تفسير الثعالبي - ج ١

عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف أبي زيد الثعالبي المالكي

تفسير الثعالبي - ج ١

المؤلف:

عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف أبي زيد الثعالبي المالكي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧

وهكذا بذل هؤلاء التابعون جهدا ضخما في حمل الأمانة عن الصحابة ، ثم جاء تابعو التّابعين ؛ ليكملوا المسيرة ، وظلّت تتوارث حتّى وصلت إلينا ، فجزى الله كلّ من أسهم في هذا العلم خير الجزاء ، ونفعنا الله بالقرآن وعلومه!!

قيمة التّفسير المأثور عن التّابعين

تفسير التّابعيّ : إما أن يكون مأثورا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو عن صحابته ، أو لا ، فإن كان مأثورا عن النبيّ ، يأخذ حكم تفسيره صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكذلك إن كان مأثورا عن الصحابة.

وإن لم يكن مأثورا عن النبيّ ولا عن الصحابة ، فقد اختلف العلماء في الرّجوع إليه والأخذ بأقوال التابعين فيه.

* فقد نقل عن أبي حنيفة أنّه قال (١) :

ما جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعلى الرّأس والعين ، وما جاء عن الصّحابة تخيّرنا ، وما جاء عن التّابعين فهم رجال ، ونحن رجال.

* ونقلوا عن الإمام أحمد روايتين ، إحداهما : بالقبول ، والأخرى : بعدم القبول (٢).

وذهب بعض العلماء إلى أنه لا يؤخذ بتفسير التابعين ؛ لأنهم لم يسمعوا من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخلاف تفسير الصّحابة الذين سمعوا من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشاهدوا القرائن والأحوال.

وأكثر المفسّرين على الأخذ بأقوال التابعين ؛ لأنهم تلقوا على أيدي الصحابة ؛ كما سبق أن ذكرنا.

والرّأي الذي نرجّحه ، ونميل إليه هو ما ذكره ابن تيميّة ، قال (٣) :

«قال شعبة بن الحجّاج وغيره : أقوال التابعين ليست حجّة ، فكيف تكون حجّة في التفسير!! يعني أنها لا تكون حجّة على غيرهم ممّن خالفهم ، وهذا صحيح ، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجّة ، فإن اختلفوا ، فلا يكون قول بعضهم حجّة على بعض ، ولا على من بعدهم ، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن ، أو السنة ، أو عموم لغة العرب ، أو أقوال الصحابة في ذلك».

__________________

(١) راجع : «التفسير والمفسرون» للذهبي ١ / ١٢٩.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) «مقدمة في أصول التفسير» ابن تيمية ٢٨ ـ ٢٩ ، «الإتقان في علوم القرآن» ٢ / ١٧٩.

٨١

سمات التّفسير في تلك المرحلة

أتّسم التفسير في تلك المرحلة بعدّة سمات ، من أبرزها (١) :

* أنه اعتمد على التلقّي والرواية ، وغلب على التلقّي والرواية طابع الاختصاص ، فكان لكلّ بلد مدرسته وأستاذه ، فمكّة : أستاذها ابن عبّاس ، والمدينة : أستاذها أبيّ بن كعب ، والعراق : أستاذه ابن مسعود ، وهكذا.

* دخول أهل الكتاب في الإسلام كان سببا في تسلّل الدّخيل إلى علم التفسير ، وقد تساهل التابعون في النّقل عنهم ـ فيما لا يتعلّق بالأحكام الشرعية ـ بدون تحرّ ونقد ، وأكثر من روي عنه في ذلك من مسلمي أهل الكتاب :

عبد الله بن سلام ، وكعب الأحبار ، ووهب بن منبّه ، وغيرهم.

* كان بدهيّا أن يختلف التابعون في التفسير ؛ نظرا لتعدّدهم وكثرتهم ، واختلاف مدارسهم التي تخرّجوا فيها ، ولكنه خلاف ليس بالكثير إذا ما قيس بالعصور اللاحقة.

* كما ظهرت نواة الخلاف المذهبيّ ؛ إذ ظهرت بعض التفسيرات تحمل في طيّاتها بذورا لتلك المذاهب.

التّفسير في عصر التّدوين

تبدأ هذه المرحلة في أواخر العصر الأمويّ وأوائل العصر العباسيّ ؛ إذ انتشر التدوين بصورة واسعة ، وعني العرب «بتدوين كلّ ما يتّصل بدينهم الحنيف ، فقد تأسّست في كلّ بلدة إسلامية مدرسة دينية عنيت بتفسير الذّكر الحكيم ، ورواية الحديث النبويّ ، وتلقين الناس الفقه وشئون التشريع ، وكان كثير من المتعلّمين في هذه المدارس يحرصون على تدوين ما يسمعونه ...» (٢).

تدوين التّفسير : اختلف في أوّل من ألّف تفسيرا «مكتوبا» ، فبعضهم يذكر أن عبد الملك بن جريج (٣) (ت ١٤٩ ه‍.) هو أوّل من ألّف تفسيرا مكتوبا.

__________________

(١) راجع : «التفسير والمفسرون» ١ / ١٣١ ، ١٣٢.

(٢) «تاريخ الأدب العربي» / العصر الإسلامي د. شوقي ضيف ٤٥٢.

(٣) هو عبد الملك عبد العزيز بن جريج ، أبو خالد ، أو أبو الوليد ، مولاهم ، من علماء مكة ومحدثيها ، ولد سنة ٨٠ ه‍ ، توفي سنة ١٤٩ ه‍ ، أول من صنف بالحجاز الكتب ، نقل عنه ابن جرير في تفسيره. راجع «طبقات ابن سعد».

٨٢

وذكر ابن النّديم : أن أبا العبّاس ثعلبا قال : كان السّبب في إملاء كتاب الفرّاء في المعاني أنّ عمر بن بكير كان من أصحابه ، وكان منقطعا إلى الحسن بن سهل ، فكتب إلى الفرّاء : إنّ الأمير الحسن بن سهل ، ربّما سألني عن الشّيء بعد الشّيء من القرآن ؛ فلا يحضرني فيه جواب ، فإن رأيت أن تجمع لي أصولا ، أو تجعل في ذلك كتابا أرجع إليه ، فعلت ، فقال الفرّاء لأصحابه : اجتمعوا حتّى أملي عليكم كتابا في القرآن ... فقال الفرّاء لرجل : اقرأ بفاتحة الكتاب نفسّرها ، ثم نوفي الكتاب كلّه ، فقرأ الرجل وفسّر الفرّاء ، قال أبو العبّاس : «لم يعمل أحد قبله مثله ، ولا أحسب أنّ أحدا يزيد عليه» (١).

وبذلك يكون ابن النّديم قد عدّ «الفرّاء» أوّل من ألّف تفسيرا للقرآن مدوّنا.

ولكن ابن حجر يذكر أن التفسير المدوّن كان قبل الفرّاء وقبل ابن جريج ؛ إذ يقول (٢) :

«وكان عبد الملك بن مروان (ت ٨٦ ه‍.) سأل سعيد بن جبير (ت ٩٥ ه‍.) أن يكتب إليه بتفسير القرآن فكتب سعيد بهذا التفسير ، فوجده عطاء بن دينار في الديوان ؛ فأخذه ؛ فأرسله عن سعيد بن جبير.

ويبدو أنه من الصّعب تحديد أوّل من فسّر القرآن تفسيرا مدوّنا على تتابع آياته وسوره ؛ كما في المصحف.

أقسام التّفسير

وظل الخلف يحمل رسالة السّلف جيلا بعد جيل ، حتّى وصلت مسيرة التفسير إلى تابعي التابعين ، وهنا تعدّدت اتجاهات التفسير إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية هي :

أوّلا ـ الاتّجاه الأثريّ (التّفسير بالمأثور) :

والمأثور : اسم مفعول من أثرت الحديث أثرا : نقلته ، والأثر : اسم منه ، وحديث مأثور ، أي : منقول (٣).

وعلى ذلك ، فهو يشمل المنقول عن الله تبارك وتعالى ـ في القرآن الكريم ،

__________________

(١) «الفهرست» ص ٩٩.

(٢) «تهذيب التهذيب» ٧ / ١٩٨.

(٣) «المصباح المنير» (أثر) ، «الإسرائيليات والموضوعات» أبو شهبة ص ٦٤.

٨٣

والمنقول عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمنقول عن الصّحابة ، والمنقول عن التّابعين.

وجلّ الذين يكتبون عن تاريخ التفسير ويتحدّثون عن الاتجاه الأثريّ يبدأونه بالطبريّ ، «فيقطعون بذلك اتصال سلسلة التطوّر في الأوضاع التفسيريّة بين القرن الأول والقرن الثالث بإضاعة حلقة من تلك السلسلة التي تمثّل منهج التفسير في القرن الثّاني ؛ لأن تفسير ابن جرير الطبريّ ألّف في أواخر القرن الثالث ، وصاحبه توفّي في أوائل القرن الرّابع ، وبالوقوف على هذه الحلقة ـ وهي إفريقيّة تونسيّة ـ يتّضح كيف تطوّر فهم التفسير عما كان عليه في عهد ابن جريج ، إلى ما أصبح عليه في تفسير الطبريّ ، ويتضح لمن كان الطبريّ مدينا له بذلك المنهج الأثريّ النظريّ الذي درج عليه في تفسيره العظيم.

«ذلك التفسير هو أقدم التفاسير الموجودة اليوم على الإطلاق ، ويعدّ صاحبه مؤسّس طريقة التفسير النقديّ ، أو الأثريّ النظريّ الذي صار بعده «ابن جرير الطبريّ» واشتهر بها.

ذلك هو تفسير «يحيى بن سلّام» التميميّ البصريّ المتوفّى سنة ٢٠٠ ه‍ ، ويقع في ثلاث مجلّدات ضخمة ، وقد بناه على إيراد الأخبار مسندة ، ثم تعقّبها بالنقد والاختيار ، وكان يبني اختياره على المعنى اللّغويّ والتخريج الإعرابيّ ، وتوجد من هذا التفسير نسخة بتونس (١).

ويعدّ ابن جرير الطبريّ ربيب تلك الطريقة ، طريقة يحيى بن سلّام ، وثمرة غرسه ، وقد ذكر السّيوطيّ عددا من مفسّري هذا الاتجاه الأثريّ منهم :

* يزيد بن هارون ت ١١٧ ه‍.

* شعبة بن الحجّاج ت ١٦٠ ه‍.

* وكيع بن الجرّاح ت ١٩٧ ه‍.

* سفيان بن عيينة ت ١٩٨ ه‍ ، وغيرهم.

ـ «ابن جرير الطّبريّ» (٢) :

لكنّ التفسير حين انتهى إلى الطبريّ في أوائل القرن الثالث الهجريّ «كان نهرا مزبدا ،

__________________

(١) «التفسير ورجاله» / ابن عاشور ص ٢٧.

(٢) هو : محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب ، الإمام أبو جعفر الطبري ، ولد سنة ٢٢٤ ه‍ ، وتوفي سنة ٣١٠ ه‍. وقد جاوز الثمانين بخمس أو ست سنين.

٨٤

ذا ركام ورواسب ، قد انصبّ إلى بحر خضمّ عباب ، فامتزج بمائه ، وتشرّب من عناصره ، وصفا إليه من زبده ، وتطهّر لديه من ركامه ورواسبه» (١).

«وابن جرير» فقيه ، عالم تبحّر في فنون شتّى من العلم ، فهو أحد المشاهير من رجال التّاريخ ، ويعدّ كتابه «تاريخ الأمم والملوك» فيه مرجع المراجع ، وبه صار إمام المؤرّخين غير منازع.

وقد شهد له بذلك كثير من الأعلام ؛ يقول الخطيب البغداديّ (٢) :

«جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره ، وكان حافظا لكتاب الله ، عارفا بالقراءات كلّها ، بصيرا بالمعاني ، فقيها في الأحكام ، عالما بالسّنن وطرقها ، وصحيحها وسقيمها ، وناسخها ومنسوخها ، عارفا بأقوال الصحابة والتّابعين ومن بعدهم ، عارفا بأيّام النّاس وأخبارهم ، وله الكتاب المشهور في تاريخ الأمم والملوك ، وكتاب في التفسير لم يصنّف أحد مثله ...».

لقد امتلك الطبريّ أدوات التّفسير ؛ فاستخدمها بمهارة وحذق ، ومن هنا عدّ تفسيره «ذا أوّليّة بين كتب التفسير ، أولية زمنية ، وأولية من ناحية الفنّيّة والصياغة ، أما أوليته الزمنية : فلأنه أقدم كتاب في التفسير وصل إلينا وما سبقه من المحاولات التفسيريّة ، ذهبت بمرور الزّمن ، ولم يصل إلينا شيء منها ، اللهمّ ، إلا ما وصل إلينا منها في ثنايا ذلك الكتاب الخالد الذي نحن بصدده (٣).

«وأما أوليته من ناحية الفنّ والصياغة ، فذلك أمر يرجع إلى ما يمتاز به الكتاب من الطريقة البديعة الّتي سلكها فيه مؤلّفه ، حتّى أخرجه للنّاس كتابا له قيمته ومكانته» (٤).

طريقة الطّبريّ في التّفسير :

حين يفسّر الطبريّ آية يضع لها عنوانا هكذا «القول في تأويل قوله جلّ ثناؤه ...» ثم يقول : «يعني تعالى بذلك ...» ويستشهد على التفسير بما يرويه بسنده إلى الصّحابة أو

__________________

(١) «التفسير ورجاله» ص ٣٠.

(٢) «البداية والنهاية» لابن كثير ١١ / ١٥٦.

(٣) هذا على اعتبار فقد تفسير «يحيى بن سلام» الذي أشرت إليه آنفا ، أما وقد ذكر الإمام الفاضل بن عاشور أن نسخة من الكتاب موجودة في تونس فإن تفسير الطبري لا يعد ذا أولية زمنية.

(٤) «التفسير والمفسرون» ١ / ٢٠٥.

٨٥

التابعين ، عارضا المعاني الحقيقة والمجازية في استعمالات العرب ، مستشهدا بالشّعر العربيّ على ما يثبت استعمال اللفظ في المعنى الذي حمله عليه.

وقد يعرض أقوال الصحابة والتابعين إذا تعدّدت في الآية الواحدة ، ثم لا يكتفي بمجرّد العرض ، وإنما يرجح رأيا على رأي بقوله (١) :

«وأولى الأقوال عندي بالصّواب ...» أو «وقال أبو جعفر : والصّواب من القول في هذه الآية ...» ، أو «وأولى التأويلات بالآية ...» ، ثم يويّد رأيه بقوله : «وبمثل الذي قلنا قال أهل التّأويل ...» أو بعرض حجج وأدلة قائلا : «وإنّما رأينا أنّ ذلك أولى التأويلات بالآية ؛ لأنّ ...» ، وقد عني ابن جرير بالقراءات عناية كبيرة ، ولا غرو ، فهو من علماء القراءات المشهورين ، وله فيها مؤلّف ، إلا أنه ضاع ضمن ما ضاع من التراث العربيّ القديم.

كما اهتم الطبريّ بالشعر القديم ، يستشهد به على الغريب ، وهو في ذلك تابع لابن عباس ؛ كما كانت له عناية بالمذاهب النحويّة البصريّة والكوفيّة ، يورد الرّأي ويوجّهه.

ويورد بعض الأحكام الفقهيّة في تفسيره ، مختارا لأحد الآراء ، مؤيّدا اختياره بالأدلّة العلميّة القيّمة ... (٢).

رحم الله الطبري وجزاه عن القرآن وتفسيره خير الجزاء.

ثانيا ـ الاتّجاه اللّغويّ :

وقد بدا هذا الاتجاه واضحا في أواخر القرن الثاني الهجريّ وأوائل القرن الثّالث ؛ إذ نشأ علم النّحو ، ونضجت علوم اللغة على أيدي الرّوّاد أمثال أبي عمرو بن العلاء ، ويونس بن حبيب ، والخليل بن أحمد الفراهيديّ ، وغيرهم.

وكان الغرض الأسمى من تأصيل هذه العلوم وتقعيدها خدمة القرآن الكريم ؛ صيانة له من اللّحن ، ولا سيما بعد اتصال العرب بالعجم.

وقد أثّرت هذه الدراسات في تفسير القرآن تأثيرا كبيرا ؛ إذ اشتغل اللغويّون أنفسهم بالقرآن ولغته ، وكان من أشهر هؤلاء العلماء «أبو عبيدة معمر بن المثنّى» المتوفّى سنة

__________________

(١) راجع : «تفسير الطبري».

(٢) راجع : «التفسير والمفسرون» ١ / ٢٠٢ ـ ٢١٨.

٨٦

٢٠٨ ه‍. أو ٢١٥ ه‍ ، وقد ألف كتابه «مجاز القرآن» سنة ١٨٨ ه‍ (١) ، ويعدّ هذا الكتاب أقدم مؤلّف في معاني القرآن وصل إلينا.

وأبو عبيدة موسوعة علمية له مؤلّفات في مجالات شتّى ، وقد «أوتي لسانا صارما جلب على نفسه عداوات كثيرة ، ثم تنفّس به العمر قرابة قرن كامل زامل فيه أعلاما كبارا ، وجادل خصوما كثارا ، وشهد تلاميذه ومن في طبقتهم يجادلون عنه ، ويجادلون فيه ، فقرّب وباعد ، وواصل وقاطع ، ولكنّ مخالفيه كانوا من الكثرة بحيث أرهقوه وضايقوه ، حتّى جاءه الأجل فلم ينهض لتشييع جنازته أحد ، وعلّل ذلك بما ترك من حزازات أدبية» (٢).

ويحكي أبو عبيدة سبب تأليفه كتاب «مجاز القرآن» فيقول :

«أرسل إليّ الفضل بن الربيع والي البصرة في الخروج إليه سنة ثمان وثمانين ومائة ، فقدمت إلى بغداد واستأذنت عليه ، فأذن لي ، فدخلت عليه ، وهو في مجلس له طويل عريض فيه بساط واحد قد ملأه ، وفي صدره فرش عالية لا يرتقى إليها إلا على كرسيّ ، وهو جالس عليها ، فسلّمت عليه بالوزارة ، فردّ وضحك إليّ ، واستدناني حتّى جلست إليه على فرشة ، ثم سألني وألطفني وباسطني ، وقال : أنشدني ، فأنشدتّه فطرب وضحك ، وزاد نشاطه ، ثم دخل رجل في زيّ الكتّاب له هيئة ، فأجلسه إلى جانبي ، وقال له : أتعرف هذا؟ قال : لا ، قال : هذا أبو عبيدة علّامة أهل البصرة! أقدمناه لنستفيد من علمه ، فدعا له الرجل وقرّظه لفعله هذا ، وقال لي : إنّي كنت إليك مشتاقا ، وقد سألت عن مسألة ، أفتأذن لي أن أعرّفك إيّاها؟

فقلت : هات ، قال : قال الله عزوجل : (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) [الصافات : ٦٥] ، وإنما يقع الوعد والإيعاد بما عرف مثله وهذا لم يعرف ، فقلت : إنما كلّم الله تعالى العرب على قدر كلامهم ؛ أما سمعت قول امرئ القيس : [الطويل]

أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي

ومسنونة زرق كأنياب أغوال

وهم لم يروا الغول قطّ ، ولكنه لما كان أمر الغول يهولهم ، أو عدوا به فاستحسن الفضل ذلك ، واستحسن السّائل ، وعزمت من ذلك اليوم أن أضع كتابا في القرآن في مثل هذا وأشباهه وما يحتاج إليه من علمه ، فلمّا رجعت إلى البصرة ، عملت كتابي الذي سمّيته

__________________

(١) «معجم الأدباء» ١٩ / ١٥٨.

(٢) «خطوات التفسير البياني» د. رجب البيومي ص ٣٧ ، ٣٨ ، وراجع : «معجم الأدباء» ١٩ / ١٦٠.

٨٧

المجاز ، وسألت عن الرجل السائل ، فقيل لي : هو من كتّاب الوزير وجلسائه وهو إبراهيم بن إسماعيل الكاتب» (١).

وبعض العلماء ينكر هذه القصّة ؛ لأن أبا عبيدة لم يشر إليها في مقدّمة كتابه ... (٢).

ومن الذين كتبوا عن اتجاهات التّفسير من يسلك أبا عبيدة ـ من خلال كتابه هذا ـ في سلك الاتجاه البيانيّ في التّفسير ، وأكثرهم يعدّه رائدا في الاتجاه اللّغويّ.

على أن أبا عبيدة لم «يعن بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة ، وإنّما عنى بمجاز الآية ما يعبّر به عن الآية» (٣).

فقد يستعمل أبو عبيدة لفظ المجاز قاصدا به معنى اللّفظ ، فمثلا في قوله تعالى : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ) [الأحقاف : ١٥] يقول : «مجازه : شددني إليك ، ومنه قولهم : وزعني الحلم عن السّفاه ، أي : منعني ، ومنه الوزعة : الّذين يدفعون الخصوم والنّاس عن القضاة والأمراء» ؛ ثم يستشهد بالبيت :

على حين عاتبت المشيب على الصّبا

فقلت ألمّا تصح والشّيب وازع (٤)

وأما أبو زكريّا الفرّاء المتوفّى سنة ٢٠٧ ه‍ ، فكان يستعين بتفسيرات السّلف ، مضيفا له ما أدّى إليه اجتهاده اللغويّ ، وكذا الزّجّاج المتوفّى سنة ٣١١ ه‍ (٥).

لقد استلهم الفرّاء الحسّ اللّغويّ محكّما ذوقه وعقله ؛ كما راعى السّياق العامّ في الآية ؛ ولذا نجده يفضّل قراءة تحقّق التجانس بين الكلمات المتجاورات على غيرها (٦).

ثالثا ـ الاتّجاه البيانيّ (٧) :

وبذور هذا الاتجاه نجدها في تفسير ابن عبّاس المبثوث في ثنايا التفسير الأثريّ ، ومن

__________________

(١) «معجم الأدباء» ١٩ / ١٥٨.

(٢) راجع «خطوات التفسير البياني» ص ٤٤ ، ٤٥ وقد ذكر الدكتور رجب البيومي أسبابا أخرى ومبررات لرفض هذه القصة.

(٣) «فتاوى ابن تيمية» كتاب الإيمان ص ٨٨.

(٤) «مجاز القرآن» ٢ / ٩٢ ، ٩٣.

(٥) راجع البغوي الفراء ص ٢٣٨.

(٦) راجع البغوي الفراء ص ٢٣٩ ، ٢٤٠ (بتصرف وإيجاز)

(٧) بعض المؤلفين في تاريخ التفسير يضعون اتجاها ثالثا بدلا من هذا الاتجاه يطلقون عليه «الاتجاه النقدي» ، وبعضهم يسلك هذا الاتجاه ضمن الاتجاه الأثري. انظر : «التفسير ورجاله» : ابن عاشور ص ٢٦.

٨٨

أمثلة ذلك : ما رواه ابن جرير في تفسير قوله تعالى : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) ... (لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [البقرة : ٢٦٦] ؛ أن عمر ـ رضي الله عنه ـ سأل النّاس عن هذه الآية ، فما وجد أحدا يشفيه ، حتّى قال ابن عباس ، وهو خلفه : يا أمير المؤمنين ، إني أجد في نفسي منها شيئا ، فتلفّت إليه ، فقال : تحوّل هاهنا لم تحقّر نفسك؟ قال :

هذا مثل ضربه الله عزوجل ، فقال : أيود أحدكم أن يعمل عمره بعمل أهل الخير وأهل السّعادة حتّى إذا كان أحوج ما يكون إلى أن يختمه بخير حين فني عمره واقترب أجله ، ختم ذلك بعمل من عمل أهل الشقاء ، فأفسده كلّه فحرقه أحوج ما كان إليه (١).

«وهو من باب الاستعارة التمثيلية ، وقد ألمع إليه ابن عبّاس بقوله المقارب : هذا مثل ضربه الله عزوجل ... إلخ ، وهل قال البلاغيّون فيما بعد غير ذلك؟!» (٢).

ونهج تلاميذ ابن عبّاس نهجه ، وكان أكثرهم نتاجا في هذا الاتجاه «مجاهدا» (٣) ، وأما تأصيل هذا الاتجاه فقد كان على يد «أبي عبيدة» صاحب «مجاز القرآن» ، ويعدّ صاحب الخطوة الأولى في هذا الاتجاه.

«وفضل هذا الكتاب في الدراسات البلاغيّة : أنه حين تعرّض للنصوص القرآنية أشار إلى ما تدلّ عليه من حقيقة أو مثل أو تشبيه أو كناية وما يتضمّن من ذكر أو حذف أو تقديم أو تأخير ، فوضع بذلك اللّبنة الأولى في صرح الدراسات البلاغيّة للقرآن ... وإذا كان عبد القاهر أظهر من نادى من البلغاء بأن يوضع الكلام الوضع الذي يقتضيه علم النّحو ، وهو ما سمّي بقضية النّظم ؛ فإن بذور قضيّته هذه كانت تكمن في مجاز «أبي عبيدة» حيث رأى في زمنه السّابق ما رآه صاحب «الدّلائل» في زمنه اللاحق ، فكان بذلك الرائد الأوّل لعلم المعاني عند من يلتمسون الجذور الضّاربة في الأعماق (٤).

وقد رتّب «أبو عبيدة» كتابه وفق ترتيب السّور القرآنية في المصحف ، ومن هنا صار من اليسير أن يرجع الدّارس إلى ما ذكر أبو عبيدة في توجيه الآيات الكريمة من مثل قوله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [البقرة : ٢٢٣] حيث قال : إنّها كناية

__________________

(١) «تفسير ابن جرير» ٣ / ٤٧.

(٢) راجع : «خطوات التفسير البياني» ص ٢١ وفيه شواهد أخرى.

(٣) راجع الأمثلة التي ذكرها الدكتور رجب البيومي في «خطوات التفسير البياني» ص ٣٤ وما بعدها.

(٤) «خطوات التفسير البياني» ص ٤٦ ، ٤٧.

٨٩

وتشبيه (١).

ومن مثل قوله تعالى : (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ) [التوبة : ١٠٩] ؛ حيث أتبع الآية بتحليل بيانيّ وعدّها من مجاز التمثيل حين قال :

«ومجاز الآية : مجاز التمثيل ؛ لأن ما بنوه على التقوى أثبت أساسا من البناء الذي بنوه على الكفر والنفاق ؛ فهو على شفا جرف ، وهو ما يجرف من الأودية ؛ فلا يثبت البناء عليه (٢).

تلك هي الخطوة الأولى خطاها أبو عبيدة في التفسير البيانيّ للقرآن الكريم ، وإن وجّهت إليه كثير من النقود والمطاعن من علماء كبار أمثال الفرّاء والأصمعيّ والطبريّ (٣) ...

ثم تلت هذه الخطوة خطوات الجاحظ وابن قتيبة وغيرهما ...

__________________

(١) راجع : «مجاز القرآن» ١ / ٧٣.

(٢) «مجاز القرآن» ١ / ٢٦٩ ، وانظر : «خطوات التفسير البياني» ص ٥١ ، ٥٢.

(٣) راجع : «خطوات التفسير البياني» ص ٥٨ وما بعدها.

٩٠

المبحث الثّالث

الكلام على تفسير الثّعالبيّ

أوّلا : المصادر الّتي استقى منها أبو زيد الثّعالبيّ في «الجواهر الحسان»

بادىء ذي بدء أقول : إنه لا يستطيع أحد من الناس أن يزعم أنه يستطيع أن يأتي بأفضل مما أتى به أئمة هذه الأمة ، فالخلف عيال على السّلف ، ولو لا أن الله حفظ بهم الدين ، لما كان هذا حال المسلمين ، ولعبدوا الله تعالى بمذاهب باطلة ما أنزل الله بها من سلطان ، فلله درهم ، وعليه شكرهم. [الطويل]

أولئك آبائي فجئني بمثلهم

إذا جمعتنا يا جرير المجامع

وليس هذا من باب تحجير الواسع ، أو تضييق رحمة الله ؛ فلم يقصر الله العلم والشعر والبلاغة على عصر دون عصر ، ولا خص به قوما دون قوم ، بل جعل ذلك مفرّقا في الأمة ، موجودا لمن التمسه ، وكم ترك الأول للآخر!!

إلا أن اللاحق ـ ولا مفر ـ ينقل عن السابق ، وهكذا دواليك ، سنة الله في الذين خلوا من قبل ، ولن تجد لسنّة الله تبديلا ، ولن تجد لسنة الله تحويلا.

من هنا كان للثعالبي أن يعتمد على كلام من سبقوه ، فهم سلفه ، وهو خلفهم ، وهم شيوخه ، وهو تلميذهم ، فمن مكثر عنه ، ومن مقلّ.

ولا شك أن للرحلة التي ارتحلها الثعالبي في طلب العلم أثرا بالغا في تحصيل دواوين أولئك الأعلام ؛ خاصة كتب المشرقيين منهم ، فجمع حصيلة وافرة عزّ اقتناؤها ، وأسفارا عظيمة ندر اقتناصها.

ولقد تنوعت مصادر الثعالبي ، وتشكلت على اختلاف العلوم التي يحتاج إليها المفسر والتفسير ، وهذه قائمة بأهم المصادر في كل علم على حدة :

أوّلا : مصادره من كتب التّفسير :

اعتمد الثعالبي ـ رحمه‌الله ـ على عدة مصادر مهمة في التفسير ، كان أهمها :

١ ـ تفسير ابن عطية المسمى «المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» : وهو الأصل الذي اعتمده المصنّف ، فاختصره ، وزاد عليه. ومؤلف «المحرر» هو :

٩١

عبد الحق بن غالب بن عبد الرحيم. وقيل : عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عبد الرؤوف بن عبد الله بن تمام بن عطية الغرناطي صاحب التفسير الإمام أبو محمد الحافظ القاضي. قال ابن الزبير : كان فقيها جليلا عارفا بالأحكام والحديث والتفسير ، نحويا لغويا أديبا بارعا شارعا مفيدا ضابطا نسيبا فاضلا ، من بيت علم وجلالة ، غاية في توقد الذهن ، وحسن الفهم ، وجلالة التصرف. روى عن : أبيه الحافظ أبي بكر ، وأبي علي الغساني ، والصفدي ، وعنه : ابن مضار ، وأبو القاسم بن حبيش ، وجماعة. وولي قضاء «المرية» يتوخى الحق والعدل.

وألف تفسير القرآن العظيم ، وهو أصدق شاهد له بإمامته في العربية وغيرها ، وخرج له برنامجا.

ولد سنة إحدى وثمانين وأربعمائة ، وتوفي بلورقة في خامس عشر رمضان سنة ثنتين.

وقيل : إحدى. وقيل : ست وأربعين وخمسمائة.

وذكره في «قلائد العقيان» ، ووصفه بالبراعة في الأدب والنظم والنثر.

ولقد نوّه أبو حيان في مقدمة تفسيره بالزمخشري ، وابن عطية باعتبارهما علمين من أعلام التفسير ، وإمامين من كبار أئمته ، ووصفهما بأنهما أجل من صنّف في علم التفسير ، وأفضل من تعرض للتنقيح فيه ، والتحرير ، ثم أثنى أبو حيان في هذه المقدمة كذلك على كتابيهما في التفسير ثناء ، ورفع من شأنهما ، وأشار إلى أنه قام في تفسيره بانتقاد هذين الكتابين والتعقيب عليهما ، وذلك حيث يقول :

«ولما كان كتاباهما في التفسير قد أنجدا وأغارا وأشرقا في سماء هذا العلم بدرين ، وأنارا ، وتنزّلا من الكتب التفسيرية منزلة الإنسان من العين ، والذهب الإبريز من العين ، ويتيمة الدر من اللآلي ، وليلة القدر من الليالي ، فعكف الناس شرقا وغربا عليهما ، وثنوا أعنّة الاعتناء إليهما ، وكان فيهما على جلالتهما مجال لانتقاد ذوي التبريز ، ومسرح للتخيل فيهما والتمييز ، ثنيت إليهما عنان الانتقاد ، وحللت ما تخيل الناس فيهما من الاعتقاد أنهما في التفسير الغاية التي لا تدرك ، والمسلك الوعر الذي لا يكاد يسلك ، وعرضتهما على محكّ النظر ، وأوريت فيهما نار الفكر ، حتى خلصت دسيسهما ، وبرز نفيسهما ، وسيرى ذلك من هو للنظر أهل ، واجتمع فيه إنصاف وعقل».

والمقصود ذكر فضل تفسير ابن عطية ، وبيان أهميته.

ولقد نص الثعالبي نفسه في مقدمته على أنه قد اعتمد تفسير ابن عطية ، فقال : «...

٩٢

فقد ضمنته (يعني : تفسيره) بحمد الله المهم مما اشتمل عليه تفسير ابن عطية ، وزدته فوائد جمّة ... إلخ».

٢ ـ «مختصر تفسير الطّبريّ» لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد اللخمي ، النحوي.

٣ ـ مختصر «البحر المحيط» لأبي حيّان ، اختصره الصفاقسي ، وسمّاه : «المجيد في إعراب القرآن المجيد» :

يقول محمد بن مخلوف في «شجرة النور الزكية» واصفا كتاب «المجيد» : «وهو من أجلّ كتب الأعاريب ، وأكثرها فائدة».

ويقول حاجي خليفة في «كشف الظنون» (بعد أن عرّف بعلم إعراب القرآن وذكر بعض من صنف فيه) : «وأبو الحسن علي بن إبراهيم الحوفي المتوفى ٥٦٢ ه‍ ، وكتابه أوضحها ، وهو في عشر مجلدات ، وأبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبري النحوي ، المتوفى سنة ٦١٦ ه‍ ، وكتابه أشهرها ، وسماه «التبيان». أوله : «الحمد لله ...» ، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد الصفاقسي ، المتوفى سنة ٧٤٢ ه‍ ، وكتابه أحسن منه ، وهو في مجلدات سماه «المجيد في إعراب القرآن المجيد». وقد ذكره في مقدمته ، فقال : «وما نقلته من الإعراب عن غير ابن عطية ، فمن الصفاقسي مختصر أبي حيان ... إلخ».

٤ ـ «مفاتيح الغيب» أو التفسير الكبير ، للإمام الرّازيّ :

وهو من أجلّ التفاسير ، وإن كان أطال في الاستدلال وردّ الشبه إطالة كادت تغطي على كونه كتاب تفسير. ولسنا نميل مع أبي حيان في قوله فيه : «فيه كل شيء إلا التفسير» ، فإنه ـ رحمه‌الله ـ مع الاستطراد إلى ذكر الأدلة والبراهين ، قد وفّى التفسير حقّه.

وبالجملة : فالكتاب أشبه ما يكون بموسوعة في علم الكلام ، واللغة ، والأصول ، والآثار ، وفي العلوم الكونية ، والطبيعية ، وغير ذلك من فنون العلم.

هذا ، ولم ينصّ الثعالبي في مقدمته على أنه استقى من «مفاتيح الغيب» ، إلا أنه نقل منه في ثنايا تفسيره ، فأكثر من النقل ، فيقول : قال الفخر ، ثم يذكر كلامه.

٥ ـ «أحكام القرآن» للقاضي أبي بكر بن العربيّ :

وقد أكثر الثّعالبيّ ـ رحمه‌الله ـ من النقل عنه ، وهذا واضح من خلال استقراء آيات الأحكام ، وتناوله لها.

٩٣

وهذا الكتاب لا يتعرض لسور القرآن كلها ، ولكنه يتعرض لما فيها من آيات الأحكام فقط ، وطريقته في ذلك أن يذكر السّورة ، ثم يذكر عدد ما فيها من آيات الأحكام ، ثم يأخذ في شرحها آية آية ... قائلا : الآية الأولى وفيها خمس مسائل «مثلا» ، والآية الثانية وفيها سبع مسائل «مثلا» وهكذا ، حتى يفرغ من آيات الأحكام الموجودة في السورة.

وهذا الكتاب يعتبر مرجعا مهما للتفسير الفقهي عند المالكية ؛ وذلك لأن مؤلفه مالكي تأثر بمذهبه ، فظهرت عليه في تفسيره روح التعصّب له ، والدفاع عنه ، غير أنه لم يشتط في تعصبه إلى الدرجة التي يتغاضى فيها عن كل زلّة علمية تصدر من مجتهد مالكي ، ولم يبلغ به التعسّف إلى الحد الذي يجعله يفنّد كلام مخالفه إذا كان وجيها ومقبولا ، والذي يتصفح هذا التفسير يلمس منه روح الإنصاف لمخالفيه أحيانا ، كما يلمس منه روح التعصب المذهبي التي تستولي على صاحبها ، فتجعله أحيانا كثيرة يرمي مخالفه ، وإن كان إماما له قيمته ومركزه بالكلمات المقذعة اللاذعة ، تارة بالتصريح ، وتارة بالتّلويح. ويظهر لنا أن الرجل كان يستعمل عقله الحر ، مع تسلط روح التعصب عليه ، فأحيانا يتغلب العقل على التعصب ، فيصدر حكمه عادلا لا تكدره شائبة التعصب ، وأحيانا ـ وهو الغالب ـ تتغلب العصبية المذهبية على العقل ، فيصدر حكمه مشوبا بالتعسّف ، بعيدا عن الإنصاف.

وهذا الكتاب أيضا لم ينص المصنف على أنه اعتمد عليه ـ في مقدمته ، بل ذكر النقل عنه في ثنايا التفسير.

ثانيا : كتب غريب (١) القرآن والحديث :

وقد اعتمد الثعالبي على كتابين في غريب ألفاظ الكتاب العزيز : أولهما : لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي ، والثاني : وهو مختصر غريب القرآن للحافظ زين الدين العراقي.

__________________

(١) قال الإمام أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي الغريب من الكلام انما هو الغامض البعيد من الفهم كما أن الغريب من الناس إنما هو البعيد عن الوطن المنقطع عن الأهل والغريب من الكلام يقال به على وجهين. أحدهما أن يراد به أنه بعيد المعنى غامضه لا يتناوله الفهم إلا عن بعد ، ومعاناة فكره والوجه الأخر أن يراد به كلام من بعدت به الدار من شواذ قبائل العرب ، فإذا وقعت إلينا الكلمة من لغاتهم استغربناها انتهى.

وقال ابن الأثير في «النهاية» : وقد عرفت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان أفصح العرب لسانا ، حتى قال له علي رضي الله تعالى عنه وقد سمعه يخاطب وقد بني نهد : يا رسول الله نحن بنو أب واحد ، ونراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره ، فقال : «أدبني ربي فأحسن تأديبي» فكان عليه الصلاة والسلام يخاطب العرب على اختلاف شعوبهم وقبائلهم بما يفهمونه ، فكأن الله تعالى قد أعلمه ما لم يكن يعلمه غيره ، وكان ـ

٩٤

كما اعتمد في غريب السّنة على كتاب أبي عبيد بن سلام الهرويّ.

ثالثا : المصادر الّتي اعتمد عليها من كتب السّنّة :

١ ـ صحيح الإمام البخاري.

٢ ـ صحيح الإمام مسلم.

٣ ـ سنن أبي داود.

٤ ـ سنن الترمذي.

٥ ـ حلية الأبرار «أو» الأذكار ، للأمام النووي.

٦ ـ سلاح المؤمن ، لتقي الدين أبي الفتح محمد بن محمد بن همام المصري الشافعي.

٧ ـ مصابيح السنة ، للبغوي.

٨ ـ الموطأ ، للإمام مالك.

رابعا : كتب الترغيب والترهيب والرقائق :

اعتمد الثعالبي في هذا الفنّ على كتابين هما :

١ ـ التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة ، للإمام القرطبي.

__________________

ـ أصحابه يعرفون أكثر ما يقوله ، وما جهلوه سألوه عنه ، فيوضحه لهم. واستمر عصره إلى حين وفاته ـ عليه الصلاة والسلام ـ وجاء عصر الصحابة جاريا على هذا النمط ، فكان اللسان العربي عندهم صحيحا لا يتداخله الخلل إلى أن فتحت الأمصار ، وخالط العرب غير جنسهم ، فامتزجت الألسن ، ونشأ بينهم الأولاد ، فتعلموا من اللسان العربي ما لا بد لهم في الخطاب ، وتركوا ما عداه ، وتمادت الأيام إلى أن انقرض عصر الصحابة ، وجاء التابعون فسلكوا سبيلهم ، فما انقضى زمانهم إلا واللسان العربي قد استحال أعجميا ، فلما أعضل الداء ألهم الله سبحانه وتعالى جماعة من أهل المعارف إن صرفوا إلى هذا الشأن طرفا من عنايتهم ، فشرعوا فيه حراسة لهذا العلم الشريف. فقيل : إن أول من جمع في هذا الفن شيئا أبو عبيدة معمر بن المثنى التميمي البصري المتوفى سنة ٢١٠ عشر ومائتين ، فجمع كتابا صغيرا ، ولم تكن قلته لجهله بغيره ، وإنما ذلك لأمرين : أحدهما : أن كل مبتدئ [مبتدأ] بشيء لم يسبق إليه يكون قليلا ، ثم يكثر. والثاني : أن الناس كان فيهم يومئذ بقية ، وعندهم معرفة ، فلم يكن الجهل قد عمّ.

٩٥

٢ ـ العاقبة ، للإمام عبد الحق الأشبيلي.

وهذان الكتابان نص عليهما في مقدمته ، إلا أنه اعتمد على كتب أخرى في ذلك الفن ، مثل :

٣ ـ الرقائق ، لابن المبارك.

٤ ـ بهجة المجالس وأنس المجالس ، لأبي عمر بن عبد البر.

٥ ـ رياضة المتعلمين ، للأصفهاني.

خامسا : كتب في الأحكام الفقهية والأصوليّة :

١ ـ المدونة ، لسحنون بن سعيد.

٢ ـ مختصر ابن الحاجب الفرعي.

٣ ـ الإلمام في أحاديث الأحكام ، لابن دقيق العيد.

٤ ـ البيان والتحصيل ، لابن رشد.

٥ ـ مختصر ابن الحاجب ، المسمى ب «المنتهى».

سادسا : كتب الخصائص والشمائل :

اعتمد الثعالبي في «الجواهر الحسان» في هذا الفن على كتاب القاضي عياض ، والمسمى ب «الشفا بتعريف حقوق المصطفى».

وكذلك كتاب «الآيات والمعجزات» لابن القطّان.

سابعا : كتب في التربية وتهذيب النفوس :

نعت الإمام الثعالبي ب «الإمام ، الورع ، الزاهد ، العارف بالله» ، وهذا الرجل كان يتبرك به ، ويكثر من الثناء عليه.

ولهذا عنى في تفسيره بإيراد آثار الصالحين ، والتزود من أخبارهم ، فأورد عن بعض كتب أهل العلم المصنفة في ذلك ، وكان منها :

١ ـ «بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما لها وما عليها»

وهو شرح مختصر صحيح البخاري ، المسمى «جمع النهاية في بدء الخير والغاية» ،

٩٦

للإمام أبي محمد بن أبي جمرة الأندلسي.

وقد ذكره المصنف في مقدمته ، فقال : «...».

٢ ـ «إحياء علوم الدين» ، لأبي حامد الغزالي.

وهو أشهر من أن يذكر ، وأعرف من أن يعرف.

وقد نقل منه المصنف ، فأكثر من النقل.

واعتمد أيضا على مختصره لمحمد بن علي بن جعفر البلالي.

وقد حكى الثعالبي عن هذا المصنف ، فقال : «... وهذا الشيخ البلالي لقيته ، ورويت عنه كتابه هذا».

وذلك في تفسيره لآيات الصيام من سورة البقرة.

٣ ـ «جواهر القرآن» ، لأبي حامد الغزالي.

وهو أليق بالتفسير ، إلا أنه ذكر فيه أنه ينقسم إلى علوم ، وأعمال ، والأعمال ظاهرة وباطنة ، والباطنة إلى تزكية وتخلية ، فهي أربعة أقسام ، علوم وأعمال ظاهرة وباطنة ، مذمومة ومحمودة ، وكل قسم يرجع إلى عشرة أصول ، فيشتمل على زبدة القرآن.

٤ ـ شرح ابن الفاكهاني على أربعين النووي.

ثامنا : في الأسماء والصّفات :

ذكر الثعالبي في ثنايا كلامه نقله عن كتابين في «أسماء الله تعالى» ، وهما :

١ ـ شرح أسماء الله الحسنى ، للإمام الرازي.

٢ ـ غاية المغنم في أسماء الله الأعظم. لابن الدريهم الموصلي.

تاسعا : ومن كتب التّاريخ :

ذكر الثعالبي أثناء تفسيره نقولا عن أحد الكتب التي عنيت بسير الخلفاء ، وهو كتاب :

ـ الاكتفاء في أخبار الخلفاء ، لعبد الملك بن محمد بن أبي القاسم بن الكرديوس.

عاشرا : كتب أخرى منثورة :

١ ـ لطائف المنن ، لابن عطاء الله.

٩٧

٢ ـ الأنواء ، للزجاج.

٣ ـ الإفصاح ، لشبيب بن إبراهيم.

٤ ـ الكوكب الدري ، لأبي العباس أحمد بن سعد التجيبي.

٥ ـ الكلم الفارقية.

٦ ـ التّشوّف ، ليوسف بن يحيى التادلي.

٧ ـ التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ، لأبي عمر بن عبد البر.

٨ ـ مختصر المدارك ، للقضاعي.

٩ ـ تاريخ بغداد ، لأبي بكر بن الخطيب.

وغير ذلك مما هو منثور في تفسيره لكتاب الله تعالى.

ثانيا : منهج الإمام الثّعالبيّ في تفسيره

بين يدي المنهج :

ذكر السيوطي في «الإتقان» شروطا يجب توافرها فيمن أقبل على كتاب ربّه بنيّة تفسيره ، وكشف معانيه ، فحكى عن بعض العلماء قوله : اختلف الناس في تفسير القرآن ، هل يجوز لكل أحد الخوض فيه؟ فقال قوم : لا يجوز لأحد أن يتعاطى تفسير شيء من القرآن وإن كان عالما ، أديبا ، متسعا في معرفة الأدلة والفقه ، والنحو ، والأخبار ، والآثار ، وليس له إلا أن ينتهي إلى ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك.

ومنهم من قال : يجوز تفسيره لمن كان جامعا للعلوم التي يحتاج إليها ، وهي خمسة عشر علما ... ثم ذكرها ـ رحمه‌الله ـ ، وهي : اللغة ، والنحو ، والتصريف ، والاشتقاق ، والمعاني ، والبيان ، والبديع ، والقراءات ، وأصول الدين ، وأصول الفقه ، وأسباب النزول ، والناسخ والمنسوخ ، وعلم الفقه ، والأحاديث والآثار ؛ لتفصيل المجمل ، وتوضيح المبهم ، وهكذا ، ثم علم الملكة (أو الموهبة).

وزاد غير السيوطي علوما أخرى ، وأيّا ما يكن الأمر ، فقد ذكر أيضا في «التحبير في علم التفسير» عن العلماء أنه : «من أراد تفسير الكتاب العزيز ، طلبه أولا من القرآن ، فإن ما أجمل في مكان قد فسر في مكان آخر ، فإن أعياه ذلك طلبه في السّنّة ؛ فإنها شارحة للقرآن ، وموضحة له ...» وساق كلام الشافعي.

٩٨

والمقصود أن الإمام الثعالبي ـ رحمه‌الله ـ قد أتى بحظّ وافر من هذه الشروط التي ذكرها أهل العلم حدودا ومراسم لمن أقبل على تفسير الكتاب العزيز. فهو قد فسر كتاب الله بعضه ببعض ، وفسره بما فسره من أنزل عليه ، وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبما فسره الصحابة والتابعون ، كما استخدم اللغة ، وشرح الغريب ، وتعرض لتصريف بعض الكلمات ، وأكثر من المسائل الإعرابية ، ثم هو بعد ذلك يذكر مسائل في أصول الدين ، وأصول الفقه ، وفروعه ، وأسباب النزول ، وإيراده بعض الإسرائيليات ، واحتجاجه بالقراءات المتواترة ، وذكره الشاذ منها ، على ما سيتضح مما يلي.

العناصر التي بنى عليها الثعالبي مادّة تفسيره :

١ ـ جمعه بين التفسير بالمأثور من كتاب وسنّة ، والتفسير بالرأي.

٢ ـ تعرضه لمسائل في أصول الدين.

٣ ـ مسائل أصول الفقه في تفسيره.

٤ ـ تعرضه لآيات الأحكام ، وذكره للاختلافات الفقهية.

٥ ـ احتجاجه باللغة ، والمسائل النحوية ، والتصريفية ، وغيرها.

٦ ـ ذكره لأسباب النزول ، ومكّيّ القرآن ومدنيّه.

٧ ـ ذكره للقراءات الواردة في الآية.

٨ ـ احتجاجه بالشعر واستشهاده به.

٩ ـ موقفه من الإسرائيليات.

وإليك ـ أيها القارئ الكريم ـ تفصيل ذلك :

أولا : جمعه بين التفسير بالمأثور والرّأي :

من المشهور عند أهل العلم أن خير ما فسر به كتاب الله تعالى ، تفسير بعضه ببعض ، أو بما فسره به رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال السيوطي : فإن ما أجمل في مكان ، قد فسر في مكان آخر ، فإن أعياه ذلك ، طلبه في السّنّة ؛ فإنها شارحة للقرآن ، وموضحة له (١).

وأما تفسيره كتاب الله بعضه ببعض ، فمنه (مثلا) في قوله تعالى : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ

__________________

(١) «التحبير في علم التفسير» (٣٢٣)

٩٩

عَنْها ...) [البقرة : ٣٦] ، يتعرض لمعنى «أزلّهما» ، فيقول : مأخوذ من الزلل ، ثم يحكي اختلافهم في كيفية هذا الإزلال ، فيقول : وقال جمهور العلماء : أغواهما مشافهة ؛ بدليل قوله تعالى : (وَقاسَمَهُما) [الأعراف : ٢١].

وفي الآية التالية ، وهي قوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ) [البقرة : ٣٧] يحكي عن الحسن أنها قوله تعالى : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا ...) الآية وهي من [الأعراف : ٢٣].

وأما تفسيره بالحديث ، فهذا كثير جدا ، وفيه (مثلا) في قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ ...) الآية [الأنعام : ٨٢] يقول : والظلم في هذا الموضع : الشرك ؛ تظاهرت بذلك الأحاديث الصحيحة.

وفي تفسير قوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ...) الآية [الأنفال : ٦٠] قال : وفي صحيح مسلم : «ألا إنّ القوة الرّمي ، ألا إن القوّة الرمي ، ألا إن القوة الرمي».

وأما آثار السّلف من الصحابة والتابعين ، فقد حشا بها تفسيره ، فهم خير القرون وأعلمها ، فإن سألت عن العربية فهم أرباب الفصاحة فيها ، وإن سألت عن علمهم بالأحكام ، فهم مؤصّلوها ، والبحور التي لا تكدرها الدّلاء ، وإن سألت عن أسباب النزول ، ومعرفتهم بها ، فليس المخبر كالمعاين ، وليس من رأى كمن سمع ، فمن بينهم من كان يعاين نزول الوحي ، ومنهم من نزل بسببه آي الكتاب ، وتوبة رب الأرباب.

وقد رأينا الثعالبي ـ رحمه‌الله ـ يزيّن صحيفته بالنقل عنهم ، والأمثلة تملأ الكتاب ، ومنها مثلا : في تفسير قوله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ...) السورة ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعائشة : «ما أراه إلا حضور أجلي» ، قال الثعالبي : وتأوله عمر والعباس بحضرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فصدقهما. قال : ونزع هذا المنزع ابن عباس وغيره.

وفي سورة القدر في قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) يقول : قال الشعبي وغيره : المعنى : إنا ابتدأنا إنزال هذا القرآن.

ثانيا : تعرّضه لمسائل في أصول الدين :

فقد تعرض لذكر معتقده في مسائل منها ، مثل «تكليف ما لا يطاق» ، عند تفسيره لقوله تعالى : (فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) [البقرة : ٣١] فقال الثعالبي : «وقال قوم : يخرج من هذا الأمر بالإنباء تكليف ما لا يطاق ، ويتقرر جوازه ؛ لأنه سبحانه علم أنهم لا

١٠٠