تفسير الثعالبي - ج ٥

عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف أبي زيد الثعالبي المالكي

تفسير الثعالبي - ج ٥

المؤلف:

عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف أبي زيد الثعالبي المالكي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٧١

* ت* : وقال الثعلبيّ : (فَارْتَقِبْهُمْ) أي : انتظرهم ؛ ما يصنعون ، (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) وبين الناقة ، لها شرب ولهم شرب يوم معلوم ، و (مُحْتَضَرٌ) : معناه : محضور مشهود متواسى فيه ، وقال مجاهد (١) : (كُلُّ شِرْبٍ) أي : من الماء يوما ومن لبن الناقة يوما محتضر لهم ، فكأنّه أنبأهم بنعمة الله سبحانه عليهم في ذلك ، و (صاحِبَهُمْ) : هو قدار بن سالف ، و (فَتَعاطى) مطاوع «عاطى» فكأنّ هذه الفعلة تدافعها الناس ، وأعطاها بعضهم بعضا فتعاطاها هو ، وتناول العقر بيده ؛ قاله ابن عبّاس (٢) ، وقد تقدم قصص القوم ، و «الهشيم» : ما تفتّت وتهشّم من الأشياء ، و (الْمُحْتَظِرِ) : معناه : الذي يصنع حظيرة ، قاله ابن زيد وغيره (٣) ، وهي مأخوذة من الحظر وهو المنع ، والعرب وأهل البوادي يصنعونها للمواشي وللسّكنى / أيضا من الأغصان والشجر المورق ، والقصب ، ونحوه ، وهذا كلّه هشيم يتفتت ، إمّا في أوّل الصنعة ، وإمّا عند بلى الحظيرة وتساقط أجزائها ، وقد تقدم قصص قوم لوط ، والحاصب : مأخوذ من الحصباء.

وقوله : (فَتَمارَوْا) معناه : تشككوا ، وأهدى بعضهم الشكّ إلى بعض بتعاطيهم الشبه والضلال ، والنذر : جمع نذير ، وهو المصدر ، ويحتمل أن يراد بالنذر هنا وفي قوله : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ) ـ جمع نذير ، الذي هو اسم فاعل.

وقوله سبحانه : (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ) قال قتادة (٤) : هي حقيقة ؛ جرّ جبريل شيئا من جناحه على أعينهم فاستوت مع وجوههم ، قال أبو عبيدة : مطموسة بجلدة كالوجه ، وقال ابن عبّاس والضّحّاك (٥) : هذه استعارة ؛ وإنّما حجب إدراكهم فدخلوا المنزل ولم يروا شيئا فجعل ذلك كالطمس.

وقوله : (بُكْرَةً) قيل : عند طلوع الفجر.

__________________

(١) أخرجه الطبري (١١ / ٥٦١) برقم : (٣٢٧٩١) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٦٢) ، وابن عطية (٥ / ٢١٨) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٦٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٨٢) ، وعزاه للفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير.

(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٥٦١) برقم : (٣٢٧٩٣) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢١٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٨٢) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.

(٣) أخرجه الطبري (١١ / ٥٦٢) برقم : (٣٢٨٠٠) عن الضحاك ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢١٨)

(٤) أخرجه الطبري (١١ / ٥٦٤) برقم : (٣٢٨٠٦) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢١٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٨٣) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر.

(٥) أخرجه الطبري (١١ / ٥٦٤) : (٣٢٨٠٥) عن ابن عبّاس ، وعن الضحاك برقم : (٣٢٨٠٨) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٦٣) عن الضحاك ، وابن عطية (٥ / ٢١٨)

٣٤١

وقوله : (فَذُوقُوا) : يحتمل أن يكون من قول الله تعالى لهم ، ويحتمل أن يكون من قول الملائكة ، ونذري : جمع المصدر ، أي : وعاقبة إنذاري ، و (مُسْتَقِرٌّ) أي : دائم استقر فيهم حتّى يفضي بهم إلى عذاب الآخرة ، و (آلَ فِرْعَوْنَ) : قومه وأتباعه.

(كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ)(٤٨)

وقوله : (كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها) يحتمل أن يريد آل فرعون ، ويحتمل أن يكون قوله : (وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ) [القمر : ٤١] ـ كلاما تامّا ـ ، ثم يكون قوله : (كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها) يعود على جميع من ذكر من الأمم.

وقوله تعالى : (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ) خطاب لقريش على جهة التوبيخ.

وقوله : (أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ) أي : من العذاب (فِي الزُّبُرِ) أي : في كتب الله المنزّلة ؛ قاله ابن زيد وغيره (١).

ثم قال تعالى لنبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (أَمْ يَقُولُونَ / نَحْنُ) : واثقون بجماعتنا ، منتصرون بقوّتنا على جهة الإعجاب ؛ سيهزمون ، فلا ينفع جمعهم ، وهذه عدة من الله تعالى لرسوله أنّ جمع قريش سيهزم ، فكان كما وعد سبحانه ؛ قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ : كنت أقول في نفسي : أيّ جمع يهزم؟! فلمّا كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يثب في الدرع ، وهو يقول : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (٢) والجمهور على أنّ الآية نزلت بمكّة ، وقول من زعم أنّها نزلت يوم بدر ضعيف ، والصواب أنّ الوعد نجّز يوم بدر ، قال أبو حيان (٣) : (وَيُوَلُّونَ) : الجمهور بياء الغيبة ، وعن أبي عمرو بتاء الخطاب ، والدّبر : هنا اسم جنس ، وحسن إفراده ؛ كونه فاصلة ، وقد جاء مجموعا في آية أخرى ، وهو الأصل ، انتهى.

__________________

(١) أخرجه الطبري (١١ / ٥٦٧) برقم : (٣٢٨٢١) ، وابن عطية (٥ / ٢٢٠)

(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٥٦٧) برقم : (٣٢٨٢٣) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٣٨) ، وابن عطية (٥ / ٢٢٠) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٦٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٨٤) ، وعزاه لابن أبي حاتم ، والطبراني في «الأوسط» ، وابن مردويه.

(٣) ينظر : «البحر المحيط» (٨ / ١٨١)

٣٤٢

ثم أضرب سبحانه تهميما بأمر الساعة التي هي أشدّ عليهم من كلّ هزيمة وقتل ، فقال : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) و (أَدْهى) : أفعل من الداهية ، وهي الرزيّة العظمى تنزل بالمرء ، (وَأَمَرُّ) من المرارة.

* ت* : وقال الثعلبيّ : الداهية الأمرّ : الشديد الذي لا يهتدى للخلاص منه ، انتهى.

ثم أخبر تعالى عن المجرمين أنّهم في الدنيا في حيرة وانتلاف ، وفقد هدى ، وفي الآخرة في احتراق وتسعّر ، وقال ابن عبّاس (١) : المعنى : في خسران وجنون ، والسّعر : الجنون ، وأكثر المفسرين على أنّ المجرمين هنا يراد بهم الكفّار ، والسّحب : الجرّ.

(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩) وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (٥٥)

وقوله سبحانه : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) قرأ جمهور الناس : (كُلَ) بالنصب ، وقالوا : المعنى : إنّا خلقنا كلّ شيء بقدر سابق ، وليست خلقنا في موضع الصفة لشيء ، / وهذا مذهب أهل السّنّة وهذا المعنى يقتضي أنّ كلّ شيء مخلوق إلّا ما قام عليه الدليل أنّه ليس بمخلوق ؛ كالقرآن والصفات.

* ت* : قال الثعلبيّ : قال ابن عبّاس (٢) : خلق الله الخلق كلّهم بقدر ، وخلق الخير والشرّ ، فخير الخير : السعادة ، وشرّ الشرّ : الشقاوة.

وقوله سبحانه : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ) قال* ع (٣) * : أي : إلّا قولة واحدة ، وهي «كن».

* ت* : قوله : إلّا قولة فيه قلق ما ، وكأنّه فهم أنّ معنى الآية راجع إلى قوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل : ٤٠] وعبارة الثعلبيّ : أي : وما أمر الساعة إلّا واحدة ، أي : إلّا رجفة واحدة ، قال أبو عبيد : هي نعت للمعنى

__________________

(١) ذكره ابن عطية (٥ / ٢٢١)

(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٥٦٩) برقم : (٣٢٨٤٢) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٨٥) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر.

(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٢١)

٣٤٣

دون اللفظ ، مجازه : وما أمرنا إلّا مرة واحدة كن فيكون (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) ، أي : كخطف بالبصر ، فقيل له : إنّه يعني الساعة ، فقال : الساعة وجميع ما يريد ، انتهى ، وكلام أبي عبيد عندي حسن.

والأشياع : الفرق المتشابهة في مذهب ، أو دين ، ونحوه ، الأوّل شيعة للآخر ، والآخر شيعة للأوّل ، وكلّ شيء فعلته الأمم المهلكة في الزبر ، أي : مكتوب محفوظ عليهم إلى يوم الحساب ؛ قاله ابن عبّاس وغيره (١) ، و (مُسْتَطَرٌ) أي : مسطّر ، وقرأ الجمهور (٢) : و (نَهَرٍ) ـ بفتح النون والهاء ـ ؛ على أنّه اسم الجنس يريد به الأنهار ، أو على أنّه بمعنى : وسعة في الأرزاق والمنازل ، قال أبو حيان (٣) : وقرأ الأعمش «ونهر» ـ بضم النون والهاء ـ جمع نهر ؛ ك «رهن» و «رهن» انتهى.

وقوله تعالى : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) يحتمل أن يريد به الصدق الذي هو ضدّ الكذب ، أي : المقعد الذي صدقوا في الخبر به ، ويحتمل أن يكون من قولك : عود صدق ، أي : جيد ، ورجل / صدق ، أي : خير ، والمليك المقتدر : الله تعالى.

* ت* : وقال الثعلبيّ : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) أي : في مجلس حقّ لا لغو فيه ولا تأثيم ، وهو الجنة عند مليك مقتدر ، و (عِنْدَ) : إشارة إلى القربة والرتبة ، انتهى.

ـ ص ـ : قال أبو البقاء : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) : بدل من قوله : (فِي جَنَّاتٍ) انتهى ، قال المحاسبيّ : وإذا أخذ أهل الجنة مجالسهم ، واطمأنوا في مقعد الصدق الذي وعده الله لهم ، فهم في القرب من مولاهم سبحانه على قدر منازلهم عنده ، انتهى من كتاب «التّوهّم» ثم قال المحاسبيّ بإثر هذا الكلام : فلو رأيتهم ، وقد سمعوا كلام ربهم ، وقد داخل قلوبهم السرور ، وقد بلغوا غاية الكرامة ومنتهى الرضا والغبطة ، فما ظنّك بنظرهم إلى العزيز العظيم الجليل الذي لا تقع عليه الأوهام ؛ ولا تحيط به الأفهام ، ولا تحده الفطن ، ولا تكيّفه الفكر ، الأزليّ القديم ، الذي حارت العقول عن إدراكه ، وكلّت الألسن عن كنه صفاته؟! انتهى.

__________________

(١) ذكره ابن عطية (٥ / ٢٢٢) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٨٦) ، وعزاه لابن المنذر.

(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٢٢) ، و «البحر المحيط» (٨ / ١٨٢) ، و «الدر المصون» (٦ / ٢٣٤)

(٣) ينظر : «البحر المحيط» (٨ / ١٨٢) ، وفيه أيضا : أنها قراءة زهير الفرقبي وأبي نهيك ، وأبي مجلز ، واليماني.

وينظر : «المحتسب» (٢ / ٣٠٠)

٣٤٤

تفسير سورة الرحمن

عزوجل ، وهي مكّيّة في قول الجمهور

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ)(٥)

قوله عزوجل : (الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ) الرحمن : بناء مبالغة من الرحمة ، وقوله : (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) تعديد نعمة ، أي : هو منّ به ، وعلّمه الناس ، وخصّ حفّاظه وفهمته بالفضل ؛ قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه» (١) ، ومن الدليل على أنّ القرآن غير مخلوق ، أنّ الله تعالى ذكر القرآن في كتابه في أربعة وخمسين موضعا ما فيها موضع صرّح / فيه بلفظ الخلق ، ولا أشار إليه ، وذكر الإنسان على الثّلث من ذلك في ثمانية عشر موضعا كلّها نصّت على خلقه ، وقد اقترن ذكرهما في هذه السورة على هذا النحو ، والإنسان هنا اسم جنس ؛ قاله الزّهراويّ وغيره ، قال الفخر (٢) : (الرَّحْمنُ) : مبتدأ خبره الجملة الفعلية التي هي (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) ، انتهى ، و (الْبَيانَ) : النّطق والفهم والإبانة عن ذلك بقول ؛ قاله الجمهور ، وبذلك فضّل الإنسان من سائر الحيوان ، وكلّ المعلومات داخلة في

__________________

(١) أخرجه البخاري (٨ / ٦٩٢) ، كتاب «فضائل القرآن» باب : خيركم من تعلم القرآن وعلمه (٥٠٢٧ ـ ٥٠٢٨) ، وأبو داود (١ / ٤٦٠) ، كتاب «الصلاة» باب : في ثواب قراءة القرآن (١٤٥٢) ، والترمذي (٥ / ١٧٣ ـ ١٧٤) ، كتاب «فضائل القرآن» باب : ما جاء في تعليم القرآن (٢٩٠٧ ـ ٢٩٠٨) ، وابن ماجه (١ / ٧٦ ـ ٧٧) «المقدمة» باب : فضل من تعلم القرآن وعمله (٢١١) ، وأحمد (١ / ٨٥ ، ٦٩) ، والدارمي (٢ / ٤٣٧) ، كتاب «فضائل القرآن» باب : خياركم من تعلم القرآن وعلمه عن عثمان بن عفان. وفي الباب عن علي رضي الله عنه : أخرجه الترمذي (٥ / ١٧٥) ، كتاب «تفسير القرآن» باب : ما جاء في تعليم القرآن (٢٩٠٩) ، وأحمد (١ / ١٥٣) ، والدارمي (٢ / ٤٣٧) ، كتاب «فضائل القرآن» باب : خياركم من تعلم القرآن.

قال الترمذي : هذا حديث لا نعرفه من حديث علي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق.

(٢) ينظر : «تفسير الفخر الرازي» (١٥ / ٧٥)

٣٤٥

البيان الذي علّمه الإنسان ، فمن ذلك البيان : كون (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) : وهذا ابتداء تعديد نعم ، قال قتادة (١) : (بِحُسْبانٍ) : مصدر كالحساب ، وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى والضّحّاك (٢) : هو جمع حساب ، والمعنى : أنّ هذين لهما في طلوعهما وغروبهما وقطعهما البروج وغير ذلك حسابات شتّى ، وهذا مذهب ابن عبّاس وغيره (٣) ، وقال قتادة : الحسبان (٤) : الفلك المستدير ، شبّهه بحسبان الرحى ، وهو العود المستدير الذي باستدارته تستدير المطحنة.

(وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩) وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)(١٣)

وقوله سبحانه : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) قال ابن عبّاس وغيره (٥) : النجم : النبات الذي لا ساق له. قال* ع (٦) * : وسمّي نجما ؛ لأنّه نجم ، أي : ظهر ، وهو مناسب للشجر نسبة بيّنة ، وقال مجاهد وغيره : النجم : اسم الجنس من نجوم السماء (٧) : قال ـ عليه‌السلام (٨) ـ : والنسبة التي لها من السّماء هي التي للشّجر من الأرض ؛ لأنّهما في ظاهرهما ، وسمّي الشجر ؛ من اشتجار غصونه ، وهو تداخلها ، قال مجاهد (٩) : وسجودهما عبارة عن التذلّل والخضوع.

__________________

(١) أخرجه الطبري (١١ / ٥٧٣) برقم : (٣٢٨٦٢) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٢٤) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٩٠) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر.

(٢) ذكره ابن عطية (٥ / ٢٢٤)

(٣) أخرجه الطبري (١١ / ٥٧٣) برقم : (٣٢٨٦٠) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٦٧) ، وابن عطية (٥ / ٢٢٤) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٩٠) ، وعزاه للفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه.

(٤) أخرجه الطبري (١١ / ٥٧٤) عن مجاهد برقم : (٣٢٨٦٧)

(٥) أخرجه الطبري (١١ / ٥٧٥) برقم : (٣٢٨٦٩) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٢٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٧٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٩١) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ في «العظمة» عن ابن رزين ، والحاكم وصححه.

(٦) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٢٤)

(٧) أخرجه الطبري (١١ / ٥٧٥) برقم : (٣٢٨٧٣) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٦٧) ، وابن عطية (٥ / ٢٢٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٧٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٩١) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر.

(٨) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٢٤)

(٩) ذكره ابن عطية (٥ / ٢٢٤)

٣٤٦

وقوله سبحانه : (وَوَضَعَ / الْمِيزانَ) : يريد به العدل ؛ قاله أكثر الناس.

وقوله : (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) وقوله : (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) ، وقوله : (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) يريد به الميزان المعروف وألّا هو بتقدير لئلّا ، أو مفعول من أجله ، وفي مصحف ابن مسعود (١) : «لا تطغوا في الميزان» وقرأ بلال بن أبي بردة (٢) : «تخسروا» ـ بفتح التاء وكسر السين ـ ؛ من خسر ، ويقال : خسر وأخسر بمعنى نقص ، وأفسد ؛ كجبر وأجبر.

والأنام : قال الحسن بن أبي الحسن (٣) : هم الثقلان ، الإنس والجنّ ، وقال ابن عبّاس ، وقتادة وابن زيد والشعبيّ (٤) : هم الحيوان كلّه.

(وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) وذلك أنّ طلعها في كمّ وفروعها أيضا في أكمام من ليفها ، والكمّ من النبات : كلّ ما التفّ على شيء وستره : ومنه كمائم الزّهر ، وبه شبّه كمّ الثوب.

(وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ) : هو البرّ والشعير وما جرى مجراه ، قال ابن عبّاس (٥) : العصف : التّبن ، واختلف في الريحان ، فقال ابن عبّاس وغيره (٦) : هو الرزق ، وقال الحسن : هو ريحانكم (٧) هذا ، وقال ابن زيد وقتادة (٨) : الريحان هو كلّ مشموم طيّب ، قال

__________________

(١) ينظر : «الكشاف» (٤ / ٤٤٤) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٢٥)

(٢) ينظر : «الشواذ» ص : (١٤٩) ، و «المحتسب» (٢ / ٣٠٣) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٢٥) ، و «البحر المحيط» (٨ / ١٨٨) ، و «الدر المصون» (٦ / ٢٣٧)

(٣) أخرجه الطبري (١١ / ٥٧٧) برقم : (٣٢٨٩٣) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٢٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٩٢) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر.

(٤) أخرجه الطبري (١١ / ٥٧٧) برقم : (٣٢٨٩١) ، عن ابن عبّاس ، وعن قتادة برقم : (٣٢٨٩٥) ، وعن ابن زيد (١١ / ٥٧٨) برقم : (٣٢٨٩٦) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٢٥) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٧٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٩٢) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.

(٥) أخرجه الطبري (١١ / ٥٧٧) برقم : (٣٢٩٠٤) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٦٨) ، وابن عطية (٥ / ٢٢٥) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٧١) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٩٢) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.

(٦) أخرجه الطبري (١١ / ٥٨٠) برقم : (٣٢٩١٥) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٦٨) ، وابن عطية (٥ / ٢٢٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٩٢) ، وعزاه لابن جرير.

(٧) أخرجه الطبري (١١ / ٥٨٠) برقم : (٣٢٩٢٢) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٦٨) ، وابن عطية (٥ / ٢٢٥) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٧١) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٩٢) ، وعزاه لابن جرير.

(٨) أخرجه الطبري (١١ / ٥٨٠) برقم : (٣٢٩٢٣) ، عن ابن زيد ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٢٥)

٣٤٧

* ع (١) * : وفي هذا النوع نعمة عظيمة ، ففيه الأزهار ، والمندل والعقاقير ، وغير ذلك ، وقرأ الجمهور (٢) : «والريحان» بالرفع ؛ عطفا على «فاكهة» وقرأ حمزة والكسائيّ : «والريحان» بالخفض ؛ عطفا على «العصف» ، ف «الريحان» على هذه القراءة : الرزق ، ولا يدخل فيه المشموم إلّا بتكلّف ، و «ريحان» أصله «روحان» ؛ فهو من ذوات الواو ؛ و «الآلاء» : النّعم ، والضمير في قوله : (رَبِّكُما) للجن والإنس اللّذين تضمّنهما لفظ الأنام ، وأيضا ساغ تقديم ضميرهما عليهما ؛ لذكر / الإنسان والجانّ عقب ذلك ، وفيه اتساع ، وقال منذر بن سعيد : خوطب من يعقل ؛ لأنّ المخاطبة بالقرآن كلّه هي للإنس والجن (٣) ، وعن جابر قال : «قرأ علينا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سورة الرحمن ، حتّى ختمها ، ثمّ قال : «مالي أراكم سكوتا؟! للجنّ كانوا أحسن ردّا منكم ؛ ما قرأت عليهم هذه الآية من مرّة : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) إلّا قالوا : لا بشيء من نعمك ربّنا نكذّب» (٤).

(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)(٢١)

وقوله سبحانه : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ* وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) الآية : اختلف في اشتقاق «الصّلصال» ؛ فقيل : هو من صلّ : إذا أنتن ، فهي إشارة إلى

__________________

(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٢٥)

(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٢٥) ، و «البحر المحيط» (٨ / ١٨٨ ـ ١٨٩) ، و «السبعة» (٦١٩) ، و «الحجة» (٦ / ٢٤٥) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٣٣٣) ، و «معاني القراءات» (٣ / ٤٤) ، و «شرح الطيبة» (٦ / ٢٩) ، و «العنوان» (١٨٤) ، و «حجة القراءات» (٦٩٠) ، و «شرح شعلة» (٥٩٣) ، و «إتحاف» (٢ / ٥٠٩)

(٣) ذكره ابن عطية (٥ / ٢٢٦)

(٤) أخرجه الترمذي (٥ / ٣٩٩) ، كتاب «التفسير» باب : ومن سورة الرحمن (٣٢٩١) ، والحاكم في «المستدرك» (٢ / ٤٧٣) ، والبيهقي في «دلائل النبوة» (٢ / ٢٣٢) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٨٩) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر ، وأبي الشيخ في «العظمة» ، وابن مردويه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

قال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم عن زهير بن محمّد ، قال أحمد بن حنبل : كان زهير بن محمّد الذي وقع بالشام ليس هو الذي يروى عنه بالعراق كأنه رجل آخر قلبوا اسمه ، يعني لما يرون عنه من المناكير ، وسمعت محمّد بن إسماعيل البخاري يقول : أهل الشام يروون عن زهير بن محمّد مناكير ، وأهل العراق يروون عنه أحاديث مقاربة. ا ه من كلام الترمذي. قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

٣٤٨

الحمأة ، وقال الجمهور : هو من صلّ : إذا صوّت ، وذلك في الطين لجودته ، فهي إشارة إلى ما كان في تربة آدم من الطين الحرّ ؛ وذلك أنّ الله تعالى خلقه من طين مختلف ، فمرّة ذكر في خلقه هذا ، ومرّة هذا ، وكلّ ما في القرآن صفات ترددت على التراب الذي خلق منه ، و «الفخّار» : الطين الطّيّب إذا مسّه الماء فخر ، أي : ربا وعظم ، والجانّ : اسم جنس كالجنّة ، قال الفخر : وفي الجانّ وجه آخر : أنّه أبو الجنّ ، كما أنّ الإنسان هنا أبو الإنس خلق من صلصال ، ومن بعده خلق من صلبه. كذلك الجانّ هنا أبو الجنّ خلق من نار ، ومن بعده من ذرّيّته ، انتهى ، و «المارج» : اللهب المضطرب من النار ، قال ابن عبّاس (١) : وهو أحسن النار المختلط من ألوان شتّى ، قال أبو حيّان (٢) : المارج المختلط من أصفر ، وأخضر ، وأحمر ، انتهى.

وكرّر سبحانه قوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) ؛ تأكيدا وتنبيها للنفوس ، وتحريكا لها ، وهذه طريقة من الفصاحة معروفة ، وهي من كتاب الله في مواضع ؛ وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، / وفي كلام العرب ، وذهب قوم إلى أنّ هذا التكرار إنّما هو لما اختلفت النعم المذكورة كرّر التوقيف مع كلّ واحدة منها ، قال* ع (٣) * : وهذا حسن ، وقال الحسين بن الفضل : التكرار لطرد الغفلة ، وللتأكيد (٤) ، وخصّ سبحانه ذكر المشرقين والمغربين بالتشريف في إضافة الرب إليهما ؛ لعظمهما في المخلوقات.

* ت* : وتحتمل الآية أن يراد المشرقين والمغربين وما بينهما كما هو في «سورة الشعراء» واختلف الناس في (الْبَحْرَيْنِ) ؛ قال* ع (٥) * : والظاهر عندي أنّ قوله تعالى : (الْبَحْرَيْنِ) يريد بهما نوعي الماء العذب والأجاج ، أي : خلطهما في الأرض ، وأرسلهما متداخلين في وضعهما في الأرض ، قريب بعضهما من بعض ، ولا بغي ، قال* ع (٦) * : وذكر الثعلبيّ في (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) ألغازا وأقوالا باطنة يجب ألّا يلتفت إلى شيء منها.

__________________

(١) أخرجه الطبري (١١ / ٥٨٤) برقم : (٣٢٩٤٥) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٢٦) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٧١)

(٢) ينظر : «البحر المحيط» (٨ / ١٨٩)

(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٢٦)

(٤) ذكره ابن عطية (٥ / ٢٢٦)

(٥) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٢٧)

(٦) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٢٧)

٣٤٩

* ت* : ولا شكّ في اطّراحها ، فمنها نقله عن الثوريّ (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) : فاطمة وعليّ ، (اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) : الحسن والحسين ، ثم تمادى في نحو هذا ممّا كان الأولى به تركه ، ومرج الشيء ، أي : اختلط ، و «البرزخ» : الحاجز ، قال البخاريّ (لا يَبْغِيانِ) : لا يختلطان ، انتهى ، قال ابن مسعود (١) : (وَالْمَرْجانُ) : حجر أحمر ، وهذا هو الصواب ، قال عطاء الخراسانيّ (٢) : وهو البسذ(٣).

(يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣) وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)(٢٥)

وقوله سبحانه : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) قال جمهور من المتأولين : إنما يخرج ذلك من «الأجاج» في المواضع التي تقع فيها الأنهار والمياه العذبة ؛ فلذلك قال : (مِنْهُمَا).

* ت* : وهذا بناء على أنّ الضمير في (مِنْهُمَا) للعذب وللمالح ، وأمّا على قول / من قال : إنّ البحرين بحر فارس والروم ، أو بحر القلزم وبحر الشام ـ فلا إشكال ـ ؛ إذ كلّها مالحة ، وقد نقل الأخفش عن قوم ؛ أنّه يخرج اللؤلؤ والمرجان من المالح ومن العذب ، وليس لمن ردّه حجّة قاطعة ، ومن أثبت أولى ممّن نفى ، قال أبو حيّان (٤) : والضمير في (مِنْهُمَا) يعود على البحرين ، يعني : العذب والمالح ، والظاهر خروج اللؤلؤ والمرجان منهما ، وحكاه الأخفش عن قوم ، انتهى ، والجواري : جمع جارية ، وهي السّفن ، وقرأ حمزة وأبو بكر (٥) : «المنشئات» ـ بكسر الشين ـ ، أي : اللواتي أنشأن جريهنّ ، أي : ابتدأنه ، وقرأ الباقون ـ بفتح الشين ـ ، أي : أنشأها الله أو الناس ، وقال مجاهد : (الْمُنْشَآتُ) : ما رفع قلعه من السفن (كَالْأَعْلامِ) ، أي : كالجبال (٦).

__________________

(١) أخرجه الطبري (١١ / ٥٨٩) برقم : (٣٢٩٩٥) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٢٨)

(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٥٨٩) برقم : (٣٢٩٩٠) عن كعب الأحبار ، وذكره البغوي (٤ / ٢٦٩)

(٣) البسّذ : نوع من الجوهر. وهي كلمة غير عربية.

ينظر : «لسان العرب» (٢٧٩)

(٤) ينظر : «البحر المحيط» (٨ / ١٩٠)

(٥) ينظر : «السبعة» (٦٢٠) ، و «الحجة» (٦ / ٢٤٧) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٣٣٧) ، و «معاني القراءات» (٣ / ٤٦) ، و «شرح الطيبة» (٦ / ٣٠) ، و «العنوان» (١٨٤) ، و «حجة القراءات» (٦٩١) ، و «شرح شعلة» (٥٩٣) ، و «إتحاف» (٢ / ٥١٠)

(٦) أخرجه الطبري (٥ / ٥٩١) برقم : (٣٣٠٠٠) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٢٨) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٧٢) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٩٦) ، وعزاه للفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير.

٣٥٠

* ت* : ولفظ البخاريّ : (الْمُنْشَآتُ) : ما رفع قلعه من السفن ، فأمّا ما لا يرفع قلعه ، فليس بمنشآت ، انتهى.

(كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)(٢٨)

وقوله سبحانه : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها) أي : على الأرض (فانٍ) والإشارة بالفناء إلى جميع الموجودات على الأرض من حيوان وغيره ، والوجه : عبارة عن الذّات ، لأنّ الجارحة منفيّة في حقّه سبحانه ؛ قال الداوديّ : وعن ابن عبّاس (ذُو الْجَلالِ) : قال : ذو العظمة والكبرياء ، انتهى.

(يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ(٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)(٣٦)

وقوله سبحانه : (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : من ملك ، وإنس ، وجنّ ، وغيرهم ، لا غنى لأحد منهم عنه سبحانه ، كلّهم يسأله حاجته ، إمّا بلسان مقاله ، وإمّا بلسان حاله.

وقوله سبحانه : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) أي : يظهر شأنا من قدرته التي قد سبقت في الأزل في ميقاته من الزمان ، من إحياء وإماتة ، ورفعة وخفض ، وغير ذلك من الأمور التي / لا يعلم نهايتها إلّا هو سبحانه ، و «الشأن» : هو اسم جنس للأمور ، قال الحسين بن الفضل (١) : معنى الآية : سوق المقادير إلى المواقيت ؛ وفي الحديث : «أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ هذه الآية ، فقيل له : ما هذا الشأن يا رسول الله؟ قال : يغفر ذنبا ، ويفرّج كربا ، ويرفع قوما ، ويضع آخرين» (٢) وذكر النقّاش أنّ سبب هذه الآية قول اليهود : استراح الله يوم السّبت ، فلا ينفّذ فيه شيئا.

وقوله تعالى : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) : عبارة عن إتيان الوقت الذي قدّر فيه ، وقضى أن ينظر في أمور عباده ، وذلك يوم القيامة ، وليس المعنى : أنّ ثمّ شغلا يتفرّغ منه ؛ إذ لا يشغله سبحانه شأن عن شأن ، وإنّما هي إشارة وعيد وتهديد ، قال البخاريّ : وهو

__________________

(١) ذكره البغوي (٤ / ٢٧٠) ، وابن عطية (٥ / ٢٢٩)

(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٩٧) ، وعزاه إلى البزار.

٣٥١

معروف في كلام العرب ؛ يقال : لأفرغنّ لك ، وما به شغل ، انتهى ، و (الثَّقَلانِ) : الإنس والجن ؛ يقال : لكل ما يعظم أمره : ثقل ، وقال جعفر بن محمّد الصادق : سمّي الإنس والجنّ ثقلين ؛ لأنّهما ثقلا بالذنوب (١) ، قال* ع (٢) * : وهذا بارع ينظر إلى خلقهما من طين ونار ، واختلف الناس في معنى قوله تعالى : (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا ...) الآية : فقال الطبريّ (٣) : قال قوم : المعنى : يقال لهم يوم القيامة : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ ...) الآية ، قال الضّحّاك : وذلك أنّه يفرّ الناس في أقطار الأرض ، والجنّ كذلك ؛ لما يرون من هول يوم القيامة ، فيجدون سبعة صفوف من الملائكة ، قد أحاطت بالأرض ، فيرجعون من حيث جاؤوا ، فحينئذ يقال لهم : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) (٤) ، وقال بعض المفسّرين : هي مخاطبة في الدنيا ، والمعنى : إن استطعتم الفرار من الموت بأن تنفذوا من أقطار السموات والأرض ، فانفذوا.

/ * ت* : والصواب الأول.

وقوله : (فَانْفُذُوا) : صيغة أمر ، ومعناه : التعجيز ، و «الشّواظ» : لهب النار ؛ قاله ابن عبّاس وغيره (٥) ، قال أبو حيّان (٦) : الشواظ : هو اللهب الخالص بغير دخان ، انتهى ، و «النّحاس» : هو المعروف ؛ قاله ابن عبّاس وغيره (٧) ، أي : يذاب ويرسل عليهما ، ونحوه في البخاريّ ، قال ـ ص ـ : وقال الخليل : «النّحاس» هنا هو : الدّخان الذي لا لهب له ، ونقله أيضا أبو البقاء وغيره ، انتهى.

(فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)(٤٥)

__________________

(١) ذكره البغوي (٤ / ٢٧١) ، وابن عطية (٥ / ٢٣٠)

(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٣٠)

(٣) ينظر : «تفسير الطبري» (١١ / ٥٩٤)

(٤) أخرجه الطبري (١١ / ٥٩٤) برقم : (٣٣٠١٧) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٣٠)

(٥) أخرجه الطبري (١١ / ٥٩٦) برقم : (٣٣٠٢٨) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٣٠) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٧٤) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٩٨) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.

(٦) ينظر : «البحر المحيط» (٨ / ١٩٣)

(٧) ذكره ابن عطية (٥ / ٢٣١)

٣٥٢

وقوله سبحانه : (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ) : جواب «إذا» محذوف مقصود به الإبهام ؛ كأنّه يقول : فإذا انشقّت السماء ، فما أعظم الهول! قال قتادة (١) : السماء اليوم خضراء ، وهي يوم القيامة حمراء ، فمعنى قوله : (وَرْدَةً) أي : محمرّة كالوردة ، وهي النوّار المعروف ؛ وهذا قول الزّجّاج وغيره.

وقوله : (كَالدِّهانِ) قال مجاهد وغيره (٢) : هو جمع دهن ؛ وذلك أنّ السّماء يعتريها يوم القيامة ذوب وتميّع من شدّة الهول ، وقال ابن جريج (٣) : من حرّ جهنّم ، نقله الثعلبيّ ، وقيل غير هذا.

وقوله : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) قال قتادة وغيره (٤) : هي مواطن ؛ فلا تعارض بين الآيات.

وقوله سبحانه : (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) قال ابن عبّاس (٥) : يؤخذ كلّ كافر بناصيته وقدميه ، ويطوى ، ويجمع كالحطب ، ويلقى كذلك في النار ، وقيل : المعنى : أنّ بعض الكفرة يؤخذون بالنواصي ، وبعضهم يسحبون ، ويجرّون بالأقدام.

وقوله تعالى : (هذِهِ جَهَنَّمُ) أي : يقال لهم على جهة التوبيخ ، وفي مصحف ابن مسعود (٦) : «هذه جهنّم الّتي كنتما بها تكذّبان لا تموتان فيها ولا تحييان».

وقوله سبحانه : (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) المعنى : / أنّهم يتردّدون بين نار جهنّم وجمرها ، وبين حميم ، وهو ما غلي في جهنّم من مائع عذابها ، وآن الشيء : حضر ، وآن اللّحم أو ما يطبخ أو يغلى : نضج وتناهى حرّه ، وكونه من الثاني أبين.

__________________

(١) أخرجه الطبري (١١ / ٥٩٨) برقم : (٣٣٠٥٤) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٧٢) ، وابن عطية (٥ / ٢٣١) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٧٥)

(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٥٩٩) برقم : (٣٣٠٥٧) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٣١) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٧٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٩٩) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر.

(٣) ذكره البغوي (٤ / ٢٧٢)

(٤) ذكره ابن عطية (٥ / ٢٣٢)

(٥) ذكره ابن عطية (٥ / ٢٣٢) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٧٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٠٠) ، وعزاه لابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في «البعث والنشور».

(٦) وزاد ابن خالويه فيها : «تصليانها» لا تموتان ... ، ينظر : «الشواذ» ص : (١٥٠) ، و «الكشاف» (٤ / ٤٥١) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٣٢)

٣٥٣

(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧) ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥) فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)(٥٧)

وقوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) أي : موقفه بين يدي ربه ، وقيل في هذه الآية : إنّ كلّ خائف له جنّتان.

* ت* : قال الثعلبيّ : قال محمّد بن عليّ الترمذي : جنّة لخوفه من ربّه ، وجنّة لتركه شهوته ، و «الأفنان» : يحتمل أن تكون جمع «فنن» ، وهو الغصن ، وهذا قول مجاهد (١) ، فكأنّه مدحها بظلالها وتكاثف أغصانها ، ويحتمل أن تكون جمع «فنّ» ، وهو قول ابن عبّاس (٢) ، فكأنّه مدحها بكثرة فواكهها ونعيمها ، و (زَوْجانِ) معناه : نوعان.

* ت* : ونقل الثعلبيّ عن ابن عبّاس (٣) قال : ما في الدنيا شجرة حلوة ولا مرّة إلّا وهي في الجنة ، حتى الحنظل إلّا أنّه حلو انتهى.

و (مُتَّكِئِينَ) : حال ، وقرأ الجمهور (٤) : (عَلى فُرُشٍ) ـ بضم الراء ـ ، وروي في الحديث «أنّه قيل للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذه البطائن من إستبرق ، فكيف الظّواهر؟! قال : هي من نور يتلألأ» ، والإستبرق : ما خشن وحسن من الدّيباج ، والسّندس : ما رقّ منه ، وقد تقدّم القول في لفظ الإستبرق ، والضمير في قوله : (فِيهِنَ) للفرش ، وقيل : للجنات ، إذ الجنتان جنات في المعنى ، و «الجنى» : ما يجنى من الثمار ، ووصفه بالدّنوّ ؛ لأنّه يدنو إلى مشتهيه ، فيتناوله كيف شاء من قيام ، أو جلوس ، أو اضطجاع ، روي معناه في الحديث ، و (قاصِراتُ الطَّرْفِ) : هنّ الحور ، قصرن ألحاظهنّ على أزواجهن : (لَمْ يَطْمِثْهُنَ) أي : لم يفتضّهنّ ؛ لأنّ الطّمث دم الفرج.

__________________

(١) أخرجه الطبري (١١ / ٦٠٤) برقم : (٣٣١٠٠) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٧٤) ، وابن عطية (٥ / ٢٣٣) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٧٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٠٣) ، وعزاه لابن جرير.

(٢) ذكره ابن عطية (٥ / ٢٣٣)

(٣) ذكره البغوي (٤ / ٢٧٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٧٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٠٤) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن عكرمة عن ابن عبّاس رضي الله عنه.

(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٣٣) ، و «البحر المحيط» (٨ / ١٩٥) ، و «الدر المصون» (٦ / ٢٤٦)

٣٥٤

وقوله : (وَلا جَانٌ) قال مجاهد : الجن قد / تجامع نساء البشر مع أزواجهن (١) إذا لم يذكر الزوج اسم الله ، فنفى سبحانه في هذه الآية جميع المجامعات.

(كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (٦٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)(٦١)

وقوله تعالى : (كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ) الآية ، الياقوت والمرجان هي من الأشياء التي قد برع حسنها ، واستشعرت النفوس جلالتها ، فوقع التشبيه بها فيما يشبه ، ويحسن بهذه المشبّهات ، فالياقوت في املاسّه وشفوفه ، ولو أدخلت فيه سلكا ، لرأيته من ورائه ، وكذلك المرأة من نساء الجنة يرى مخّ ساقها من وراء العظم ، والمرجان في املاسّه وجمال منظره.

وقوله سبحانه : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) : آية وعد وبسط لنفوس جميع المؤمنين ؛ لأنّها عامّة ؛ قال ابن المنكدر ، وابن زيد ، وجماعة من أهل العلم (٢) : هي للبرّ والفاجر ، والمعنى : أنّ جزاء من أحسن بالطاعة أن يحسن إليه بالتنعيم ، وحكى النقّاش أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسّر هذه الآية : هل جزاء التّوحيد إلّا الجنّة (٣).

* ت* : ولو صحّ هذا الحديث ، لوجب الوقوف عنده ، ولكنّ الشأن في صحّته ، قال الفخر (٤) : قوله تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) فيه وجوه كثيرة ، حتّى قيل : إنّ في القرآن ثلاث آيات ، في كلّ واحدة منها مائة قول ، إحداها : قوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [البقرة : ١٥٢] وثانيتها : (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) [الإسراء : ٨] وثالثتها : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) ولنذكر الأشهر منها والأقرب.

أما الأشهر فوجوه :

أحدها : هل جزاء التوحيد إلّا الجنّة ، أي : هل جزاء من قال : لا إله إلا الله إلّا دخول الجنّة.

__________________

(١) أخرجه الطبري (١١ / ٦٠٧) برقم : (٣٣١٢١) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٧٥) ، وابن عطية (٥ / ٢٣٤)

(٢) ذكره ابن عطية (٥ / ٢٣٤) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٠٨) ، وعزاه لسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، والبخاري في «الأدب» ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي في «شعب الإيمان» عن محمّد بن الحنفية.

(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٠٧) ، وعزاه إلى الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» ، والبغوي في «تفسيره» ، والديلمي في «مسند الفردوس».

(٤) ينظر : «تفسير الفخر الرازي» (١٥ / ١١٥)

٣٥٥

ثانيها : هل جزاء الإحسان في الدنيا إلّا الإحسان في الآخرة.

ثالثها : هل جزاء / من أحسن إليكم بالنعم في الدنيا إلّا أن تحسنوا له العبادة والتقوى.

وأمّا الأقرب فهو التعميم ، أي : لأنّ لفظ الآية عامّ ، انتهى.

(وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣) مُدْهامَّتانِ (٦٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٧) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩) فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١) حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (٧٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (٧٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ)(٧٨)

وقوله سبحانه : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) قال ابن زيد وغيره : معناه أنّ هاتين دون تينك في المنزلة والقرب ، فالأوليان للمقرّبين ، وهاتان لأصحاب اليمين (١) ، وعن ابن عبّاس (٢) : أنّ المعنى : أنّهما دونهما في القرب إلى المنعّمين ، وأنّهما أفضل من الأوليين ، قال* ع (٣) * : وأكثر الناس على التأويل الأول.

* ت* : واختار الترمذيّ الحكيم التأويل الثاني ، وأطنب في الاحتجاج له في «نوادر الأصول» له ، وخرّج البخاريّ هنا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : جنّتان من فضّة ، آنيتهما وما فيهما ، وجنّتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ...» الحديث ، وفيه : «إنّ في الجنّة خيمة من لؤلؤة مجوّفة ، عرضها ستّون ميلا ، في كلّ زاوية منها أهل ما يرون الآخرين ، يطوف عليهم المؤمن» (٤) انتهى ، و (مُدْهامَّتانِ) معناه : قد علا لونهما دهمة وسواد في النظرة والخضرة ،

__________________

(١) أخرجه الطبري (١١ / ٦١٠) برقم : (٣٣١٤٠) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٣٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٧٩)

(٢) ذكره ابن عطية (٥ / ٢٣٥)

(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٣٥)

(٤) أخرجه البخاري (٨ / ٤٩١) ، كتاب «التفسير» باب : ومن دونهما جنتان (٤٨٧٨) باب : حور مقصورات في الخيام (٤٨٨٠) ، (١٣ / ٤٣٣) ، كتاب «التوحيد» باب : قول الله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٧٤٤٤) ، ومسلم (١ / ١٦٣) ، كتاب «الإيمان» باب : إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم ، برقم : (٢٩٦ / ١٨٠) ، وابن ماجه (١ / ٦٦ ـ ٦٧) «المقدمة» باب : فيما أنكرت الجهمية (١٨٦) ، والترمذي (٤ / ٥٨١) ، كتاب «صفة الجنة» باب : ما جاء في صفة غرف الجنة (٢٥٢٨) ، والدارمي (٢ / ٣٣٣)

٣٥٦

ة ، قال البخاريّ : (مُدْهامَّتانِ) : سوداوان من الريّ (١) ، انتهى ، والنضّاخة : الفوّارة التي يهيج ماؤها ، وكرّر النخل والرمّان ، وهما من أفضل الفاكهة ؛ تشريفا لهما ، وقالت أمّ سلمة : «قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قول الله تعالى : (خَيْراتٌ حِسانٌ) قال : خيرات الأخلاق ، حسان الوجوه» وقرىء شاذّا : «خيّرات» ـ بشدّ الياء المكسورة (٢) ـ.

* ت* : وفي «صحيح البخاريّ» من حديث أنس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لروحه في سبيل الله ، أو غدوة خير من الدّنيا وما فيها ، ولقاب قوس أحدكم في الجنّة أو موضع قيد سوطه خير / من الدّنيا وما فيها ، ولو أنّ امرأة من أهل الجنّة اطّلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحا ، ولنصيفها على رأسها ـ يعني الخمار ـ خير من الدّنيا وما فيها» (٣). وقوله سبحانه : (مَقْصُوراتٌ) أي : محجوبات مصونات في الخيام ، وخيام الجنّة بيوت اللؤلؤ ، قال عمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه (٤) ـ : هي درّ مجوّف ، ورواه ابن مسعود عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال الداوديّ : وعن ابن عبّاس (٥) : والخيمة لؤلؤة مجوّفة فرسخ في فرسخ ،

__________________

(١) ينظر : «صحيح البخاري» (٨ / ٤٨٧) كتاب : «التفسير» ، باب : سورة الرحمن قال ابن حجر : وصله الفريابي.

(٢) قرأ بها أبو عثمان النهدي ، وأبو بكر بن حبيب السهمي.

ينظر : «الشواذ» ص : (١٥١) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٣٥)

(٣) أخرجه البخاري (٦ / ١٧) ، كتاب «الجهاد والسير» ، باب الغدوة والروحة في سبيل الله وقاب قوس أحدكم في الجنة (٢٧٩٢) باب : الحور العين وصفتهن (٢٧٩٦) ، (١١ / ٤٢٥) كتاب «الرقاق» ، باب : صفة الجنة والنار (٦٥٦٨) ، ومسلم (٣ / ١٤٩٩) ، كتاب «الإمارة» باب : فضل الغدوة والروحة في سبيل الله (١١٢ / ١٨٨٠).

وفي الباب من حديث أبي هريرة : أخرجه البخاري (٦ / ١٧) ، كتاب «الجهاد والسير» باب : الغدوة والروحة في سبيل الله ، وقاب قوس أحدكم في الجنة (٢٧٩٣) ، مسلم (٣ / ١٥٠٠) ، كتاب «الإمارة» باب : فضل الغدوة والروحة في سبيل الله (١١٤ / ١٨٨٢).

وفي الباب من حديث سهل بن سعد : أخرجه البخاري (٦ / ١٧) ، كتاب «الجهاد والسير» باب : الغدوة والروحة في سبيل الله ، وقاب قوس أحدكم في الجنة (٢٧٩٤) ، (٦ / ١٠٠) باب : فضل رباط يوم في سبيل الله (٢٨٩٢) ، (١١ / ٢٣٦) كتاب «الرقاق» باب : مثل الدنيا في الآخرة (٦٤١٥) ، ومسلم (٣ / ١٥٠٠) كتاب «الإمارة» باب : فضل الغدوة والروحة في سبيل الله (١١٣ / ٨١٨١) ، والترمذي (٤ / ١٨٨) ، كتاب «فضائل الجهاد» باب : ما جاء في فضل المرابط (١٦٦٤) ، والترمذي (٤ / ١٨٨) ، والنسائي (٦ / ١٥) ، كتاب «الجهاد» باب : فضل غدوة في سبيل الله (٣١١٨) ، وابن ماجه (٢ / ٩٢١) كتاب «الجهاد» باب : فضل الغدوة والروحة في سبيل الله (٢٧٥٦) ، وأحمد (٥ / ٣٣٩)

(٤) أخرجه الطبري (١١ / ٦١٦) برقم : (٣٣١٩٩) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٣٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢١٠) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن أبي الأحوص.

(٥) أخرجه الطبري (١١ / ٦١٦) برقم : (٣٣١٩٧) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٨٠) ، والسيوطي في «الدر ـ

٣٥٧

لها أربعة آلاف مصراع ، انتهى.

و «الرّفرف» : ما تدلّى من الأسرّة من عالي الثياب والبسط ، وقاله ابن عبّاس وغيره (١) ، وما يتدلّى حول الخباء من الخرقة الهفّافة يسمّى رفرفا ، وكذلك يسمّيه الناس اليوم ، وقيل غير هذا ، وما ذكرناه أصوب ، والعبقريّ : بسط حسان ، فيها صور وغير ذلك ، تصنع بعبقر ، وهو موضع يعمل فيه الوشي والدّيباج ونحوه ، قال ابن عبّاس : العبقريّ (٢) : الزّرابيّ (٣) ، وقال ابن زيد (٤) : هي الطّنافس (٥) ، قال الخليل والأصمعيّ : العرب إذا استحسنت شيئا واستجادته قالت : عبقريّ ، قال* ع (٦) * : ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عمر : «فلم أر عبقريّا من الناس يفري فريّه» (٧).

وقوله سبحانه : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) : هذا الموضع ممّا أريد فيه

__________________

ـ المنثور» (٦ / ٢١٠) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا في «صفة الجنة» ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في «البعث».

(١) أخرجه الطبري (١١ / ٦١٩) برقم : (٣٣٢٢٥) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٧٨) ، وابن عطية (٥ / ٢٣٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢١٣) ، وعزاه للفريابي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر.

(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٦٢٠) برقم : (٣٣٢٣٥) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٣٦) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٨٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢١٤) ، وعزاه لعبد بن حميد.

(٣) وهي جمع زربية ، وهو نوع من الثياب محبّر منسوب إلى موضع ، وقال المؤرخ : زرابي البيت : ألوانه ... وقيل : هي البسط العراض. وقيل : ما بها خملة.

ينظر : «عمدة الحفاظ» (٢ / ١٥٦)

(٤) أخرجه الطبري (١١ / ٦٢٠) برقم : (٣٣٢٤١) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٣٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢١٣) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر.

(٥) جمع طنفسة : بكسر الطاء والفاء ، وبضمهما ، وبكسر الطاء وفتح الفاء ، وهي : البساط الذي له خمل رقيق.

ينظر : «النهاية» (٣ / ١٤٠)

(٦) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٣٧)

(٧) أخرجه البخاري (٧ / ٢٣) ، كتاب «فضائل الصحابة» باب : قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو كنت متخذا خليلا (٣٦٦٤) ، ومسلم (٤ / ١٨٦١) ، كتاب «فضائل الصحابة» باب : من فضائل عمر رضي الله تعالى عنه (١٧ ـ ١٨ / ٢٣٩٢) ، وأحمد (٢ / ٣٦٨ ، ٤٥٠) عن أبي هريرة.

وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنهما : أخرجه البخاري (٧ / ٥٠) ، كتاب «فضائل الصحابة» باب : مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (٣٦٨٢) ، ومسلم (٤ / ١٨٦٢) ، كتاب «فضائل الصحابة» باب : فضائل عمر رضي الله عنه (١٩ / ٢٣٩٣) ، وأحمد (٢ / ٢٧ ، ٢٨ ، ٣٩ ، ٨٩ ، ١٠٤ ، ١٠٧)

٣٥٨

بالاسم مسمّاه ، والدعاء بهاتين الكلمتين حسن مرجوّ الإجابة ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألظّوا ب : «يا ذا الجلال والإكرام» (١).

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما.

__________________

(١) أخرجه الترمذي (٥ / ٢٣٩) ، كتاب «الدعوات» باب : (٩٢) (٣٥٢٤) ، وأحمد (٤ / ١٧٧).

قال الترمذي : هذا حديث غريب.

٣٥٩

تفسير سورة الواقعة

وهي مكّيّة بإجماع ممّن يعتدّ بقوله

روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم / أنّه قال : «من دام على قراءة سورة الواقعة ، لم يفتقر» أو قال : «لم تصبه فاقة أبدا» (١) ، قال* ع (٢) * : لأنّ فيها ذكر القيامة ، وحظوظ الناس في الآخرة ، وفهم ذلك غنى لا فقر معه ، ومن فهمه شغل بالاستعداد.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً)(٧)

قوله سبحانه : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) الآية ، الواقعة : اسم من أسماء القيامة ؛ قاله ابن عبّاس (٣) ، وقال الضّحّاك (٤) : الواقعة : الصيحة ، وهي النفخة في الصور ، و (كاذِبَةٌ) : يحتمل أن يكون مصدرا ، فالمعنى : ليس لها تكذيب ولا ردّ ولا مثنويّة ؛ وهذا قول مجاهد والحسن (٥) ، ويحتمل أن يكون صفة لمقدّر ، كأنّه قال : ليس لوقعتها حال كاذبة.

وقوله سبحانه : (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) قال قتادة وغيره (٦) : يعني القيامة تخفض أقواما إلى النار ، وترفع أقواما إلى الجنة ، وقيل : إنّ بانفطار السموات والأرض والجبال وانهدام هذه

__________________

(١) أخرجه الشجري في «أماليه» (٢ / ٢٣٨) ، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (١ / ١١٢) باب : ثواب من قرأ سورة الواقعة (١٥١).

قال ابن الجوزي : قال أحمد بن حنبل : هذا حديث منكر ، وشجاع والسري لا أعرفهما.

(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٣٨)

(٣) أخرجه الطبري (١١ / ٦٢٢) برقم : (٣٣٢٤٥) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٣٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢١٥) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه.

(٤) أخرجه الطبري (١١ / ٦٢٢) برقم : (٣٣٢٤٤) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٣٨)

(٥) أخرجه الطبري (١١ / ٦٢٢) برقم : (٣٣٢٤٦) عن قتادة ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٣٨) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٨٢)

(٦) أخرجه الطبري (١١ / ٦٢٣) برقم : (٣٣٢٥٠) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٣٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢١٦) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير.

٣٦٠