تفسير الثعالبي - ج ١

عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف أبي زيد الثعالبي المالكي

تفسير الثعالبي - ج ١

المؤلف:

عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف أبي زيد الثعالبي المالكي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧

٩ ـ محمد بن علي بن جعفر الشمس ، العجلوني ، ثم القاهري ، الشافعي الصوفي ، ويعرف بالبلالي (١) ـ بكسر الموحدة ثم لام خفيفة ـ :

ولد قبل الخمسين وسبعمائة ، واشتغل بتلك البلاد قليلا ، ولازم أبا بكر الموصلي ، فانتفع به وبغيره ، وتميز في التصوف ، ولازم النظر في «الإحياء» بحيث كاد يأتي عليه حفظا ، وصارت له به ملكة قوية بحيث اختصره اختصارا حسنا جدا. وكان بالنسبة لأصله كالحاوي مع الرافعي ، وانتفع به الناس وأقبلوا على تحصيله سيما المغاربة وقرىء عليه غير مرة ، وربما استكثر عليه ، وكذا صنف «السول في شيء من أحاديث الرسول» ، واختصر «الروضة» ولكن لم يكملا ، واختصر «الشفا» ، وعمل مختصرا بديعا في الفروع ، وقرض السيرة النبوية لابن ناهض. وعرف بالخير والصلاح قديما ، واشتهر بالتعظيم في الآفاق ، وحسنت عقيدة الناس فيه ، واستقدمه سودون الشيخوني نائب السّلطنة في حدود التسعين ، وولاه مشيخة سعيد السعداء ، فدام بها نحو ثلاثين سنة لم يزل عنها إلا مرة بخادمها خضر ؛ لقيام تمراز نائب الغيبة في الأيام الناصرية فرج ولم يمض سوى عشرة أيام ، ثم جيء بالقبض عليه ، وعد ذلك من كرامات البلالي ، ثم أعيد. وكان كثير التواضع إلى الغاية منطرح النفس جدا ، مشهورا بذلك ، كثير البذل لما في يده ، شديد الحياء ، كثير العبادة والتلاوة والذكر ، سليم الباطن جدّا بحيث كان كثير من الناس يتكلم فيه بسبب ما له من المباشرات بالخانقات وتؤثر عنه كرامات وخوارق. ذكره ابن حجر في معجمه بما هذا حاصله ، قال : وكان يودني كثيرا ، وأجاز في استدعاء ابني محمد ، وذكر أنه ضاع منه مسموعاته. وكذا ذكره في «الإنباء» باختصار ، وأنه استقر في مشيخة سعيد السعداء مدة متطاولة مع التّواضع الكامل ، والخلق الحسن وإكرام الوارد. واختصر «الإحياء» فأجاد ، وطار اسمه في الآفاق ، ورحل إليه بسببه ، ثم صنف تصانيف أخرى. وكانت له مقامات وأوراد ، وله محبون معتقدون ، ومبغضون منتقدون. ونحوه قول المقريزي : كان معتقدا وله شهرة طارت في الآفاق ، وللناس فيه اعتقاد ، وعليه انتقاد. مات في يوم الأربعاء رابع عشر شوال سنة عشرين ، ودفن بمقابر الصوفية بعد شهود ابن حجر الصلاة عليه ، وقد جاز السبعين. وهو في عقود المقريزي ، وقال : كان كثير الذكر ، متواضعا إلى الغاية بحيث لما اجتمعت به قبل يدي مرارا ، وقدم إليّ نعلي لما انصرفت عنه ، وهذه سيرته مع كل أحد ، وحضرت عنده وظيفة الذكر بعد العشاء بالخانقاه ، وكان يرى رفع الصوت به ويعلل ذلك ،

__________________

(١) ينظر : «الضوء اللامع» (٨ / ١٧٨)

٢١

كثير الحياء يديم التلاوة مع سلامة الباطن ، وله محبون يؤثرون عنه كرامات وخوارق ؛ رحمه‌الله.

وسمع منه الثعالبي ب «مصر».

١٠ ـ عمر بن محمد القلشاني (١) ـ بفتح القاف وسكون اللام ثم معجمة أو جيم ـ المغربي ، التونسي ، الباجي الأصل ـ «باجة تونس» لا «الأندلس» فتلك منها شارح «الموطأ» ـ المالكي والد قاضي الجماعة محمد وأخو أحمد. أخذ عن أبيه وغيره ، وولي قضاء الجماعة بتونس ، واقرأ الفقه ، والأصلين ، والمنطق ، والمعاني والبيان والعربية. وحدث بالبخاري عن أبي عبد الله بن مرزوق ، وشرح «الطوالع» شرحا حسنا لم يكمل انتهى منه أكثر من مجلد إلى الإلهيات ، وأخذ عنه خلق ، منهم ولده ، وإبراهيم الأخضري ، وغالب الأعيان ، وأبو عبد الله التريكي وآخرون ممن لقيناهم كابن زغدان ، وكانت ولايته أولا قضاء الأنكحة ببلده كأبيه ، ثم قضاء الجماعة بعد موت أبي القاسم القسنطيني ، وكان يكون بينهما ما بين الأقران فدام به قليلا حتى مات في سنة ثمان وأربعين. وهناك من أرخه في سنة سبع وسمى جده عبد الله ، وكان أبو القاسم قام على أخيه أحمد بسبب ما وقع منه من نقل كلام بعض المفسرين في قصة آدم عليه‌السلام وأفتى بقتله ، بل أفتى أخوه أيضا بذلك قبل علمه به ، فلما تبين أنه أخوه قام في الدفع عنه ، وكان فصيحا في التقرير بحيث يستفيد منه من يكون بمجلسه من الأعلى والأدنى ، ولا يمكن كبير أحد من الكلام ، وقد قيل : إن سبب دخوله في القضاء أن عمه أحمد لم يسر سير ابن عقارب الذي كان قبله ، فعز على الملك ، واقتضى رأيه صرفه بابن أخيه هذا ، وحصل لعمه نكاية عظيمة ولكن أعطوه إمامة جامع «الزيتونة» ، واستمر حتى مات ، فالله أعلم.

وسمع منه الثعالبي بعد رجعته إلى «تونس».

١١ ـ علي بن موسى البجائي ، أحد شيوخ عبد الرحمن الثعالبي ابن عبد الله بن محمد بن هيدور التادلي (٢) :

كان إماما في الفرائض والحساب ، حسن الخط كثير التقييد ، له مسائل في فنون ، شرح تلخيص ابن البناء ، وقيد على رفع الحجابلة ، توفي عام ستة عشر وثمانمائة.

__________________

(١) ينظر ترجمته في : «الضوء اللامع» (٦ / ١٣٧)

(٢) ينظر ترجمته في : «نيل الابتهاج» (٣٣٣)

٢٢

وسمع منه الثعالبي ب «بجاية».

١٢ ـ البساطي (١) ـ محمد بن أحمد بن عثمان بن نعيم بن مقدم البساطي شمس الدين أبو يوسف القاضي المصري المالكي ولد سنة (٧٥٦) وتوفي سنة (٨٤٢) اثنتين وأربعين وثمانمائة. من تصانيفه : توضيح المعقول وتحرير المنقول في شرح منتهى السول والأمل لابن الحاجب ، حاشية على شرح المواقف ، حاشية على شرح لوامع الأسرار للتحتاني في المنطق والحكمة ، حاشية على المطول ، الرد الوافر على ابن الناصر ، روضة المجالس وأنس الجالس ، شرح الألفية لابن مالك ، شرح البديعية لابن حجة ، شرح التائية لابن الفارض ، شرح قصيدة البردة ، شفاء العليل شرح مختصر الشيخ الخليل في الفروع قصة الخضر عليه‌السلام ، محاضرات خواص البرية في ألغاز الفقهية ، المغني في الفروع ، المفاخرة بين الدمشق والقاهرة ، مقدمة في الأصول ، مقدمة في الكلام ، نكت على طوالع الأنوار للبيضاوي في الكلام.

وسمع منه الثعالبي أثناء رحلته ، وذلك ب «مصر» حرسها الله!!

١٣ ـ أبو الحسن علي بن محمد البليليتي (٢) :

وسمع منه الثعالبي ب «بجاية».

١٤ ـ أبو يوسف يعقوب الزغبي (٣) :

وسمع منه ب «تونس».

وأما شيوخه الذين لم يذكرهم في رحلته ، فقد ذكر التنبكي في «نيل الابتهاج» منهم ثلاثة ، وهم :

١ ـ عبد الله بن مسعود التونسي (٤) :

شهر بابن قرشية ، قال ابن حجر : أخذ عن والده ، وقرأت بخطه أن من شيوخه الإمام ابن عرفة ، وقاضي الجماعة أحمد بن محمد بن حيدرة ، وأحمد بن إدريس الزواوي ، وأبا الحسن محمد بن أحمد البطروني ، وأبا العباس أحمد بن مسعود بن غالب القيسي ، وتوفي

__________________

(١) ينظر ترجمته في : «هدية العارفين» (١٩٢)

(٢) ينظر : «نيل الابتهاج» (٢٥٨)

(٣) ينظر : «نيل الابتهاج» (٢٥٨) ، و «شجر النور الزكية» (٢٦٥) ، وفيه «الزعبي» بالعين المهملة.

(٤) ينظر ترجمته في : «نيل الابتهاج» (٢٣٠) ، و «الضوء اللامع» (٣ / ٧٠)

٢٣

سنة سبع وثلاثين وثمانمائة.

٢ ـ عبد العزيز بن موسى بن معطي العبدوسي (١) :

الإمام الحافظ الفقيه المحدث العلامة الجليل ، حامل لواء المذهب والحفظ في وقته ، أبو القاسم شيخ الإسلام ابن شيخ الإسلام أبي عمران العبدوسي الفاسي نزيل «تونس» ، أخذ عن أبيه وغيره ، ووصل في قوة الحافظة الدرجة العظمى ، قال القاضي أبو عبد الله بن الأزرق : كتب إليّ الشيخ الفقيه الجليل أحد المفتيين بتونس أبو عبد الله الزلديوي يعرفني حاله بالحفظ فيما يقضي منه العجب من الغرابة ، قال : ورد علينا في أخريات عام سبعة عشر وثمانمائة الفقيه العالم الحافظ أبو القاسم ابن الشيخ الإمام أبي عمران موسى العبدوسي بكتاب في يده من قبل الإمام أبي عبد الله محمد بن مرزوق ، ويقول لنا فيه : يرد عليكم حافظ المغرب الآن ، فقلنا : لعل ذلك من تعسيل الإخوان لإخوانهم في الوصيّة بهم ، فلما اجتمعنا به ، وأقام عندنا أزيد من عام رأينا منه العجب العجاب من حفظ لا نتوهّم يكون لأحد لما رأينا في بلادنا إفريقيا ومجالس أشياخنا بتونس وبجاية ، كان عندنا بتونس الشيخ أبو القاسم البرزلي له أهل زماننا في حفظ الفقه ، وأشياخ المدونة والناس دونه في ذلك ، وببجاية الشيخ الفقيه أبو القاسم المشذالي حضرنا مجالسهم ، فما رأينا ولا سمعنا من يشبه العبدوسي في حفظه ، وعلمنا صدق ابن مرزوق فيما وصفه به ، وأن من ورعه ألا يذكر ولا يكتب إلا بما تحقق ؛ كما قال الشاعر : [الطويل]

فلمّا التقينا صدّق الخبر الخبر

وقال الآخر : [منهوك الرجز]

بل صغّر الخبر الخبر

وقال الونشريسي في تحليته : إنه الفقيه الحافظ المدرس المحدث الصدر الراوية المعتبر الأرفع الأفضل ـ ا ه.

وقال الشيخ الرصاع : شيخنا الإمام العلامة المحدث الصالح الرباني يقال : اجتمع ليلة في جهاز بالشيخ أبي القاسم البرزلي ، وهو أعمى ، ولما تكلم العبدوسي قال له البرزلي : أهلا بواعظ بلدنا ، فقال له العبدوسي : قل وفقيهها ، فسكت البرزلي ، فعد ذلك من رجلة العبدوسي وسرعة جوابه ، رحمهم‌الله تعالى ـ ا ه.

__________________

(١) ينظر ترجمته في : (٢٧٠) ، (٣٧١) ، و «شجرة النور الزكية» (٢٥٢)

٢٤

ونقل عنه ابن ناجي في «شرح المدونة» ، والشيخ الثعالبي في شرح ابن الحاجب ، وذكر عنه أنه قال : لا يلزم البراذعي مما تعقب به إلا حيث خالف ما في روايته من الأمهات عن موسى بن عقبة. وذكر الونشريسي في وفياته أنه توفي بتونس في التاسع والعشرين في ذي القعدة عام سبعة وثلاثين وثمانمائة.

٣ ـ عبد الواحد الغرياني (١) :

تلاميذه :

أخذ عن الإمام الثعالبي جماعة من أهل العلم منهم :

١ ـ محمد بن محمد بن أحمد بن الخطيب ، الشهير محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق (٢).

العجيسي التلمساني ، عرف بالكفيف ، ولد الإمام أبي الفضل قطب المغرب الحفيد ابن مرزوق شارح «المختصر» ، كان ولده صاحب الترجمة إماما عالما علامة ، وصفه ابن داود البلوي بشيخنا الإمام ، علم الأعلام ، فخر خطباء الإسلام ، سلالة الأولياء وخلف الأتقياء ، المسند الراوية المحدث ، العلامة القدوة الحافل الكامل ، أبو عبد الله ابن سيدنا شيخ الإسلام ، خاتمة العلماء الأعلام ، الحبر البحر ، الناقد النافذ النّحرير ، المشاور العمدة الكبير ، ذي التصانيف العديدة ، والأنظار السديدة ، أبي عبد الله بن مرزوق.

أخذ العلم عن جماعة منهم : أبو شيخ الإسلام ، قرأ عليه «الصحيح» ، و «الموطأ» وغير كتاب من تآليفه وغيرها ، وتفقه عليه وأجازه ما يجوز له وعنه روايته. والإمام العالم ، النظار الحجة ، أبو الفضل ابن الإمام ، والإمام العلامة قاضي الجماعة المعمر المشاور أبو الفضل قاسم العقباني ، والأستاذ المقرئ العالم أحمد بن محمد بن عيسى اللجائي الفاسي ، والإمام العالم والولي الصالح المحدث عبد الرحمن الثعالبي ، والإمام العالم الفقيه النظار أبو عبد الله محمد بن قاسم المشذالي ، والإمام قاضي الجماعة العالم المحقق أبو عبد الله بن عقاب الجذامي التونسي ، والإمام العالم الراوية الرحال ، قاضي الأنكحة أبو محمد عبد الله بن سليمان بن قاسم البجيري التونسي. قرأ وسمع عليهم ، وأجازوه عامة ، وأجازه مكاتبة من شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر مع أولاد مرزوق عام تسعة وعشرين ،

__________________

(١) ينظر : «نيل الابتهاج» (٢٥٩) ، و «شجرة النور الزكية» (٢٦٥)

(٢) ينظر ترجمته في : «نيل الابتهاج» (٥٧٤)

٢٥

ومولده ليلة الثلاثاء غرة ذي القعدة عام أربع وعشرين وثمانمائة.

قال التنبكي : ومن شيوخه الإمام ابن العبّاس ، قال السخاوي : قدم صاحب الترجمة «مكة» فعرض عليه ظهيرة ، وأخذ عنه في الفقه وأصوله ، والعربية والمنطق في سنة إحدى وستين ، وسمعت في إحدى وسبعين أنه حي ـ ا ه.

وفي «وفيات الونشريسي» أن وفاته عام أحد وتسعمائة ، ووصفه بالفقيه الحافظ المصقع. وأخذ عنه الخطيب ابن مرزوق ابن أخته ، وابن العباس الصغير ، ووصفه بشيخنا علم الأعلام وحجة الإسلام آخر حفاظ «المغرب» ، قرأت عليه الصحيحين وبعض مختصري ابن الحاجب الأصلي والفرعي ، وحضرت عليه جملة من «التهذيب» و «الخونجي» وغيرها.

وبالإجازة ابن غازي نقل عنه في «المازونية».

٢ ـ محمد بن يوسف بن عمر شعيب السنوسي (١) :

وبه اشتهر نسبة لقبيلة بالمغرب ، الحسني ، نسبة للحسن بن علي بن أبي طالب من جهة أم أبيه ، قاله تلميذه الملالي في تأليفه التلمساني ، عالمها ، وصالحها ، وزاهدها ، وكبير علمائها ، الشيخ ، العلامة المتفنن ، الصالح الزاهد العابد ، الأستاذ المحقّق المقرئ ، الخاشع : أبو يعقوب يوسف.

نشأ خيرا مباركا فاضلا صالحا ، أخذ (كما قال تلميذه الملالي) عن جماعة ، منهم : والده المذكور ، والشيخ العلامة نصر الزواوي ، والعلامة محمد بن توزت ، والسيد الشريف أبو الحجاج يوسف بن أبي العباس بن محمد الشريف الحسني ، أخذ عنه القراءات ، وعن العالم المعدل أبي عبد الله الحباب علم الأسطرلاب ، وعن الإمام محمد بن العباس الأصول والمنطق ، وعن الفقيه الجلاب الفقه ، وعن الولي الكبير الصالح الحسن أبركان الراشدي حضر عنده كثيرا ، وانتفع به وببركته ، وكان يحبه ويؤثره ويدعو له ، فحقق الله فيه فراسته ودعوته ، وعن الفقيه الحافظ أبي الحسن التالوتي أخيه لأمه «الرسالة» ، وعن الإمام الورع الصالح أبي القاسم الكنابشي «إرشاد» أبي المعالي والتوحيد ، وعن الإمام الحجة الورع الصالح أبي زيد الثعالبي «الصحيحين» وغيرهما من كتب الحديث ، وأجازه ما يجوز له وعنه ، وعن الإمام العالم العلامة الولي الزاهد الناصح إبراهيم التازي ، وروى عنه أشياء

__________________

(١) ينظر ترجمته في : «نيل الابتهاج» (٥٦٣)

٢٦

كثيرة من المسلسلات وغيرها. وعن العالم الأجلّ الصالح أبي الحسن القلصادي الأندلسي الفرائض والحساب ، وأجازه جميع ما يرويه وغيرهم. وكان آية في علمه وهديه ، وصلاحه وسيرته ، وزهده وورعه وتوقيه.

جمع تلميذه الملالي في أحواله وسيره وفوائده تأليفا كبيرا في نحو ستة عشر كراسا من القالب الكبير.

وكان حليما ، كثير الصبر ، ربما يسمع ما يكره فيتعامى عنه ولا يؤثر فيه ، بل يتبسم ، وهذا شأنه في كل ما يغضبه ولا يلقي له بالا ، ولا يحقد على أحد ، ولا يعبس في وجهه ، يفاتح من تكلم في عرضه بكلام طيب وإعظام حتى يعتقد أنه صديقه ، وقع له ممن يدعي أنه أعلم أهل الأرض كلام ينقصه ، فما بالى به ، ولما ألّف بعض عقائده أنكر عليه كثير من علماء أهل وقته ، وتكلموا بما لا يليق ، فتغير لذلك كثيرا وحزن أياما ، ثم رأى في منامه عمر بن الخطاب واقفا على رأسه بيده سيف أو عصا ، فهزها على رأسه وهدده بها ، وكأنه قال : ما هذا الخوف من الناس. فأصبح قد زال حزنه ، واشتدّ قلبه على المنكرين ؛ فخرست حينئذ ألسنتهم ، فحلم عنهم وسمح ، فأقروا بفضله.

وكان من عاداته أنه إذا صلى الصبح في مسجده وفرغ من ورده ، أقرأ العلم إلى وقت الفطور المعتاد ، ثم خرج ووقف مع الناس ساعة بباب داره ثم دخل وصلى الضحى قدر قراءة عشرة أحزاب ، ثم اشتغل بالمطالعة في وقت طول النهار ، وإلا ربما زالت الشمس وهو في الضحى ، وخرج بعد الزوال للخلوات ، فلا يرجع إلا للغروب ، أو يبقى في بيته فيتوضأ ويصلي أربع ركعات ، ثم خرج لمسجده وصلى بالناس الظهر وتنفل أربعا ، ويقرىء ثم يتنفل وقت العصر أربعا ، ويصلي العصر ويقرأ ، أو يخرج لداره. واشتغل بالورد إلى الغروب ، ثم خرج للمغرب وتنفل بست ركعات ، ويبقى هناك حتى يصلي العشاء ، ويقرأ ما تيسر ورجع لداره ونام ساعة ، ثم اشتغل بالنظر أو النسخ ساعة وتوضأ ، ويصلي باقيا فيها ، أو في ذكر لطلوع الفجر ، هذا أكثر حاله.

وأما وعظه ، فكان يقرع الأسماع ، وتقشعر منه الجلود ، كل من حضر يقول : معي يتكلم ، وإياي يعني ، جله في الخوف والمراقبة وأحوال الآخرة ، لا تخلو مجالسه منه مع حلاوة له ، لا توجد في كلام غيره ، يعظ كل أحد بحسب حاله ، ما رؤي قط إلا وشفتاه متحركتان بالذكر ، وربما يكلمه إنسان وهو يذكر الله تعالى ، وتسمع لقلبه أنينا من شدة خوفه ومراقبته على الدوام ، كان يقول : حقيقة العبودية امتثال الأمر ، واجتناب النهي مع كمال الذلة والخضوع.

٢٧

وكان ـ رحمه‌الله ـ أورع زمانه ، يبغض الاجتماع بأهل الدنيا والنظر إليهم وقربهم ، وأتاه في مرضه بعض من يذمه من علماء عصره ، فطلب منه أن يسمح له ، فغفر له ودعا له ، ولما مات بكى عليه هذا العالم شديدا وتألم ، ومتى ذكره بكى ويقول : فقدت الدنيا بفقده ، كان يثني كثيرا على رجلين من علماء عصره ممن يذمونه ويسيئون إليه ، وكان يصلح بين الخصام ، ويقضي الحوائج ، ذكر أنه كتب يوما ثلاثين كتابا بلا فترة ، قال : «كلفني بها إنسان لم أقدر على ردها». ولو كان إنسان ينسخ مثل هذا في كل يوم لظفر بعدة أسفار ، وهذه مصائب ابتلينا بها.

ومن صبره كثرة وقوفه مع الخلق ، ولا يفارق الرجل حتى ينصرف. وهذا كله مع إدامة الطاعات وسواء الطريقة وشدة التّحرّز والإسراع بوفاء حقوق العباد قبل استحقاقها ، إذا أعار كتابا رده في أقرب مدة قبل طلب صاحبه ، وربما كان سفرا ضخما لا يمكن مطالعته إلا في ثلاثة أيام ، فيطالعه يوما واحدا ويرده.

وكان يأمر أهله بالصّدقة سيما وقت الجوع ويقول : من أحب الجنة فليكثر الصدقة ؛ خصوصا في الغلاء ، كثير التصدق بيده ، ويكثر الخروج للخلوات ومواضع الخرب الباقية آثارها للاعتبار ، وإذا رأى ما كان منها متقنا ذكر حديث : «رحم الله عبدا صنع شيئا فأتقنه» ويقول : أين سكانها؟ وكيف يتنعمون؟.

وأما تآليفه فقال الملالي : منها شرحه الكبير على «الحوفية» المسمى «المقرب المستوفى» كبير الجرم ، كثير العلم ، ألفه وهو ابن تسعة عشر عاما ، ولما وقف عليه شيخه الحسن أبركان تعجب منه ، وأمر بإخفائه حتى يكمل سنه أربعين سنة ؛ لئلا يصاب بالعين ، ويقول له : لا نظير له فيما أعلم ، ودعا لمؤلفه ، وعقيدته الكبرى سماها «عقيدة التوحيد» في كراريس من القالب الرباعي ، أول ما صنفه في الفن ، ثم شرحها ، ثم الوسطى وشرحها في ثلاثة عشر كراسا ، ثم الصغرى وشرحها في ست ، وهي من أجل العقائد ؛ لا تعادلها عقيدة ، كما أشار إليه هو. حدثني بعضهم أنه مات قريبه وكان صالحا ، فرآه في النوم. فسأله عن حاله فقال : دخلت الجنة فرأيت إبراهيم الخليل (عليه‌السلام) يقرىء صبيانا عقيدة السنوسي ، يدرسونها في الألواح يجهرون بقراءتها ـ ا ه.

قال الشيخ : لا شك أنه لا نظير لها فيما علمت ، تكفي من اقتصر عليها عن سائر العقائد ، وقد نظم سيدي محمد بن يحبش التازي في مدحها أبياتا ، وعقيدته المختصرة أصغر من الصغرى ، وشرحها أربع كراريس ، وفيه فوائد ونكت ، والمقدمات المبينة لعقيدته الصغرى قريبة منها جرما ، وشرحها خمس كراريس ، وشرح الأسماء الحسنى في كراريس ،

٢٨

وشرحه الكبير على الجزيرية فيه نكت نفيسة ، ومختصر الأبي على مسلم في سفرين فيه نكت حسنة ، وشرح «ايسا غوجي» في المنطق ، تأليف البرهان البقاعي كثير العلم ، ومختصره العجيب فيه زوائد على «الخونجي» وشرحه الحسن جدا ، وشرح قصيدة الحباك في الأسطرلاب شرح جليل ، وشرح أبيات الإمام الاليري في التصوف ، وشرح الأبيات التي أولها : تطهر بماء الغيب ، وشرحه العجيب على البخاري وصل فيه إلى باب «من استبرأ لدينه» ، وشرح مشكلات البخاري في كراسين ، ومختصر الزركشي على البخاري.

ومنها عقيدة أخرى فيها دلائل قطعية على من أثبت تأثير الأسباب العادية ، كتبها لبعض الصالحين ، ومختصر «حاشية التفتازاني» على «الكشاف» ، و «شرح مقدمة الجبر والمقابلة» لابن الياسمين ، وشرح «جمل» الخونجي في المنطق ، و «شرح مختصر ابن عرفة» ، فيه حل صعوبته ، وقال لي : إن كلامه صعب سيما هذا المختصر تعبت كثيرا في حله ؛ لصعوبته إلى الغاية ، لا أستعين عليها إلا بالخلوة.

ومنها شرح رجز ابن سينا في الطب لم يكمل ، ومختصر في القراءات السبع ، وشرح «الشاطبية» الكبرى لم يكمل ، وشرح «الوغليسية» في الفقه لم يكمل ، ونظم في الفرائض ، واختصار «رعاية» المحاسبي ، ومختصر «الرّوض الأنف» للسهيلي لم يكمل ، ومختصر «بغية السالك في أشرف المسالك» للساحلي ، وشرح «المرشدة» و «الدر المنظوم» في شرح «الجرومية» ، وشرح «جواهر العلوم» للعضد في علم الكلام على طريقة الحكماء ، وهو كتاب عجيب جدا في ذلك ، إلا أنه صعب متعسّر على الفهم جدا ، وتفسير القرآن إلى قوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) في ثلاثة كراريس ، ولم يمكن له التفرغ له ، وتفسير سورة «ص» وما بعدها ، فهذا ما علمت من تآليفه مع ما له من الفتاوى والوصايا والرسائل والمواعظ ، مع كثرة الأوراد وقضاء الحوائج والإقراء ـ ا ه.

وقد أخذ عنه أعلام كابن صعد ، وأبي القاسم الزواوي ، وابن أبي مدين ، والشيخ يحيى بن محمد ، وابن الحاج البيدري ، وابن العباس الصغير ، وولي الله محمد القلعي ريحانة زمانه ، وإبراهيم الوجديجي وابن ملوكة ، وغيرهم من الفضلاء.

وتوفي يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأخيرة عام خمسة وتسعين وثمانمائة ، وشم الناس المسك بنفس موته ، رحمه‌الله. مولده بعد الثلاثين وثمانمائة.

٣ ـ أبو العباس أحمد بن عبد الله الجزائري الزواوي (١) ، الشيخ الإمام الفاضل ،

__________________

(١) ينظر ترجمته في : «شجرة النور الزكية» (٢٦٥)

٢٩

العالم العامل ، الولي الصالح الكامل. أخذ عن أبي زيد الثعالبي وغيره ، وعنه الشيخ زروق وغيره. ألف اللامية المشهورة في العقائد ، شرحها الشيخ السنوسي ، وأثنى على ناظمها بالعلم والصّلاح. توفي سنة ٨٨٤ ه‍.

٤ ـ محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي (١) :

التلمساني خاتمة المحققين ، الإمام العالم ، العلامة الفهامة ، القدوة الصالح السني ، أحد الأذكياء ، ممن له بسطة في الفهم والتقدم ، متمكن المحبة في السنة وبغض أعداء الدين ، وقع له بسبب ذلك أمور مع فقهاء وقته حين قام على يهود «توات» ، وألزمهم الذل ، بل قتلهم وهدم كنائسهم ، ونازعه في ذلك الفقيه عبد الله العصنوني قاضي «توات» ، وراسلوا في ذلك علماء «فاس» و «تونس» و «تلمسان» ، فكتب في ذلك الحافظ التنسي كتابة مطولة ، بصواب رأي صاحب الترجمة ، ووافقه عليها الإمام السنوسي.

دخل بلاد «أهر» وبلاد «تكدة» ، واجتمع بصاحبها ، وأقرأ أهلها وانتفعوا به ، ثم دخل بلاد «كنو وكشن» من بلاد السودان ، واجتمع بصاحب «كنو» واستفاد عليه ، وكتب رسالة في أمور السلطنة يحضه على اتباع الشرع ، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وقرر لهم أحكام الشرع وقواعده.

ثم رحل لبلاد «التكرور» ، فوصل إلى بلدة «كاغو» ، واجتمع بسلطانها ساسكي محمد الحاج ، وجرى على طريقته من الأمر بالمعروف ، وألف له تأليفا أجابه فيه عن مسائل ، وبلغه هناك قتل ولده بتوات من جهة اليهود ، فانزعج لذلك ، وطلب من السلطان قبض أهل توات الذين بكاغو حينئذ ، فقبض عليهم ، وأنكر عليه أبو المحاسن محمود بن عمر ؛ إذ لم يفعلوا شيئا ، فرجع عن ذلك ، وأمر بإطلاقهم ، ورحل لتوات فأدركته المنية بها ، فتوفي هناك سنة تسع وتسعمائة.

ويقال : إن بعض ملاعين اليهود أو غيرهم مشى لقبره فبال عليه فعمي مكانه ، وكان ـ رحمه‌الله ـ مقداما على الأمور ، جسورا جريء القلب ، فصيح اللسان ، محبا في السنة جدليا نظارا محققا.

له تآليف منها : «البدر المنير في علوم التفسير» ، و «مصباح الأرواح في أصول الفلاح» كتاب عجيب في كراسين أرسله للسنوسي ، وابن غازي ، فقرظاه ، وشرح «مختصر

__________________

(١) ينظر ترجمته في : «نيل الابتهاج» (٥٧٦) ، و «بروكلمان» (٢ / ٣٦٣)

٣٠

خليل» سماه «مغني النبيل» ، اختصر فيه جدا ، وصل فيه للقسم بين الزوجات ، وله عليه قطع أخر من البيوعات وغيرها ، بل قيل : إنه شرح ثلاثة أرباع المختصر ، وحاشية عليه سماها «إكليل المغني» ، وشرح بيوع الآجال من ابن الحاجب ، فبحث فيه مع ابن عبد السلام وخليل ، وتأليف في المنهيات ، ومختصر «تلخيص المفتاح» وشرحه ، و «مفتاح النظر» في علم الحديث ، فيه أبحاث مع النووي في تقريبه ، وشرح «الجمل» في المنطق ، ومقدمة فيه ، ومنظومة فيه سماها «منح الوهاب» ، وثلاثة شروح عليها.

وله أيضا «تنبيه الغافلين عن مكر الملبسين بدعوى مقامات العارفين» ، وشرح خطبة المختصر ، ومقدمة في العربية ، وكتاب «الفتح المبين» ، وفهرسة مروياته ، وعدة قصائد ، كالميمية على وزن البردة ورويّها في مدحه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

أخذ عن الإمام عبد الرحمن الثعالبي ، والشيخ يحيى بن بدير ، وغيرهما ، وأخذ عنه جماعة ، كالفقيه أيد أحمد ، والشيخ العاقب الأنصمني ، ومحمد بن عبد الجبار الفيجي وغيرهم.

ووقع له مراسلة مع الجلال السيوطي في علم المنطق ، فمما كتب للسيوطي فيه قوله : [من الطويل]

سمعت بأمر ما سمعت بمثله

وكلّ حديث حكمه حكم أصله

أيمكن أنّ المرء في العلم حجّة

وينهى عن الفرقان في بعض قوله

هل المنطق المعنيّ إلّا عبارة

عن الحقّ أو تحقيقه حين جهله

معانيه في كلّ الكلام وهل ترى

دليلا صحيحا لا يردّ لشكله

أرنّي هداك الله منه قضيّة

على غير هذا تنفها عن محلّه

ودع عنك أبداه كفور وذمّة

رجال وإن أثبتّ صحّة نقله

خذ الحقّ حتّى من كفور ولا تقم

دليلا على شخص بمذهب مثله

عرفناهم بالحقّ لا العكس فاستبن

به لا بهم إذ هم هداة لأجله

لئن صحّ عنهم ما ذكرت فكم هم

وكم عالم بالشّرع باح بضلّه

 ... في أبيات أخرى ، فأجابه السيوطيّ بقوله : [من الطويل]

حمدت إله العرش شكرا لفضله

وأهدي صلاة للنّبيّ وأهله

عجيب لنظم ما سمعت بمثله

أتاني عن حبر أقرّ بنبله

٣١

تعجّب منّي حين ألّفت مبدعا

كتابا جموعا فيه جمّ ب

نقله أقرّر فيه النّهي عن علم منطق

لما قاله الأعلام من ذمّ

شكله وسمّاه بالفرقان يا ليت لم يقل

فذا وصف قرآن كريم ل

فضله وقال فيه فيما يقرر رأيه

مقالا عجيبا نائيا عن مح

لّه : ودع عنك أبداه كفور وبعد ذا

خذ الحقّ حتّى من كفور ب

ختله وقد جاءت الآثار في ذمّ من حوى

علوم يهود أو نصارى ل

أجله يعزّز به علما لديه وأنّه

يعذّب تعذيبا يليق ب

فعله وقد منع المختار فاروق صحبه

وقد خطّ لوحا بعد توراة

أهله وقد جاء من نهي اتّباع لكافر

وإنّ كان ذاك الأمر حقّا ب

أصله أقمت دليلا بالحديث ولم أقم

دليلا على شخص بمذهب

مثله سلام على هذا الإمام فكم له

لديّ ثناء واعتراف بفضله ـ ا ه ـ

٥ ـ علي بن محمد التالوتي الأنصاري أخو الإمام محمد بن يوسف السنوسي لأمه (١) :

قال تلميذه الملالي : شيخنا ، الفقيه ، الحافظ ، المتقن ، العالم ، المتفنن ، الصالح ، أبو الحسن ، كان محقّقا متقنا حافظا يحفظ كتاب ابن الحاجب ، ويستحضره بين عينيه ، قل أن ترى مثله حافظا ، قرأ عليه أخوه محمد السنوسي «الرسالة» في صغره ، وكان من أكابر أصحاب الحسن أبركان ، ما رأيته قط مشتغلا بما لا يعنيه ، بل إما ذاكرا أو قارئا للقرآن أو مشتغلا بمطالعة أو نحوه ، يحفظ «الرسالة» و «ابن الحاجب» ، و «التسهيل» لابن مالك ، وغيرها ، جعل له وردا كل يوم ، قرأت عليه «ابن الحاجب» قراءة بحث وإفادة ، وسألته عن وضع الكتاب في الأرض ، فقال : حكى شيخنا الحسن أبركان فيه قولين لمتأخري أهل «تونس» و «بجاية» جوازا ومنعا ، وسألته عن مستند الناس في عادتهم من عدم أخذ الرجل المقص من صاحبه بل يضعه على الأرض فيأخذه حينئذ ، فقال : سألت عنه شيخنا الحسن أبركان فقال : هكذا رأينا شيوخنا يفعلون ، ثم قال سيدي علي : ولعلّه علم نسبي ـ ا ه.

قال التنبكي : وقد ذكر السيد الشريف السمهودي الشافعي في كتابه «جواهر العقدين» حكمة منعه عن بعض شيوخه فانظره فيه ، قال الملالي : وسألته عن الوتر جالسا قال : فيه قولان بالجواز وعدمه ، وذكر أخوه السنوسي أنه يؤخذ جوازه جالسا من قول «المدونة» : أنه

__________________

(١) ينظر ترجمته في : «نيل الابتهاج» (٣٤١) ، و «شجرة النور الزكية» (٢٦٦)

٣٢

يوتر في سفره على الدّابّة ـ اه.

وهذا الأخذ نقله ابن ناجي عن بعض الشيوخ ، قال الملالي : رأيت بخطّه عن بعض الصالحين ؛ أن من نزل منزلا وجمع أثقاله وخط على حواليها خطّا وهو في داخل الخط ، ويقول في داخله ثلاثا : الله الله ربي لا شريك له ، لم يضره لصّ ولا عدوّ ولا غيره ، ويكون مع ثقله في حرز الله ، وهو مجرب ـ ا ه. وتوفي في صفر عام خمسة وتسعين وثمانمائة ، ورأى أخوه السنوسي قبل موته في المنام دارا عظيمة فيها فرش مرتفع فقيل له : هي لأخيك عليّ يدخل فيها عروسا ـ ا ه. ـ من الملالي.

٦ ـ علي بن عبّاد التّستريّ البكري الفاسي المغربي : (١)

أخذ عن أبي بكر البرجي الفقه ، وأسئلة كثيرة عن محمد القوري ، وسمع الحديث على عبد الرحمن الثعالبي ، ومن تآليفه «لطائف الإشارات في مراتب الأنبياء في السموات» ، ولد سنة ثلاثين وثمانمائة.

قال التنبكي : وتأليفه المذكور في كراسة ذكر في آخره أنه فرغ منه في ذي الحجة عام ثمانين وثمانمائة.

٧ ـ أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي الشهير بزروق (٢) :

الإمام العالم الفقيه ، المحدث ، الصوفي ، الولي ، الصالح الزاهد ، القطب الغوث العارف بالله ، الحاج الرحلة المشهورة شرقا وغربا ، ذو التصانيف العديدة ، والمناقب الحميدة ، والفوائد العتيدة ، قد عرف بنفسه وأحواله وشيوخه في كناشته وغيرها ، فقال : ولدت يوم الخميس طلوع الشمس ثامن وعشرين من المحرم سنة ست وأربعين وثمانمائة ، وتوفيت أمي يوم السبت بعده وأبي يوم الثلاثاء بعده كلاهما في سابعي ، فبقيت بعين الله بين جدتي الفقيهة أم البنين ، فكفلتني حتى بلغت العشر ، وحفظت القرآن ، وتعلمت صناعة الخرز ، ثم نقلني الله بعد بلوغي سادس عشر إلى القراءة ، فقرأت «الرسالة» على الشيخين : على السطي ، وعبد الله الفخار قراءة بحث وتحقيق ، و «القرآن» على جماعة منهم : القوري ، والزرهوني ، وكان رجلا صالحا ، والمجاصي ، والأستاذ الصغير بحرف نافع ، واشتغلت بالتصوف والتوحيد ، فأخذت «الرسالة القدسية» ، و «عقائد الطوسي» على الشيخ

__________________

(١) ينظر ترجمته في : «نيل الابتهاج» (٣٤٢)

(٢) ينظر ترجمته في : «نيل الابتهاج» (١٣٠)

٣٣

عبد الرحمن المجدولي ، وهو من تلاميذ الأبي ، وبعض «التنوير» على القوري ، وسمعت عليه البخاري كثيرا ، وتفقهت عليه في كل «أحكام عبد الحق الصغرى» ، و «جامع الترمذي» ، وصحبت جماعة من المباركين لا تحصى كثرة بين قفيه وفقير.

وقال فيه الشيخ ابن غازيّ : صاحبنا الأود الخلاصة الصفي ، الفقيه المحدث ، الفقير ، الصوفي البرنسي ، و «برنس» ، بنون مضمومة بعد الراء ، نسبة إلى عرب بالمغرب ، انتهت فهرسته. وقال الحافظ السخاوي : أخذ على القوري ، وكتب على «حكم ابن عطاء الله» ، وعلى «القرطبية» في الفقه ، ونظم «فصول السلمي» ـ ا ه.

قال التنبكي : ومن شيوخه ، كما ذكره هو ، الشيخ الإمام عبد الرحمن الثعالبي ، والولي إبراهيم التازي ، والمشذالي ، والشيخ حلولو ، والسراج الصغير ، والرصاع ، وأحمد بن سعيد الحباك ، والحافظ التنسي ، والإمام السنوسي ، وابن زكري ، وأبو مهدي عيسى المواسي ، وبالمشرق عن جماعة كالنور السنهوري ، والحافظ الدميري ، والحافظ السخاوي ، والقطب أبي العباس أحمد بن عقبة الحضرمي ، وولي الله الشهاب الأنشيطي في جماعة آخرين. وأما تآليفه : فكثيرة يميل إلى الاختصار مع التحرير ، ولا يخلو شيء منها عن فوائد غزيرة ، وتحقيقات مفيدة سيما في التصوف ، فقد انفرد بمعرفته وجودة التأليف فيه ، فمنها شرحان على «الرسالة» ، وشرح «إرشاد ابن عسكر» ، وشرح «مختصر خليل» ، رأيت مواضع منه بخطه عن الأنكحة والبيوع وغيرها ، وشرح «الوغليسية» ، وشرح «القرطبية» ، وشرح «الغافقية» ، وشرح «العقيدة القدسية» للغزالي ، ونيف وعشرون شرحا على الحكم ، وقفت على الخامس عشر والسابع عشر منها ، وأخبرني والدي ـ رحمه‌الله تعالى ـ أن بعض المكيين أخبره ، أن له عليها أربعا وعشرين شرحا ، وشرحان على «حزب البحر» ، وشرح «الحزب الكبير» لأبي الحسن الشاذلي ، وشرح مشكلاته ، وشرح «الحقائق والدقائق» للمقري ، وشرح قطع الششتري وشرح «الأسماء الحسنى» ، وشرح «المراصد» في التصوف لشيخه ابن عقبة ، و «النصيحة الكافية لمن خصّه الله بالعافية». واختصره. و «إعانة المتوجه المسكين على طريق الفتح والتمكين» ، وكتاب «القواعد في التصوف» ، وهذه الثلاثة في غاية النبل والحسن ، سيما الأخير لا نظير له. وكتاب «النصح الأنفع والجنة للمعتصم من البدع بالسنة» ، وكتاب «عدة المريد الصادق من أسباب المقت في بيان الطريق وذكر حوادث الوقت» كتاب جليل فيه مائة فصل بين فيه البدع التي يفعلها فقراء الصّوفية ، وله تعليق لطيف على «البخاري» قدر عشرين كراسا اقتصر فيه على ضبط الألفاظ وتفسيرها ، وجزء صغير في علم الحديث ، وله رسائل كثيرة لأصحابه مشتملة على حكم

٣٤

ومواعظ وآداب ولطائف التصوف مع الاختصار قلّ أن توجد لغيره ، وبالجملة فقدره فوق ما يذكر ، ومن تفرغ فذكر حاله وفوائده وحكمه ورسائله جمع منها مجلدا.

وهو آخر أئمة الصوفية المحققين الجامعين لعلمي الحقيقة والشريعة ، له كرامات عديدة ، وحجّ مرات ، وأخذ عنه جماعة من الأئمة ، كالشمس اللقاني ، والعالم محمد بن عبد الرحمن الحطّاب ، والزين طاهر القسنطيني ، وغيرهم ، وقد أجازني سيدي الشيخ الصوفي أحمد بن أبي القاسم الهروي التادلي ما أجازه شيخه العريف الخروبي تلميذ زروق عنه. توفي ب «تكرين» من عمل «طرابلس» (١) في صفر عام تسعة وتسعين وثمانمائة ، ووجدت منسوبا إليه من نظمه قوله : [الطويل]

ألا قد هجرت الخلق طرّا بأسرهم

لعلّي أرى محبوب قلبي بمقلتي

وخلّفت أصحابي وأهلي وجيرتي

وتيّمت نجلي واعتزلت عشيرتي

ووجّهت وجهي للّذي فطر السّما

وأعرضت عن أفلاكها المستنيرة

وعلّقت قلبي بالمعالي تهمّسا

وكوشفت بالتّحقيق من غير مرية

وقلّدت سيف العزّ في مجمع الوغى

وصرت إمام الوقت صاحب رفعة

وملّكت أرض الغرب طرّا بأسرها

وكلّ بلاد الشّرق في طيّ قبضتي

فملّكنيها بعض من كان عارفا

وخلّفني فيها بأحسن سيرتي

فأرفع قدرا ثمّ أخفض رتبة

لأرفع مقدارا بأرفع حكمتي

وأعزل قوما ثمّ أولي سواهم

وأعلي منار البعض فوق المنصّة

وأجبر مكسورا وأشهر خاملا

وأرفع مقدارا بأرفع همّتي

وأقهر جبّارا وأدحض ظالما

وأنظر مظلوما بسلطان سطوتي

وألهمت أسرارا وأعطيت حكمة

وحزت مقامات العلا المستنيرة

أنا لمريدي جامع لشتاته

إذا ما سطا جور الزّمان بنكبة

وإن كنت في كرب وضيق ووحشة

فناد أيا زروق ، آت بسرعة

فكم كربة تجلى بمكنون عزّنا

وكم طرفة تجنى بأفراد صحبتى

__________________

(١) طرابلس الغرب : بلدة على جانب البحر. ينظر : «مراصد الاطلاع» (٨٨٢)

٣٥

مصنّفات الثّعالبيّ :

لم تحظ أمة من الأمم بمثل ما حظيت به هذه الأمة الإسلامية من تراث تليد ، وأثر حميد ، ذلك أن علماءها قد ملئوا مكتباتها بكتب وأسفار تحمل في صفحاتها وصحيفاتها كل علم نافع ، سواء في الدنيا أو في الآخرة.

ولقد درج الثعالبي ـ رحمه‌الله ـ نفسه ضمن تلك السلسلة المباركة ، من شيوخ هذه الأمة ، فأخرج لنا نفائس الكتب في مختلف العلوم ، إلا أن الذي ذكر لنا في تراجمه لم يكن بالعدد الضخم الذي يبلغ المائة ، ولا ما يزيد ، مثل ما كان عدد مصنفات ابن الجوزيّ مثلا ، فقد قال ابن تيمية عنه : «عددت له ألف مصنف ، ثم رأيت بعد ذلك ما لم أر».

وكانت مصنّفات الثعالبي كما يلي :

أولا : في التفسير :

ـ الجواهر الحسان في تفسير القرآن ، وهو هذا الكتاب.

ثانيا : في الفقه :

١ ـ روضة الأنوار ، جمعه من نحو من ستين من أمهات الدواوين المعتمدة.

٢ ـ جامع الأمهات في أحكام العبادات.

ثالثا : في الحديث :

١ ـ أربعون حديثا مختارة.

٢ ـ المختار من الجوامع.

رابعا : الرقائق وعلوم الآخرة :

١ ـ الأنوار المضيئة في الجمع بين الشريعة والحقيقة.

٢ ـ العلوم الفاخرة في أحوال الآخرة.

٣ ـ كتاب النّصائح.

٤ ـ جامع الفوائد.

٥ ـ الدر الفائق في الأذكار.

٣٦

٦ ـ الإرشاد في مصالح العباد.

خامسا : في القراءات :

ـ شرح منظومة ابن بريّ في قراءة نافع.

سادسا : تهذيب النّفس :

ـ إرشاد السالك.

سابعا : إعراب القرآن وغريبه :

١ ـ تحفة الأقران في إعراب بعض آي القرآن.

٢ ـ الذهب الإبريز في غريب القرآن العزيز.

ثامنا : في الخصائص النبوية :

ـ كتاب في معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقد أثنى العلماء على مصنّفات الثعالبي ، فقال السخاوي : «كان إماما علامة ، مصنفا ...». ، وفي شجرة النور : له تآليف كثيرة مفيدة.

وبالجملة ، فهذا تقييم لأحد مترجمي الإمام الثعالبي ، ذكر فيه كتبه وحجمها ، ومادتها. قال التنبكي :

وأما تآليفه فكثيرة كتفسيره «الجواهر الحسان» في غاية الحسن ، اختصر فيه «ابن عطية» مع فوائد وزوائد كثيرة ، و «روضة الأنوار ، ونزهة الأخيار» ، وهو قدر «المدونة» ، فيه لباب من نحو ستين من أمهات الدواوين المعتمدة ، وهو خزانة كتب لمن حصله قال : وجمعته في سنين كثيرة ، فيه بساتين وروضات ـ ا ه.

وكتاب «الأنوار في معجزات النبي المختار» صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، و «الأنوار المضيئة الجامع بين الحقيقة» في جزء ، و «رياض الصالحين» جزء ، وكتاب «التقاط الدرر» ، وكتاب «الدر الفائق في الأذكار والدعوات» ، و «العلوم الفاخرة في أحوال الآخرة» مجلد ضخم ، وشرح «ابن الحاجب» الفرعي في سفرين ، جمع فيه نخب كلام ابن رشد وابن عبد السلام وابن هارون وخليل وغرر ابن عرفة مع جواهر «المدونة» وعيون مسائلها في سفرين ، وفي آخره جامع كبير نحو عشرة كراريس من القالب الكبير فيه فوائد ، و «إرشاد السالك» جزء صغير ،

٣٧

و «الأربعون حديثا مختارة» ، و «المختار من الجوامع في محاذاة الدرر اللوامع» ، وكتاب «جامع الفوائد» ، وكتاب «جامع الأمهات في أحكام العبادات» ، وكتاب «النصائح» ، وكتاب «تحفة الإخوان في إعراب بعض آي القرآن» ، و «الذهب الإبريز في غرائب القرآن العزيز» ، وكتاب «الإرشاد في مصالح العباد» ، ذكر جميعها في فهرسته.

ثناء العلماء عليه :

نال الإمام الثعالبي ثناء عطرا من أهل العلم ، والله (سبحانه) يعلي ذكر المرء في الأمم والأعصار على قدر إخلاصه ونيته.

قال الإمام السخاوي : «وكان إماما مصنفا ... وعمل في الوعظ والرقائق وغير ذلك».

وفي «نيل الابتهاج» قال التنبكي : «الشيخ ، الإمام ، الحجة ، العامل ، الزاهد ، الورع ، ولي الله الناصح الصالح ، العارف بالله ، أبو زيد ، شهر بالثعالبي ، صاحب التصانيف المفيدة ، كان من أولياء الله المعرضين عن الدنيا وأهلها ، ومن خيار عباد الله الصالحين ، قال السخاوي : كان إماما علامة مصنفا ، اختصر تفسير ابن عطية في جزءين ، وشرح «ابن الحاجب» الفرعي في جزءين ، وعمل في الوعظ والرقائق وغيرها ـ ا ه.

قال الشيخ زروق : شيخنا الفقيه الصالح والديا عليه أغلب من العلم ، يتحرى في النقل أتم التحري ، وكان لا يستوفيه في بعض المواضع ـ ا ه.

قال ابن سلامة البكري : كان شيخنا الثعالبي رجلا صالحا زاهدا عالما عارفا وليا من أكابر العلماء ، له تآليف جمة أعطاني نسخة من تفسير «الجواهر» لا بشراء ولا عوض ، عاوضه الله بالجنة ، وقال غيره : سيدنا ووسيلتنا لربنا الإمام الولي العارف بالله ـ ا ه.

قلت : وهو ممن اتفق النّاس على صلاحه وإمامته ، أثنى عليه جماعة من شيوخه بالقلم والدين والصلاح ، كالإمام الأبي ، والوليّ العراقي ، والإمام الحفيد ابن مرزوق.

وقال في «شجرة النور الزكية» : «الإمام ، علم الأعلام ، الفقيه ، المفسر ، المحدث ، الراوية ، العمدة ، الفهامة ، الهمام ، الصالح ، الفاضل ، العارف بالله ، الواصل. أثنى عليه جماعة بالعلم والصّلاح والدين المتين».

وقال الغزي في «ديوان الإسلام» : «الإمام ، الحبر ، العلامة».

٣٨

وقال الذّهبيّ في «التفسير والمفسرون» : «الإمام الحجة ، العالم العامل ، الزاهد ، الورع ، ولي الله الصالح ، العارف بالله ، كان من أولياء الله المعرضين عن الدنيا وأهلها ، ومن خيار عباد الله الصالحين».

وفاته :

كانت وفاة الثعالبي سنة خمس وسبعين وثمانمائة ، كما ذكر تلميذه زروق ، وذكره السخاوي في «الضوء اللامع». إلا أن صاحب «شجرة النور الزكية» حكاها على الشّكّ ، بين خمس وست وسبعين. رحمه‌الله رحمة واسعة!!

٣٩

المبحث الثاني

لتفسير قبل أبي زيد الثعالبي

التّفسير والتّأويل

التّفسير لغة :

التفسير في اللغة : الإيضاح والتبيين ؛ ومنه قوله تعالى : (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) [الفرقان : ٣٣] أي : بيانا وتفصيلا ، وهو مأخوذ من الفسر ، وهو : الإبانة والكشف.

قال الفيروزآباديّ (١) :

«الفسر : الإبانة وكشف المغطى ؛ كالتفسير ، والفعل كضرب ونصر».

وقال ابن منظور (٢) :

«الفسر : البيان ، فسر الشيء يفسره ـ بالكسر ـ ويفسره ـ بالضم ـ فسرا ، وفسّره : أبانه ، والتفسير : مثله ... والفسر : كشف المغطّى ، والتفسير : كشف المراد عن اللفظ المشكل».

وقال أبو حيان (٣) :

«... ويطلق التفسير أيضا على التّعرية للانطلاق ؛ قال ثعلب : «تقول : فسّرت الفرس : عريته ؛ لينطلق في حصره ، وهو راجع لمعنى الكشف ، فكأنه كشف ظهره لهذا الذي يريده منه من الجري».

وعلى ذلك : فالمادة تدور حول معنيين (٤) :

الكشف المادّيّ المحسوس ، والكشف المعنويّ المعقول.

__________________

(١) «القاموس المحيط» «فسر».

(٢) «اللسان» : مادة «فسر».

(٣) «البحر المحيط» ١ / ١٣.

(٤) «التفسير» : معالم حياته ـ منهجه اليوم ـ أمين الخولي ص ٥ ، و «التفسير والمفسرون» / للذهبي ج ١ / ١٥.

٤٠