التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب - ج ٢

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٥٧
الجزء ١ الجزء ٢

الخلق إلى معرفتك ، أنظر إليك : أعرفك معرفة اضطرار ، كأني أنظر إليك ، كما جاء في الحديث «سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر» بمعنى : ستعرفونه معرفة جليّة هي في الجلاء كإبصاركم للقمر إذا امتلأ واستوى (١).

وقد أثار ذلك ثورة أحمد الإسكندري ، فجعل يقابل هجاءه لأهل السنّة بهجاء أهل العدل ، قال : «ولو لا الاستناد بحسّان بن ثابت الأنصاري صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشاعره ، والمنافح عنه وروح القدس معه ، لقلنا لهؤلاء المتلقّبين بالعدليّة وبالناجين سلاما ، ولكن كما نافح حسّان عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعداءه ، فنحن ننافح عن أصحاب سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعداءهم فنقول :

وجماعة كفروا برؤية ربهم

حقّا ووعد الله ما لن يخلفه

وتلقّبوا عدليّة قلنا : أجل

عدلوا بربّهم فحسبهمو سفه

وتلقّبوا الناجين ، كلّا إنهم

إن لم يكونوا في لظى فعلى شفه» (٢).

البحر المحيط

لأثير الدين محمد بن يوسف بن علي الحياني الأندلسي النحوي ، كان من أقطاب سلسلة العلم والأدب ، وأعيان المبصرين بدقائق ما يكون من لغة العرب. حكي أنه سمع الحديث بالأندلس وإفريقيّة والإسكندرية ومصر والحجاز ، من نحو أربعمائة وخمسين شيخا ، وكان شيخ النحاة بالديار المصرية ، وأخذ عنه أكابر عصره. فعن الصفدي أنه قال : لم أره قطّ إلّا يسمع أو يشتغل أو يكتب

__________________

(١) تفسير الكشاف ، ج ٢ ، ص ١٥٢ ـ ١٥٦.

(٢) هامش تفسير الكشّاف ، ج ٢ ، ص ١٥٦.

٥٠١

أو ينظر في كتاب. وكان ثبتا صدوقا حجّة ، سالم العقيدة من البدع والقول بالتجسيم ، ومال إلى مذهب أهل الظاهر وإلى محبّة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام. كثير الخشوع والبكاء عند قراءة القرآن. توفّي بالقاهرة سنة (٧٤٥ ه‍).

ومن شعره :

هم بحثوا عن زلّتي فاجتنبتها

وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا

يروي عنه شيخنا الشهيد الثاني بواسطة تلميذة جمال الدين عبد الصمد بن إبراهيم بن الخليل البغدادي (١).

وتفسيره هذا من أجمع التفاسير على النكات الأدبية الرائعة التي اشتمل عليها القرآن الكريم ، وأوفرهم بحثا وراء كشف المعاني الدقيقة التي حواها كلام الله العزيز الحميد. وقد امتاز بالاهتمام البالغ بجهات اللّغة والنحو والأدب البارع ، ويعدّ تفسيره ديوانا حافلا بشواهد تفسير الكلمات واللغات والتعابير العربية والوجوه الإعرابية ، كما اهتم بالقراءات واللهجات ؛ إذ كان عارفا بها ، ونقل أقوال الأئمة وآراء الفقهاء ، فكان تفسيرا جامعا وشاملا يروي الغليل ويشفي العليل.

وقد أبان عن منهجه في المقدمة ، قائلا :

«وترتيبي في هذا الكتاب أني ابتدأت أوّلا بالكلام على مفردات الآية التي أفسّرها لفظة لفظة ، فيما يحتاج إليه من اللغة والأحكام النحوية التي لتلك اللّفظة قبل التركيب ، وإذا كان لكلمة معنيان أو معان ، ذكرت ذلك في أوّل موضع فيه تلك الكلمة ، لينظر ما يناسب لها من تلك المعاني في كل موضع تقع فيه فيحمل

__________________

(١) الكنى والألقاب للقمي ، ج ١ ، ص ٥٩ ـ ٦٠.

٥٠٢

عليه. ثم أشرع في تفسير الآية ، ذاكرا سبب نزولها إذا كان لها سبب ونسخها ومناسبتها وارتباطها بما قبلها ، حاشدا فيها القراءات ، شاذها ومستعملها ، ذاكرا توجيه ذلك في علم العربية ، ناقلا أقاويل السلف والخلف في فهم معانيها ، متكلّما على جليّها وخفيّها ؛ بحيث إنّي لم أغادر منها كلمة وإن اشتهرت ، حتى أتكلّم عليها ، مبديا ما فيها من غوامض الإعراب ودقائق الأدب ، من بديع وبيان ، مجتهدا. ثم أختتم الكلام في جملة من الآيات التي أفسرها إفرادا وتركيبا ، بما ذكروا فيها من علم البيان والبديع ملخصا» (١).

معاني القرآن

لأبي زكريّا يحيى بن زياد الفرّاء المتوفّى سنة (٢٠٧ ه‍). كان تلميذ الكسائي وصاحبه ، وأبرع الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب. قال ثعلب : لو لا الفراء لما كانت عربيّة ؛ لأنه خلّصها وضبطها. وكانت له حظوة عند المأمون ، كان يقدّمه ، وعهد إليه تعليم ابنيه ، واقترح عليه أن يؤلّف ما يجمع به أصول النحو وما سمع من العربيّة ، وأمر أن تفرد له حجرة في الدار ووكّل بها جواري وخدما للقيام بما يحتاج إليه ، وصيّر إليه الورّاقين يكتبون ما يمليه ، وقد عظم قدر الفرّاء في الدولة العباسيّة.

كان الفراء قويّ الحافظة ، لا يكتب ما يتلقّاه عن الشيوخ استغناء بحفظه. وبقيت له قوة الحفظ طوال حياته ، وكان يملي كتبه من غير نسخة. قيل عنه : إنه أمير المؤمنين في النحو. يقول ثمامة بن الأشرس المعتزلي عنه ـ وهو يتردّد على باب المأمون ـ : فرأيت أبّهة أديب ، فجلست إليه ففاتشته عن اللغة فوجدته بحرا ،

__________________

(١) مقدمة تفسير البحر المحيط ، ج ١ ، ص ٤ ـ ٥.

٥٠٣

وفاتشته عن النحو فشاهدته نسيج وحده ، وعن الفقه فوجدته رجلا فقيها عارفا باختلاف القوم ، وبالنحو ماهرا ، وبالطب خبيرا ، وبأيام العرب وأشعارها حاذقا.

وكان سبب تأليفه لكتاب معاني القرآن على ما حكاه أبو العباس ثعلب أنّ عمر بن بكير كان من أصحابه وكان منقطعا إلى الحسن بن سهل ، فكتب إلى الفرّاء : أن الأمير الحسن بن سهل ربما سألني عن الشيء بعد الشيء من القرآن ، فلا يحضرني فيه جواب ، فإن رأيت أن تجمع لي أصولا أو تجعل في ذلك كتابا أرجع إليه فعلت. فأجابه الفرّاء ، وقال لأصحابه : اجتمعوا حتّى أملّ عليكم كتابا في القرآن ، وجعل لهم يوما ، فلما حضروا خرج إليهم وكان في المسجد رجل يؤذّن ويقرأ بالناس في الصلاة ، فالتفت إليه الفرّاء ، فقال له : اقرأ بفاتحة الكتاب ، ففسّرها ، ثم توفّى الكتاب كله ، يقرأ الرجل ويفسّر الفرّاء. قال أبو العباس : لم يعمل أحد قبله ، ولا أحسب أنّ أحدا يزيد عليه. وعن أبي بديل الوضّاحي : فأردنا أن نعدّ الناس الذين اجتمعوا لإملاء الكتاب فلم يضبط ، قال : فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضيا.

وعن محمد بن الجهم : كان الفراء يخرج إلينا ـ وقد لبس ثيابه ـ في المسجد الذي في خندق عبويه ، وعلى رأسه قلنسوة كبيرة ، فيجلس فيقرأ أبو طلحة الناقط عشرا من القرآن ، ثم يقول : أمسك ، فيملي من حفظه المجلس. ثم يجيء سلمة بن عاصم من جلّة تلامذته بعد أن ننصرف نحن ، فيأخذ كتاب بعضنا فيقرأ عليه ويغيّر ويزيد وينقص.

يقول محمد بن الجهم السّمري راوي الكتاب في المقدمة : هذا كتاب فيه معاني القرآن ، أملاه علينا أبو زكريا يحيى بن زياد الفرّاء ـ رحمه‌الله ـ عن حفظه من غير نسخة ، في مجالسه أول النهار من أيام الثلاثاوات والجمع ، في شهر رمضان وما بعده من سنة اثنتين ، وفي شهور سنة ثلاث ، وشهور من سنة أربع

٥٠٤

ومائتين (١).

فقد تم إملاء الكتاب خلال ثلاث سنوات ، كل يوم الثلاثاء والجمعة من الأسبوع في كل شهر ، ابتداء من شهر رمضان المبارك ، في سنين اثنتين وثلاث وأربع بعد المائتين.

وهو أجمع كتاب أتى على نكات القرآن الأدبية : اللغة والنحو والبلاغة ، لا يستغني الباحث عن معاني القرآن من مراجعته والوقوف على لطائفه ودقائقه. وقد اعتنى المفسرون بهذا الكتاب وجعلوه موضع اهتمامهم ، سواء صرّحوا بذلك أم لم يصرّحوا. فإنه أحد مباني التفسير ، وكان معروفا بذلك.

والكتب في «معاني القرآن» كثيرة ، أوّلها : «معاني القرآن» لأبان بن تغلب بن رباح البكري التابعي ، من خواصّ الإمام علي بن الحسين السجاد عليه‌السلام المتوفّى سنة (١٤١ ه‍) ، وهو أول من صنّف في هذا الباب. صرّح به النجاشي وابن النديم.

والثاني : «معاني القرآن» لإمام الكوفيّين في النحو والأدب واللغة ، وأوّلهم بالتصنيف فيه ، أستاذ الكسائي والفراء ، هو الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن ، أبو سارة الرواسي الكوفي ، الراوي عن الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام ، وقد نسبه إليه الزبيدي. وعدّ النجاشي من كتبه «إعراب القرآن» ولعلهما واحد ، ذكره ابن النديم.

والثالث : «معانى القرآن» لأبي العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر بن عمير الثمالي الأزدي البصري المتوفّى سنة (٢٨٥ ه‍) إمام العربية ، الملقّب من أستاذه

__________________

(١) معاني القرآن ، للفرّاء ، ج ١ ، ص ٩ ـ ١٤.

٥٠٥

المازني بالمبرّد ، أي المثبت للحق (١).

وقد كتب في معاني القرآن كثير من الفحول ، يقول الخطيب بصدد الحديث عن معاني القرآن لأبي عبيد وأنه احتذى فيه من سبقه : «وكذلك كتابه في معاني القرآن ، وذلك أنّ أوّل من صنّف في ذلك من أهل اللغة أبو عبيدة معمر بن المثنّى ، ثم قطرب بن المستنير ، ثم الأخفش. وصنّف من الكوفيين الكسائي ثم الفرّاء. فجمع أبو عبيد (القاسم بن سلام الإمام) من كتبهم ، وجاء فيه بالآثار وأسانيدها ، وتفاسير الصحابة والتابعين والفقهاء ، توفّي سنة (٢٢٤ ه‍) بمكة المكرمة» (٢).

إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن

لأبي البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري المتوفّى سنة (٦١٦ ه‍).

هو أخصر وأشمل كتاب حوى على بيان إعراب الأهمّ من ألفاظ القرآن وأنحاء قراءاته. ولقد أوجز المؤلّف في ذلك ، وأوفى الكلام حول إعراب القرآن في أشكل مواضعه ، فيما يحتاج إليه المفسّر أو النّاظر في معاني القرآن الكريم. يقول المؤلّف في مقدمة الكتاب :

إنّ أولى ما عني باغي العلم بمراعاته ، وأحق ما صرف العناية إلى معاناته ما كان من العلوم أصلا لغيره منها ، وحاكما عليها ، وذلك هو القرآن المجيد ، وهو المعجز الباقي على الأبد ، والمودع أسرار المعاني التي لا تنفد. فأول مبدوء به من ذلك تلقّف ألفاظه من حفّاظه ، ثم تلقّي معانيه ممن يعانيه. وأقوم طريق يسلك

__________________

(١) جاء ذكر هؤلاء الثلاثة في الذريعة للطهراني ، ج ٢١ ، ص ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، رقم ٤٦٣٢ و ٣٣ و ٣٤.

(٢) تاريخ بغداد ، ج ١٢ ، ص ٤٠٥.

٥٠٦

في الوقوف على معناه ، ويتوصّل به إلى تبيين أغراضه ومغزاه ، معرفة إعرابه واشتقاق مقاصده من أنحاء خطابه ، والنظر في وجوه القرآن المنقولة عن الأئمة الأثبات.

والكتب المؤلّفة في هذا العلم كثيرة جدّا ، فمنها المختصر حجما وعلما ، ومنها المطوّل بكثرة إعراب الظواهر ، وخلط الإعراب بالمعاني ، وقلّما تجد فيها مختصر الحجم كثير العلم ، فلما وجدتها على ما وصفت ، أحببت أن أملي كتابا يصغر حجمه ويكثر علمه ، اقتصر فيه على ذكر الإعراب ووجوه القراءات ، فأتيت به على ذلك.

والكتاب مرتب حسب ترتيب السور ، متعرضا لإعراب القرآن آية فآية وكلمة فكلمة ، حتى يأتي إلى آخره.

والكتب في إعراب القرآن كثيرة ، أفضلها ما كتبه المتقدمون ، وقد استرسل فيها المتأخرون ، فأتوا بما لا طائل تحته في كثير من تصانيفهم بهذا الشأن.

ومن أحسن كتب السلف في إعراب القرآن ، كتاب «البيان» في غريب إعراب القرآن ، تأليف كمال الدين ، عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله ، أبي البركات. المعروف بابن الأنباري ، المتوفّى سنة (٥٧٧ ه‍). وقد انتهت إليه زعامة العلم في العراق ، وكان قبلة الأنظار بين أساتذة المدرسة النظامية في بغداد ، يرحل إليه العلماء من جميع الأقطار ، وقد تخاطف الطلاب والأدباء تصانيفه ، وطولب بالتأليف في مختلف علوم اللغة.

وقد وضع كتابه هذا على أحسن أسلوب وأجمل ترتيب ، في بيان أعاريب القرآن ، منتهجا ترتيب معاني القرآن للفرّاء ، وأسلوبه في شرح مواضع الكلمات ، وبيان تفاصيل وجوهها. وهو مرتّب حتى نهاية القرآن الكريم.

٥٠٧

ومن الكتب المؤلّفة في هذا الباب ، ويعدّ من أجملها : كتاب «إعراب القرآن» المنسوب إلى الزجّاج المتوفّى سنة (٣١٦ ه‍). لكن من المحتمل القريب أنه من تأليف أبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي المغربي ، صاحب التآليف الكثيرة في القرآن ، وفي الأدب واللغة ، توفّي سنة (٤٣٧ ه‍) (١).

هذا الكتاب وضع على تسعين بابا ، جاء الكلام فيها في مختلف شئون النكات الأدبية والنحوية واللغوية ، كل باب بنوع خاص من المسائل الأدبية. وقد استوفى الكلام حول مسائل اللغة في القرآن وبعض مسائل البلاغة والبديع كالباب التاسع عشر ، فيما جاء في التنزيل من ازدواج الكلام والمطابقة والمشاكلة وغير ذلك. والباب الخامس والثلاثين ، فيما جاء في التنزيل من التجريد. والباب الثالث والثمانين ، فيما جاء في التنزيل من تفنن الخطاب والانتقال من الغيبة إلى الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى التكلم. كما تعرض لبعض القراءات ، كالباب السابع والثمانين فيما جاء في التنزيل من القراءة التي رواها سيبويه في كتابه. والباب الثامن والثمانين في نوع آخر من القراءات. وسائر الأبواب متمحّضة في النحو والاشتقاق.

وعلى أيّ حال ، فهو كتاب ممتع ، ومفيد للباحثين ، عن نكات القرآن الأدبية والدقائق اللغوية البارعة.

ولمكي بن أبي طالب ، كتاب آخر في «مشكل إعراب القرآن» طبع في جزءين. وهو تأليف لطيف وضعه على ترتيب السور ، تعرّض للمشكل من أعاريب ألفاظ القرآن الكريم ، هادفا وراء ذلك إيضاح المعاني ؛ حيث وضّح

__________________

(١) راجع : ملحق الكتاب ، برقم ٥ ، ص ١٠٩٦ ـ ١٠٩٩.

٥٠٨

الإعراب هو خير معين في فهم المعنى. قال في المقدمة : «إذ بمعرفة حقائق الإعراب تعرف أكثر المعاني وينجلي الإشكال ، فتظهر الفوائد ويفهم الخطاب وتصحّ معرفة حقيقة المراد. وقد رأيت أكثر من ألّف في الإعراب ، طوّله بذكره لحروف الخفض وحروف الجزم ، وبما هو ظاهر من ذكر الفاعل والمفعول ، واسم إنّ وخبرها ، في أشباه لذلك يستوي في معرفتها العالم والمبتدئ ، وأغفل كثيرا مما يحتاج إلى معرفته من المشكلات ، فقصدت في هذا الكتاب إلى تفسير مشكل الإعراب ، وذكر علله وصعبه ونادره» (١).

__________________

(١) مشكل إعراب القرآن لمكي ، ج ١ ، ص ٦٣ ـ ٦٤.

٥٠٩

تفاسير لغويّة

هناك كتب تعرّضت لغريب اللغة في القرآن ، وفسّرت معاني الكلمات التي جاءت غريبة في كتاب الله. وقد فسّرنا فيما مضى معنى «الغريب» الواقع في القرآن ، وأنها اللّفظة المستعملة والمعروفة في لغة قبيلة دون أخرى ، فجاء استعمالها في القرآن غريبا على سائر اللغات ، وذلك في مثل «الودق» بمعنى المطر ، لغة جرهم. و «المنسأة» بمعنى العصا ، لغة حضرموت. و «آسن» بمعنى منتن ، لغة تميم. و «سعر» بمعنى جنون ، لغة عمان. و «بسّت» بمعنى تفتّتت ، لغة كندة ، وهلمّ جرّا. وعليه فالذي جاء منه في القرآن الشيء الكثير ، هو الغريب العذب والوحش السائغ ، الذي أصبح بفضل استعماله ألوفا ، وصار بعد اصطياده خلوبا ، دون البعيد الركيك ، والمتوعّر النفور. وقد بحثنا عن ذلك مستوفى عند الكلام عن إعجاز القرآن البياني (١).

والمؤلفون في غريب القرآن كثير ، أوّلهم : محمد بن السائب الكلبي الكوفي النسّابة ، من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام المتوفّى سنة (١٤٦ ه‍) ثم أبو فيد مؤرّج بن عمر النحوي السدوسي البصري المتوفّى سنة (١٧٤ ه‍) ، وأبو الحسن النضر بن شميل المازني البصري المتوفّى سنة (٢٠٣ ه‍) واستمر الحال وتسلسل تأليف رسائل وكتب في غريب القرآن طول القرون ، على أيدي علماء أدباء ولغويين نبهاء ، أوضحوا الكثير من غريب ألفاظ القرآن الكريم ،

__________________

(١) التمهيد في علوم القرآن ، ج ٥ ، ص ١٠٨ ـ ١٣٠.

٥١٠

وعنوا بذلك عناية بالغة ، جزاهم الله عن الإسلام والقرآن خير جزاء.

وأقدم كتاب وصل إلينا في تفسير غريب القرآن ، ما هو المنسوب إلى الإمام الشهيد زيد بن علي بن الحسين عليه‌السلام ، وهو برواية الشيخ الإمام العالم الزاهد الفقيه أبي جعفر محمد بن منصور المقري رضي الله عنه ، وكان شيخ الزيدية بالكوفة. رواه عن أحمد بن عيسى ، والقاسم بن إبراهيم ، والحسن بن يحيى ، وعبد الله بن موسى ، ومحمد بن علي ، وزيد بن علي ، وجعفر بن محمد.

وهو تفسير موجز لطيف ، وتبيين شاف لمواضع الإبهام من الذكر الحكيم ، تجده وافيا بإيفاد المعاني في تسلسل رتيب حسب ترتيب السور والآيات ؛ مما ينبؤك عن علم غزير وذوق ظريف ودقة فائقة (١).

وخير كتاب وجدته تعرّض للمشكل من معاني القرآن ، متصدّيا لتأويله وتبيينه ، هو كتاب «تأويل مشكل القرآن» تأليف العلّامة الناقد البصير أبي محمد عبد الله بن مسلم (ابن قتيبة) الدينوري المروزي المتوفّى سنة (٢٧٦ ه‍).

وقد استوفى المؤلف الكلام حول أنواع المتشابه في القرآن ، وشرحها شرحا وافيا. تكلّم عن الطاعنين في القرآن ، وما ادّعى فيه من التناقض والاختلاف ، والتكرار والزيادة ومخالفة الظاهر ، وما ادعى فيه من فساد النظم والإعراب. كما تعرض للأشباه والنظائر في معاني ألفاظ القرآن (ولعلّه كان المرجع لحبيش التفليسي في تأليفه الآتى) وتكلّم في حروف المعاني وما شاكلها من أفعال ، واستعمال بعض الحروف مكان البعض ، وأخيرا الكلام عن مشكل القرآن وما شابه ذلك.

__________________

(١) وأخيرا قام بتحقيقه وتنميقه زميلنا الفاضل السيد محمد جواد الجلالي. وطبع طبعة أنيقة.

٥١١

فهو كتاب فريد في بابه ، لم يسبق له نظير في مثله ، كما لم يخلفه بديل.

وأحسن كتاب في هذا الباب ، هو كتاب «المفردات» لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني ، المتوفّى سنة (٥٠٢ ه‍) ، فإنه أول كتاب فتح باب الاجتهاد في اللغة وأعمل الرأي والاستنباط في فهم معاني اللّغات. ولقد أجاد في ذلك وأفاد ، واستقصى لغات القرآن كلّها واستوعب الكلام في الجمع والتفريق ، والبسط والتفصيل ، في المعاني ومفاهيم الكلمات.

ولأبي الفضل حبيش بن إبراهيم التفليسي من أعلام القرن السادس كتاب لطيف ، كتبه في وجوه معاني القرآن ، تعرّض فيه للمعاني المحتملة من تعابير جاءت في القرآن الكريم ، وضعه بالفارسية ، وهو موجز مختصر طريف في بابه. حقّقه الأستاذ الدكتور مهدي محقق ، وطبع ونشر أخيرا في عدّة طبعات بطهران.

وأجمع كتاب ظهر أخيرا جامعا لمعاني القرآن وشاملا ومستوعبا لغرائب ألفاظه الكريمة ، هو كتاب «تفسير غريب القرآن الكريم» للفقيه المفسر اللغوي الأديب الشيخ فخر الدين الطريحي النجفي المتوفّى سنة (١٠٨٥ ه‍). وهو كتاب شاف وواف بالموضوع ، طبع طبعة أنيقة ، بتحقيق الأستاذ محمد كاظم الطريحي ، بالنجف الأشرف ـ العراق.

٥١٢

تفسير المتشابهات

ويلحق بهذا الباب تفاسير خصّت الكلام حول متشابهات القرآن وردّ المطاعن عنه ، وهي كثيرة ومتنوعة ، كان من أهمها :

١ ـ متشابه القرآن ، للقاضي عماد الدين أبي الحسن عبد الجبّار بن أحمد الهمداني المعتزلي المتوفّى سنة (٤١٥ ه‍). ولد في ضواحي مدينة همدان ، في قرية أسدآباد ، وخرج إلى البصرة في طلب العلم ، واختلف إلى مجالس العلماء ، حتى برع في الفقه والحديث والأدب والتفسير ، وتكلّم على مذهب الاعتزال ، وتولّى القضاء في الريّ ، على عهد الصاحب بن عباد في دولة بني بويه ؛ حيث كان الصاحب لا يرى تولية القضاء في دولته الشيعية إلّا لمن كان معروفا من أهل القول بالعدل.

كان عبد الجبار إمام المعتزلة في عصره ، واتّصل بالصاحب ، ووقع تحت عنايته ، ومن ثم كتب له عهدا بتولية رئاسة القضاء في الريّ وقزوين وغيرهما ، من الأعمال التي كانت لفخر الدولة ، ثم أضاف إليه بعد ذلك في عهد آخر إقليمي جرجان وطبرستان.

وله تصانيف قيّمة وجيّدة ، ولا سيما في الأصول والكلام ، مثل «المغني» ، و «شرح الأصول الخمسة» ، وكتاب «الحكمة والحكيم» ، وغير ذلك.

ومن جيّد تصانيفه : كتابه في متشابهات القرآن ، يستعرض فيه سور القرآن حسب ترتيبها في المصحف ، ويقف في كل منها عند نوعين من الآيات : الآيات المتشابهة التي يزعم الخصم أن فيها دلالة على مذهبه الباطل ، والآيات المحكمة الدالة على مذهب الحق ، وذلك ما ألزم به نفسه في مقدمة الكتاب ، واستمر عليه حتى نهاية الكتاب. ولقد أجاد فيما أفاد ، واستوعب الكلام فيما أراد.

٥١٣

٢ ـ تنزيه القرآن عن المطاعن ، أيضا للقاضي عبد الجبار. كتبه في دفع الشكوك عن القرآن الكريم ، ورتّبه حسب ترتيب السور ، وتكلّم في إيراد الإشكالات الأدبية والمعنوية الواردة ، أو المحتملة على القرآن ، ثم الإجابة عليها إجابة شافية وكافية ، حسبما أوتي من حول وقوّة. ولقد استوفى الكلام في ذلك حتى نهاية القرآن.

٣ ـ متشابهات القرآن ومختلفه ، للشيخ الجليل رشيد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن شهرآشوب السروري المازندراني المتوفّى سنة (٥٨٨ ه‍). كان علما من أعلام عصره ، وضّاء كثير التصنيف والتأليف ، في مختلف العلوم الإسلامية ، وكان خبيرا ناقدا وبصيرا بشئون الدين والشريعة.

قال المحقق القمي بشأنه : فخر الشيعة ومروّج الشريعة ، محيي آثار المناقب والفضائل ، والبحر المتلاطم الزخّار الذي لا يساجل ، شيخ مشايخ الإمامية. وعن الصفدي : حفظ أكثر القرآن ولم يبلغ الثامنة من عمره ، كان يرحل إليه من البلاد ، له تقدم في علم القرآن والغريب والنحو. ووعظ على المنبر أيام المقتفي العباسي ببغداد ، فأعجبه وخلع عليه. وكان بهيّ المنظر ، حسن الوجه والشيبة ، صدوق اللهجة ، مليح المحاورة ، واسع العلم ، كثير الخشوع والعبادة والتهجّد ، لم يكن إلّا على وضوء. عاش عيشته الحميدة مائة عام ، وتوفّي بحلب. وقبره مزار بمشهد السقط على جبل جوشن خارج حلب (١).

أما كتابه هذا فهو من خير ما كتب في متشابهات القرآن ، وأجمعها وأشملها ، وأتقنها إحكاما وبيانا وتفصيلا ، وضعه على أسلوب طريف ، يبدأ بمسائل

__________________

(١) الكنى والألقاب للقمي ، ج ١ ، ص ٣٣٢.

٥١٤

التوحيد وصفات الذات والفعل ، وعالم الذر والقلب والروح والعقل ، والقضاء والقدر ، والسعادة والشقاء ، والنبوّة والعصمة ، وتاريخ الأنبياء ، والكلام على إعجاز القرآن ، والمحكم والمتشابه ، والوحي والخلافة والتكليف ، والجن والملك والشياطين ، ومسائل الإمامة والولاية ، ثم بأصول الفقه والأحكام والشرائع ، والنسخ ، والاستثناء والشرط ، والحقيقة والمجاز ، والكناية والاستعارة والتشبيه ، وسائر المسائل الأدبية واللغوية ، وما إلى ذلك ، ترتيبا طبيعيا منسجما ، سهل التناول قريب المنال ، في عبارات سهلة جزلة ، فلله درّه وعليه أجره.

٤ ـ أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها ، تأليف زين الدين محمد بن أبي بكر الرازي المتوفّى سنة (٦٦٦ ه‍) ، يشتمل على ألف ومأتي سؤال وجواب حول متشابهات القرآن ، أوردها بصورة موجزة وموفية بالمقصود ، وكانت معروفة بمسائل الرازي.

كان المؤلف ـ وهو من مواليد الريّ ، ومن ثم نسب إليه ـ على غاية من الذكاء وسعة الاطّلاع ، وله تآليف جيّدة ، مثل «الذهب الإبريز في تفسير الكتاب العزيز» ، و «روضة الفصاحة» في البديع والبيان ، و «مختار الصحاح» ، و «شرح مقامات الحريري» و «تحفة الملوك» في العبادات ، مما ينبؤك عن أدب جم وخبرة واسعة.

وضع كتابه على ترتيب السور ، يتعرّض للشبهة بصورة سؤال ، ثم يجيب عليها إجابة وافية ، حسبما أوتي من علم وبصيرة ، وهو تأليف لطيف في بابه ، حسن الأسلوب ، بديع في مثله.

وللشيخ خليل ياسين ، من أبرز علماء لبنان في العصر الأخير ، كتاب حافل

٥١٥

وشامل ، حوى ألفا وستمائة سؤال وجواب حول شبهات القرآن ، عرضها حسب ترتيب السور والآيات ، عرضا علميّا أدبيّا ، وكانت الأجوبة موفية حسب إمكان المؤلّف العلمي ، بصورة موجزة ووافية. وجاء اسم الكتاب «أضواء على متشابهات القرآن» اسما متطابقا مع المسمّى. طبع في بيروت ـ لبنان ـ سنة (١٣٨٨ ه‍) وهو كتاب جليل جميل.

٥١٦

التفاسير الموجزة

هناك تفاسير اتخذت طريقة الإيجاز في تفسير القرآن وتبيين معانيه ، ابتعدت عن طريقة التفصيل التي مشى عليها أكثر المفسّرين الكبار ، محاولين بذلك إلى تقريب معاني القرآن إلى الأذهان في خطوات سريعة ومتقاربة ، والأكثر أن يكون ذلك خدمة للناشئة من طلبة العلوم الدينيّة ، ومن قاربهم من ذوي الثقافات العامّة.

[١ ـ الوجيز :]

١ ـ وممن حاز قصب السبق في هذا المضمار ، هو (السيد عبد الله شبّر) في تفسيره الوجيز الذي قدّمه للملإ من المسلمين خدمة موفّقة إلى حدّ بعيد ، فهو على وجازته يحتوي على نكات ودقائق تفسيرية رائقة ، مما قد يفوت بعض التفاسير الضخام. فإنه لا يفوته أن يكشف لنا عن كثير من النكات اللفظيّة والبيانيّة والمعنويّة ، مع الخوض أحيانا في المعاني اللغوية والمسائل النحوية ، كل هذا ـ كما قال الأستاذ الذهبي ـ في أسلوب ممتع لا يملّ قارئه من تعقيد ولا يسأم من طول (١).

وقد حرص المؤلف على أن يكون جلّ اعتماده على ما ورد من التفسير عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام وإن كان لا يعزو كل قول إلى قائله في الغالب ، كما حرص على أن ينصر المذهب ويدافع عنه سواء في ذلك ما يتعلق بأصول المذهب أم بفروعه. وهو بعد ذلك يشرح الآيات التي لها صلة بمسائل علم الكلام شرحا يتّفق مع مذهب أهل العدل ، أو الظاهر المتفق عليه لدى أهل الحديث ، ثم لا يفوت

__________________

(١) راجع : التفسير والمفسرون ، ج ٢ ، ص ١٨٧.

٥١٧

المؤلف في تفسيره هذا أن يشير إلى بعض مشكلات القرآن التي ترد على ظاهر النظم الكريم ، ويجيب عنها إجابة سليمة عن تكلّف أهل البدع. ولا غرو فإنّه الأديب البارع والفقيه المحدّث الجامع.

ولقد وصف المؤلف تفسيره هذا ، وبيّن مسلكه فيه ، جاء في مقدمته :

«هذه كلمات شريفة ، وتحقيقات منيفة ، وبيانات شافية ، وإشارات وافية ، تتعلق ببعض مشكلات الآيات القرآنية ، وغرائب الفقرات الفرقانية ، ونتحرّى غالبا ما ورد عن خزان أسرار الوحي والتنزيل ، ومعادن جواهر العلم والتأويل ، الذين نزل في بيوتهم جبرائيل ، بأوجز إشارة وألطف عبارة ، وفيما يتعلّق بالألفاظ والأغراض والنكات البيانية ، تفسير وجيز. فإنه ألطف التفاسير بيانا ، وأحسنها تبيانا ، مع وجازة اللفظ وكثرة المعنى» (١).

ولقد وفى المؤلف بما وعد ، فقد أسند جواهر تفسيره وجيّد آرائه إلى معينه الأصل من علوم أئمة أهل البيت عليهم‌السلام. كما أوجز وأوفى في البيان وإبداء النكت والظرائف في عبارات سهلة قريبة وافية.

قال الأستاذ حامد حفني (أستاذ كرسي الأدب في كليّة الألسن العليا بالقاهرة) في مقدمة التفسير المطبوع بالقاهرة : «والعالم بهذا الفن يدرك لأوّل وهلة دقة المفسّر وإمساكه بخطام هذه الصناعة ، وجمعه لأدوات المفسر. ولعلك وأنت تقرأ تفسير الفاتحة في تفسيره هنا وتوازن ذلك بما جاء في «تفسير الجلالين» تقف بنفسك على قدرات المفسّر ، ولا سيّما في الأصول اللغويّة ، حين يردّ لفظ الجلالة «الله» إلى أصله اللّغوي ، وحين يفرّق في حصافة منقطعة النظير بين معنى اسمه تعالى «الرحمن» واسمه تعالى «الرحيم». وحين لا يكتفي بالفروق اللّغوية ،

__________________

(١) تفسير القرآن ، سيد عبد الله شبّر ، ص ٣٨.

٥١٨

فيزيدك إيضاحا بما حفظه من نصوص وأدعية مرفوعة إلى أئمة أهل البيت النبويّ عليهم‌السلام. وهو في ذلك كله سهل الجانب ، معتدل العبارة ، يسوقها في حماس العالم ، وليس في ثورة المتعصّب. كما لا ينسى وهو يفسّر أن يشرح الآية بآيات أخرى ، وأن يذكر سبب النزول كلّما دعا الأمر إلى ذلك ، وكان عونا له على توضيح المعنى المطلوب من الآية ، وهكذا نلحظ هذا الصنيع في سائر عبارات هذا التفسير الجليل» (١).

هذا ، وقد أتم المؤلّف تفسيره هذا ـ كما قال في خاتمته ـ في جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين ومائتين بعد الألف من الهجرة (١٢٣٩ ه‍ ق). وقد طبع عدة طبعات ، ولا يزال.

هذا ما يرجع إلى التفسير ذاته ، وأما المؤلف ، فهو المولى المحقق العلامة السيد عبد الله بن محمد رضا العلوي الحسيني الشهير بشبّر. ولد بالنجف الأشرف سنة (١١٨٨ ه‍) ، ثم ارتحل مع والده إلى الكاظمية ، ومكث بها إلى أن مات بها سنة (١٢٤٢ ه‍). كان من أفاضل العلماء ، فقيها ومحدّثا نبيها ومفسّرا متبحّرا ، جامعا لعلوم كثيرة ، آية في الأخلاق النبيلة. كان يعتبر علما من أعلام الشيعة ، وشخصية علمية بارزة ، لها مكانتها ومقدارها. ولقد عكف مدة حياته العلمية على التأليف والتصنيف ، حتى أخرج للناس ـ مع سنّه الذي لم يتجاوز الأربع والخمسين ـ كتبا كثيرة ومصنّفات عديدة ، كلها ذوات فوائد وممتعة ، لا تزال رائجة في الأوساط العلمية ، فرحمة الله عليه من فقيه محدّث خبير ، ومفسر نابه بصير.

__________________

(١) تفسير شبّر ، مقدمة الدكتور حامد حفني داود.

٥١٩

٢ ـ الأصفى : أوسط التفاسير الثلاثة التي ألّفها العلامة المحدّث الفيض الكاشاني المتوفّى سنة (١٠٩١ ه‍) ، انتخبه من تفسيره «الصافي» وأوجزه ، وأنهاه إلى أحد وعشرين ألف بيت. اقتصر فيه على المأثور من تفاسير أهل البيت عليهم‌السلام. أوّله : «الحمد لله الذي هدانا للتمسّك بالثقلين وجعل لنا القرآن والمودّة في القربى قرة عين ...». فرغ منه سنة (١٠٧٦ ه‍).

وهو تفسير موجز لطيف يحتوي على أمّهات المسائل التفسيرية ، على مشرب أهل الحديث ، مقتصرا عليه. ففيه لباب الكلام وعباب المرام ، يكفي المراجع في تبيين معاني القرآن وشرح مبانيه. طبع طبعات حجريّة ، وهي منتشرة. وأخيرا طبع في مجلدين طبعة أنيقة.

٣ ـ ولخّص الأصفى أيضا ، وسماه «المصفّى» ، وهو أوجز تفسير يوجد في هذا الباب.

٤ ـ التسهيل لعلوم التنزيل ، لأبي القاسم محمد بن أحمد بن محمد بن جزىّ الكلبي الغرناطي توفّي سنة (٧٤١ ه‍). كان من مشاهير العلماء بغرناطة عاكفا على العلم والاشتغال بالنظر والتحقيق والتدوين ، وقد ألّف في فنون من علوم القرآن والفقه والحديث والتفسير. كان المؤلف ممن يرغب في الجهاد ، فقتل شهيدا في معركة «طريف» بالقرب من «جبل طارق».

وتفسيره هذا موجز شامل لتفسير القرآن كله ، مع إيضاح المشكلات وبيان المجملات وشرح الأقوال والآراء بصورة موجزة وافية. قال في المقدمة :

«وصنّفت هذا الكتاب في تفسير القرآن العظيم ، وسائر ما يتعلّق به من العلوم ، وسلكت مسلكا نافعا ؛ إذ جعلته وجيزا جامعا ، قصدت به أربعة مقاصد ،

٥٢٠