تذكرة الفقهاء - ج ١٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٣٩٢

أحدهما : أنّ له الخيار إذا لم يسلم له جميع الثمن.

وأصحّهما عندهم : أنّه لا خيار له ، لأنّ التفريط منه حيث باع ما لا يملكه وطمع في ثمنه (١).

وإن كان المشتري عالما بالحال ، فلا خيار له ، كما لو اشترى معيبا يعلم بعيبه (٢).

وكم يلزمه من الثمن؟ الوجه عندي أنّه يلزمه القسط كالجاهل ، لأنّه قابل جميع الثمن بجملة المبيع ، وهو يقتضي توزيع الأجزاء على الأجزاء ، وهو أحد وجهي الشافعيّة (٣).

وقطع جماعة منهم بوجوب الجميع ، لأنّه التزم بالثمن عالما بأنّ بعض المذكور لا يقبل العقد (٤).

ولو باع عبدا وحرّا ، أو خلاّ وخمرا ، أو شاة وخنزيرا ، أو مذكّاة وميتة ، [ و ] (٥) صحّ العقد فيما يقبله ، وكان المشتري جاهلا بالحال فأجاز أو (٦) عالما ، قسّط الثمن ، ولزمه بالنسبة. والتقسيط بأن ينظر إلى قيمة هذه المحرّمات عند مستحلّيها ، وهو قول الشافعيّة (٧).

ولهم في قدر ما يلزمه من الثمن طريقان :

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٦ ـ ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٢) في « س ، ي » : « عيبه ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٦) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو » والصحيح ما أثبتناه.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

٢١

أحدهما : القطع بوجوب الجميع ، لأنّ ما لا قيمة له لا يمكن التوزيع على قيمته.

وأصحّهما : طرد القولين.

فإن قلنا : الواجب قسط من الثمن ، فكيف تعتبر هذه الأشياء؟ وجهان :

أحدهما : كما قلناه من النظر إلى القيمة عند مستحلّيه.

والثاني : أنّه يقدّر الخمر خلاّ ، ويوزّع عليهما باعتبار الأجزاء ، وتقدّر الميتة مذكّاة ، والخنزير شاة ، ويوزّع عليهما باعتبار القيمة (١).

وقال بعضهم : يقدّر الخمر عصيرا ، والخنزير بقرة (٢).

ولو نكح مسلمة ومجوسيّة في عقد واحد وصحّحنا العقد في المسلمة ، لم يلزمه جميع المسمّى للمسلمة إجماعا ، لأنّا إذا أثبتنا الجميع في البيع ـ كما قاله الشافعي (٣) ـ أثبتنا الخيار أيضا ، وهنا لا خيار ، فإيجاب الجميع إجحاف.

وقال بعض الشافعيّة : يلزم لها جميع المسمّى ، لكن له الخيار في ردّ المسمّى ، والرجوع إلى مهر المثل (٤).

وهذا لا يدفع الضرر ، لأنّ مهر المثل قد يساوي المسمّى أو يزيد عليه.

إذا ثبت هذا ، فما الذي يلزمه؟ الأقوى عندي أنّه القسط من المسمّى إذا وزّع على مهر مثل المسلمة ومهر مثل المجوسيّة ، وهو أحد قولي الشافعي. وأظهرهما : أنّه يلزمه مهر المثل (٥).

ولو اشترى عبدين وتلف قبل القبض أحدهما ، انفسخ العقد فيه ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٣) انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٤.

٢٢

ويثبت له الخيار في الباقي ، فإن أجاز ، فالواجب قسطه من الثمن ، لأنّ الثمن وجب في مقابلتهما في الابتداء ، فلا ينصرف إلى أحدهما في الدوام.

وقال بعض الشافعيّة بطرد القولين (١).

ولو باع شيئا من مال الربا بجنسه ثمّ خرج بعض أحد العوضين مستحقّا وصحّحنا العقد في الباقي وأجاز ، فالواجب حصّته إجماعا ، لأنّ الفضل بينهما حرام.

ولو باع معلوما ومجهولا ، لم يصحّ البيع في المجهول ، وأمّا في المعلوم فيصحّ ، لعدم المانع.

وعند الشافعي يبنى على ما لو كانا معلومين وأحدهما لغيره ، إن قلنا :

لا يصحّ في ماله ، لم يصح هنا في المعلوم. وإن قلنا : يصحّ ، فقولان مبنيّان على أنّه كم يلزمه في الثمن؟ فإن قلنا : الجميع ـ كما هو قول بعض الشافعيّة ـ صحّ ، ولزم (٢) هنا جميع الثمن. وإن قلنا : حصّته من الثمن ـ كما اخترناه ، وذهب إليه بعض الشافعيّة ـ لم يصح ، لتعذّر التوزيع (٣).

وحكى بعضهم قولا أنّه يصحّ ، وله الخيار ، فإن أجاز ، لزمه جميع الثمن (٤). وليس شيئا.

مسالة ٥٥٩ : لو كان الثمن يتوزّع على الأجزاء كقفيزي حنطة أحدهما له والآخر لغيره وباعهما من شخص ، فإنّه يصحّ في المملوك دون غيره ، وهو قول الشافعي (٥).

وكذا إذا رهن ما يجوز رهنه وما لا يجوز.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٤.

(٢) في المصادر : « لزمه ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٤ ، المجموع ٩ : ٣٨٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٤ ، المجموع ٩ : ٣٨٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٢ ، المجموع ٩ : ٣٨٢.

٢٣

وإذا وهب ما يجوز هبته وما لا يجوز ، أو تزوّج أخته وأجنبيّة ، أو مسلمة ومجوسيّة ، صحّ فيما يجوز قولا واحدا عندنا وعند الشافعي (١) ، لأنّ الرهن والهبة لا عوض لهما ، والنكاح لا يفسد بفساد العوض.

ويتخيّر المشتري إذا صحّ البيع في المملوك كما قلناه. وإذا أجاز بجميع الثمن ، فلا خيار للبائع قطعا.

وإن أخذه بقسطه ، ففي خيار البائع للشافعي وجهان :

أحدهما : له الخيار ، لتبعّض الثمن عليه.

والثاني : لا خيار له ، لأنّ التبعّض (٢) من فعله حيث باع ما يجوز وما لا يجوز (٣).

وهنا مسائل دوريّة لا بدّ من التعرّض لها :

مسالة ٥٦٠ : لو باع مريض قفيز حنطة يساوي عشرين بقفيز حنطة يساوي عشرة‌ ، ومات ولا مال سواه ، جاز البيع في ثلثي قفيز بثلثي قفيز ، وبطل في الثلث ، وهو أحد قولي الشافعي. والثاني : أنّه يبطل البيع (٤).

والأصل فيه أنّ محاباة مرض الموت ـ كالهبة وسائر التبرّعات ـ في اعتبار الثلث ، فإن زادت عليه ولم يجز الورثة ما زاد ـ كما لو باع عبدا يساوي ثلاثين بعشرة ولا شي‌ء له سواه ـ ردّ البيع في بعض العبد ، وفي الباقي للشافعيّة طريقان :

أحدهما : القطع بصحّة البيع فيه ، لأنّه نفذ في الكلّ ظاهرا ، والردّ في‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٩ ، المجموع ٩ : ٣٨٢.

(٢) في « س ، ي » : « التبعيض ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٥.

٢٤

البعض تدارك حادث ، لأنّ المحاباة في المرض وصيّة ، والوصيّة تقبل من الغرر ما لا يقبله غيرها.

وأظهرهما عند أكثر الشافعيّة : أنّه على قولي تفريق الصفقة.

وإذا قلنا : يصحّ البيع في الباقي ، ففي كيفيّته قولان :

أحدهما : أنّ البيع يصحّ في القدر الذي يحتمله الثلث ، والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن ، ويبطل في الباقي ، لأنّه اجتمع للمشتري معاوضة ومحاباة ، فوجب أن يجمع بينهما ، فعلى هذا يصحّ العقد في ثلثي العبد بالعشرة ، ويبقى مع الورثة ثلث العبد وقيمته عشرة ، والثمن وهو عشرة ، وذلك مثلا المحاباة وهي عشرة.

وهذا اختيار الشيخ (١) رحمه‌الله وجماعة من الشافعيّة وغيرهم ، ولا دور على هذا القول.

والثاني : أنّه إذا ارتدّ البيع في بعض المبيع ، وجب أن يرتدّ إلى المشتري ما قابله من الثمن (٢).

وهو الذي نختاره نحن ، فحينئذ يلزم الدور ، لأنّ ما ينفذ فيه البيع يخرج من التركة ، وما يقابله من الثمن يدخل فيها ، وما ينفذ فيه البيع يزيد بزيادة التركة وينقص بنقصانها ، فيزيد بحسب زيادة التركة ، وتزيد التركة بحسب زيادة المقابل الداخل ، ويزيد المقابل بحسب زيادة المبيع ، وهذا دور.

ويتوصّل إلى معرفة المقصود بطرق :

__________________

(١) أنظر : المبسوط ـ للطوسي ـ ٤ : ٦٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٤ ، المجموع ٩ : ٣٨٩ ـ ٣٩٠.

٢٥

منها : أن ينظر إلى ثلث المال وينسبه إلى قدر المحاباة ويجيز البيع في المبيع بمثل نسبة الثلث من المحاباة ، فنقول : ثلث المال عشرة ، والمحاباة عشرون ، والعشرة نصفها ، فيصحّ البيع في نصف العبد ، وقيمته خمسة عشر بنصف الثمن ، وهو خمسة ، كأنّه اشترى سدسه بخمسة ، وثلثه وصيّة له ، يبقى مع الورثة نصف العبد ، وهو خمسة عشر ، والثمن خمسة يبلغ عشرين ، وهو مثلا المحاباة.

ومنها : طريقة الجبر ، فنقول : صحّ البيع في شي‌ء من العبد وقابله من الثمن مثل ثلث ذلك الشي‌ء ، لأنّ الثمن مثل ثلث العبد ، وبقي في يد الورثة عبد إلاّ شيئا ، لكن بعض النقصان انجبر بثلث الشي‌ء العائد ، فالباقي عندهم عبد إلاّ ثلثي شي‌ء ، فثلثا شي‌ء قدر المحاباة ، وعبد إلاّ ثلثي شي‌ء مثلاه ، وإذا كان عبد إلاّ ثلثي شي‌ء مثلي ثلثي شي‌ء ، كان عديلا لشي‌ء وثلث شي‌ء ، فإذا جبرنا العبد بثلثي شي‌ء وزدنا على عديله مثل ذلك ، كان العبد عديلا لشيئين ، فعرفنا أنّ الشي‌ء الذي نفذ فيه البيع نصف العبد.

إذا عرفت هذا ، فإن قلنا بقول الشيخ ، بطل البيع في صورة الربويّين بلا خلاف ، لأنّ مقتضاه صحّة البيع في قدر الثلث وهو ستّة وثلثان ، وفي القدر الذي يقابل من قفيزه قفيز الصحيح (١) ، وهو نصفه ، فتكون خمسة أسداس قفيز في مقابلة قفيز ، وذلك ربا.

وعلى ما اخترناه نحن يصحّ البيع في ثلثي قفيز المريض بثلثي قفيز الصحيح ، ويبطل في الباقي.

وقطع بعض الشافعيّة بهذا القول ـ الذي اخترناه في الربوي ـ لئلاّ‌

__________________

(١) في « س » والطبعة الحجريّة : « قفيزا بصحيح ». وذلك خطأ.

٢٦

يبطل غرض الميّت في الوصيّة (١).

فعلى طريقة النسبة ثلث مال المريض ستّة وثلثان ، والمحاباة عشرة ، وستّة وثلثان ثلثا عشرة فينفذ البيع في ثلثي القفيز.

وعلى طريقة الجبر نفذ البيع في شي‌ء وقابله من الثمن مثل نصفه ، فإنّ قفيز الصحيح نصف قفيز المريض ، وبقي في يد الورثة قفيز إلاّ شي‌ء ، لكن حصل لهم نصف شي‌ء ، فالباقي عندهم قفيز إلاّ نصف شي‌ء هو المحاباة ، وما في يدهم ـ وهو قفيز ناقص بنصف شي‌ء ـ مثلاه ، وإذا كان قفيز ناقص بنصف شي‌ء مثلي (٢) نصف شي‌ء ، كان عديلا للشي‌ء الكامل ، فإذا جبرنا وقابلنا ، صار قفيز كامل عديل شي‌ء ونصف شي‌ء ، فعرف أنّ الشي‌ء ثلثا قفيز.

إذا عرفت هذا ، فنقول : لا خيار هنا للورثة ، لأنّا لو أثبتنا لهم الخيار ، لأبطلنا المحاباة أصلا ورأسا بفسخ البيع ، ولا سبيل إليه ، لأنّ الشرع سلّطه على ثلث ماله.

ولو كانت المسألة بحالها لكن قفيز المريض يساوي ثلاثين وقلنا بتقسيط الثمن ، صحّ البيع في نصف قفيز بنصف القفيز.

ولو كان قفيز المريض يساوي أربعين ، صحّ البيع في أربعة أتساع القفيز بأربعة أتساع القفيز.

ولو كان المريض قد أكل القفيز الذي أخذ ، استوت المسائل كلّها ، فيجوز بيع ثلث قفيز بثلث قفيز.

ولو أتلف المريض المحابي القفيز الذي أخذه ثمّ مات وفرّعنا على‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٥.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « مثل » والصحيح ما أثبتناه.

٢٧

الدور ، صحّ البيع في ثلثه بثلث قفيز صاحبه ، سواء كانت قيمة قفيز المريض عشرين أو ثلاثين أو أكثر ، لأنّ ما أتلفه قد نقص من ماله. أمّا ما صحّ فيه البيع فهو ملكه وقد أتلفه. وأمّا ما بطل فيه البيع فعليه ضمانه ، فينتقص قدر الغرم من ماله ، ومتى كثرت القيمة كان المصروف إلى الغرم أقلّ والمحاباة أكثر ، ومتى قلّت كان المصروف إلى الغرم أكثر والمحاباة أقلّ.

مثاله : إذا كانت قيمة قفيز المريض عشرين ، وقيمة قفيز الصحيح عشرة ، وقد أتلفه المريض ، فعلى طريقة النسبة مال المريض عشرون وقد أتلف عشرة يحطّها من ماله ، فيبقى عشرة كأنّها كلّ ماله ، والمحاباة عشرة ، فثلث ماله هو ثلث المحاباة ، فيصحّ البيع في ثلث القفيز على القياس الذي مرّ.

وعلى طريقة الجبر صحّ البيع في شي‌ء من قفيز المريض ، ورجع إليه مثل نصفه ، فعند ورثته عشرون إلاّ نصف شي‌ء ، لكن قد أتلف عشرة ، فالباقي في أيديهم عشرة إلاّ نصف شي‌ء ، وذلك مثلا نصف شي‌ء ، فيكون مثل شي‌ء ، فإذا جبرنا وقابلنا ، كانت عشرة مثل شي‌ء ونصف شي‌ء ، فالعشرة نصف القفيز ، فيكون القفيز الكامل مثل ثلاثة أشياء ، فالشي‌ء ثلث القفيز.

وامتحانه أن نقول : ثلث قفيز المريض ستّة وثلثان ، وثلث قفيز الصحيح في مقابلة ثلاثة وثلث ، فتكون المحاباة بثلاثة وثلث ، وقد بقي في يد الورثة ثلثا قفيز ، وهو ثلاثة عشر وثلث يؤدّى منه قيمة ثلثي قفيز الصحيح ، وهي ستّة وثلثان ، ويبقى في أيديهم ستّة وثلثان ، وهي مثلا المحاباة.

٢٨

ولو كان قفيز المريض يساوى ثلاثين وباقي المسألة بحالها ، فعلى طريقة النسبة نقول : مال المريض ثلاثون وقد أتلف عشرة يحطّها من ماله يبقى عشرون كأنّه كلّ ماله ، والمحاباة عشرون ، فثلث ماله هو ثلث المحاباة ، فصحّ البيع في ثلث القفيز.

وبالجبر نقول : صحّ البيع في شي‌ء من قفيز المريض ، ورجع إليه مثل ثلثه ، فالباقي ثلاثون إلاّ ثلثي شي‌ء ، لكنّه أتلف عشرة ، والباقي عشرون إلاّ ثلثي شي‌ء ، وذلك مثلا ثلثي شي‌ء ، فيكون مثل شي‌ء وثلث شي‌ء ، فإذا جبرنا وقابلنا ، كان عشرون مثل شيئين ، فعرفنا أن الشي‌ء عشرة ، وهي ثلث الثلاثين.

وامتحانه أن نقول : ثلث قفيز المريض عشرة ، وثلث قفيز الصحيح في مقابله ثلاثة وثلث ، فالمحاباة ستّة وثلثان ، وقد بقي في يدي الورثة ثلثا قفيز ، وهو عشرون يؤدّى منه قيمة ثلثي قفيز الصحيح ، وهي ستّة وثلثان يبقى في أيديهم ثلاثة عشر وثلث ، وهي مثلا المحاباة.

هذا إذا أتلف صاحب القفيز الجيّد ما أخذه ، أمّا إذا أتلف صاحب القفيز الردي‌ء ما أخذه ولا مال له سوى قفيزه ، ففي الصورة الأولى ـ وهي ما إذا كانت قيمة قفيزه عشرين وقيمة قفيز الآخر عشرة ـ يصحّ البيع في الحال في نصف القفيز الجيّد وقيمته عشرة ، ويحصل للورثة في مقابله نصف القفيز الردي‌ء وقيمته خمسة تبقى المحاباة بخمسة ، ولهم نصفه الآخر غرامة لما أتلف عليهم ، فيحصل لهم عشرة وهي مثلا المحاباة ، والباقي في ذمّة متلف القفيز الجيّد ، ولا تجوز المحاباة في شي‌ء إلاّ بعد أن يحصل للورثة مثلاه.

وفي الصورة الثانية ـ وهي ما إذا كانت قيمة قفيزه ثلاثين ـ قال بعض‌

٢٩

الشافعيّة : يصحّ البيع في نصف الجيّد ، وهو خمسة عشر ، والمحاباة ثلثه ، وهو خمسة ، وقد حصل للورثة القفيز الردي‌ء وقيمته عشرة ، وهي ضعف المحاباة ، فيبقى في ذمّة المشتري خمسة عشر كلّما حصل منها شي‌ء جازت المحاباة في مثل ثلثه (١).

وغلّطه بعضهم ، لأنّا إذا صحّحنا البيع في نصف الجيّد ، فإنّما نصحّحه بنصف الردي‌ء ، وهو خمسة ، فتكون المحاباة بعشرة لا بخمسة ، وإذا كانت المحاباة بعشرة ، فالواجب أن يكون في يد الورثة عشرون ، وليس في أيديهم إلاّ عشرة. فالصواب أن يقال : يصحّ البيع في ربع القفيز الجيّد ، وهو سبعة ونصف بربع الردي‌ء ، وهو درهمان ونصف ، فتكون المحاباة بخمسة وفي يد الورثة ضعفها عشرة (٢).

مسالة ٥٦١ : كما تعتبر محاباة المريض في البيع من الثلث‌ ، كذا تعتبر محاباته في الإقالة من الثلث ، سواء قدّرت الإقالة فسخا كما هو مذهبنا ، أو بيعا جديدا كما هو مذهب الشافعي (٣).

إذا ثبت هذا ، فنقول : إذا باع مريض قفيز حنطة يساوي عشرين من مريض بقفيز حنطة يساوي عشرة ثمّ تقايلا وماتا في المرض والقفيزان بحالهما ولا مال لهما سواهما ولم تجز الورثة ما زاد من محاباتهما على الثلث ، فإن منعنا من تفريق الصفقة ـ كما هو مذهب الشافعي (٤) ـ وقلنا بالتصحيح بجميع الثمن ، فلا بيع ولا إقالة.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٢.

(٣) الوسيط ٣ : ٤٩٢ ـ ٤٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨١ ـ ٢٨٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٣.

٣٠

وإن قلنا بالتصحيح بالقسط ، فيدور كلّ واحد ـ ممّا نفذ فيه البيع والإقالة ـ على الآخر ، لأنّ البيع لا ينفذ إلاّ في الثلث ، وبالإقالة يزيد ماله فيزيد ما نفذ فيه البيع ، وإذا زاد ذلك ، زاد مال الثاني ، فيزيد ما نفذ فيه الإقالة.

فالطريق أن نقول : صحّ البيع في شي‌ء من القفيز الجيّد ، ورجع إليه من الثمن نصف ذلك ، فبقي في يده عشرون إلاّ نصف شي‌ء ، وفي يد الآخر عشرة ونصف شي‌ء ، ثمّ إذا تقايلا ، فالإقالة فيهما (١) تصحّ في ثلث مال المقيل فيأخذ ثلث عشرة و [ ثلث ] (٢) نصف شي‌ء وهو ثلاثة وثلث وسدس شي‌ء ، فيضمّه إلى مال الأوّل ، وهو عشرون إلاّ نصف شي‌ء يصير ثلاثة وعشرين وثلثا إلاّ ثلث شي‌ء ، وهذا يجب أن يكون مثلي المحاباة أوّلا ، وهو نصف شي‌ء ، فيكون ذلك كلّه مثل شي‌ء ، فإذا جبرنا وقابلنا ، كان ثلاثة وعشرون وثلث مثل شي‌ء وثلث شي‌ء يبسط الشي‌ء والثلث أثلاثا يكون أربعة والشي‌ء ثلاثة أرباعه.

فإذا أردنا أن نعرف كم الشي‌ء من ثلاثة وعشرين وثلث ، فسبيله أن نصحّح السهام بأن نجعل كلّ عشرة ثلاثة ، لأنّ الزائد على العشرين ثلاثة وثلث ، وهو ثلث العشرة ، فإذا جعلنا كلّ عشرة ثلاثة أسهم ، صار عشرون وثلاثة وثلث سبعة أسهم ، فتزيد قسمتها على الأربعة ، والسبعة لا تنقسم على الأربعة ، فتضرب سبعة في أربعة يكون ثمانية وعشرين ، فالشي‌ء ثلاثة أرباعها ، وهي أحد وعشرون. فإذا عرفنا ذلك ، رجعنا إلى الأصل وقلنا : العشرون التي كانت قيمة القفيز صارت أربعة وعشرين ، لأنّا ضربنا كلّ ثلاثة‌

__________________

(١) كذا ، والظاهر : « إنّما » بدل « فيهما ».

(٢) أضفناها لأجل السياق.

٣١

ـ وهي سهام العشرة ـ في أربعة ، فصارت اثني عشر ، فتكون العشرون أربعة وعشرين وقد صحّ البيع في أحد وعشرين ، وذلك سبعة أثمان أربعة وعشرين.

وإذا عرفنا ذلك وأردنا التصحيح من غير كسر ، جعلنا القفيز الجيّد ستّة عشر ، والقفيز الردي‌ء ثمانية ، وقلنا : صحّ البيع في سبعة أثمان الجيّد ـ وهي أربعة عشر ـ بسبعة أثمان الردي‌ء ، وهي سبعة ، فتكون المحاباة سبعة ، ويبقى في يد بائع الجيّد [ تسعة ] (١) : سهمان بقيا عنده ، وسبعة أخذها عوضا ، ويحصل في يد الآخر خمسة عشر ، لأنّه أخذ أربعة عشر وكان قد بقي في يده سهم ، فلمّا تقايلا نفذت الإقالة في عشرة ـ وهي خمسة أثمان القفيز الجيّد ـ بخمسة أثمان القفيز الردي‌ء وهي خمسة ، فقد أعطى عشرة وأخذ خمسة ، فالمحاباة بخمسة. والحاصل من ذلك كلّه : المستقرّ في يد الأوّل أربعة عشر مثلا محاباته سبعة ، وفي يد الثاني عشرة مثلا محاباته خمسة.

ولو كانت المسألة بحالها والقفيز الجيّد يساوي ثلاثين ، فنقول : صحّ البيع في شي‌ء منه ، ورجع إليه من الثمن مثل ثلث ذلك الشي‌ء ، فبقي في يده ثلاثون إلاّ ثلثي شي‌ء ، وفي يد الآخر عشرة وثلثا شي‌ء ، فإذا تقايلا ، أخذنا ثلث عشرة وثلثي شي‌ء ، وذلك ثلاثة دراهم وثلث وتسعا شي‌ء يضمّ إلى مال الأوّل ، فيصير ثلاثة وثلاثين وثلثا إلاّ أربعة أتساع شي‌ء ، وهو مثلا المحاباة ، وهي ثلثا شي‌ء ، فيكون مثل شي‌ء وثلث شي‌ء ، فإذا جبرنا وقابلنا ، صار ثلاثة وثلاثون وثلث مثل شي‌ء وسبعة أتساع شي‌ء ، فعلمنا أنّ‌

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « منه ». والظاهر ما أثبتناه بقرينة السياق.

٣٢

ثلاثة وثلاثين وثلثا يجب أن تقسّم على شي‌ء وسبعة أتساع شي‌ء ، فيبسط هذا المبلغ أتساعا يكون ستّة عشر الشي‌ء منه تسعة ، والعدد المذكور لا ينقسم على ستّة عشر ، فنصحّح السهام بأن نجعل كلّ عشرة ثلاثة ، لأنّ الزائد على الثلاثين ثلاثة وثلث ، وذلك ثلث العشرة ، فإذا فعلنا ذلك ، صارت ثلاثة وثلاثون وثلث عشرة أسهم يحتاج إلى قسمتهما على ستّة عشر ، وعشرة لا تنقسم على ستّة عشر ، لكن بينهما توافق بالنصف ، فنضرب جميع أحدهما في نصف الآخر يكون ثمانين ، فنرجع إلى الأصل ونقول : الثلاثون التي كانت قيمة القفيز صارت اثنين وسبعين ، والشي‌ء كان تسعة من ستّة عشر صار مضروبا في نصف العشرة ، وهو خمسة صارت خمسة وأربعين ، وذلك خمسة أثمان اثنين وسبعين ، فعرفنا صحّة البيع في خمسة أثمان القفيز الجيّد.

فإن أردنا التصحيح على الاختصار من غير كسر ، جعل القفيز الجيّد أربعة وعشرين ليكون للقفيز الردي‌ء ـ الذي هو ثلثه ـ ثمن صحيح ، فنقول : صحّ البيع في خمسة أثمان الجيّد ـ وهي خمسة عشر ـ بخمسة أثمان الردي‌ء ، وهي خمسة ، فتكون المحاباة بعشرة ، ويبقى في يد بائع الجيّد أربعة عشر : تسعة بقيت عنده ، وخمسة أخذها عوضا ، ويحصل في يد الآخر ثمانية عشر ، لأنّه أخذ خمسة عشر ، وكان قد بقي عنده ثلاثة ، فلمّا تقايلا نفذت الإقالة في تسعة ، وهي ثلاثة أثمان الجيّد بثلاثة أثمان الردي‌ء ، وهي ثلاثة ، فقد أعطى تسعة وأخذ ثلاثة تكون المحاباة بستّة ، ويستقرّ في يد الأوّل عشرون : تسعة أخذها بحكم الإقالة ، وأحد عشر هي التي بقيت عنده من أربعة عشر بعد ردّ الثلاثة ، وذلك مثلا محاباته عشرة ، وفي يد الثاني اثنا عشر : ثلاثة أخذها بحكم الإقالة ، وتسعة بقيت عنده من ثمانية‌

٣٣

عشر بعد ردّ التسعة ، وذلك مثلا محاباته.

وهنا طريقة سهلة المأخذ مبنيّة على أصول ظاهرة :

منها : أنّ القفيز الجيّد في هذه المسائل يعتبر بالأثمان ، فيقدّر ثمانية أسهم ، وينسب الرديّ إليه باعتبار الأثمان.

ومنها : أنّ محاباة صاحب الجيّد لا تبلغ أربعة أثمان أبدا ولا تنقص عن ثلاثة أثمان أبدا ، بل تكون بينهما ، فإذا أردت أن تعرف قدرها ، فانسب القفيز الردي‌ء إلى الجيّد ، وخذ مثل تلك النسبة من الثمن الرابع.

وإذا أردت أن تعرف ما يصحّ البيع فيه من القفيز ، فانسب الردي‌ء إلى المحاباة في الأصل وزد مثل تلك النسبة على التبرّع ، فالمبلغ هو الذي يصحّ فيه البيع.

وإذا أردت أن تعرف ما يصحّ فيه تبرّع المقيل ، فانظر إلى تبرّع بائع الجيّد واضربه في ثلاثة أبدا وقابل الحاصل من الضرب بالقفيز الجيّد ، فما زاد على القفيز فهو تبرّعه.

فإن أردت أن تعرف ما صحّت فيه الإقالة ، فزد على تبرّعه بمثل نسبة زيادتك على تبرّع صاحبه ، فالمبلغ هو الذي صحّت الإقالة فيه.

مثاله في الصورة الأولى : نقول : القفيز الجيّد ثمانية والردي‌ء أربعة ، فالردي‌ء نصف الجيّد ، فالتبرّع في ثلاثة أثمان ونصف ثمن ، وإذا نسبنا الردي‌ء إلى أصل المحاباة ، وجدناه مثله ، لأنّ المحاباة عشرة من عشرين ، فنزيد على المتبرّع مثله يبلغ سبعة أثمان ، فهو الذي صحّ البيع فيه.

فإذا أردنا أن نعرف تبرّع المقيل ، ضربنا تبرّع الأوّل في ثلاثة يكون عشرة ونصفا ، وزيادة هذا المبلغ على الثمانية اثنان ونصف ، فعرفنا أنّ تبرّعه في ثمنين ونصف.

٣٤

فإذا أردنا أن نعرف ما تصحّ فيه الإقالة ، زدنا على الثمنين والنصف مثله يكون خمسة أثمان.

ولا يخفى تخريج الصورة الأخرى ونحوها على هذه الطريقة.

مسالة ٥٦٢ : إذا جمع في صفقة واحدة بين شيئين ، فإمّا أن يكون في عقد واحد ، وقد تقدّم (١) حكمه. وإمّا أن يكون في عقدين مختلفي الحكم ، كما إذا جمع في صفقة واحدة بين إجارة وسلم ، أو نكاح وبيع ، أو إجارة وبيع.

وهو عندنا جائز ، للأصل ، وقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢).

ولأنّهما عقدان يصحّان منفردين ، فجاز جمعهما في عقد واحد ، كما لو تماثلا ، ويقسّط المسمّى على اجرة المثل وثمن المثل ، أو مهر المثل وثمن المثل ، وهو أصحّ قولي الشافعي (٣).

وفي الآخر : أنّ العقدين معا يبطلان ، لأنّهما مختلفا الحكم ، فإنّ الإجارة والسّلم يختلفان (٤) في أسباب الفسخ والانفساخ. وكذا النكاح والبيع ، والإجارة والبيع يختلفان في الحكم أيضا ، فإنّ التأقيت يشترط في الإجارة ويبطل البيع ، وكمال القبض في الإجارة لا يتحقّق إلاّ بانقضاء المدّة ، لأنّه قبل ذلك معرض للانفساخ ، بخلاف البيع ، وإذا اختلفت الأحكام ، فربما يعرض ما يوجب فسخ أحدهما ، فيحتاج إلى التوزيع ، وتلزم الجهالة (٥).

__________________

(١) في ص ٥ ، المسألة ٥٥٠.

(٢) المائدة : ١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٦.

(٤) في « ي » والطبعة الحجريّة : مختلفان.

(٥) نفس المصدر في الهامش (٣).

٣٥

وهو غلط ، فإنّ اختلاف الحكم لا أثر له ، كما لو باع شقص دار وثوبا ، فإنّهما اختلفا في حكم الشفعة واحتجنا إلى التوزيع فيه (١).

وصورة الإجارة والسّلم أن يقول : آجرتك هذه الدار سنة ، وبعتك العبد سلما بكذا. والإجارة والبيع : أن يقول : بعتك هذا الثوب وآجرتك داري سنة بكذا. والنكاح والبيع : بعتك هذه الجارية وزوّجتك ابنتي بكذا.

وعلى قولي الشافعي ما إذا جمع بين [ بيع ] (٢) عين وسلم ، أو بيع صرف وغيره بأن باع دينارا وثوبا بدراهم ، لاختلاف الحكم ، فإنّ قبض رأس المال شرط في السّلم ، والتقابض شرط في الصرف ، ولا يشترط ذلك في سائر البيوع (٣).

ولو قال : زوّجتك ابنتي وبعتك عبدها بكذا ، فهو جمع بين بيع ونكاح ، ولا خلاف في صحّة النكاح ، أمّا البيع والمسمّى في النكاح فإنّهما عندنا صحيحان أيضا.

وللشافعي القولان : إن صحّ ، وزّع المسمّى على قيمة المبيع ومهر مثل المرأة ، وإلاّ وجب في النكاح مهر المثل عنده (٤).

ولو جمع بين بيع وكتابة بأن قال لعبده : كاتبتك على نجمين ، وبعتك عبدي بألف ، صحّا عندنا.

وأمّا الشافعي : فإن حكم بالبطلان في صورة النكاح ، فهنا أولى ، وإلاّ فالبيع باطل ، إذ ليس للسيّد البيع منه قبل أداء النجوم. وفي الكتابة‌

__________________

(١) كذا ، والظاهر : « بسببه » بدل « فيه ».

(٢) إضافة من المصدر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٧.

٣٦

قولان (١).

وقال بعض الشافعيّة : هذا لا يعدّ من صور تفريق الصفقة ، لأنّا في قول نبطل العقدين جميعا ، وفي قول نصحّحهما جميعا ، فلا تفريق (٢).

مسالة ٥٦٣ : إنّما يثبت الخلاف لو اتّحدت الصفقة‌ ، أمّا إذا تعدّدت ، فلا ، بل يصحّ الصحيح ، ويبطل الباطل ، فلو باع ماله في صفقة ومال غيره في أخرى ، صحّت الأولى إجماعا ، ويتعدّد العقد إذا عيّن لكلّ شي‌ء ثمنا مفصّلا ، فيقول : بعتك هذا بكذا ، وهذا بكذا ، فيقول المشتري : قبلت ذلك على التفصيل.

ولو جمع المشتري بينهما في القبول ، فقال : قبلت فيهما ، فكذلك ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأنّ القبول ترتّب على الإيجاب ، فإذا وقع مفرّقا ، فكذا القبول.

وقال بعض الشافعيّة : إن لم نجوّز تفريق الصفقة ، لم يجز الجمع في القبول (٤).

ولو تعدّد البائع ، تعدّدت الصفقة أيضا وإن اتّحد المشتري والمعقود عليه ، كما لو باع اثنان عبدا من رجل صفقة واحدة ، وبه قال الشافعي (٥).

وهل تتعدّد الصفقة بتعدّد المشتري خاصّة ، كما لو اشترى اثنان عبدا من رجل؟ المشهور عند علمائنا : عدم التعدّد ، فليس لهما الافتراق في الردّ بالعيب وعدمه ، لأنّ المشتري بأن على الإيجاب السابق ، فالنظر إلى من صدر منه الإيجاب ، وهو أحد قولي الشافعي. وأصحّهما عنده : التعدّد ، كما‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٨ ، المجموع ٩ : ٣٨٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٨ ، المجموع ٩ : ٣٨٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٨ ، المجموع ٩ : ٣٨٥.

٣٧

في طرف البائع (١).

مسالة ٥٦٤ : من فوائد التعدّد والاتّحاد : أنّا إذا حكمنا بالتعدّد فوفّى أحد المشتريين نصيبه من الثمن ، وجب على البائع تسليم قسطه من المبيع ، كما يسلّم المشاع. وإن حكمنا بالاتّحاد ، لم يجب تسليم شي‌ء إلى أحدهما وإن وفّى جميع ما عليه حتى يوفي الآخر ، لثبوت حقّ الحبس للبائع ، كما لو اتّحد المشتري ووفّى بعض الثمن ، لا يسلّم إليه قسطه من المبيع.

وفيه وجه للشافعيّة : أنّه يسلّم إليه قسطه إذا كان المبيع ممّا يقبل القسمة (٢).

ومنها : أنّا إذا قلنا بالتعدّد ، فلو خاطب واحد رجلين ، فقال : بعت منكما هذا العبد بألف ، فقبل أحدهما نصفه بخمسمائة ، ففي صحّته للشافعيّة وجهان : الصحّة ، لأنّه في حكم صفقتين. وأصحّهما : البطلان ، لأنّ الإيجاب وقع عليهما ، وأنّه يقتضي جوابهما جميعا (٣).

ويجري الوجهان فيما لو قال مالكا عبد لرجل : بعنا منك هذا العبد بألف ، فقبل نصيب أحدهما بعينه بخمسمائة (٤).

ولو باع رجلان عبدا مشتركا بينهما من إنسان ، هل لأحدهما أن ينفرد بأخذ شي‌ء من الثمن؟ وجهان للشافعيّة ، أحدهما : لا. والثاني : نعم (٥).

والأوّل مذهبنا مع اتّحاد الصفقة.

مسالة ٥٦٥ : هل الاعتبار في الوحدة والتعدّد بالعاقد الوكيل أو المعقود له الموكّل‌ ، كما لو وكّل رجلان رجلا بالبيع أو بالشراء وقلنا : إنّ الصفقة‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٨ ، المجموع ٩ : ٣٨٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٨ ، المجموع ٩ : ٣٨٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٨ ، المجموع ٩ : ٣٨٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٨ ، المجموع ٩ : ٣٨٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٨.

٣٨

تتعدّد بتعدّد المشتري ، أو وكّل رجل رجلين بالبيع أو الشراء؟ فيه للشافعيّة وجوه :

أحدها : أنّ الاعتبار بالعاقد ، لأنّ أحكام العقد تتعلّق به ، ولهذا يعتبر رؤيته دون رؤية الموكّل ، وخيار المجلس يتعلّق به دون الموكّل.

والثاني : أنّ الاعتبار بالمعقود له ، لأنّ الملك يثبت له.

والثالث : أنّ الاعتبار في طرف البيع بالمعقود له ، وفي طرف الشراء بالعاقد.

والفرق : أنّ العقد يتمّ في جانب الشراء بالمباشر دون المعقود له ، وفي جانب البيع لا يتمّ بالمباشر حتى لو أنكر المعقود له الإذن ، بطل البيع.

وهذا الفرق إنّما يتمّ فيما إذا كان الشراء بثمن في الذمّة ، أمّا إذا وكّله في الشراء بمعيّن ، فهو كالوكيل بالبيع.

والرابع : أنّ الاعتبار في جانب الشراء بالموكّل ، وفي البيع بهما جميعا ، فأيّهما تعدّد تعدّد العقد ، لأنّ العقد يتعدّد بتعدّد الموكّل في حقّ الشفيع ، ولا يتعدّد بتعدّد الوكيل حتى لو اشترى الواحد شقصا لاثنين ، كان للشفيع أن يأخذ حصّة أحدهما ، وبالعكس لو اشترى وكيلان شقصا لواحد ، لم يجز للشفيع أخذ بعضه ، وفي جانب البيع حكم تعدّد الوكيل والموكّل واحد حتى لو باع وكيل رجلين شقصا من رجل ، ليس للشفيع أخذ بعضه ، وإذا ثبت ما ذكرناه في حكم الشفعة ، فكذا في سائر الأحكام (١).

ويتفرّع على هذه الوجوه فروع :

أ ـ لو اشترى شيئا بوكالة رجلين ، فخرج معيبا ، وقلنا : الاعتبار‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٨ ـ ١٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٨ ـ ٩٩ ، المجموع ٩ : ٣٨٥ ـ ٣٨٦.

٣٩

بالعاقد ، فليس لأحد الموكّلين ردّ نصيبه خاصّة ، كما لو اشترى ومات عن ابنين وخرج معيبا ، لم يكن لأحدهما ردّ نصيبه خاصّة.

وهل لأحد الموكّلين والابنين أخذ الأرش؟

أمّا عندنا : فنعم.

وأمّا عند الشافعي : فكذلك إن وقع اليأس عن ردّ الآخر بأن رضي به. وإن لم يقع ، فكذلك على أصحّ الوجهين (١).

ب ـ لو وكّلا واحدا ببيع عبد لهما ، أو وكّل أحد الشريكين صاحبه ، فباع الكلّ ثمّ ظهر عيب ، فعلى الأوّل لا يجوز للمشتري ردّ نصيب أحدهما. وعلى الوجوه الباقية يجوز.

ولو وكّل رجل اثنين ببيع عبده ، فباعاه من رجل ، فعلى الأوّل يجوز للمشتري ردّ نصيب أحدهما. وعلى الوجوه الباقية لا يجوز.

ولو وكّلا رجلا بشراء عبد أو وكّل رجل رجلا بشراء عبد له ولنفسه ، ففعل وظهر العيب ، فعلى الأوّل والثالث ليس لأحد الموكّلين إفراد نصيبه بالردّ. وعلى الثاني والرابع يجوز.

وقال القفّال : إنّه إن علم البائع أنّه يشتري لاثنين ، فلأحدهما ردّ نصيبه ، لرضا البائع بالتبعيض. وإن جهله البائع ، فلا (٢). ولا بأس به عندي.

ج ـ لو وكّل اثنان رجلا ببيع عبد ، ورجلان رجلا بشرائه ، فتبايع الوكيلان وخرج معيبا ، فعلى الأوّل لا يجوز التفريق. وعلى الوجوه الباقية يجوز.

ولو وكّل رجل رجلين ببيع عبد ورجل رجلين بشرائه ، وتبايع الوكلاء ، فعلى الأوّل يجوز التفريق ، ولا يجوز على الوجوه الباقية.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٩ ، المجموع ٩ : ٣٨٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٩ ، المجموع ٩ : ٣٨٦.

٤٠