التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب - ج ٢

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٥٧
الجزء ١ الجزء ٢

نعم يقال : إنّ الرجل كان يقع في بعض السلف ، ومن ثم اتّهم ورمي بالاعتزال تارة ، وبالرفض والتشيع أخرى (١).

في حين أنّ الرجل مستقيم لا بأس به ، ولا مغمز فيه سوى جانب إخلاصه لأهل البيت وصحبته للأئمة من ذرّية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد عده الشيخ أبو جعفر الطوسي من رجال الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام. قال : إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى أبو إسحاق مولى أسلم ، مدنيّ. روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، وكان خاصّا بحديثنا ، والعامّة تضعّفه لذلك.

ذكر يعقوب بن سفيان في تاريخه في أسباب تضعيفه عن بعض الناس ، أنّه سمعه ينال من الأوّلين. وذكر بعض ثقات العامة أنّ كتب الواقدي سائرها ـ أي جميعها ـ إنما هي كتب إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى ، نقلها الواقدي وادّعاها ، ولم نعرف منها شيئا منسوبا إلى إبراهيم. وله كتاب مبوّب في الحلال والحرام عن جعفر بن محمد عليه‌السلام ، وللشيخ إليه طريق (٢).

والواقدي هو : محمد بن عمر بن واقد الأسلمي ، مولاهم الواقدي المديني القاضي ، صاحب التصانيف والمغازي ، العلامة الامام أبو عبد الله ، أحد أوعية العلم على ضعفه. سمع من صغار التابعين ، فمن بعدهم بالحجاز والشام وغير ذلك. وقد اتفقوا على تضعيفه غير جماعة ، فوثّقوه كإبراهيم الحربي ، قال : الواقدي أمين الناس على أهل الإسلام ، كان أعلم الناس بأمر الإسلام. وقال

__________________

(١) راجع : سير أعلام النبلاء ، ج ٨ ، ص ٤٥٠ ، رقم ١١٩. وتهذيب التهذيب ، ج ١ ، ص ١٥٨ ، رقم ٢٨٤.

(٢) راجع : الفهرست للشيخ أبي جعفر الطوسي ، ص ٣.

٦١

إبراهيم بن جابر الفقيه : سمعت أبا بكر الصاغاني ـ وذكر الواقدي ـ فقال : والله لو لا أنّه عندي ثقة ما حدّثت عنه ، قد حدّث عنه أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو عبيد ، وغيرهما. ولإبراهيم الحربي شهادة أخرى قال : سمعت مصعب بن عبد الله يقول : الواقدي ثقة مأمون. وسئل معن بن عيسى عن الواقدي ، فقال : أنا أسأل عن الواقدي؟! الواقدي يسأل عنّي! قال الذهبي : وسألت ابن نمير عنه فقال : أما حديثه هاهنا فمستو ، وأما حديث أهل المدينة ، فهم أعلم به. وعن يزيد بن هارون : الواقدي ثقة. الحربي قال : سمعت أبا عبد الله يقول : الواقدي ثقة.

وتجاه ذلك من ضعّفوه : قال يحيى بن معين : أغرب الواقدي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشرين ألف حديث. وقال يونس بن عبد الأعلى : قال لي الشافعي : كتب الواقدي كذب. وعن ابن معين : ليس الواقدي بشيء. وقال مرة : لا يكتب حديثه. وعن أحمد بن حنبل : الواقدي كذّاب.

قال الذهبي : وقد تقرر أنّ الواقدي ضعيف ، يحتاج إليه فى الغزوات والتاريخ ، أمّا في الفرائض فلا ينبغي أن يذكر. فهذه الكتب الستة ومسند أحمد ، نراهم يترخّصون في إخراج أحاديث أناس ضعفاء ، بل ومتروكين ، ومع هذا لا يخرجون للواقدي شيئا. قال : مع أنّ وزنه عندي مع ضعفه أنّه يكتب حديثه ويروى ، لأني لا أتّهمه بالوضع ، وقول من أهدر فيه مجازفة من بعض الوجوه (١).

قلت : وهذا المنهج الذي انتهجه الذهبي هو الأرجح في النظر ؛ لأنّ الرجل رجل التاريخ والسير والمغازي ، وليس من رجال الفقه والحديث والتفسير. والعمدة أنه لم يكن ممن يضع وإن خلط الغثّ بالسمين والخرز بالدر الثمين ،

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ، ج ٩ ، ص ٤٥٤ ـ ٤٦٩ ، رقم ١٧٢. وتاريخ بغداد ، ج ٣ ، ص ٣ ـ ٢١. وغيرهما من أمّهات كتب التراجم.

٦٢

شأن سائر أرباب التاريخ والسير كابن جرير وابن الأثير وأبي الفداء وغيرهم من أعلام التاريخ. ولد سنة (١٣٠) ، ومات سنة (٢١٧) ببغداد ، وهو قاض بعسكر المهدي من قبل المأمون.

ومقاتل بن سليمان بن بشير الخراساني المروزي. أصله من بلخ وانتقل إلى البصرة ، ودخل بغداد وحدّث بها. وكان مشهورا بتفسير كتاب الله ، وله تفسير معروف. أخذ العلم عن مجاهد وعطاء والضحّاك وغيرهم من كبار التابعين. وكان من العلماء الأجلّاء. قال الإمام الشافعي : الناس كلّهم عيال على مقاتل بن سليمان في التفسير. وكان تفسيره هذا موضع إعجاب العلماء من أول يومه ، وقد اتّهمه من لا خلاق له حسدا عليه. قال إبراهيم الحربي وقد سئل ما بال الناس يطعنون عليه؟ فقال : حسدا منهم له. وله حديث عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام يرفعه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدل على رفيع منزلته لدى أئمة أهل البيت عليهم‌السلام. وقد عده الشيخ أبو جعفر الطوسي من أصحاب الباقر والصادق عليهما‌السلام. وقد أتينا على ترجمته ـ وأنّ الرجل صالح لا مغمز فيه ـ عند الكلام عن الطرق إلى ابن عباس (١) توفّي سنة (١٥٠).

وأما محمد بن سعيد المصلوب ، فهو من أهل دمشق ، اتّهم بالزندقة فصلبه أبو جعفر. وهو الذي وضع الحديث المروي من طريقه ، عن حميد عن أنس مرفوعا : «أنا خاتم النبيين ، لا نبيّ بعدي ، إلّا أن يشاء الله» فقد وضع وافترى هذا

__________________

(١) راجع : تاريخ بغداد ، ج ١٣ ، ص ١٦٠ ـ ١٦٩. وابن خلكان ، ج ٥ ، ص ٢٥٥ ، رقم ٧٣٣. وغيرهما من أمهات التراجم.

٦٣

الاستثناء ، تأييدا لمذهبه في الزندقة (١). ثم أخذ يدّعي النبوة (٢). وكان يضع الحديث ويضع الأسانيد. قال : لا بأس إذا كان الكلام حسنا أن تضع له إسنادا. وعن أحمد بن حنبل قال : عمدا ، كان يضع الحديث (٣).

وقال ابن الجوزي : والكذّابون والوضّاعون خلق كثير ، قد جمعت أسماءهم في كتاب «الضعفاء والمتروكين». وكان من كبار الكذّابين : وهب بن وهب القاضي ، ومحمد بن السائب الكلبي ، ومحمد بن سعيد الشامي ، المصلوب ، وأبو داود النخعي ، وإسحاق بن نجيح الملطي ، وغياث بن إبراهيم النخعي ، والمغيرة بن سعيد الكوفي ، وأحمد بن عبد الله الجويباري ، ومأمون بن أحمد الهروي ، ومحمد بن عكاشة الكرماني ، ومحمد بن القاسم الكانكاني.

وروى بإسناده عن أبي عبد الله محمد بن العباس الضبّي ، قال : سمعت سهل بن السري يقول : قد وضع أحمد بن عبد الله الجويباري ، ومحمد بن عكاشة الكرماني ، ومحمد بن تميم الفارابي ، على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من عشرة آلاف حديث (٤).

وللعلامة الأميني فهرس بأسماء الكذّابين ممّن كان يكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صريحا من غير أن يتورّع. أورده في كتابه القيّم «الغدير» بعنوان

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ١ ، ص ٧٨.

(٢) هامش ملحق الضعفاء للنسائي ، ص ١٢٤.

(٣) ميزان الاعتدال للذهبي ، ج ٣ ، ص ٥٦١ ، رقم ٧٥٩٢.

(٤) الموضوعات ، ج ١ ، ص ٤٧ ـ ٤٨.

٦٤

«سلسلة الكذّابين والوضّاعين» (١) ذكر فيها الأهم ممن كان يضع الحديث ، ونحن نقتطف منها نماذج :

إبراهيم بن الفضل الأصبهاني أبو منصور توفّي سنة (٥٣٠) أحد الحفاظ كذّاب. كان يقف في سوق أصفهان ويروي من حفظه بسنده ، وكان يضع في الحال. قال معمّر : رأيته في السوق وقد روى مناكير بأسانيد الصحاح ، وكنت أتأمّله مفرطا أظنّ أنّ الشيطان تبدّى على صورته.

إبراهيم بن هدبة البصري ، كذّاب خبيث حدّث بالأباطيل ووضع على أنس. كان رقّاصا بالبصرة يدعى إلى العرائس فيرقص لهم ، وكان يشرب المسكر. بقى إلى سنة (٢٠٠).

أحمد بن الحسن بن أبان البصري من كبار شيوخ الطبراني ، كان كذابا دجّالا يضع الحديث على الثقات.

أحمد بن داود ، ابن أخت عبد الرزاق ، من أكذب الناس ، عامّة أحاديثه مناكير.

أحمد بن عبد الله الشيباني أبو علي الجويباري ، كذّاب ، يضع الحديث ، دجّال. قال البيهقي : إنّي أعرفه حقّ المعرفة بوضع الأحاديث على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد وضع عليه أكثر من ألف حديث. وسمعت الحاكم يقول : هذا كذّاب خبيث ، وضع كثيرا في فضائل الأعمال ، لا تحلّ رواية حديثه بوجه. وقال ابن حبّان : دجّال من الدجاجلة ، روى عن الأئمة ألوف أحاديث ، ما حدّثوا بشيء منها.

أحمد بن عبد الله بن محمد أبو الحسن البكري ، كذّاب دجّال واضع القصص التي لم تكن قطّ ، فما أجهله وأقلّ حياءه. قاله الذهبي في «ميزان الاعتدال».

__________________

(١) راجع : الغدير ، ج ٥ ، ص ٢٠٩ ـ ٢٧٥.

٦٥

أحمد بن محمد بن محمد أبو الفتح الغزالي الطوسي الواعظ المفوّه المتوفّى سنة (٥٢٠) ، أخو أبي حامد ، كان يضع ، والغالب على كلامه التخليط والأحاديث الموضوعة ، وكان يتعصّب لإبليس ويعذره.

أحمد بن محمد بن الصلت ، وضّاع ، لم يكن في الكذّابين أقلّ حياء منه.

أحمد بن محمد بن غالب الباهلي أبو عبد الله المتوفّى سنة (٢٧٥) ، غلام الخليل ، من كبار الزهّاد ببغداد ، كذّاب وضّاع ، وكان دجّالا.

إسحاق بن بشر البخاري أبو حذيفة المتوفّى سنة (٢٠٦) ، قد أجمعوا على أنّه كذّاب يضع الحديث.

إسحاق بن ناصح ، من أكذب الناس ، يحدّث عن النبي عن ابن سيرين ، برأي أبي حنيفة.

إسحاق بن نجيح الملطي الأزدي ، دجّال ، أكذب الناس ، عدوّ الله ، رجل سوء ، خبيث ، كان يضع الحديث.

إسحاق بن وهب الطهرمسي ، كذّاب متروك ، كان يضع صراحا.

إسماعيل بن علي بن المثنّى الواعظ الأسترابادي المتوفّى (٤٤٨) ، كذّاب ابن كذّاب ، كان يقصّ ويكذب ، يركّب المتون الموضوعة على الأسانيد الصحيحة.

بشير بن نمير البصري المتوفّى (٢٣٨) ، كان ركنا من أركان الكذب ، كذّاب يضع الحديث.

الحسن بن علي الأهوازي أبو علي المتوفّى سنة (٤٤٦) ، كذّاب في الحديث والقراءة ، كان من أكذب الناس ، صنّف كتابا أتى بالموضوعات والفضائح.

الحسن بن علي أبو علي النخعي المعروف بأبي الاشنان. قال ابن عدي : رأيته ببغداد يكذب كذبا فاحشا ويحدّث عن قوم لم يرهم ، وكان يلزق أحاديث قوم تفرّدوا به ، على قوم ليس عندهم.

٦٦

الحسن بن علي بن زكريّا أبو سعيد العدوي البصري ، شيخ قليل الحياء كذّاب أفّاك ، يضع الحديث على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسرق الحديث ، ويلزقه على قوم آخرين ، ويحدّث عن قوم لا يعرفون ، وعامة أحاديثه إلّا القليل موضوعات ، يتيقّن أنّه هو الذي وضعه. كذّاب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول عليه ما لم يقله. قال ابن حبّان : لعلّه قد حدّث عن الثقات بالأشياء الموضوعة ، ما يزيد على ألف حديث.

الحسن بن عمارة بن المضرب أبو محمد الكوفي المتوفّى سنة (١٥٣) ، فقيه كبير كذّاب ساقط متروك ، وكان يضع الحديث. قال شعبة : من أراد أن ينظر إلى أكذب الناس فلينظر إلى الحسن بن عمارة.

الحسين بن حميد بن ربيع الكوفي الخزّاز المتوفّى (٢٨٢) ، كذّاب ابن كذّاب ابن كذّاب.

الحسين بن محمد البزري المتوفّى سنة (٤٢٣) ، كذّاب ، أحد المشايخ الأربعة الكذّابين ببغداد.

حمّاد بن عمر النصيبي. قال يحيى بن معين : إنّه من المعروفين بالكذب ووضع الحديث.

داود بن المحبّر أبو سليمان البصري نزيل بغداد ، والمتوفّى بها (٢٠٦) ، كذّاب وضّاع على الثقات ، صاحب مناكير ، متروك الحديث.

ربيع بن محمود المارديني المتوفّى (٦٥٢) ، دجّال مفتر ادّعى الصحبة والتعمير توفي سنة (٥٩٩).

زكريا بن يحيى المصري أبو يحيى الوكّار المتوفّى (٢٥٤) ، كذّاب من الكذّابين الكبار ، وكان فقيها صاحب حلقة. ومن الصلحاء والعبّاد والفقهاء.

سليمان بن داود البصري أبو أيّوب المعروف بالشاذكوني المتوفّى (٢٣٤) ،

٦٧

أحد الحفّاظ ، كذّاب خبيث ، كان يضع الحديث في الوقت ، وكان يتعاطى المسكر ويتماجن.

سليمان بن عمرو أبو داود النخعي. كان أكذب الناس على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معروف بوضع الحديث ، وكان رجلا صالحا في الظاهر ، إلّا أنه كان يضع الحديث وضعا. قال الخطيب : كان ببغداد رجال يكذبون ويضعون ، منهم أبو داود النخعي. وقال الحاكم : لست أشكّ في وضعه الحديث على تقشّفه وكثرة عبادته.

صالح بن بشير أبو بشر المرّي البصري ، قاصّ كذّاب ، متروك الحديث.

عامر بن صالح حفيد الزبير بن العوّام ، كذّاب خبيث ، عدوّ لله.

عبد الله بن الحارث الصنعاني ، شيخ دجّال يضع الحديث وضعا ، حدّث عن عبد الرزّاق بنسخة كلّها موضوعة.

عبد الله بن عبد الرحمن الكلبي الأسامي ، من أكذب خلق الله ، روى بالأباطيل.

عبد الله بن علّان بن رزين الخزاعي الواسطي ، كان كذّابا ، كثير الكذب والتزوير.

عبد المنعم بن إدريس اليماني المتوفّى (٢٢٨) ، قصّاص كذّاب خبيث ، يضع الحديث.

كثير بن عبد الله بن عمرو المزني المدني ، ركن من أركان الكذب.

محمد بن شجاع أبو عبد الله الثلجي الحنفي المتوفّى (٢٦٦) ، فقيه العراق في وقته. كان كذّابا ، يضع الحديث في التشبيه. احتال في إبطال الحديث عن رسول الله ، وردّه نصرة لأبي حنيفة ورأيه.

محمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو الفتح الخشّاب ، كان يضرب به المثل في الكذب والتخيّلات ووضعها ، وكان منهمكا على الشرب. قال فيه إبراهيم بن

٦٨

عثمان العربي :

أوصاه أن ينحت الأخشاب والده

فلم يطقه وأضحى ينحت الكذبا

نوح بن مريم أبو عصمة المروزي المتوفّى (١٧٣) ، شيخ كذّاب ، كان يضع الحديث. وضع حديث فضائل القرآن الطويل.

هنّاد بن إبراهيم النسفي ، كذّاب وضّاع ، راوية للموضوعات والبلايا. توفّي سنة (٤٦٥).

وهب بن وهب القاضي أبو البختري القرشي المدني ، أكذب الناس. توفّي سنة (٢٠٠) ، كذّاب خبيث ، دجّال عدوّ الله ، كان يضع الحديث وضعا. وكان عامّة الليل يضع الحديث. قال فيه سويد بن عمرو بن الزبير :

إنا وجدنا ابن وهب حدثنا

عن النبي أضاع الدين والورعا

يروي أحاديث من إفك مجمّعة

أفّ لوهب وما روى وما جمعا

إلى آخر أبيات.

قال ابن عدي : أبو البختري من الكذّابين الوضّاعين ، وكان يجمع في كل حديث يرويه أسانيد من جسارته على الكذب ، ووضعه على الثقات.

يحيى بن هاشم الغسّاني السمسار أبو زكريا ، كذّاب ، دجّال هذه الأمّة كان يضع الحديث ويسرقه.

أبو المغيرة شيخ ، من أكذب الناس وأخبثهم.

فهؤلاء أربعون شيخا من كبار المحدّثين الوضّاعين ، المعروفين بالكذب والاختلاق ، اخترناهم من سبعمائة شيخ كذّاب ، أوردهم العلامة الأميني في «الغدير». ولعلك تستغرب هذا العدد الهائل من الكذّابين على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث عدم المبالاة في الفرية في الدين. ولكن لا غرابة فيمن سوّلت له نفسه

٦٩

وأنساه الشيطان ذكر ربّه. فهؤلاء ممن استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله (إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)(١) صدق الله العلي العظيم.

وبعد ، فهذا غيض من فيض ، احتمله سيل الكذّابين ممن اجترءوا على الله واجترحوا السيئات ، فشوّهوا وجه الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ولقد صدق حيث قوله في خطبته في حجة الوداع : «قد كثرت عليّ الكذابة وستكثر. فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار. فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنّتي ، فما وافق كتاب الله وسنّتي فخذوه ، وما خالف كتاب الله وسنّتي فلا تأخذوا به» (٢).

فقد زالت الثقة بكتب الحديث من أهل الحشو ، مع هذا الخضمّ من الموضوعات المدسوسة في الحديث والتفسير.

أنحاء الموضوعات

كانت الأكاذيب تتنوّع حسب تنوّع الأسباب الداعية للكذب والاختلاق ، فهناك كذب سياسي وآخر تحمّس مذهبي أو تعصّب جاهلي أو تزلّف لدى أمير أو رغبة في جاه أو استمالة للعامّة ؛ لغرض استدرار ما لديهم من نقود وقطيعات ، وما أشبه ذلك.

وقد تكفّلت الكتب المخصّصة لبيان الموضوعات كلّ هذه الجوانب ،

__________________

(١) الأعراف / ١٣٩.

(٢) بحار الانوار ، ج ٢ ، ص ٢٢٥.

٧٠

ورتّبتها في فصول وأبواب ، ونحن نورد من ذلك أمثلة نموذجية :

فممّا وضعته يد السياسة الغاشمة ، ما رواه داود بن عفّان عن أنس مرفوعا : «الأمناء سبعة : اللّوح ، والقلم ، وإسرافيل ، وميكائيل ، وجبرائيل ، ومحمد ، ومعاوية».

وداود هذا من الوضّاعين. قال الذهبي : روى عن أنس بنسخة موضوعة. وقال ابن حبّان : كان يدور بخراسان ويضع على أنس (١).

وذكره ابن كثير في تاريخه (٨ : ١٢٠) قال : هذا أنكر من الأحاديث التي قبله ، وأضعف إسنادا.

وعن واثلة مرفوعا : «أن الله ائتمن على وحيه جبريل وأنا ومعاوية. وكاد أن يبعث معاوية نبيّا من كثرة علمه وائتمانه على كلام ربّي. يغفر الله لمعاوية ذنوبه ، ووقاه حسابه ، وعلّمه كتابه ، وجعله هاديا مهديا ، وهدى به».

قال الحاكم : سئل أحمد بن عمر الدمشقي ـ وكان عالما بحديث الشام ـ عن هذا الحديث ، فأنكره جدّا. أخرجه ابن عساكر في تاريخه (٧ : ٣٢٢) (٢).

وممّا وضع تزلّفا لدى الأمراء ما أخرجه الخطيب في تاريخه (١٣ : ٤٥٢) قال : لما قدم الرشيد المدينة ، أعظم أن يرقى منبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قباء أسود ومنطقة ، فقال أبو البختري : حدّثني جعفر بن محمد الصادق عن أبيه قال : نزل جبريل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليه قباء ومنطقة ، مخنجرا فيها بخنجر ، وفي ذلك قال المعافي التيمي :

ويل وعول لأبي البختري

إذا ثوى للناس في المحشر

__________________

(١) ميزان الاعتدال ، ج ٢ ، ص ١٢ ـ ١٣ ، رقم ٢٦٣٢.

(٢) الغدير ، ج ٥ ، ص ٣٠٨.

٧١

من قوله الزور وإعلانه

بالكذب في الناس على جعفر

والله ما جالسه ساعة

للفقه في بدو ولا محضر

ولا رآه الناس في دهره

يمرّ بين القبر والمنبر

يا قاتل الله ابن وهب لقد

أعلن بالزور وبالمنكر

يزعم أنّ المصطفى أحمدا

أتاه جبريل التقي السري

عليه خفّ وقبا أسود

مخنجرا في الحقو بالخنجر (١)

مما وضع في الفضائل ما أخرجه الخطيب في تاريخه (٢ : ٩٧) عن أنس قال : لما نزلت سورة التّين على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرح لنا فرحا شديدا حتى بان لنا شدّة فرحه ، فسألنا ابن عباس ـ بعد ذلك ـ عن تفسيرها ، فقال : أمّا (التِّينِ) فبلاد الشام ، (وَالزَّيْتُونِ) فبلاد فلسطين ، (وَطُورِ سِينِينَ) فطور سينا الذي كلّم الله موسى ، (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) فبلد مكة ، (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) محمد ، (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) ، عبّاد اللّات والعزّى ، (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أبو بكر وعمر ، (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) عثمان ، (فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) عليّ ، (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) بعثك فيهم وجمعكم على التقوى.

قال الخطيب : هذا الحديث بهذا الإسناد باطل ، لا أصل له يصح فيما نعلم. وذكر الذهبي في «الميزان» (٣ : ٣٢) أن العلة فيه محمد بن بيان فقد رواه بقلّة حياء من الله ، وهكذا ذكر ابن الجوزي في «الموضوعات» (٢).

وروى القرطبي في تفسيره مرسلا رفعه إلى أبيّ بن كعب ، قال : قرأت على

__________________

(١) الغدير ، ج ٥ ، ص ٣١١.

(٢) المصدر ، ص ٣٢٠.

٧٢

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَالْعَصْرِ). ثمّ قلت : ما تفسيرها يا نبي الله؟ قال : (وَالْعَصْرِ) قسم من الله أقسم ربّكم بآخر النهار ، (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) أبو جهل ، (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) أبو بكر ، (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) عمر ، (وَتَواصَوْا بِالْحَقِ) عثمان ، (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) عليّ (١).

وروى الصفوري في «نزهة المجالس» قال : قال ابن عباس في قوله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ)(٢) : إذا كان يوم القيامة تنصب كراسي من ياقوت أحمر ، فيجلس أبو بكر على كرسيّ ، وعمر على كرسيّ ، وعثمان على كرسيّ ، وعليّ على كرسيّ ، ثمّ يأمر الله الكراسي فتطير بهم إلى تحت العرش ، فتسبل عليهم خيمة من ياقوتة بيضاء. ثمّ يؤتى بأربع كاسات ، فأبو بكر يسقي عمر ، وعمر يسقي عثمان ، وعثمان يسقي عليّا ، وعليّ يسقي أبا بكر ، ثمّ يأمر الله جهنّم أن تتمخّض بأمواجها ، فتقذف الروافض على ساحلها ، فيكشف الله عن أبصارهم ، ينظرون إلى منازل أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقولون : هؤلاء الذين سعد الناس بمتابعتهم وشقينا نحن بمخالفتهم ، ثم يردّون إلى جهنم بحسرة وندامة (٣).

وأيضا في قوله تعالى : (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنا)(٤) قال : إنّ نوحا لما عمل السفينة جاءه جبرئيل بأربعة مسامير مكتوب

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ٢٠ ، ص ١٨٠.

(٢) الحجر / ٤٧.

(٣) نزهة المجالس ، ج ٢ ، ص ٢١٧. وراجع : أسباب النزول للواحدي ، ص ٢٠٧. وللعلّامة الأميني هنا تفنيد لاذع فراجع : الغدير ، ج ١٠ ، ص ١٣٤ ـ ١٣٦.

(٤) القمر / ١٣.

٧٣

على كلّ مسمار «ع» : عين عبد الله ، وهو أبو بكر ، وعين عمر ، وعين عثمان ، وعين على ، فجرت السفينة ببركتهم (١).

أورد ابن الجوزي بإسناده إلى ابن عباس ، قال : لما نزلت (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) جاء العبّاس إلى عليّ ، فقال له : قم بنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسألاه عن ذلك. فقال : يا عم ، إنّ الله جعل أبا بكر خليفتي عن دين الله ووحيه ، فاسمعوا له تفلحوا ، وأطيعوا ترشدوا.

وفي حديث آخر : فأطيعوه بعدي تهتدوا ، واقتدوا به ترشدوا. قال ابن عبّاس : ففعلوا فرشدوا.

قال ابن الجوزي : هذا حديث لا يصحّ ، ومدار الطريقين على عمر بن إبراهيم ، وهو الكردي. قال : الدار قطني : كان كذّابا يضع الحديث.

قال : هكذا روى أبو بكر الجوزقي من حديث أبي سعيد عن عمر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما عرج بي إلى السماء ، قلت : اللهمّ اجعل الخليفة من بعدي عليّ بن أبي طالب ، فارتجّت السماوات ، وهتف بي الملائكة من كل جانب : يا محمد اقرأ (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)(٢) قد شاء الله أن يكون من بعدك أبا بكر الصديق.

قال ابن الجوزي : هذا حديث موضوع ، وضعه يوسف بن جعفر ، وكان يضع الحديث (٣).

__________________

(١) نزهة المجالس ، ج ٢ ، ص ٢١٤.

(٢) الإنسان / ٣٠.

(٣) الموضوعات ، ج ١ ، ص ٣١٥ ـ ٣١٦.

٧٤

ومما وضع في المجون والدجل ما رواه أبو صالح عمرو بن خليف الحتاوي ، بإسناد وضعه عن ابن عباس ، قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أدخلت الجنة فرأيت فيها ذئبا ، فقلت : أذئب في الجنة؟! قال : إنّي أكلت ابن شرطيّ. قال ابن عباس : هذا وإنما أكل ابنه ، فلو أكله رفع في علّييّن (١). قال الأميني : ليت ابن عباس كان يفصح عن أنه لو كان أكل مدير الشرطة أين كان يرفع؟! (٢) وقد عدّ ذلك من خزايات الحتاوي.

وروى محمد بن مزيد بإسناده عن أبي منظور ـ وكانت له صحبة ـ قال : لمّا فتح الله على نبيّه خيبر أصابه من سهمه أربعة أزواج نعال ، وأربعة خفاف ، وعشرة أواق ذهب وفضّة ، وحمار أسود. قال : فكلّم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحمار ، فقال له : ما اسمك؟ قال : يزيد بن شهاب ، أخرج من نسل جدّي ستّون حمارا كلّهم لم يركبه إلّا نبيّ ، ولم يبق من نسل جدّي غيري ولا من الأنبياء غيرك ، أتوقّعك أن تركبني ، وقد كنت لرجل من اليهود كنت أعثر به عمدا. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد سميتك يعفورا ، يا يعفور ، أتشتهي الإناث؟ قال : لا. وكان النبي يركبه في حاجة ، فإذا نزل بعث به إلى باب الرجل ، فيأتي الباب فيقرعه برأسه ، فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء إلى بئر كانت لأبي الهيثم ابن التّيهان فتردّى فيها فصارت قبرا له ، جزعا منه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال ابن الجوزي : هذا حديث موضوع ، فلعن الله واضعه ، فإنّه لم يقصد إلّا القدح في الإسلام والاستهزاء به. قال أبو حاتم ابن حبّان : لا أصل لهذا الحديث ،

__________________

(١) لسان الميزان ، ج ٤ ، ص ٣٦٣ ، رقم ١٠٦١.

(٢) الغدير ، ج ٥ ، ص ٢٤٩.

٧٥

وإسناده ليس بشيء ، ولا يجوز الاحتجاج بمحمد بن مزيد (١).

ومما وضع شيئا على مقام النبوّة ، حديث القضيب الممشوق :

روى أبو جعفر الصدوق في أماليه بإسناد فيه ضعف ، رفعه إلى ابن عباس ، قال : لما مرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لبلال : هلمّ ، عليّ بالناس. فاجتمع الناس ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متعصّبا بعمامته ، متوكّيا على قوسه حتى صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «معاشر أصحابي ، أيّ نبيّ كنت لكم ، ألم أجاهد بين أظهركم ، ألم تكسر رباعيّتي ، ألم يعفر جبيني ، ألم تسل الدماء على حرّ وجهي حتى كنفت لحيتي ، ألم أكابد الشدّة والجهد مع جهّال قومي ، ألم أربط حجر المجاعة على بطني؟

قالوا : بلى يا رسول الله ، لقد كنت لله صابرا وعلى منكر بلاء الله ناهيا ، فجزاك الله عنا أفضل الجزاء. قال : وأنتم فجزاكم الله. ثم قال : إن ربّي عزوجل حكم ، وأقسم أن لا يجوزه ظلم ظالم ، فناشدتكم بالله ، أيّ رجل منكم كانت له قبل محمد مظلمة إلّا قام فليقتصّ منه. فالقصاص في دار الدنيا أحبّ إليّ من القصاص في دار الآخرة على رءوس الملائكة والأنبياء. فقام إليه رجل من أقصى القوم ، يقال له : سوادة بن قيس. فقال له : فداك أبي وأمّي يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنك لما أقبلت من الطائف استقبلتك وأنت على ناقتك العضباء ، وبيدك القضيب الممشوق ، فرفعت القضيب وأنت تريد الراحلة فأصاب بطني ، فلا أدري عمدا أو خطأ؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : معاذ الله أن أكون تعمّدت.

ثم قال : يا بلال ، قم إلى منزل فاطمة فائتني بالقضيب الممشوق. فخرج بلال ،

__________________

(١) الموضوعات ، ج ١ ، ص ٢٩٤.

٧٦

وهو ينادي في سكك المدينة ، معاشر الناس ، من ذا الذي يعطي القصاص من نفسه قبل يوم القيامة ، فهذا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعطي القصاص من نفسه قبل يوم القيامة. وطرق بلال الباب على فاطمة عليها‌السلام وهو يقول : يا فاطمة قومي فوالدك يريد القضيب الممشوق. فأقبلت فاطمة وهي تقول : يا بلال ، وما يصنع والدي بالقضيب ، وليس هذا يوم القضيب! فقال بلال : يا فاطمة ، أما علمت أنّ والدك قد صعد المنبر وهو يودّع أهل الدين والدنيا ، فصاحت فاطمة وقالت : وا غمّاه لغمّك يا أبتاه ، من للفقراء والمساكين وابن السبيل يا حبيب الله وحبيب القلوب. ثم ناولت بلالا القضيب ، فخرج حتى ناوله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أين الشيخ؟ فقال الشيخ : ها أنا ذا يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأبي أنت وأمّي. فقال : تعال ، فاقتصّ منّي حتى ترضى. فقال الشيخ : فاكشف لي عن بطنك يا رسول الله ، فكشف عن بطنه. فقال الشيخ : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتأذن لي أن أضع فمي على بطنك؟ فأذن له ، فقال : أعوذ بموضع القصاص من بطن رسول الله من النار يوم النار.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا سوادة بن قيس ، أتعفو أم تقتصّ؟ فقال : بل أعفو ، يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال : اللهم اعف عن سوادة بن قيس كما عفا عن نبيك محمّد (١).

ورواه ابن شهرآشوب في كتاب «المناقب» مرسلا (٢).

ورجال إسناد الصدوق في هذا الحديث أكثرهم مجاهيل أو ضعاف ، فضلا عن عدم استقامة المتن على أصول المذهب ؛ إذ لا يشرع القصاص في غير العمد ،

__________________

(١) الأمالي لأبي جعفر الصدوق ، (ط نجف) ، المجلس ٩٢ ، الحديث رقم ٦ ، ص ٥٦٧ ـ ٥٦٨.

(٢) المناقب ، ج ١ ، ص ٢٣٤ ـ ٢٣٥.

٧٧

كما لا قصاص في الضرب بالعصا. ولعل واضع هذا الحديث غفل عن مباني شريعة القصاص في الإسلام ، أو لعلّه أراد الحطّ من سيّد الأنبياء ، في حادثة وضعها على خلاف الشريعة.

هذا ، وسوادة بن قيس ، مجهول في زمرة أصحاب رسول الله ، لم يأت له ذكر في التراجم. نعم ذكر ابن حجر ما يقارب هذه القصة بشأن سوادة بن غزية الأنصاري تارة ، وبشأن سواد بن عمرو أخرى ، وذكر القصة في يوم بدر. كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعدّل الصفوف وفي يده قدح (هو السهم قبل أن يراش) فمرّ بسواد بن غزية فطعن في بطنه ، فقال : أوجعتني فأقدني ، فكشف عن بطنه ، فاعتنقه وقبّل بطنه ، فدعا له بخير. قال أبو عمر : رويت هذه القصة لسواد بن عمرو. قال ابن حجر : لا يمتنع التعدّد ، لا سيما مع اختلاف السبب. روى عبد الرزاق عن ابن جريج عن الإمام جعفر بن محمد عن أبيه : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتخطّى بعرجون فأصاب به سواد بن غزية ، فذكر القصة ، وعن معمر عن رجل عن الحسن نحوه. لكن قال : فأصاب به سوادة بن عمرو ، وكان يصيب من الخلوف فنهاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيها : فلقيه ذات يوم ومعه جريدة فطعنه في بطنه ، فقال : أقدني يا رسول الله؟ فكشف عن بطنه فقال له : اقتصّ. فألقى الجريدة وطفق يقبّله. قال الحسن : حجزه الإسلام (١).

والقصة ـ كما رواه أبو جعفر الصدوق ـ رواها ابن الجوزي بإسناده إلى أبي نعيم الأصبهاني ، أسنده إلى وهب بن منبّه عن جابر بن عبد الله وابن عباس وذكر

__________________

(١) الإصابة ، ج ٢ ، ص ٩٥ ـ ٩٦ ، رقم ٣٥٨٢.

٧٨

القصة بطولها لكن جاء بدل سوادة بن قيس ، رجل يقال له : «عكّاشة» والقصة أطول مما ذكره الصدوق ، وعلى الغرائب أشمل.

قال ابن الجوزي بعد سردها بكمالها : هذا حديث موضوع ، كافأ الله من وضعه وقبح من يشين الشريعة بمثل هذا التخليط البارد ، والكلام الذي لا يليق بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا بالصحابة ، والمتهم به : عبد المنعم بن إدريس. قال أحمد بن حنبل : كان يكذب على وهب. وقال يحيى : كذّاب خبيث (١).

وهكذا ذكر جلال الدين السيوطي القصة في الموضوعات (٢).

٣ ـ الإسرائيليّات

إسرائيليّات : جمع إسرائيليّة ، وهي قصّة أو أسطورة تروى عن مصدر إسرائيلي ، سواء أكان عن كتاب أو شخص ، تنتهي إليه سلسلة إسناد القصة.

والنسبة فيها إلى إسرائيل ، وهو لقب يعقوب النبي عليه‌السلام ، وإليه تنسب اليهود ، فيقال : بنو إسرائيل ، سواء أكانوا منسوبين إليه بالنسب ، أو بالإيمان. فكل من آمن باليهوديّة فهو إسرائيليّ ، سواء أكان منتسبا إلى أحد الأسباط أم لم يكن (٣).

واللّفظة عبريّة تعطي معنى : الغلبة على الله ؛ حيث القصّة الأسطورية في مصارعة يعقوب مع الله ليلة كاملة ، وغلبته عليه عند الصباح (٤).

__________________

(١) الموضوعات ، ج ١ ، ص ٢٠١ ـ ٢٩٥.

(٢) اللئالي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ، ج ١ ، ص ٢٧٧ ـ ٢٨٢.

(٣) صرّح بهذا التعميم جيمس هاكس في قاموس الكتاب المقدس ، ص ٥٣.

(٤) راجع : سفر التكوين ، إصحاح ٣٢ ، عدد ٢٥ «فقال له الله : ما اسمك؟ قال : يعقوب. فقال

٧٩

و «إسرا» بمعنى الغلبة ، و «ئيل» بمعنى القدرة الكاملة ، لقب الإله ، وتلقّب به الأصنام أيضا (١). فمعنى «إسرائيل» : الغالب على القدرة الكاملة ، وهو الله تعالى ـ في زعمهم ـ ، وقد أصبح لقب يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ؛ لأنه صارع مع الله وغلب عليه.

ولفظ «إسرائيليّات» وإن كان بظاهره يدل على القصص الذي يروى أصلا عن مصادر يهوديّة ، يستعمله علماء التفسير والحديث ، ويطلقونه على ما هو أوسع وأشمل من القصص اليهوديّة. فهو في اصطلاحهم يدل على كل ما تطرّق إلى التفسير والحديث والتاريخ من أساطير قديمة ، منسوبة في أصل روايتها إلى مصدر يهودي أو نصراني أو غيرهما ، بل توسّع بعض المفسرين والمحدّثين فعدّوا من الإسرائيليات ما دسّه أعداء الإسلام من اليهود وغيرهم على التفسير والحديث ، من أخبار لا أصل لها حتى في مصدر قديم. وإنما هي من صنع أعداء الإسلام ، صنعوها بخبث نيّة وسوء طويّة ، ثم دسّوها على التّفسير والحديث ليفسدوا بها عقائد المسلمين.

وإنما أطلق لفظ الإسرائيليات على كل ذلك ، من باب التّغليب للّون اليهودي على غيره ؛ لأنّ غالب ما يروى من هذه الخرافات والأباطيل ، يرجع في أصله إلى مصدر يهودي ؛ ولأنهم الفئة التي كانت العرب الأوائل وكذا المسلمون في العهد الأوّل يرجعون إليها في الأغلب الأكثر. واليهود قوم بهّت ، وهم أشدّ الناس عداوة وبغضا للإسلام والمسلمين ، كما قال سبحانه : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ

__________________

لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل إسرائيل ، لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت».

(١) قاموس الكتاب المقدس ، ص ٥٣ و ١٤٢.

٨٠