تعالى ذلك عنه ، وأخبره بأنّ له الأجر ، وأنّه على الخلق العظيم تشريفا له ، ومدحا واختلف في معنى (مَمْنُونٍ) فقال أكثر المفسرين : هو الواهن المنقطع ، يقال : حبل منين أي : ضعيف ، وقال آخرون : معناه : غير ممنون عليك ، أي : لا يكدّره منّ به ، وفي الصحيح : سئلت عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن خلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : «كان خلقه القرآن» ، وقال الجنيد : سمّي خلقه عظيما ؛ إذ لم تكن له همة سوى الله تعالى ؛ عاشر الخلق بخلقه ، وزايلهم بقلبه فكان ظاهره مع الخلق ، وباطنه مع الحق ، وفي وصيّة بعض الحكماء : عليك بالخلق مع الخلق ، وبالصّدق مع الحقّ ، وحسن الخلق

__________________

(١) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٤٥)

(٢) أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (١٣ / ٤٠).

قال الشوكاني في «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» (٤٧٩).

قال ابن عدي : باطل منكر ؛ آفته محمّد بن وهب الدمشقي.

وقال في الميزان : صدق ابن عدي في أن هذا الحديث باطل ، وقد أخرجه الدارقطني في «الغرائب» من طريقه.

ورواه ابن عساكر عن أبي هريرة مرفوعا ، والخطيب عن علي مرفوعا. ا ه من كلام الشوكاني.

٤٦٤

خير كلّه ، وقال* ع* : «إنّ المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم اللّيل ، صائم النّهار» وجاء في حسن الخلق آثار كثيرة منعنا من جلبها خشية الإطالة ، وقد روى الترمذيّ عن أبي هريرة قال : «سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما يدخل الناس الجنّة؟ فقال : تقوى الله وحسن الخلق ، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس / النّار؟ فقال : الفم والفرج» (١) ، قال أبو عيسى : هذا حديث صحيح غريب ، انتهى ، وروى الترمذيّ عن أبي الدرداء أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ، وإنّ الله ليبغض الفاحش البذيّ» (٢) ، قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح ، انتهى ، قال أبو عمر في «التمهيد» : قال الله ـ عزوجل ـ لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) قال المفسرون : كان خلقه ما قال الله سبحانه : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) [الأعراف : ١٩٩] انتهى.

وقوله تعالى : (فَسَتُبْصِرُ) أي : أنت وأمّتك ، (وَيُبْصِرُونَ) أي : هم ، (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) قال الأخفش : والعامل في الجملة المستفهم عنها الإبصار ، وأمّا الباء فقال أبو عبيدة معمر وقتادة : هي زائدة والمعنى : أيكم المفتون (٣) ، قال الثعلبيّ : المفتون المجنون الذي فتنه الشيطان ، انتهى.

(فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)(١١)

وقوله تعالى : (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) يعني : قريشا ، وذلك أنهم قالوا في بعض الأوقات للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو عبدت آلهتنا وعظّمتها لعبدنا إلهك وعظمناه ، وودّوا أن يداهنهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويميل إلى ما قالوا ، فيميلوا هم أيضا إلى قوله ودينه ، والإدهان الملاينة فيما لا

__________________

(١) أخرجه الترمذي (٤ / ٣٦٣) ، كتاب «البر والصلة» باب : ما جاء في حسن الخلق (٢٠٠٤) ، وابن حبان (٦ / ٩٩) ـ الموارد ، (١٩٢٣) ، والحاكم في «المستدرك» (٤ / ٣٢٤) ، وابن ماجه (٢ / ١٤١٨) ، كتاب «الزهد» باب : ذكر الذنوب (٤٢٤٦) ، والبخاري (٨٩) (٢٩٩١) ، وأحمد (٢ / ٣٩٢).

قال الترمذي : هذا حديث صحيح غريب.

وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي.

(٢) أخرجه أبو داود (٢ / ٦٦٩) ، كتاب «الأدب» باب : في حسن الخلق (٤٧٩٩) مختصرا ، والترمذي (٤ / ٣٦٢) ، كتاب «البر والصلة» باب : ما جاء في حسن الخلق (٢٠٠٢) ، وأبو نعيم في «الحلية» (٥ / ٢٤٣) مختصرا.

قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

(٣) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٤٦)

٤٦٥

يحلّ ، والمداراة الملاينة فيما يحل.

وقوله : (فَيُدْهِنُونَ) معطوف وليس بجواب ، لأنّه لو كان لنصب ، والحلّاف المردّد لحلفه الذي قد كثر منه ، والمهين الضّعيف الرأي ، والعقل ؛ قاله مجاهد (١) ، وقال ابن عبّاس : المهين الكذّاب (٢) ، والهمّاز الذي يقع في الناس بلسانه (٣) ، قال منذر بن سعيد : وبعينه وإشارته ، / والنميم مصدر كالنّميمة ، وهو نقل ما يسمع مما يسوء ويحرّش النفوس ، قال أبو عمر بن عبد البر في كتابه المسمّى ب «بهجة المجالس» قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من كفّ عن أعراض المسلمين لسانه ؛ أقاله الله يوم القيامة عثرته» (٤) ، وقال ـ عليه الصلاة والسّلام ـ : «شراركم أيّها الناس المشّاءون بالنّميمة ، المفرّقون بين الأحبّة ، الباغون لأهل البرّ العثرات» (٥) انتهى ، وروى حذيفة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يدخل الجنّة قتّات» (٦) ، وهو النّمّام ، وذهب كثير من المفسّرين إلى أنّ هذه الأوصاف هي أجناس لم يرد بها رجل بعينه ، وقالت طائفة : بل نزلت في معيّن ، واختلفوا فيه ، فقال بعضهم : هو الوليد بن المغيرة ،

__________________

(١) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٤٧) ، وابن كثير (٤ / ٤٠٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٩٢) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن المنذر.

(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ١٨٣) ، برقم : (٣٤٥٨١) ، وذكره البغوي (٤ / ٣٧٧) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٤٧) ، وابن كثير (٤ / ٤٠٣)

(٣) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٤٧)

(٤) تقدم تخريجه.

(٥) أخرجه أحمد (٤ / ٢٢٧).

قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٨ / ٩٦) : رواه أحمد وفيه شهر بن حوشب ، وقد وثقه غير واحد ، وبقية رجال أحمد أسانيده رجال «الصحيح».

(٦) أخرجه مسلم (١ / ١٠١) ، كتاب «الإيمان» باب : بيان غلظ تحريم النميمة ، حديث (١٦٨ / ١٠٥) ، وأحمد (٥ / ٣٩١ ، ٣٩٦ ، ٣٩٨ ، ٤٠٦) من طريق واصل الأحدب ، عن أبي وائل عن حذيفة بن اليمان ، أنه بلغه : أن رجلا كان ينم الحديث ، فقال حذيفة : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لا يدخل الجنة نمام».

وللحديث طريق آخر عن حذيفة ، وفيه قتات بدل نمام ، أخرجه البخاري (١٠ / ٤٨٧) ، كتاب «الأدب» باب : ما يكره من النميمة ، حديث (٦٠٥٦) ، ومسلم (١ / ١١) ، كتاب «الإيمان» باب : بيان غلظ تحريم النميمة (١٦٩ / ١٠٥) ، وأبو داود (٢ / ٦٨٤) ، كتاب «الأدب» باب : في القتات ، حديث (٤٨٧١) ، والترمذي (٤ / ٣٢٩) ، كتاب «البر والصلة» باب : ما جاء في النمام ، حديث (٢٠٢٦) * ، وأحمد (٥ / ٣٨٢ ، ٣٨٩ ، ٣٩٢ ، ٤٠٢ ، ٤٠٤) ، والبيهقي (٨ / ١٦٦) ، كتاب «قتال أهل البغي» باب : ما على من رفع إلى السلطان ما فيه ضرر ، والبغوي في «شرح السنة» (٦ / ٥٢٣) ـ بتحقيقنا ، والطبراني في «الصغير» (١ / ٢٠٣) ، وفي «الكبير» (٣ / ١٨٦) ، برقم : (٣٠٢٠) ، وأبو نعيم في «الحلية» (٤ / ١٧٩) ، والخطيب في «تاريخ بغداد» (١١ / ٢٣٧) من طريق همام بن الحارث عن حذيفة مرفوعا.

٤٦٦

وقيل هو : الأخنس بن شريق ، ويؤيد ذلك أنه كانت له زنمة في حلقه كزنمة (١) الشاة ، وأيضا فكان من ثقيف ملصقا في قريش ، وقيل : هو أبو جهل ، وقيل : هو الأسود بن عبد يغوث ، قال* ع (٢) * : وظاهر اللفظ عموم من اتّصف بهذه الصفات ، والمخاطبة بهذا المعنى مستمرة باقي الزّمان ، لا سيما لولاة الأمور.

(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣) أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)(١٥)

وقوله تعالى : (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) قال كثير من المفسرين : الخير هنا المال فوصفه بالشّحّ ، وقال آخرون : بل هو على عمومه في الأموال والأعمال الصالحات ، والمعتدي المتجاوز لحدود الأشياء ، والأثيم فعيل من الإثم ، والعتلّ : القويّ البنية ، الغليظ الأعضاء ، القاسي القلب ، البعيد الفهم ، الأكول الشروب ، الذي هو باللّيل جيفة وبالنّهار حمار ، وكلّ ما عبر به المفسرون عنه من خلال النقص ، فعن هذه الّتي ذكرت / تصدر ، وقد ذكر النقاش أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسّر العتلّ بنحو هذا ، وهذه الصفات كثيرة التّلازم ، والزّنيم في كلام العرب : الملصق في القوم وليس منهم ؛ ومنه قول حسّان : [الطويل]

وأنت زنيم نيط في آل هاشم

كما نيط خلف الراكب القدح الفرد

فقال كثير من المفسرين : هو الأخنس بن شريق ، وقال ابن عبّاس : أراد بالزنيم ؛ أنّ له زنمة في عنقه (٣) ، وكان الأخنس بهذه الصفة ، وقيل : الزّنيم : المريب القبيح الأفعال.

(سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦) إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ (٢٨) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ)(٣٢)

وقوله : (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) معناه : على الأنف. قال ابن عبّاس : هو الضّرب

__________________

(١) زنمة الشاة : هنة معلقة في حلقها تحت لحيتها ، وخص بعضهم به العنز.

(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٤٧)

(٣) أخرجه الطبري (١٢ / ١٨٦) ، برقم : (٣٤٦١٤) ، وذكره البغوي (٤ / ٣٧٨) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٤٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٩٤) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر.

٤٦٧

بالسّيف في وجهه وعلى أنفه (١) ، وقد حلّ ذلك به يوم بدر ، وقيل : ذلك الوسم هو في الآخرة ، وقال قتادة وغيره : معناه سنفعل به في الدنيا من الذّمّ له والمقت والاشتهار بالشر ، ما يبقى فيه ولا يخفى به ، فيكون ذلك كالوسم على الأنف (٢).

وقوله سبحانه : (إِنَّا بَلَوْناهُمْ) يريد : قريشا ، أي : امتحنّاهم ، و (أَصْحابَ الْجَنَّةِ) فيما ذكر كانوا إخوة ، وكان لأبيهم جنّة وحرث يغتلّه ، فكان يمسك منه قوته ، ويتصدّق على المساكين بباقيه ، وقيل : بل كان يحمل المساكين معه في وقت حصاده وجذّه فيجديهم منه ، فمات الشيخ ، فقال ولده : نحن جماعة وفعل أبينا كان خطأ فلنذهب إلى جنّتنا ، ولا يدخلنّها علينا مسكين ، ولا نعطي منها شيئا ، قال : فبيّتوا أمرهم وعزمهم ، فبعث الله عليها طائفا من نار أو غير ذلك ، فاحترقت ، فقيل : فأصبحت سوداء ، وقيل : بيضاء كالزّرع اليابس المحصود ، فلما أصبحوا إلى جنتهم ؛ لم يروها فحسبوا أنهم قد أخطؤوا الطريق ، ثم تبيّنوها فعلموا أنّ الله / أصابهم فيها ، فتابوا حينئذ فكانوا (٣) مؤمنين أهل كتاب ، فشبّه الله قريشا بهم في أنّه امتحنهم بالمصائب ، في دنياهم لعدم اتّباعهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثمّ التوبة معرّضة لمن بقي منهم.

وقوله تعالى : (لَيَصْرِمُنَّها) أي : ليجذّنّها ، و (مُصْبِحِينَ) معناه : داخلين في الصباح.

وقوله تعالى : (وَلا يَسْتَثْنُونَ) [أي : لا ينثنون] (٤) عن رأي منع المساكين ، وقال مجاهد : معناه ولا يقولون إن شاء الله (٥). والصريم ، قال جماعة : أراد به اللّيل من حيث اسودّت جنّتهم ، وقال ابن عبّاس : الصريم : الرماد الأسود بلغة خزيمة ، وقولهم : (إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) يحتمل أن يكون من صرام النخل ، ويحتمل أن يريد إن كنتم أهل عزم وإقدام على رأيكم ، من قولك سيف صارم (٦) ، و (يَتَخافَتُونَ) : معناه يتكلّمون كلاما خفيّا ، وكان هذا التخافت خوفا من أن يشعر بهم المساكين ، وكان لفظهم الذي يتخافتون به : (أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ).

__________________

(١) أخرجه الطبري (١٢ / ١٨٨) ، برقم : (٣٤٦٢٨) ، وذكره البغوي (٤ / ٣٧٩) ، وابن عطية (٥ / ٣٤٩) ، وابن كثير (٤ / ٤٠٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٩٤) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه.

(٢) ذكره البغوي (٤ / ٣٧٩) ، وابن عطية (٥ / ٣٤٩) ، وابن كثير (٤ / ٤٠٥)

(٣) في ط : وكانوا.

(٤) سقط في : د.

(٥) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٤٩)

(٦) ذكره البغوي (٤ / ٣٧٩) ، وابن عطية (٥ / ٣٤٩) ، وابن كثير (٤ / ٤٠٦)

٤٦٨

وقوله : (عَلى حَرْدٍ) يحتمل أن يريد على منع ، من قولهم : حاردت الإبل إذا قلّت ألبانها فمنعتها ، وحاردت السنة إذا كانت شهباء لا غلّة لها ، ويحتمل أن يريد بالحرد الغضب ، يقال حرد الرجل حردا إذا غضب ، قال البخاريّ قال قتادة : (عَلى حَرْدٍ) [أي : على جدّ] (١) في أنفسهم ، انتهى(٢).

وقوله تعالى : (قادِرِينَ) يحتمل أن يكون من القدرة ، أي : قادرون في زعمهم ويحتمل أن يكون من التّقدير الذي هو تضييق ، كأنّهم قد قدروا على المساكين ، أي ضيّقوا عليهم ، (فَلَمَّا رَأَوْها) أي : محترقة (قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) طريق جنّتنا فلما تحقّقوها / علموا أنها قد أصيبت فقالوا : (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) أي : قد حرمنا غلّتها وبركتها ، فقال لهم أعدلهم قولا وعقلا وخلقا وهو الأوسط ؛ (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) قيل هي عبارة عن تعظيم الله والعمل بطاعته سبحانه ، فبادر القوم عند ذلك وتابوا وسبّحوا ، واعترفوا بظلمهم في اعتقادهم منع الفقراء ، ولام بعضهم بعضا واعترفوا بأنهم طغوا ، أي : تعدّوا ما يلزم من مواساة المساكين ، ثم انصرفوا إلى رجاء الله سبحانه وانتظار الفضل من لدنه في أن يبدلهم ، بسبب توبتهم ، وإنابتهم خيرا من تلك الجنة ، قال الثعلبي : قال ابن مسعود : بلغني أن القوم لما أخلصوا وعلم الله صدقهم أبدلهم الله ـ عزوجل ـ بها جنة يقال لها الحيوان ، فيها عنب يحمل البغل العنقود منها (٣) ، وعن أبي خالد اليماني أنه رأى تلك الجنة ورأى كلّ عنقود منها كالرّجل الأسود القائم ، انتهى ، ، وقدرة الله أعظم فلا يستغرب هذا إن صحّ سنده.

(كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٤١) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ)(٤٣)

وقوله سبحانه : (كَذلِكَ الْعَذابُ) أي : كفعلنا بأهل الجنة نفعل بمن تعدّى حدودنا.

(وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) أي : أعظم مما أصابهم ، إن لم يتوبوا في الدنيا.

__________________

(١) سقط في : د.

(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ١٩١) ، برقم : (٣٤٦٤٤) ، وذكره البغوي (٤ / ٣٨٠) ، وابن كثير (٤ / ٤٠٦)

(٣) ذكره البغوي (٤ / ٣٨١)

٤٦٩

ثم أخبر تعالى ب (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) فروي أنه لما نزلت هذه الآية قالت قريش : إن كان ثمّ جنّات نعيم فلنا فيها أكبر الحظّ ، فنزلت (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) الآية ؛ توبيخا لهم.

(أَمْ لَكُمْ كِتابٌ) منزّل من عند الله تدرسون فيه أنّ لكم ما تختارون من النعيم ، ف (إِنَ) معمولة ل (تَدْرُسُونَ) وكسرت الهمزة من (إِنَ) لدخول اللام في الخبر ، وهي في معنى (أن) ـ بفتح الألف ـ وقرىء شاذا (١) : «أنّ لكم» بالفتح ، وقرأ الأعرج (٢) : «أنّ / لكم فيه» على الاستفهام ، ثم خاطب تعالى الكفار بقوله : (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ) كأنه يقول هل أقسمنا لكم قسما فهو عهد لكم بأنّا ننعّمكم في يوم القيامة ، وما بعده ، وقرأ الأعرج (٣) : «آن لكم لما تحكمون» على الاستفهام ، أيضا.

(سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) أي : ضامن* ت* : قال الهروي : وقوله : (أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ) أي مؤكّدة ، انتهى.

وقوله تعالى : (فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ) قيل : هو استدعاء وتوقيف في الدنيا ، أي : ليحضروهم حتّى يرى هل هم بحال من يضرّ وينفع أم لا؟ وقيل : هو استدعاء وتوقيف على أن يأتوا بهم يوم القيامة (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) وقرأ ابن عبّاس (٤) : «تكشف» ـ بضم التاء ـ على معنى : تكشف القيامة والشدة والحال الحاضرة ، وقرأ ابن عبّاس (٥) أيضا : «تكشف» ـ بفتح التاء ـ على أنّ القيامة هي الكاشفة ، وهذه القراءة مفسّرة لقراءة الجماعة ، فما ورد في الحديث والآية من كشف الساق فهو عبارة عن شدة الهول.

وقوله ـ جلت عظمته ـ : (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) وفي الحديث الصحيح : «فيخرّون لله سجّدا أجمعون ولا يبقى أحد كان يسجد في الدنيا رياء ولا سمعة ولا نفاقا إلا صار ظهره طبقا واحدا ؛ كلّما أراد أن يسجد خرّ على قفاه» (٦) ، الحديث ، وفي

__________________

(١) قرأ بها الأعرج ، كما ذكر ابن خالويه في «مختصر الشواذ» ص : (١٦٠) ، وقرأ بها طلحة ، والضحاك ، كما في «الدر المصون» (٦ / ٣٥٧)

(٢) ينظر : «مختصر الشواذ» ص (١٦٠) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٥٢) و «البحر المحيط» (٨ / ٣٠٩) ، و «الدر المصون» (٦ / ٣٥٧)

(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٥٢) ، و «البحر المحيط» (٨ / ٣٠٩)

(٤) ينظر : «المحتسب» (٢ / ١٦٠) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٥٣)

(٥) ينظر : مصادر القراءة السابقة.

(٦) أخرجه البخاري (٨ / ٥٣١) ، كتاب «التفسير» باب : يوم يكشف عن ساق (٤٩١٩) نحوه. ـ

٤٧٠

الحديث : «فيسجد كلّ مؤمن ، وترجع أصلاب المنافقين والكفّار ، كصياصي البقر ، عظما واحدا ؛ فلا يستطيعون سجودا» الحديث.

وقوله تعالى : (وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) يريد في دار الدنيا ، (وَهُمْ سالِمُونَ) مما نال عظام ظهورهم من الاتّصال والعتوّ.

(فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ)(٥٢)

وقوله سبحانه : (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) الآية ، وعيد وتهديد والحديث المشار إليه / هو القرآن ، وباقي الآية بيّن ممّا ذكر في غير هذا الموضع ، ثم أمر الله ـ تعالى ـ نبيّه بالصّبر لحكمه وأن يمضي لما أمر به من التبليغ واحتمال الأذى والمشقة ، ونهي عن الضّجر والعجلة التي وقع فيها يونس صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم اقتضب القصّة وذكر ما وقع في آخرها من ندائه من بطن الحوت ، (وَهُوَ مَكْظُومٌ) أي : وهو كاظم لحزنه وندمه ، وقال الثعلبيّ ، ونحوه في البخاري : (وَهُوَ مَكْظُومٌ) أي : مملوء غمّا وكربا ، انتهى وهو أقرب إلى المعنى ، وقال النقّاش : المكظوم الذي أخذ بكظمه ، وهي مجاري القلب ، وقرأ ابن مسعود (١) وغيره : «لو لا أن تداركته نعمة» والنعمة التي تداركته هي الصفح والاجتباء الذي سبق له عند الله ـ عزوجل ـ (لَنُبِذَ بِالْعَراءِ) أي : لطرح بالعراء وهو الفضاء الّذي لا يواري فيه جبل ولا شجر وقد نبذ يونس* ع* بالعراء ولكن غير مذموم ، وجاء في الحديث عن أسماء بنت عميس قالت : «علّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلمات أقولهنّ عند

__________________

ـ ومن طريق أخرى غير هذه ، أخرج الحاكم حديثا في هذا المعنى (٤ / ٥٨٩ ، ٥٩٢) في حديث طويل.

قال الحاكم : رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات ، غير أنهما لم يخرجا أبا خالد الدالاني في «الصحيحين» ، لما ذكر في انحرافه عن السنة في ذكر الصحابة ، فأما الأئمة المتقدمون فكلهم شهدوا لأبي خالد بالصدق ، والإتقان ، والحديث صحيح ولم يخرجاه ، وأبو خالد الدالاني ممن يجمع حديثه في أئمة أهل الكوفة.

قال الذهبي : ما أنكره حديثا على جودة إسناده!! وأبو خالد شيعي منحرف.

(١) وقرأ بها ابن عبّاس وأبي بن كعب.

ينظر : «مختصر الشواذ» (ص : ١٦١) ، و «الكشاف» (٤ / ٥٩٦) ، و «البحر المحيط» (٨ / ٣١١) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٥٤) ، و «الدر المصون» (٦ / ٣٥٩)

٤٧١

الكرب أو في الكرب ، الله الله ربّي لا أشرك به شيئا» (١) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ، وأخرجه الطبرانيّ في كتاب «الدعاء» ، انتهى من «السلاح» ، ثم قال تعالى لنبيه : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) المعنى يكادون من الغيظ والعداوة يزلقونه فيذهبون قدمه من مكانها ، ويسقطونه ، قال عياض : وقد روي عن ابن عبّاس أنه قال : كلّ ما في القرآن : «كاد» فهو ما لا يكون ، قال تعالى : (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) [النور : ٤٣] ولم يذهبها و (أَكادُ أُخْفِيها) [طه : ١٥] ولم يفعل ، انتهى ؛ ذكره إثر قوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) [الإسراء : ٧٣]. وقرأ الجمهور : «ليزلقونك» / ـ بضمّ الياء ـ من : أزلق ، ونافع بفتحها (٢) ، من : زلقت الرجل ، وفي هذا المعنى قول الشاعر : [الكامل]

يتقارضون إذا التقوا في مجلس

نظرا يزلّ مواطىء الأقدام (٣)

وذهب قوم من المفسرين على أن المعنى : يأخذونك بالعين ، وقال الحسن : دواء من أصابته العين أن يقرأ هذه الآية (٤) ، والذّكر في الآية : القرآن.

__________________

(١) أخرجه أبو داود (١ / ٤٧٧) ، كتاب «الصلاة» باب : في الاستغفار (١٥٢٥) ، والنسائي (٦ / ١٦٦) ـ «الكبرى» ، كتاب «عمل اليوم والليلة» باب : ما يقول إذا غلبه أمر (١٠٤٨٤ / ٢٢ ـ ١٠٤٨٥ / ٢٣) ، وابن ماجه (٢ / ١٢٧٧) ، كتاب «الدعاء» باب : الدعاء عند الكرب (٣٨٨٢) ، وأحمد (٦ / ٣٦٩)

(٢) ينظر : «السبعة» (٦٤٧) ، و «الحجة» للقراء السبعة (٦ / ٣١٢) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٣٨٢) ، و «حجة القراءات» (٧١٨)

(٣) البيت في «الكشاف» (٤ / ٥٩٧) ، و «البحر المحيط» (٨ / ٣١١) ، والقرطبي (١٨ / ١٦٦) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٥٤) ، «اللسان» (زلق)

(٤) ذكره البغوي (٤ / ٣٨٥) ، وابن عطية (٥ / ٣٥٥)

٤٧٢

تفسير سورة «الحاقّة»

[وهي] مكّيّة بإجماع

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ)(٤)

قوله عزوجل : (الْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ) المراد بالحاقّة : القيامة ، وهي اسم فاعل من حقّ الشيء يحقّ ؛ لأنها حقّت لكل عامل عمله ، قال ابن عبّاس وغيره : سمّيت القيامة حاقّة لأنّها تبدي حقائق الأشياء (١) ، و (الْحَاقَّةُ) : مبتدأ و (مَا) مبتدأ ثان ، والحاقّة الثانية خبر (مَا) والجملة خبر الأولى ، وهذا كما تقول : زيد ما زيد على معنى التعظيم له ، وإبهام التعظيم أيضا ليتخيّل السّامع أقصى جهده.

وقوله : (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) مبالغة في هذا المعنى : أي : أن فيها ما لم تدره من أهوالها ، وتفاصيل صفاتها ، ثم ذكر تعالى تكذيب ثمود وعاد بهذا الأمر الذي هو حقّ مشيرا إلى أن من كذّب بذلك ينزل به ما نزل بأولئك ، والقارعة : من أسماء القيامة أيضا ؛ لأنها تقرع القلوب بصدمتها.

(فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨) وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (١٠) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (١٢) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ)(١٧)

وقوله سبحانه : (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) قال قتادة : معناه : بالصّيحة التي خرجت عن حدّ كلّ صيحة (٢) ، وقيل : المعنى بسبب الفئة الطاغية ، وقيل : بسبب الفعلة الطاغية ، وقال ابن زيد ما معناه : الطاغية مصدر كالعاقبة ، فكأنه قال بطغيانهم (٣) ؛ وقاله أبو

__________________

(١) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٥٦)

(٢) ذكره البغوي (٤ / ٣٨٦) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٥٦) ، وذكره ابن كثير (٤ / ٤١٢)

(٣) أخرجه الطبري (١٢ / ٢٠٧) ، رقم : (٣٤٧٢٢) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٥٧)

٤٧٣

عبيدة ، ويقوّي هذا قوله تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) [الشمس : ١١] وأولى الأقوال وأصوبها الأوّل ، وباقي / الآية تقدم تفسير نظيره ، وما في ذلك من القصص ، والعاتية : معناه الشديدة المخالفة ، فكانت الريح قد عتت على خزّانها بخلافها ، وعلى قوم عاد بشدتها ، وروي عن عليّ وابن عبّاس أنهما قالا : لم ينزل من السماء قطرة ماء قط إلا بمكيال على يد ملك ، ولا هبت ريح إلّا كذلك ؛ إلّا ما كان من طوفان نوح ، وريح عاد ، فإنّ الله أذن لهما في الخروج دون إذن الخزّان (١) ، و (حُسُوماً) : قال ابن عبّاس وغيره : معناه كاملة تباعا لم يتخللها غير ذلك (٢) ، وقال ابن زيد : (حُسُوماً) جمع حاسم ، ومعناه أنّ تلك الأيام قطعتهم بالإهلاك (٣) ، ومنه حسم العلل ، ومنه الحسام ، والضمير في قوله : (فِيها صَرْعى) يحتمل عوده على الليالي والأيام ، ويحتمل عوده على ديارهم ، وقيل : على الريح ، ـ ص ـ : «ومن قبله» النحويان وعاصم في رواية ـ بكسر القاف وفتح الباء ـ أي : أجناده وأهل طاعته ، وقرأ الباقون (٤) : «قبله» ظرف زمان ، انتهى.

وقوله : (بِالْخاطِئَةِ) صفة لمحذوف ، أي : بالفعلة الخاطئة ، وال «رابية» الناميّة التي قد عظمت جدّا ، ومنه ربا المال ، ومنه (اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) [الحج : ٥] ، ثم عدد تعالى على الناس نعمه في قوله : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ) يعني في وقت الطوفان الذي كان على قوم نوح ، و (الْجارِيَةِ) سفينة نوح ؛ قاله منذر بن سعيد (٥) ، والضمير في : (لِنَجْعَلَها) عائد على الجارية أو على الفعلة.

وقوله تعالى : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) : عبارة عن الرجل الفهم المنوّر القلب الذي يسمع القرآن ؛ فيتلقاه بفهم وتدبّر ، قال أبو عمران الجوني : (واعِيَةٌ) عقلت عن الله تعالى ، وقال الثعلبيّ : المعنى : لتحفظها كلّ أذن فتكون عظة لمن يأتي بعد ، تقول وعيت العلم إذا

__________________

(١) أخرجه الطبري (١٢ / ٢٠٧ ـ ٢٠٨) ، رقم : (٣٤٧٢٧) ، (٣٤٧٢٨) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٥٧) ، وذكره ابن كثير (٤ / ٤١٣) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٠٥) ، وعزاه للفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير عن ابن عبّاس.

(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ٢٠٨) ، رقم : (٣٤٧٣٢) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٥٧) ، وذكره ابن كثير (٤ / ٤١٢) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٠٦) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير عن ابن عبّاس.

(٣) أخرجه الطبري (١٢ / ٢٠٩) ، رقم : (٣٤٧٤٥) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٥٧)

(٤) ينظر : «السبعة» (٦٤٨) ، و «الحجة» (٦ / ٣١٤) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٣٨٥) ، و «حجة القراءات» (٧١٨) ، و «معاني القراءات» (٨٦) ، و «العنوان» (١٩٦) ، و «شرح شعلة» (٦٠٦) ، و «شرح الطيبة» (٦ / ٦٦) ، و «إتحاف» (٢ / ٥٥٧)

(٥) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٥٨)

٤٧٤

حفظته ، انتهى ، ثم / ذكّر تعالى بأمر القيامة ، وقرأ الجمهور (١) : «وحملت» بتخفيف الميم بمعنى : حملتها الريح أو القدرة ، و (فَدُكَّتا) معناه سوّي جميعها ، وانشقاق السماء هو تفطّرها وتميّز بعضها من بعض ، وذلك هو الوهي الذي ينالها ، كما يقال في الجدرات البالية المتشققة واهية ، والملك اسم الجنس يريد به الملائكة ، وقال جمهور من المفسرين : الضمير في (أَرْجائِها) عائد على السّماء أي : الملائكة على نواحيها ، والرجاء الجانب من البئر أو الحائط ؛ ونحوه ، وقال الضحاك وابن جبير وغيرهما : الضمير في : (أَرْجائِها) عائد على الأرض (٢) ، وإن كان لم يتقدم لها ذكر قريب ؛ لأنّ القصة واللفظ يقتضي إفهام ذلك ، وفسّروا هذه الآية بما روي من أن الله تعالى يأمر ملائكة سماء الدنيا ، فيقفون صفّا على حافّات الأرض ، ثم يأمر ملائكة السماء الثانية ؛ فيصفّون خلفهم ، ثم كذلك ملائكة كلّ سماء ، فكلما ندّ أحد من الجن أو الإنس ، وجد الأرض قد أحيط بها ، قالوا : فهذا تفسير هذه الآية ؛ وهو أيضا معنى قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر : ٢٢] وهو تفسير : «يوم التنادّ* يوم تولّون مدبرين» [غافر : ٣٢ ـ ٣٣] على قراءة من شدّد الدال ، وهو تفسير قوله : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ...) [الرحمن : ٣٣] الآية ، واختلف الناس في الثمانية الحاملين للعرش ، فقال ابن عبّاس : هي ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم أحد عدّتهم (٣) ، وقال ابن زيد : هم ثمانية أملاك على هيئة الوعول (٤) ، وقال جماعة من المفسرين : هم على هيئة الناس أرجلهم تحت الأرض السابعة ، ورؤوسهم وكواهلهم فوق السماء السابعة ، قال الغزّاليّ في «الدرة الفاخرة» : هم ثمانية أملاك قدم الملك منهم مسيرة عشرين ألف سنة ، انتهى ، والضمير في قوله : (فَوْقَهُمْ) قيل : هو للملائكة / الحملة ، وقيل : للعالم كلّه.

(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُها دانِيَةٌ

__________________

(١) وقرأ ابن عبّاس ، والأعمش ، وابن أبي عبلة ، وابن مقسم بتشديد الميم.

ينظر : «مختصر الشواذ» ص : (١٦١) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٧٩) ، و «البحر المحيط» (٨ / ٣١٧) ، و «الدر المصون» (٦ / ٣٦٣) ، و «التخريجات النحوية» (٢٣٨)

(٢) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٥٩)

(٣) أخرجه الطبري (١٢ / ٢١٥ ـ ٢١٦) ، رقم : (٣٤٧٨٨ ، ٣٤٧٩٠) بنحوه ، وذكره البغوي (٤ / ٣٨٨) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٥٩) ، وذكره ابن كثير (٤ / ٤١٤) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٠٩) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.

(٤) أخرجه الطبري (١٢ / ٢١٦) ، رقم : (٣٤٧٩٢) بنحوه. وذكره ابن عطية (٥ / ٣٥٩)

٤٧٥

(٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ)(٢٩)

وقوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) خطاب لجميع العالم ، وفي الحديث الصحيح : «يعرض الناس ثلاث عرضات ، فأمّا عرضتان ؛ فجدال ومعاذير ، وأمّا الثّالثة ، فعندها تتطاير الصحف في الأيدي ، فآخذ بيمينه ، وآخذ بشماله» (١) ، قال الغزّاليّ : يجب على كلّ مسلم البدار ، إلى محاسبة نفسه ؛ كما قال عمر ـ رضي الله عنه ـ : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا (٢) ، وإنّما حسابه لنفسه ، أن يتوب من كلّ معصية قبل الموت توبة نصوحا ، ويتدارك ما فرّط فيه من تقصير في فرائض الله ـ عزوجل ـ ويردّ المظالم حبّة حبّة ، ويستحلّ كلّ من تعرّض له بلسانه ويده ، وسوء ظنّه بقلبه ، ويطيّب قلوبهم حتى يموت ، ولم يبق عليه فريضة ولا مظلمة ، فهذا يدخل بغير حساب ، إن شاء الله تعالى ، انتهى من آخر «الإحياء» ، ونقل القرطبيّ في «تذكرته» هذه الألفاظ بعينها.

وقوله : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) معناه تعالوا ، وقوله : (اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) هو استبشار وسرور ـ ص ـ : (هاؤُمُ) «ها» بمعنى خذ ، قال الكسائيّ : والعرب تقول : هاء يا رجل ، وللاثنين ؛ رجلين أو امرأتين : هاؤما ، وللرجال : هاؤم ، وللمرأة : هاء بهمزة مكسورة من غير ياء ، وللنساء : هاؤنّ ، وزعم القتبيّ أنّ الهمزة بدل من الكاف ، وهو ضعيف ، إلا أن يعني أنها تحلّ محلّها في لغة من قال : هاك وهاك ، وهاكما وهاكم وهاكنّ ، فذلك ممكن ، لا أنّه بدل صناعيّ ؛ لأنّ الكاف / لا تبدل من الهمزة ولا الهمزة منها. انتهى.

وقوله : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) عبارة عن إيمانه بالبعث وغيره ، و (ظَنَنْتُ) هنا واقعة موقع : تيقّنت ، وهي في متيقّن لم يقع بعد ولا خرج إلى الحسّ ، وهذا هو باب الظنّ الذي يوقع موقع اليقين ، و (راضِيَةٍ) بمعنى مرضيّة ، والقطوف : جمع قطف وهو ما يجتنى من الثمار ، ويقطف ، ودنوّها هو أنها تأتي طوع التّمنّي فيأكلها القائم والقاعد

__________________

(١) أخرجه الترمذي (٤ / ٦١٧) ، كتاب «صفة القيامة» باب : ما جاء في العرض (٢٤٢٥) ، وابن ماجه (٢ / ١٤٣٠) ، كتاب «الزهد» باب : ذكر البعث (٤٢٧٧) ، وأحمد (٤ / ٤١٤).

قال الترمذي : ولا يصح هذا الحديث من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة وقد رواه بعضهم عن علي الرفاعي عن الحسن عن أبي موسى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤١٠) ، وعزاه لابن المبارك.

٤٧٦

والمضطجع بفيه من شجرتها ، و (بِما أَسْلَفْتُمْ) معناه بما قدّمتم من الأعمال الصالحة ، و (الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) هي أيام الدنيا ، لأنها في الآخرة قد خلت وذهبت ، وقال وكيع وغيره : المراد (بِما أَسْلَفْتُمْ) من الصوم (١) ، وعموم الآية في كلّ الأعمال أولى وأحسن ، * ت* : ويدلّ على ذلك الآية الأخرى (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [المرسلات : ٤٣] قال ابن المبارك في «رقائقه» : أخبرنا مالك بن مغول أنّه بلغه أنّ عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ؛ فإنّه أهون أو أيسر لحسابكم ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وتجهّزوا للعرض الأكبر (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) قال ابن المبارك : أخبرنا معمر عن يحيى بن المختار ، عن الحسن قال : إن المؤمن قوّام على نفسه ، يحاسب نفسه لله ، وإنما خفّ الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا ، وإنّما شقّ الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر عن غير محاسبة (٢) ، انتهى ، والذين يؤتون كتبهم بشمائلهم هم المخلّدون / في النار أهل الكفر ، فيتمنّون أن لو كانوا معدومين.

وقوله : (يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) إشارة إلى موتة الدنيا ، أي : ليتها لم يكن بعدها رجوع ، ـ ص ـ : (ما أَغْنى) «ما» نافية أو استفهامية انتهى ، والسلطان في الآية الحجة ، وقيل : إنه ينطق بذلك ملوك الدنيا ، والظاهر أنّ سلطان كلّ أحد حاله في الدنيا من عدد وعدد ، ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا يؤمّنّ الرجل الرجل في سلطانه ، ولا يجلس على تكرمته إلّا بإذنه» (٣).

(خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ)(٣٣)

وقوله سبحانه : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) الآية ، المعنى يقول الله تعالى ، أو الملك بأمره

__________________

(١) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٦٠)

(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤١٢) ، وعزاه لابن المنذر عن ابن جريج.

(٣) أخرجه مسلم ، كتاب «المساجد» باب : من أحق بالإمامة ، حديث (٢٩٠ ـ ٢٩١) ، وأبو داود (١ / ٢١٥) ، كتاب «الصلاة» باب : في من أحق بالإمامة (٥٨٢) ، والترمذي (١ / ٤٥٨ ـ ٤٥٩) ، كتاب «المواقيت» باب : من أحق بالإمامة (٢٣٠) ، والنسائي (٢ / ٧٦) ، كتاب «الإمامة» باب : من أحق بالإمامة (٧٨٠) ، (٢ / ٧٧) ، كتاب «الإمامة» باب : اجتماع القوم وفيهم الوالي (٧٨٣) ، وابن ماجه (١ / ٣١٣ ، ٣١٤) ، كتاب «إقامة الصلاة والسنة فيها» باب : من أحق بالإمامة (٩٨٠) ، وأحمد (٤ / ١١٨ ، ١٢١ ـ ١٢٢) ، (٥ / ٢٧٢) ، وهو في الترمذي أيضا (٥ / ٩٩) ، كتاب «الأدب» باب : (٢٤) (٢٧٧٢).

قال الترمذي : حسن صحيح.

٤٧٧

للزبانية : خذوه واجعلوا في عنقه غلّا ، قال ابن جريج : نزلت في أبي جهل (١).

وقوله تعالى : (فَاسْلُكُوهُ) معناه : أدخلوه ، وروي أن هذه السلسلة تدخل في فم الكافر وتخرج من دبره ، فهي في الحقيقة التي تسلك فيه ، لكنّ الكلام جرى مجرى : أدخلت القلنسوة في رأسي ، وروي أن هذه السلسلة تلوى حول الكافر حتى تعمّه وتضغطه ، فالكلام على هذا على وجهه وهو المسلوك.

(وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ)(٣٧)

وقوله تعالى : (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) خصّت هذه الخلة بالذكر ، لأنّها من أضرّ الخلال بالبشر ؛ إذا كثرت في قوم هلك مساكينهم ، * ت* : ونقل الفخر (٢) عن بعض الناس أنه قال في قوله تعالى : (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) : دليلان قويّان على عظم الجرم في حرمان المساكين ، أحدهما : عطفه على الكفر وجعله قرينا له ، والثاني : ذكر الحضّ دون الفعل ليعلم أنّه إذا كان تارك الحضّ بهذه المنزلة ، فكيف بمن ترك الفعل ، قال الفخر (٣) : ودلت الآية على أنّ الكفار يعاقبون على ترك الصلاة والزكاة ، وهو المراد من قولنا : إنهم مخاطبون بفروع الشريعة / وعن أبي الدّرداء أنه : كان يحضّ امرأته على تكثير المرق ؛ لأجل المساكين ، ويقول : خلعنا نصف السلسلة بالإيمان ، أفلا نخلع النصف الثاني (٤) ، انتهى.

وقوله : (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) أي صديق لطيف المودة ؛ قاله الجمهور ، وقيل : الحميم الماء السّخن ، فكأنه تعالى أخبر أنّ الكافر ليس له ماء ولا شيء مائع ولا طعام إلا من غسلين ، وهو ما يجري من الجراح ، إذا غسلت ، وقال ابن عبّاس : الغسلين هو صديد أهل النار (٥) ، وقال قوم : الغسلين : شيء يجري من ضريع النار ، ـ ص ـ : (إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) أبو البقاء : النون في (غسلين) زائدة : لأنه غسالة أهل النار ، انتهى ،

__________________

(١) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٦١) عن ابن جرير.

(٢) ينظر : «الفخر الرازي» (٣٠ / ١٠٢)

(٣) ينظر : المصدر السابق.

(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤١٢) ، وعزاه لأبي عبيد ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عن أبي الدرداء.

(٥) أخرجه الطبري (١٢ / ٢٢١) ، رقم (٣٤٨٢٥) ، وابن عطية (٥ / ٣٦١) ، وابن كثير (٤ / ٤١٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤١٢) ، وعزاه لابن المنذر ، وابن أبي حاتم.

٤٧٨

والخاطئ الذي يفعل ضدّ الصواب.

(فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)(٤٠)

وقوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ) قيل : «لا» زائدة وقيل : «لا» ردّ لما تقدّم من أقوال الكفار ، والبدأة : أقسم.

وقوله : (بِما تُبْصِرُونَ* وَما لا تُبْصِرُونَ) قال قتادة : أراد الله تعالى أن يعمّ بهذا القسم جميع مخلوقاته (١) ، والرسول الكريم قيل : هو جبريل ، وقيل : هو نبينا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) (٤٤)

وقوله تعالى : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ) نفى سبحانه أن يكون القرآن من قول شاعر ؛ كما زعمت قريش ، و (قَلِيلاً) نصب بفعل مضمر يدل عليه (تُؤْمِنُونَ) و «ما» يحتمل أن تكون نافية فينتفي إيمانهم البتّة ، ويحتمل أن تكون مصدرية فيتّصف إيمانهم بالقلة ، ويكون إيمانا لغويّا ؛ لأنهم قد صدّقوا بأشياء يسيرة لا تغني عنهم شيئا ، ثم أخبر سبحانه أن محمّدا* ع* لو تقوّل عليه لعاقبه بما ذكر ، ـ ص ـ : الأقاويل جمع أقوال ، وأقوال جمع قول ، فهو جمع الجمع ، انتهى.

(لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)(٥٢)

وقوله سبحانه : (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) قال ابن عبّاس : المعنى لأخذنا منه بالقوّة ، أي لنلنا منه عقابه بقوّة / منا (٢) ، وقيل : معناه لأخذنا بيده اليمنى ؛ على جهة الهوان ، كما يقال لمن يسجن أو يقام لعقوبة : خذوا بيده أو بيمينه ، والوتين نياط القلب ؛ قاله ابن عبّاس ، وهو عرق غليظ تصادفه شفرة الناحر (٣) ، فمعنى الآية : لأذهبنا حياته معجّلا ، والحاجز : المانع والضمير في قوله : (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ) عائد على القرآن ، وقيل : على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ،

__________________

(١) ذكره البغوي (٤ / ٣٩٠) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٦٢)

(٢) ذكره البغوي (٤ / ٣٩٠) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٦٣)

(٣) أخرجه الطبري (١٢ / ٢٢٣) ، رقم : (٣٤٨٣٢ ـ ٣٤٨٣٣ ، ٣٤٨٣٤) بنحوه ، والبغوي (٤ / ٣٩١) ، وابن عطية (٥ / ٣٦٣) ، وابن كثير (٤ / ٤١٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤١٣) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عبّاس.

٤٧٩

ـ ص ـ : (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ) : ضمير (إنه) يعود على التكذيب المفهوم من (مُكَذِّبِينَ) ، انتهى ، وقال الفخر (١) : الضمير في قوله : (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ) فيه وجهان : أحدهما أنه يعود على القرآن ، أي : هو على الكافرين حسرة ، إمّا يوم القيامة إذا رأوا ثواب المصدّقين به ، أو في الدنيا إذا رأوا دولة المؤمنين ، والثاني : قال مقاتل : وإنّ تكذيبهم بالقرآن لحسرة عليهم يدلّ عليه قوله : (أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ) ، انتهى ، ثم أمر تعالى نبيه بالتسبيح باسمه العظيم ، ولمّا نزلت قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اجعلوها في ركوعكم.

__________________

(١) ينظر : «الفخر الرازي» (٣٠ / ١٠٦)

٤٨٠