تفسير الثعالبي - ج ١

عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف أبي زيد الثعالبي المالكي

تفسير الثعالبي - ج ١

المؤلف:

عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف أبي زيد الثعالبي المالكي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧

وقيل : إن أصل الكلمة من التّفسرة ، وهي الدليل من الماء ينظر فيه الطّبيب ؛ فيكشف عن علّة المريض ؛ كما يكشف المفسّر عن شأن الآية وقصّتها (١).

التفسير اصطلاحا :

عرفه السّيوطيّ قائلا (٢) :

«هو علم نزول الآيات وشؤونها وأقاصيصها ، والأسباب النازلة فيها ، ثم ترتيب مكّيّها ومدنيّها ، وبيان محكمها ومتشابهها ، وناسخها ومنسوخها ، وخاصّها وعامّها ، ومطلقها ومقيّدها ، ومجملها ومفسّرها ، وحلالها وحرامها ، ووعدها ووعيدها ، وأمرها ونهيها ، وعبرها وأمثالها ، ونحو ذلك».

وعرّفه أبو حيان فقال (٣) :

«هو علم يبحث فيه عن كيفية النّطق بألفاظ القرآن ، ومدلولاتها ، وأحكامها الإفراديّة والتركيبية ، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التّركيب وتتمّات ذلك ...» وفيه قصور وغموض (٤) ...

وتعريف الزركشي أوضح من التعريفين السابقين ؛ إذ يقول (٥) :

«التفسير : علم يفهم به كتاب الله المنزّل على نبيّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبيان معانيه ، واستخراج أحكامه وحكمه ، واستمداد ذلك من علم اللغة ، والنّحو والتصريف ، وعلم البيان ، وأصول الفقه ، والقراءات ، ويحتاج لمعرفة أسباب النّزول ، والناسخ والمنسوخ».

وهناك تعريفات أخرى ـ غير ما ذكرنا (٦) ـ وكلها تتفق «على أن علم التفسير علم يبحث عن مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية ؛ فهو شامل لكلّ ما يتوقّف عليه فهم المعنى ، وبيان المراد» (٧).

__________________

(١) «الإتقان في علوم القرآن» / للسيوطي ٢ / ٢٩٤ ، و «تفسير البغوي» ١ / ١٨ ط المنار ، و «اللسان» : فسر.

(٢) «الإتقان» ٢ / ١٧٤.

(٣) «البحر المحيط» ج ١ أو ما بعدها.

(٤) راجع : الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير أبو شهبة ص ٤١.

(٥) «البرهان» ج ١ / ٣٣.

(٦) راجع مثلا : «مناهل العرفان في علوم القرآن» ١ / ٤٠٦ ط أولى ، و «منهج الفرقان في علوم القرآن» ج ٢ / ٦ ، «التيسير في قواعد التفسير» / الكافيجي ص ٣ ، ١١ وغيرها.

(٧) «التفسير والمفسرون» ١ / ١٧.

٤١

التأويل لغة :

أصله : «من الأول ، وهو الرّجوع».

قال الفيروزآباديّ (١) :

«آل إليه أولا ومآلا : رجع ـ وعنه ارتدّ ... وأوّل الكلام تأويلا ، وتأوّله : دبّره وقدّره وفسّره ، والتأويل عبارة الرّؤيا».

وقال ابن منظور (٢) :

«الأول : الرّجوع : آل الشّيء يؤول أولا ومآلا : رجع ، وأوّل الشّيء : رجعه ، وألت عن الشّيء : ارتددت» ؛ وفي الحديث : «من صام الدّهر ، فلا صام ولا آل» أي : لا رجع إلى خير ... وأوّل الكلام وتأوّله : دبّره وقدّره ، وأوّله وتأوّله : فسّره».

وعليه :

فالتأويل : إرجاع الكلام إلى ما يحتمله من المعاني.

وقيل : التأويل مأخوذ من الإيالة ، وهي السّياسة ، فكأنّ المؤوّل ساس الكلام ووضعه في موضعه ؛ قال الزمخشري (٣) :

«آل الرّعيّة يؤولها إيالة حسنة ، وهو حسن الإيالة ، وائتالها ، وهو مؤتال لقومه مقتال عليهم ، أي : سائس محتكم ؛ قال زياد في خطبته : قد ألنا وإيل علينا ، أي : سسنا وسسنا ...».

وقد ورد لفظ التأويل في القرآن الكريم على معان مختلفة :

من ذلك قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ ...) [آل عمران : ٧]. بمعنى : التفسير والتعيين.

وقوله تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء : ٥٩] بمعنى : العاقبة والمصير.

وقوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ...) [الأعراف : ٥٣] وقوله

__________________

(١) «القاموس المحيط» ٣ / ٣٣١.

(٢) «اللسان» / مادة «أول» ١ / ١٧١ وما بعدها.

(٣) «أساس البلاغة» ص ٢٥ ط الشعب.

٤٢

تعالى : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ...) [يونس : ٣٩] بمعنى : وقوع المخبر به.

ومن آيات سورة يوسف (١) أريد بها : نفس مدلول الرؤيا.

ومن آيتي سورة الكهف (٢) بمعنى بيان حقيقة الأعمال الّتي عملها العبد الصالح ، وليس تأويل الأقوال (٣).

التأويل اصطلاحا :

التأويل عند السلف له معنيان :

أحدهما : تفسير الكلام وبيان معناه ، وبذلك يكون التأويل والتفسير مترادفين ، وهذا ما يعنيه «ابن جرير الطبري» في تفسيره ؛ حين يقول : «القول في تأويل قوله تعالى ...» وكذا قوله : «اختلف أهل التأويل في هذه الآية ...». فالتفسير والتأويل كلاهما بمعنى.

ثانيهما : هو نفس المراد بالكلام ؛ فإن كان الكلام طلبا ، كان تأويله نفس الفعل المطلوب ، وإن كان خبرا كان تأويله نفس الشيء المخبر به وعليه :

فالتأويل هنا نفس الأمور الموجودة في الخارج ، سواء كانت ماضية أم مستقبلة ، فإذا قيل : طلعت الشّمس ، فتأويل هذا هو نفس طلوعها ، وهذا في نظر «ابن تيميّة» هو لغة القرآن التي نزل بها ؛ وعلى هذا فيمكن إرجاع كلّ ما جاء في القرآن من لفظ التأويل إلى هذا المعنى الثاني (٤).

أما التأويل عند المتأخّرين من الأصوليين والكلاميّين وغيرهم :

فهو : «صرف اللّفظ عن المعنى الرّاجح إلى المعنى المرجوح ؛ لدليل يقترن به» ، وهذا هو التأويل الذي يتكلّمون عليه في أصول الفقه ومسائل الخلاف (٥).

قال في «جمع الجوامع» (٦) :

__________________

(١) الآيات : ٦ ، ٣٧ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ١٠٠.

(٢) الآيتان : ٧٨ ، ٨٢.

(٣) راجع : «التفسير والمفسرون» ١ / ١٨ ، ١٩.

(٤) «التفسير والمفسرون» ١ / ١٩ (بتصرف وإيجاز)

(٥) راجع : «التفسير والمفسرون» ١ / ١٩.

(٦) ج ٢ / ٥٦ ، و «التفسير والمفسرون» ١ / ٢٠.

٤٣

«التأويل : حمل الظاهر على المحتمل المرجوح ، فإن حمل عليه ؛ لدليل ـ فصحيح ، أو لما يظنّ دليلا من الواقع ـ ففاسد ، أو لا لشيء ـ فلعب لا تأويل».

الفرق بين التّفسير والتّأويل

اختلف علماء «التفسير» في بيان الفرق بين التفسير والتأويل ، ولعل منشأ هذا الخلاف «هو استعمال القرآن لكلمة «التأويل» ، ثم ذهاب الأصوليين إلى اصطلاح خاصّ فيها ، مع شيوع الكلمة على ألسنة المتكلمين من أصحاب المقالات والمذاهب» (١).

ـ ومن العلماء من ذهب إلى أنهما بمعنى واحد ، ومن هؤلاء : «أبو عبيد القاسم بن سلّام» ، وطائفة معه (٢).

ـ ومنهم من فرق بينهما :

يقول الراغب الأصفهانيّ (٣) :

«التفسير أعمّ من التّأويل ، وأكثر ما يستعمل التّفسير من الألفاظ ، والتأويل في المعاني ؛ كتأويل الرؤيا.

والتأويل يستعمل أكثره في الكتب الإلهيّة ، والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها.

والتفسير أكثره يستعمل في مفردات الألفاظ ، والتّأويل أكثره يستعمل في الجمل ؛ فالتفسير : إمّا أن يستعمل في غريب الألفاظ : «كالبحيرة ، والسائبة ، والوصيلة» ، أو في تبيين المراد وشرحه ؛ كقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) [البقرة : ٤٣] ، وإما في كلام مضمّن بقصّة لا يمكن تصوّره إلا بمعرفتها ؛ نحو قوله تعالى : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) [التوبة : ٣٧] ، وقوله تعالى : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) [البقرة : ١٨٩].

وأما التأويل : فإنه يستعمل مرة عامّا ، ومرة خاصّا ؛ نحو «الكفر» المستعمل تارة في

__________________

(١) «التفسير» : معالم حياة ـ ص ٦.

(٢) «الإتقان» ٢ / ١٧٣ ، «التفسير والمفسرون» ١ / ٢١ و «الإسرائيليات والموضوعات» ٤٣.

(٣) «التفسير والمفسرون» ١ / ٢١ ، «نشأة التفسير في الكتب المقدسة والقرآن» / السيد خليل ص ٢٩ ، نقلا عن : مقدمة التفسير للراغب ص ٤٠٢ ـ ٤٠٣ آخر كتاب «تنزيه القرآن عن المطاعن» للقاضي عبد الجبار.

٤٤

الجحود المطلق ، وتارة في جحود الباري خاصّة ـ و «الإيمان» المستعمل في التصديق المطلق تارة ، وفي تصديق دين الحقّ تارة ، وإما في لفظ مشترك بين معان مختلفة ، نحو لفظ «وجد» المستعمل في الجدّ والوجد والوجود».

وقال أبو طالب الثّعلبيّ (١) :

«التفسير : بيان وضع اللفظ إمّا حقيقة أو مجازا ؛ كتفسير الصراط بالطّريق ، والصّيّب بالمطر ، والتأويل : تفسير باطن اللفظ ، مأخوذ من الأول ، وهو الرجوع لعاقبة الأمر ؛ فالتأويل : إخبار عن حقيقة المراد ، والتفسير : إخبار عن دليل المراد ؛ لأنّ اللفظ يكشف عن المراد ، والكاشف دليل ، مثال قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) [الفجر : ١٤] تفسيره : أنه من الرّصد ؛ يقال : رصدته إذا رقبته ، والمرصاد : مفعال منه ، وتأويله : التّحذير من التهاون بأمر الله ، والغفلة عن الأهبة والاستعداد للعرض عليه».

وقال البغويّ (٢) :

«التأويل : هو صرف الآية إلى معنى محتمل يوافق ما قبلها وما بعدها ، غير مخالف للكتاب والسنة من طريق الاستنباط.

والتفسير : هو الكلام في أسباب نزول الآية وشأنها وقصّتها».

وقيل : التفسير : ما يتعلق بالرواية ، والتأويل : ما يتعلق بالدراية» (٣) يقول الكافيجيّ (٤) :

«... إن علم التفسير علم يبحث فيه عن أحوال كلام الله المجيد ، من حيث إنه يدلّ على المراد بحسب الطاقة البشرية ، وينقسم إلى قسمين :

تفسير : وهو ما لا يدرك إلا بالنّقل أو السماع ، أو بمشاهدة النّزول وأسبابه ، فهو ما يتعلّق بالرواية ؛ ولهذا قيل : إن التفسير للصحابة.

وتأويل : وهو ما يمكن إدراكه بقواعد العربيّة ، فهو ما يتعلّق بالدراية ؛ ولهذا قيل : إن التأويل للفقهاء ، فالقول من الأوّل بلا نقل أو سماع خطأ ؛ وكذا القول من الثاني بمجرّد

__________________

(١) «الإتقان» ٢ / ١٧٣.

(٢) «تفسير البغوي» ١ / ١٨.

(٣) «الإتقان» ٢ / ١٧٣.

(٤) «التيسير في قواعد التفسير» ص ٣ ، ١١.

٤٥

التشهّي ، وأما استنباط المعاني على قانون اللّغة فمما يعدّ فضلا وكمالا».

وقد رجّح المرحوم الدكتور الذهبي هذا الرأي ، وعلّل ذلك بقوله (١) :

«وذلك لأن التّفسير معناه : الكشف والبيان ، والكشف عن مراد الله تعالى لا نجزم به إلا إذا ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو عن بعض أصحابه ، الذين شهدوا نزول الوحي ، وعلموا ما أحاط به من حوادث ووقائع ، وخالطوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورجعوا إليه فيما أشكل عليهم من معاني القرآن الكريم.

«وأما التأويل : فملحوظ فيه ترجيح أحد محتملات اللّفظ بالدليل ، والترجيح يعتمد على الاجتهاد ، ويتوصّل إليه بمعرفة مفردات الألفاظ ومدلولاتها في لغة العرب ، واستعمالها بحسب السياق ، ومعرفة الأساليب العربيّة ، واستنباط المعاني من كلّ ذلك».

وهذا هو ما نميل إليه.

حاجة النّاس إلى التّفسير

نزل القرآن الكريم لغرضين أساسيّين :

أولهما : ليكون معجزة ؛ فلا يقدر البشر على أن يأتوا بمثله : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [الإسراء : ٨٨] ، ولا بسورة من مثله : (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [يونس : ٣٨].

ثانيهما : ليكون منهج حياة ، ودستورا للمسلمين ، فيه صلاحهم وفلاحهم ؛ إذ تكفّل بكلّ حاجاتهم من أمور الدين والدنيا : عقائد ، وأخلاق ، وعبادات ، ومعاملات ... إلخ.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس : ٥٧].

(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) [الإسراء : ٨٢] ، ففي اتباعه الهداية ، وفي الإعراض عنه الشقاء والضّنك ؛ (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً

__________________

(١) «التفسير والمفسرون» ١ / ٢٣.

٤٦

ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى * قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً* قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) [طه : ١٢٣ ـ ١٢٦].

وبه مخرج الأمّة من أزماتها ، ونجاتها من الفتن ؛ يقول علي ـ كرم الله وجهه ـ : قلت : يا رسول الله ، ستكون فتن ، فما المخرج منها؟.

قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كتاب الله ؛ فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبّار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه الله ، هو حبل الله المتين ، والذّكر الحكيم ، والصّراط المستقيم ، هو الّذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق على كثرة الرّدّ ، ولا تنقضي عجائبه ، من قال به صدق ، ومن حكم به عدل ، ومن خاصم به أفلح ، ومن دعي إليه هدي إلى صراط مستقيم».

ـ ولكي يكون معجزا ويتأتّى تحدّيه للبشر.

ـ ولكي يتأتّى اتخاذه دستورا ومنهج حياة ..

ـ ولكي يتدبّر المؤمنون آياته ... (١).

ولكي يستطيع المسلمون العرب الانطلاق بالدعوة (٢) .. لكلّ هذا جاء القرآن عربيّا.

وكان القوم ـ «عند نزوله ـ سواء من هو حجّة له ؛ من المؤمنين الصادقين ، ومن هو حجّة عليه ؛ من الكافرين الجاحدين ـ يفهمونه ويحيطون بمعانيه إفرادا وتركيبا ؛ فيتلقّون دعوته ، ويدركون مواعظه ، ويعون تحدّيه بالإعجاز بين مذعنين ، يقولون : آمنّا به ، ومعاندين يلحدون في آياته ، ويمعنون في معارضته كيدا وليّا بألسنتهم وطعنا في الدين.

«فما كان منهم من تعذّر عليه فهمه ، ولا من خفيت عليه مقاصده ومعانيه ، بل كان وضوح معانيه ، ويسر فهمه ، هو الأصل فيما قام حوله من صراع بين مؤمن يجد فيه شفاء نفسه ، وانشراح صدره ، وكافر ينقبض لقوارع آياته ؛ فلا يزال يدفعها بالإعراض والمعارضة ، والدفاع والمقارعة ، وكان ذلك هو الأصل أيضا في تكوّن الأمّة المحمّدية ، وتولّد التاريخ الإسلاميّ» (٣).

__________________

(١) قال تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ ...).

(٢) قال تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ ...).

(٣) «التفسير ورجاله» / محمد الفاضل بن عاشور ص ٧ ـ ٨.

٤٧

يقول ابن خلدون (١) :

«إنّ القرآن نزل بلغة العرب ، وعلى أساليب بلاغتهم ؛ فكانوا كلّهم يفهمونه ، ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه».

وقد سبقه أبو عبيدة معمر بن المثنّى ؛ حين قال (٢) :

«إنما نزل القرآن بلسان عربيّ مبين ؛ فلم يحتج السلف ، ولا الذين أدركوا وحيه ، إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يسألوا عن معانيه ؛ لأنهم كانوا عرب الألسن ، فاستغنوا بعلمهم عن المسألة عن معانيه ، وعما فيه مما في كلام العرب مثله من الوجوه والتلخيص».

إلا أن هذا الإطلاق يعارضه قول عمر بن الخطّاب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣) :

«يا رسول الله ، إنّك تأتينا بكلام من كلام العرب ، وما نعرفه ، ولنحن العرب حقّا؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ ربّي علّمني فتعلّمت ، وأدّبني فتأدّبت».

كما يعارضه صريح القرآن ؛ إذ يقول تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤].

نعم .. إن هناك ألفاظا لم تستطع بعض القبائل العربيّة معرفتها ، ربّما لعدم استعمالهم لها ، أو لاحتمال اللفظ عدّة معان ، وكذا بعض آيات أشكل عليهم فهم معناها ؛ وذلك كسؤالهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما نزل قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام : ٨٢] ، فقالوا : وأيّنا لم يظلم؟ وفزعوا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبيّن لهم أنّ المراد بالظّلم الشرك ؛ واستدلّ عليه بقوله تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (٤) [لقمان : ١٣].

ولو صح ما ذهب إليه ابن خلدون وأبو عبيدة ، لما كانت حاجة الصحابة إلى تفسير الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. لكنّ تفسير الرسول للقرآن ، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة ، بيانا لمعنى

__________________

(١) المقدمة ص ٣٦٧ ط الأزهرية سنة ١٩٣٠.

(٢) «مجاز القرآن» ـ ط ثانية ـ دار الفكر.

(٣) «البرهان في علوم القرآن» للزركشي ١ / ٢٨٤ ط الحلبي تحقيق أبو الفضل إبراهيم ، وقال الصيرفي : ولست أعرف إسناد هذا الحديث ، وإن صح ، فقد دل على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد عرف ألسنة العرب.

(٤) «الإتقان» للسيوطي ٢ / ٣٣٠ و «البرهان» للزركشي ١ / ١٤.

٤٨

لفظ ، أو توضيحا لمشكل ، أو تأكيدا لحكم ، أو تفصيلا لمجمل ، أو تخصيصا لعامّ ، أو تقييدا لمطلق ... إلخ.

وكان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ حراصا على حفظ القرآن ، وفهم معانيه ، وفقه أحكامه ...

قال أبو عبد الرحمن السّلميّ :

«حدّثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن ؛ كعثمان بن عفان ، وعبد الله بن مسعود ، وغيرهما ؛ أنهم كانوا إذا تعلّموا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشر آيات ، لم يتجاوزوها حتّى يعلموا ما فيها من العلم والعمل ، قالوا : فتعلّمنا القرآن ، والعلم ، والعمل جميعا».

وإذا كان العرب الخلّص الذين لم تعكّر عربيّتهم عجمة ـ يحتاجون إلى التّفسير ، فنحن أولى وأحوج ، بل وأشدّ حاجة إلى تفسير القرآن الكريم ؛ إذ صار البون بعيدا بين العرب والفصحى.

يقول السّيوطيّ (١) :

«ونحن محتاجون إلى ما كانوا يحتاجون إليه ، وزيادة على ذلك مما لم يحتاجوا إليه من أحكام الظواهر ؛ لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلّم ، فنحن أشدّ احتياجا إلى التفسير».

والحاجة إلى التفسير «إنّما هي حاجة عارضة نشأت من سببين :

السبب الأول : هو أن القرآن لم ينزل دفعة واحدة ، وإنما كان نزوله وتبليغه في ظرف زمنيّ متسع جدّا ؛ قدره أكثر من عشرين عاما ، فكان ينزل منجّما على أجزاء مع فواصل زمنيّة متراخية بين تلك الأجزاء ، وكان نزوله في تقدم بعض أجزائه وتأخّر البعض الآخر ، على ترتيب يختلف عن ترتيبه التعبّديّ ؛ لأنّ ترتيب تاريخ النزول كان منظورا فيه إلى مناسبة الظروف والوقائع ، مناسبة ترجع إلى ركن من أركان مطابقة الكلام لمقتضى الحال ، وترتيب التلاوة أو الترتيب التعبدي ، كان منظورا فيه إلى تسلسل المعاني وتناسب أجزاء الكلام بعضها مع بعض ، ... والترتيب الأوّل مؤقّت زائل بزوال ملابساته من الوقائع والأزمنة والأمكنة.

__________________

(١) «الإتقان» ٢ / ٢٩٦ ـ ٢٩٧.

٤٩

أما ترتيب التلاوة التعبديّ فباق ؛ لأنه في ذات الكلام ، يدركه كلّ واقف عليه وتال له من الأجيال المتعاقبة ، بينما الترتيب التاريخيّ لا يدركه إلا شاهد العيان لتلك الملابسات من الجيل الذي كان معاصرا لنزول القرآن ... وكان انقراض تلك الملابسات الوقتية محوجا إلى معرفتها معرفة نقلية تصوّرية ، ليتمكّن الآتون من استعمال القرائن والأحوال ، التي اهتدى بها إلى معاني التراكيب القرآنية سابقوهم.

وأما السبب الثاني : فهو أنّ دلالات القرآن الأصليّة ، التي هي واضحة بوضوح ما يقتضيه من الألفاظ والتراكيب ـ تتبعها معان تكون دلالة التراكيب عليها محلّ إجمال أو محلّ إبهام ؛ إذ يكون الترتيب صالحا على الترديد لمعان متباينة ، يتصوّر فيها معناه الأصليّ ولا يتبيّن المراد منها ، كأن يقع التعبير عن ذات بإحدى صفاتها ، أو يكنى عن حقيقة بإحدى خواصّها ، أو أحد لوازمها ... ؛ فينشأ عن ذلك إجمال يتطلّب بيانا ، أو إبهام يتطلّب تعيينا ... ولما كان الذين اتصلوا أوّلا بتلك المجملات أو المبهمات أو المطلقات قد رجعوا إلى المبلّغ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في طلب بيانها أو تعيينها أو تقييدها ؛ فتلقّوا عند ما أفادهم ؛ فاطلعوا بأن الذين أتوا بعدهم احتاجوا إلى معرفة تلك الأمور المأثورة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لتتّضح لهم تلك المعاني ؛ كما اتضحت لمن قبلهم ...» (١).

وبذا تبيّن أن التفسير نشأ منذ بدء الوحي ؛ إذ احتاج إليه الصحابة ، ثم زادت حاجة التابعين إلى التفسير ، ولا سيّما ما رآه الصحابة وسمعوه من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يتمكّنوا هم من رؤيته ولا سماعه ... ثم اشتدّت حاجة تابعي التابعين.

وهكذا كلّما بعد الناس عن عصر نزوله ، زادت الحاجة إلى التفسير بمقدار ما زاد من غموض (٢) ...

فهم الصّحابة للقرآن الكريم

نزل القرآن عربيّا على رسول عربيّ ، وقوم عرب ؛ (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ ...) [الجمعة : ٢] ، فكانوا أخبر بلغتهم ، وفهموا القرآن حقّ فهمه ، وقد يشكل عليهم فهم آية منه ؛ فيرجعون إلى القرآن نفسه ، فقد يجدون فيه توضيحا أو تفصيلا ، وإلا رجعوا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليفسّر لهم ما أشكل عليهم ...

__________________

(١) «التفسير ورجاله» من ١٠ ـ ١٣.

(٢) راجع «التفسير والمفسرون» / للذهبي ١ / ١٠١ ـ ١٠٢.

٥٠

وكان الصحابة يجتهدون في فهم القرآن الكريم مستعينين على ذلك ب (١) :

١ ـ معرفة أوضاع اللّغة وأسرارها.

٢ ـ معرفة عادات العرب.

٣ ـ معرفة أحوال اليهود والنصارى في الجزيرة وقت نزول القرآن.

٤ ـ قوّة الفهم ، وسعة الإدراك.

وبدهيّ أن يتفاوت الصحابة في توافر هذه الأدوات عندهم. وبالتّالي في فهم القرآن الكريم ؛ فلم يكونوا جميعا في مرتبة واحدة ، ومن هنا كان الاختلاف اليسير بينهم في تفسير القرآن الكريم.

ومن ذلك :

ـ ما روي «من أن الصحابة فرحوا حين نزل قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة : ٣] ؛ لظنّهم أنها مجرّد إخبار وبشرى بكمال الدين ، ولكنّ عمر بكى وقال : ما بعد الكمال إلّا النّقص ، مستشعرا نعي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد كان مصيبا في ذلك ؛ إذ لم يعش النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعدها إلا واحدا وثمانين يوما ؛ كما روي» (٢).

ـ وفيه ما رواه البخاريّ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال (٣) :

«كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر. فكأنّ بعضهم وجد في نفسه ، وقال : لم يدخل هذا معنا ، وإنّ لنا أبناء مثله؟ فقال عمر : إنّه من أعلمكم ، فدعاهم ذات يوم فأدخلني معهم ، فما رأيت أنه دعاني فيهم إلا ليريهم ، فقال : ما تقولون في قوله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) [النصر : ١]؟

فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره ؛ إذ نصرنا وفتح علينا ، وسكت بعضهم ، ولم يقل شيئا ، فقال لي : أكذلك تقول يا ابن عبّاس؟

فقلت : لا ، فقال : ما تقول؟

قلت : هو أجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعلمه الله له ، قال : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ)

__________________

(١) راجع «التفسير والمفسرون» ١ / ٥٩ وما بعدها.

(٢) «الموافقات» للشاطبي ج ٣ / ٣٨٤ ، «التفسير والمفسرون» ١ / ٦١ ، ٦٢.

(٣) «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» ٨ / ٥١٩ ، / باب التفسير ، وكذا «أسد الغابة».

٥١

[النصر : ١] ؛ فذلك علامة أجلك ، (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) [النصر : ٣] فقال عمر : لا أعلم منها إلا ما تقول».

ـ وقال ابن عباس (١) :

«كنت لا أدري ما (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [فاطر : ١] ، حتّى أتاني أعرابيّان يتخاصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ؛ يقول : أنا ابتدأتها».

أشهر مفسّري القرآن من الصّحابة

عدّ السّيوطيّ عددا من مفسّري القرآن من الصحابة ؛ ذكر منهم :

الخلفاء الأربعة ، وابن عبّاس ، وابن مسعود ، وأبيّ بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وأبا موسى الأشعريّ ، وعبد الله بن الزّبير رضي الله عنهم.

أما الخلفاء الثلاثة الأول ، فالرواية عنهم في التفسير قليلة جدّا ؛ وذلك بسبب تقدّم وفاتهم ، ولا نشغالهم بمهامّ الخلافة (٢).

١ ـ عليّ بن أبي طالب :

وأما عليّ ـ كرّم الله وجهه ـ فهو أكثرهم تفسيرا للقرآن ؛ وذلك لأنه لم يشغل بالخلافة ، وإنما كان متفرّغا للعلم حتّى نهاية عصر عثمان ...

وكثرة مرافقته للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسكناه معه ، وزواجه من ابنته فاطمة إلى جانب ما حباه الله من الفطرة السليمة ... كلّ ذلك أورثه العلم الغزير ؛ حتّى قالت عائشة رضي الله عنها (٣) :

«أما إنّه لأعلم النّاس بالسّنّة» في زمن كان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ متوافرين.

وروى معمر ، عن وهب بن عبد الله ، عن أبي الطّفيل قال : «شهدت عليّا يخطب ، وهو يقول : سلوني ؛ فو الله ، لا تسألوني عن شيء إلّا أخبرتكم به ، وسلوني عن كتاب الله ؛ فو الله ، ما من آية إلّا أنا أعلم : أبليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل أم في جبل».

وقيل لعطاء : أكان في أصحاب محمّد أعلم من عليّ؟

__________________

(١) «الإتقان» ٢ / ١١٣.

(٢) «الإسرائيليات والموضوعات في التفسير» ٨٤ ، و «التفسير والمفسرون» للذهبي ١ / ٦٤ ، ٦٥.

(٣) «الاستيعاب» ٣ / ١١٠٤ ، و «أسد الغابة» ٤ / ٢٩.

٥٢

قال : لا ، والله لا أعلمه.

وقال ابن مسعود : «إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلّا وله ظهر وبطن ، وإنّ عليّ بن أبي طالب عنده من الظّاهر والباطن» (١).

نموذج من تفسير عليّ ـ رضي الله عنه ـ للقرآن :

قال في تفسير قوله تعالى : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً) [التوبة : ١٢٤] : إن الإيمان يبدو لمظة بيضاء في القلب ، فكلّما ازداد الإيمان عظما ازداد ذلك البياض ، حتّى يبيضّ القلب كلّه ، وإنّ النفاق يبدو لمظة سوداء في القلب ، فكلّما ازداد النفاق ازداد بذلك السّواد ، حتّى يسودّ القلب كلّه ، وايم الله ، لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتّموه أبيض ، ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتّموه أسود» (٢).

٢ ـ عبد الله بن مسعود :

هو : عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن سمح ، وقيل «شمخ» ... ينتهي نسبه إلى مضر ، يكنى بأبي عبد الرحمن ، وأمّه : أمّ عبد بنت عبد ودّ من هذيل ، وكان يقال له : ابن أمّ عبد.

أسلم قديما قبل عمر بن الخطّاب ، وكان سبب إسلامه : حين مرّ به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر ـ رضي الله عنه ـ وهو يرعى غنما ، فسألاه لبنا فقال : إنّي مؤتمن ، قال : فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عناقا لم ينز عليها الفحل ، فاعتقلها ، ثم حلب وشرب وسقى أبا بكر ، ثم قال للضّرع : أقلص ، فقلص ، فقلت : علّمني من هذا الدّعاء ، فقال : إنّك غلام معلّم ... الحديث (٣).

كان عبد الله من أحفظ الصحابة لكتاب الله وأقرئهم له ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يطلب منه أن يقرأه عليه ، فقال له يوما : اقرأ عليّ سورة النّساء ، قال ابن مسعود : أقرأ عليك ، وعليك أنزل؟ قال : إنّي أحبّ أن أسمعه من غيري ، يقول : فقرأت عليه ، حتّى بلغت : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء : ٤١] ؛ ففاضت

__________________

(١) راجع «الإتقان» ٢ / ٣١٩.

(٢) «تفسير البغوي» ـ ط المنار ٤ / ٢٧٣.

(٣) «البداية والنهاية» ٧ / ١٦٩ ، «أسد الغابة» ٣ / ٢٥٦ ـ ٢٦٠.

٥٣

عيناه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :

«من سرّه أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أمّ عبد» (٢) وكان ابن مسعود حريصا على فهم القرآن الكريم ؛ يروي الطبريّ وغيره عن ابن مسعود ؛ أنه قال :

«كان الرجل منّا إذا تعلّم عشر آيات لم يجاوزهنّ حتّى يعرف معانيهنّ والعمل بهنّ ، وعن مسروق قال (٣) : قال عبد الله بن مسعود :

«والّذي لا إله غيره ، ما نزلت آية من كتاب الله إلّا وأنا أعلم فيم نزلت ، وأين نزلت ، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله منّي تبلغه الإبل لركبت إليه».

وطرق الرواية عن ابن مسعود متعدّدة ، وأصحّ هذه الطرق ما جاء من (٤) :

١ ـ طريق الأعمش ، عن أبي الضّحى ، عن مسروق ، عن ابن مسعود.

٢ ـ طريق مجاهد ، عن أبي معمر ، عن ابن مسعود.

٣ ـ طريق الأعمش ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود.

وهذه الطرق الثلاثة أخرج منها البخاريّ في صحيحه.

وهناك طرق أخرى ك :

١ ـ طريق السّدّيّ الكبير عن مرّة الهمذانيّ عن ابن مسعود ؛ أخرج منها الحاكم في مستدركه ، وابن جرير في تفسيره ـ كثيرا.

٢ ـ طريق أبي روق عن الضّحّاك عن ابن مسعود ، وهي طريق غير مرضيّة ؛ أخرج منها ابن جرير في تفسيره أيضا ، وهي منقطعة ؛ لأن الضّحّاك لم يلق ابن مسعود.

وكان لابن مسعود تلاميذ كثير في الكوفة ، وكان عمر ـ رضي الله عنه ـ لمّا ولّى عمّار بن ياسر على الكوفة سيّر معه عبد الله بن مسعود معلّما ووزيرا ، فجلس الكوفيّون إليه وتعلّموا منه.

__________________

(١) «البداية والنهاية» ٧ / ١٦٩.

(٢) «مسند الإمام أحمد» ١ / ٧.

(٣) «صحيح البخاري» ـ كتاب الفضائل / باب مناقب عبد الله بن مسعود.

(٤) «التفسير والمفسرون» للذهبي ١ / ٨٧ ، ٨٨.

٥٤

ويقول العلماء :

إن ابن مسعود هو الذي وضع الأساس لطريقة الاستدلال ، وقد أثرت هذه الطريقة في مدرسة التفسير ، فكثر التفسير بالرأي والاجتهاد (١) ، وسوف يأتي ذكر تلاميذه عند حديثنا عن تفسير التابعين.

٣ ـ أبيّ بن كعب :

هو : أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النّجّار ، سيّد القرّاء (٢) ، كنيته : أبو المنذر أو أبو الطّفيل.

شهد بيعة العقبة مع السّبعين من الأنصار ، وشهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلّها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وهو أحد المشهورين بحفظ القرآن من الصحابة ، وبإقرائه ؛ قال فيه عمر بن الخطاب : «أبيّ أقرؤنا» (٣).

وهو أحد الذين تلمذ عليهم «ابن عبّاس» ؛ يقول ابن عباس (٤) :

«ما حدّثني أحد قطّ حديثا فاستفهمته ، فلقد كنت آتي باب أبيّ بن كعب ، وهو نائم ، فأقيل على بابه ، ولو علم بمكاني لأحبّ أن يوقظ ؛ لمكاني من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولكنّي أكره أن أملّه».

كان أبيّ يكتب في مصحفه أشياء ليست من القرآن الكريم مما يعدّ شرحا ، أو تفسيرا ، أو سببا لنزول ، أو مما نسخ ، وكان يقول : لا أدع شيئا سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥) ، فمن ذلك مثلا : دعاء القنوت (٦).

وكان من أعلم الصحابة بكتاب الله ؛ وذلك لعدّة عوامل :

* أنه كان من كتّاب الوحي للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

* أنه كان حبرا من أحبار اليهود العارفين بأسرار الكتب القديمة وما ورد فيها.

__________________

(١) المصدر السابق ١ / ١٢٠.

(٢) «تهذيب التهذيب» ١ / ١٨٧ ، «غاية النهاية في طبقات القراء» ١ / ٣١. «أسد الغابة» ١ / ٤٩ ـ ٥١.

(٣) رواه البخاري ، وانظر «طبقات القراء للذهبي» ٦ / ٦٢٩ وكذا شهد له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٤) «طبقات ابن سعد» ٢ / ٣٧١.

(٥) «تاريخ الإسلام» للذهبي ٢ / ٢٨.

(٦) راجع «الإتقان» ١ / ٦٦.

٥٥

وقد تعدّدت طرق الرواية عنه ، وأشهر هذه الطّرق :

١ ـ طريق أبي جعفر الرّازيّ ، عن الرّبيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عنّ أبيّ ، وهي طريق صحيحة ، أخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم كثيرا ، وأخرج الحاكم منها في مستدركه ، والإمام أحمد في مسنده.

٢ ـ طريق وكيع عن سفيان ، عن عبد الله بن محمّد بن عقيل ، عن الطّفيل بن أبيّ بن كعب ، عن أبيه ، وهذه يخرج منها الإمام أحمد في مسنده ، وهي على شرط الحسن (١).

وتلاميذ أبيّ كثير منهم : أبو العالية ، وزيد بن أسلم ، ومحمّد بن كعب القرظيّ وغيرهم ، ويعدّ أبيّ بن كعب أستاذ مدرسة التفسير في المدينة.

٤ ـ عبد الله بن عبّاس (٢) :

هو : عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب بن هاشم ... يلتقي مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الجدّ الأول (عبد المطلب) ، فهو ابن عمّ رسول الله.

ولد إبّان المقاطعة الاقتصادية الّتي فرضتها قريش على بني المطّلب ، أيّ : قبل الهجرة بثلاث سنوات.

لازم ابن عبّاس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لكنّ الرسول توفّي ولابن عباس من العمر ثلاث عشرة سنة ، وقيل : خمس عشرة سنة.

وقد حظي ابن عبّاس بدعوة رسول الله له حين قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهمّ ، علّمه الكتاب والحكمة».

وفي رواية : «اللهمّ ، فقّهه في الدّين وعلّمه التّأويل».

واستجيبت دعوة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكان عبد الله بن عبّاس «ترجمان القرآن» يقول ابن مسعود :

«نعم ترجمان القرآن ابن عبّاس» ؛ وذلك لبراعته في التفسير ، كما لقّب بالحبر ؛ لغزارة علمه ، وبالبحر كذلك.

__________________

(١) راجع «التفسير والمفسرون» ١ / ٩٢ ، ٩٣.

(٢) بعض الكتب التي تترجم للمفسرين من الصحابة تقدم ابن عباس على سائر الصحابة لتفوقه في هذا العلم ، وبعضها ترجئه بعد الثّلاثة السابقين لتقدمهم في السن عليه وحداثته بينهم.

٥٦

وإذا كان ابن عبّاس قد فاته طول الصّحبة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقد استعاض عن ذلك بملازمة كبار الصحابة ، يسألهم ، ويتعرّف أسباب النزول ، والناسخ والمنسوخ ، وغير ذلك.

يقول ابن عبّاس (١) :

«لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطّاب عن المرأتين من أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللّتين قال الله فيهما : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ) [التحريم : ٤] ، ولم أزل أتلطّف له حتّى عرفت أنهما حفصة وعائشة».

ويقول :

«وجدت عامّة حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند الأنصار ؛ فإنّي كنت لآتي الرّجل ، فأجده نائما ، لو شئت أن يوقظ لي لأوقظ ، فأجلس على بابه تسفي على وجهي الرّيح ، حتّى يستيقظ متى ما استيقظ ، وأسأله عمّا أريد ثمّ أنصرف».

لقد تلمذ ابن عبّاس على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوّلا ، فكان الرسول يعلّمه ويربّيه ، قال له يوما :

«يا غلام ، إنّي أعلّمك كلمات : أحفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، وإذا سألت فأسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، وأعلم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلّا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء ، لم يضرّوك إلّا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفّت الصّحف».

وفي خلافة عمر كان لابن عبّاس تقدير خاصّ عنده ، فكان يدنيه من مجلسه ، رغم حداثة سنّه ـ كما ذكرنا.

وقد أفاد ابن عبّاس من هؤلاء الذين يعدّون بمثابة شيوخه :

عمر بن الخطّاب ، وأبيّ بن كعب ، وعليّ بن أبي طالب ، وزيد بن ثابت ، روى عبد الرزّاق عن معمر قال (٢) :

«عامّة علم ابن عبّاس من ثلاثة : عمر وعليّ وأبيّ بن كعب».

وذكر ابن الأثير الجزريّ في ترجمة ابن عبّاس أنه (٣) «حفظ المحكم في زمن

__________________

(١) «الجامع لأحكام القرآن» / للقرطبي ١ / ٢٢.

(٢) «تذكرة الحفاظ» للذهبي ١ / ٤١.

(٣) «طبقات القراء» ٤٢٥.

٥٧

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم عرض القرآن على أبيّ بن كعب وزيد بن ثابت ، وقيل : إنّه قرأ على عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه».

لقد أوتي ابن عبّاس علما غزيرا جعله أبرز المفسّرين ، وأتمّهم اضطلاعا بالتفسير ؛ حتّى إنه «لم يبق عند منتصف القرن الأوّل من الهجرة من بين الصحابة وغيرهم إلّا مذعن لابن عبّاس ، مسلّم له مقدرته الموفّقة ، وموهبته العجيبة ، وعلمه الواسع في تفسير القرآن» (١).

لقد امتلك ابن عبّاس أدوات المفسّر ؛ فكان عالما بأسرار العربيّة يحفظ الكثير من الشّعر القديم ، ويحثّ النّاس على النّظر فيه قائلا (٢) :

«إذا تعاجم شيء من القرآن ، فانظروا في الشّعر فإنّ الشّعر عربيّ».

وهو القائل (٣) :

«الشّعر ديوان العرب ؛ فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الّذي أنزله الله بلغة العرب ، رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا ذلك منه».

وقد ذكر السّيوطيّ بسنده حوارا دار بين نافع بن الأزرق وابن عبّاس فقال (٤) :

بينا عبد الله بن عبّاس جالس بفناء الكعبة ، قد اكتنفه الناس يسألونه عن تفسير القرآن ، فقال نافع بن الأزرق لنجدة بن عويمر :

قم بنا إلى هذا الذي يجترىء على تفسير القرآن بما لا علم له به ، فقاما إليه ، فقالا : إنّا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله فتفسّرها لنا ، وتأتينا بمصادقة من كلام العرب ؛ فإنّ الله تعالى إنما أنزل القرآن بلسان عربيّ مبين ، فقال ابن عبّاس : سلاني عما بدا لكما ، فقال نافع :

أخبرني عن قول الله تعالى : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) [المعارج : ٣٧].

قال : العزون : حلق الرّفاق.

__________________

(١) «التفسير ورجاله» / ابن عاشور ص ١٦.

(٢) «التفسير ورجاله» / ابن عاشور ص ١٧.

(٣) «الإتقان» ١ / ١١٩ ، «غاية النهاية في طبقات القراء» ٤٢٦.

(٤) «الإتقان» ١ / ١٢٠.

٥٨

قال : وهل تعرف العرب ذلك؟

قال : نعم ؛ أما سمعت عبيد بن الأبرص وهو يقول : [الوافر]

فجاءوا يهرعون إليه حتّى

يكونوا حول منبره عزينا

قال : أخبرني عن قوله : (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) [المائدة : ٣٥].

قال : الوسيلة : الحاجة.

قال : وهل تعرف العرب ذلك؟

قال : نعم ؛ أما سمعت عنترة وهو يقول : [الكامل]

إنّ الرّجال لهم إليك وسيلة

إن يأخذوك تكحّلي وتخضّبي

إلى آخر المسائل وأجوبتها (١).

وهي إن دلّت فإنما تدلّ على سعة علمه بلغة العرب ، وقوّة ذاكرته ؛ مما جعله إمام التّفسير في عهد الصحابة ، ومرجع المفسّرين في الأعصر التالية لعصره ، وهو إمام مدرسة التفسير في مكّة ، وأوّل من ابتدع الطريقة اللّغويّة في تفسير القرآن.

طرق الرواية عن ابن عبّاس :

تعدّدت طرق الرواية عن ابن عباس ، واختلفت تلك الطّرق ؛ وأشهر هذه الطّرق وأصحّها (٢) :

١ ـ طريق الزّهريّ ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عبّاس ، وتعدّ هذه الطريق من السلاسل الذهبيّة ، وقد أخرج منها ابن جرير الطبريّ ، وعبد الرّزاق في تفسيرهما.

٢ ـ طريق سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء بن أبي رباح ـ وعن عكرمة أحيانا ـ عن ابن عباس ، وقد أخرج منها عبد الرّزّاق في تفسيره.

٣ ـ طريق معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عبّاس ... وقالوا :

__________________

(١) راجعها في «الإتقان» ١ / ١٢٠ وما بعدها.

(٢) راجع : «الإتقان» ٢ / ١٨٨ ، «التفسير والمفسرون» ١ / ٧٧ ، ٨٨ ، «حبر الأمة عبد الله بن عباس» ص ١٨٢.

٥٩

إن هذه أجود الطّرق عنه ، وفيها قال الإمام أحمد ـ رضي الله عنه ـ «إنّ بمصر صحيفة في التّفسير رواها عليّ بن أبي طلحة ، لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا».

وقال الحافظ ابن حجر :

«وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب اللّيث ، رواها عن معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عبّاس ، وهي عند البخاريّ عن أبي صالح ، وقد اعتمد عليها في صحيحه فيما يعلّقه عن ابن عباس».

٤ ـ طريق عطاء بن السّائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس.

وهناك طرق أخرى تلي هذه الطّرق ... (١).

وكان لابن عبّاس مدرسة في التفسير بمكّة ، فكان يجلس لأصحابه من التابعين يفسّر لهم كتاب الله تعالى.

يقول الإمام ابن تيميّة.

«أما التفسير ، فأعلم النّاس به أهل مكّة ؛ لأنهم أصحاب ابن عبّاس ؛ كمجاهد ، وعطاء بن أبي رباح ، وعكرمة مولى ابن عبّاس ، وغيرهم من أصحاب ابن عبّاس ؛ كطاوس ، وأبي الشعثاء ، وسعيد بن جبير ، وأمثالهم ..» (٢).

قيمة التّفسير المأثور عن الصّحابة

بعض المحدّثين يعطي التفسير المأثور عن الصحابيّ حكم المرفوع ؛ ومن هؤلاء الإمام الحاكم في «مستدركه» ؛ إذ يقول (٣) :

«ليعلم طالب الحديث ؛ أنّ تفسير الصحابيّ الذي شهد الوحي والتنزيل ـ عند الشيخين ـ حديث مسند».

ولكن قيد ابن الصّلاح والنّوويّ وغيرهما هذا الإطلاق بما يرجع إلى أسباب النّزول ، وما لا مجال للرّأي فيه.

__________________

(١) راجع : «حبر الأمة عبد الله بن عباس» ١٤٦ وما بعدها.

(٢) «مقدمة في أصول التفسير» ص ١٥.

(٣) راجع : «تدريب الراوي» ص ٦٤ ، «التفسير والمفسرون» للذهبي ١ / ٩٤.

٦٠