تفسير الثعالبي - ج ١

عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف أبي زيد الثعالبي المالكي

تفسير الثعالبي - ج ١

المؤلف:

عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف أبي زيد الثعالبي المالكي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧

الأعمش (١) ، قال : قال مجاهد : لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود ، لم أحتج إلى أن أسأل ابن عبّاس عن كثير من القرآن مما سألت. انتهى ما نقلته من الترمذي (٢).

ثم قال* ع (٣) * : فأما صدر المفسّرين والمؤيّد فيهم ، فعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، ويتلوه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، وهو تجرد للأمر وكمّله وتتبّعه العلماء عليه ؛ كمجاهد ، وسعيد بن جبير (٤) ، وغيرهما ، والمحفوظ عنه في ذلك أكثر من المحفوظ عن عليّ بن أبي طالب ، وقال ابن عبّاس : ما أخذت من تفسير القرآن ، فعن علي بن أبي طالب ، وكان علي بن أبي طالب يثني على تفسير ابن عبّاس ، ويحضّ على الأخذ عنه ، وكان عبد الله بن مسعود يقول : نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس ، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهمّ ، فقّهه في الدّين ، وعلّمه التّأويل» (٥) ، وحسبك بهذه

__________________

ينظر : «الخلاصة» (١ / ٣٩٧) ، (٢٥٩٠) ، «الحلية» (٧ / ٢٧٠ ـ ٣١٨) ، و «المعارف» ص (٥٠٦ ـ ٥٠٧) ، «الوفيات» (٢ / ٣٩١ ـ ٣٩٣)

(١) سليمان بن مهران الكاهلي ، مولاهم ، أبو محمد الكوفي الأعمش ، أحد الأعلام الحفاظ والقراء. قال ابن المديني : له نحو ألف وثلاثمائة حديث. وقال ابن عيينة : كان أقرأهم وأحفظهم وأعلمهم. وقال عمرو بن علي : كان يسمى «المصحف» ؛ لصدقه. وقال العجلي ، ثقة ثبت ، يقال : ظهر له أربعة آلاف حديث ، ولم يكن له كتاب ، وكان فصيحا وقال النسائي : ثقة ثبت. وعدّه من المدلّسين. قال أبو نعيم : مات سنة ثمان وأربعين ومائة ، عن أربع وثمانين سنة.

ينظر : «الثقات» (٤ / ٣٠٢) ، «تهذيب التهذيب» (٤ / ٢٢٢) ، «تقريب التهذيب» (١ / ٣٣١) ، «تاريخ البخاري الكبير» (٤ / ٣٧) ، «الجرح والتعديل» (٤ / ٦٣) ، «سير الأعلام» (٥ / ٢٢٦)

(٢) ينظر : «سنن الترمذي» (٥ / ٢٠٠) ، كتاب «التفسير».

(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤١)

(٤) سعيد بن جبير الوالبي ، مولاهم الكوفي الفقيه ، أحد الأعلام. قال اللالكائي : ثقة إمام حجة. قال عبد الملك بن أبي سليمان : كان يختم كل ليلتين. قال ميمون بن مهران : مات سعيد وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه. قتل سنة خمس وتسعين كهلا ؛ قتله الحجاج فما أمهل بعده. قال خلف بن خليفة عن أبيه : شهدت مقتل ابن جبير ؛ فلما بان الرأس قال : لا إله إلا الله لا إله إلا الله ، فلما قالها الثالثة لم يتمها ـ رضي الله عنه.

ينظر : «تهذيب الكمال» (١ / ٤٧٩) ، «تهذيب التهذيب» (٤ / ١١) ، «خلاصة تهذيب الكمال» (١ / ٣٧٤) ، «الكاشف» (١ / ٣٥٦) ، «الثقات» (٤ / ٢٧٥) ، «تاريخ البخاري الكبير» (٣ / ٤٦١) ، «الحلية» (٤ / ٢٧٢)

(٥) أخرجه البخاري (١ / ٢٩٤) ، كتاب «الوضوء» ، باب وضع الماء عند الخلاء ، حديث (١٤٣) ، ومسلم (٤ / ١٩٢٧) ، كتاب «فضائل الصحابة» ، باب فضائل عبد الله بن عباس ، حديث (١٣٨ / ٢٤٧٧) ، وأحمد (١ / ٣٢٧) ، والنسائي في «الكبرى» (٥ / ٥١ ـ ٥٢) ، كتاب «المناقب» ، باب عبد الله بن العباس ، حديث (٨١٧٧) ، وأبو يعلى (٤ / ٤٢٧) ، رقم (٢٥٥٣) ، وابن حبان (١٥ / ٥٢٩) ، رقم (٧٠٥٣) ، والطبراني في «الكبير» (١١ / ١٠٤) ، رقم (١١٢٠٤) ، كلهم من طريق هاشم بن القاسم : ثنا ـ

١٤١

الدعوات ، ويتلوه عبد الله بن مسعود ، وأبيّ بن كعب (١) ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن عمرو بن العاصي.

وكل ما أخذ عن الصحابة ، فحسن متقدّم ، ومن المبرّزين في التابعين الحسن بن أبي

__________________

ـ ورقاء بن عمر اليشكري ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، عن ابن عباس به.

وأخرجه البخاري (١ / ٢٠٤) ، كتاب «العلم» ، باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم علمه الكتاب» ، حديث (٧٥) ، و (٧ / ١٢٦) كتاب «فضائل الصحابة» ، باب ذكر ابن عباس (رضي الله عنهما) حديث (٣٧٥٦) ، و (١٣ / ٢٥٩) ، كتاب «الاعتصام» ، حديث (٧٢٧٠) ، والترمذي (٥ / ٦٨٠) ، كتاب «المناقب» ، باب مناقب عبد الله بن عباس ، حديث (٣٨٢٤) ، والنسائي في «الكبرى» (٥ / ٥٢) ، كتاب «المناقب» ، حديث (٨١٧٩) ، وابن ماجة (١ / ٥٨) ، المقدمة ، باب فضائل أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حديث (١٦٦) ، وأحمد (١ / ٢١٤ ، ٣٥٩) ، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (١ / ٥١٨) ، وابن حبان (١٥ / ٥٣٠) ، رقم (٧٠٥٤) ، والطبراني في «الكبير» (١٠ / ٢٩٣) ، رقم (١٠٥٨٨) ، كلهم من طريق خالد الحذاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس.

وقال الترمذي : حسن صحيح.

وأخرجه أحمد (١ / ٢٦٩) ، والطبراني في «الكبير» (١١ / ٢١٣) ، رقم (١١٥٣١) ، كلاهما من طريق سليمان بن بلال ، عن حسين بن عبد الله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس به. وأخرجه أحمد (١ / ٢٦٦ ، ٣١٤ ، ٣٢٨ ، ٣٣٥) ، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (١ / ٤٩٣ ـ ٤٩٤) ، وابن حبان (١٥ / ٥٣١) ، رقم (٧٠٥٥) ، والطبراني في الكبير (١٠٥٨٧ ، ١٠٦١٤) ، كلهم من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس به. وأخرجه الترمذي (٥ / ٦٧٩ ـ ٦٨٠) ، كتاب «المناقب» ، باب مناقب عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) ، حديث (٣٨٢٣) ، من طريق عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : دعا لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يؤتيني الحكمة مرتين.

وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث عطاء ، وقد رواه عكرمة ، عن ابن عباس.

(١) هو : أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار. أبو المنذر ، أبو الطفيل سيد القراء ، سيد المسلمين ، الأنصاري ، النجاري ، الخزرجي ، المعاوي.

كان من أصحاب العقبة الثانية ، وشهد بدرا والمشاهد. قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليهنئك العلم يا أبا المنذر» وقال له : «إن الله أمرني أن أقرأ عليك». وكان عمر (رضي الله عنه) يسميه : سيد المسلمين. وهو أول من كتب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأول من كتب في آخر الكتاب : وكتبه فلان بن فلان.

روى عنه من الصحابة : عمر ، وكان يسأله عن النوازل ، ويتحاكم إليه في المعضلات ـ وأبو أيوب ، وعبادة بن الصامت ، وسهل بن سعد ، وأبو موسى ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، وأنس ، وسليمان بن صرد وغيرهم.

مات سنة : ٢٢ في خلافة عمر ، وقيل : بقي إلى خلافة عثمان.

تنظر ترجمته في : «أسد الغابة» (ت ٣٣) ، «الإصابة» (١ / ١٦) ، «الثقات» (٣ / ٥) ، «تقريب التهذيب» (١ / ٤٨) ، «تاريخ ابن معين» (١٥٦٤) ، «سير أعلام النبلاء» (١ / ٣٨٩)

١٤٢

الحسن ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعلقمة (١) ، وقد قرأ مجاهد على ابن عباس قراءة تفهّم ووقوف عند كل آية ، ويتلوهم عكرمة (٢) ، والضّحّاك بن مزاحم (٣) ، وإن كان لم يلق ابن عباس ، وإنما أخذ عن ابن جبير ، وأما السّدّي (٤) ـ رحمه‌الله تعالى ـ فكان عامر الشعبيّ يطعن عليه ، وعلى أبي صالح (٥) ؛ لأنه كان يراهما مقصّرين في النظر ، ثم حمل تفسير كتاب الله عزوجل عدول كلّ خلف ، وألّف الناس فيه كعبد الرّزّاق ، والمفضّل ، وعلي بن أبي طلحة ، والبخاري ، وغيرهم ، ثم إنّ محمد بن جرير الطبريّ ـ رحمه‌الله ـ

__________________

(١) علقمة بن قيس بن عبد الله بن علقمة بن سلامان بن كهيل بن بكر بن عوف بن النّخع النّخعي ، أبو شبل الكوفي ، أحد الأعلام ، مخضرم عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن مسعود ، وحذيفة ، وطائفة. وعنه إبراهيم النّخعي ، والشّعبي ، وسلمة بن كهيل وخلق. قال إبراهيم : كان يقرأ في خمس. وقال ابن المديني : أعلم الناس بابن مسعود علقمة والأسود. قال ابن سعد : مات سنة اثنتين وستين وقال أبو نعيم : سنة إحدى وستين. قيل : عن تسعين سنة.

ينظر : «الخلاصة» (٢ / ٢٤١) ، «تهذيب التهذيب» (٧ / ٢٧٥) ، «تقريب التهذيب» (٢ / ٣٠) ، «الكاشف» (٢ / ٢٧٧) ، «طبقات ابن سعد» (٧ / ٣٤ ، ٢٠٩) ،

(٢) عكرمة البريري ، مولى ابن العباس ، أبو عبد الله ، أحد الأئمة الأعلام. روى عن مولاه ، وعائشة ، وأبي هريرة ، وغيرهم من الصحابة. قال الشعبي : ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة ، رموه بغير نوع من البدعة. ثقة بريء مما يرميه الناس به. وثّقه أحمد والنسائي. توفي سنة ١٠٥ ه‍.

ينظر : «الخلاصة» (٢ / ٢٤٠) (٤٩٢٨) ، «ابن سعد» (٥ / ٢١٢ ـ ٢١٦) ، «الوفيات» (٣ / ٢٦٥ ـ ٢٦٦) و «الدوادي» (١ / ٣٨٠ ـ ٣٨١)

(٣) الضحاك بن مزاحم الهلالي ، مولاهم الخرساني ، يكنى أبا القاسم. روى عن أبي هريرة ، وابن عباس ، وأبي سعيد ، وغيرهم ، وروى عنه عبد الرحمن بن عوسجة وغيره. قال ابن حبّان : في جميع ما روى نظر ، إنما اشتهر بالتفسير. توفي سنة ١٠٥ ه‍.

ينظر : «الخلاصة» (٢ / ٥) (٣١٤٦) ، «ابن سعد» (٦ / ٢١٠ ـ ٢١١) ، «صفة الصفوة» (٤ / ١٥٠) ، «المعارف» ص (٤٥٧ ـ ٤٥٨)

(٤) إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي مولى قريش ، أبو محمد الكوفي ، رمي بالتشيع. عن أنس ، وابن عباس ، وباذان. وعنه أسباط بن نصر ، وإسرائيل ، والحسن بن صالح. قال ابن عدي : مستقيم الحديث صدوق. قال خليفة : توفي سنة سبع وعشرين ومائة.

ينظر : «الخلاصة» (١ / ٩٠) ، «تهذيب التهذيب» (١ / ٣١٣) ، «تقريب التهذيب» (١ / ٧١ ، ٧٢) ، «الكاشف» (١ / ١٢٥) ، «الثقات» (٤ / ٢٠) ، «ميزان الاعتدال» (١ / ٢٣٦)

(٥) ذكوان المدني ، أبو صالح السّمّان ، روى عن سعد ، وأبي الدّرداء ، وعائشة ، وأبي هريرة ، وخلق. وروى عنه بنوه سهيل ، وعبد الله ، وصالح ، وعطاء بن أبي رباح ، وسمع منه الأعمش ألف حديث. قال أحمد : ثقة ثقة ، شهد الدّار. قال محمد بن عمر الواقدي : توفي سنة ١٠١ ه‍.

ينظر : «الخلاصة» (١ / ٣١١) (١٩٧٣) ، «ابن سعد» (٥ / ٢٢٢ و ٦ / ١٥٨) و «تهذيب التهذيب» (٣ / ٢١٩ ـ ٢٢٠) ، و «مرآة الجنان» (١ / ٢١١)

١٤٣

جمع على الناس أشتات التفسير ، وقرّب البعيد وشفى في الإسناد.

ومن المبرّزين في المتأخّرين أبو إسحاق الزّجّاج (١) ، وأبو عليّ الفارسيّ (٢) ؛ فإن كلامهما منخول ، وأما أبو بكر النّقّاش (٣) ، وأبو جعفر النّحّاس (٤) ـ رحمهما‌الله ـ ، فكثيرا ما استدرك الناس عليهما ، وعلى سننهما مكّيّ بن أبي طالب (٥) ـ رحمه‌الله ـ ، وأبو العباس المهدويّ (٦) ـ رحمه‌الله ـ متقن التأليف ، وكلّهم مجتهد مأجور ـ رحمهم‌الله ـ ونضّر وجوههم.

__________________

(١) هو : إبراهيم بن السري بن سهل ، أبو إسحاق الزجاج ، كان من أهل الفضل والدين ، حسن الاعتقاد ، كان يخرط الزّجاج ، ثم مال إلى النحو فلزم المبرد. صنف : «معاني القرآن وإعرابه» و «الاشتقاق» و «فعلت وأفعلت» وغيرها. توفي (٣١١ ه‍).

ينظر ترجمته في : «تاريخ بغداد» (٦ / ٨٩) ، و «النجوم الزاهرة» (٣ / ٢٠٨) ، و «بغية الوعاة» (١ / ٤١١)

(٢) الحسن بن أحمد بن عبد الغفار ، أبو علي الفارسي ، النحوي المشهور ، أخذ النحو عن أبي إسحاق الزجاج ، ثم عن أبي بكر بن السري ، وأخذ عنه كتاب سيبويه ، وانتهت إليه رياسة علم النحو ، مات الفارسي سنة ٣٧٧ ه‍.

ينظر : «غاية النهاية» (١ / ٢٠٧) ، «طبقات الزبيدي» ص ١٢٠.

(٣) محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون الموصلي. ولد سنة (٢٦٦) ه. وهو إمام أهل العراق في القراءات والتفسير ، بلا مدافع. وقد قرأ على ابن أبي مهران ، وهارون بن موسى الأخفش ، وجماعة. وروى عن أبي مسلم الكجي ، ومطين ، وآخرين. وروى عنه الدارقطني ، وابن شاهين وجماعة. ورحل وطوف من مصر إلى ماوراء النهر. وقد صنف في التفسير ، وسماه «شفاء الصدور». قال هبة الله اللالكائي : تفسير النقاش ، إشقاء الصدور ، ليس شفاء الصدور. توفي في شوال سنة (٣٥١) ه.

ينظر : «الأعلام» (٦ / ٨١) ، و «وفيات الأعيان» (١ / ٤٨٩)

(٤) أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي المصري ، أبو جعفر النحاس : مفسر ، أديب ، مولده ب «مصر» ، ووفاته ب «مصر» أيضا سنة (٣٣٨) ه ، كان من نظراء نفطويه ، وابن الأنباري ، زار «العراق» ، واجتمع بعلمائه ، من مصنفاته : «تفسير القرآن» ، و «إعراب القرآن» ، و «ناسخ القرآن ومنسوخه» ، و «شرح المعلقات السبع».

ينظر : «الأعلام» (١ / ٢٠٨) ، «البداية والنهاية» (١١ / ٢٢٢) ، «إنباه الرواة» (١ / ١٠١)

(٥) أبو محمد ، مكي بن أبي طالب القيسي ، النحوي المقرئ ، كان من أهل التبحر في علوم القرآن والعربية كثير التآليف. صنف : «الكشف عن وجوه القراءات» ، و «مشكل إعراب القرآن» ، و «الموجز في القراءات» وغيرها. توفي (٤٣٧ ه‍).

تنظر ترجمته في : «وفيات الأعيان» (٥ / ٢٧٤) ، و «بغية الوعاة» (٢ / ٢٩٨) ، و «شذرات الذهب» (٣ / ٢٦٠)

(٦) أحمد بن عمار ، أبو العباس المهدوي ، أستاذ مشهور ، قرأ على محمد بن سفيان ، وقرأ عليه غانم بن الوليد ، وموسى بن سليمان اللخمي ، له : «التفسير المشهور» مات سنة ٤٤٠ ه‍.

١٤٤

فصل

واختلف الناس في معنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسّر منه».

ثم قال* ع (١) * بعد كلام : والذي مال إليه كثير من أهل العلم ؛ كأبي عبيد (٢) وغيره ، أنّ معنى الحديث أنّه أنزل على سبع / لغات لسبع قبائل ، ثم اختلفوا في تعيينهم ، وأنا ألخّص الغرض جهدي بحول الله ، فأصل ذلك وقاعدته قريش ، ثم بنو سعد بن بكر (٣) ؛ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرشيّ ، واسترضع في بني سعد ، ونشأ فيهم ، ثم ترعرع وشب ، وهو يخالط في اللسان كنانة وهذيلا وخزاعة وأسدا وضبّة وألفافها ؛ لقربهم من مكة ، وتكرارهم عليها ، ثم بعد هذه تميما وقيسا ومن انضاف إليهم وسط جزيرة العرب ، فلما بعثه الله تعالى ، ويسّر عليه أمر الأحرف أنزل عليه القرآن بلغة هذه الجملة المذكورة ، وهي التي قسّمها على سبعة لها السبعة الأحرف ، وهي اختلافاتها في العبارة ، قال ثابت بن قاسم : لو قلنا : من هذه الأحرف لقريش ، ومنها لكنانة ، ومنها لأسد ، ومنها لهذيل ، ومنها لتميم ، ومنها لضبّة وألفافها (٤) ، ومنها لقيس ، ـ لكان قد أتى على قبائل مضر في مراتب سبعة تستوعب اللغات التي نزل بها القرآن ، وهذا نحو ما ذكرناه ، وهذه الجملة هي التي

__________________

ينظر : «بغية الوعاة» (١ / ٣٥١) ، ط. دار المعارف ، و «غاية النهاية» (١ / ٩٢)

(١) انظر «المحرر الوجيز» (١ / ٥٤)

(٢) القاسم بن سلام أبو عبيد البغدادي ، أحد أئمة الإسلام فقها ، ولغة وأدبا ، أخذ العلم عن الشافعي ، والقراءات عن الكسائي وغيره. قال ابن الأنباري : كان أبو عبيد يقسم الليل أثلاثا فيصلي ثلثه ، وينام ثلثه ، ويصنف ثلثه. وقال عبد الله بن الإمام أحمد : عرضت كتاب «الغريب» لأبي عبيد على أبي فاستحسنه ، وقال : جزاه الله خيرا. توفي سنة (٢٢٤).

انظر : «طبقات ابن قاضي شهبة» (١ / ٦٧) ، «طبقات ابن سعد» (٧ / ٣٥٥) ، و «إنباه الرواة» (٣ / ١٢) ، و «طبقات الشافعية» للأسنوي ص ١١ ، «تهذيب الأسماء واللغات» (٢ / ٣٠) ، «طبقات الفقهاء» للعبادي ص ٢٥.

(٣) بنو سعد بن بكر : هم بطن من هوازن ، من قيس عيلان ، أصلهم من العدنانية. وهم بنو سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان.

وهم أصحاب غنم ، وهم حضنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد بعثوا سنة تسع للهجرة ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحديثه مشهور. ومن أوديتهم : قرن الحبال ، ومن مياههم : تقتد.

ينظر : «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم (ص ٤٨١) ، و «نهاية الأرب» للنويري (٢ / ٣٣٥) ، و «معجم قبائل العرب» لكحالة (٥١٣)

(٤) اللفيف : القوم يجتمعون من قبائل شتى ليس أصلهم واحدا. وجاءوا ألفافا ، أي لفيفا.

ينظر : «لسان العرب» (٤٠٥٤)

١٤٥

انتهت إليها الفصاحة وسلمت لغاتها من الدّخل (١) ، ويسرها الله لذلك ؛ ليظهر آية نهيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه ، وسبب سلامتها أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز ونجد وتهامة ، فلم تطرقها الأمم.

فأما اليمن ، وهو جنوبيّ الجزيرة ، فأفسدت كلام عربه خلطة الحبشة والهنود ؛ على أنّ أبا عبيد القاسم بن سلّام ، وأبا العبّاس المبرّد (٢) قد ذكرا أنّ عرب اليمن من القبائل التي نزل القرآن بلغاتها.

قال* ع (٣) * : وذلك عندي إنما هو فيما استعملته عرب الحجاز من لغة اليمن ؛ كالعرم (٤) والفتّاح ؛ فأما ما انفردوا به ؛ كالزّخيخ (٥) والقلّوب (٦) ، فليس في كتاب الله منه شيء ، وأما ما والى العراق من جزيرة العرب ؛ وهي بلاد ربيعة وشرقيّ الجزيرة ، فأفسدت لغتها مخالطة الفرس والنّبط ونصارى الحيرة وغير ذلك ، وأما الذي يلي الشام ، وهو شماليّ الجزيرة ، وهي بلاد آل جفنة وغيرهم ، فأفسدها مخالطة الرّوم ، وكثير من بني إسرائيل ، وأما غربيّ الجزيرة ، فهي جبال تسكن بعضها هذيل وغيرهم ، وأكثرها غير معمور ، فبقيت القبائل المذكورة سليمة اللغات ، لم تكدر صفو كلامها أمة من العجم.

ويقوى هذا المنزع أنه لما اتسع نطاق الإسلام وداخلت الأمم العرب ، وتجرّد أهل المصرين ؛ البصرة ، والكوفة لحفظ لسان العرب ، وكتب لغتها ، لم يأخذوا إلا من هذه

__________________

(١) الدّخل : العيب والغش والفساد. ينظر «لسان العرب» (١٣٤٢)

(٢) محمد بن يزيد بن عبد الأكبر ، أبو العباس المبرد ، إمام العربية ب «بغداد» في زمانه ، أخذ عن المازني ، وأبي حاتم السجستاني ، له كتاب «الكامل» ، و «المقتضب» ، و «إعراب القرآن» مات سنة ٢٨٥ ه‍.

ينظر : «بغية الوعاة» (١ / ٢٦٩) ، و «أخبار النحويين البصريين» ـ لأبي السعيد الصيرفي ـ ص ١٠٥ ط. الاعتصام.

(٣) «المحرر الوجيز» (١ / ٤٦)

(٤) قيل : العرم : اسم الوادي (يعني الذي كان به سبأ). وقيل : اسم الخلد الذي نقب السدّ حتى فتح وسال ماؤه ، فغرق ديارهم وأهلك بساتينهم. وقيل : العرم : المسنّاة.

قال ابن الأعرابي : العرم والبرّ من أسماء الفأرة ... وقيل : العرم : المطر الشديد. وخصه بعضهم بالفأر الذكر ، وهو الجراد أيضا.

ينظر : «عمدة الحفاظ» ، للسمين الحلبي أحمد بن يوسف ت ٧٥٦ ه‍ ، (٣ / ٧٨) ، و «تفسير غريب القرآن» ، ابن قتيبة الدينوري ص ٣٥٥.

(٥) الزّخيخ : النار ، يمانية ، وقيل : هي شدة بريق الجمر والحرّ والحرير ؛ لأن الحرير يبرق من الثياب.

ينظر : «لسان العرب» ١٨٢٠.

(٦) القلّيب ، والقلّوب ، والقلّوب ، والقلوب ، والقلاب : الذئب ، يمانية. ينظر : «لسان العرب» ٣٧١٥.

١٤٦

القبائل الوسيطة المذكورة ، ومن كان معها ، وتجنّبوا اليمن والعراق والشام ، فلم يكتب عنهم حرف واحد ، وكذلك تجنّبوا حواضر الحجاز مكّة ، والمدينة ، والطائف ؛ لأنّ السّبي والتجّار من الأمم كثروا فيها ، فأفسدوا اللغة ، وكانت هذه الحواضر في مدة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سليمة ؛ لقلّة المخالطة ، فمعنى قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنزل القرآن على سبعة أحرف» ، أي : فيه عبارات سبع قبائل ؛ بلغة جملتها نزل القرآن ؛ فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش ، ومرة بعبارة هذيل ، ومرة بغير ذلك ؛ بحسب الأفصح ، والأوجز في اللفظة ؛ ألا ترى أنّ : «فطر» معناها عند غير قريش ابتداء خلق الشيء وعمله ، فجاءت في القرآن ، فلم تتجه لابن عبّاس حتى اختصم إليه أعرابيّان في بئر ، فقال أحدهما / أنا فطرتها ، قال ابن عبّاس : ففهمت حينئذ موقع قوله سبحانه : (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [فاطر : ١] (١) ، وقال أيضا : ما كنت أدري معنى قوله تعالى : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا) [الأعراف : ٨٩] حتى سمعت بنت ذي جدن تقول لزوجها : تعال ، أفاتحك ، أي : أحاكمك (٢) ، وكذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان لا يفهم معنى قوله تعالى : (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ) [النحل : ٤٧] ، فوقف به فتى ، فقال : إن أبي يتخوّفني حقّي ، فقال عمر : الله أكبر ، (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ) [النحل : ٤٧] أي : على تنقّص لهم (٣) ، وكذلك اتفق لقطبة بن مالك (٤) ؛ إذ سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ في الصلاة : (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) [ق : ١٠] ذكره مسلم في باب القراءة في صلاة الفجر (٥) إلى غير هذا من الأمثلة ، فأباح الله تعالى لنبيه عليه‌السلام هذه الحروف

__________________

(١) أخرجه البيهقي في «الشعب» (٢ / ٢٥٨) (١٦٨٢) ، وذكره السيوطي في «الدر» في سورة فاطر (٥ / ٤٥٨) ، وعزاه لأبي عبيد في فضائله ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في «الشعب».

(٢) أخرجه الطبري في سورة الأعراف (٦ / ٤) (١٤٨٦٧) ، وذكره السيوطي في «الدر» (٣ / ١٩١) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن الأنباري في «الوقف والابتداء» ، والبيهقي في «الأسماء والصفات».

(٣) الطبري (٧ / ٥٨١) (٢١٦١٨) بنحوه. وذكره السيوطي في «الدر» (٤ / ٢٢٣) ، وعزاه لابن جرير.

(٤) قطبة بن مالك الثعلبي. صحابي له أحاديث. وعنه ابن أخيه زياد بن علاقة فقط.

ينظر : «الخلاصة» (٢ / ٣٥٤) ، «تهذيب التهذيب» (٨ / ٣٨٩) (٦٧٣) ، «تاريخ البخاري الكبير» (٧ / ١٩١) ، «الثقات» (٣ / ٣٤٧) ، «أسماء الصحابة الرواة» ت (٢٢٦)

(٥) أخرجه مسلم (٢ / ٤١٤ ـ نووي / دار الحديث) ، كتاب «الصلاة» ، باب القراءة في الصبح ، حديث (١٦٥ ـ ١٦٧ / ٤٥٧) ، والترمذي (٢ / ١٠٨ ـ ١٠٩) ، كتاب «الصلاة» ، باب ما جاء في القراءة في صلاة الصبح ، حديث (٣٠٦) ، والنسائي (٢ / ١٥٧) ، كتاب «الافتتاح» ، باب القراءة في الصبح بقاف ، حديث (٩٥٠) ، وابن ماجه (١ / ٢٦٨) ، كتاب «الصلاة» ، باب القراءة في صلاة الفجر ، حديث (٨١٦) ، وأحمد.

١٤٧

السبعة ، وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الذي فيه الإعجاز ، وجودة الرّصف (١) ، ولم تقع الإباحة في قوله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) [المزمل : ٢٠] بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات ، جعلها من تلقاء نفسه ، ولو كان هذا ، لذهب إعجاز القرآن ، وكان معرّضا أن يبدل هذا وهذا ؛ حتى يكون غير الذي نزل من عند الله ، وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليوسّع بها على أمته ، فقرأ مرة لأبيّ بما عارضه به جبريل ، ومرة لابن مسعود بما عارضه به أيضا ، وفي صحيح البخاريّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أقرأني جبريل على حرف ، فراجعته ، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتّى انتهى إلى سبعة أحرف» (٢).

فصل في ذكر الألفاظ الّتي في القرآن

ممّا للغات العجم بها تعلّق

اختلف الناس في هذه المسألة (٣) ، ...

__________________

(٤ / ٣٢٢) ، والحميدي (٨٢٥) ، وابن خزيمة (٥٢٧ ، ١٥٩١) ، كلهم من طريق زياد بن علاقة ، عن قطبة بن مالك. وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.

(١) الرّصف : ضم الشيء بعضه إلى بعض ونظمه. ينظر : «لسان العرب» (١٦٥٦)

(٢) أخرجه البخاري (٨ / ٦٣٩) ، كتاب «فضائل القرآن» ، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف ، حديث (٤٩٩١) ، ومسلم (١ / ٥٦١) ، كتاب «صلاة المسافرين» ، باب بيان أن القرآن على سبعة حروف ، حديث (٢٧٢ / ٨١٩) ، من حديث ابن عباس.

(٣) ذهب أكثر أهل العلم ، ومنهم الإمام الشافعي ، وابن جرير ، وأبو عبيدة والقاضي أبو بكر ، وأبو الحسين بن فارس إلى عدم وقوع لفظ أعجمي في كتاب الله تعالى. واستدلوا بقوله تعالى : (قُرْآناً عَرَبِيًّا) [يوسف : ٢] ، وقوله تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) [فصلت : ٤٤] ، وقد شدد الشافعي النكير على القائل بعكس ذلك.

وقال أبو عبيدة : إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين ، فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول ، ومن زعم أن «كذا» بالنبطية فقد أكبر القول.

وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ـ رحمه‌الله ـ : ما ورد عن ابن عباس وغيره من تفسير ألفاظ من القرآن إنها بالفارسية والحبشية أو النبطية أو نحو ذلك ، إنما اتفق فيها توارد اللغات ، فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة بلفظ واحد.

وقال ابن فارس : لو كان فيه من لغة غير العرب شيء لتوهم متوهم أن العرب إنما عجزت عن الإتيان بمثله ؛ لأنه أتى بلغات لا يعرفونها.

وذهب آخرون من العلماء إلى وقوعه فيه ، وأجابوا عن قوله تعالى : (قُرْآناً عَرَبِيًّا) بأن الكلمات اليسيرة بغير العربية لا تخرجه عن كونه عربيّا ، والقصيدة الفارسية لا تخرج عنها بلفظة فيها عربية ، وعن قوله تعالى : (ءأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) بأن المعنى من السياق : «أكلام أعجمي ومخاطب عربي!» كما استدلوا ـ

١٤٨

فقال أبو عبيدة (١) وغيره : إنّ في كتاب الله تعالى من كلّ لغة ، وذهب الطبريّ وغيره إلى أن القرآن ليس فيه لفظة إلا وهي عربية صريحة ، وأن الأمثلة والحروف التي تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها توارد اللغتين ، فتكلّمت العرب والفرس أو الحبشة بلفظ واحد ؛ وذلك مثل قوله تعالى : (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) [المزمل : ٦] قال ابن عبّاس : نشأ بلغة الحبشة : قام من الليل (٢) ، ومنه قوله تعالى : (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) [الحديد : ٢٨] ، قال أبو موسى الأشعريّ (٣) : كفلان : ضعفان من الأجر بلسان ...

__________________

ـ باتفاق النحاة على أن منع صرف نحو «إبراهيم» ، و «سليمان» ، و «داود» للعلمية والعجمة.

ورد هذا الاستدلال بأن الأعلام ليست محل خلاف ، فالكلام في غيرها موجّه بأنه إذا اتفق على وقوع الأعلام فلا مانع من وقوع الأجناس.

وقد اختار السيوطي مذهب القائلين بالوقوع ، واستدل له بما أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن أبي ميسرة التابعي الجليل قال : في القرآن من كل لسان. وروي مثله عن سعيد بن جبير ووهب بن منبه. وكان في ذلك إشارة إلى أن كتاب الله حوى علوم الأولين والآخرين ، ونبأ كل شيء ، فلا بد أن تقع فيه الإشارة إلى أنواع اللغات والألسن ليتم إحاطته بكل شيء ، فاختير له من كل لغة أعذبها وأخفها وأكثرها استعمالا للعرب.

وأيضا فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرسل إلى كل أمة ، وقد قال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) [إبراهيم : ٤] فلا بد وأن يكون في الكتاب المبعوث به من لسان كل قوم ، وإن كان أصله بلغة قومه هو. وثمة مذهب يجمع بين القولين ، وهو قول أبي عبيد القاسم بن سلام ، فقد قال : والصواب عندي مذهب فيه تصديق القولين جميعا ؛ وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء ، لكنها وقعت للعرب ، فعربتها بألسنتها وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها ، فصارت عربية ، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب ، فمن قال : إنها عربية فهو صادق ، ومن قال : أعجمية فصادق. ومال إلى هذا القول الجواليقي وابن الجوزي وآخرون.

وللتاج السبكي نظم لهذه الكلمات الأعجمية ، وقد زاد عليه كل من الحافظ ابن حجر والسيوطي.

ينظر : «الإتقان في علوم القرآن» (٢ / ١٢٥ ـ ١٢٩) ، و «التحبير في علم التفسير» (٢٠٠ ـ ٢٠٢) ، وكلاهما للحافظ السيوطي.

(١) معمر بن المثنى التيمي البصري ، أبو عبيدة النحوي : من أئمة العلم بالأدب واللغة ، ولد في ١١٠ ه‍. قال الجاحظ : لم يكن في الأرض أعلم بجميع العلوم منه ، كان إباضيا شعوبيا ، من حفاظ الحديث ، لما مات لم يحضر جنازته أحد ، لشدة نقده معاصريه توفي ٢٠٩ ه‍ ، له مؤلفات منها : «مجاز القرآن» ، «الشوارد» ، «الزرع».

ينظر : «وفيات» (٢ / ١٠٥) ، «المشرق» (١٥ / ٦٠٠) ، «تذكرة الحفاظ» (١ / ٣٣٨) ، «بغية الوعاة» (٣٩٥) ، «السيرافي» (٦٧) ، «الأعلام» (٧ / ٢٧٢)

(٢) ينظر : «الطبري» (١ / ٣١) (٢) ، والبيهقي في «سننه» (٣ / ٢٠) ، وذكره السيوطي في «الدر» (٦ / ٤٤٣) ، وعزاه لسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن نصر ، وابن المنذر ، والبيهقي في «سننه».

(٣) هو : عبد الله بن قيس بن سليم بن حصار بن حرب بن عامر بن غنم بن بكر بن عامر بن عذب بن وائل بن ناجية بن الجماهر بن الأشعر .. أبو موسى الأشعري. صحابي مشهور ، كان حسن الصوت ـ

١٤٩

الحبشة (١) ، وكذلك قال ابن عبّاس في القسورة : إنّه الأسد بلغة الحبشة (٢) ، إلى غير هذا من الأمثلة.

قال* ع (٣) * : والذي أقوله إنّ القاعدة والعقيدة هي أنّ القرآن بلسان عربيّ مبين ، وليس فيه لفظة تخرج عن كلام العرب ، فلا تفهمها إلا من لسان آخر ، فأما هذه الألفاظ وما جرى مجراها ، فإنه قد كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلسانها بعض مخالطة لسائر الألسنة بتجارات وسفر إلى الشام وأرض الحبشة ، فعلقت العرب بهذا كلّه ألفاظا أعجمية ، غيّرت بعضها بالنقص من حروفها ، وجرت إلى تخفيف ثقل العجمة ، واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها ؛ حتى جرت مجرى العربيّ الصحيح الصريح ، ووقع بها البيان ، وعلى هذا الحدّ نزل بها القرآن ، فإن جهلها عربيّ ما ، فكجهله الصريح مما في لغة غيره ؛ كما لم يعرف ابن عبّاس معنى «فاطر» إلى غير ذلك ، فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها في الأصل أعجمية ، لكن استعملتها العرب ، وعرّبتها ، فهي عربية بهذا الوجه ، وما ذهب إليه الطبريّ من أن اللغتين اتفقتا في لفظة لفظة ، فذلك بعيد ، بل إحداهما أصل ، والأخرى فرع في الأكثر ؛ لأنا لا ندفع أيضا جواز الاتفاق قليلا شاذّا.

باب تفسير أسماء القرآن وذكر السّورة والآية

هو القرآن ، وهو الكتاب ، وهو الفرقان ، وهو الذّكر ، فالقرآن : مصدر من قولك : قرأ الرّجل ، إذا تلا ، يقرأ قرآنا وقراءة.

/ وقال قتادة : القرآن : معناه التأليف ، قرأ الرجل إذا جمع وألّف قولا ، وبهذا فسر قتادة قوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) [القيامة : ١٧] أي : تأليفه (٤) ، والقول الأول

__________________

ـ بالقرآن ، وله رواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كثيرة توفي سنة ٤٢ أو ٤٤ وله نيف وستين سنة.

ينظر ترجمته في : «أسد الغابة» (٦ / ٣٠٦) ، «الإصابة» (٤ / ١١٩) ، «الاستيعاب» (٤ / ١٧٦٢) ، «تجريد أسماء الصحابة» (٢ / ٢٠٦) ، «الأنساب» (١ / ٢٦٦) ، «الكنى والأسماء» (١ / ٥٧) ، «تذكرة الحفاظ» (١ / ٢٣)

(١) ينظر : الطبري (١ / ٣١) (١) ، وقد ذكره السيوطي في «الدر» (٦ / ٢٦١) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.

(٢) أخرجه الطبري (١ / ٣١) (٤) ، وذكره السيوطي في «الدر» (٦ / ٤٦١) ، وعزاه لابن أبي حاتم.

(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٥١)

(٤) أخرجه الطبري (١ / ٦٨) (١١٩) ، وذكره السيوطي في «الدر» (٦ / ٤٦٨) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن المنذر.

١٥٠

أقوى ؛ أن القرآن مصدر من قرأ ؛ إذا تلا ، ومنه قول حسّان بن ثابت (١) يرثي عثمان بن عفّان (٢) رضي الله عنه : [البسيط]

ضحّوا بأشمط عنوان السّجود به

يقطّع اللّيل تسبيحا وقرآنا

(٣) أي : وقراءة.

وأما الكتاب ، فهو مصدر من كتب ، إذا جمع ؛ ومنه قيل : كتيبة لاجتماعها ؛ ومنه قول الشاعر : [البسيط]

 ...............................

 ... واكتبها بأسيار (٤)

__________________

(١) هو : حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار .. أبو الوليد ، وأبو المضرب ، وأبو الحسام ، وأبو عبد الرحمن الأنصاري. الخزرجي. النجاري.

شاعر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهو صحابي شهير ، وقد جاء في الصحيحين عن البراء ؛ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لحسان : «اهجهم» أو «هاجهم ، وجبريل معك».

وفاته : قيل : توفي قبل الأربعين وقيل غير ذلك.

ينظر ترجمته في : «تجريد أسماء الصحابة» (١ / ١٢٩) ، «الاستيعاب» (١ / ٣٤١) ، «أسد الغابة» (٢ / ٥) ، «الإصابة» (٢ / ٨) ، «الثقات» (٣ / ٧١) ، «تقريب التهذيب» (١ / ١٦١) ، «تهذيب التهذيب» (٢ / ٢٤٧) ، «تهذيب الكمال» (١ / ٢٤٨) ، «الجرح والتعديل» (٣ / ١٠٢٦) ، «شذرات الذهب» (١ / ٤١)

(٢) هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس. أبو عبد الله وأبو عمرو. القرشي. الأموي. ذو النورين. أمير المؤمنين. ولد بعد عام الفيل بست سنين. وهو ثالث الخلفاء الراشدين ومجهز جيش العسرة ، وهو الذي تستحي منه ملائكة الرحمن ، وهو المقتول ظلما ، غني عن التعريف ، كتبت في سيرته الكتب ، وتغير وجه التاريخ بمقتله ، والله سبحانه نسأل العودة إلى أصل الإسلام الصافي قبل الممات بفضله آمين. توفي يوم ٢٢ ذي الحجة سنة ٣٥ وقيل : غير ذلك.

ينظر ترجمته في : «أسد الغابة» (٣ / ٥٨٤) ، «الإصابة» (٤ / ٢٢٣) ، «الزهد» لوكيع (٥٢١) ، «التبصرة والتذكرة» (١ / ١٣١) ، «التعديل والتجريح» (١٠٤٣) ، «بقي بن مخلد» (٢٨)

(٣) وهو في «ديوانه» ص ٢١٦ ، و «لسان العرب» (عنن) ، و (ضحا) ، و «الدر المصون» (١ / ٤٦٦) ، والذهبي في «التاريخ» كما في «خزانة الأدب» (٩ / ٤١٨) ، ونسبه البغدادي لأوس بن مغراء ، وكذلك في المقاصد النحوية (٤ / ١٧) ، ولكثير بن عبد الله النهشلي في «الدرر» (٥ / ٢١٤) ، وبلا نسبة في «إصلاح المنطق» ص ٢٩٠.

وللبيت رواية أخرى لصدره ، وهي : هذا سراقة للقرآن يدرسه. وقوله : «ضحّوا» ... البيت أي : ذبحوه كالأضحية ؛ وذلك أنهم قتلوه في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين للهجرة. والشّمط : بياض الشعر من الرأس يخالط سواده. وكأنه قال : بأشمط ظاهر الخير.

(٤) هذا جزء من عجز بيت ، وهو :

لا تأمنن فزاريا خلوت به

على بعيرك .............

١٥١

أي : اجمعها.

وأما الفرقان ، فهو أيضا مصدر ؛ لأنه فرق بين الحقّ والباطل ، والمؤمن والكافر فرقانا وفرقانا.

وأما الذّكر ؛ فسمي بذلك لأنه ذكر به الناس آخرتهم وإلاههم ، وما كانوا في غفلة عنه ، فهو ذكر لهم ، وقيل : سمي بذلك ، لأن فيه ذكر الأمم الماضية ، والأنبياء ، وقيل : سمي بذلك ؛ لأنه ذكر وشرف لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقومه وسائر العلماء به.

وأما السّورة ، فإن قريشا كلّها ومن جاورها من قبائل العرب ؛ كهذيل ، وسعد بن بكر ، وكنانة يقولون : سورة ؛ بغير همز ، وتميم كلها وغيرهم يهمزون.

فأما من همز ، فهي عنده كالبقيّة من الشيء ، والقطعة منه التي هي سؤر وسؤرة من أسأر ، إذا أبقى ؛ ومنه سؤر الشراب. وأما من لا يهمز ، فمنهم من يراها من المعنى المتقدّم إلا أنها سهلت همزتها ، ومنهم من يراها مشبهة بسورة البناء ، أي : القطعة منه ؛ لأن كل بناء فإنما بني قطعة بعد قطعة ، فكل قطعة منها سورة ، فكان سور القرآن هي قطعة بعد قطعة ؛ حتى كمل منها القرآن ، ويقال أيضا للرتبة الرفيعة من المجد والملك : سورة ؛ ومنه قول النابغة الذبيانيّ (١) للنعمان بن المنذر (٢) [الطويل] :

__________________

ـ والبيت منسوب لسالم بن دارة الفزاري في «الكامل» (٩٨٨) ، و «خزانة الأدب» (٥ / ٥٣١) ، وفيها «على قلوصك» ، «شرح ديوان الحماسة» للتبريزي (١ / ٢٠٥) ، وبلا نسبة في «اللسان» (كتب) ، و «تاج العروس» (٤ / ١٠٣). وللبيت رواية أخرى كما في «شرح ديوان الحماسة» ، وهي :

وإن خلوت به في الأرض وحدكما

فاحفظ قلوصك واكتبها بأسيار

وقصة البيت أن بني فزارة كانت ترمى بغشيان الإبل ، فهجاهم سالم بقصيدة مطلعها :

يا صاحبيّ ألمّا بي على الدار

بين الهشوم وشطي ذات أمّار.

(١) زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني ، الغطفاني المضري ؛ أبو أمامة ، شاعر جاهلي. وكان الأعشى وحسان والخنساء ممن يعرض شعره على النابغة ، كان أحسن شعراء العرب ديباجة ، عاش عمرا طويلا. توفي في (١٨) ق ه.

ينظر : «شرح شواهد المغني» (٢٩) ، «معاهد التنصيص» (١ / ٢٣٣) ، «الأغاني» (١١ / ٣) ، و «جمهرة» (٥٢٤٢٦) ، و «نهاية الأرب» (٣ / ٥٩) ، و «الشعر والشعراء» (٣٨) ، «الأعلام» (٣ / ٥٤)

(٢) النعمان الثالث بن المنذر الرابع بن المنذر بن امرئ القيس اللخمي ، أبو قابوس ، من أشهر ملوك «الحيرة» في الجاهلية. كان داهية مقداما. وهو ممدوح النابغة الذبياني ، وحسان بن ثابت ، وحاتم الطائي. وهو صاحب إيفاد العرب على كسرى ، وباني مدينة «النعمانية» على ضفة دجلة اليمنى ، وصاحب يومي البؤس والنعيم. توفي سنة (١٥) قبل الهجرة.

١٥٢

ألم تر أنّ الله أعطاك سورة

ترى كلّ ملك دونها يتذبذب (١)

فكأن الرتبة انبنت حتى كملت.

وأما الآية ، فهي العلامة في كلام العرب ، ولما كانت الجملة التامة من القرآن علامة على صدق الآتي بها ، وعلى عجز المتحدّى بها ، سميت آية ، هذا قول بعضهم ، وقيل : سميت آية ؛ لما كانت جملة وجماعة كلام ؛ كما تقول العرب : جئنا بآيتنا ، أي : بجماعتنا ، وقيل : لما كانت علامة للفصل بين ما قبلها وما بعدها ، سمّيت آية.

* ت* : وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الصحيح : «آية المنافق ثلاث ؛ إذا حدّث كذب ...» الحديث (٢) ، و «آية الإيمان حبّ الأنصار (٣) ، وآية ما بيننا وبين المنافقين شهود العشاء» يقوّي القول الأول ، والله أعلم ، وهذا هو الراجح في مختصر الطبريّ ، قال : والآية العلامة ، وذلك أظهر في العربية والقرآن ، وأصحّ القول أن آيات القرآن علامات للإيمان ، وطاعة الله تعالى ، ودلالات على وحدانيته وإرسال رسله ، وعلى البعث والنشور ، وأمور الآخرة ، وغير ذلك ممّا تضمّنته علوم القرآن. انتهى.

__________________

انظر : «حمزة الأصفهاني» (٧٣ ـ ٧٤) ، «الصحاح» (٢ / ٣٤٠) ، «ابن خلدون» (٢ / ٢٦٥) ، «الأعلام» (٨ / ٤٣)

(١) البيت في ديوانه (٢٨) ، «ديوان المعاني» (١ / ١٦) ، و «المصون» (١٥٤) ، و «البحر المحيط» (١ / ٢٤٢) ، و «تفسير القرطبي» (١ / ٦٥) ، و «الدر المصون» (١ / ١٥٣) ، «اللسان» (سور) (٣ / ٢١٤٨). والمعنى : أعطاك رفعة وشرفا ومنزلة ، وجمعها (سور) ، أي : رفع.

(٢) أخرجه البخاري (١ / ١١١) ، كتاب «الإيمان» ، باب علامة المنافق ، حديث (٣٣) ، و (٥ / ٣٤١ ـ ٣٤٢) ، كتاب «الشهادات» ، باب من أمر بإنجاز الوعد ، حديث (٢٦٨٢) ، (٥ / ٤٤١) ، كتاب «الأدب» ، باب قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ، حديث (٦٠٩٥) ، ومسلم (١ / ٧٨) ، كتاب «الإيمان» ، باب بيان خصال المنافق ، حديث (٩٥ / ١٠٧) ، والترمذي (٥ / ١٩) ، كتاب «الإيمان» ، باب ما جاء في علامة المنافق ، حديث (٢٦٣١) ، والنسائي (٨ / ١١٧) ، كتاب «الإيمان» ، باب علامة المنافق ، وأحمد (٢ / ٣٥٧ ، ٣٩٧ ، ٥٣٦) ، وأبو عوانة (١ / ٢٠ ، ٢١) ، وأبو يعلى (١١ / ٤٠٦) ، رقم (٦٥٣٣) ، وابن الجوزي في «مشيخته» (ص ٥٩) من طرق ، عن أبي هريرة به.

(٣) أخرجه البخاري (٧ / ١٤١) ، كتاب «مناقب الأنصار» ، باب حب الأنصار من الإيمان ، حديث (٣٧٨٤) ، ومسلم (١ / ٨٥) ، كتاب «الإيمان» ، باب الدليل على أن حب الأنصار من الإيمان ، حديث (٧٤ / ١٢٨) ، والنسائي (٨ / ١١٦) ، كتاب «الإيمان» : باب علامة الإيمان ، وأبو يعلى (٧ / ١٩٠ ـ ١٩١) ، رقم (٤١٧٥) ، والبغوي في «شرح السنة» (٧ / ٢٤٠ ـ بتحقيقنا) ، من حديث أنس مرفوعا.

١٥٣

باب في الاستعاذة

قال الله عزوجل : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) [النحل : ٩٨] معناه : إذا أردت أن تقرأ ، فأوقع الماضي موقع المستقبل ؛ لثبوته ، وأجمع العلماء على أنّ قول القارئ : أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم ليس بآية من كتاب الله ، وأجمعوا على استحسان ذلك ، والتزامه عند كل قراءة في غير صلاة.

واختلفوا في التعوّذ في الصلاة ؛ فابن سيرين (١) والنّخعيّ (٢) وقوم يتعوّذون في كل ركعة ، ويمتثلون أمر الله سبحانه بالاستعاذة على العموم في كل قراءة ، وأبو حنيفة (٣)

__________________

(١) محمد بن سيرين الأنصاري مولاهم ، أبو بكر البصري ، إمام وقته. عن مولاه أنس ، وزيد بن ثابت ، وعمران بن حصين ، وأبي هريرة ، وعائشة ، وطائفة من كبار التابعين. وعنه الشعبي ، وثابت ، وقتادة ، وأيوب ، ومالك بن دينار ، وسليمان التّيمي ، وخالد الحذّاء ، والأوزاعي وخلق كثير. قال أحمد : لم يسمع من ابن عباس. وقال خالد الحذّاء : كل شيء يقول يثبت عن ابن عباس إنما سمعه من عكرمة أيام المختار. قال ابن سعد : كان ثقة مأمونا ، عاليا ، رفيعا ، فقيها ، إماما ، كثير العلم. وقال أبو عوانة : رأيت ابن سيرين في السوق فما رآه أحد إلا ذكر الله تعالى. وقال بكر المزني : والله ما أدركنا من هو أورع منه. وروي أنه اشترى بيتا ، فأشرف فيه على ثمانين ألف دينار ، فعرض في قلبه منه شيء فتركه. قال حماد بن زيد : مات سنة عشر ومائة.

ينظر : «الخلاصة» (٢ / ٤١٢) ، «تهذيب التهذيب» (٩ / ٢١٤) ، «الكاشف» (٣ / ٥١) ، «تاريخ البخاري الكبير» (١ / ٩٠) ، «الوافي بالوفيات» (٣ / ١٤٦)

(٢) إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي ، أبو عمران الكوفي ، الفقيه يرسل كثيرا عن علقمة ، وهمام بن الحارث ، والأسود بن يزيد ، وأبي عبيدة بن عبد الله ، ومسروق ، وخلق. وعنه الحكم ، ومنصور ، والأعمش ، وابن عون ، وزبيد وخلق. وكان لا يتكلم إلا إذا سئل. قال مغيرة : كنا نهاب إبراهيم كما يهاب الأمير. وقال الأعمش. كان إبراهيم يتوقى الشهرة ، ولا يجلس إلى الأسطوانة. وقيل : إنه لم يسمع من عائشة. قال أبو نعيم : مات سنة ست وتسعين. وقال عمرو بن عليّ : سنة خمس آخر السنة. وولد سنة خمسين ، وقيل سنة سبع وأربعين.

ينظر : «الخلاصة» (١ / ٥٩ ، ٦٠) ، «تاريخ البخاري الكبير» (١ / ٣٣٥) ، «الجرح والتعديل» (٢ / ١٤٦) ، «الثقات» (٦ / ٢٥) ، «لسان الميزان» (١ / ١٢٦)

(٣) النعمان بن ثابت ، التيمي بالولاء ، الكوفي ، أبو حنيفة : إمام الحنفية ، الفقيه المجتهد المحقق ، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة. قيل : أصله من أبناء فارس. ولد ونشأ بالكوفة. كان يبيع الخز ويطلب العلم في صباه. ثم انقطع للتدريس والإفتاء ، وامتنع عن القضاء ورعا ، كان قوي الحجة ، ومن أحسن الناس منطقا ، كريما في أخلاقه. وقال الشافعي : الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة ، ولد سنة (٨٠) ه ، وتوفي سنة (١٥٠) ه.

انظر : «تاريخ بغداد» (١٣ / ٣٢٣) ، «النجوم الزاهرة» (٢ / ١٢) ، «الأعلام» (٨ / ٣٦)

١٥٤

والشافعيّ (١) يتعوّذان / في الركعة الأولى من الصلاة ، ويريان قراءة الصلاة كلّها كقراءة واحدة ، ومالك ـ رحمه‌الله ـ لا يرى التعوّذ في الصلاة المفروضة ، ويراه في قيام رمضان ، ولم يحفظ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه تعوّذ في صلاة.

وأما لفظ الاستعاذة ، فالذي عليه جمهور الناس هو لفظ كتاب الله تعالى : أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم ، وأما المقرءون ، فأكثروا في هذا من تبديل الصفة في اسم الله ، وفي الجهة الأخرى ؛ كقول بعضهم : أعوذ بالله المجيد من الشّيطان المريد ، ونحو هذا مما لا أقول فيه : نعمت البدعة ، ولا أقول : إنه لا يجوز ، ومعنى الاستعاذة الاستجارة والتحيّز إلى الشيء على وجه الامتناع به من المكروه.

وأما الشيطان ، فاختلف في اشتقاقه (٢) ، فقال الحذّاق : هو فيعال من شطن ، إذا بعد ؛

__________________

(١) محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن الشافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف جد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وشافع بن السائب هو الذي ينسب إليه الشافعي ، لقي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في صغره ، وأسلم أبوه السائب يوم «بدر» ؛ فإنه كان صاحب راية بني هاشم ، وكانت ولادة الشافعي بقرية من الشام يقال لها «غزة». قاله ابن خلكان وابن عبد البر. وقال صاحب التنقيب : ب «منى» من مكة ، وقال ابن بكار : ب «عسقلان» ، وقال الزوزني : ب «اليمن» ، والأول أشهر ، وكان ذلك في سنة خمسين ومائة ، وهي السنة التي مات فيها الإمام أبو حنيفة (رحمه‌الله) حمل إلى مكة وهو ابن سنتين ، ونشأ بها ، وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين ، ثم سلمه أبوه للتفقه إلى مسلم بن خالد مفتي مكة ، فأذن له في الإفتاء. وهو ابن خمسة عشر سنة ، فرحل إلى الإمام مالك بن أنس ب «المدينة» ، فلازمه حتى توفي مالك (رحمه‌الله) ثم قدم «بغداد» سنة خمسة وتسعين ومائة ، وأقام بها سنتين ، فاجتمع عليه علماؤها ، وأخذوا عنه العلم ثم خرج إلى «مكة» حاجا ، ثم عاد إلى «بغداد» سنة ثمان وتسعين ومائة ، فأقام بها شهرين أو أقل ، فلما قتل الإمام موسى الكاظم خرج إلى «مصر» ، فلم يزل بها ناشرا للعلم ، وصنف بها الكتب الجديدة ، وانتقل إلى رحمة الله (تعالى) يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين ، ودفن بالقرافة بعد العصر في يومه.

ينظر : «ابن هداية الله» ص ١١ ، «سير أعلام النبلاء» (١٠ / ١) ، «التاريخ الكبير» (١ / ٤٢) ، «طبقات الحفاظ» (ص ١٥٢) ، «تذكرة الحفاظ» (١ / ٣٦١)

(٢) اختلف أهل العربية في اشتقاق «الشيطان» ، فقال جمهورهم : هو مشتق من «شطن يشطن» أي : بعد ؛ لأنه بعيد من رحمة الله تعالى ، وأنشدوا : [الوافر]

نأت بسعاد عنك نوى شطوف

فبانت والفؤاد بها رهين

وقال أمية بن أبي الصلت : [الخفيف]

أيّما شاطن عصاه عكاه

ثمّ يلقى في السّجن والأكبال

وحكى شيخ النحاة سيبويه : «تشيطن» أي فعل فعل الشياطين ، فهذا كله يدل على أنه من شطن ؛ لثبوت النون وسقوط الألف في تصاريف الكلمة ، ووزنه على هذا «فيعال».

وقيل : هو مشتق من «شاط يشيط» أي : هاج واحترق. ولا شك أن هذا المعنى موجود فيه ، فأخذوا.

١٥٥

لأنه بعد عن الخير والرحمة ، وأما الرجيم ، فهو فعيل بمعنى مفعول ؛ كقتيل وجريح ، ومعناه : أنه رجم باللعنة والمقت وعدم الرحمة.

باب في تفسير : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

روي أن رجلا قال بحضرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تعس الشّيطان» ؛ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تقل ذلك ؛ فإنّه يتعاظم عنده ولكن قل : بسم الله الرّحمن الرّحيم ، فإنّه يصغر حتّى يصير أقلّ من الذّباب» (١) ، والبسملة تسعة عشر حرفا ، قال بعض الناس : إن رواية بلغتهم أنّ ملائكة النار الذين قال الله فيهم : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) [المدثر : ٣٠] إنما ترتب عددهم على حروف : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) لكلّ حرف ملك ، وهم يقولون في كل أفعالهم : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فمن هناك هي قوتهم ، وباسم الله استضلعوا (٢).

قال* ع (٣) * : وهذا من ملح التفسير ، وليس من متين العلم.

* ت* : ولا يخفى عليك لين ما بلغ هؤلاء ، ولقد أغنى الله تعالى بصحيح

__________________

ـ بذلك أنه مشتق من هذه المادة ، لكن لم يسمع من تصاريفه إلا ثابت النون محذوف الألف ، كما تقدم. ووزنه على هذا «فعلان». ويترتب على القولين : صرفه وعدم صرفه إذا سمى به ، وأما إذا لم يسم به فإنه منصرف البتة ؛ لأن من شرط امتناع فعلان الصفة ألا يؤنث بالتاء ، وهذا يؤنث بها ، قالوا : شيطانة.

ينظر : «الدر المصون» ، للسمين الحلبي (١ / ٤٨ ـ ٤٩). بتصرف.

(١) أخرجه أبو داود (٢ / ٧١٤) ، كتاب «الأدب» ، باب (٧٧) ، حديث (٤٩٨٢) ، والنسائي في «الكبرى» (٦ / ١٤٢) ، كتاب «عمل اليوم والليلة» ، باب ما يقول إذا عثرت دابته ، حديث (١٠٣٨٨) ، كلاهما من طريق خالد الحذاء ، عن أبي تميمة ، عن أبي المليح ، عن رجل قال : كنت رديف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكره.

وأخرجه الحاكم (٤ / ٢٩٢) من طريق يزيد بن زريع : ثنا خالد الحذاء ، عن أبي تميمة ، عن رديف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم به.

وقال الحاكم : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، ورديف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي لم يسمه يزيد بن زريع ، عن خالد سماه غيره أسامة بن مالك والد أبي المليح بن أسامة.

ووافقه الذهبي ، وزاد : «ورواه محمد بن حمدان ، عن خالد ، عن أبي تميمة ، عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه. اه. والطريق الذي أشار إليه الذهبي :

أخرجه النسائي في «الكبرى» (٦ / ١٤٢) ، كتاب «عمل اليوم والليلة» ، باب ما يقول إذا عثرت به دابته ، حديث (١٠٣٨٩) ، من طريق أحمد بن عبدة ، عن محمد بن حمدان به. وأخرجه أحمد (٥ / ٥٩) ، والبغوي في «شرح السنة» (٦ / ٤٠١ ـ بتحقيقنا) ، من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن عاصم الأحول ، عن أبي تميمة الهجيمي ، عمن كان رديفه.

(٢) الضّلاعة : القوة وشدة الأضلاع ، والضليع : العظيم الخلق الشديد ، يقال : ضليع بيّن الضّلاعة.

ينظر : «لسان العرب» (٢٥٩٩)

(٣) «المحرر الوجيز» (١ / ٦١)

١٥٦

الأحاديث وحسنها عن موضوعات الورّاقين ، فجزى الله نقاد الأمة عنا خيرا.

وما جاء من الأثر عن جابر وأبي هريرة مما يقتضي بظاهره أن البسملة آية من الفاتحة يرده صحيح الأحاديث ؛ كحديث أنس ، وأبي بن كعب ، وحديث : «قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي» (١) ونحوها ، ولم يحفظ قطّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا عن الخلفاء بعده ؛ أنهم يبسملون في الصلاة (٢).

__________________

(١) أخرجه مالك (١ / ٨٤) ، كتاب «الصلاة» ، باب القراءة خلف الإمام ، الحديث (٣٩) ، وأحمد (٢ / ٢٨٥) ، ومسلم (١ / ٢٩٧) ، كتاب «الصلاة» ، باب وجوب قراءة الفاتحة ، الحديث (٣٩ و ٤٠) ، وأبو داود (١ / ٥١٢ ـ ٥١٣ ـ ٥١٤) ، كتاب «الصلاة» ، باب من ترك قراءة الفاتحة ، الحديث (٨٢١) ، والترمذي (٢ / ٢٥) ، كتاب «الصلاة» ، باب لا صلاة إلا بالفاتحة ، الحديث (٢٤٧) ، والنسائي (٢ / ١٣٥ ـ ١٣٦) ، كتاب «الصلاة» ، باب ترك قراءة البسملة في الفاتحة ، والبخاري في «جزء القراءة» (ص ٤) ، وابن ماجة (٢ / ١٢٤٣) ، كتاب «الأدب» ، باب ثواب القرآن ، حديث (٣٧٨٤) ، والدارقطني (١ / ٣١٢) وابن خزيمة (١ / ٢٥٣) ، والبيهقي (٢ / ٣٩) عن أبي هريرة.

ولفظ مالك عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة ، عن أبي هريرة ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ، هي خداج ، هي خداج غير تمام» قال : فقلت : يا أبا هريرة إني أحيانا أكون وراء الإمام ، قال : فغمز ذراعي ، ثم قال : اقرأ بها في نفسك يا فارسي ، فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «قال الله تبارك وتعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ، ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل» ؛ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقرءوا ، يقول العبد : الحمد لله رب العالمين ، يقول الله تعالى : حمدني عبدي» الحديث.

(٢) ذهب أكثر أهل العلم من الصحابة ، فمن بعدهم إلى ترك الجهر بالتسمية ، بل يسرّ بها ، منهم أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وغيرهم ، وهو قول إبراهيم النّخعي ، وبه قال مالك ، والثوري ، وابن المبارك ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي.

وذهب قوم إلى أنه يجهر بالتسمية للفاتحة والسورة جميعا ، وبه قال من الصحابة أبو هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأبو الزبير ، وهو قول سعيد بن جبير ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وإليه ذهب الشافعي. وروى في الحديث أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبا بكر يبدءون وعمر وعثمان كانوا يفتتحون القراءة ب «الحمد لله رب العالمين» معناه : أنهم كانوا يبدءون بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة ، وليس معناه : أنهم كانوا لا يقرءون «بسم الله الرحمن الرحيم». وكان الشافعي يرى أن يبدأ «ببسم الله الرحمن الرحيم» وأن يجهر بها إذا جهر بالقراءة. قال العلامة أحمد شاكر : ومن فقه أبي عيسى الترمذي أن عقد الخلاف في البابين (١٨٠ ، ١٨١) بين الجهر بالبسملة وترك الجهر بها ، ولم يعقد بين أصل قراءتها وتركها. أما أئمة القراءات ، فإنهم جميعا اتفقوا على قراءة البسملة في ابتداء قراءة كل سورة ، سواء الفاتحة أو غيرها من السور سوى «براءة» ولم يرد عن واحد منهم أبدا إجازة ابتداء القراءة بدون التسمية. قال ابن الجزري في «طيبته».

بسمل بين السّورتين (ب) س (ن) صف

(د) م (ش) ق (ر) جا وصل (ف) شا

وعن خلف (العاشر) فاسكت فصل

والخلف (ك) م (حما) (ج) لا (الأزرق)

إلى أن قال : وفي ابتداء السورة كلّ بسملا.

وقال صاحب «الشاطبية» : ولا بد منها (أي البسملة) في ابتدائك سورة.

١٥٧

* ع (١) * : والباء في (بِسْمِ اللهِ) متعلّقة عند نحاة البصرة باسم تقديره : ابتدائي مستقر أو ثابت باسم الله ، وعند نحاة الكوفة بفعل تقديره : ابتدأت باسم الله ، واسم : أصله سمو ؛ بكسر السين ، أو سمو ؛ بضمها ، وهو عند البصريين مشتقّ من السّمو (٢).

* ت* : وهو العلو والارتفاع.

__________________

ـ والحرف الأول في كلمة من البيتين يرمز لقارىء أو راو ، فالبسملة آية في كل سورة عند الأكثرين ، وهؤلاء هم أهل الرواية المنقولة بالسماع والتلقي شيخا عن شيخ في التلاوة والأداء ، وقد اتفقوا جميعا على قراءتها أول الفاتحة ، وإن وصلت بغيرها ، وجميع المصاحف التي كتبها الخليفة الثالث عثمان وأقرها الصحابة دون ما عداها كتبت فيها البسملة في أول كل سورة ، سوى «براءة» ، وأن الصحابة (رضوان الله عليهم) حين جمعوا القرآن في المصاحف جردوه من كل شيء غيره ، فلم يأذنوا بكتابة أسماء السور ولا أعداد الآي ولا «آمين» ، ومنعوا أن يجرؤ أحد على كتابة ما ليس في كتاب الله في المصاحف ، حرصا منهم على الحفاظ عليه ، فهل يعقل مع هذا كله أن يكتبوا مائة وثلاث عشرة بسملة زيادة على ما أنزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ ألا يدل دلالة قاطعة منقولة بالتواتر العمل المؤيد بالكتابة المتواترة على أنها آية من القرآن في كل موضع كتابة فيه؟!!

تنظر المسألة في : «الأم» للشافعي (١ / ٢١٣) ، «شرح المهذب» (٣ / ٢٨٨) ، «حلية العلماء ومعرفة مذاهب الفقهاء» (٢ / ١٠٢) ، «فتح الوهاب» للشيخ زكريا (١ / ٤٠) ، «الحاوي» للماوردي (٢ / ١٠٤) ، «روضة الطالبين» (١ / ٣٤٧) ، «بدائع الصنائع» (١ / ٢٠٣) ، «المبسوط» (١ / ١٥) ، «الهداية» (١ / ٤٨) ، «شرح فتح القدير» (١ / ٢٥٣ ، ٢٥٤) ، «الاختيار» (١ / ٥١) ، «الحجة على أهل المدينة» (١ / ٩٦) ، «الكافي» لابن عبد البر ص (٤٠) ، «المغني» لابن قدامة (٢ / ١٥١) ، «كشاف القناع» (١ / ٣٣٥) ، «الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف» (٢ / ٤٨) ، «بداية المجتهد» لابن رشد (١ / ٩٦ ـ ٩٧) ، «نيل الأوطار» (٢ / ٢٢٢ ـ ٢٣٢) ، «فتح العلام» ص (١٩٥) ، «سبل السلام» (١ / ٢٤١) ، «شرح البهجة» (١ / ٣٠٨ ـ ٣٠٩) ، «الجمل على المنهج» (١ / ٣٤٥) ، «مختلف الرواية» ص (٤١٢) ، «الأوسط» (٣ / ١١٩ ـ ١٢٣)

(١) «المحرر الوجيز» (١ / ٦١)

(٢) اشتقاق الاسم عند المحققين من النحويين من السمو ، وهو الارتفاع ، ومحل مرتفع فهو ظاهر. والاسم يظهر المسمى عند السامع ؛ فاشتق من السمو لذلك ، وقد قيل : إنما اشتق الاسم من السمو ؛ لكون الكلام على ثلاثة أقسام. وضع لكل قسم عبارة ، وكان الاسم المقدم ؛ فأعطي أرفع العبارات ، وكان الحرف المتأخر ؛ إذ لا معنى له في ذاته ، فأعطي أحط العبارات ، وكان الفعل واسطة بينهما فتوسط اسمه.

وذهب قوم إلى أن اشتقاق الاسم من السمة ، وهي العلامة ، والاسم جعل دلالة على المسمى ، وهذا تبطله صناعة العربية ؛ إذ لو كان مشتقا من السمة لقيل في تصغيره : وسيم ، ولا يقال ذلك إنما يقال في تصغيره سميّ ، وكذلك في جمعه أسماء برد لام الفعل. والتكبير والتصغير يردان الأشياء إلى أصولها ، فصح أن اشتقاقه من السمو.

ينظر : «العلوم المستودعة في السبع المثاني» (ج ٢) ، و «الصاوي على الخريدة» (٦ ـ ٧).

١٥٨

قال* ص (١) * : والاسم : هو الدالّ بالوضع. على موجود في العيان ؛ إن كان محسوسا ، وفي الأذهان ؛ إن كان معقولا من غير تعرّض ببنيته للزمان ، ومدلوله هو المسمّى (٢) ، والتسمية جعل ذلك اللفظ دليلا على المعنى ، فهي أمور ثلاثة متباينة ، فإذا أسندت حكما إلى لفظ اسم ، فتارة يكون حقيقة ؛ نحو : زيد ؛ اسم ابنك ، وتارة يكون مجازا وهو حيث يطلق الاسم ، ويراد به المسمّى ؛ كقوله تعالى : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) [الرحمن : ٧٨] ، و (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ) [الأعلى : ١] ، وتأول السّهيليّ : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ) ؛ على إقحام الاسم ، أي : سبح ربك ، وإنما ذكر الاسم حتى لا يخلو التسبيح من / اللفظ باللسان ؛ لأن الذكر بالقلب متعلّقه المسمى ، والذكر باللسان متعلقه اللفظ ، وتأول قوله تعالى : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً) [يوسف : ٤٠] ؛ بأنها أسماء كاذبة غير واقعة على الحقيقة ؛ فكأنهم لم يعبدوا إلا الأسماء التي اخترعوها. انتهى.

وقال الكوفيّون : أصل اسم وسم من السّمة ، وهي العلامة ؛ لأن الاسم علامة لمن وضع له ، والمكتوبة التي لفظها الله أبهر أسمائه تعالى وأكثرها استعمالا ، وهو المتقدّم لسائرها في الأغلب ، وإنما تجيء الأخر أوصافا ، وحذفت الألف الأخيرة من الله لئلّا يشكل بخط «اللّات» ، وقيل : طرحت تخفيفا.

__________________

(١) ينظر : «المجيد في إعراب القرآن المجيد» لإبراهيم بن محمد الصفاقسيّ ص (٤١).

(٢) في حقيقة الاسم عند المتكلمين خلاف مشهور ، فذهب الأشعرية إلى أنه عين المسمى. وذهبت المعتزلة إلى أنه غير المسمى ، وقالت الأشعرية وطائفة من المتكلمين : إن الكلام في الاسم والمسمى يعرفك حقيقة صفات معبودك ، فتصل بذلك إلى تصحيح توحيدك ، فإذا لم ينظر الإنسان ويستدل فكيف يصل إلى المعرفة التي كلفها؟! لكن منع الشافعي رضي الله عنه ، وابن حبل ، وأكثر الفقهاء ، والمحدثين (رضي الله عنهم) طريق الكلام في الاسم والمسمى. حتى قال الشافعي : إذا سمعت الرجل يقول : الاسم هو المسمى أو غير المسمى فاشهد بأنه من أهل الكلام ولا دين له.

وعلى كل ، فطريق المتكلمين غير طريق الفقهاء والمحدثين ؛ فإن الفقهاء والمحدثين أخذوا الأمور بالتسليم والنقل ، والمتكلمون ركبوا إلى النقل طريق النظر بالعقل ، فأقاموا صناعة غير معهودة في السلف ، وقالوا : نفتح بها طريق النظر ؛ إذ السلف كانوا لقرب عهدهم بالنبوة ولاشتغال أفكارهم بالنظر في ملكوت السماء والأرض مستغنين عن هذه الصناعة ؛ إذ كانت الأدلة راسخة في قلوبهم ، وطرق الاستدلال نيرة في عقولهم ، فلما ذهب ذلك الجيل الجليل وفترت الدواعي ، وفشت البدع بسوء النظر ، وجب أن يحرّ طريق النظر ، وتنهج مسلك العبر ، وتبين الأدلة الصحيحة من الفاسدة ، وتصان عقائد الخلق عن تشويش المبتدعة والمارقة ، فتكلموا بما لم يعهد من السلف الكلام فيه ، فمن العلماء من يؤثره ويراه عين الصواب ، ومنهم من يجتنبه ويجعله عين الضلال ، ومنهم من يتوقف فيه ، ومنهم من يرتضي منه أسلوبا دون غيره من الأساليب. انظر : «العلوم المستودعة في السبع المثاني» ١٩ خ.

١٥٩

والرّحمن (١) : صفة مبالغة من الرحمة ، معناها : أنه انتهى إلى غاية الرحمة ، وهي صفة تختصّ بالله تعالى ، ولا تطلق على البشر ، وهي أبلغ من فعيل ، وفعيل أبلغ من فاعل ؛ لأن راحما يقال لمن رحم ولو مرة واحدة ، ورحيما يقال لمن كثر منه ذلك ، والرحمن النهاية في الرحمة (٢).

__________________

(١) ينظر : «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى» للإمام القرطبي ، (١ / ٦١ : ٩٢)

(٢) قال الشيخ أبو حيان : «وكان القياس الترقي كما تقول : عالم نحرير ، وشجاع باسل ، لكن أردف الرحمن الذي يتناول جلائل النعم وأصولها ، ليكون كالتتمة والرديف ؛ ليتناول ما دق منها وما لطف ، واختاره الزمخشري».

ينظر : «البحر المحيط» (١ / ١٢٨).

١٦٠