تذكرة الفقهاء - ج ١٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٣٩٢

المقصد السابع : في التحالف‌

ومطالبه ثلاثة :

الأوّل : في سببه.

مسالة ٥٩٧ : إنّما يقع التحالف إذا اختلفا واشتمل كلام كلّ من المتبايعين على دعوى ينفيها صاحبه ولا بيّنة هناك ، وذلك مثل أن يدّعي أنّه باع عليه هذا العبد بألف ، فيقول المشتري : ما بعتني العبد ، بل بعتني هذه الجارية بألف ، فكلّ واحد منهما مدّع لما ينكره الآخر ، وكلّ منهما منكر لما يدّعيه الآخر ، والمنكر يتوجّه (١) عليه اليمين ، فيحلف كلّ منهما بيمينه (٢) على نفي ما ادّعاه الآخر ، فيحلف المشتري أنّه ما باعه هذا العبد ، ويحلف البائع أنّه لم يبعه هذه الجارية ، ويحكم ببطلان العقدين معا.

ولا فرق بين أن يكون الثمن معيّنا أو في الذمّة.

وقال الشافعي : إن كان الثمن معيّنا ، تحالفا ، كما لو اختلفا في جنس الثمن. وإن كان في الذمّة ، فوجهان ، أحدهما : أنّهما يتحالفان أيضا ، كما لو كان معيّنا. والثاني : أنّه لا تحالف ، لأنّ المبيع مختلف فيه ، والثمن ليس بمعيّن حتى يربط به العقد (٣).

مسالة ٥٩٨ : ولو قال الزوج : أصدقتك أباك‌ ، فقالت : بل أمّي ، حلف‌

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « لمّا يتوجّه ».

(٢) في « س ، ي » : « يمينه ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣١.

٨١

كلّ واحد منهما (١) على نفي ما يدّعيه صاحبه ، ولم يجمع أحدهما في اليمين بين النفي والإثبات ، ولا يتعلّق بيمينهما فسخ ولا انفساخ ، بل يثبت مهر المثل.

وللشافعي قولان :

أحدهما : التحالف ، فيجمع كلّ منهما في يمينه بين النفي والإثبات.

والآخر : لا تحالف ، بل يحلف كلّ منهما على نفي ما يدّعيه الآخر ، ولا يجمع بين النفي والإثبات في يمينه ، ولا يتعلّق بيمينهما فسخ ولا انفساخ (٢).

مسالة ٥٩٩ : لو أقام مدّعي بيع العبد البيّنة على دعواه‌ ، وأقام مشتري الجارية البيّنة على دعواه ، فإن أمكن الجمع بينهما بأن يكون الثمن مطلقا غير معيّن والزمان متعدّد ، حكم بهما معا ، ويثبت (٣) العقدان ، ولا يمين هنا.

وإن لم يمكن إمّا بأن يكون الثمن واحدا معيّنا ، أو اتّحد الزمان بحيث لا يمكن الجمع بين العقدين ، تعارضتا ، وسيأتي حكم تعارض البيّنتين.

وقال الشافعي : إذا أقام كلّ منهما بيّنة على ما ذكره ، سلّمت الجارية للمشتري ، وأمّا العبد فقد أقرّ البائع ببيعه ، وقامت البيّنة عليه ، فإن كان في يد المشتري ، أقرّ عنده. وإن كان في يد البائع ، فوجهان :

__________________

(١) في « س » : « حلف كلّ منهما ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦.

(٣) في « س ، ي » : « ثبت ».

٨٢

أحدهما : أنّه يسلّم إلى المشتري ، ويجبر على قبوله.

والثاني : لا يجبر ، لأنّه ينكر ملكه فيه ، فعلى هذا يقبضه الحاكم ، وينفق عليه من كسبه. وإن لم يكن له كسب ورأى الحظّ في بيعه وحفظ ثمنه ، فعل (١).

مسالة ٦٠٠ : لو اختلفا في قدر الثمن خاصّة‌ ، فقال البائع : بعتك هذا بمائة ، فيقول المشتري : بخمسين ، فإن كان لأحدهما بيّنة ، قضي بها.

وإن أقام كلّ واحد منهما بيّنة على ما يقوله ، سمعنا بيّنة من لا يكون القول قوله مع اليمين وعدم البيّنة.

وعند الشافعي تسمع البيّنتان معا من حيث إنّ كلّ واحد منهما مدّع. وحينئذ قولان : إمّا التساقط ، فكأنّه لا بيّنة ، وإمّا التوقّف إلى ظهور الحال (٢).

فإن لم يكن لواحد منهما بيّنة ، قال أكثر علمائنا (٣) : إن كانت السلعة قائمة ، فالقول قول البائع مع يمينه. وإن كانت تالفة ، فالقول قول المشتري مع يمينه ، لأنّ المشتري مع قيام السلعة يكون مدّعيا لتملّكها وانتقالها إليه بما ادّعاه من العوض ، والبائع ينكره ، وأمّا بعد التلف فالبائع يدّعي على المشتري مالا في ذمّته ، والمشتري ينكره ، فيقدّم قوله.

ولما روي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال في الرجل يبيع الشي‌ء فيقول المشتري : هو بكذا وكذا بأقلّ ممّا قال البائع ، قال : « القول قول البائع مع‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٥ ـ ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٠ ـ ٢٣١.

(٣) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٤٧ ، المسألة ٢٣٦ ، والمبسوط ٢ : ١٤٦ ، والنهاية ونكتها ٢ : ١٤٢ ـ ١٤٤ ، والقاضي ابن البرّاج في جواهر الفقه : ٥٧ ، المسألة ٢٠٩.

٨٣

يمينه إذا كان الشي‌ء قائما بعينه » (١) وهو يدلّ بالمفهوم على أنّه إذا لم يكن قائما بعينه ، يكون القول قول المشتري.

وقال بعض (٢) علمائنا ـ ولا بأس به ـ : القول قول البائع إن كانت السلعة في يده ، وقول المشتري إن كانت السلعة في يده.

وقال الشافعي : يتحالفان ، سواء كانت السلعة قائمة أو تالفة ـ وبه قال محمّد بن الحسن وأحمد في إحدى الروايتين ـ لما روى ابن مسعود أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع ، والمبتاع بالخيار » (٣) ومعنى ذلك أنّ القول قوله مع يمينه ، والمبتاع بالخيار إن شاء أخذ بما قال ، وإن شاء حلف ، وإنّما ذكر البائع ، لأنّه يبدأ بيمينه.

ولأنّهما اختلفا في العقد القائم بينهما ، وليس معهما بيّنة ، فتحالفا ، كما لو كانت السلعة قائمة. ولأنّ البائع مدّع زيادة الثمن ، ومدّعى عليه في تملّك السلعة بالأقلّ ، والمشتري بالعكس ، فكلّ منهما مدّع منكر (٤).

ونمنع دلالة الخبر على المطلوب والعموم ، إذ ليس كلّ اختلاف يقع من المتبايعين يكون هذا حكمه ، فلم قلتم : إنّ صورة النزاع منه؟ ولم قلتم : إنّ المبتاع يتخيّر بين الأخذ بقوله والحلف؟ ولم لا يجوز أن يكون الخيار له في أن يحلفه أو يعفو عنه؟ ولا نسلّم اختلافهما في العقد ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٤ ( باب إذا اختلف البائع والمشتري ) الحديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٧١ ، ٧٦٥ ، التهذيب ٧ : ٢٣٠ ، ١٠٠١.

(٢) كابن الجنيد وأبي الصلاح الحلبي وابن إدريس ، انظر : السرائر ٢ : ٢٨٢ ـ ٢٨٣.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٥٧٠ ، ١٢٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٥.

(٤) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣١ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٢٦ ، ١٢٠٣ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٣ : ٣٠ ، بداية المجتهد ٢ : ١٩٢ ، المغني ٤ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٨.

٨٤

بل في الثمن.

ونمنع ثبوت حكم الأصل ، فإنّا قد بيّنّا أنّ مع قيام السلعة يكون القول قول البائع مع يمينه من غير تحالف.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : إن كانت السلعة قائمة بحالها ، تحالفا. وإن كانت تالفة ، لم يتحالفا ـ وهو الرواية الأخرى عن أحمد ـ لأنّ القياس يقتضي أن يكون القول قول المشتري ، لاتّفاقهما على عقد صحيح ، ثمّ البائع يدّعي زيادة ينكرها المشتري ، فيقدّم قوله مع اليمين ، إلاّ أنّا تركناه في حال قيام السلعة ، لما روى ابن مسعود عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بيّنة لأحدهما تحالفا » (١) وبقي الباقي على حكم القياس ، وهو أنّهما قد اتّفقا على انتقال الملك إلى المشتري واختلفا فيما يجب عليه ، فالبائع يدّعي زيادة ينكرها المشتري (٢).

أجاب الشافعيّة بمنع اقتضاء القياس تقديم قول المشتري ، لأنّ كلّ واحد منهما مدّع ومدّعى عليه ، لأنّ البائع يدّعي العقد بألفين ، والمشتري يدّعي العقد بألف ، وهنا عقدان مختلفان ، والخبر لم يذكر فيه التحالف ولا في شي‌ء من الأخبار. وعلى أنّ التحالف إذا ثبت مع قيام السلعة ، يمكن معرفة ثمنها في العرف ، ويتعذّر ذلك إذا تلفت ، وكان البيّنة مقدّما على الدليل (٣).

__________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٤ : ٢٨٨ ، والشرح الكبير ٤ : ١١٨.

(٢) المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٣ : ٢٩ و ٣٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٢٦ ، ١٢٠٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦ ، بداية المجتهد ٢ : ١٩٢ ، المغني ٤ : ٢٨٩ ـ ٢٩٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٩ ـ ١٢٠.

(٣) انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦.

٨٥

وعن مالك ثلاث روايات : إحداها كقول الشافعي. والثانية كقول أبي حنيفة. والثالثة : إن كان قبل القبض ، تحالفا. وإن كان بعد القبض ، فالقول قول المشتري ، لأنّ بعد القبض صار جانب المشتري أقوى من جانب البائع ، لأنّه لمّا دفع إليه السلعة ائتمنه عليها ولم يتوثّق منه ، فكان القول قوله (١).

وليس بصحيح ، لأنّ اليد لا تقويه مع اتّفاقهم على البيع. والتسليم باليد ليس استئمانا ، وإنّما يقبل قول الأمين إذا أقامه مقام نفسه ، بخلاف صورة النزاع.

وقال زفر وأبو ثور : القول قول المشتري بكلّ حال ، لأنّه منكر (٢). وفيه قوّة.

مسالة ٦٠١ : لو مات المتبايعان واختلف ورثتهما في مقدار الثمن أو المثمن‌ ، فهو كاختلاف المتبايعين عندنا ، فإن كانت السلعة قائمة ، حلف ورثة البائع. وإن كانت تالفة ، حلف ورثة المشتري.

وكذا قال الشافعي بأنّهما يتحالفان كالمتبايعين ، لأنّ ما كان للمورّث ينتقل إلى وارثه (٣).

وقال أبو حنيفة : إن كان المبيع في يد وارث البائع ، تحالفا. وإن كان‌

__________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ١٩٢ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٨ ـ ٣٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦ ، المغني ٤ : ٢٨٨ و ٢٨٩ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٨ و ١١٩.

(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٩ ، بداية المجتهد ٢ : ١٩٢ ، المغني ٤ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٨.

(٣) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٤ : ٣٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣١ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٢٧ ، ١٢٠٤.

٨٦

في يد وارث المشتري ، فالقول قوله مع يمينه ، لأنّ القياس عدم التحالف ، فأجزناه مع بقاء السلعة (١).

مسالة ٦٠٢ : إذا اختلفا في المثمن‌ ، فقال البائع : بعتك هذا العبد بألف ، فقال المشتري : بل بعتني هذا العبد وهذه الجارية بألف ، فالأقرب عندي هنا : تقديم قول البائع ، لأنّ المشتري سلم له استحقاق الألف في ذمّته ، ويدّعي بيع شيئين ، والبائع ينكر أحدهما ، فيقدّم (٢) قوله.

وقال الشافعي : يتحالفان (٣) ، كما تقدّم في مذهبه.

ولو اختلفا في قدر الثمن والمثمن معا بأن يقول البائع : بعتك هذا العبد بألف ، ويقول المشتري بعتنيه وهذه الجارية بألفين ، فالأقوى عندي هنا : أنّهما يتحالفان ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لأنّ هنا دعويان مختلفتان (٥) ، فإذا حلف البائع أنّه ما باعه العبد والجارية بألفين وحلف المشتري أنّه ما باعه العبد وحده بألف ، انفسخ العقدان ، أو فسخه الحاكم.

مسالة ٦٠٣ : لو اختلفا في جنس الثمن بأن قال : بعتك بألف دينار‌ ، فيقول المشتري : بل بألف درهم ، مع اتّفاقهما على عين المبيع ، فالأقرب عندي هنا : التحالف أيضا ، لاتّفاقهما على نقل المبيع ، واختلافهما في جنس العوض ، وأحدهما غير الآخر وغير داخل فيه ، فكلّ منهما منكر‌

__________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٣٣٠ ، فتح العزيز بهامش المجموع ٩ : ١٥٥ ، وفي العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦ قد سقط في المنقول عنه بعض ما يغيّر المعنى.

(٢) في « س ، ي » : « فقدّم ».

(٣) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٣ ، حلية العلماء ٤ : ٣٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣١ ، المغني ٤ : ٢٩٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣١.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « مختلفان ». والصحيح ما أثبتناه.

٨٧

مدّع ، فيتحالفان ، كما قلناه ، فيحلف البائع : ما بعته بألف درهم ، ويحلف المشتري : ما ابتاعه بألف دينار ، وبه قال الشافعي (١).

ولو اختلفا في بعض صفاته ، قدّم قول منكر زيادة الصفة.

ولو اختلفا في وصفين مختلفين ، تحالفا ، وبه قال الشافعي (٢).

مسالة ٦٠٤ : لو اختلفا في شرط في العقد كالأجل‌ ، أو اختلفا في قدر الأجل ، أو اختلفا في الخيار وعدمه ، أو قدر مدّته ، أو اختلفا في اشتراط الرهن أو قدره ، أو في الضمان بالمال أو بالعهدة ، قدّم قول منكر ذلك كلّه ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد (٣) ـ لأنّ المشتري تمسّك بأصالة العدم ، فيقدّم قوله ، عملا بأصالة النفي. ولأنّه اختلاف في شرط يلحق بالعقد ، فلم يتحالفا ، كما لو اختلفا في العيب أو شرط البراءة.

وقال الشافعي : يتحالفان في جميع ذلك ، عملا بالقياس ، وهو أنّهما اختلفا في صفة العقد القائم بينهما ، وليس معهما بيّنة ، فيقضى بالتحالف ، كما لو اختلفا في الثمن (٤).

والقياس عندنا باطل لا يجوز التعويل عليه ، مع أنّ الحكم في الأصل ممنوع على ما تقدّم.

مسالة ٦٠٥ : قد بيّنّا أنّ التحالف يثبت في كلّ موضع يحصل لكلّ من المتنازعين أن يكون مدّعيا على الآخر ومنكرا لدعوى الآخر.

__________________

(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٠ ـ ٢٣١.

(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٠ ـ ٢٣١.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٣٣١ ، المغني ٤ : ٢٩١ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢١.

(٤) الوجيز ١ : ١٥٢ ـ ١٥٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٣ ، حلية العلماء ٤ : ٣٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٠ ـ ٢٣١ ، المغني ٤ : ٢٩١ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢١.

٨٨

وقال الشافعي : يجري التحالف في كلّ عقود المعاوضات ، ولا يختصّ بالبيع ، كالسّلم والإجارة والمساقاة والقراض والجعالة والصلح عن دم العمد والخلع والصداق والكتابة ، طردا للمعنى. ثمّ في البيع ونحوه ينفسخ العقد بعد التحالف أو يفسخ ويترادّان ، كما سيأتي. أمّا الصلح عن الدم فلا يعود الاستحقاق ، بل أثر التحالف الرجوع إلى الدية [ وكذلك لا يرتدّ ] (١) البضع ، ولكن في النكاح ترجع المرأة إلى مهر المثل ، وفي الخلع الزوج (٢) (٣).

قال الجويني : أيّ معنى للتحالف في القراض؟ مع أنّه جائز وكلّ واحد منهما بسبيل من فسخه بكلّ حال. وأيّد ذلك بأنّ بعض الشافعيّة منع من التحالف في البيع في زمن الخيار ، لإمكان الفسخ بسبب الخيار.

ثمّ أجاب بأنّ التحالف ما وضع للفسخ ، ولكن عرضت الأيمان رجاء أن ينكل الكاذب ، ويتقرّر العقد بيمين الصادق ، فإذا لم يتّفق ذلك وأصرّا ، فسخ العقد للضرورة.

والوجه : أنّ في القراض تفصيلا ، وهو : أنّ التحالف قبل الخوض في العمل لا معنى له ، وأمّا بعده فالنزاع يؤول إلى مقصود من ربح أو اجرة مثل ، فيتحالفان. والجعالة كالقراض (٤).

والأصل عندنا ما قدّمناه من الضابط ، وهو التحالف مع ادّعاء كلّ منهما‌

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « س » : « ولذلك لا يزيل ». وفي « ي » : « ولذلك يريد ».

وفي الطبعة الحجريّة : « وذلك لا يزيد ». والكلّ غلط ، والصحيح ما أثبتناه.

(٢) أي : وفي الخلع يرجع الزوج إلى مهر المثل.

(٣) الوسيط ٣ : ٢٠٧ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣١ ـ ٢٣٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٢.

٨٩

على صاحبه ما ينفيه الآخر. وإن كان الادّعاء من طرف واحد ، حلف المنكر.

مسالة ٦٠٦ : لو قال : بعتك هذا بألف ، فقال : بل وهبتنيه‌ ، حلف كلّ واحد منهما على نفي ما يدّعيه صاحبه ، وبه قال الشافعي ، وقال : إنّه لا تحالف هنا (١) ، لأنّ التحالف عنده ليس أن يحلف كلّ منهما على نفي دعوى الآخر ، كما قلناه نحن ، بل ما يأتي (٢).

إذا ثبت هذا ، فإذا حلفا ، كان على مدّعي الهبة ردّه بزوائده ، لأنّ البائع إنّما ملّكه العين بزوائدها لو سلم له الثمن.

وقال بعض الشافعيّة : القول قول مدّعي الهبة ، لأنّه مالك باتّفاقهما ، وصاحبه يدّعي عليه مالا ، والأصل براءة ذمّته (٣).

وقال بعضهم : إنّهما يتحالفان (٤).

ولو قال : بعتك هذا بألف ، فقال : بل وهبتنيه على الألف ، حلف كلّ منهما على نفي ما يدّعيه صاحبه ، وردّ الألف واستردّ العين.

ولو قال : رهنتكه (٥) على ألف استقرضتها منك ، فقال : بل بعتنيه بألف ، قدّم قول المالك مع يمينه ، وتردّ الألف ، ولا يمين على الآخر ، ولا يكون رهنا ، لأنّه لا يدّعيه ، وبذلك قال الشافعي (٦).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٢.

(٢) في ص ٩٥ ، المسألة ٦١١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٢.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « وهبتكه » بدل « رهنتكه ». والصحيح ما أثبتناه.

(٦) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٢.

٩٠

مسالة ٦٠٧ : هذا كلّه فيما إذا اتّفقا على وقوع عقد صحيح بينهما‌ ، أمّا لو اختلفا من غير الاتّفاق على عقد صحيح بأن يدّعي أحدهما صحّة العقد والآخر فساده ـ كما لو قال : بعتك بألف ، فقال المشتري : بل بألف وزقّ (١) خمر ، أو قال أحدهما : شرطنا في العقد خيارا مجهولا أو غيره من الشروط المبطلة ، وأنكر الآخر ـ فلا تحالف ، ويقدّم قول مدّعي الصحّة ـ وهو أحد قولي الشافعي (٢) ـ لأنّ الظاهر من العقود الجارية بين المسلمين الصحّة ، ولهذا يحكم بصحّة البيع لو ادّعى المشتري حرّيّة العبد المبيع ، وقال المالك : بل هو عبد ، تصحيحا للعقد.

وكذا من شكّ بعد الصلاة هل ترك ركنا منها أم لا ، فإنّه يحكم بصحّة صلاته بناء على أصالة الصحّة.

والقول الثاني : أنّه يقدّم قول من يدّعي فساد العقد مع يمينه ، لأنّ الأصل عدم العقد الصحيح وبقاء الملك للمالك ، فصار كما لو اختلفا في أصل البيع (٣).

ويعارض بأنّ الأصل عدم العقد الفاسد أيضا ، لكن قد وقع العقد بينهما قطعا ، والأصل الصحّة.

قال القفّال : الأصل المأخوذ فيمن قال : لفلان عليّ ألف من ثمن خمر ، هل يؤخذ بأوّل كلامه أم يقبل قوله : من ثمن خمر؟ إن قلنا بالثاني ،

__________________

(١) الزّقّ : السقاء ، أو الذي تنقل فيه الخمر. لسان العرب ١٠ : ١٤٣ « زقق ».

(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٤ : ٣٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٢.

(٣) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٤ : ٣٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٢.

٩١

فالقول قول مدّعي الفساد. وإن قلنا بالأوّل ، فالقول قول مدّعي الصحّة (١).

ولو قال : بعتك بألف ، فقال : بل بخمر ، أو بثمن مجهول ، فالقول قول مدّعي الصحّة كما قلنا.

وبعض الشافعيّة قال : إنّ فيه طريقين ، أحدهما : طرد الوجهين. والثاني : القطع بالفساد ، لأنّه لم يقرّ بشي‌ء ملزم (٢) (٣).

وعلى قول مدّعي الصحّة لو قال : بعتك بألف ، فقال : بل بخمسمائة وزقّ خمر ، وحلف البائع على نفي سبب الفساد ، صدّق فيه ، ويبقى التنازع في قدر الثمن ، فيكون القول قول البائع مع يمينه إن كانت السلعة باقية ، وقول المشتري إن كانت تالفة.

وعند الشافعي يتحالفان (٤).

مسالة ٦٠٨ : لو اشترى عبدا وسلّمه إلى المشتري‌ ، ثمّ جاءه بعبد ويريد ردّه بعيب فيه ، فقال البائع : هذا ليس عبدي الذي ابتعته وقبضته منّي ، وادّعى المشتري أنّه هو ، قدّم قول البائع ، لأصالة براءة الذمّة ، والرادّ يريد الفسخ ، والأصل مضيّه على السلامة.

ولو فرض ذلك في السّلم أو قال : ليس هذا على الوصف الذي أسلمت إليك ، فيه وجهان للشافعيّة :

أحدهما : أنّ القول قول المسلم إليه مع يمينه ، كما أنّ القول قول‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٩.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « لأنّه لم يفسّر بشي‌ء يلتزم ». والظاهر ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز » ونحوه في « التهذيب » للبغوي.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٩ ، وانظر : التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٥ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٣٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٣.

٩٢

البائع.

وأصحّهما : أنّ القول قول المسلم ، لأنّ اشتغال الذمّة بمال السّلم معلوم ، والبراءة غير معلومة.

ويفارق صورة البيع ، لأنّهما اتّفقا على قبض ما ورد عليه الشراء ، وتنازعا في سبب الفسخ ، والأصل استمرار العقد.

والوجهان جاريان في الثمن في الذمّة أنّ القول قول الدافع أو القابض؟ (١)

وعن ابن سريج وجه ثالث : الفرق بين ما يمنع صحّة القبض ، وبين العيب الذي لا يمنعها ، فإذا كان الثمن دراهم في الذمّة وفرض هذا النزاع وكان ما أراد البائع ردّه زيوفا ولم يكن ورقا ، فالقول قول البائع ، لإنكار أصل القبض الصحيح. وإن كانت ورقا لكنّها رديئة كخشونة الجوهر أو اضطراب السكّة ، فالقول قول المشتري ، لأنّ أصل القبض قد تحقّق ، ولو رضي به ، لوقع المقبوض عن الاستحقاق (٢).

ولا يخفى مثل هذا التفصيل في المسلم فيه.

ويمكن أن يقال : المعنى الفارق في المسلم فيه ظاهر ، لأنّ الاعتياض عنه غير جائز ، لكن في الثمن لو رضي بالمقبوض ، لوقع عن الاستحقاق وإن لم يكن ورقا إذا كانت له قيمة ، لأنّ الاستبدال عن الثمن جائز.

ولو كان الثمن معيّنا ، فهو كالمبيع ، فإذا وقع فيه هذا الاختلاف ، قدّم قول المشتري مع يمينه.

لكن لو كان المعيّن نحاسا لا قيمة له ، فالقول قول الرادّ ، لأنّه يدّعي‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٣.

٩٣

بقاء ملكه وفساد العقد ، قاله بعض الشافعيّة (١).

مسالة ٦٠٩ : لو قبض المبيع أو المسلم فيه بالكيل أو الوزن ثمّ ادّعى النقصان ، قال أصحابنا : إن كان حاضرا عند الكيل أو الوزن ، لم يلتفت إليه ، وقدّم قول الآخر مع اليمين ، إذ العادة تقضي باستظهاره واحتياطه في القبض. وإن لم يحضرهما ، قدّم قوله مع اليمين ، لأصالة عدم القبض.

وقال الشافعي : إن كان النقصان قدر ما يقع مثله في الكيل والوزن ، قبل ، وإلاّ فقولان :

أحدهما : أنّ القول قول القابض مع يمينه ، لأصالة بقاء حقّه ، وبه قال أبو حنيفة.

والثاني : أنّ القول قول الدافع مع يمينه ، لأنّهما اتّفقا على القبض ، والقابض يدّعي الخطأ فيه ، فيحتاج إلى البيّنة ، كما لو اقتسما ثمّ ادّعى أحدهما الخطأ ، يحتاج إلى البيّنة ، وبه قال مالك (٢).

ويحتمل عندي التفصيل ، وهو أن يقال : إن كان العقد يبطل بعدم القبض ، فالقول قول من يدّعي التمام ، وإلاّ قدّم قول مدّعي النقصان.

ولو اختلف المتبايعان في القبض ، فالقول قول المشتري.

مسالة ٦١٠ : لو باع عصيرا وأقبضه ثمّ وجد خمرا‌ ، فقال البائع : تخمّر في يدك والقبض صحيح ، وقال المشتري : بل سلّمته خمرا والقبض فاسد ، وأمكن الأمران جميعا ، احتمل تقديم قول البائع ، لأصالة عدم الخمريّة ، وبقاء الحلاوة ، وصحّة البيع والقبض ، وبراءة الذمّة. وتقديم قول المشتري ، لأصالة عدم القبض الصحيح.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٤.

٩٤

وللشافعي قولان (١) كهذين الاحتمالين.

والأقوى عندي الأوّل.

ولو قال أحدهما : إنّه كان خمرا عند البيع ، فهو يدّعي فساد العقد والآخر يدّعي صحّته. وقد تقدّم حكمه.

ولو باعه لبنا أو دهنا في ظرف ثمّ وجد فيه فأرة وتنازعا في نجاسته عند القبض أو عند البيع أو بعدهما ، فعندنا قدّم قول البائع ، لأصالة الطهارة.

وللشافعي الوجهان (٢).

ولو قال المشتري : بعت العبد بشرط أنّه كاتب ، وأنكر البائع ، قدّم قول البائع ، لأصالة عدم الاشتراط ، وبراءة الذمّة ، كما لو اختلفا في العيب ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّهما يتحالفان كما لو اختلفا في الأجل أو الخيار (٣) (٤).

والأصل ممنوع على ما مرّ.

ولو كان الثمن مؤجّلا فاختلفا في انقضاء الأجل ، فالأصل بقاؤه.

المطلب الثاني : في كيفيّة اليمين.

مسالة ٦١١ : التحالف عند الشافعي أن يحلف كلّ واحد من المتعاقدين على إثبات ما يقوله ونفي ما يقوله صاحبه (٥).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٤.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « الجيد » بدل « الخيار » والظاهر ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٤.

(٥) الوسيط ٣ : ٢١٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٤.

٩٥

وأمّا نحن فلا نشترط الحلف على الإثبات ، بل يحلف كلّ منهما على نفي ما يدّعيه الآخر ، فإذا قال : بعتك هذا العبد بألف ، وقال المشتري : بل بعتني هذه الجارية بألف ولم تبعني العبد ، ولا بيّنة ، حلف البائع أنّه ما باع الجارية ، وحلف المشتري أنّه ما اشترى العبد.

ولا يجب على واحد منهما الجمع بين النفي والإثبات كما قلناه ، خلافا للشافعي (١) ، ولا يكون هذا تحالفا ، بل يحلف كلّ منهما على النفي.

فإذا حلف البائع : أنّه ما باع الجارية ، بقيت على ملكه كما كانت ، وانتزعها من يد المشتري إن كانت في يده ، وجاز له التصرّف فيها.

وإذا حلف المشتري أنّه ما اشترى العبد ، فإن كان العبد في يده ، لم يكن للبائع مطالبته به ، لأنّه لا يدّعيه. وإن كان في يد البائع ، فإنّه لا يجوز له التصرّف فيه ، لأنّه معترف بأنّه للمشتري ، وأنّ ثمنه في ذمّته.

إذا تقرّر هذا ، فإن كان البائع قد قبض الثمن ، فإنّه يردّه على المشتري ، ويأخذ العبد قصاصا ، ويجوز له بيعه بقدر الثمن. وإن لم يكن قبضه ، أخذ العبد قصاصا أيضا ، أو باعه بذلك الثمن. ولو زاد الثمن ، فهو مال لا يدّعيه الآن أحد.

مسالة ٦١٢ : الأقرب : انّه يبدأ بيمين من ادّعي عليه أوّلا‌ ، فإن كان البائع قد ادّعى بيع العبد منه وأنكر المشتري وقال : إنّما اشتريت الجارية ، حلف المشتري على نفي شراء العبد ، ثمّ حلف البائع على نفي شراء الجارية.

وإن كان المشتري قد ادّعى أوّلا ، فقال : إنّي اشتريت هذه الجارية ،

__________________

(١) الوسيط ٣ : ٢١١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٥.

٩٦

فقال البائع : لم أبعه الجارية ، بل العبد ، قدّم يمين البائع ، فإذا حلف على أنّه ما باع الجارية ، حلف المشتري أنّه لم يشتر العبد.

وللشافعي قولان : قال في البيع : إنّه يبدأ بيمين البائع. وفي السّلم :

بالمسلم إليه. وفي الكتابة : بالسيّد (١). وهذه الأقوال متوافقة.

وقال في الصداق : إنّه يبدأ بالزوج (٢). وهو يخالف سائر الأقوال السابقة ، لأنّ الزوج يشبه المشتري.

وقال في الدعاوي : إنّه إن بدئ بيمين البائع ، خيّر المشتري. وإن بدئ بيمين المشتري ، خيّر البائع (٣). وهذا يشعر بالتسوية والتخيير.

فقال أصحابه : إنّ في ذلك طريقين أظهرهما : أنّ المسألة على ثلاثة أقوال :

أظهرها : أنّ البداءة بالبائع ـ وبه قال أحمد بن حنبل ـ لما رووه من قوله عليه‌السلام : « فالقول ما قال البائع والمبتاع بالخيار ، أو يتتاركان ، أو يترادّان » (٤).

ولأنّ جانب البائع أقوى ، فإنّهما إذا تحالفا ، عاد المبيع إليه ، فكان أقوى ، كما أنّ صاحب اليد أقوى من غيره. ولأنّ ملك البائع على الثمن يتمّ‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ٣٠٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٠٠ ، الوسيط ٣ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨١.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٠٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٠٠ ، الوسيط ٣ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨١.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ٣٠٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٠٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨١.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٧ ، ٢١٨٦ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٨٥ ، ٣٥١١ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٧٠ ، ١٢٧٠ ، سنن الدارقطني ٣ : ٢٠ ، ٦٣ و ٦٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥٠ ، مسند أحمد ٢ : ٥٦ ، ٤٤٣٠ ـ ٤٤٣٣ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٦ : ٢٢٧ ، ٨٩٦ و ٨٩٧ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٢ : ٢١٥ ، ١٠٣٦٥.

٩٧

بالعقد ، وملك المشتري على المبيع لا يتمّ بالعقد.

والثاني : أنّه يبدأ بالمشتري ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لأنّه مدّعى عليه زيادة ثمن ، والأصل براءة ذمّته عنها ، فاليمين في جنبه أقوى. ولأنّه إذا نكل ، وجب الثمن الذي ادّعاه البائع ، وانفصل الحكم ، وما كان أقرب إلى فصل الحكم بدئ به.

والثالث : أنّه لا يبدأ بيمين أحدهما ، بل يتساويان ، فإنّ كلّ واحد منهما مدّع ومدّعى عليه ، فقد تساويا ، فلا ترجيح. وعلى هذا فوجهان :

أظهرهما : أنّه يتخيّر الحاكم في ذلك ، فيبدأ بيمين من اتّفق.

والثاني : أنّه يقرع بينهما ، كما يقرع بين المتسابقين إلى المباح.

والطريق الثاني : القطع بأنّ البداءة بالبائع قولا واحدا.

والذي قاله الشافعي في الصداق بأنّ الزوج يجري مجرى البائع ، لأنّ البضع يكون ملكه بعد فسخ الصداق ، كما يكون المبيع ملك البائع بعد فسخ البيع بالتحالف.

والذي قاله في الدعاوي والبيّنات فإنّما أراد أنّ الحاكم إذا كان يرى ذلك بفعله ، لا أنّه خيّره.

ومن قال بالثاني قطع بأنّ البداءة في اختلاف الزوجين بالزوج ، لـ وجهين :

أحدهما : ] (١) أنّ أثر تحالف الزوجين إنّما يظهر في الصداق دون البضع ، والزوج هو الذي ينزل عن الصداق ، فكان كالبائع له.

والثاني : أنّ تقدّم البائع إنّما كان لقوّة جانبه ، لحصول المبيع له بعد‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز » من حيث السياق.

٩٨

التحالف ، وفي النكاح يبقى البضع للزوج.

وإذا قدّمنا طريقة إثبات الخلاف ، فإن قدّمنا البائع ، لم يخف من ينزل منزلته في سائر العقود ، وفي الصداق يأتي وجهان :

أحدهما : أنّ البداءة بالمرأة.

والثاني : أنّ البداءة بالزوج.

وإن قدّمنا المشتري ، فالقياس انعكاس الوجهين (١).

إذا ثبت هذا ، فإنّ جميع ما ذكرناه للاستحباب ـ عندهم (٢) ـ دون الإيجاب.

وأيضا تقدّم أحد الجانبين مخصوص بما إذا باع عرضا بثمن في الذمّة ، فأمّا إذا تبادلا عرضا بعرض ، فلا وجه إلاّ التسوية.

وينبغي أن يخرّج ذلك على أنّ الثمن ما ذا؟ وقد سبق (٣) أنّه الذي تدخل عليه الباء وغير ذلك على ما مضى من الخلاف.

مسالة ٦١٣ : اليمين عندنا واحدة على نفي ما ادّعاه الآخر‌ ، فيحلف البائع أنّه لم يبع بخمسمائة ، ويحلف المشتري أنّه لم يشتر بألف ، لأنّ المدّعي لا يمين عليه ، فكلّ مدّع منهما لا يحلف على ما ادّعاه ، ويحلف على نفي ما ادّعاه الآخر ثمّ ينفسخ العقدان.

وظاهر قول الشافعي الاكتفاء بيمين واحدة من كلّ واحد من المتعاقدين جامعة بين النفي والإثبات ، فيقول البائع : ما بعت بخمسمائة وإنّما‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٢ ـ ٣٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨١ ـ ٣٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٥ ، المغني ٤ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٥.

(٣) في ج ١٠ ص ١٢٣ ـ ١٢٤ ، الفرع « د » من المسألة ٦٦ ، وج ١١ ص ٣٩٠ ، المسألة ٥٤٤.

٩٩

بعت بألف ، ويقول المشتري : ما اشتريت بألف وإنّما اشتريت بخمسمائة (١).

وقال الشافعي : لو تداعيا دارا في أيديهما فادّعى كلّ منهما أنّ جميعها له ، حلف كلّ واحد على مجرّد نفي استحقاق صاحبه ما في يده ، ولو حلف أحدهما ونكل الآخر ، حلف الحالف يمينا اخرى للإثبات (٢).

قال أصحابه : ففي القولين طريقان :

أحدهما : تقرير القولين.

والفرق بينهما : أنّ في مسألة التداعي يحلف أحدهما على نفي دعوى صاحبه في النصف الذي في يده ، ويكون القول قول الآخر في النصف الآخر ، فإذا نكل ، رددنا اليمين على الأوّل ، وهنا يحلف على صفة عقد تضمّن إثباتا ونفيا ، فلهذا كفى يمين واحدة ، لأنّ العقد واحد اتّفاقا والتنازع في صفته ، فكأنّ الدعوى واحدة ، فجاز التعرّض في اليمين الواحدة للنفي والإثبات ، فمنفيّ كلّ واحد منهما في ضمن مثبتة ، ومنفيّ كلّ واحد منهما في صورة الدار ممتاز عن مثبتة ، فلا معنى ليمينه على الإثبات قبل نكول صاحبه.

الثاني : التصرّف بتخريج قول من مسألة الدار فيما نحن فيه.

ووجهه : الجري على قياس الخصومات ، فإنّ يمين الإثبات لا يبدأ بها في غير القسامة.

وهل يتصرّف بتخريج قول فيما (٣) نحن فيه من مسألة الدار أيضا؟

__________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ٣٠١ ، الوسيط ٣ : ٢١٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٥ ـ ٥٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٢.

(٣) كذا ، وفي المصدر : « ما » بدل « فيما ».

١٠٠