تفسير الثعالبي - ج ١

عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف أبي زيد الثعالبي المالكي

تفسير الثعالبي - ج ١

المؤلف:

عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف أبي زيد الثعالبي المالكي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧

يتنخّل لي في المناظرة من علم التفسير ، قال : ولنقدّم بين يدي القول في التفسير أشياء قد قدّم

__________________

* حديث أنس بن مالك :

أخرجه ابن شاهين في «الناسخ والمنسوخ» (ص ٢٧٤ ـ بتحقيقنا) والخطيب في «تاريخ بغداد» (١٠ / ٤٦) ، وفي «تقييد العلم» (ص ـ ٧٠) وفي «الجامع لأخلاق الراوي» (١ / ٢٢٨) ، رقم (٤٤٠) ، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (١ / ٨٦) ، رقم (٩٤) ، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (١ / ٣٠٦) ، كلهم من طريق عبد الحميد بن سليمان ، عن ابن المثنى ، عن عمه ثمامة بن أنس ، عن أنس بن مالك مرفوعا.

وقال الخطيب في «التقييد» : تفرد برواية هذا الحديث عبد الحميد بن سليمان الخزاعي المدني أخو فليح عن عبد الله بن المثنى مرفوعا ، وغيره يرويه موقوفا على أنس ، وقال ابن الجوزي : هذا حديث لا يصح ؛ تفرد بروايته مرفوعا عبد الحميد ، قال يحيى بن معين وأبو داود : ليس بثقة. وقال الدارقطني : ضعيف الحديث. قال : ووهم ابن المثنى في رفعه ، والصواب : عن ثمامة ، عن أنس أنه كان يقول ذلك لبنيه ، ولا يرفعه. اه.

وعبد الحميد بن سليمان قال الحافظ في «التقريب» (١ / ٤٦٨) : ضعيف.

وقال العسكري كما في «المقاصد» (ص ٥٥) : ما أحسبه من كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأحسب عبد الحميد وهم فيه ، وإنه من قول أنس ؛ فقد روى عبد الله بن المثنى عن ثمامة قال : كان أنس يقول لبنيه : يا بني قيدوا العلم بالكتاب. اه.

وللحديث طريق آخر مرفوع.

أخرجه أبو نعيم في «أخبار أصبهان» (٢ / ٢٢٨) والقضاعي في «مسند الشهاب» (٦٣٧) كلاهما من طريق إسماعيل بن أبي أويس ، عن إسماعيل بن إبراهيم ابن أخي موسى بن عقبة ، عن الزهري ، عن أنس مرفوعا به. وإسماعيل بن أبي أويس ، قال الحافظ في «التقريب» (١ / ٧١) : صدوق ، أخطأ في أحاديث من حفظه. وقد ورد هذا الحديث موقوفا على أنس كما أشار إليه بعضهم كما تقدم.

والموقوف أخرجه الدارمي (١ / ١٢٦ ـ ١٢٧) ، باب : من رخص في كتابه العلم ، وأبو خيثمة في «العلم» رقم (١٢٠) ، والطبراني في «الكبير» (١ / ٢٤٦) ، رقم (٧٠٠) ، والحاكم (١ / ١٠٦) ، والخطيب في «تقييد العلم» ص (٩٦) ، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (٧ / ١٦) ، والرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (ص ـ ٣٦٨) ، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (١ / ٣١٦) ، كلهم من طريق عبد الله بن المثنى الأنصاري ، عن ثمامة ، عن أنس موقوفا.

والحديث ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١ / ١٥٥) وقال : رواه الطبراني في «الكبير» ، ورجاله رجال الصحيح ، وعبد الله بن المثنى قال الحافظ في «هدي الساري» (ص ـ ٤٣٦) : وثقه العجلي والترمذي ، واختلف فيه قول الدارقطني ، وقال ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم صالح ، وقال النسائي : ليس بالقوي وقال الساجي : فيه ضعف ، ولم يكن من أهل الحديث ، وروى مناكير ، وقال العقيلي : لا يتابع على أكثر حديثه. قلت : لم أر البخاري احتج به إلا في روايته عن عمه ثمامة ، فعنده عنه أحاديث ، وأخرج له من روايته عن ثابت عن أنس حديثا توبع فيه عنده ، وهو في فضائل القرآن ، وأخرج له أيضا في اللباس عن مسلم بن إبراهيم عنه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر في النهي عن القزع بمتابعة نافع وغيره عن ابن عمر ، وروى له الترمذي وابن ماجه.

وقال في «التقريب» (١ / ٤٤٥) : صدوق كثير الغلط.

١٢١

أكثرها المفسّرون ، وأشياء ينبغي أن تكون راسخة في حفظ الناظر في هذا العلم مجتمعة لذهنه.

__________________

* حديث عبد الله بن عمرو :

أخرجه الحاكم (١ / ١٠٦) ، والخطيب في «تقييد العلم» (ص ٦٩) ، والطبراني في «الأوسط» (١ / ٤٦٩) رقم (٨٥٢) ، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (١ / ٨٧) ، رقم (٩٦) كلهم من طريق عبد الله بن المؤمل ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن عبد الله بن عمرو قال : قلت يا رسول الله : أقيد العلم؟ قال : نعم ، قلت : وما تقييده؟ قال : الكتابة.

وضعفه الحاكم ، وقال الذهبي : ابن المؤمل ضعيف.

تنبيه : وقع في «المعجم الأوسط» عبد الله بن المؤمل ، عن عطاء ، ولم يذكر ابن جريج.

وقد اضطرب عبد الله بن المؤمل في إسناد هذا الحديث ، فرواه كما تقدم ، ورواه مرة ، عن ابن أبي مليكة ، عن عبد الله بن عمرو ، أخرجه الخطيب في «تقييد العلم» (ص ـ ٦٨) ، والرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (ص ٣٦٤) ، وأخرجه الخطيب أيضا في «الجامع لأخلاق الراوي» (١ / ٢٢٨) ، رقم (٤٣٩) ، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (١ / ٨٦) رقم (٩٥) كلهم من طريق سريج بن النعمان عنه به.

وقد ضعف ابن الجوزي هذا الطريق والذي قبله ، فقال : هذه الطرق كلها لا تصح ، أما الطريقان الأولان ففيهما عبد الله بن المؤمل قال أحمد : أحاديثه مناكير. وقال يحيى بن معين : ضعيف ، وقال أبو حاتم بن حبان : لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد. اه.

واضطرب فيه ابن المؤمل مرة ثالثة ، فرواه عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده.

أخرجه الخطيب البغدادي في «تقييد العلم» (ص ـ ٦٩) ، وقد توبع ابن المؤمل على هذا ، تابعه ابن أبي ذئب : أخرجه الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (ص ٣٦٤) ، والخطيب في «تقييد العلم» (ص ـ ٦٩) ، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (١ / ٨٧) ، رقم (٩٧) ، كلهم من طريق إسماعيل بن يحيى ، عن ابن أبي ذئب ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده به.

ونقل ابن الجوزي ، عن الدارقطني قوله : تفرد به إسماعيل بن يحيى ، عن ابن أبي ذئب.

وقال ابن الجوزي : فيه إسماعيل بن يحيى ، قال ابن عدي : يحدث عن الثقات بالبواطيل ، وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات وما لا أصل له عن الأثبات ، لا يحل الرواية عنه بحال ، وقال الدارقطني : كذاب متروك.

* حديث ابن عباس :

أخرجه ابن عدي في «الكامل» (٢ / ٧٩٢) من طريق حفص بن عمر بن أبي العطاف ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج. عن ابن عباس مرفوعا.

وقال ابن عدي : وحفص بن عمر حديثه منكر.

والحديث من هذه الطرق يحتمل التحسين ، وله شواهد موقوفة عن عمر بن الخطاب ، وابن عباس.

* أثر عمر :

أخرجه ابن أبي شيبة (٩ / ٤٩) ، والدارمي (١ / ١٢٧) ، والخطيب في «تقييد العلم» (ص ٨٨) ، والحاكم (١ / ١٠٦) من طريق ابن جريج ، عن عبد الله بن عبد الملك بن أبي سفيان ، عن عمه عمرو بن أبي سفيان ، عن عمر ، فذكره. وصححه الحاكم.

* أثر ابن عباس :

أخرجه الخطيب في «تقييد العلم» ص (٩٢) من طريق عكرمة بن عمار ، عن يحيى بن أبي كثير. قال :

١٢٢

باب في فضل القرآن (١)

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّها ستكون فتن ؛ كقطع اللّيل المظلم ، قيل : فما النّجاة منها ، يا رسول الله؟ قال : كتاب الله تبارك وتعالى ؛ فيه نبأ من قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو فصل ؛ ليس بالهزل ، من تركه تجبّرا ، قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه الله ، وهو حبل الله المتين ، ونوره المبين ، والذّكر الحكيم ، والصّراط المستقيم ، هو الّذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تتشعّب معه الآراء ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يملّه الأتقياء ، من علم علمه سبق ، ومن عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن اعتصم به ، فقد هدي إلى صراط مستقيم» (٢) ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أراد علم الأوّلين والآخرين ، فليثوّر القرآن» (٣) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الّذي يتعاهد القرآن ، ويشتدّ عليه له أجران ، والّذي يقرؤه وهو خفيف عليه مع السّفرة الكرام البررة» (٤) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اتلوا هذا القرآن ،

__________________

ـ قال ابن عباس : قيدوا العلم بالكتاب.

وسنده ضعيف ؛ فرواية عكرمة بن عمار عن يحيى مضطربة.

(١) هذا الباب يوجد في «المحرر الوجيز» (١ / ٣٦) هكذا : باب : ما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعن الصحابة ، وعن نبهة العلماء ، في فضل القرآن المجيد ، وصورة الاعتصام به.

(٢) أخرجه الترمذي (٥ / ١٧٢) ، كتاب فضائل القرآن ، باب ما جاء في فضائل القرآن ، حديث (٢٩٠٦) ، والدارمي (٢ / ٤٣٥) ، كتاب فضائل القرآن ، باب فضل من قرأ القرآن ، كلاهما من طريق الحسين بن علي الجعفي ، عن حمزة الزيات ، عن أبي المختار الطائي ، عن ابن أخي الحارث الأعور ، عن الحارث ، عن علي به.

وقال الترمذي : هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وإسناده مجهول ، وفي الحارث مقال.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٣٧) ، وعزاه إلى ابن أبي شيبة ، والدارمي ، والترمذي ، ومحمد بن نصر ، وابن الأنباري في «المصاحف».

(٣) ذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (١ / ٥٤٨) رقم (٢٤٥٤) ، وعزاه إلى الديلمي ، عن أنس مرفوعا ، وقد ورد هذا الحديث عن ابن مسعود لكن موقوفا ، فأخرجه الطبراني في «الكبير» (٩ / ١٤٦) ، رقم (٨٦٦٥) من طريق زهير ، عن أبي إسحاق ، عن مرة ، عن ابن مسعود ، وذكره الهيثمي في «المجمع» (٧ / ١٦٨) ، وقال : رواه الطبراني بأسانيد ، ورجال أحدها رجال الصحيح.

وأخرجه الطبراني أيضا (٩ / ١٤٦) ، رقم (٨٦٦٦) من طريق شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن مرة ، عن عبد الله قال : «من أراد العلم فليثور القرآن ، فإن فيه علم الأولين والآخرين» وأخرجه ابن المبارك في «الزهد» (ص ٢٨٠) ، رقم (٨١٤) ، والفريابي في «فضائل القرآن» (ص ـ ١٩٧) ، رقم (٧٨) ، وأبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص ٣٦) رقم (٨٠). وابن أبي شيبة (١٠ / ٤٨٥) ، رقم (١٠٠٦٧) كلهم من طريق سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن مرة ، عن ابن مسعود قال : «إذا أردتم العلم فأثيروا القرآن ، فإن فيه علم الأولين والآخرين».

(٤) أخرجه البخاري (٨ / ٥٦٠) ، كتاب التفسير ، باب سورة «عبس» ، حديث (٤٩٣٧) ، ومسلم (١ / ٥٥٠) ،

١٢٣

فإنّ الله يأجركم بالحرف منه عشر حسنات ؛ أما إنّي لا أقول «آلم» حرف ، ولكن الألف حرف ، واللّام حرف ، والميم حرف» (١) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من شفيع أفضل عند الله من القرآن ، لا نبيّ ولا ملك» (٢) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أفضل عبادة أمّتي القرآن» (٣) ، وحدّث أنس بن

__________________

ـ كتاب «صلاة المسافرين» ، باب فضل الماهر بالقرآن ، حديث (٧٩٨ / ٢٤٤) ، وأبو داود (١ / ٤٦٠) ، كتاب الصلاة ، باب في ثواب قراءة القرآن ، حديث (١٤٥٤) ، والترمذي (٥ / ١٧١) ، كتاب «فضائل القرآن» ، باب ما جاء في فضل قارئ القرآن ، حديث (٢٩٠٤) ، والنسائي في «التفسير» (٢ / ٤٩٢) ، رقم (٦٦٦) ، وابن ماجة (٢ / ١٢٤٢) ، كتاب «الأدب» ، باب ثواب القرآن ، حديث (٣٧٧٩) ، وأحمد (٦ / ٤٨ ، ١١٠ ، ١٩٢ ، ٢٣٩) ، وعبد الرزاق (٢ / ٤٩١) ، رقم (٤١٩٤) ، وابن أبي شيبة (١٠ / ٤٩٠) ، رقم (١٠٠٨٥) ، والدارمي (٢ / ٤٤٤) ، كتاب «فضائل القرآن» ، باب فضل من يقرأ القرآن ويشتد عليه ، والطيالسي (٢ / ٢ ـ منحة) ، رقم (١١٨٤) ، والبيهقي (٢ / ٣٩٥) ، كتاب «الصلاة» ، وفي «شعب الإيمان» (٤ / ٥٣٧) ، رقم (١٨٢٢) ، وأبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص ـ ٥) ، رقم (٦) ، والفريابي في «الفضائل» (ص ـ ١١٤) ، وابن الضريس في «فضائل القرآن» (ص ٣٩) ، رقم (٢٩) ، وابن حبان (٣ / ٤٤) ، رقم (٧٦٧) ، من طرق ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن سعد بن هشام الأنصاري ، عن عائشة مرفوعا.

وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.

(١) أخرجه الترمذي (٥ / ١٧٥) ، كتاب «فضائل القرآن» ، باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن ما له من الأجر ، حديث (٢٩١٠) ، والبخاري في «التاريخ الكبير» (١ / ٢١٦) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٤ / ٥٤٨) ، رقم (١٨٣١) كلهم من طريق الضحاك بن عثمان ، عن أيوب بن موسى قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول : سمعت عبد الله بن مسعود يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول : (الم) حرف ، ولكن ألف حرف ، وميم حرف». وقال الترمذي : «هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ، سمعت قتيبة يقول : بلغني أن محمد بن كعب القرظي ولد في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...» اه. قلت : الذي ولد في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كعب والد محمد ، وينظر «الإصابة» (٦ / ٣٤٦)

(٢) ذكره الغزالي في «الإحياء» (١ / ٢٧٣).

وقال الحافظ العراقي في «تخريجه» : رواه عبد الملك بن حبيب من رواية سعيد بن سليم مرسلا. اه.

وينظر : «كشف الخفاء» (١ / ٢٠)

(٣) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (٢ / ٣٥٤) ، رقم (٢٠٢٢) من طريق سلمة بن كهيل ، عن حجية بن عدي ، عن النعمان بن بشير مرفوعا.

وقد ورد بلفظ : «أفضل العبادة قراءة القرآن».

ذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (١ / ٥١١) ، رقم (٢٢٦٣) ، وعزاه إلى ابن قانع ، عن أسير بن جابر ، وإلى السجزي في «الإبانة» ، عن أنس.

وأسير بن جابر في صحبته نظر ، قاله ابن الأثير كما في «فيض القدير» (٢ / ٤٤).

والحديث ذكره الغزالي في «الإحياء» (١ / ٢٧٣) ، وقال الحافظ العراقي : أخرجه أبو نعيم في «فضائل القرآن» من حديث النعمان بن بشير ، وأنس ، وإسنادهما ضعيف.

١٢٤

مالك (١) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : «من قرأ مائة آية ، كتب من القانتين ، ومن قرأ مائتي آية ، لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ ثلاثمائة آية ، لم يحاجّه القرآن» (٢) ، قال الشيخ يحيى بن شرف النوويّ (٣) : اعلم أنّ قراءة القرآن آكد الأذكار ، وأفضلها ؛ فينبغي المداومة عليها ؛ فلا يخلو عنها يوما وليلة ، ويحصل له أصل القراءة بقراءة الآيات القليلة ، والمطلوب القراءة بالتدبّر والخشوع والخضوع ، وقد روّينا في كتاب ابن السّنّيّ عن أنس ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ أنّه قال : «من قرأ خمسين آية ، لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ مائة آية ، كتب من القانتين ، ومن قرأ مائتي آية ، لم يحاجّه القرآن يوم القيامة ، ومن قرأ خمسمائة آية ، كتب له قنطار من الأجر» ، وفي رواية : «من قرأ أربعين آية بدل : «خمسين» ، وفي رواية : «عشرين (٤) آية» وفي رواية عن أبي هريرة (٥) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ عشر آيات لم يكتب

__________________

(١) أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ـ واسمه تيم الله ـ بن ثعلبة بن عمرو بن خزرج بن حارثة.

أبو حمزة. الأنصاري. الخزرجي. النجاري من بني عدي بن النجار. خادم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. توفي سنة ٩٠ وقيل غير ذلك.

ينظر ترجمته في : «أسد الغابة» (٢٥٨ / ١ / ١٥١) ، «الإصابة» (١ / ٧١) ، «تجريد أسماء الصحابة» (١ / ٣١) ، «الاستيعاب» (١ / ١٠٩) ، «الثقات» (٣ / ٤) ، «سير أعلام النبلاء» (٣ / ٣٩٥) ، «الجرح والتعديل» (٢ / ١٠٣٦) ، «الأعلام» (٢ / ٢٤) ، «العبر» (١ / ١٠٧) ، «تهذيب الكمال» (١ / ١٢٢) ، «تقريب التهذيب» (١ / ١٤) ، «الوافي بالوفيات» (٩ / ٤١١) ، «تاريخ الثقات» (٧٣)

(٢) أخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» رقم (٦٧٩)

(٣) ينظر : «الأذكار» ص ١٣٣ ، بتصرف.

(٤) أخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» رقم (٦٧٩)

(٥) أبو هريرة بن عامر بن عبد ذي الشّرى بن طريف بن عتاب بن أبي صعب بن منبه بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب. الدوسي. وقيل في نسبه غير ذلك. واختلف في اسمه اختلافا كثيرا. ذكره ابن حجر في «الإصابة» وقد عدد من أقوالهم في اسمه الشيء الكثير.

قال ابن الأثير :

أبو هريرة ـ الدوسي صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأكثرهم حديثا عنه ، وهو دوسي. وقد اختلف في اسمه اختلافا كثيرا لم يختلف في اسم آخر مثله ولا ما يقاربه .. وقيل : رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي كمه هرة فقال : «يا أبا هريرة».

وفاته : قيل توفي سنة (٥٧) ، وله (٧٨ سنة) ، قيل : مات ب «العقيق» ، وحمل إلى المدينة.

ينظر ترجمته في : «أسد الغابة» (٦ / ٣١٨) ، «الإصابة» (٧ / ١٩٩) ، «الاستيعاب» (١٧٦٨) ، «تجريد أسماء الصحابة» (٢ / ٢٠٩) ، «تهذيب الكمال» (٣ / ١٦٥٥) ، «تهذيب التهذيب» (١٢ / ٢٦٢) ، «الكنى والأسماء» (١ / ٦٠) ، «المغني» (٢٩٨) ، «الكاشف» (٣ / ٣٨٥) ، «الأنساب» (٥ / ٤٠٢) ، «تنقيح المقال» (٣ / ٣٨) ، «معرفة الثقات» (٢٢٧٥٦) ، «تاريخ الثقات» (٢٠٦١)

١٢٥

من الغافلين» (١) ، وجاء في الباب أحاديث كثيرة بنحو هذا. انتهى من «الحلية».

وروى ابن عبّاس (٢) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «أشراف أمّتي حملة القرآن» (٣) ، وروى أنس بن مالك ؛ أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «القرآن شافع مشفّع وما حل مصدّق ، ومن شفع له القرآن نجا ، ومن محل به القرآن يوم القيامة ، كبّه الله لوجهه في النّار» (٤) ، وأحقّ من شفع

__________________

(١) أخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» (ص ١٨٨) ، رقم (٧٠٢) ، و «الحاكم» (١ / ٥٥٥) ، كلاهما من طريق محمد بن إبراهيم الصوري ، عن مؤمل بن إسماعيل ، عن حماد بن سلمة ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة به وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه.

ووافقه الذهبي.

قلت : ومؤمل بن إسماعيل. وثقه ابن معين وإسحاق بن راهويه.

وقال ابن سعد : ثقة كثير الغلط.

وقال الدارقطني : كثير الخطأ.

وقال الساجي : صدوق كثير الخطأ ، وله أوهام يطول ذكرها.

وقال أبو حاتم : صدوق شديد السنة ، كثير الخطأ.

وقال البخاري : منكر الحديث.

وقد لخص الحافظ هذه الأقوال في «التقريب» فقال : صدوق إلا أنه سىء الحفظ.

ينظر : «الجرح والتعديل» (٨ / ٣٧٤) ، و «التقريب» (٢ / ٥٥٥) و «التهذيب» (١٠ / ٣٨٠ ـ ٣٨١)

(٢) هو : عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو العباس. القرشي. الهاشمي. ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أمه : أم الفضل لبابة بنت الحارث. الهلالية.

ولد وبنو هاشم بالشّعب قبل الهجرة بثلاث ، وقيل : بخمس. كان يسمى «البحر» لسعة علمه ، ويسمى «حبر الأمة» ، ويسمى «ترجمان القرآن» ، وهو من صغار الصحابة توفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وله على أرجح الأقوال ثلاث عشرة سنة. توفي ب «الطائف» سنة ٦٨ وله (٧١ أو ٧٢ أو ٧٤).

ينظر ترجمته في : «الإصابة» (٤ / ٩٠) ، «أسد الغابة» (٣ / ٢٩٠) ، «الاستيعاب» (٣ / ٩٣٣) ، «تجريد أسماء الصحابة (١ / ٣٢٠) ، «التاريخ الكبير» (٣ / ٣ ، ٥) «الجرح والتعديل» (٥ / ١١٦) ، «العبر» (١ / ٤١) ، «الأعلام» (٤ / ٩٥) ، «شذرات الذهب» (١ / ٧٥) «صفوة الصفوة» (١ / ٧٤٦)

(٣) أخرجه السهمي في «تاريخ جرجان» (ص ـ ٤٩٤) ، والطبراني في «الكبير» (١٢ / ١٢٥) ، رقم (١٢٦١٢) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٢ / ٥٥٦) ، رقم (٢٧٠٣) ، والخطيب في «تاريخ بغداد» (٤ / ١٢٤) ، كلهم من طريق سعد بن سعيد الجرجاني : ثنا نهشل بن عبد الله ، عن الضحاك ، عن ابن عباس مرفوعا.

والحديث ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧ / ١٦٤) ، وقال : وفيه سعد بن سعيد الجرجاني ، وهو ضعيف.

والحديث ضعفه المنذري في «الترغيب» (٩١٩)

(٤) أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب «فضائل القرآن» كما في «تخريج الكشاف» للزيلعي (٢ / ١٨٧ ، ١٨٨) من طريق حجاج عن ابن جريج قال : حدثت عن أنس ، فذكره وقال الزيلعي : وفيه انقطاع ، وحجاج ضعيف.

١٢٦

له القرآن أهله وحملته ، وأولى من محل به من عدل عنه ، وضيّعه ، وقال قوم من الأنصار للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألم تر يا رسول الله ثابت بن قيس (١) ؛ لم تزل داره البارحة يزهر فيها وحولها أمثال المصابيح؟! فقال لهم : فلعلّه قرأ سورة البقرة ، فسئل ثابت بن قيس فقال : نعم ، قرأت سورة البقرة» (٢) ، وفي هذا المعنى حديث صحيح عن أسيد بن حضير (٣) في تنزّل

__________________

وللحديث شواهد من حديث جابر وابن مسعود.

* حديث جابر :

أخرجه ابن حبان (١٧٩٣ ـ موارد) ، والبزار (١ / ٧٨ ـ كشف) ، رقم (١٢٢) ، كلاهما من طريق أبي كريب محمد بن العلاء : ثنا عبد الله بن الأجلح ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «القرآن شافع مشفع ، وما حل مصدّق ، من جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار».

وصححه ابن حبان.

وقال البزار : لا نعلم أحدا يرويه عن جابر إلّا من هذا الوجه وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١ / ١٧٤) ، وقال : ورجال حديث جابر المرفوع ثقات.

* حديث ابن مسعود :

أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٤ / ١٠٨) ، والطبراني في «الكبير» (١٠ / ٢٤٤) ، رقم (١٠٤٥٠) ، كلاهما من طريق هشام بن عمار : ثنا الربيع بن بدر ، عن الأعمش ، عن شقيق أبي وائل ، عن ابن مسعود مرفوعا.

وقال أبو نعيم : غريب من حديث الأعمش ، تفرد به عنه الربيع.

(١) ثابت بن قيس بن الشماس بن زهير بن مالك. أبو عبد الرحمن وأبو محمد. الأنصاريّ الخزرجي.

خطيب الأنصار. قال ابن الأثير : كان ثابت خطيب الأنصار ، وخطيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما كان حسان شاعره .. شهد أحدا وما بعدها ، وقتل يوم اليمامة في خلافة أبي بكر شهيدا. روى عنه أنس بن مالك وأولاده.

ينظر ترجمته في : «تجريد أسماء الصحابة» (١ / ٦٤) ، «الاستيعاب» (١ / ٢٠٠) ، «الاستبصار» (١ / ١١٧) ، «الإصابة» (١ / ٢٠٣) ، «أسد الغابة» (١ / ٢٧٥) ، «الثقات» (٣ / ٤٣) ، «تقريب التهذيب» (١ / ١١٦) ، «تهذيب التهذيب» (٢ / ١٢) ، «تهذيب الكمال» (١ / ٣٦٨) ، «الكاشف» (١ / ١٧١) ، «التاريخ الكبير» (٥ / ١٦٧) ، «الجرح والتعديل» (٢ / ٤٥٦) ، «سير أعلام النبلاء» (١ / ٣٠٨)

(٢) أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب : «فضائل القرآن» كما في «تفسير ابن كثير» (١ / ٣٣) ، قال حدثنا عباد بن عباد ، عن جرير بن حازم ، عن عمه جرير بن يزيد ؛ أن أشياخ أهل المدينة حدثوه ، فذكروا الحديث.

وقال ابن كثير : وهذا إسناد جيد إلا أن فيه إبهاما ، ثم هو مرسل.

(٣) هو : أسيد بن الحضير بن سماك بن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل .. قيل كنيته : أبو حضير ، أبو عمرو ، أبو عيسى ، أبو يحيى ، أبو عتيك. الأنصاري. الأشهلي الأوسي ، شهد العقبة الثانية ، وكان نقيبا لبني عبد الأشهل. اختلف في شهوده بدرا ، وشهد أحدا وكان ممن ثبت يومها ، وجرح حينئذ سبع جراحات ، قال ابن إسحاق : حدثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن ـ

١٢٧

الملائكة في الظّلّة لصوته بقراءة سورة البقرة (١).

قلت : وفي رواية سورة الكهف.

وهذا الحديث خرّجه البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنّسائيّ. انتهى.

وقال عقبة بن عامر (٢) : «عهد إلينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حجّة الوداع ، فقال : عليكم بالقرآن» (٣) ، وقال عبد الله بن عمرو بن العاصي (٤) : إنّ من أشراط السّاعة أن يبسط

__________________

ـ عائشة قالت : «ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد منهم يلحق في الفضل كلهم من بني عبد الأشهل : سعد بن معاذ ؛ وأسيد بن حضير ، وعباد بن بشير. توفي سنة (٢٠) ، وقيل ٢١ ، وقيل : في إمارة عمر. ينظر ترجمته في : «تجريد أسماء الصحابة» (١ / ٢١) ، «الثقات» (٣ / ٦) ، «أسد الغابة» (١ / ١١١) ، «الإصابة» (١ / ٤٨) ، «الإكمال» (٢ / ٤٨٢) ، «الاستيعاب» (١ / ٩٢) ، «تهذيب الكمال» (١ / ١١٣)

(١) أخرجه البخاري (٨ / ٦٨٠) ، كتاب «فضائل القرآن» ، باب : نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن ، حديث (٥٠١٨)

(٢) هو : عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو بن عدي بن عمرو بن رفاعة بن مودعة بن عدي بن غنم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة ... الجهني ، أبو حماد. وقيل : أبو لبيد. وأبو عمرو.

قال ابن الأثير في «الأسد» :

روى عنه من الصحابة : ابن عباس ، وأبو عباس ، وأبو أيوب ، وأبو أمامة ، وغيرهم. ومن التابعين : أبو الخير ، وعلي بن رباح أبو قبيل ، وسعيد بن المسيب وغيرهم.

شهد «صفين» مع معاوية ، وشهد فتوح الشام ، وهو كان البريد إلى عمر بفتح «دمشق» ، وكان من أحسن الناس صوتا بالقرآن. توفي بمصر ، وكان واليا عليها سنة (٥٨ ه‍.) ينظر ترجمته في : «أسد الغابة» (٤ / ٥٣) ، «الإصابة» (٤ / ٢٥٠) ، «الثقات» (٣ / ٢٨٠) ، «الطبقات الكبرى» (٢ / ٣٧٦) ، «التاريخ الكبير» (٦ / ٣٤٠) ، «التاريخ الصغير» (٢ / ١٢٣) ، «الرياض المستطابة» (٢٢٠) ، «الأعلام» (٢ / ٢٤٠) ، «العبر» (١ / ٦٢) ، «الإكمال» (٦ / ٨٨) ، «سير أعلام النبلاء» (٢ / ٤٦٧) ، «طبقات الحفاظ» (١٠) «تذكرة الحفاظ» (١ / ٤٢) ، «روضات الجنات» (٨ / ٣٨) ، «الجرح والتعديل» (٦ / ٣١٣) ، «تهذيب الكمال» (٢ / ٩٤٥) ، «تقريب التهذيب» (٢ / ٢٧)

(٣) أخرجه الطبراني في «الكبير» (١٩ / ٢٩٦) ، رقم (٦٥٨)

(٤) هو : عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي .. أبو محمد. وقيل : أبو عبد الرحمن. القرشي. السهمي. أسلم قبل أبيه ، وكان من فضلاء الصحابة عالما بالقرآن ، وقرأ الكتب المتقدمة ، وكان من أشهر حفاظهم ، وأخباره كثيرة لا يتسع المقام للحديث عنه.

وفاته : قيل : توفي سنة (٦٣) وقيل غير ذلك.

ينظر ترجمته في : «أسد الغابة» (٣ / ٣٤٩) ، «الإصابة» (٤ / ١١١) ، «الثقات» (٣ / ٢١١) ، «الاستيعاب» (٣ / ٢٥٦) ، «تجريد أسماء الصحابة» (١ / ٣٢٦) ، «الجرح والتعديل» (٥ / ١١٦) ، «تقريب التهذيب» (١ / ٤٣٦) ، «تهذيب التهذيب» (٥ / ٣٣٧) ، «تهذيب الكمال» (٢ / ٧١٦) ، «شذرات الذهب» (١ / ٦٢) ، «النجوم الزاهرة» (٢٠) ، «الوافي بالوفيات» (١٧ / ٣٨٠)

١٢٨

القول ، ويخزن الفعل ، ويرفع الأشرار ، ويوضع الأخيار ، وأن تقرأ المثناة على رءوس النّاس ، لا تغيّر ، قيل : وما المثناة (١)؟ قال : ما استكتب من غير كتاب الله ، قيل له : فكيف بما جاء من حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : ما أخذتموه عمّن تأمنونه على نفسه ودينه فاعقلوه ، وعليكم بالقرآن فتعلّموه ، وعلّموه أبناءكم ؛ فإنّكم عنه تسألون ، وبه تجزون ، وكفى به واعظا لمن عقل (٢) ؛ وقال رجل لعبد الله بن مسعود (٣) : أوصني ، فقال : إذا سمعت الله تعالى يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فأرعها سمعك ؛ فإنّه خير يأمر به ، أو شرّ ينهى عنه (٤) ، وروى أبو هريرة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن أحسن النّاس قراءة أو صوتا بالقرآن فقال : «الّذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى» (٥) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقرءوا بالقرآن قبل أن يجيء قوم يقيمونه كما يقام القدح (٦) ، ويضيّعون معانيه ، يتعجّلون أجره ، ولا

__________________

(١) قال العلامة ابن الأثير : وقيل : إن المثناة هي أن أحبار بني إسرائيل بعد موسى ـ عليه‌السلام ـ وضعوا كتابا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله ، فهو المثناة ، فكأن ابن عمرو كره الأخذ عن أهل الكتاب ، وقد كانت عنده كتب وقعت إليه يوم اليرموك منهم ، فقال هذا لمعرفته بما فيها.

قال الجوهري : «المثناة» هي التي تسمى بالفارسية دوبتي ، وهو الغناء. ينظر : «النهاية في غريب الحديث والأثر» (١ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦)

(٢) أخرجه الدارمي (١ / ١٢٣) ، باب : من لم ير كتابة الحديث.

(٣) هو : عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن سمع بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن الحرث بن تيم بن سعد بن هذيل أبو عبد الرحمن الهذلي. حليف بني زهرة.

قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أول الإسلام «إنك غلام معلم» وقال هو : لقد رأيتني سادس ستة ، وما على الأرض مسلم غيرنا ، وكان يقول أخذت من في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سبعين سورة ، وهو أول من جهر بالقرآن بمكة. توفي سنة : ٣٢ ، وقيل : ٣٣ ، وقيل : توفي بالمدينة ، وقيل : بالكوفة ، والأول أرجح.

ينظر ترجمته في : «أسد الغابة» (٣ / ٤٨٤) ، «الإصابة» (٤ / ١٢٩) ، «الثقات» (٣ / ٢٠٨) ، «الاستبصار» (٦٥ ، ١٣٩) ، «تجريد أسماء الصحابة» (١ / ٣٣٤) ، «الأعلام» (٤ / ١٣٧) ، «التاريخ الصغير» (١ / ٦٠) ، «الجرح والتعديل» (٥ / ١٤٩) ، «العبر» (١ / ٢٥) ، «حلية الأولياء» (١ / ٣٧٥) ، «سير أعلام النبلاء» (١ / ٤٦١)

(٤) أخرجه أحمد في «الزهد» (ص ٢٣١) رقم (٨٦٤) وابن المبارك في «الزهد» (ص ١٢) رقم (٣٦) وسعيد بن منصور رقم (٥٠) وابن أبي حاتم في «تفسيره» كما في «تفسير ابن كثير» (٢ / ٢) وأبو نعيم في «الحلية» (١ / ١٣٠).

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ١٩٥) ولكن عن ابن عباس وأظنه خطأ من الطابع أو الناسخ وزاد نسبته إلى أبي عبيد في «فضائله» والبيهقي في «شعب الإيمان».

(٥) أخرجه عبد الرزاق (٢ / ٤٨٨) رقم (٤١٨٥) عن طاوس مرسلا.

وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧ / ١٧٣) من حديث ابن عمر وعزاه للطبراني في الأوسط وقال : وفيه حميد بن حماد بن حوار وثقه ابن حبان وقال : ربما أخطأ وبقية رجاله رجال الصحيح.

(٦) القدح : السهم قبل أن ينصّل ويراش. ينظر : «لسان العرب» (٣٥٤٢)

١٢٩

يتأجّلونه» (١) ، وروي أنّ أهل اليمن ، لمّا قدموا أيام أبي بكر الصديق (٢) رضي الله عنه سمعوا القرآن فجعلوا يبكون ، فقال أبو بكر : «هكذا كنّا ، ثمّ قست القلوب» (٣) ، وروي أنّ عمر بن الخطّاب (٤) رضي الله عنه قرأ مرة (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ* ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) [الطور : ٧ ، ٨] فأنّ أنّة عيد منها عشرين يوما (٥) ، قال القرطبي في «التّذكرة» (٦) : وما تقرّب

__________________

(١) أخرجه أبو داود (١ / ٢٨٠) ، كتاب : «الصلاة» ، باب : ما يجزىء الأمي والأعجمي من القراءة ، حديث (٨٣٠) ، وأحمد (٣ / ٣٩٧) ، والفريابي في «فضائل القرآن» (ص ٢٤٤) ، رقم (١٧٤) ، والآجري في «أخلاق أهل القرآن» (ص ٩٢) ، رقم (٢٨) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٥ / ٥٧٥ ـ ٥٧٦) ، رقم (٢٣٩٩) ، كلهم من طريق حميد الأعرج ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر مرفوعا.

وأخرجه أحمد (٣ / ٣٥٧) ، وأبو يعلى (٤ / ١٤٠) ، رقم (٢١٩٧) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» ، (٥ / ٥٧٦ ـ ٥٧٧) ، رقم (٢٤٠٠) من طريق أسامة بن زيد الليثي ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر به. وقد روي هذا الحديث عن ابن المنكدر مرسلا.

أخرجه عبد الرزاق (٣ / ٣٨٢) رقم (٦٠٣٤) ، وابن أبي شيبة (١٠ / ٤٨٠) ، رقم (١٠٠٥٣) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٥ / ٥٧٥) ، رقم (٢٣٩٨) ، عن ابن المنكدر ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرسلا.

(٢) هو : عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي .. القرشي. التيمي أبو بكر الصديق بن أبي قحافة ، خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ولد بعد الفيل بسنتين وستة أشهر. هو صحابي شهير غني عن التعريف ، وقد جاءت ترجمته في مصادر يصعب حصرها في مثل هذا الموضع. توفي يوم الاثنين في جمادى الأولى سنة (١٣) وله (٦٣ سنة). ينظر ترجمته في : «الاستيعاب» (٢٩٣) ، «أسد الغابة» (٦ / ٣٧) ، «الإصابة» (٤ / ١٠١) ، «المغني» (٢٨٦) ، «تجريد أسماء الصحابة» (٢ / ١٥٢) ، «الكنى والأسماء» (١ / ٦) ، «بقي بن مخلد» (٣٠) ، «الزهد لوكيع» (٩٩) ، «تاريخ الثقات» (١٩٠٦) ، «معرفة الثقات» (٢٠٩٢) ، «الأعلام» (٤ / ١٠٢) ، «تهذيب الكمال» (٣ / ١٥٨٩) ، «تهذيب التهذيب» (١٢ / ٤٣) ، «تقريب التهذيب» (٢ / ٤٠١) ، «تذكرة الحفاظ» (١ / ٢) ، «شرف أصحاب الحديث» (٣٥ ، ٩٠) ، «أصحاب بدر» (٤١) ، «التحفة اللطيفة» (٢ / ٣٥٨) ، «تاريخ الإسلام» (٢ / ٩٧) «الرياض المستطابة» (١٤٠) ، «صفة الصفوة» (١ / ٢٣٥)

(٣) أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (١ / ٣٣ ـ ٣٤) من طريق الأعمش عن أبي صالح به وذكره الهندي في «كنز العمال» (٤٠٩٧) وعزاه لأبي نعيم.

(٤) عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي .. أبو حفص. القرشي. العدوي. أمير المؤمنين. الفاروق.

ولد بعد «الفجار الأعظم» بأربع سنين قبل المبعث النبوي بثلاثين سنة ، وقيل : يرون ذلك. طعن يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة (٢٣) ، ودفن يوم الأحد صباح هلال المحرم سنة (٢٤) على أرجح الأقوال. ينظر ترجمته في : «أسد الغابة» (٤ / ١٤٥) ، «الإصابة» (٤ / ٢٧٥) ، «تجريد أسماء الصحابة» (١ / ٣٩٧) ، «الاستيعاب» (٣ / ١١٤٤) ، «الجرح والتعديل» (٦ / ١٠٥) ، «تقريب التهذيب» (٢ / ٥٤٠) ، «تهذيب التهذيب» (٧ / ٤٣٨) ، «الكاشف» (٣٠٩) ، «تاريخ جرجان» (٧٣٠)

(٥) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٤٦) وعزاه إلى أبي عبيد في «فضائله».

(٦) ينظر : «التذكرة» (١ / ١٢٦)

١٣٠

المتقرّبون إلى الله تعالى بشيء مثل القرآن ؛ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يقول الرّبّ تبارك وتعالى : من شغله قراءة القرآن عن مسألتي ، أعطيته أفضل ما أعطي السّائلين» رواه الترمذي. انتهى.

قلت : ولفظ الترمذيّ عن أبي سعيد (١) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يقول الرّبّ عزوجل : «من شغله القرآن وذكري عن مسألتي ، أعطيته أفضل ما أعطي السّائلين» ، و «فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه» ، قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب (٢).

__________________

(١) هو : سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر بن عوف بن الحارث بن الخزرج .. أبو سعيد الخدري ، الأنصاري.

قال ابن الأثير :

كان من الحفاظ لحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المكثرين ومن العلماء الفضلاء العقلاء. روى عن أبي سعيد قال : عرضت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الخندق وأنا ابن ثلاث عشرة ، فجعل أبي يأخذ بيدي ويقول : يا رسول الله ، إنه عبل العظام. فردني. توفي سنة «٧٤ ه‍.».

ينظر ترجمته في : «أسد الغابة» (٦ / ١٤٣) ، «الإصابة» (٧ / ٨٤) ، «الاستيعاب» (٢ / ١٦٧١) ، «تجريد أسماء الصحابة» (٢ / ١٧٢) ، «الأنساب» (٥ / ٦) ، «الإكمال» (٣ / ٢٩٦) ، «تهذيب الكمال» (٣ / ١٦٠٩) ، «تقريب التهذيب» (٢ / ٤٢٨)

(٢) أخرجه الترمذي (٥ / ١٨٤) ، كتاب «فضائل القرآن» ، باب (٢٥) ، حديث (٢٩٢٦) ، والدارمي (٢ / ٤٤١) ، كتاب «فضائل القرآن» ، باب فضل كلام الله على سائر الكلام ، وابن نصر في «قيام الليل» (ص ٧١) ، والعقيلي في «الضعفاء» (٤ / ٤٩) ، وأبو نعيم في «الحلية» (٥ / ١٠٦) ، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص ٢٣٨) ، كلهم من طريق محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني ، عن عمرو بن قيس ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري به مرفوعا. وقال الترمذي : حديث حسن غريب.

والحديث أعله العقيلي في «الضعفاء» بمحمد بن الحسن وقال : لا يتابع عليه.

وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (٢ / ٨٢) ، رقم (١٧٣٨) : سألت أبي عن حديث رواه محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني ، عن عمرو بن قيس ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال الله عزوجل : «من شغله القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته أفضل ثواب السائلين» قال أبي : هذا حديث منكر ، ومحمد بن الحسن ليس بالقوي اه. فأعل العقيلي وأبو حاتم هذا الحديث بمحمد بن الحسن. قلت : قال البيهقي : تابعه الحكم بن بشير ، ومحمد بن مروان ، عن عمرو بن قيس ؛ لتنحصر علة الحديث في ضعف وتدليس عطية العوفي.

وللحديث شاهد من حديث عمر بن الخطاب : أخرجه البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص ٩٣) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (١ / ٤١٣) ، رقم (٥٧٢) ، كلاهما من طريق صفوان بن أبي الصهباء ، عن بكير بن عتيق ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، عن جده مرفوعا به ، ومن طريق صفوان أورده ابن الجوزي في «الموضوعات» (٣ / ١٦٦) ، وقال : قال ابن حبان : هذا موضوع ؛ ما رواه إلا صفوان بهذا الإسناد ، فأما صفوان ، فيروي عن الأثبات ما لا أصل له من حديث الثقات ، ولا يجوز الاحتجاج بما انفرد به.

١٣١

وعن عبد الله بن عمرو ؛ أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لم يفقه من قرأ القرآن في أقلّ من ثلاث» ، قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح (١). انتهى.

وعماد الأمر التدبّر والتفهّم ، فقلّة القراءة مع التفهّم أفضل من كثرتها من غير تفهّم ، وهذا الذي عليه المحقّقون ، وهو الذي يدلّ عليه القرآن ، وصحيح الآثار ، ولو لا الإطالة ، لأتينا من ذلك بما يثلج له الصدر ، وقد ذكر بعض شراح «الرسالة» (٢) في الذي يقرأ القرآن من غير تأمّل ولا تفهّم ، هل له أجر أم لا؟ قولان ، وهذا الخلاف ، والله أعلم ، في غير المتعلّم ، والقول بعدم الأجر على ضعفه هو ظاهر ما حكاه عياض (٣) في «المدارك» عن

__________________

وللحديث شاهد آخر من حديث حذيفة : أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٧ / ٣١٣) ، عن أبي مسلم عبد الرحمن بن واقد ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن منصور ، عن ربعي ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قال الله تعالى : من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته قبل أن يسألني».

وقال أبو نعيم : غريب ، تفرد به أبو مسلم.

وأخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (١ / ٤١٣ ـ ٤١٤) ، رقم (٥٧٣) ، من طريق يزيد بن خمير ، عن جابر ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ربه تبارك وتعالى قال : «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين».

(١) أخرجه الترمذي (٥ / ١٩٨) ، كتاب «القراءات» ، باب (١٣) ، حديث (٢٩٤٩) ، وأبو داود (١ / ٤٤٣) ، كتاب «الصلاة» ، باب تحزيب القرآن ، حديث (١٣٩٤) ، وابن ماجة (١ / ٤٢٨) ، كتاب «الصلاة» ، باب في كم يستحب يختم القرآن ، حديث (١٣٤٧) ، والدارمي (١ / ٣٥٠) ، كتاب «الصلاة» ، باب في كم يختم القرآن ، وأحمد (٢ / ١٩٥) ، وابن حبان (٣ / ٣٥) ، رقم (٧٥٨) ، كلهم من طريق قتادة ، عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا.

وقال الترمذي : حديث حسن صحيح. وصححه ابن حبان.

(٢) هي «الرسالة القشيرية» في التصوف ، للإمام أبي القاسم عبد الكريم ابن هوازن القشيري ، الأستاذ الشافعي ، المتوفى سنة ٤٦٥ ه‍ ، عن تسعة وثمانين عاما ، وهي على أربعة وخمسين بابا ، وثلاثة فصول ، وقد شرحها القاضي زكريا بن محمد الأنصاري ت ٩١٠ ، في مجلد مع المتن ، سماه «إحكام الدلالة على تحرير الرسالة».

ومن شروحها «الدلالة على فوائد الرسالة» للشيخ الفقيه سديد الدين أبي محمد عبد المعطي بن محمود بن عبد العلي اللخمي.

وشرحها ـ أيضا ـ المولى علي القاري في مجلدين. ينظر : «كشف الظنون» (٨٨٣)

(٣) هو أبو الفضل عياض ـ بكسر العين ـ بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى اليحصبي ـ بضم الصاد ـ المالكي ، سبتي الدار والميلاد ، أندلسي الأصل ، ولد سنة ٤٧٦ ه‍ ، ورحل إلى «الأندلس» ، وأخذ عن علمائها كأبي الوليد بن رشد ، وأبي علي الغساني ، وغيرهما ، ثم عاد إلى «سبتة» وتولى بها التدريس والقضاء ، وصار إمام وقته في الحديث ، والتفسير ، والفقه ، والأصول ، كما كان عالما بالنحو واللغة ومن أشهر مؤلفاته : كتاب «التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة» ، وكتاب «ترتيب المدارك في طبقات أصحاب مالك». توفي سنة ٥٤٤ ه‍.

ينظر : «ترتيب المدارك» (١ / ١٨) ، «الفكر السامي» (٣ / ٥٨) وما بعدها ، «شجرة النور» ص ١٤٠.

١٣٢

الشّبليّ في قصّته مع الإمام المقرئ.

وبالجملة فالتدبّر والتفهّم هو الذي يحصل معه الإنابة والخشوع ، وكل خير ، ونقل الباجيّ (١) في «سنن الصّالحين» عن محمد بن كعب القرظيّ (٢) قال : لأن أقرأ في ليلي حتّى أصبح ب «إذا زلزلت» ، وبالقارعة لا أزيد عليهما وأتردّد فيهما وأتفكّر أحبّ إليّ من أن أهذّ القرآن ليلي هذّا ، أو قال : أنثره نثرا (٣) ، ونحوه عن مجاهد (٤) وغيره ، وعن ابن عبّاس قال : «ركعتان مقتصدتان في تفكّر خير من قيام ليلة والقلب ساه (٥). انتهى.

قال ابن أبي جمرة (٦) : والمرغّب فيه التدبّر في القراءة ، وإن قلّت ، وهو خير من كثرة

__________________

(١) القاضي أبو الوليد : هو سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث الباجي ، أصلهم من «بطليوس» ، ثم انتقلوا إلى باجة أعني «باجة» الأندلس ، أخذ بالأندلس عن ابن الأصبغ ، وابن محمد المكي ، وابن شاكر ، وغيرهم ، ورحل سنة ٤٢٦ ، فأقام بالحجاز مع أبي ذر الهروي ثلاثة أعوام ، ثم ارتحل إلى «بغداد» ، فدرس الفقه ، وسمع الحديث ثم دخل «الشام» ثم «الموصل». له مؤلفات عديدة منها : كتاب «السراج في علم الحجاج» ، وكتاب «مسائل الخلاف» ، وكتاب «شرح المدونة» ، وكتاب «المقتبس» من علم مالك ، وكتاب «المهذب في اختصار المدونة» ، وكتاب «اختلاف الموطأ» ، وكتاب «إحكام الفصول في أحكام الوصول» ، وكتاب «المنتقى في شرح الموطأ» ، وهو اختصار لكتاب «الاستيفاء» ، وتوفي سنة ٤٩٤ ه‍ ، وقيل سنة ٤٧٤.

ينظر : «الديباج» ص ١٢٠ وما بعدها ، و «شجرة النور» ص ١٢١.

(٢) محمد بن كعب القرظي المدني ، ثم الكوفي أحد العلماء. قال ابن عون : ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من القرظي. وقال ابن سعد : كان ثقة ورعا كثير الحديث. قيل : مات سنة تسع عشرة ومائة. وقيل : سنة عشرين.

ينظر : «خلاصة تهذيب الكمال» (٢ / ٤٥٢) «تهذيب التهذيب» (٩ / ٤٢٠) ، «تقريب التهذيب» (٢ / ٢٠٣) ، «الكاشف» (٣ / ٩٢) ، «الثقات» (٥ / ٣٥١) ، «طبقات ابن سعد» (٥ / ٣٧٠ ، ٣٧١)

(٣) أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (٣ / ٢١٤ ـ ٢١٥)

(٤) مجاهد بن جبر ، مولى السائب بن أبي السائب ، أبو الحجّاج المكي ، المقرئ ، الإمام ، المفسّر ، روى عن ابن عباس وقرأ عليه. قال مجاهد : عرضت على ابن عباس ثلاثين مرة. روى عن الصحابة. وثقه ابن معين وأبو زرعة. ولد سنة ٢١ ه‍ ، وتوفي ب «مكة» وهو ساجد سنة ١٠٢ ه‍ ، وقيل : غير ذلك.

ينظر : «الخلاصة» (٣ / ١٠) (٦٨٥٤) ، «صفة الصفوة» (٢ / ٢٠٨ ـ ٢١١) ، و «ميزان الاعتدال» (٣ / ٤٣٩ ـ ٤٤٠)

(٥) ذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (٨ / ٢٠١) رقم (٢٢٥٤٤) وعزاه لابن أبي الدنيا في «التفكر».

(٦) عبد الله بن سعد بن سعيد بن أبي جمرة ، الأزدي ، الأندلسي ، أبو محمد : من العلماء بالحديث ، مالكي. أصله من «الأندلس» ، ووفاته ب «مصر» ، من كتبه «جمع النهاية» اختصر به صحيح البخاري ، ويعرف بمختصر ابن أبي جمرة ، و «بهجة النفوس» في شرح جمع النهاية ، و «المرائي الحسان» في الحديث ، و «الرؤيا».

ينظر : «الأعلام» (٤ / ٨٩) ، «البداية والنهاية» (١٣ / ٣٤٦)

١٣٣

القراءة بلا تدبّر ؛ وفائدة التدبّر هو أن تعرف معنى ما تتلوه من الآي (١). انتهى.

وقال الحسن بن أبي الحسن (٢) : إنّكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل ، وجعلتم الليل جملا تركبونه ، فتقطعون به المراحل ، وإن من كان قبلكم رأوه رسائل إليهم من ربّهم ، فكانوا يتدبّرونه بالليل ، وينفذونه بالنهار ، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول : أنزل عليهم القرآن ليعملوا به فاتّخذوا درسه عملا ، إنّ أحدهم ليتلو القرآن من فاتحته إلى خاتمته ، ما يسقط منه حرفا ، وقد أسقط العمل به.

قال* ع (٣) * : قال الله تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) [القمر : ٢٢] وقال تعالى : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) [المزمل : ٥] ، أي : علم معانيه ، والعمل به ، والقيام بحقوقه ثقيل ، فمال الناس إلى الميسّر ، وتركوا الثقيل ، وهو المطلوب منهم ، وقيل ليوسف بن أسباط (٤) : بأي شيء تدعو ، إذا ختمت القرآن؟ فقال : أستغفر الله من تلاوتي ؛ لأنّي إذا ختمته ، ثم تركت ما فيه من الأعمال ، خشيت المقت ، فأعدل إلى الاستغفار والتسبيح ، وقرأ رجل القرآن على بعض العلماء ، قال : فلما ختمته ، أردت الرجوع من أوّله ، فقال لي : اتخذت القراءة عليّ عملا ، اذهب فاقرأه على الله تعالى في ليلك ، وانظر ماذا يفهمك منه ، قال الغزّاليّ في كتاب «التفكّر» : وأما طريق الفكر الذي تطلب به العلوم التي تثمر اجتلاب أحوال محمودة ، أو التنزّه عن صفات مذمومة ، فلا يوجد فيه أنفع من تلاوة القرآن بالفكر ؛ فإنه جامع لجميع المقامات والأحوال ، وفيه شفاء للعالمين ، وفيه ما يورث الخوف ، والرجاء ، والصبر ، والشكر ، والمحبة ، والشوق ، وسائر الأحوال المحمودة ، وفيه ما يزجر

__________________

(١) «بهجة النفوس» لابن أبي جمرة (٤ / ٧٦)

(٢) الحسن بن أبي الحسن البصري ، مولى أم سلمة ، والربيع بنت النضر ، أو زيد بن ثابت ، أبو سعيد الإمام ، أحد أئمة الهدى والسنة. قال ابن سعد : كان عالما جامعا رفيعا ثقة مأمونا عابدا ، ناسكا ، كثير العلم فصيحا جميلا ، وسيما ، ما أرسله فليس بحجة ، وكان الحسن شجاعا من أشجع أهل زمانه. قال ابن علية : مات سنة عشر ومائة. قيل : ولد سنة إحدى وعشرين لسنتين بقيتا من خلافة عمر. قال أبو زرعة : كل شيء قال الحسن : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجدت له أصلا ثابتا خلا أربعة أحاديث.

ينظر : «خلاصة تهذيب الكمال» (١ / ٢١٠) ، «تهذيب الكمال» (١ / ٢٥٥) ، «تهذيب التهذيب» (٢ / ٢٦٣) و «تقريب التهذيب» (١ / ١٦٥) ، «خلاصة تهذيب الكمال» (١ / ٢١٠) ، «الكاشف» (١ / ٢٢٠)

(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٣٩)

(٤) أحد الزهاد والعباد ، وكان له اليد الطولى في المواعظ والحكم. روى عن الثوري وزائدة بن قدامة وغيرهما. وروى عنه المسيب بن واضح ، وعبد الله بن خبيق. نزل الثغور مرابطا. قال شعيب بن حرب : ما أقدم على يوسف بن أسباط أحدا. وقد وثقه ابن معين. ينظر ترجمته في : «حلية الأولياء» (٨ / ٢٣٧) ، «سير أعلام النبلاء» (٩ / ١٦٩)

١٣٤

عن سائر الصفات المذمومة ، فينبغي أن يقرأه العبد ، ويردّد الآية الّتي هو محتاج إلى التفكّر فيها مرة بعد أخرى ، ولو ليلة كاملة ، فقراءة آية بتفكّر وفهم خير من ختمة من غير تدبّر وفهم ؛ فإن تحت كل كلمة منه أسرارا لا تنحصر ، ولا يوقف عليها إلا بدقيق الفكر عن صفاء القلب بعد صدق المعاملة ؛ وكذلك حكم مطالعة أخبار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقد أوتي عليه‌السلام جوامع الكلم ، فكل كلمة من كلماته بحر من بحور الحكمة ، لو تأمله العالم حقّ تأمله ، لم ينقطع فيه نظره طول عمره ، وشرح آحاد الآيات والأخبار يطول ، وانظر قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ روح القدس نفث في روعي (١) ؛ أحبب من أحببت ، فإنّك مفارقه ، وعش ما شئت فإنّك ميّت ، واعمل ما شئت ، فإنّك مجزيّ به» ؛ فإن هذه الكلمات جامعة لحكم الأولين والآخرين ؛ وهي كافية للمتأملين ، ولو وقفوا على معانيها ، وغلبت على قلوبهم غلبة يقين ، لاستغرقتهم ، ولحالت بينهم ، وبين التلفّت إلى الدنيا بالكلية. انتهى من «الإحياء».

باب في فضل تفسير القرآن وإعرابه

قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه (٢) ، فإنّ الله تعالى يحبّ أن يعرب». قال أبو العالية (٣) في تفسير قوله عزوجل : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً)

__________________

(١) الرّوع : القلب والعقل ، ووقع ذلك في روعي ، أي نفسي وخلدي وبالي.

ينظر : «لسان العرب» ١٧٧٨.

(٢) أخرجه أبو يعلى (١١ / ٤٣٦) ، رقم (٦٥٦٠) ، والحاكم (٢ / ٤٣٩) ، وابن أبي شيبة (١٠ / ٤٥٦) ، رقم (٩٩٦١) ، والخطيب في «تاريخ بغداد» (٨ / ٧٧ ـ ٧٨) كلهم من طريق عبد الله بن سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعا.

وقال الحاكم : صحيح الإسناد على مذهب جماعة من أئمتنا. وتعقبه الذهبي بقوله : بل أجمع على ضعفه.

والحديث ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧ / ١٦٧) وقال : رواه أبو يعلى ، وفيه عبد الله بن سعيد المقبري ، وهو متروك.

والحديث ذكره السيوطي في «الجامع الصغير» (١ / ٥٥٨ ـ فيض) ، وعزاه إلى ابن أبي شيبة ، والحاكم ، والبيهقي في «شعب الإيمان» ورمز له بالضعف ، ووافقه المناوي.

وذكره أيضا الألباني في «السلسلة الضعيفة» .. رقم (١٣٤٥) وقال : ضعيف جدا.

(٣) رفيع ـ بضم أوله مصغرا ـ ابن مهران الرياحي ـ بكسر المهملة ـ مولاهم ، أبو العالية البصري ، مخضرم ، إمام من الأئمة ، صلى خلف عمر ، دخل على أبي بكر ، روى عن أبي ، وعلي ، وحذيفة ، وعلى خلق. وعنه قتادة ، وثابت ، وداود بن أبي هند بصريون وخلق. قال عاصم الأحول : كان إذا اجتمع عليه أكثر من أربعة قام وتركهم. قال مغيرة : أول من أذّن بما وراء النهر أبو العالية. قال أبو خلدة : مات سنة ـ

١٣٥

[البقرة : ٢٦٩] قال : الحكمة : الفهم في القرآن (١) ، وقال قتادة (٢) : الحكمة : القرآن ، والفقه فيه (٣).

وقال غيره : الحكمة : تفسير القرآن (٤).

وقال الشعبي (٥) : رحل مسروق (٦) إلى البصرة في تفسير آية ، فقيل له : إن الذي يفسّرها رحل إلى الشام ، فتجهز ، ورحل إليه ؛ حتى علم تفسيرها ، وذكر عليّ بن أبي طالب (٧) رضي الله عنه ...

__________________

ـ تسعين ، وهو الصحيح.

ينظر : «خلاصة تهذيب الكمال» (١ / ٣٣٠) ، «تهذيب التهذيب» (٣ / ٢٨٤) ، «تقريب التهذيب» (١ / ٢٥٢) و «الكاشف» (١ / ٣١٢)

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٩٠) (٦١٧٩) ، وذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١ / ٤٠)

(٢) قتادة بن دعامة السّدوسي ، أبو الخطّاب البصري الأكمه ، أحد الأئمة الأعلام ، حافظ مدلس. قال ابن المسيّب : ما أتاني عراقي أحفظ من قتادة. وقال ابن سيرين : قتادة أحفظ الناس. وقال ابن مهدي : قتادة أحفظ من خمسين مثل حميد. قال حماد بن زيد : توفي سنة سبع عشرة ومائة ، وقد احتج به أرباب الصحاح.

ينظر : «طبقات ابن سعد» (٩ / ١٥٦) ، «معرفة الثقات» (١٥١٣) ، «سير الأعلام» (٥ / ٢٦٩) ، «الثقات» (٥ / ٣٢٢) ، «تراجم الأحبار» (٣ / ٢٦٤) ، «الحلية» (٢ / ٣٣٣) ، «لسان الميزان» (٧ / ٣٤١) ، «ميزان الاعتدال» (٣ / ٣٨٥) ، «تهذيب الكمال» (٢ / ١١٢١) ، «خلاصة تهذيب الكمال» (٢ / ٣٥٠)

(٣) الطبري (٣ / ٨٩) (٦١٧٧) ، وذكره السيوطي في «الدر» (١ / ٦١٦) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وذكره ابن عطية الأندلسي في تفسيره (١ / ٤٠)

(٤) ذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١ / ٤٠)

(٥) عامر بن شراحيل الحميري ، الشعبي ، أبو عمرو الكوفي ، الإمام العلم ، روى عن كثير من الصحابة ، وروى عنه ابن سيرين والأعمش ، وكان فقيها. قال الشعبي : «ما كتبت سوداء في بيضاء». توفي سنة ١٠٣ ه‍.

ينظر : «الخلاصة» (٢ / ٢٢) (٣٢٦٣) ابن سعد (٦ / ١٧١ ـ ١٧٨) ، و «المعارف» (ص ٤٤٩ ـ ٤٥١) ، و «الحلية» (٤ / ٣١٠ ـ ٣٣٨)

(٦) مسروق بن الأجدع الهمداني ، أبو عائشة الكوفي ، الإمام القدوة. عن أبي بكر وعمر وعلي ومعاذ وطائفة. وعنه : زوجته قمير ، وأبو وائل ، والشعبي ، وخلق. قال أبو إسحاق : حج مسروق فما نام إلا ساجدا على وجهه ، وقال ابن المديني : صلى خلف أبي بكر ، وقال ابن معين : ثقة لا يسأل عن مثله. قال ابن سعد : توفي سنة ثلاث وستين.

ينظر : «طبقات ابن سعد» (٤ / ١١٣) ، «سير الأعلام» (٤ / ٦٣) ، «تاريخ بغداد» (١٣ / ٢٣٢) ، «معرفة الثقات» (١٧٠٩) ، «تراجم الأحبار» (٣ / ٣٣٠) ، «تهذيب الكمال» (٣ / ١٣٢٠) ، «تهذيب التهذيب» (١٠ / ١١٠) (٢٠٥) ، «خلاصة تهذيب الكمال» (٣ / ٢١)

(٧) علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف .. أبو الحسن. القرشي. الهاشمي. ابن عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم.

١٣٦

جابر بن عبد الله (١) ، فوصفه بالعلم ، فقال له رجل : جعلت فداك ، تصف جابرا بالعلم ، وأنت أنت ، فقال : إنه كان يعرف تفسير قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) (٢) [القصص : ٨٥] ، وقال إياس بن معاوية (٣) : مثل الذين يقرءون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلا ، وليس عندهم مصباح ، فتداخلتهم روعة (٤) لا يدرون ما في الكتاب ، ومثل الذي يعلم التفسير كرجل جاءهم بمصباح فيقرءوا ما في الكتاب (٥) ، وقال ابن عبّاس : الذي يقرأ ، ولا يفسر كالأعرابيّ الذي يهذّ (٦) الشّعر (٧) ، وقال مجاهد : أحبّ الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل الله (٨) ، وقال الحسن :

__________________

ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح ، رابع الخلفاء الراشدين ، وزوج فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووالد الحسن والحسين ، وهو غني عن التعريف ، فاضت بذكره كتب التواريخ والسير ، قتل في ليلة السابع عشر من شهر رمضان سنة (٤٠).

ينظر ترجمته في : «أسد الغابة» (٤ / ٩١) ، «الإصابة» (٤ / ٢٦٩) ، «تجريد أسماء الصحابة» (١ / ٣٩٢) ، «الاستبصار» (٣٩٠) ، «تاريخ الخلفاء» (١٦٦) ، «الطبقات الكبرى» (٩ / ١٣٧) ، «التاريخ الصغير» (١ / ٤٣٥) ، «الجرح والتعديل» (٦ / ١٩١) ، «حلية الأولياء» (٢ / ٨٧) ، «تهذيب الكمال» (٢ / ٩٧١) ، «تهذيب التهذيب» (٧ / ٣٣٤)

(١) هو : جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة أبو عبد الله. وقيل : أبو عبد الرحمن الأنصاري السلمي شهد العقبة الثانية مع أبيه وهو صبي ، ومن فضائله قال : استغفر لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة البعير خمسا وعشرين مرة. يعني بقوله : ليلة البعير ؛ أنه باع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعيرا ، واشترط ظهره إلى المدينة ، وكان في غزوة لهم. توفي سنة ٧٤٠ وقيل ٧٧ وكان عمره : ٩٤ سنة. ينظر ترجمته في : «أسد الغابة» (١ / ٣٠٧) ، «الإصابة» (١ / ٢٢٢) ، «تجريد أسماء الصحابة» (١ / ٧٣) ، «الاستيعاب» (١ / ٢١٩) ، «الطبقات الكبرى» (٣ / ٥٦١) ، «الاستبصار» (١٥١) ، «التاريخ الكبير» (٢ / ٢٠٧) ، «التاريخ الصغير» (١ / ٢١ ، ١١٥) ، «الجرح والتعديل» (٢ / ٢٠١٩) ، «تهذيب الكمال» (١ / ١٧٩)

(٢) ذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١ / ٤٠)

(٣) إياس بن معاوية بن قرة المزني ، أبو وائلة البصري ، القاضي. عن أبيه ، وأنس ، وابن المسيب. وعنه الأعمش ، وأيوب ، والحمادان. وثقه ابن سعد وابن معين. قال إياس : من عدم فضيلة الصدق فقد فجع بأكرم أخلاقه. وقال : كل ديانة أسست على غير ورع فهي هباء. قال خليفة : مات ب «واسط» سنة اثنتين وعشرين ومائة.

ينظر : «خلاصة تهذيب الكمال» (١ / ١٠٨) ، «تهذيب التهذيب» (١ / ٣٩٠) ، «تقريب التهذيب» (١ / ٨٧) ، و «الكاشف» (١ / ١٤٤) ، «طبقات ابن سعد» (٧ / ٢٣٤)

(٤) الرّوعة : الفزعة. ينظر : «لسان العرب» ١٧٧٧.

(٥) ابن عطية (١ / ٤٠)

(٦) الهذّ : سرعة القراءة ، ومنه : هذّ القرآن يهذّه هذّا. ينظر : «لسان العرب» ٤٦٤٣.

(٧) ينظر : «المحرر الوجيز» لابن عطية الأندلسي (١ / ٤٠)

(٨) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٠)

١٣٧

والله ما أنزل الله آية إلا أحبّ أن يعلم فيمن أنزلت ، وما يعني بها (١) ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يفقه الرّجل كلّ الفقه حتّى يرى للقرآن وجوها كثيرة» (٢).

فصل فيما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرأة عليه ومراتب المفسّرين

روي عن عائشة (٣) رضي الله عنها ؛ أنها قالت : «ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفسّر من كتاب الله تعالى إلّا آيا بعدد علّمهنّ إيّاه جبريل عليه‌السلام».

قال* ع (٤) * : ومعنى هذا الحديث في مغيّبات القرآن ، وتفسير مجمله ، ونحو هذا مما لا سبيل إليه إلا بتوقيف من الله تعالى ، ومن جملة مغيّباته ما لم يعلم الله به عباده ؛ كوقت قيام الساعة ونحوها ، ومنها ما يستقرأ من ألفاظه ؛ كعدد النفخات في الصور ؛ وكرتبة خلق السموات والأرض.

وروي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من تكلّم في القرآن برأيه ، فأصاب ، فقد أخطأ» (٥) ، ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب الله ، فيتسوّر عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء أو اقتضته قوانين العلوم ؛ كالنحو ، والأصول ، وليس يدخل في هذا الحديث أن يفسر اللغويّون لغته ، والنحاة نحوه ، والفقهاء معانيه ، ويقول كلّ واحد باجتهاده المبنيّ على قوانين علم ونظر ؛ فإن هذا القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرّد رأيه ، وكان جلّة من السلف ؛ كسعيد بن المسيّب (٦) ، وعامر الشّعبيّ ، وغيرهما يعظّمون تفسير القرآن ، ويتوقّفون

__________________

(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٠)

(٢) ينظر : «إتحاف السادة المتقين» (٤ / ٥٢٧)

(٣) عائشة بنت أبي بكر الصديق بن أبي قحافة : عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي. أم عبد الله. أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ القرشية. التيمية.

أمها : أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية. ولدت بعد البعثة بأربع سنين أو خمسة. توفيت سنة (٥٨) في ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان عند الأكثر ، وقيل : سنة (٥٧) ودفنت بالبقيع.

ينظر ترجمتها في : «أسد الغابة» (٧ / ١٨٨) ، «الإصابة» (٨ / ١٣٩) ، «أعلام النساء» (٣ / ٩) ، «الاستيعاب» (٤ / ١٨٨١) ، «تجريد أسماء الصحابة» (٢ / ٢٨٦) ، «التاريخ الصغير» (١ / ١٠٢) ، «طبقات ابن سعد» (٨ / ٣٩) ، «حلية الأولياء» (٢ / ٤٣) ، «تهذيب الكمال» (٣ / ١٦٨٩) ، «تهذيب التهذيب» (١٢ / ٤٣٣) ، «تقريب التهذيب» (٢ / ٦٠٦) ، «الكاشف» (٣ / ٤٧٦) ، «خلاصة تهذيب الكمال» (٣ / ٣٨٧) ، «السمط الثمين» (٣٣) ، «شذرات الذهب» (١ / ٦١) ، «طبقات الشيرازي» (٤٧) ، «العبر» (١ / ٦٢) ، «بقي بن مخلد» (٤) ، «النجوم الزاهرة» (١ / ١٥٠) ، «معجم طبقات الحفاظ» (١٠٥)

(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤١)

(٥) سيأتي تخريجه.

(٦) سعيد بن المسيّب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عابد بن مخزوم المخزومي ، أبو محمد المدني ، ـ

١٣٨

عنه ؛ تورّعا واحتياطا لأنفسهم مع إدراكهم وتقدّمهم ، وكان جلّة من السلف كثير عددهم يفسّرونه ، وهم أبقوا على المسلمين في ذلك رضي الله عن جميعهم.

* ت* : وخرج أبو عيسى التّرمذيّ في «جامعه» عن ابن عبّاس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قال في القرآن بغير علم ، فليتبوّأ مقعده من النّار» ، قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح (١) ، وخرّج أيضا عن ابن عباس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اتّقوا الحديث عنّي إلّا ما علمتم ، فمن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار ، ومن قال في القرآن برأيه ، فليتبوّأ مقعده من النّار» ، قال / أبو عيسى : هذا حديث حسن (٢) ، وخرّج عن جندب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قال في القرآن برأيه ، فأصاب ، فقد أخطأ» (٣) ، قال

__________________

ـ الأعور ، رأس علماء التابعين ، وفردهم ، وفاضلهم وفقيههم. ولد سنة خمس عشرة. قال ابن عمر : هو والله أحد المقتدين به. قال قتادة : ما رأيت أعلم بالحلال والحرام منه. وقال أحمد : مرسلات سعيد صحاح. قال أبو نعيم : مات سنة ثلاث وتسعين. وقال الواقدي : سنة أربع.

ينظر : «الخلاصة» (١ / ٣٩٠) ، «طبقات خليفة» ت (٢٠٩٦) ، «تاريخ البخاري» (٣ / ٥١٠) ، «تاريخ الإسلام» (٤ / ٤) ، «العبر» (١ / ١١٠) ، «سير أعلام النبلاء» (٤ / ٢١٧)

(١) أخرجه الترمذي (٥ / ١٩٩) ، كتاب «التفسير» ، باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه ، حديث (٢٩٥٠) ، وأحمد (١ / ٢٣٣) ، والبغوي في «معالم التنزيل» (١ / ٣٥) ، وفي «شرح السنة» (١ / ٢١١ ـ بتحقيقنا) ، كلهم من طريق سفيان ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس به.

وقال الترمذي : حسن صحيح.

قلت : وعبد الأعلى هو ابن عامر الثعلبي.

قال أبو زرعة : ضعيف الحديث ، ربما دفع الحديث وربما وقفه.

وقال أبو حاتم : ليس بقوي.

وقال النسائي : ليس بقوي ، ويكتب حديثه.

وقال أحمد : ضعيف الحديث.

ينظر : «ميزان الاعتدال» (٢ / ٥٣٠) ، و «تهذيب التهذيب» (٦ / ٩٤)

(٢) أخرجه الترمذي (٥ / ١٩٩) ، كتاب «التفسير» ، باب : ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه ، حديث (٢٩٥١) ، وأحمد (١ / ٢٩٣) ، والبغوي في «شرح السنة» (١ / ٢١٠) من طريق عبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، وقال الترمذي : حديث حسن اه.

ومداره على عبد الأعلى بن عامر الثعلبي ، وقد مرت ترجمته.

(٣) أخرجه الترمذي (٥ / ٢٠٠) ، كتاب «تفسير القرآن» ، باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه ، حديث (٢٩٥٢) ، وأبو داود (٢ / ٣٤٤) ، كتاب «العلم» ، باب الكلام في كتاب الله بغير علم ، حديث (٣٦٥٢) ، وأبو يعلى (٣ / ٩٠) ، رقم (١٥٢٠) ، والنسائي في «الكبرى» (٥ / ٣١) ، كتاب «فضائل القرآن» ، باب من قال في القرآن بغير علم ، حديث (٨٠٨٦) ، والبغوي في «معالم التنزيل» (١ / ٣٥) ، وفي «شرح السنة» (١ / ٢١١ ـ بتحقيقنا) ، كلهم من طريق سهيل أخو حزم ، عن أبي عمران الجوني ، عن جندب بن عبد الله به.

وقال الترمذي : هذا حديث غريب ، وقد تكلم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي حزم.

١٣٩

أبو عيسى : هكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وغيرهم أنهم شدّدوا في هذا في أنّ يفسر القرآن بغير علم.

وأما الذي روي عن مجاهد وقتادة وغيرهما من أهل العلم ؛ أنهم فسروا القرآن ، فليبس الظّنّ بهم أنهم قالوا في القرآن أو فسروه بغير علم ، أو من قبل أنفسهم ، وقد روي عنهم ما يدلّ على ما قلنا : إنهم لم يقولوا من قبل أنفسهم بغير علم ؛ حدثنا الحسين بن مهديّ البصريّ (١) ، حدثنا عبد الرّزّاق (٢) عن معمر (٣) عن قتادة قال : ما في القرآن آية ، إلا وقد سمعت فيها بشيء ؛ وحدثنا ابن أبي عمر (٤) ، حدثنا سفيان بن عيينة (٥) عن

__________________

(١) الحسين بن مهدي الأبلي ـ بالضم ـ أبو سعيد البصري. عن عبد الرزاق وعبيد الله بن موسى. وعنه الترمذي وابن ماجه قال أبو حاتم : صدوق. مات سنة سبع وأربعين ومائتين.

ينظر : «الخلاصة» (١ / ٢٣٢) ، «تهذيب الكمال» (١ / ٢٩٥) ، «تهذيب التهذيب» (٢ / ٣٧٢) ، «تقريب التهذيب» (١ / ١٨٠)

(٢) عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري ، أبو بكر الصنعاني ، أحد الأئمة الأعلام الحفاظ. قال أحمد : من سمع منه بعد ما ذهب بصره فهو ضعيف السماع. وقال ابن عدي : رحل إليه أئمة المسلمين وثقاتهم ، ولم نر بحديثه بأسا ، إلا أنهم نسبوه إلى التشيع. وقال أحمد : لم أسمع منه شيئا ، لكنه رجل يعجبه أخبار الناس. مات سنة (٢١١) ه. عن ٨٥ سنة.

ينظر : «تاريخ البخاري الكبير» (٦ / ١٣٠) ، «الجرح والتعديل» (٦ / ٢٠٤) ، «ميزان الاعتدال» (٢ / ٦٠٩) ، «لسان الميزان» (٧ / ٢٨٧) ، «سير الأعلام» (٩ / ٥٦٣) ، «الثقات» (٨ / ٤١٢) ، «تهذيب الكمال» (٢ / ٨٢٩) ، «تهذيب التهذيب» (٦ / ٣١٠) ، «خلاصة التهذيب» (٢ / ١٦١) ، «البداية والنهاية» (١٠ / ٢٦٥)

(٣) معمر بن راشد الأزدي ، مولى مولاهم ، عبد السلام بن عبد القدوس ، أبو عروة البصري ثم اليماني ، أحد الأعلام. عن الزهري ، وهمام بن منبه ، وقتادة ، وخلق. وعنه : أيوب ، والثوري ، وابن المبارك ، وخلق. قال العجلي : ثقة صالح. قال النسائي : ثقة مأمون. وضعفه ابن معين في ثابت. توفي سنة (١٥٣) ه.

ينظر : «نسيم الرياض» (١ / ٧٤) ، «تراجم الأحبار» (٣ / ٢٥٥) ، «تذكرة الحفاظ» (١ / ١٧٨) ، «طبقات ابن سعد» (٣ / ٣٩٧) ، «تاريخ الإسلام» (٦ / ٣٩٤) ، «لسان الميزان» (٧ / ٣٩٤) ، «تهذيب الكمال» (٣ / ١٣٥٥) ، «تهذيب التهذيب» (١٠ / ٢٤٣) ، «خلاصة تهذيب الكمال» (٣ / ٤٧) ، «الكاشف» (٣ / ١٦٤)

(٤) محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني ، أبو عبد الله الحافظ ، نزيل مكة. عن فضيل بن عياض ، وأبي معاوية وخلق. وعنه مسلم ، والترمذي وابن ماجة وهلال بن العلاء. وثقه ابن حبان. وقال أبو حاتم : صدوق ، حدث بحديث موضوع. عن ابن عيينة. قال البخاري : مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين.

ينظر : «الخلاصة» (٢ / ٤٦٨) ، «الكاشف» (٣ / ١٠٧) ، «تهذيب التهذيب» (٩ / ٥١٨)

(٥) سفيان بن عيينة بن أبي عمر بن الهلالي ، مولاهم أبو محمد الأعور الكوفي ، أحد أئمة الإسلام. روى عن عمرو بن دينار والزّهري ، وزيد بن أسلم وغيرهم ، كان حديثه نحو سبعة آلاف. قال ابن وهب : ما رأيت أعلم بكتاب الله من ابن عيينة. وقال الشافعي : لو لا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز ، ولد سنة (١٠٧) ه ، وتوفي سنة (١٩٨) ه.

١٤٠