التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب - ج ٢

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٥٧
الجزء ١ الجزء ٢

«كار كار مخلصان است ، ودولت دولت صادقان ، وسيرت سيرت پاكان ، ونقد آن نقد كه در دستارچه ايشان. امروز بر بساط خدمت با نور معرفت ، فردا بر بساط صحبت با سرور وصلت. (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ)(١) مى گويد : پاكشان گردانيم واز كوره امتحان خالص بيرون آريم ، تا حضرت را بشايند ، كه حضرت پاك جز پاكان را بخود راه ندهد ، «إنّ الله طيّب لا يقبل إلّا الطيّب» به حضرت پاك جز عمل پاك ، وگفت پاك بكار نيايد ، آنگه از آن عمل پاك ، چنان پاك بايد شد ، كه نه در دنيا بازجويى آن را ونه در عقبى ، تا به خداوند پاك رسى. (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ)(٢).

سرّ اين سخن آن است كه «بو بكر زقاق» (٣) گفت : «نقصان كلّ مخلص فى إخلاصه رؤية اخلاصه ، فإذا أراد الله أن يخلص إخلاصه أسقط عن إخلاصه رؤيته

__________________

(١) ص / ٤٦.

(٢) ص / ٢٥. العمل عمل المخلصين ، والدولة دولة الصادقين ، والسيرة سيرة المطهّرين. والنقد هو ما كان في أيديهم. وهم اليوم على أريكة الخدمة يعلوهم نور المعرفة ، وغدا على أريكة الصحبة منعّمين بسرور الوصل «إنّا أخلصناهم بخالصة» أي : طهّرناهم وأخرجنا لهم من يوتقه الاختبار الخالص؟ كي يتأهّلوا للمثول أمام الله تعالى «إنّ الله طيّب لا يقبل إلّا الطّيّب» ؛ إذ لا يليق بساحة الطهارة إلّا من كان طاهرا في قوله وعمله. ويطهر بذلك العمل الطّاهر الطّيّب فلا تجده في هذه الدنيا ولا في دار العقبى ، حتى يصل إلى ساحة قدس طهارته جلّ جلاله (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ).

(٣) هو من الطبقة الثالثة ، واسمه أحمد بن نصر ، هو من مشايخ الصوفية بمصر ، وكان في طبقة الجنيد البغدادي ومن أصحابه ، ويلقّب بالكبير. أما الزّقاق الصغير فهو بغدادي تلميذ الزّقاق الكبير. راجع : نفحات الأنس للمولى عبد الرحمن بن أحمد الجامي ، ص ١٧٦ ـ ١٧٧. ولمّا توفّي الزّقاق الكبير قال الكتاني بشأنه : «انقطعت حجة الفقراء في ذهابهم إلى مصر».

٥٦١

لإخلاصه فيكون مخلصا لا مخلصا».

مى گويد : اخلاص تو آنگه خالص باشد كه از ديدن تو پاك باشد ، وبدانى كه آن اخلاص نه در دست تو است ونه بقوّت وداشت تو است ، بلكه سرّى است ربّانى ونهادى است سبحانى ، كس را بر آن اطلاع نه ، وغيرى را بر آن راه نه.

احديّت مى گويد : «سرّ من سرّى استودعته قلب من أحببت من عبادى» گفت : بنده را برگزينم وبه دوستى خود بپسندم ، آنگه در سويداء دلش آن وديعت خود بنهم ، نه شيطان بدان راه برد تا تباه كند ، نه هواى نفس آن را بيند تا بگرداند ، نه فرشته بدان رسد تا بنويسد.

جنيد (١) از اينجا گفت : «الإخلاص سرّ بين الله وبين العبد ، لا يعلمه ملك فيكتبه ، ولا شيطان فيفسده ، ولا هوى فيميله.»

ذو النون مصرى (٢) گفت : «كسى كه اين وديعت به نزديك وى نهادند نشان وى آن است كه مدح كسان وذمّ ايشان ، پيش وى به يك نرخ باشد ، آفرين ونفرين ايشان يك رنگ بيند ، نه از آن شاد شود ، نه از اين فراهم آيد. چنان كه مصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شب قرب وكرامت ، همه آفرينش منشور سلطنت او مى خواندند ، واو به گوشه چشم به هيچ نگرست ومى گفت : شما كه مقرّبان حضرتيد مى گوييد : «السلام على النبي الصالح الذي هو خير من في السماء والأرض» وما منتظريم تا ما را به آستانه جفاء بو جهل باز فرستند تا گويد : اى

__________________

(١) هو أبو القسم سعيد بن محمد بن الجنيد القواريري البغدادي ، ملقب بسلطان الطائفة الصوفية ، كان شيخ وقته وفريد عصره في الزهد والتصوّف ، مات ببغداد سنة (٢٩٧ ه‍).

(٢) اسمه ثوبان بن إبراهيم. كان أبوه نوبيا من موالي قريش. هو من الطبقة الأولى من مشايخ الصوفية بمصر ، توفّي سنة (٢٤٥ ه‍).

٥٦٢

ساحر ، اى كذّاب ، تا چنانك درّ «خير من في السماء والأرض» خود را بر سنگ نقد زديم ، درّ ساحر وكذّاب نيز بر زنيم ، اگر هر دو ما را به يك نرخ نباشد ، پس اين كلاه دعوى از سر فرونهيم.

رو كه در بند صفاتى عاشق خويشى هنوز

گر برتو عزّ منبر خوش تر است از ذلّ دار

اين چنين كس را مخلص خوانند نه مخلص ، چنانك بو بكر زقّاق گفت : «فيكون مخلصا لا مخلصا» مخلص در درياى خطر در غرقاب است ، نهنگان جان رباى در چپ وراست وى در آمده ، دريا مى برّد ومى ترسد ، تا خود به ساحل أمن چون رسد وكى رسد. از اينجاست كه بزرگان سلف گفتند : «والمخلصون في خطر عظيم» ومخلص آن است كه به ساحل امن رسيد. (١)

__________________

(١) «علاقة من أودعته هذه الوديعة (السرّ الإلهي) أن يتساوى عنده مدح الآخرين وذمّهم. ويرى الدعاء له وعليه سيّين لا يسرّه ذلك ولا يحزنه هذا». كما كان النّبيّ المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة القرب والكرامة ، إذ تغنّى عالم الخليقة كلّه بميثاق مكنته ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينظر بطرف خفيّ ، ويقول : أنتم أيّها المقرّبون ، تقولون : «السلام على النّبيّ الصّالح الّذي هو خير من في السماء والأرض». وأنا انتظر الإشخاص إلى بوّابة جفاء أبي جهل ، كي يقول لي : أيّها الساحر ، أيّها الكذّاب. حتى إذا اختبرنا درّ «خير من في السماء والأرض» بمسبار النقد ، توّجنا بدرّة «الساحر الكذّاب». فإذا لم يتكافا عندنا الأمران معا ، رفعنا قبّعة الدعوى هذه من رءوسنا. اذهب فإنك في قيد النعوت ما قبئت لعشق نفسك. وإن كان عزّ المنبر أحلى لك من ذلّ الأعواد ومن كان كذلك فهو «مخلص» لا «مخلص» ، كما قال أبو بكر الزقاق «فيكون مخلصا لا مخلصا».

والمخلص غريق في بحر الأخطار ، وقد حاقت به الحيتان المرعبة من كل جانب ، وهو يشقّ عباب البحر خائفا حتى يصل إلى ساحل الأمن ، وكيف يصل؟ ومتى يصل؟ من هنا

٥٦٣

ربّ العالمين ، موسى را به هر دو حالت نشان كرد ، گفت : (إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا)(١) هم مخلصا ـ به كسر لام ـ وهم مخلصا ـ به فتح لام ـ خوانده اند (٢).

اگر به كسر خوانى بدايت كار اوست ، واگر به فتح خوانى نهايت كار اوست. مخلص آنگاه بود كه كار نبوّت وى در پيوست ، ونواخت احديت به وى روى نهاد ، ومخلص آنگاه شد كه كار نبوّت بالا گرفت. وبه حضرت عزت بستاخ (٣) شد. اين خود حال كسى است كه از اول او را روش بود وزان پس به كشش حق رسد ، وشتّان بينه وبين نبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم چند كه فرق است ميان موسى وميان مصطفى عليهما‌السلام كه پيش از دور گل آدم به كمند كشش حق معتصم گشت ، چنانك گفت : «كنت نبيّا وآدم مجبول في طينته».

شبلى (٤) از اينجا گفت : در قيامت هركسى را خصمى خواهد بود ، وخصم

__________________

قال أكابر السلف : «والمخلصون في خطر عظيم». أمّا «المخلص» فهو الواصل إلى مرفا الأمن.

(١) مريم / ٥١.

(٢) قرأ أهل الكوفة بفتح اللام ، والباقون بالكسر. والأولى هي المشهورة المعهودة لدى المسلمين ، والاستدلال في المتن بكلتا القراءتين ، مبني على حجّية القراءات أجمع ، حتى مع التعارض ، قياسا على مختلف الروايات. لكنا لا نقول بذلك حتى في متعارض الروايات فضلا عن القراءات ، وأنّ الحجة واحدة ، وهي قراءة حفص ومن تبعه من الكوفيين. راجع : التمهيد ، ج ٢ ، ص ١٦١ ـ ١٦٦ ، مباحث القراءات.

(٣) «بستاخ» على وزان بستان ، بمعنى الجريء أي العارف المقدام. وهو بالفارسيّة بمعنى «گستاخ».

(٤) هو أبو بكر دلف بن جحدر الخراساني البغدادي. تولد في سامراء ونشأ في بغداد. صاحب

٥٦٤

آدم منم كه بر راه من عقبه كرد تا در گلزار وى بماندم.

شيخ الاسلام انصارى رحمه‌الله از اينجا گفت : دانى كه محقّق كى به حق رسد؟ چون سيل ربوبيّت در رسد ، وگرد بشريّت برخيزد حقيقت بيفزايد ، بهانه بكاهد ، نه كالبد ماند نه دل ، نه جان ماند صافى رستة از آب وگل ، نه نور در خاك آميخته نه خاك در نور.

خاك با خاك شود ، نور با نور. زبان در سر ذكر شود وذكر در سر مذكور. دل در سر مهر شود ومهر در سر نور. جان در سر عيان شود وعيان از بيان دور. اگر تو را اين روز آرزو است از خود برون آى ، چنانكه مار از پوست ، به ترك خود بگوى كه نسبت با خود نه نيكو است ، همان است كه آن جوانمرد گفت :

نیست عشق لایزالی را در آن دل هیچ کار

کوهنوز اندر صفات خویش ماندست استوار

هیچکس را نامده است ازدوستان در راه عشق

بی زوال ملک صورت ملک معنی در کنار(١)

__________________

جنيد والحلّاج وخير النساج. كان من كبار مشايخ الصوفية ، توفّي ببغداد سنة (٣٣٤ ه‍) ودفن بمقبرة الخيزران.

(١) إنّه تعالى قد وسم نبيّه موسى عليه‌السلام بكلتا السمتين : «إنّه كان مخلصا وكان رسولا نبيّا». قرئت الآية بكسر اللام وبفتحها. إن قرأتها بالكسر ، فهو مستهلّ أمره. وإن قرأتها بالفتح فهو ختام أمره. لقد كان مخلصا حين حظى بمقام النبوة وشملته العناية الرّبّانيّة كان مخلصا حين بلغت نبوّته ذروتها وتشرف وبساحة العزّة مقداما. وهذه هي حالة من انتهج منهج الحق لينال مرتبة الوصل بالحقّ في نهاية المطاف وشتّان ما بين موسى ونبيّنا المصطفى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذى نال مرتبة الوصل واعتصم بحبل الحقّ قبل أن يخلق آدم عليه‌السلام

٥٦٥

اللّغات الغريبة التي جاءت في هذا التفسير

ومن امتيازات هذا التفسير الجليل ، استعماله اللغات الفارسية العتيدة ، ولكنها جاءت غريبة في هذا العهد ، ممّا ينبؤك عن أدب رفيع وإحاطة واسعة كان يحظى بها المؤلف الكبير. وإليك نماذج منها :

جاء بشأن نبي الله موسى عليه‌السلام ذيل قوله تعالى : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ)(١) أنه كان مخلصا ومخلصا ، قال :

__________________

كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كنت نبيّا وآدم مجبول في طينته».

من هنا قال «الشبلي» : لكلّ امرئ في القيامة خصيم ، وخصيمي فيها آدم عليه‌السلام إذ عرقل طريقي ، لأضلّ راسبا في وحله.

قال شيخ الإسلام الأنصاري رحمه‌الله : أو تدري متى يبلغ المحقق الحقّ؟ ذاك حينما ينحدر سيل الربوبيّة ، ويرتفع غبار البشريّة ، وتزداد الحقيقة ، وتقلّ الأعذار ، فلا الجسم يبقى ولا القلب ، ولا الروح الصافية الخالصة من الماء والطين ، ولا النور الممتزج بالتراب ، ولا التراب الممتزج بالنور.

فالتراب يصير مع التراب ، والنور مع النور ، واللسان يصبح ذكرا في الرأس ، والذكر مذكورا في الرأس. القلب ينطبع في الرأس ، والانطباع ينقلب في الرأس نورا. الروح تتجلّى في الرأس ، والتّجلّي بعيد عن البيان.

فلو كنت ترجو ذلك اليوم فانخلع من نفسك ، كما تنخلع الحيّة من جلدها ، ودع ذاتك إذ الانتساب إليها مشين ، كما قال الشاعر الشّهم : لا عشق لله في قلب ما انفكّ حبيس صفاته.

لم يتيسّر الحظّ من ملك المعاني لأحد من العشّاق بدون زوال ملك الصّور.

(كشف الاسرار ، ج ١ ، ص ٣٢٧ ـ ٣٢٩.)

(١) البقرة / ١١٢.

٥٦٦

مخلص آنگاه بود كه كار نبوت وى در پيوست ، ونواخت احديت به وى روى نهاد ، ومخلص آنگاه شد كه كار نبوت بالا گرفت ، وبه حضرت عزت بستاخ شد. (١) استعمل ثلاث كلمات هي من صنعة الأديب العتيد :

١ ـ «در پيوست» أي استقام أمر نبوته.

٢ ـ «نواخت احديت» أي نداء الربوبيّة.

٣ ـ «بستاخ شد» أي كملت معرفته.

وقد فسّر «بستاخ» به معنى «گستاخ» أي الجريء ، في حين أنّ هذا المعنى لا يناسب المقام ؛ لأن فيه شائبة الوقاحة ، غير اللائقة بمقام النبوّة. وإنما المراد هو نفس كمال المعرفة (آشنايى كامل). المعرفة بالأوضاع والأحوال.

وفي تفسير سورة الفاتحة : بنده من مرا به بزرگوارى وپاكى بستود ، بنده من پشت وا من داد وكار وا من گذاشت ، دانست كه به سر برنده كار وى مائيم. (٢)

«پشت وا من داد» «وا» به معنى «با» (مع). أي اعتمد ظهره عليّ ، وفعل معتمدا عليّ.

«به سر برنده» : پايان رساننده كار وى ماييم. بمعنى : «البالغ أمره».

وفي ص ٥ : استعمل «شكافته» بمعنى «المشتق».

وص ١١ : «پيوسيدن» به معنى «اميد داشتن» : «به هرچه پيوسند رسند». بمعنى «الرجاء»

__________________

(١) إنّما المخلص من استقام أمر نبوّته ، وبلغه نداء الربوبيّة ، والمخلص من ارتقت درجة نبوّته وكملت معرفته.

(٢) عبدي مجّدني ونزّه مقامي. عبدي اعتمد عليّ ووكل أمره إليّ ، وعلم أنّي بالغ به أمره.

٥٦٧

وص ١٧ : «فرا» به معنى «به» : «در خبر است كه مصطفى فرا ابن عباس گفت». بمعنى «قال له».

وص ٩٦ : «گاز» به معنى «البناء». قال في ترجمة (وَالسَّماءَ بِناءً)(١) :

«وآسمان گازى برداشته». وقال في ترجمة (رَفَعَ سَمْكَها)(٢) ـ ص ١٠١ ـ : «گاز آن بالا داد».

وص ١٢٣ : «واز او شيد» في ترجمة (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).

وص ٢٢٠ : «كپيان» : بوزينگان : قردة ، في ترجمة (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ)(٣).

وص ٢٩٦ : «گوشوانان» : نگهبانان : حرسة.

وفي ص ٥٧٥ : «خنور» : الوعاء.

واللغات من هذا القبيل كثيرة في هذا التفسير.

والأبدع : أنه ركّب كلمات تركيبات أدبية ، مما جعلها تفيد معاني جديدة ابتدعها مفسّرنا العظيم.

من ذلك ما جاء في (ج ١ ، ص ١١) : «پس آورد» : عاقبة الأمر.

وفي ص ٢٦ : «باز بريدن» : الاعتزال.

وفي ص ٩٦ : «أرپس» في ترجمة «فإن».

وفي ص ١٠٦ : «همسانى» همانندى : مثل.

__________________

(١) البقرة / ٢٢.

(٢) النّازعات / ٢٨.

(٣) البقرة / ٦٥.

٥٦٨

وفي ص ٣٢١ : «بر آمد نگاه آفتاب» : المشرق. «فروشد نگاه آفتاب» : المغرب.

وفي ص ٣٥٥ : «فرانياوم» في ترجمة : (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ)(١).

وفي ص ٥٨٩ : «بازكاود» : فريضة گزارد : صلّى الصلاة الفريضة.

٥ ـ تفسير الخواجا عبد الله الأنصاري

قد اسبقنا أن تفسير الميبدي «كشف الأسرار وعدّة الأبرار» وضع على أساس تفسير الخواجا عبد الله الأنصاري الذي كان مختصرا ففصّله وزاد عليه.

ثم جاء الاستاذ حبيب الله (آموزگار) ليلخص بدوره هذا التفسير الكبير ويستخلص فيما حسب التفسير الأصل الذي صنعه الخواجا ، وذلك في سنة (١٣٨٥ ه‍ ق ١٣٤٤ ه‍ ش) وتم له ذلك خلال ثلاث سنوات ، وأسماه «تفسير أدبي وعرفاني خواجه عبد الله أنصاري» وطبع في جزءين ، في مجلد واحد ضخم ، الطبعة الأولى سنة (١٣٤٧ ه‍ ش) ، والطبعة الثانية سنة (١٣٥٣) في طهران.

٦ ـ تفسير ابن عربي

هو أبو بكر محي الدين محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحاتمي الطائي الأندلسي ، المعروف بابن عربي ـ بدون أداة التعريف ـ فرقا بينه وبين القاضي أبي بكر ابن العربي صاحب كتاب أحكام القرآن. وهذا الفرق من اصطلاح المشارقة ، أمّا أهل المغرب فيأتون باللام في كلا الموردين.

ولد بمرسيّة سنة (٥٦٠ ه‍) ثم انتقل إلى إشبيليّة سنة (٥٦٨ ه‍) وبقي بها نحوا

__________________

(١) البقرة / ١٢٦.

٥٦٩

من (٣٠) سنة تلقّى فيها العلم على كثير من الشيوخ حتى بزغ نجمه وعلا ذكره. وفي سنة (٥٩٨ ه‍) نزح إلى المشرق وطوّف في كثير من البلاد ، فدخل الشام ومصر والموصل وآسيا الصغرى ومكّة ، وأخيرا ألقى عصاه واستقربه النوى في دمشق ، توفّي بها سنة (٦٣٨ ه‍).

كان ابن عربي شيخ المتصوّفة في وقته ، وكان له أتباع ومريدون معجبين به إلى حد كبير ، حتى لقّبوه بالشيخ الأكبر والعارف بالله ، كما كان له أعداء ينقمون عليه ويرفضون طريقته ويرمونه بالكفر والزندقة ، لما كان يصدر عنه من المقالات الموهمة ، التي تحمل في ظاهرها معاني الكفر والإلحاد.

وكان إلى جنب تصوّفه بارعا في كثير من العلوم ، فكان عارفا بالآثار والسنن ، وكان شاعرا أديبا ؛ ولذلك كان يكتب الإنشاء لبعض ملوك الغرب.

وتلك مؤلفاته الكثيرة تدلّ على سعة باعه ووفرة اطّلاعه وتبحّره في العلوم الظاهرة والباطنة ، وكانت له حدّة في النظر ودقّة في الاستنباط ، ولكن في الأكثر على مشربه الصوفي الباطني ، ومن ثم كانت له شطحات ملأ كتبه ومصنفاته.

هل لابن عربي من تفسير؟

كانت له في التفسير والحديث نظرات ، وله فيها مقالات ضمن كتبه ولا سيّما «الفتوحات المكيّة» و «الفصوص» وغيرهما من أمهات كتبه. ولكن هل كان قد ألّف كتابا في التفسير يخصّه؟

يبدو من مواضع من كتبه ولا سيّما «الفتوحات» ، أن له تأليفا في التفسير ، ففي الجزء الأول من الفتوحات (ص ٥٩) عند الكلام على حروف المعجم في أوائل سور القرآن ، يقول : «ذكرناه في كتاب الجمع والتفصيل في معرفة معاني التنزيل».

وفي (ص ٦٣) يقول : «وقد أشبعنا القول في هذا الفصل عند ما تكلمنا على

٥٧٠

قوله تعالى : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ)(١) في كتاب الجمع والتفصيل».

وفي (ص ٧٧) عند كلامه على حروف المعجم ، يقول : «من أراد التشفّي منها فليطالع تفسير القرآن الذي سميناه الجمع والتفصيل».

ويقول عن كتاب آخر في التفسير أسماء «إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن» في الجزء الثالث من الفتوحات (ص ٦٤) عند الكلام عن «علم الإصرار» : «قد بيّناه في كتاب «إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن» في قوله تعالى في آل عمران : (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا)(٢) فانظره هناك».

وهذا التفسير قد وجد منه جزء يسير من أوّله إلى الآية ٢٥٣ من سورة البقرة ، وعليه في الخاتمة توشيح المؤلف هكذا :

«انتهى الجزء الثامن من «إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن» ويتلوه في التاسع قوله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ)(٣). وهذا الأصل بخطّ يدي من غير مسودة ، وكتب محمد بن على بن محمد بن أحمد بن العربي الحاتمي الطائي ، المترجم يوم الجمعة الثاني والعشرين من ذي القعدة ، سنة إحدى وعشرين وستمائة ، والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد خاتم النبيّين ، وعلى آله أجمعين آمين» (٤).

وقد طبع على هامش «رحمة من الرحمن» من كلام ابن العربي (الجزء الأول من ص ٧ إلى ص ٣٧٨).

__________________

(١) طه / ١٢.

(٢) آل عمران / ١٣٥.

(٣) البقرة / ٢٥٣.

(٤) راجع : رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ، تأليف محمود محمود الغراب ، ج ١ ، ص ٣٧٨.

٥٧١

وله أيضا إشارة ، إلى تفسيرين ، أحدهما بعنوان «التفسير الكبير» حيث يقول فى الجزء الرابع من الفتوحات (ص ١٩٤) :

«اعلم أنّ كل ذكر ينتج خلاف المفهوم الأول منه ، فإنّه يدل ما ينتجه على حال الذاكر ، كما شرطناه في «التفسير الكبير» لنا».

والثاني بعنوان «التفسير» أو «تفسير القرآن» كما جاء في الجزء الأول من الفتوحات (ص ٨٦) و (ص ١١٤) والجزء الثالث (ص ٦٤).

وهل هما نفس التفسيرين الآنف ذكرهما ، أم غيرهما ، غير واضح.

غير أنّ الّذي يستفاد من مجموع كلماته ، أنّ له في التفسير تأليفا باستقلاله ، وقد ضاع مع الأسف سوى النزر اليسير حسبما ذكرنا.

تفاسير منسوبة إلى ابن عربي

نعم هناك تفاسير تحمل اسم ابن عربي :

١ ـ إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن ، وهو في كمال الإيجاز والاختصار ، وقد طبع جزء يسير منه على هامش «رحمة من الرحمن» على ما أسلفنا.

٢ ـ رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ، من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي. جمع وتأليف محمود محمود الغرّاب ، من علماء دمشق المعاصرين.

وهو تفسير غير شامل ، التقطه المؤلف من كلام ابن عربي ضمن تأليفاته ، ولا سيّما «الفتوحات» حيثما تكلّم عن تفسير آية أو إشارة إلى معنى من معاني القرآن ، ومن ثم لم يستوعب جميع آي القرآن.

وقد قام المؤلف بهذا الجمع خلال خمسة وعشرين عاما ، قال : ولمحاولة الوقوف على فهم الشيخ الأكبر للقرآن الكريم ، قمت بالعمل أكثر من خمس و

٥٧٢

عشرين سنة ، في جمع وتصنيف وترتيب ما كتبه الشيخ الأكبر ، في كتبه التي بين أيدينا ، مما يصلح أن يكون تفسيرا لبعض آيات القرآن ، سواء من الناحية الظاهرة على نسق التفاسير الأخرى من الأحكام الشرعيّة والمعاني العربية ، أو ما يصلح أن يكون تفسيرا صوفيا لبعض آيات القرآن ، وهو ما يسمّى بالاعتبار والإشارة في التوحيد والسلوك ، وسميته «رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن» تمشّيا مع عقيدة الشيخ الأكبر في شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب (١).

وطبع هذا الأثر في أربع مجلدات ، في دمشق سنة (١٤١٠ ه‍ ـ ١٩٨٩ م).

٣ ـ تفسير القرآن الكريم في مجلدين اشتهرت نسبته إلى ابن عربي ، وقد راج ذلك منذ زمن سحيق ، وهو موضوع على مذاق الصوفية في التفسير الباطني المحض. وفيه بعض الشطحات مما أثار الريب في نسبته إلى الشيخ ، وزعموا أنه من صنع الشيخ كمال الدين أبي الغنائم المولى عبد الرزاق الكاشي السمرقندي المتوفّى سنة (٧٣٠ ه‍).

قال الشيخ محمد عبده : من التفسير الإشاري ما ينسبونه للشيخ الأكبر محيى الدين ابن عربي ، وإنما هو للقاشاني الباطني الشهير ، وفيه من النزعات ما يتبرّأ منه دين الله وكتابه العزيز (٢).

وأما الحاجي خليفة ـ صاحب كشف الظنون ـ فقد نسبه رأسا إلى القاشاني من غير ترديد ، قال : كتاب «تأويلات القرآن» المعروف بتأويلات القاشاني ، هو تفسير بالتأويل على اصطلاح أهل التصوّف ، للشيخ كمال الدين أبي الغنائم عبد

__________________

(١) راجع : المقدمة ، ص ٥.

(٢) تفسير المنار ، ج ١ ، ص ١٨.

٥٧٣

الرزاق بن جمال الدين الكاشي السمرقندي ، أوّله : «الحمد لله الذي جعل مناظم كلامه مظاهر حسن صفائه» (١). وهذه العبارة هي المبدوء بها في التفسير المذكور.

والنسخة التي كانت عند حاجي خليفة ، كانت إلى سورة ص. وتوجد نسخ كاملة في سائر المكتبات ، منها نسخة كاملة بالمكتبة السليمانية بتركيا تحت رقم (١٧ ـ ١٨) وتحمل خاتم عبد الرزاق الكاشاني (٢).

ويتأيّد نسبة الكتاب إلى القاشاني بما جاء في تفسير سورة «القصص» عند الآية رقم ٣٢ : (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) ، قوله : «وقد سمعت شيخنا المولى نور الدين عبد الصمد قدس‌سره في شهود الوحدة ومقام الفناء عن أبيه ، أنّه كان بعض الفقراء في خدمة الشيخ الكبير شهاب الدين السهروردي (٣).

ونور الدين هذا هو : نور الدين عبد الصمد بن علي النطنزي الأصفهاني ، والمتوفّى في أواخر القرن السابع ، وكان شيخا لعبد الرزاق القاشاني ، المتوفّى سنة (٧٣٠ ه‍). وغير معقول أن يكون نور الدين هذا شيخا لابن عربي المتوفّى سنة (٦٣٨ ه‍) (٤).

التعريف بهذا التفسير

قد أتى المؤلف فيه بالتفسير الرمزي الإشاري على طريقة الصوفية العرفانية وغالبه يقوم على أساس وحدة الوجود ، ذلك المذهب الذي كان له أثره السّيّئ في

__________________

(١) كشف الظنون ، ج ١ ، ص ١٨٧.

(٢) مقدمة رحمة من الرحمن ، ج ١ ، ص ٤.

(٣) التفسير المنسوب إلى ابن عربي ، ج ٢ ، ص ٢٢٨.

(٤) راجع : الذهبي ، التفسير والمفسرون ، ج ٢ ، ص ٤٣٦ ـ ٤٣٨ ، ط. بيروت.

٥٧٤

تفسير كلام الله ، والذي دعا بالقائلين أنه من صنع ابن عربي ؛ حيث مذهبه في وحدة الوجود مشهور.

وهو تفسير مغلق العبارة ، لا يفهم معناها ، كما لا يوجد لها من سياق الآية أو فحواها ما يدلّ عليها ، ولو أنّ المؤلف كان واضحا في كلامه ، أو كان جمع بين التفسير الظاهر والتفسير الباطن كما فعله الميبدي لهان الأمر ، ولكنه لم يفعل شيئا من ذلك ، ممّا جعل الكتاب مغلقا ، كأكثر مواضع كتب ابن عربي ولا سيّما كتابه «الفتوحات» ومن ثم كان دليلا آخر على احتمال صحّة نسبته إليه. فهو في سورة آل عمران (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ)(١) ، يقول : ربنا ما خلقت هذا الخلق باطلا أي شيئا غيرك ، فإن غير الحق هو الباطل ، بل جعلته أسماءك ومظاهر صفاتك ، سبحانك ، ننزّهك أن يوجد غيرك ، أي يقارن شيء فردانيّتك ، أو يثنّي وحدانيّتك. فقنا عذاب نار الاحتجاب ، بالأكوان عن أفعالك ، وبالأفعال عن صفاتك ، وبالصفات عن ذاتك ، وقاية مطلقة تامّة كافية (٢).

وفي سورة الواقعة (نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ)(٣) يقول : نحن خلقناكم بإظهاركم بوجودنا وظهورنا في صوركم (٤).

وفي سورة الحديد (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ)(٥) يقول : وهو معكم أينما كنتم لوجودكم به ، وظهوره في مظاهركم (٦).

__________________

(١) الآية / ١٩١.

(٢) تفسير ابن عربي ، ج ١ ، ص ٢٤١ ـ ٢٤٢.

(٣) الآية / ٥٧.

(٤) تفسير ابن عربي ، ج ٢ ، ص ٥٩٣.

(٥) الآية / ٤.

(٦) تفسير ابن عربي ، ج ٢ ، ص ٥٩٩.

٥٧٥

وفي سورة المجادلة (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ)(١) يقول : لا بالعدد والمقارنة ، بل بامتيازهم عنه بتعيّناتهم ، واحتجابهم عنه بماهيّاتهم وإنّياتهم ، وافتراقهم منه بالإمكان اللازم لماهيّاتهم وهويّاتهم ، وتحقّقهم بوجوبه اللازم لذاته ، واتصاله بهم بهويّته المندرجة في هويّاتهم ، وظهوره في مظاهرهم ، وتستّره بماهيّاتهم ، ووجوداتهم المشخّصة ، وإقامتها بعين وجوده ، وإيجابهم بوجوبه. فبهذه الاعتبارات هو رابع معهم ، ولو اعتبرت الحقيقة لكان عينهم ؛ ولهذا قيل : «لو لا الاعتبارات لارتفعت الحكمة» ، وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «العلم نقطة كثّرها الجاهلون» (٢)

وفي سورة المزّمل (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً. رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً)(٣) يقول : واذكر اسم ربك الذي هو أنت ، أي اعرف نفسك ، واذكرها ، ولا تنسها ، فينساك الله ، واجتهد لتحصيل كمالها بعد معرفة حقيقتها.

ربّ المشرق والمغرب ، أي الذي ظهر عليك نوره ، فطلع من أفق وجودك بإيجادك ، والمغرب الذي اختفى بوجودك ، وغرب نوره فيك ، واحتجب بك (٤).

تلك نماذج تكشف لك عن واقع هذا التفسير ، وأنه يقوم على مذهب صاحبه في القول بوحدة الوجود ، الأمر الذي يلتئم وإمكان نسبته إلى ابن عربي القائل بذلك ، فليس غريبا منه أن يقوم بتأليف تفسير يعتمد على مذهبه الخاص.

__________________

(١) الآية / ٧.

(٢) تفسير ابن عربي ، ج ٢ ، ص ٦١٢.

(٣) الآية / ٨ و ٩.

(٤) تفسير ابن عربي ، ج ٢ ، ص ٧٢٠ ـ ٧٢١.

٥٧٦

فلا موضع لما استغربه أمثال الشيخ محمد عبده ، وأن النزعات أو الشطحات التي تشاهد في هذا التفسير ، ليست شيئا غريبا عن روح ابن عربي ومذهبه في وحدة الوجود.

ويقوم مذهب ابن عربي في التفسير ـ في سائر مؤلفاته ـ غالبا على نظريّة «وحدة الوجود» التي يدين بها ، وعلى الفيوضات والوجدانيات التي تنهلّ عليه من سحائب الغيب الإلهي ، وتنقذف في قلبه من ناحية الإشراق الرّباني ، فنراه في كثير من الأحيان يتعسّف في التأويل ، ليجعل الآية تتمشّى مع هذه النظريّة ، فهو يبدّل فيما أراد الله من آياته ويفسّرها على أن تتضمن مذهبه وتكون أسانيد له ، الأمر الذي ليس من شأن المفسّر المنصف المخلص لله عمله ؛ إذ يجب على المفسّر المخلص أن يبحث في القرآن بحثا مجردا عن الهوى والعقيدة ، مما قلّ ما يوجد في أهل التصوّف والعرفان.

هذا وقد بالغ ابن عربي في دعواه الإشراقات الرّبانية المنهلّة على قلبه ، ويدّعي أنّ كل ما يجري على لسان أهل الحقيقة ـ ويعني بهم الصوفيّة بالذات ـ من المعاني الإشاريّة في القرآن هو في الحقيقة تفسير وشرح لمراد الله ، وأن أهل الله ـ ويعني بهم الصوفيّة ـ أحق الناس بشرح كتابه ؛ لأنهم يتلقّون علومهم عن الله مباشرة ، فهم يقولون في القرآن على بصيرة ، أما أهل الظاهر فيقولون بالظن والتخمين ، وفضلا عن ذلك إنّه يرى أنّ تفاسير أهل الحقيقة لا يعتريها شكّ ، وأنّها صدق وحقّ على غرار القرآن الكريم ، فإذا كان القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؛ لأنّه من عند الله ، فكذلك أقوال أهل الحقيقة في التفسير ، لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ؛ لأنها منزلة من عند الله يقرّر ابن عربي كل هذه المبادئ ويصرّح بها في فتوحاته.

٥٧٧

يقول : «وما خلق الله أشقّ ولا أشدّ من علماء الرسوم على أهل الله المختصّين بخدمته ، العارفين به من طريق الوهب الإلهي ، الذين منحهم أسراره في خلقه ، وفهّمهم معاني كتابه وإشارات خطابه ، فهم لهذه الطائفة مثل الفراعنة للرسل عليهم‌السلام ، ولما كان الأمر في الوجود الواقع على ما سبق به العلم القديم ـ كما ذكرنا ـ عدل أصحابنا إلى الإشارات كما عدلت مريم عليها‌السلام من أجل أهل الإفك والإلحاد إلى الإشارة. فكلامهم رضى الله عنهم في شرح كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، إشارات ، وإن كان ذلك حقيقة وتفسيرا لمعانيه النافعة ، ورد ذلك كلّه إلى أنفسهم مع تقريرهم

إيّاه في العموم وفيما نزل فيه. كما يعلمه أهل اللسان الذين نزل ذلك الكتاب بلسانهم ، فعمّ به سبحانه عندهم الوجهين ، كما قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ)(١) ، يعني الآيات المنزلة في الآفاق وفي أنفسهم ، فكل آية منزلة لها وجهان : وجه يرونه في نفوسهم ، ووجه آخر يرونه فيما خرج عنهم ، فيسمون ما يرونه في نفوسهم إشارة ، ليأنس الفقيه صاحب الرسوم إلى ذلك ، ولا يقولون في ذلك إنه تفسير ، وقاية لشرّهم وتشنيعهم في ذلك بالكفر عليه ؛ وذلك لجهلهم بمواقع خطاب الحق ، واقتدوا في ذلك بسنن الهدى ، فإنّ الله كان قادرا على تنصيص ما تأوّله أهل الله في كتابه ، ومع ذلك فما فعل ، بل أدرج في تلك الكلمات الإلهية التي نزلت بلسان العامّة ، علوم معاني الاختصاص التي فهمها عباده حين فتح لهم فيها بعين الفهم الذي رزقهم (٢).

وتفاسيره بهذا النمط كثيرة ومنبثّة في كتبه لا سيّما في «الفتوحات». خذ

__________________

(١) فصلت / ٥٣.

(٢) راجع : الفتوحات المكية ، ج ١ ، ص ٢٧٩.

٥٧٨

لذلك مثلا ما ذكره بشأن قوله تعالى : (ن ، وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ)(١) بما لا يرجع إلى محصّل.

قال في الباب الستين الذي وضعه لمعرفة العناصر وسلطان العالم العلوى على العالم السفلى :

«اعلم أنّ الله تعالى لما تسمّى بالملك رتّب العالم ترتيب المملكة ، فجعل له خواصا من عباده ، وهم الملائكة المهيمنة جلساء الحق تعالى بالذكر لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ، يسبحون الليل والنهار لا يفترون. ثم اتخذ حاجبا من الكروبيين واحدا أعطاه علمه في خلقه ، وهو علم مفصّل في إجمال ، فعلمه سبحانه كان فيه مجلّى له ، وسمّى ذلك الملك «نونا» فلا يزال معتكفا في حضرة علمه عزوجل وهو رأس الديوان الإلهي ، والحق من كونه عليما لا يحتجب عنه. ثم عيّن من ملائكته ملكا آخر دونه في المرتبة سماه «القلم» وجعل منزلته دون منزلة «النون» واتّخذه كاتبا ، فيعلمه الله سبحانه من علمه ما شاءه في خلقه بوساطة «النون» ، ولكن من العلم الإجمالي ، ومما يحوي عليه العلم الإجمالي علم التفصيل ، وهو من بعض علوم الإجمال ؛ لأن العلوم لها مراتب ، من جملتها علم التفصيل. فما عند القلم الإلهي من مراتب العلوم المجملة إلّا علم التفصيل مطلقا ، وبعض العلوم المفصّلة لا غير ، واتّخذ هذا الملك كاتب ديوانه وتجلّى له من اسمه القادر ، فأمدّه من هذا التجلّي الإلهي ، وجعل نظره إلى جهة عالم التدوين والتسطير ، فخلق له لوحا وأمره أن يكتب فيه جميع ما شاء سبحانه أن يجريه في خلقه إلى يوم القيامة خاصّة ، وأنزله منزلة التلميذ من الأستاذ ، فتوجهت عليه هنا الإرادة الإلهية ، فخصّصت له هذا القدر من العلوم المفصّلة ، وله تجلّيات من الحق

__________________

(١) القلم / ١.

٥٧٩

بلا واسطة. وليس للنون سوى تجلّ واحد في مقام أشرف ، فإنه لا يدل تعدد التجليات ولا كثرتها على الأشرفيّة ، وإنما الأشرف من له المقام الأعم. فأمر الله النون أن يمدّ القلم بثلاثمائة وستين علما من علوم الإجمال ، تحت كل علم تفاصيل ، ولكن معيّنة منحصرة لم يعطه غيرها ، يتضمن كل علم إجمالي من تلك العلوم ثلاثمائة وستين علما من علوم التفصيل ، فإذا ضربت ثلاثمائة وستين في مثلها ، فما خرج لك فهو مقدار علم الله تعالى في خلقه إلى يوم القيامة خاصّة ، ليس عند اللوح من العلم الذي كتبه فيه هذا القلم أكثر من هذا ، لا يزيد ولا ينقص ، ولهذه الحقيقة الإلهية جعل الله الفلك الأقصى ثلاثمائة وستين درجة ، وكل درجة مجملة لما تحوي عليه من تفصيل الدقائق والثواني والثوالث إلى ما شاء الله سبحانه ، مما يظهره في خلقه إلى يوم القيامة ، وسمي هذا القلم الكاتب.

ثمّ إنّ الله سبحانه وتعالى أمر أن يولّى على عالم الخلق اثنا عشر واليا ، يكون مقرّهم في الفلك الأقصى منا في بروج ، فقسّم الفلك الأقصى اثني عشر قسما ، جعل كل قسم برجا لسكنى هؤلاء الولاة ، مثل أبراج سور المدينة ، فأنزلهم الله إليها فنزلوا فيها ، كل وال على تخت في برجه ، ورفع الله الحجاب الذي بينهم وبين اللوح المحفوظ ، فرأوا فيه مسطّرا أسماؤهم ومراتبهم وما شاء الحق أن يجريه على أيديهم في عالم الخلق إلى يوم القيامة ، فارتقم ذلك كله في نفوسهم وعلموه علما محفوظا لا يتبدّل ولا يتغيّر (١)». وقال في الباب الثاني الذي وضعه لمعرفة مراتب الحروف ـ الفصل الأول ـ :

«ثم إنّه في نفس النون الرقمية (ن) التي هي شطر الفلك من العجائب ما لا يقدر على سماعها إلّا من شدّ عليه مئزر التسليم ، وتحقق بروح الموت الذي

__________________

(١) الفتوحات المكيّة ، ج ١ ، ص ٢٩٤ ـ ٢٩٥.

٥٨٠