جامع الأخبار

الشيخ محمّد بن محمّد السبزواري

جامع الأخبار

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد السبزواري


المحقق: علاء آل جعفر
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-33-7
الصفحات: ٦٣٢

١
٢

٣
٤

الإهداء

إلى من قرن الله تعالى طاعتهما بطاعته .. إلى من درجت في باحة ودهما وحنانهما حتى اشتد عودي واستقام .. وأنا استمطر في حلك الظلام دعاءهما.

إلى من أرضعاني صفو الدين ، وغذياني لب الولاية في زمن الجدب السقيم .. إلى من نأت بي عنهما سطوة الأيام حتى أمستَ ذكراهما كالطيف الناعم يداعب مخيلتي المنهكة.

إلى والدي صاحب القلب الكبير ، وإلى والدتي الطيبة أهدي هذا الجهد المتواضع.

علاء آل جعفر

٥
٦

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة التحقيق :

ابتدء بحمد الله والثناء عليه ، رب الأرباب وخالق العباد ، ذو المن والطول ، الذي أسبغ علينا من النعم ما تنوء الألسن عن عدها ، والأفئدة عن حصرها ، الملك المتعال الذي لا اله إلا هو الرحمن الرحيم.

والصلاة على رسول الله النبي الأمي ، والرحمة العظيمة ، الذي بلّغ ونصح ، وأدى وبالغ ، فاخرج الله به من خرج من تيه الظلام إلى نور الهدى ، وعلى أهل بيته المعصومين ، حججه على العالمين ، وسبيله إلى النعيم.

أما بعد :

فليس خافياً على من له شيء من الاطلاع بحيثيات هذا الكتاب ـ الماثل بين يديك أخي القارىء الكريم ـ ما تكتنفه من ملابسات ، وما تعترض الباحث فيه من مشاق وصعوبات كانت هي التي دفعت بالكثير من اخواني وزملائي المحققين إلى الإنحاء باللائمة علي لإقدامي على هذا العمل ، واضطلاعي بتحقيق هذا الكتاب.

ومما لا ريب فيه أن للجميع عذره كما أن لي العذر أيضاً في ذلك ، فلما يحيط هذا الكتاب من جدل حول معرفة نسخته الحقيقية التي أصبحت نسخ عديدة متفاوتة بالزيادة والنقصان والترتيب والتشكيل ، وانتهاءً بالجدل القائم حول معرفة مؤلف هذا الكتاب والذي تشتت وتشعب ليصل في بعض الأحيان إلى ما يتجاوز

٧

العشرين احتمالاً أو الأكثر ، يضاف إلى ذلك ما يظهر من جوانب أخرى عند العمل وخلال التحقيق الا أني وبالاتكال على الله تعالى لم أتردد في خوض هذه العباب متسلحاً بالصبر والتأني ، وراجياً الثواب من الباري جل اسمه ، والشفاعة من أهل بيت النبوة صلوات الله وسلامه عليهم عند احياء أثر أوشك أن يندرس من آثار علومهم التي لاتنضب.

وحقاً أقول : إن هذا الكتاب وطوال هذه السنين التي مرت على تأليفه ـ والتي قد تمتد إلى ما يقارب السبعة قرون ـ قد تعرض وبشكل مقصود أوغير مقصود إلى عمليات مسخ وتشويه طالت كثيراً من رواياته وفحواه مضموناً وترتيباً ومجموعاً فلا غرابة أن نجد هذا البون الشاسع بين بعض نسخ هذا الكتاب وما هو المعول عليه ، والذي تتفق عليه جملة أخرى منِ النسخ المؤيدة بجملة من الشواهد والدلائل ، ولعل مما يثير الأسى والألم حقاَ أن تجد جهداً أنفق في عمل ما يوشكأن يضيع أدراج الرياح ، وأن يعفو عليه الزمن ، وإن كان لا غرابة في ذلك ، فقد ضاع من هذه الطائفة ولعدم تيسر السبل لها طوال دهور مرار الكثير من الأصول والأثار القيمة التي لم يتبق لنا منها إلا أسماؤها ، ناهيك عن غيرها من التي لم يتبق لنا منها حتى هذا الاسم.

ماذا كتب عن جامع الأخبار؟؟

سنحاول في بداية حديثنا أن نستعرض جانباً مما كتبه علماؤنا الأعلام في استعراضهم لهذا الكتاب ، متوخين استلال الجانب الذي يتعرض وبشكل مباشر إلى ما أثيرحوله وما قيل فيه.

قال العلامة الخوانساري في روضات الجنات :

جامع الأخبار ، المعروف المشهور الذي اختلف في مؤلفه ونسخه ، يشمل على أحاديث نادرة كثيرة من الآداب والسنن ، في طي أربعة عشر باباً ، ينفجر منها مائة وثلاثة وعشرون فصلاً .. ولقد أُختلف في حجيته نظراً إلى جهالة راويه وغرابة مطاويه ، واشتماله على أخبار المبالغة والارتفاع ، وعدم وجود إسناداً إلى مؤلفه أوعنه (١).

__________________

(١) روضات الجنات ٤ : ٢٢٥.

٨

أقول : قد نجافي الحقيقة إذا أغمضنا عن أمور لا يمكن الاغضاء عنها وسلّمنا بما ذهب إليه العلامة الخوانساري ـ رحمه‌الله ـ ، فالبرغم من أن مسالة المبالغة والارتفاع كانت وما زالت موضع خلاف وأخذ ورد بين الكثيرين ، إلا أن الصاق هذا الأمر بكتابنا فيه الكثير من الرد ، فألكثير من الروايات التي قد تكون هي مصدر هذه التهمة تبين لي عند تحقيقي لهذا الكتاب أنها نُقلت من مصادرمعتبرة لاغبار عليها ، وهو مما ستتوضح صورته للقارىء الكريم عند مطالعته لمتن الكتاب ، أما عدم وجود الإسناد إلى مؤلفه أو الإسناد في رواياته فهذا الأمر قد يدفعه كون أن معظم هذه الروايات قد نُقلت أيضاً من مصادر معروفة ، أو أن رواياته متكررة في الكثير من مصادر الحديث ، ولا يخفى على القارىء الكريم أن بعضاً من كتب الحديث سبق أن نحت هذا المنحى كما هو في كتاب مكارم الأخلاق للطبرسي ـ رحمه‌الله ـ ومثله في مشكاة الأنوار لولده ، فيبدو أن كتابنا صنواً لهذين الكتابين ...

وقال صاحب صحيفة الأبرار :

كتاب جامع الأخبار ، وهو مجموع حسن غير أنه مختلط الأسلوب ونسخه مختلفة ، فإن منها ما رُتب بالفصول فقط ، ومنها ما هو مبوب ، ولكن بين النسختين اختلاف في الزيادة والنقيصة ، والذي يختلج بالبال أنه لم يخرج من المسودة بيد المصنف ، ثم رتبه تلاميذه ، فلذا أخرج كذلك (١).

وقال العلامة الطهراني في الذريعة :

جامع الأخبار ، المطبوع مكرِراً من (١٢٨٧ هـ) حتى اليوم ، المتداول المرتب على مائة واحد وأربعين فصلاً ، المشهور انتسابه إلى الشيخ الصدوق لكنه مما لا أصل له ، وقد اختلف أقوال الأصحاب في تعيين مؤلفه (٢).

وأضاف ـ رحمه‌الله ـ في موضع آخر :

جامع الأخبار المبوب والمرتب على غير ترتيب ما هو المطبوع ، وهو لبعض

__________________

(١) صحيفة الأبرار : ٤٥٩.

(٢) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ٥ : ٣٣ / ١٥١.

٩

المتاخرين عن مؤلف أصله المطبوع ، ذكر في أوله عين خطبة الموضوع ( الحمد لله الأول بلا أول كان قبله ـ إلى قوله ـ يشتمل أبواباً وفصولاً جامعة للزهد ) لكن في المطبوع يشتمل فصولاً فقط ، ثم زاد في الديباجة عدة جمل ليست فيِ المطبوع ، إلى أن ذكر أنه سماه بـ (جامع الأخبار) ورتبه على أربعة عشر باباً ، وفي كل باب عدة فصول على اختلاف في عددها (١).

وأما ما قيل عن نسبة هذا الكتاب إلى مؤلف معين فقد تضاربت في ذلك الاراء ، وتشتت فيه الأقوال ، بل إنه يندر أن تجد هذا التضارب البيّن ، والاختلاف الواسع في نسبة مؤلَف إلى مؤلِفه ، وللجميع عذره.

فقد نسبه منتجب الدين في فهرسه إلى أبي الحسن علي بن أبي سعد بن أبي الفرج الخيّاط (٢).

ونسبه صاحب رياض العلماء إلى محمد بن محمد الشعيري (٣).

وقال الأحسائي : قال بعض المشايخ : وقفت على نسخة عتيقة جداً في دارالسلطنة أصفهان ، وفيها : تم الكتاب على يد مصنفه الحسن بن محمد السبزواري (٤).

وأما الحر العاملي رحمه‌الله فقد نسبه في إثبات الهداة إلى الحسن بن الفضل الطبرسي (٥) ، وقال في الايقاظ من الهجعة : كتاب جامع الأخبار للشيخ حسن بن الشيخ أبي علي الطبرسي (٦). ولكنه في أمل الآمل تارة ينسبه إلى الحسن بن الفضل بن الحسن الطبرسي ، وتارة أخرى إلى محمد بن محمدا لشعيري (٧).

__________________

(١) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ٥ : ٣٦ / ١٥٢.

(٢) فهرست أسماء علماء الشيعة ومصنفيهم : ١٢١ / ٢٥٧.

(٣) رياض العلماء وحياض الفضلاء ٥ : ١٦٧.

(٤) انطر مقدمة الطبعه الحجرية للكتاب.

(٥) إثبات الهداة ١ : ٢٨.

(٦) الإيقاظ من الهجعة : ٢٨.

(٧) أمل الآمل ٢ : ٧٥ / ٢٠٣.

١٠

وقال العلامة المجلسي ـ رحمه‌الله ـ ... واخطأ من نسبه إلى الصدوق ، بل يروى عن الصدوق بخمس وسائط ، وقد يظن كونه تأليف مؤلف مكارم الأخلاق ، ويحتمل كونه لعلي بن سعد الخياط ، ويظهر من بعض مواضع الكتاب اسم مؤلفه محمد بن محمد الشعيري (١).

وأما الشيخ النوري ـ رحمه‌الله ـ فقد ذكر في نَفَس الرحمان أنه مردد بين جماعة منهم : الصدوق ، والشيخ أبو الحسن علي بن أبي سعيد بن أبي الفرج الخيّاط ، ومحمد بن محمد الشعيري ، وجعفر بن محمد الدوريستي ، والحسن بن محمد السبزواري ، وأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، وولده أبو نصر الحسن صاحب كتَاب مكارم الأخلاق (٢).

وأما في خاتمة المستدرك فقد قال : اختلف الأصحاب في مؤلفه ، فنسبه السيد حسين الكركي المفتي إلى الصدوق ، ولا يخفى ما في النسبة من الوهن ، فانه نقل في هذا الكتاب عن سديد محمود الحمصي المتأخر عن الصدوق بطبقات عديدة ، وينقل فيه أيضاً عن أمالي الشيخ أبي جعفر ، مع بعد وضع الكتاب عن طريقة الصدوق ومؤلفاته ، واحتمل المجلسي في البحار أن يكون مؤلفه الشيخ أبوالحسن علي بن أبي سعيد بن أبي الفرج الخياط (٣).

وقال العلامة الطهراني ـ رحمه‌الله ـ بعد حديث طويل عنه : وعلى أي فهومن المائة السادسة أولاً أو آخراً ، فليس داخلاً في التزكية والتوثيق العمومي من الشهيد لأهل المائة الخامسة ، فلا وجه للجزم بدخوله فيهم ، بل سيأتي احتمال كونه في المائة السابعة (٤).

ثم ذكر رحمه‌الله أحد عشر رجلاً تبتدىء أسماؤهم بمحمد بن محمد على احتمال أنه كذلك ، وكما ورد في العديد من نسخ الكتاب (٥).

__________________

(١) بحار الأنوار ١ : ١٣.

(٢) نفس الرحمان : ١٣٤.

(٣) خاتمة مستدرك الوسائل (مخطوط).

(٤) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ٥ : ٣٣ / ١٥١.

(٥) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ٥ : ٣٥ / ١٥١.

١١

وأما العلامة الخوانساري ـ رحمه‌الله ـ فبعد أن استعرض جملة من آراء الذين نسبوا الكتاب إلى العديد من المؤلفين قال : ثم إن في بعض المواضع أيضاً نسبته إلى شيخنا المفيد (١).

بل ويمكن للباحث أن يجد جملة أخرى من الأراء التي ذهبت إلى نسبة الكتاب لجملة من الأعلام المشهورين في عصورمختلفة ، بل متفاوتة تفاوتاً كبيرفيما بينها وبشكل غير معقول ، فحين تجد من نسبه إلى أعلام القرن الرابع ، تجد أيضاً من ينسبه إلى القرن السابع ، بل الثاني أحياناً ، وفي جميعها قول وردّ لايخفى.

أقول مستعيناً بالله : إني حاولت طوال فترة تحقيق الكتاب أن أعتمد بعض السبل التي قد تمكنني في الوصول إلى ما أبتغيه :

أولها : محاولة تحديد الفترة الزمنية التي عاصرها مؤلف الكتاب.

ثانيها : حصر البقعة الجغرافية التي نشأ بها المؤلف ، وجمع فيها هذا الكتاب.

ثالثها : تحديد النسخة الحقيقية للكتاب باعتماد البعدين السابقين ، وبالاستفادة من الجوانب العلمية والفنية الأخرى.

رابعها : الاستقصاء ما أمكن لما يوجد من نسخ متفرقة في المكتبات العامة والخاصة ، والاستفادة من مطاويها ، وما يمكن أن يستشف من خلالها من إشاراتلا بد وأن تكون دليلاً يسترشد به للوصول إلى الهدف المنشود.

خامسها : الاستفادة ما أمكن مما كتبه علماؤنا الأعلام ـ رحمهم الله تعالى برحمته الواسعة ـ حول هذا الكتاب ، وما احتملوه من آراء فيه وفي نسبته.

وسنحاول بعون الله تعالى أن نناقش كل هذه السبل متوخين من خلالها التوصل إلى خفايا وملابسات هذا الكتاب.

__________________

(١) روضات الجنات ٤ : ٢٢٧.

١٢

زمان تاليف الكتاب :

ولغرض معرفة ذلك ينبغي معرفة البعدين الزمنيين : الأكثر والأقل ، وهذا لايمكن معرفته إلا بتتبع المصادر التي نقل عنها ، والأحداث التي أشار إلى احتمال وقوعهِا ، وفي حصر ما أمكن من تواريخ نسخ مخطوطات الكتاب لتحديد أقدمهاتاريخاً.

ونتيجة لذلك فقد تم تثبيت جملة من الملاحظات المهمة وهي :

١ ـ ينقل المؤلف في متنه عن كتاب روضة الواعظين للشيخ محمد بن الفتال النيسابوري الشهيد في سنة (٥٠٨ هـ) (١).

٢ ـ ينقل أيضاً عن أخطب خوارزم المتوفي سنة (٥٦٨ هـ) وعن كتابه الخاص بمقتل آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والذي انتهى من تأليفه سنة (٥٤٤ ـ هـ) (٢).

٣ ـ نقل عن كتاب أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي الموسومبـ (مجمع البيان في تفسير القرآن) والذي فرغ من تأليفه سنة (٥٣٦) (٣).

٤ ـ روي في الفصل المائة (في الرساتيق) عن سديد الدين محمود الحمصي بصيغة الغائب ، والتي توحي بوجود فاصلة زمنية بين الاثنين بشكل لايقبل الشك ، والحمصي هو صاحب كتاب (المنقذ من التقليد) وكان قد فرغ من تأليفه عام (٥٨١ هـ) ، وهو ـ كما يظهر ـ كان حياً حتى عام (٥٨٣ هـ) (٤).

٥ ـ وجدته ينقل كثيراً وحرفياً عن كتاب مشكاة الأنوار للشيخ أبي الفضل علي الطبرسي ، حفيد الطبرسي الكبير مؤلف مجمع البيان في تفسير القرآن الكريم.

وصاحب مشكاة الأنوار كما هو معروف من أعلام أوائل القرن السابع الهجري.

__________________

(١) انظر : ح : ٧١٥ / ٦.

(٢) انظر : ح : ١٠٦٩ / ٣.

(٣) انظر : ذيل ح : ١٢٧ / ٧.

(٤) انظر : ذيل ح : ١٠٩٢ / ٣.

(٥) يمكن للقارىء الكريم أن يجد عند تصفحه لهذا الكتاب الكثير جداً من هذه الروايات والتي أشرت لها في الهامش كما في ح ٦٦٤ و ٦٦٥ و ٦٦٦.

١٣

٦ ـ من نتائج الاستقصاء الواسع الذي أجريته لفهارس المكتبات العامة والخاصة حصلت على جملة كبيرة من النسخ الخطية لهذا الكتاب ، ومن خلال حصر التوافق بين هذه النسخ وجدت قسماَ كبيراً منها يتفق على كون الانتهاء من تأليف هذا الكتاب كان في منتصف القرن السابع الهجري وبالتحديد في اليوم السادس من صفر عام ٦٧٩ هـ ، كما سترى في الجدول المرفق بالمقدمة.

إذن فمن ملاحظة ما تقدم يظهر بوضوح أن هذا الكتاب ألف يقيناً ـ وعلى أقل تقدير ـ بعد منتصف القرن السادس الهجري ، وإن كانت بعض الأدلة والشواهد السابقة كما في الفقرتين الخامسة والسادسة ما يدفع بهذه الفترة الزمنية نحو القرن السابع الهجري والتي تؤيدها جملة من الملاحظات البديهية.

فقبل سبعمائة عام ما كان هذا التحضر العلمي الذي نشهده الآن في الطباعة والنشر والتوزيع وغيرها ، بل كان الأمر أكثر بساطة ، والكتب أبطأ انتشاراً ، فأي مؤلَف كان لا بد أن يستغرق زمناً طويلاً لكي ينال هذا الانتشار الواسع الذي يجعله في متناول أيدي القراء والباحثين ، بعد استنساخه على أيدي النسّاخين ، ونقلهعبر الأمصار والأقطار حتى يصبح بالتالي معروفاً معتمداً لدى العلماء والمؤلفين للنقل عنه في كتبهم. إذن فمن غير المنطقي والمعقول أن تتزامن فترة تأليف كتابنا هذا مع زمن انتهاء تأليف الكتب التي اعتمد عليها ونقل منها ، ولهذا فإن ما يقوي في نظري هوأن هذا الكتاب قد تم تأليفه بعد القرن السادس الهجري ، وهو ماستؤيده الأدلة القادمة التي سنتحدث عنها إن شاء الله تعالى.

كما أني لم أجد ما يدل على أنه نقل عن كتاب أومؤلف بعد هذا القرن ـ أي القرن السابع ـ وإن كان فيه يشير إلى أنه لم يتجاوزه ، كما في الفصل الثاني والمائة في الملاحم عندما يشير إلى احداث عظيمة تقع في نهاية هذا القرن مثل : ( وفي السبعمائة تطلع الشمس سوداء مظلمة ، ولا تسألوا عما ورائها ).

أو : ( في سنة سبع وثمانين وستمائة يظهر من الروم رجل يقال له المزيد في ... وفي زمانه يخرج إليهم رجل من مكة يقال له : سفيان بن حرب ).

وفي خبر آخر : (من وقت خروجه إلى ظهور قائم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمان أشهر لا يكون زيادة يوم ولا نقصان ).

١٤

ولعل في هذا ما يدل على أن هذا الكتاب لم يتجاوز عند تأليفه القرن السابع بل كان في حدوده ، وأقوى ذلك أن يكون في منتصفه كما أشارت إلى ذلك الأدلة المتقدمة.

ولذا فإن هذا ما يتعارض مع جملة من الاعتبارات القائلة بنسبة هذا الكتاب إلى جملة من الأعلام سبقوا هذه الحقبة الزمنية أو تجاوزوها.

البقعة الجغرافية لمؤلف الكتاب :

كان بالإمكان الاستفادة مما تحصل من تفحص في الفقرة ألاُولى لغرضحصر أو معرفة موطن مؤلف هذا الكتاب ، أو على الأقل محل تواجده عند جمعه لهذا الكتاب.

ولقد ثبت في تصوري ولجملة من الشواهد التي سأذكرها إن شاء الله تعالى أن مؤلف هذا الكتاب هو من أهل سبزوار أو ما يحيط بها.

وفي هذا التصور ـ المعتمد على جملة من الملاحظات ـ خيط قوي يربطهبما تحصّل أويتحصّل من الملاحظات المعتمدة ، بل وكأنها حلقات يُكمل بعضها بعضاً. وإلى ذلك مال الكثيرون كما سنذكر ، وهكذا فمن الشواهد التي يمكن الاعتماد عليها للتشخيص الحالي ما يلي :

١ ـ ينقل المؤلف رحمه‌الله في متن كتابه كثيراً من كتب الأعلام من أهلتلك النواحي أمثال الفتال النيسابوري صاحب كتاب روضة الواعظين ، والشيخ الطبرسي صاحب كتاب مشكاة الأنوار المتوفى في سبزوار ، كما أنه يروى في الفصل الخامس حديث (٥٢) عن علي بن عبد الله بن علي للبيهقي ، ذاكراً فينفس الحديث عين ما يطلق على سبزوار من تسميتها بالقصبة ، وبيهق كما هو معروف ناحية من نواحي نيسابور ، كما أن سبزوار هي إحدى قصبات بيهق.

٢ ـ ما ذهب إليه جمع من الأعلام في نسبة الكتاب إلى مؤلف ما كما تقدمفي الصفحات السابقة ، فترى وان اختلفوا في تحديد اسم هذا المؤلف إلا أنهم وفي أغلب ما ذهبوا إليه أنهم نسبوا مؤلفه إلى تلك النواحي.

٣ ـ مال العلامة الطهرانيِ إلى ما ذهبنا إليه كما ذكر ذلك في الذريعة (٣٤٥).

١٥

قال : فيظهر أنه كان المؤلف من أهل بيهق أو وارداً إليها.

٤ ـ وجدت معظم النسخ الخطية التي حصلت عليها تشير إلى أن مؤلف هذا الكتاب هو من أهل سبزوار كما هو في الجدول الملحق بالمقدمة.

ولا غرابة في ذلك حيث أن سبزوار كانت ـ وهذا لا يخفى ـ حافله بالعلماء والفضلاء أبان تلك الفترة التاريخية ، والأسماء في ذلك كثيرة حيث تشهد لذلك كتب التراجم المعروفة.

ولعلنا إذا أردنا أن نستعرض جميع هذه الأسماء فسنجد أنفسنا في متاهة لاحد لها ، وبحر لا مرفأ له ، ونكون بذلك قد أغمضنا أعيننا عن حقائق وشواهد ماثلة للعيان لا تخفى على الناظر إليها ، ناهيك عمن تفحص بها وتمعن فيها ، كما أن المؤلف وكما لا يقبل الشك لم يكن من أصحاب المؤلفات المعروفة ، ويشهد لذلك ما ذكره في مقدمة كتابه من كون هذا الكتاب هو أول مؤلفاته بهذا الشكل ، وأنه ألفه بعد أن تجاوز الخمسين عاماً ، بل ولم يكن من الشهرة وذياع الصيت بينعامة الفضلاء والعلماء كحال البارزين من علماء الطائفة ، وإلا لما خفى كتابه ، وكاد أن يضيع ولا يبقىِ له أثرِ ، وهوِما تراه عزيزي القارىء الفاضل واضحاً من اختلاف نسخه تنظيماَ وترتيباَ وسرداَ وغير ذلك ، وكذا فإن المؤلف لم يترك من الآثار التي تدلنا على أنه ترك لنا كتاباً اخراً بهذا النحوأو غيره بحيث يمكن الاستدلال به عليه ، بل ولم أجد أحداً من المعاصرين لتلك الحقبة الزمنية أو اللاحقين بها ـ قدر ما استطعت ـ يشير إلى هذا الأمر.

ما هي النسخة الحقيقية للكتاب؟ :

بقي لدينا أمرطالما حير الباحثين في هذا المؤلَف أو المطالعين له ، وهو هل أن النسخة الحقيقية للكتاب هي ذات الفصول أم ذات الأبواب والفصول؟

ولا يخفى على القارئ الكريم أن هذا الاختلاف لا يعني أنه مجرد اختلاف في التبويب والترتيب فقط ، بل إن الأمر أكثر من ذلك وأعقد ، حيث أن بين الاثنين اختلاف في المجموع أيضاً ، ولهذا فقد وقع العديد من الباحثين في حيرة من هذا الأمر ، إلا أن البعض الآخرفطن إلى جوانب معينة يمكننا أن نعتمد بعضه اللاستدلال على حقيقة النسخة الأصلية بإذن الله تعالى.

١٦

فالأمرِ الذي لا يخفى على الباحث أن مؤلف أي كتاب كان يرتب كتابه وفقما يراه مناسباً ومتوافقاً مع مبناه في اعداد هذا الكتاب ، فمنهم من يرتب كتابه على الفصول ، في حين يذهب البعض الآخر على أن كل مجموعة من الفصول الموجودة تتفق فيما بينها في جوانب ما ، عقائدية كانت أو أخلاقية أو أي شيء آخر ، فلذا يبادر إلى جمع كل مجموعة من هذه الفصول في أبواب مستقلة ، وهذا هو أمر شائع لا لبس فيه ، إلا أن من غير المألوف أن يلجأ شخص ما إلى حذف الأبواب لأجل اعداد كتاب ما ، لأنه بذلك سوف يعمد إلى ايجاد الاضطراب في الكتاب طالما أنه كان مرتباً على أساس الأبواب المتفقة الفصول ، بل ان ما يحصل هو العكس من ذلك ، حيث من المألوف أن يلجأ مؤلف ما إلى جمع شتات الفصول المتشابهة مبناً مثلاً في أبواب معينة.

هذا من جانب ، وأما من الجانب الأخر فإن النسخة المرتبة على أساس الأبواب خضعت لعملية حذف شملت العديد من الروايات الموجودة في النسخة الأخرى ، وهذا الأمر واضح جلي.

ويؤيد ما ذهبنا إليه أيضاً قول العلامة الطهراني رحمه‌الله في الذريعة (٥ : ٣٦) حيث ذكرعند حديثه عن النسخة المبوبة : وهو لبعض المتأخرين عن مؤلف أصله المطبوع.

كما أني وجدت في نسخة من الذريعة لدى سماحة السيد عبد العزيز الطباطبائي تصحيحات نقلها من نسخة العلامة الطهراني الخاصة المصححة بيده رحمه‌الله حيث أضاف على ما كتبه عن جامع الأخبار المبوب (المكتوب ٩٠١ هـ) وبذا فإن ما يبدو لي جلياً أن الأصل في كتابنا هو المرتب على الفصوللا الأبواب والفصول ، والله أعلم.

الملاحظة الرابعة :

لقد حاولت وطوال عملي في هذا الكتاب استقصاء ما أمكن الحصول عليهمن نسخ الكتاب في المكتبات العامة والخاصة ، وتتبع ما أمكن من ملاحظات متعلقة بها وشارحة لها.

وكان وبتوفيق من الله تعالى أن يسرت لي كثير من السبل ، واشرعت دون

١٧

ذلك لي الأبواب ، حتى تحققت من عشرات النسخ عياناً وعن طريق الفهارس المتعددة حتى لدول مختلفة تقتني بعض المخطوطات الإسلامية ، وكان من نتيجة ذلك الاستقصاء الواسع أن حصلت على نقاط توافق بين تلك النسخ وبشكلواضح جلي.

ومن تلك النقاط التي كانت تسترعي الانتباه وتثير التساؤل :

١ ـ اتفاق العديد من النسخ على كون انتهاء تأليف الكتاب في ٦ صفر ٦٧٩ كما سترى ذلك في الجدول الملحق بالمقدمة.

٢ ـ وردت تسمية محمد بن محمد كأسم لمؤلف الكتاب في العديد منها ، في حين أضافت الأخرى لقب السبزواري إلى الاسم ، وإلى اعتماد هذا الاسم (أي محمد بن محمد) ذهب معظم من حاول تحديد اسم مؤلف هذا الكتاب ، وعليه دارت أقطاب الرحى.

٣ ـ أوردت الكثير من النسخ وفي باب تقليم الأظافر قول المؤلف : قال محمد بن محمد مؤلف هذا الكتاب قال أبي في وصيته ..

وأخيراً :

لا ريب في أن الاستفادة مما كتبه علماؤنا الأعلام ـ رحمهم الله برحمته الواسعة ـ له كبير أثر وعظيم فضل في الاسترشاد إلى مواطن كثيرة ، وشواهد عديدة ، يمكن من خلالها الوصول إلى الهدف الذي نحاول الوصول إليه ، وكناقد ذكرنا جملة من هذه الآراء في بداية حديثنا ، واستشهدنا كذلك بأقوالهم وآرائهم أثناء حديثنا وتعليقاتنا في الملاحظات السابقة ، بالإضافة إلى ما سنذكره من هذه الأراء في حديثنا القادم إن شاء الله تعالى.

ماذا تحصل من الملاحظات السابقة؟

إذا استقرأنا الاستنتاجات التي توصلنا إليها في الملاحظات السابقة ، ونقاط الاتفاق بينها ، فسنجد جملة من الشواهد التي تظهر وبوضوح جلي لا يمكن معه الاغضاء عنها :

١ ـ الثابت أن المؤلف جمع كتابه بعد منتصف القرن السادس على أقل

١٨

تقدير ، وإن كان هنالك من الأدلة ما يؤكد وبشكل بين أن هذا التاريخ يندفع نحومطلع القرن السابع الهجري.

٢ ـ الأقوى من اتفاق العديد من الأدلة والشواهد أن مؤلف هذا الكتاب كان من أهل سبزوار ، أو من النواحي القريبة منها.

٣ ـ كذلك فإن ما يظهر من متون النسخ التي تحققنا منها ، وكما يذهب إليه جمع من العلماء والفضلاء أن مؤلف هذا الكتاب هو محمد بن محمد كما ذكرنا ذلك سابقاً.

وهكذا فمن خلال هذه الملاحظات التي استخلصناها من تحقيقنا نجد أن معظم ما ذهب إليه مما يتعارض تعارضاً بينا مع هذه الأدلة يبدو ضعيف الحجة والبرهان.

فمما لا شك فيه أن الحقبة الزمنية التي حصرنا فيها تأليف الكتاب وبما تحصل لنا من الأدلة الواقعية المقنعة لا يمكن معها أن نخضع للنقاش ما خرج عن حدودها وإلا فما قيمة الحقائق إذا لم يعمل بها ولا يستدل بها؟ نعم ان من يطرح ماخرج عن ذلك له ما يستدل به ، لكن الذي تحصل لنا وهو أيضاً ما ذهب إليه آخرون كما ذكرنا كان نتيجة تحقيق متن الكتاب والاطلاع عليه من الجلد إلى الجلد.

ومثله أيضاً ما هو واضح للعيان من الاسم الأول لمؤلف هذا الكتاب هو محمد بن محمد وهو أمر لا نلتزمه وننادي به لوحدنا فاكثر من سبقونا ذهبوا إلى التسليم بذلك فلماذا نعرض عن هذه الحقائق صفحاً ونحمل أنفسنا إلى البحثعن تصورات طالما هناك ما هو واضح ومعروف ...؟

إذن فلم يبق أمامنا سوى البحث عن نقاط الاتفاق التي قد تقودنا نحو الهدف الذي نبتغي الوصول إليه وهو ما ذكرناه سابقاً ، وإن كان هناك من ذهب إلى أن مؤلف هذا الكتاب هو محمد بن محمد الشعيري ، وهذا ما وجدت أن البعض قد أثبته كإسم حقيقي لمؤلف الكتاب بعد أن ذهب إلى ذلك العلامة المجلسي رحمه‌الله في البحارحيث قال : إن ذلك يظهرمن بعض نسخ الكتاب ... فإن ما يرد ذلك أن المذكور في متن الكتاب من اسم المؤلف هو محمد بن محمد مطلقاً أو

١٩

مقيداً بالسبزواري ، وكذا هو الحال في آخر الكتاب ، وإلى ما ذهبنا إليه سبق أن ذهب إليه صاحب رياض العلماء حيث قال : إن ما يظهر من كلام الأستاذ في أول البحار أنه من مؤلفات محمد بن محمد الشعيري ليس بصريح ، لأن العبارة في الكتاب ليس إلا محمد بن محمد ، وهومشترك ، ولا يختص بالشعيري ....

ما هو كتاب معالج اليقين فى أصول الدين؟

في الفترة التي كنت فيها منكباً على تحقيق هذا الكتاب عثرت على نسخة خطية لهذا المؤلَف المغمور ، والذي لم يبق له أثر يذكر إلا في حدود قليلة جداً ، سواء في مخطوطاته أو بين دفات كتب التراجم والفهارس ، وعند تصفحي لهذه النسخة الخطية وجدت تشابهاً كبيراً بين كتابنا وهذهِ النسخة ، ولعل الأمر الأكثر غرابة هوأن هناك توافقاً كبيراً بين ما ذهبنا إليه من استنتاجات وشواهد عند تحقيقنا لهذا الكتاب وهذهِ النسخة ، وعندما راجعت ما كتبه العلامة الطهرِاني عن معارج اليقين هذا وجدت أن هذا التوافق بين الاثنين يزداد وضوحاً وتمكناَ. ذكر العلامة الطهراني رحمه‌الله في الذريعة (٢١ / ١٨٥) :

معارج اليقين : يكثر النقل عنه المولى نجف علي الزنوزي التبريزي في جواهر الأخبار ، منها أخبار في فضل زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأمير والحسن والحسين عليهم‌السلام.

رأيت النقل عن (معارج اليقين) أيضاً في بعض رسائل أصول الدين ، روى عنه في باب الروح بعض الأحاديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعنأبي عبد الله الصادق عليه‌السلام ، وكذا المجلسي في بحث المعاد من حقاليقين.

يوجد عند المولى الخياباني ، وقال في آخر الثالث من (الوقائع) : أنه يشبه جامع الأخبار ، وأن مؤلفه محمد بن محمد بن محمد السبزواري ، ألفه سنة تسع وسبعين وستمائة.

وعلى هامش نسخة (من لا يحضره) الموجودة في مكتبة الأمير بالنجف نقل عن معارج اليقين الفصل السادس والثلاثين في كيف أصبحت ... وينقل عنه

٢٠