تفسير الثعالبي - ج ٤

عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف أبي زيد الثعالبي المالكي

تفسير الثعالبي - ج ٤

المؤلف:

عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف أبي زيد الثعالبي المالكي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٥

قال أبو عمر [بن عبد البرّ] (١) في «التمهيد» (٢) / ، وممن روى هذا الحديث عن ٧ ب سهيل ، بإسناده هذا (٣) فذكر البغض من غير شكّ معمر وعبد العزيز بن المختار ، وحماد بن سلمة ، قالوا في آخره : وإذا أبغض بمثل (٤) ذلك ، ولم يشكوا.

قال أبو عمر : وقد قال المفسّرون في قوله تعالى : (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) : يحبّهم ويحبّبهم إلى الناس ، وقاله مجاهد ، وابن عباس (٥) ، ثم أسند أبو عمر عن كعب أنه قال : والله ما استقر لعبد ثناء في أهل الدّنيا حتى يستقرّ له في أهل السماء.

قال كعب : وقرأت (٦) في التوراة أنه لم تكن محبّة لأحد من أهل الأرض إلّا كان بدأها من الله عزوجل ينزلها على أهل السماء ، ثم ينزلها على أهل الأرض ، ثم قرأت القرآن ، فوجدت فيه : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) وأسند أبو عمر ، عن قتادة [قال] (٧) : قال هرم بن حيّان : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله تعالى إلّا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان عليه حتّى يرزقه مودّتهم ورحمتهم. انتهى (٨).

قال ابن المبارك في «رقائقه» : أخبرنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت قال : قيل : يا رسول الله ، من أهل الجنّة؟ قال : «من لا يموت حتّى يملأ [الله] (٩) سمعه (١٠) ممّا

__________________

ـ ٣١٨) كتاب «التفسير» : باب «ومن سورة مريم» ، حديث (٣١٦١) ، وأحمد (٢ / ٢٦٧ ، ٣٤١) ، وعبد الرزاق (١٩٦٧٣) ، وابن حبان (٣٦٥) ، وأبو نعيم في «الحلية» (١٠ / ٣٠٦) كلهم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة به.

وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

وأخرجه البخاري (١٣ / ٤٦٩) كتاب التوحيد : باب كلام الرب عزوجل مع جبريل ، حديث (٧٤٨٥) من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة.

(١) سقط في ب ، ج.

(٢) ينظر : «التمهيد» (٢١ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨)

(٣) في ج : هذه.

(٤) في ج ، ب : مثل.

(٥) أخرجه الطبريّ (٨ / ٣٨٥) عن مجاهد برقم (٢٣٩٦١) ، وعن ابن عباس برقم (٢٣٩٦٥) ، وذكره البغوي (٣ / ٢١٠) ، وعزاه عن مجاهد ، والسيوطي (٤ / ٥١٢) ، وعزاه لعبد الرزاق ، والفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير عن ابن عباس بلفظ : «محبة في الناس في الدنيا».

(٦) في ج : قوله.

(٧) سقط في ج.

(٨) أخرجه الطبريّ (٨ / ٣٨٦) رقم (٢٣٩٦٧)

(٩) سقط في ب ، ج.

(١٠) في ج : مسامعه.

٤١

يحبّ» قال : فقيل (١) : يا رسول الله ، من أهل النّار؟ قال : «من لا يموت حتّى يملأ الله سمعه ممّا يكره». انتهى.

قال ع (٢) : وفي حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من عبد إلّا وله في السماء صيت ، فإن كان حسنا ، وضع في الأرض حسنا ، وإن كان سيّئا وضع في الأرض سيّئا» (٣).

ت : وهذا الحديث خرّجه أبو داود في كتاب «الزهد».

(فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) (٩٨)

وقوله تعالى : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ) أي : القرآن (لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ) أي : بالجنة ، والنّعيم الدائم ، والعزّ في الدنيا.

و (قَوْماً لُدًّا) هم : قريش ، ومعناه : مجادلين مخاصمين ، والألدّ : المخاصم المبالغ في ذلك ، ثم مثّل لهم بإهلاك من قبلهم إذ كانوا أشدّ منهم ، وألدّ وأعظم قدرا ، و «الركز» : الصوت الخفيّ.

__________________

(١) في ج : قيل.

(٢) ينظر «المحرر الوجيز» (٤ / ٣٤)

(٣) أخرجه البزار (٣٣٠٦ ـ كشف) من حديث أبي هريرة.

وذكره الهندي في «كنز العمال» (٤٣٠٣٨) ، وعزاه للبزار عن أبي هريرة.

٤٢

تفسير سورة طه

بسم الله الرحمن الرحيم

وهي مكيّة

قوله سبحانه وتعالى : (طه (١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (٢) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (٣) تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (٤) الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (٦) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (٧) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (٨) قوله سحانه وتعالى : (طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) قيل : طه : اسم من أسماء نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقيل : معناه : يا رجل ؛ بالسّريانيّة ، وقيل : بغيرها من لغات العجم.

قال البخاري : قال ابن جبير : (طه) : يا رجل ، بالنّبطيّة (١) انتهى.

وقيل (٢) : إنها لغة يمانية في «عكّ» ؛ وأنشد الطبريّ (٣) في ذلك : [الطويل]

دعوت ب «طه» في القتال فلم يجب

فخفت عليه أن يكون موائلا (٤)

وقال آخر : [البسيط]

إنّ السفاهة (٥) ـ طه ـ من خلائقكم

لا بارك الله في القوم الملاعين (٦)

وقالت فرقة من العلماء : سبب نزول هذه الآية أن قريشا لما نظرت إلى عيش النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشظفه وكثرة عبادته ؛ قالت : إن محمدا مع ربّه في شقاء ، فنزلت الآية رادّة عليهم (٧).

__________________

(١) أخرجه الطبريّ (٨ / ٣٨٩) برقم (٢٣٩٨٨) بلفظ : «يا رجل كلمة بالنبطية» ، وذكره ابن كثير (٣ / ١٤١)

(٢) في ب ، ج : وحكى.

(٣) ينظر : «الطبريّ» (١٦ / ١٣٦)

(٤) البيت لمتمم بن نويرة ، و «الموئل» ؛ الملجأ ، وموائل منه : طالب النجاة ، وهو اسم فاعل «واءل» أي : بادر ، والشاهد في قوله : «طه» على أنها بمعنى «يا رجل». ينظر البيت في : «تفسير الطبريّ» (١٦ / ١٣٦) ، وفيه «صفت بطه» ، و «روح المعاني» (١٦ / ١٤٨)

(٥) في ج ، ب : الشفاعة.

(٦) والاستشهاد به كالاستشهاد بالبيت السابق ـ ينظر البيت في «حاشية الشهاب» (٦ / ١٧٨) ، و «الطبريّ» (٨ / ٣٩٠) ، و «مجمع البيان» (٤ / ٢) ، و «الفخر الرازي» (٢٢ / ٤) ، و «البحر المحيط» (٦ / ٢١٢) ، و «الدر المصون» (٥ / ٣)

(٧) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٥١٦) عن الربيع بن أنس ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم.

٤٣

وأسند عياض في «الشفا» (١) من طريق أبي ذرّ الهروي ، عن الربيع بن أنس قال : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا صلّى / ، قام على رجل ورفع الأخرى ، فأنزل الله ؛ (طه) يعني : طإ الأرض يا محمد ، (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) ولا خفاء بما في هذا كله من الإكرام له (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وحسن المعاملة. انتهى.

[قال ص : (لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً) علّتان لقوله : (ما أَنْزَلْنا). انتهى] (٢).

وقد تقدم القول في مسألة الاستواء ، وباقي الآية بيّن.

قال ابن هشام : قوله تعالى : (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ) أي : فاعلم أنه غنيّ عن جهرك ؛ (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) ، فالجواب محذوف. انتهى.

(وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٢) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (١٤)

وقوله سبحانه : (وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى * إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) هذا الاستفهام توقيف مضمنه : تنبيه النفس إلى استماع ما يورد عليها ، وهذا كما تبدأ الرجل إذا أردت إخباره بأمر غريب ؛ فتقول : أعلمت كذا ، وكذا ، ثم تبدأ تخبره.

وكان من قصّة موسى ـ عليه‌السلام ـ أنه رحل من مدين بأهله بنت شعيب ـ عليه‌السلام ـ وهو يريد أرض مصر ، وقد طالت مدّة جنايته هنالك ، فرجا خفاء أمره ، وكان فيما يزعمون رجلا غيورا ، فكان يسير الليل بأهله ، ولا يسير بالنهار مخافة كشفة (٣) الناس ، فضلّ عن طريقه في ليلة مظلمة ، فبينما هو كذلك ، وقد قدح بزنده ، فلم يور شيئا (إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا) ، أي : أقيموا ، وذهب هو إلى النار ، فإذا هي مضطرمة في شجرة خضراء يانعة ، قيل : كانت من عنّاب ، وقيل : من عوسج (٤) ، وقيل : من علّيق (٥) ، فكلّما

__________________

(١) في ب : عبارة من.

(٢) سقط في ب.

(٣) في ج : كشف.

(٤) العوسج : شجر من شجر الشوك ، له ثمر مدوّر كأنه خرز العقيق. واحدته : عوسجة.

ينظر : «المعجم الوسيط» (٦٠٦)

(٥) في ج ، ب : عليقة.

٤٤

دنا منها ، تباعدت منه ، ومشت فإذا رجع عنها اتّبعته ، فلما رأى ذلك أيقن أنّ هذا من أمور الله الخارقة للعادة ، ونودي ، وانقضى أمره كلّه في تلك الليلة ؛ هذا (١) قول الجمهور ، وهو الحقّ ، وما حكي عن ابن عباس : أنّه قال : أقام في ذلك الأمر حولا ، فغير صحيح عن ابن عباس (٢).

و (آنَسْتُ) : معناه : أحسست ، والقبس : الجذوة من النار ، تكون على رأس العود.

والهدى : أراد هدى الطريق ، أي : لعلي أجد مرشدا لي ، أو دليلا.

وفي قصّة موسى بأسرها في هذه السورة تسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عما لقي في تبليغه من المشقّات صلى‌الله‌عليه‌وسلم والضمير في قوله : (أَتاها) : عائد على النار.

وقوله : «نودي» : كناية عن تكليم الله تعالى له (عليه‌السلام).

وقرأ نافع (٣) وغيره : إنّي ـ بكسر الهمزة ـ على الابتداء ، وقرأ أبو عمرو ، وابن كثير : «أني» ـ بفتحها ـ على معنى : لأجل أنّي أنا ربّك ، فاخلع نعليك.

واختلف في السبب الذي من أجله أمر بخلع النعلين : فقالت فرقة : كانتا من جلد حمار ميّت ، فأمر بطرح النّجاسة.

وقالت فرقة : بل كانت نعلاه من جلد بقرة ذكيّ ؛ لكن أمر بخلعهما لينال بركة الوادي المقدّس ، وتمسّ قدماه تربة الوادي.

قال ع (٤) : وتحتمل الآية معنى آخر ، هو الأليق بها عندي ؛ وهو : أن الله تعالى أمره أن يتأدّب ، ويتواضع ؛ لعظم الحال الّتي حصل فيها ، والعرف عند الملوك : أن تخلع

__________________

(١) في ج : هذا هو.

(٢) ذكره ابن عطية (٤ / ٣٨)

(٣) وكذلك قرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ ، غير أن نافعا فتح الياء ، وأسكنها الباقون.

ينظر : «السبعة» (٤١٧) ، و «الحجة» (٥ / ٢١٨) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٢٨) ، و «معاني القراءات» (٢ / ١٤٣) ، و «شرح الطيبة» (٥ / ٣٩) ، «وحجة القراءات» (٤٥١) ، و «شرح شعلة» (٤٩٠) ، و «إتحاف» (٢ / ٢٤٤)

(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٣٩)

٤٥

النّعلان ، ويبلغ الإنسان إلى غاية تواضعه ، فكأنّ موسى ـ عليه‌السلام ـ أمر بذلك على هذا الوجه ، ولا نبالي كيف كانت نعلاه من ميتة أو غيرها.

و (الْمُقَدَّسِ) : معناه المطهّر ، و (طُوىً) : [معناه] (١) مرّتين.

فقالت فرقة : معناه قدّس مرتين ، وقالت فرقة : معناه طويت لك الأرض مرّتين من ظنك.

قال الفخر : وقيل : إنّ طوى اسم واد بالشام ، وهو عند الطّور الذي أقسم الله به في القرآن.

وقيل / : إنّ (طُوىً) بمعنى : يا رجل ، بالعبرانيّة ، كأنه قيل : يا رجل اذهب إلى فرعون. انتهى «من تفسيره لسورة والنازعات».

قال ع (٢) : وحدثني أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : سمعت أبا الفضل بن الجوهري ـ رحمه‌الله تعالى ـ يقول : لما قيل لموسى : استمع لما يوحى ، وقف على حجر ، واستند إلى حجر ، ووضع يمينه على شماله وألقى ذقنه على صدره ، ووقف يستمع ، وكان كلّ لباسه صوفا.

وقوله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) : يحتمل أن يريد : لتذكرني فيها ، أو يريد : لأذكرك في علّيّين بها ، فالمصدر محتمل الإضافة إلى الفاعل ، أو المفعول.

وقالت فرقة : معنى قوله (لِذِكْرِي) أي : عند ذكري ، أي : إذا ذكرتني ، وأمري لك بها.

ت : وفي الحديث عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من نسي صلاة ، فليصلّها إذا ذكرها ؛ فإنّ ذلك وقتها (٣) ؛ قال الله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)». انتهى.

__________________

(١) سقط في ج.

(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٣٩)

(٣) أخرجه أحمد (٣ / ٢٦٩) ، والبخاري (٢ / ٧٠) «كتاب مواقيت الصلاة» باب من نسي صلاة ، الحديث (٥٩٧) ، ومسلم (١ / ٤٧٧) «كتاب المساجد» باب قضاء الصلاة الفائتة ، الحديث (٣١٤ / ٦٨٤) ، والترمذي (١ / ٣٣٥ ـ ٣٣٦) «كتاب الصلاة» باب ما جاء في الرجل ينسى ، الحديث (١٧٨) ، وابن ماجه (١ / ٢٢٧) «كتاب الصلاة» باب من نام عن الصلاة أو نسيها ، حديث (٦٩٦) ، والنسائي (١ / ٢٩٣) ، كتاب المواقيت باب فيمن نسي صلاة (٦١٣) ، وأبو داود (١ / ١٧٤) «كتاب الصلاة» باب من نام عن ـ

٤٦

فقد بيّن لك صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما تحتمله الآية ، والله الموفّق بفضله ؛ وهكذا استدل ابن العربي هنا بالحديث (١) ، ولفظه : وقد روى مالك وغيره : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من نام عن صلاة أو نسيها ، فليصلّها إذا ذكرها ؛ فإنّ الله تعالى يقول : أقم الصلاة لذكري» (٢). انتهى من «الأحكام». وقرأت فرقة : «للذّكرى» ، وقرأت (٣) فرقة : «للذّكر» ، وقرأت فرقة : «لذكرى» (٤) بغير تعريف.

(إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (١٦) وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٢٤) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥) قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) (٣٦)

وقوله تعالى : (إِنَّ السَّاعَةَ) : يريد (٥) : القيامة آتية ، فيه تحذير ووعيد.

وقرأ ابن كثير ، وعاصم : «أكاد أخفيها» ـ بفتح الهمزة ـ بمعنى : أظهرها ، أي : إنها من تيقّن وقوعها تكاد تظهر ، لكن تنحجب إلى الأجل المعلوم ، والعرب تقول : خفيت الشيء بمعنى : أظهرته.

__________________

ـ صلاة أو نسيها (٤٤٢) ، وأبو عوانة (١ / ٣٨٥) ، والدارمي (١ / ٢٨٠) ، وابن خزيمة (٢ / ٩٧) رقم (٩٩٣) ، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (١ / ٤٦٥) ، وفي «المشكل» (١ / ١٨٧) ، والبيهقي (٢ / ٢١٨) ، وابن عبد البر في «التمهيد» (٦ / ٢٧٠) ، من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك».

وأخرجه مسلم (١ / ٤٧٧) «كتاب المساجد» باب قضاء الصلاة الفائتة (٣١٦) ، وأحمد (٣ / ٣٦٩) ، وأبو نعيم (٩ / ٥٢) ، بلفظ : «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى يقول : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي).

(١) ينظر «أحكام القرآن» لابن العربي (٣ / ١٢٥٨)

(٢) ينظر الحديث السابق.

(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٣٩) ، «والبحر المحيط» (٦ / ٢١٨) ، و «الدر المصون» (٥ / ١١)

(٤) في ج : لذكر.

(٥) في ج : يوم.

٤٧

وقرأ الجمهور (١) : «أخفيها» ـ بضم الهمزة ـ فقيل : معناه : أظهرها ، وزعموا : أن «أخفيت» من الأضداد.

وقالت فرقة : (أَكادُ) بمعنى أريد ، أي : أريد إخفاءها عنكم ؛ لتجزى كل نفس بما تسعى ، واستشهدوا بقول الشاعر : [الكامل].

كادت وكدت وتلك خير إرادة

 ........... (٢)

وقالت فرقة : أكاد : على بابها بمعنى : أنها مقاربة ما لم يقع لكن الكلام جار على استعارة العرب ، ومجازها ، فلما كانت الآية عبارة عن شدّة خفاء أمر القيامة ووقتها ، وكان القطع بإتيانها مع جهل الوقت أهيب على النفوس ؛ بالغ ـ سبحانه ـ في إبهام وقتها ، فقال : (أَكادُ أُخْفِيها) ؛ حتّى لا تظهر البتة ، ولكن ذلك لا يقع ، ولا بدّ من ظهورها ، وهذا التأويل هو الأقوى عندي.

وقوله سبحانه : «فلا يصدنك عنها» : أي : عن الإيمان بالسّاعة ، ويحتمل عود الضمير على الصلاة.

وقوله : (فَتَرْدى) : معناه فتهلك ، والردى : الهلاك ، وهذا الخطاب كله لموسى عليه‌السلام ، وكذلك ما بعده.

وقال النقاش : الخطاب ب (فَلا يَصُدَّنَّكَ) : لنبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهذا بعيد (٣).

وقوله سبحانه : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) تقرير مضمنه التنبيه ، وجمع النفس ؛ لتلقى ما يورد عليها ، وإلّا فقد علم سبحانه ما هي في الأزل.

__________________

(١) ينظر : «المحتسب» (٢ / ٤٧ ـ ٤٨) ، و «المحرر الوجيز» (٤ / ٤٠) ، و «الدر المصون» (٥ / ١١)

(٢) صدر بيت للأخفش ، وعجزه :

 .............

لو عاد من لهو الصبابة ما مضى

ينظر «الصحاح» (كود) ، و «اللسان» (كود) و (كيد) ، و «التاج» (كود).

وقال الزبيدي : وقال الأخفش في تفسير الآية : معناه : أخفيها. وفي «تذكرة أبي عليّ» أن بعض أهل التأويل قالوا : (أَكادُ أُخْفِيها) معناه أظهرها ، قال شيخنا : والأكثر على بقائها على أصلها ، كما في «البحر» و «النّهر» و «وإعراب أبي البقاء» و «والسفاقسيّ» ، فلا حاجة إلى الخروج عن الظاهر ، والله أعلم ، قال السيوطيّ : وعكسه كقوله تعالى : (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) أي يكاد. قلت : وفي «اللسان» : قال بعضهم في قوله تعالى (أَكادُ أُخْفِيها) أريد أخفيها ، فكما جاز أن توضع أريد موضع أكاد في قوله (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) [الكهف : ٧٧]. فكذلك أكاد ، فتأمّل.

(٣) ذكره ابن عطية (٤ / ٤٠)

٤٨

قال ابن العربيّ في «أحكامه» : وأجاب موسى عليه‌السلام بقوله : (هِيَ عَصايَ ...) الآية ، بأكثر مما وقع السؤال عنه ؛ وهذا كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هو الطهور ماؤه ، الحلّ ميتته» (١) / ٩ ألمن سأله عن طهوريّة ماء البحر. انتهى.

__________________

(١) أخرجه مالك (١ / ٢٢) كتاب الطهارة : باب الطهور للوضوء ، الحديث (١٢) ، والشافعي في (١ / ١٦) : كتاب الطهارة ، ومحمد بن الحسن في «الموطأ» (٤٣) كتاب الطهارة : باب الوضوء بماء البحر ، الحديث (٤٦) ، وابن أبي شيبة (١ / ١٣١) كتاب الطهارات : باب من رخص في الوضوء بماء البحر ، وأحمد (٢ / ٣٦١) ، والدارمي (١ / ١٨٦) كتاب الطهارة : باب الوضوء من باب البحر ، والبخاري في «التاريخ الكبير» (٣ / ٤٧٨) ، وأبو داود (١ / ٦٤) كتاب الطهارة : باب الوضوء بماء البحر ، الحديث (٨٣) ، والترمذي (١ / ١٠٠ ـ ١٠١) كتاب الطهارة : باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور ، الحديث (٦٩) ، والنسائي (١ / ١٧٦) كتاب الطهارة : باب الوضوء بماء البحر ، وابن ماجه (١ / ١٣٦) كتاب الطهارة : باب الوضوء بماء البحر ، الحديث (٣٨٦) ، وابن خزيمة (١ / ٥٩) كتاب الطهارة : باب الرخصة في الغسل والوضوء من ماء البحر ، الحديث (١١١) ، وابن حبان في «موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان» كتاب الطهارة : باب ما جاء في الماء ، الحديث (١١٩) ، وابن الجارود ص : (٢٥) باب في طهارة الماء والقدر الذي ينجس الماء والذي لا ينجس ، والدار قطني (١ / ٣٦) كتاب الطهارة : باب في ماء البحر ، الحديث (١٣) ، والحاكم (١ / ١٤٠ ـ ١٤١) كتاب الطهارة ، والبيهقي في (١ / ٣) كتاب الطهارة : باب التطهير بماء البحر ، وفي «معرفة السنن والآثار» (١ / ١٥٠ ـ ١٥١) ، والخطيب في «تاريخ بغداد» (٧ / ١٣٩) ، وابن بشكوال في «الغوامض» (ص ـ ٥٥٥) ، والجوزقاني في «الأباطيل» رقم (٣٣١) ، من رواية مالك عن صفوان بن سليم ، عن سعيد بن سلمة من آل ابن الأزرق ، عن المغيرة بن أبي بردة ، أنه سمع أبا هريرة يقول : سأل رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله! إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن نتوضأ به عطشنا. أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته» وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح وقد توبع مالك على هذا الحديث فتابعه أبو أويس وعبد الرحمن بن إسحاق وإسحاق بن إبراهيم. فمتابعة الأول رواها أحمد (٢ / ٣٩٢ ـ ٣٩٣) ، ومتابعة الثاني والثالث ، أخرجها الحاكم (١ / ١٤١) كتاب الطهارة ، والبيهقي في «معرفة السنن والآثار» (١ / ١٥٣ ـ ١٥٤) كتاب الطهارة : باب ما تكون به الطهارة من الماء.

وقد تابعه أيضا الجلاح أبو كثير ، فرواه عن سعيد بن سلمة. أيضا أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (٣ / ٤٧٨) ، والحاكم (١ / ١٤١) كتاب الطهارة ، والبيهقي (١ / ٣) كتاب الطهارة : باب التطهير بماء البحر. و «معرفة السنن والآثار» (١ / ١٥٤) كتاب الطهارة باب ما تكون به الطهارة من الماء.

وممن روى هذا الحديث عن أبي هريرة غير المغيرة سعيد بن المسيب. أخرجه الدار قطني (١ / ٣٧) رقم (١٥) والحاكم (١ / ١٤٢) من طريق عبد الله بن محمد القدامي ثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة به.

وسكت عنه الحاكم والذهبي وعبد الله بن محمد القدامي ضعيف.

قال ابن عدي (٤ / ٢٥٨) : عامة أحاديثه غير محفوظة وهو ضعيف على ما تبين لي من رواياته واضطرابه فيها ولم أر للمتقدمين فيه كلاما فأذكره.

أبو سلمة بن عبد الرحمن عنه :

٤٩

__________________

ـ أخرجه الحاكم (١ / ١٤٢) ، والعقيلي في «الضعفاء» (٢ / ١٣٢) من طريق سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ثنا محمد بن غزوان قال : ثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة به. ومحمد بن غزوان قال أبو زرعة : منكر الحديث ، وقال ابن حبان : يقلب الأخبار ويسند الموقوف. ينظر «المجروحين» (٢ / ٢٩٩) ، «المغني» (٢ / ٦٢٣) رقم (٥٨٩٢) وقد صحّح هذا الحديث جمع من الأئمة والحفّاظ منهم :

١ ـ البخاري فقال : هو حديث صحيح كما نقل عنه الترمذي في «العلل الكبير» (١ / ٤١) رقم (٣٣).

٢ ـ الترمذي فقال : حسن صحيح.

٣ ـ ابن خزيمة : بإخراجه في صحيحه وسكوته عليه.

٤ ـ ابن حبان : بإخراجه في صحيحه وسكوته عليه ، وقال في «المجروحين» (٢ / ٢٩٩) : حديث أبي هريرة صحيح.

٥ ـ الحاكم.

٦ ـ البيهقي في «معرفة السنن والآثار» (١ / ١٥٢) ونقل قول البخاري في تصحيح الحديث.

٧ ـ الجوزقاني في «الأباطيل» فقال : هذا حديث حسن وغيرهم كثير.

وفي الباب عن علي ، وجابر ، وعبد الله بن عمرو ، وأبي بكر ، وابن عباس ، وأنس ، والفراسيّ ، وابن عمر ، وعبد الله المدلجي ، وسليمان بن موسى ، ويحيى بن أبي كثير مرسلا.

أما حديث علي : رواه الدارقطني (١ / ٣٥) كتاب الطهارة باب في ماء البحر ، الحديث (٦) ، والحاكم (١ / ١٤٢ ـ ١٤٣) كتاب الطهارة كلاهما من رواية ابن عقدة الحافظ ، ثنا أحمد بن الحسين بن عبد الملك ، ثنا معاذ بن موسى ، ثنا محمد بن الحسين ، حدثني أبي عن أبيه ، عن جده ، عن علي قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ماء البحر فقال : «هو الطهور ماؤه الحل ميتته».

قال الحافظ في «التلخيص» (١ / ١٢) : وفيه من لا يعرف.

وحديث جابر : رواه أحمد (٣ / ٣٧٣) ، وابن ماجه (١ / ١٣٧) كتاب الطهارة باب الوضوء بماء البحر ، الحديث (٣٨٨) ، والدار قطني (١ / ٣٤) كتاب الطهارة باب في ماء البحر ، الحديث (٣) ، وابن خزيمة (١ / ٥٩) ، وابن حبان (١٢٠ ـ موارد) ، وابن الجارود (٨٧٩) ، والدار قطني (١ / ٣٤) ، والبيهقي (١ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤) ، وأبو نعيم في «الحلية» (٩ / ٢٢٩) من طريق إسحاق بن حازم عن عبيد الله بن مقسم عن جابر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن ماء البحر فقال : «الحل ميتته ، الطهور ماؤه».

قال الحافظ في «تلخيص الحبير» (١ / ١١) : قال أبو علي بن السكن : حديث جابر أصح ما روي في هذا الباب.

وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (٢ / ٢٠٣). الحديث (١٧٥٩) ، والدارقطني (١ / ٤٣) ، والحاكم (١ / ١٤٣) كتاب الطهارة ، من وجه أخر من رواية المعافي بن عمران ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر به.

قال الحافظ في «التلخيص» (١ / ١١) إسناده حسن ليس فيه إلا ما يخشى من التدليس ، ورواه الدار قطني (١ / ٣٤) أيضا من طريق مبارك بن فضالة ، عن أبي الزبير.

وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص : ـ أخرجه الحاكم (١ / ١٤٣) كتاب الطهارة ، من طريق الحكم بن موسى ، ثنا معقل بن زياد ، عن الأوزاعي ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده ، أن ـ

٥٠

__________________

ـ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ميتة البحر حلال وماؤه طهور». وقد رواه الدار قطني (١ / ٣٥) كتاب الطهارة باب في ماء البحر ، الحديث (٧) ، من هذا الوجه أيضا ، من رواية الحكم بن موسى ، عن معقل فقال عن المثنى ، عن عمرو بن شعيب ومن طريق المثنى أيضا أخرجه ابن عدي في «الكامل» (٦ / ٢٤١٨) والمثنى بن الصباح ضعفه ابن معين وغيره وقال النسائي : متروك. ينظر «المغني» (٢ / ٥٤١) رقم (٥١٧٥).

قال الحافظ في «التلخيص» (١ / ١٢) : ووقع من عند الحاكم الأوزاعي بدل المثنى وهو غير محفوظ.

وحديث أبي بكر : أخرجه الدارقطني (١ / ٣٥) كتاب الطهارة باب في ماء البحر ، الحديث (٤) من طريق عبد العزيز بن أبي ثابت ، عن إسحاق بن حازم الزيات ، عن وهب بن كيسان ، عن جابر بن عبد الله ، عن أبي بكر الصديق أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن البحر ، الحديث. وقال الدار قطني : عبد العزيز ليس بالقوي ، ورواه ابن حبان في «المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين» (١ / ٣٥٥) ، من وجه آخر عن أبي بكر مرفوعا ، لكنه من رواية السري بن عاصم ، قال ابن حبان : يسرق الحديث ، ويرفع الموقوف ، وأخرجه الدارقطني (١ / ٣٥) ، والبيهقي (١ / ٤) كتاب الطهارة باب التطهير بماء البحر ، عن أبي بكر موقوفا ، وصحح وقفه الدارقطني ، وابن حبان في «الضعفاء».

وحديث ابن عباس : أخرجه الدارقطني (١ / ٣٥) كتاب الطهارة باب في ماء البحر ، الحديث (١٠) ، والحاكم (١ / ١٤٠) كتاب الطهارة ، كلاهما من رواية سريج بن النعمان ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي التياح ، عن موسى بن سلمة ، عن ابن عباس ، قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عن ماء البحر فقال : «ماء البحر طهور». قال الحاكم : صحيح على شرط مسلم. وأقره الذهبي ، لكن الدارقطني قال : الصواب أنه موقوف قال الحافظ في «التلخيص» (١ / ١١) : رواته ثقات لكن صحح الدارقطني وقفه ، والموقوف خرجه أحمد (١ / ٢٧٩) في مسند ابن عباس رضى الله عنه من طريق عفان ، عن حماد بن سلمة به ، وفيه : وسألته يعني ابن عباس عن ماء البحر ، فقال : ماء البحر طهور.

وحديث أنس : أخرجه عبد الرازق (١ / ٩٤) كتاب الطهارة باب الوضوء من ماء البحر ، الحديث (٣٢٠) ، عن الثوري ، عن أبان بن أبي عياش ، عن أنس ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ماء البحر قال : «الحلال ميتته الطهور ماؤه» وأخرجه الدارقطني (١ / ٣٥) كتاب الطهارة باب في ماء البحر ، الحديث (٨) من طريق محمد بن يزيد ، عن أبان به وقال : أبان متروك.

وحديث الفراسي أو ابن الفراسي : أخرجه ابن ماجه (١ / ١٣٦ ـ ١٣٧) كتاب الطهارة باب الوضوء بماء البحر ، الحديث (٣٨٧) عن سهل بن أبي سهل عن يحيى بن بكير ، عن الليث بن سعد ، عن جعفر بن ربيعة ، عن بكر بن سوادة ، عن مسلم بن مخشي عن ابن الفراسي قال : كنت أصيد وكانت لي قربة أجعل فيها ماء ، وإني توضأت بماء البحر فذكرت ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» هكذا قال ابن ماجه : عن ابن الفراسي.

وأخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (١٦ / ٢٢٠) ، من طريق أبي الزنباع روح بن الفرج القطان ، عن يحيى بن بكير ، وفيه عن مسلم بن مخشي ، أنه حدثه أن الفراسي قال : كنت أصيد في البحر الأخضر على أرماث وكنت أحمل قربة لي فيها ماء ، فذكره.

قال الترمذي في «علله» (ص : ٤١) رقم (٣٤) ، قال : سألت البخاري عن حديث ابن الفراسي في ماء البحر فقال : حديث مرسل ، لم يدرك ابن الفراسي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والفراسي له صحبة.

٥١

ت : والمستحسن من الجواب : أن يكون مطابقا للسؤال ، أو أعمّ منه ؛ كما في الآية ، والحديث ، أمّا كونه أخصّ منه ، فلا. انتهى.

(وَأَهُشُ) : معناه : أخبط بها الشجر ؛ حتّى ينتثر الورق للغنم ، وعصا موسى عليه‌السلام هي الّتي كان أخذها من بيت عصيّ الأنبياء عليهم‌السلام الّذي كان عند شعيب عليه‌السلام حين اتّفقا على الرعي (١) ، وكانت عصا آدم عليه‌السلام ، هبط بها من الجنّة ، وكانت من العير الّذي في ورق الريحان ، وهو الجسم المستطيل في وسطها ، ولما أراد الله سبحانه تدريب موسى في تلقي النبوءة ، وتكاليفها ، أمره بإلقاء العصا ، فألقاها ، فإذا هي حيّة تسعى ، أي تنتقل ، وتمشي ، وكانت عصا ذات شعبتين ، فصارت الشّعبتان فما (٢) يلتقم الحجارة ، فلما رآها موسى رأى عبرة ؛ فولّى مدبرا ولم يعقّب ؛ فقال الله تعالى له : (خُذْها وَلا تَخَفْ) فأخذها بيده ، فصارت عصا كما كانت أوّل مرة ؛ وهي سيرتها الأولى ، (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ) ، أي : جنبك.

قال ع (٣) : وكلّ مرعوب من ظلمة ونحوها فإنه إذا ضمّ يده إلى جناحه ، فتر

__________________

ـ قال الحافظ البوصيري في «الزوائد» (١ / ١٦١) : هذا إسناد رجاله ثقات إلا أن مسلما لم يسمع من الفراسي إنما سمع من ابن الفراسي ، وابن الفراسي لا صحبة له وإنما روى هذا الحديث عن أبيه فالظاهر أنه سقط من هذا الطريق.

وحديث ابن عمر : رواه الدارقطني (٤ / ٢٦٧) باب الصيد والذبائح والأطعمة ، الحديث (٢) طريق إبراهيم بن يزيد ، عن عمرو بن دينار ، عن عبد الرحمن بن أبي هريرة ، أنه سأل ابن عمر قال : آكل ما طفا على الماء ، قال : إن طافيه ميتة ، وقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن ماءه طهور وميتته حل». وإبراهيم بن يزيد هو الخوزي ، قال النسائي والدارقطني : متروك ، وذكره البخاري في «الضعفاء» ، وقال الحافظ : متروك ، ينظر «الضعفاء» للنسائي رقم (١٤) والدارقطني (١٣) والبخاري (١٤) و «التقريب» (١ / ٤٦).

وحديث عبد الله المدلجيّ : أخرجه الطبراني في «الكبير» كما في «المجمع» (١ / ٢١٨) ، وقال الهيثمي : وفيه عبد الجبار بن عمر ضعفه البخاري والنسائي ، ووثقه محمد بن سعد.

أما مرسل سليمان بن موسى ويحيى بن أبي كثير : فأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (١ / ٩٣) رقم (٣١٩).

وهذا الحديث من الأحاديث التي عدها بعض الحفاظ متواترة كالحافظ السيوطي ص (٢٣) رقم (١١) «الأزهار المتناثرة».

(١) في ب / ج : الرعية.

(٢) في ج : مما.

(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٤٢)

٥٢

رعبه ، وربط جأشه (١) ، فجمع الله سبحانه لموسى عليه‌السلام تفتير الرعب مع الآية في اليد.

وروي أنّ يد موسى خرجت بيضاء تشفّ وتضيء ؛ كأنّها شمس من غير سوء ، أي : من غير برص ، ولا مثلة ، بل هو أمر ينحسر ، ويعود بحكم الحاجة إليه ، ولما أمره الله تعالى بالذّهاب إلى فرعون ، علم أنها الرسالة ، وفهم قدر التكليف ؛ فدعا الله في المعونة ؛ إذ لا حول له إلّا به.

و (اشْرَحْ لِي صَدْرِي) معناه : لفهم ما يرد عليّ من الأمور ، والعقدة التي دعا في حلّها هي التي اعترته بالجمرة في فيه ، حين جرّبه فرعون ، وروي في ذلك : أنّ فرعون أراد قتل موسى ، وهو طفل حين مدّ يده عليه‌السلام إلى لحية فرعون ، فقالت له امرأته : إنه لا يعقل ، فقال : بل هو يعقل ، وهو عدوّي ، فقالت له : نجرّبه ، فقال لها : أفعل ، فدعا بجمرات من النّار ، وبطبق فيه ياقوت ، فقالا : إن أخذ الياقوت ، علمنا أنه يعقل ، وإن أخذ النار ، عذرناه ، فمدّ موسى يده إلى جمرة (٢) فأخذها ، فلم تعد على يده ، فجعلها في فيه ، فأحرقته ، وأورثت لسانه عقدة ، وموسى عليه‌السلام إنما طلب من حلّ العقدة قدرا يفقه معه قوله ، فجائز أن تكون تلك العقدة قد زالت كلّها ، وجائز أن يكون قد بقي منها القليل ، فيجتمع أن يؤتى هو سؤله ، وأن يقول فرعون : (وَلا يَكادُ يُبِينُ) [الزخرف : ٥٢].

ولو فرضنا زوال العقدة جملة ، لكان قول فرعون سبّا لموسى بحالته القديمة.

والوزير : المعين القائم بوزر الأمور ، وهو ثقلها ، فيحتمل الكلام أنّ طلب الوزير من أهله على الجملة ، ثم أبدل هرون من الوزير المطلوب ، ويحتمل أن يريد : واجعل هرون وزيرا ، فيكون مفعولا أوّلا ل (اجْعَلْ) ، وكان هرون عليه‌السلام أكبر من موسى عليه‌السلام بأربع سنين ، والأزر : الظهر (٣) ؛ قاله أبو عبيدة(٤).

وقوله : (كَثِيراً) نعت لمصدر محذوف ، أي : تسبيحا كثيرا.

__________________

(١) فلان قوي الجأش أي القلب.

ينظر : «لسان العرب» (٥٢٩)

(٢) في ج : الجمرات.

(٣) في ب ، ج : بمعنى الظهر.

(٤) ذكره ابن عطية (٤ / ٤٣)

٥٣

(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) (٤٦)

وقوله سبحانه : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى) قيل : هو وحي إلهام ، وقيل : بملك ، وقيل : برؤيا رأتها ، وكان من قصة موسى عليه‌السلام فيما روي أن فرعون ذكر له أنّ خراب ملكه يكون على يد غلام من بني إسرائيل ؛ فأمر بقتل ٩ ب كلّ / مولود يولد لبني إسرائيل ، ثم إنه رأى مع أهل مملكته : أنّ فناء بني إسرائيل يعود على القبط بالضرر ؛ إذ هم كانوا عملة الأرض ، والصناع ، ونحو هذا ؛ فعزم على أن يقتل الولدان سنة ، ويستحييهم سنة ، فولد هرون عليه‌السلام في سنة الاستحياء ، ثم ولد موسى عليه‌السلام في العام الرابع سنة القتل ، فخافت عليه أمّه ؛ فأوحى الله إليها : (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) فأخذت (١) تابوتا فقذفت فيه موسى راقدا في فراش ، ثم قذفته في يمّ النيل ، وكان فرعون جالسا في موضع يشرف منه على النّيل إذ رأى التّابوت فأمر به ، فسيق إليه ، وامرأته معه ، ففتح فرأوه فرحمته (٢) امرأته ؛ وطلبته لتتّخذه ابنا ، فأباح لها ذلك ، ثم إنّها عرضته للرّضاع ، فلم يقبل (٣) امرأة فجعلت تنادي عليه في المدينة ، ويطاف به يعرض للمراضع ، فكلما عرضت عليه امرأة أباها ، وكانت أمه قالت لأخته : (قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ) [القصص : ١١] وفهمت أمره ، فقالت لهم : أنا أدلّكم على أهل بيت يكفلونه لكم ، وهم له ناصحون ، فتعلّقوا بها ، وقالوا : أنت تعرفين هذا الصبيّ ، فأنكرت ، وقالت : لا ، غير أني أعلم من أهل هذا البيت الحرص على التقرّب إلى المملكة ، والجدّ في خدمتها ، ورضاها ، فتركوها وسألوها الدّلالة ، فجاءت بأمّ موسى ، فلما قرّبته ، شرب ثديها ، فسرّت بذلك آسية امرأة فرعون (رضي الله عنها) وقالت لها : كوني معي في القصر ، فقالت لها : ما كنت لأدع بيتي وولدي ، ولكنه يكون عندي ، فقالت : نعم ، فأحسنت إلى أهل ذلك البيت غاية الإحسان ،

__________________

(١) في ب : فاتخذت.

(٢) في ج : ورحمته.

(٣) في ج : فلم يقبل للرضاع.

٥٤

واعتزّ بنو إسرائيل بهذا الرضاع ، والسبب من المملكة ، وأقام موسى عليه‌السلام حتى كمل رضاعه ، فأرسلت إليها آسية : أن جئيني بولدي ليوم كذا ، وأمرت خدمها ، ومن معها أن يلقينه بالتحف ، والهدايا ، واللّباس ؛ فوصل إليها على ذلك ، وهو بخير حال وأجمل ثياب ، فسرّت به ، ودخلت به على فرعون؟ ليراه ويهب له (١) فرآه وأعجبه ، وقرّبه فأخذ موسى عليه‌السلام بلحية فرعون ، وجبذها ، فاستشاط فرعون ، وقال : هذا عدوّ لي ، وأمر بذبحه ، فناشدته فيه امرأته ، وقالت : إنه لا يعقل ، فقال فرعون : بل يعقل ، فاتّفقا على تجريبه بالجمرة (٢) والياقوت ؛ حسب ما تقدّم ، فنجاه الله من فرعون ورجع إلى أمّه ، فشبّ عندها ، فاعتزّ به بنو إسرائيل (٣) إلى أن ترعرع ، وكان فتى جلدا (٤) فاضلا كاملا ، فاعتزت به بنو إسرائيل بظاهر ذلك الرضاع ، وكان يحميهم ، ويكون ضلعه معهم ، وهو يعلم من نفسه أنه منهم ، ومن صميمهم ، فكانت بصيرته في حمايتهم أكيدة ، وكان يعرف ذلك أعيان بني إسرائيل ، ثم وقعت له قصّة القبطيّ المتقاتل مع الإسرائيلي على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وعدد الله سبحانه على موسى في هذه الآية ما تضمنته هذه القصّة : من لطفه سبحانه به في كلّ فصل ، وتخليصه من قصّة إلى أخرى ، وهذه الفتون التي فتنه بها ، أي : اختبره بها ، وخلّصه حتى صلح للنّبوّة ، وسلم لها.

وقوله (ما يُوحى) / إبهام يتضمن عظم الأمر وجلالته وهذا كقوله تعالى : (إِذْ) أ(يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) [النجم : ١٦] (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) [النجم : ١٠]. وهو كثير في القرآن ، والكلام الفصيح.

وقوله : (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ) خبر خرج في صيغة الأمر (٥) [مبالغة ؛ ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «قوموا فلأصل لكم» فأخرج الخبر في صيغة الأمر لنفسه ، مبالغة] (٦) ، وهذا كثير ، والمراد بالعدوّ في الآية : فرعون ثم أخبر تعالى موسى عليه‌السلام أنه ألقى عليه محبّة منه.

__________________

(١) في ج : ويهبه.

(٢) في ج : بالجمرات.

(٣) في ج : بنو إسرائيل بظاهر هذا الرضاع.

(٤) الجلد : القوة والشدة ، وجلد الرجل فهو جلد جليد.

ينظر : «لسان العرب» (٦٥٤)

(٥) في ج : الأمر لنفسه.

(٦) سقط في ج.

٥٥

قالت فرقة : أراد القبول الذي يضعه الله في الأرض لخيار عباده ، وكان حظّ موسى منه في غاية الوفر ؛ وهذا أقوى ما قيل هنا من الأقوال.

وقرأ الجمهور (١) : «ولتصنع» بكسر اللام ، وضم التاء ؛ على معنى : ولتغذى ، وتطعم ، وتربى.

وقوله : (عَلى عَيْنِي) معناه : بمرأى منّي.

وقوله : (عَلى قَدَرٍ) أي : لميقات محدود للنبوّة التي قد أرادها الله تعالى ، (وَاصْطَنَعْتُكَ) : معناه جعلتك موضع الصنيعة ومقر الإجمال والإحسان.

وقوله : (لِنَفْسِي) إضافة تشريف ؛ وهذا كما تقول : بيت الله ، ونحوه : «والصيام لي» (٢) وعبّر بالنّفس عن شدّة القرب ، وقوة الاختصاص.

وقوله تعالى : (وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) معناه : لا تبطئا وتضعفا ؛ تقول : ونى فلان في كذا ، إذا تباطأ فيه عن ضعف ، والوني : الكلال ، والفشل في البهائم والإنس.

وفي مصحف ابن مسعود (٣) : «ولا تهنا في ذكري» معناه : لا تلينا ؛ من قولك : هيّن لين. (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) أي : حسّنا له الكلمة مع إكمال الدّعوة.

قال ابن العربي (٤) في «أحكامه» : وفي الآية دليل على جواز الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر باللّين لمن معه القوّة ، وفي الإسرائيليات : أنّ موسى عليه‌السلام أقام بباب فرعون سنة لا يجد من يبلغ كلامه حتّى لقيه حين خرج ، فجرى له ما قصّ الله تعالى علينا من خبره ؛ وكان ذلك تسلية لمن جاء بعده من المؤمنين في سيرتهم مع الظالمين. انتهى.

وقولهما : (إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ) معناه : يعجل ، ويتسرع إلينا بمكروه.

وقوله عزوجل (إِنَّنِي مَعَكُما) أي بالنّصر والمعونة.

(فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨) قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى

__________________

(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٤٤) ، و «البحر المحيط» (٦ / ٢٢٧) ، و «الدر المصون» (٥ / ٢٠)

(٢) تقدم تخريجه في سورة البقرة.

(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٤٥) ، و «البحر المحيط» (٦ / ٢٣٠)

(٤) ينظر : «أحكام القرآن» (٣ / ١٢٦٠)

٥٦

(٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) (٥٤)

وقوله تعالى : (فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ ...) الآية جملة ما دعي إليه فرعون الإيمان ، وإرسال بني إسرائيل ، وأما تعذيبه بني إسرائيل ، فبذبح أولادهم ، وتسخيرهم وإذلالهم.

وقولهما : (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) يحتمل أن يكون آخر كلام ؛ فيقوى أن يكون السلام بمعنى التحيّة ؛ كأنّهما رغبا بها عنه ، وجريا على العرف في التسليم عند الفراغ من القول.

ويحتمل أن يكون في درج القول ، فيكون خبرا بأن السلامة للمهتدين ، وبهذين المعنيين قالت كلّ فرقة من العلماء.

وقوله سبحانه : (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) قالت فرقة : المعنى أعطى كل موجود من مخلوقاته خلقته ، وصورته ، أي : أكمل ذلك له ، وأتقنه (ثُمَّ هَدى) ، أي : يسّر كلّ شيء لمنافعه ؛ وهذا أحسن ما قيل هنا ، وأشرف معنى وأعم في الموجودات.

وقول فرعون : (فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) يحتمل أن يريد ما بال القرون الأولى لم تبعث لها ، ولم يوجد أمرك عندها؟ ويحتمل أن يريد فرعون قطع الكلام ، والرجوع إلى / سؤال موسى عن حالة من سلف من الأمم ؛ روغانا في الحجّة ، وحيدة.

وقيل : البال : الحال ، فكأنه سأله عن حالهم ، وقول موسى [عليه‌السلام] : (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ) يريد في اللّوح المحفوظ ، و (لا يَضِلُ) : معناه لا ينتلف ويعمه ، «والأزواج» هنا : بمعنى الأنواع.

وقوله : (شَتَّى) نعت للأزواج ، أي : مختلفة.

وقوله (كُلُوا وَارْعَوْا) بمعنى هي صالحة للأكل والرعي ، فأخرج العبارة في صيغة الأمر ؛ لأنه أرجى الأفعال ، وأهزها للنفوس. و (النُّهى) جمع نهية ، والنّهية : العقل النّاهي عن القبائح.

(مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٥٥) وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (٥٦) قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ

٥٧

ضُحًى (٥٩) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (٦٠) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) (٦٦)

وقوله سبحانه : (مِنْها خَلَقْناكُمْ) يريد من الأرض (وَفِيها نُعِيدُكُمْ) أي : بالموت ، والدفن. (وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ) أي : بالبعث ليوم القيامة.

وقوله : (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا) إخبار لنبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقوله (كُلَّها) عائد على الآيات التي رآها فرعون ، لا أنه رأى كلّ آية لله عزوجل وإنما المعنى : أن الله أراه آيات ما ؛ كاليد ، والعصا ، والطمسة ، وغير ذلك. وكانت رؤيته لهذه الآيات مستوعبة يرى الآيات كلّها كاملة. ومعنى (سُوىً) أي : عدلا ونصفة ، أي : حالنا فيه مستوية.

وقالت فرقة : معناه مستويا من الأرض ؛ لا وهد فيه ، ولا نشز ، فقال موسى : (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) وروي أنّ يوم الزينة كان عيدا لهم ، ويوما مشهورا.

وقيل : هو يوم كسر الخليج الباقي إلى اليوم.

وقوله : (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ) عطفا على (الزِّينَةِ) ؛ فهو في موضع خفض.

(فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ) أي : جمع السحرة ، وأمرهم بالاستعداد لموسى ، فهذا هو كيده.

(ثُمَّ أَتى) فرعون بجمعه ، فقال موسى للسحرة : (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً) وهذه مخاطبة محذّر (١) ، وندبهم في هذه الآية إلى قول الحق إذا رأوه ، وألّا يباهتوا بكذب ؛ (فَيُسْحِتَكُمْ) أيّ : فيهلككم ، ويذهبكم ، فلما سمع السحرة هذه المقالة ، هالهم هذا المنزع ، ووقع في نفوسهم من هيبته شديد الموقع. و (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ) والتنازع يقتضي اختلافا كان بينهم في السرّ ؛ فقائل منهم يقول : هو محقّ ، وقائل يقول : هو مبطل ، ومعلوم أن جميع تناجيهم إنما كان في أمر موسى عليه‌السلام و (النَّجْوى) المسارة ، أي : كل واحد يناجي من يليه سرّا ؛ مخافة من فرعون أن يتبين له فيهم ضعف.

__________________

(١) في ج : محذور.

٥٨

وقالت فرقة : إنما كان تناجيهم بالآية التي بعد هذا.

(إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) قرأ نافع ، وابن عامر ، وحمزة والكسائيّ (١) : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) فقالت فرقة : قوله : «إن» بمعنى : نعم ؛ كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن الحمد لله ، برفع الحمد.

وقالت فرقة : إنّ هذه القراءة على لغة بلحارث بن كعب ، وهي إبقاء ألف التثنية في حال النّصب ، والخفض ، وتعزى هذه اللغة لكنانة ، وتعزى لخثعم.

وقال الزجاج (٢) : في الكلام ضمير تقديره : إنه هذان لساحران وقرأ أبو عمرو وحده : «إنّ هذين لساحران».

[وقرأ ابن كثير : «إن هذان لساحرانّ» بتخفيف إنّ ، وتشديد نون هذان لساحران]. (٣).

وقرأ حفص عن عاصم : «إن» بالتخفيف «هذان» خفيفة أيضا «لساحران».

وعبّر كثير من المفسرين عن الطريقة بالسادة أهل العقل والحجا ؛ وحكوا / أن العرب تقول : فلان طريقة قومه ، أي : سيدهم ، والأظهر في الطريقة هنا أنها السيرة ، والمملكة ، والحال الّتي كانوا عليها.

و (الْمُثْلى) تأنيث أمثل ، أي : الفاضلة الحسنة.

وقرأ جمهور (٤) القرّاء : «فأجمعوا» : بقطع الهمزة ، وكسر الميم ؛ على معنى : انفذوا (٥) ، واعزموا.

__________________

(١) ينظر : «السبعة» (٤١٩) ، و «الحجة» (٥ / ٢٢٩) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٣٦) ، و «معاني القراءات» (٢ / ١٤٩) ، و «شرح الطيبة» (٥ / ٤٤) ، و «العنوان» (١٢٩) ، و «حجة القراءات» (٤٥٤) ، و «شرح شعلة» (٤٩٢) ، و «إتحاف» (٢ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩)

(٢) ينظر : «معاني القرآن» (٣ / ٣٦١)

(٣) سقط في ج.

(٤) ينظر «المحرر الوجيز» (٤ / ٥١) ، و «البحر المحيط» (٦ / ٢٣٩) ، و «الدر المصون» (٥ / ٣٧) ، و «السبعة» (٤١٩ ، ٤٢٠) ، و «الحجة» (٥ / ٢٣٢) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٤٠) ، و «معاني القراءات» (٢ / ١٥١) ، و «شرح الطيبة» (٥ / ٤٥) ، و «العنوان» (١٣٠) ، و «حجة القراءات» (٤٥٦) ، و «شرح شعلة» (٤٩٣) ، و «إتحاف» (٢ / ٢٥٠)

(٥) في ج : انفروا.

٥٩

وقرأ أبو عمرو وحده «فأجمعوا» من جمع ، أي : ضموا سحركم بعضه إلى بعض.

وقوله (صَفًّا) أي : مصطفين ، وتداعوا إلى هذا ؛ لأنه أهيب ، وأظهر لهم ، و (أَفْلَحَ) معناه : ظفر ببغيته ، وباقي الآية بيّن مما تقدم.

(فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (٦٧) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (٧٠) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (٧١) قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) (٧٣)

وقوله : (فَأَوْجَسَ) عبارة عما يعتري نفس الإنسان إذا وقع ظنّه في أمر على شيء يسوؤه ، وعبّر المفسرون عن أوجس بأضمر ؛ وهذه العبارة أعمّ من الوجيس بكثير.

(إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) أي الغالب ، وروي في قصص هذه الآية : أن فرعون (لعنه الله) جلس في علّية له طولها ثمانون ذراعا ، والناس تحته في بسيط ، وجاء سبعون ألف ساحر ، فألقوا من حبالهم وعصيّهم ما فيه وقر ثلاث مائة بعير ، فهال الأمر ، ثم إن موسى عليه‌السلام ألقى عصاه من يده ، فاستحالت ثعبانا ، وجعلت تنمو حتّى روي أنها عبرت النهر بذنبها ، وقيل : البحر ، وفرعون في هذا كلّه يضحك ؛ ويرى أن الاستواء حاصل ، ثم أقبلت تأكل الحبال والعصيّ حتى أفنتها ، ثم فغرت فاها نحو فرعون ؛ ففزع عند ذلك ؛ واستغاث بموسى ، فمد موسى يده إليها ، فرجعت عصا كما كانت ، فنظر السحرة ، وعلموا الحقّ ، ورأوا عدم الحبال والعصيّ ؛ فأيقنوا أنّ الأمر من الله عزوجل فآمنوا رضي الله عنهم.

وقوله سبحانه : (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ).

قال ص : «في» على بابها ، وقيل : بمعنى على.

ت : والأول أصوب.

(وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا) قوله : أيّنا ؛ يريد نفسه ، وربّ موسى عليه‌السلام.

٦٠