تذكرة الفقهاء - ج ١٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٣٩٢

بلا خلاف (١). وهو المعتمد.

مسالة ٨٠٣ : لو قال الأوّل : لا آخذ الجميع وإنّما أنتظر مجي‌ء الشركاء ليأخذوا أو يعفوا‌ ، فالأقرب : عدم سقوط شفعته بذلك ، لأنّ له غرضا في الترك ، وهو أن لا يأخذ ما يؤخذ منه ويحتاج إلى ثمن كثير ربما لا يقدر عليه في تلك الحال ، ومع ذلك يؤدّي حاله إلى عدم التمكّن من العمارة على ما يريده ، وربما انتزع منه فيضيع تعبه ، وهو أحد قولي الشافعيّة.

والثاني : أنّه تسقط شفعته ، لأنّه يمكنه الأخذ فلم يفعل فبطلت (٢).

وليس بجيّد ، لعدم تمكّنه من أخذ حقّ لا ينازعه فيه غيره.

ولو قال الثاني : لا آخذ النصف ، بل الثلث خاصّة لئلاّ يحضر الثالث فيأخذ منّي ، فله ذلك ، لأنّه يأخذ دون حقّه ، بخلاف الأوّل ، لأنّ أخذه لبعض الشقص تبعيض للشقص على المشتري ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (٣).

ويشكل بأنّه يريد أن يأخذ بعض ما يخصّه ، وليس لأحد الشفيعين أن يأخذ بعض ما يخصّه. فإن أخذ الثلث إمّا على هذا الوجه أو بالتراضي ، وهو سهمان من ستّة ، ثمّ قدم الثالث ، فله أن يأخذ من الأوّل نصف ما في يده ، فإن أخذه ، فلا كلام. وإن أراد أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده ، فله ذلك ، لأنّ حقّه ثابت في كلّ جزء.

ثمّ له أن يقول للأوّل : ضمّ ما معك إلى ما أخذته لنقسمه نصفين ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٣ ، روضة الطالبين ٤ :١٨٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٦.

٣٤١

لأنّا متساويان.

وتصحّ المسألة من ثمانية عشر ، لأنّا نحتاج إلى عدد لثلثه ثلث ، وهو تسعة ، مع الثاني ـ منها ـ ثلاثة ، ومع الأوّل ستّة ، فيأخذ الثالث من الثاني (١) واحدا ويضمّه إلى ما مع الأوّل وهو ستّة ، فلا تنقسم ، فنضرب (٢) اثنين في تسعة تبلغ ثمانية عشر ، للثاني منها اثنان في اثنين أربعة ، تبقى أربعة عشر ، للأوّل والثالث نصفين ، وهذا المنقسم من ثمانية عشر ربع الدار ، فتكون جملتها اثنين وسبعين ـ قال بعض الشافعيّة : لمّا ترك الثاني سدسا للأوّل صار عافيا عن بعض حقّه ، فيبطل جميع حقّه على الأصحّ ، كما سبق ، فينبغي أن يسقط حقّ الثاني كلّه ، ويكون الشقص بين الأوّل والثالث (٣) ـ فكأنّ الثالث يقول للأوّل : نحن سواء في الاستحقاق ، ولم يترك واحد منّا شيئا من حقّه ، فنجمع ما معنا ونقسمه ، بخلاف الثاني ، لأنّه ترك شيئا من حقّه. ولأنّه لمّا قدم الثالث فله أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده ، وذلك ثلثا سهم ، ولا يسقط حقّه بما تركه في يد الأوّل ، ثمّ يضمّ ما معه إلى ما في يد الأوّل ، وهو أربعة أسهم ، فيكون أربعة أسهم وثلثي سهم يقتسمانها نصفين ، لأنّه يطالب الأوّل بثلث نصيبه ، وهو سهم من ثلاثة وثلث السهم الذي تركه الثاني ، لأنّه لو أخذه لأخذ ثلثه ، ويبقى ثلثا هذا السهم تركه الثاني ، وسقط حقّه عنه ، فيقتسمانه بينهما ، فيحصل له ذلك من أربع جهات ، فإن قدم الرابع أخذ من الثاني سهما ، وهو ربع ما بيده ، وضمّه إلى ما في يد الأوّل والثالث يصير خمسة عشر يقتسمونه أثلاثا لكلّ واحد‌

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فيأخذ الثاني من الثالث ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « نضرب ». والأنسب ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧.

٣٤٢

خمسة.

مسالة ٨٠٤ : لو أخذ الأوّل الشقص بالشفعة ثمّ وجد به عيبا فردّه ثمّ قدم الثاني ، كان له أخذ جميع الشقص ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأنّ الشفيع فسخ تملّكه ، ورجع إلى المشتري بالسبب الأوّل ، فكان للشفيع الآخر أن يأخذه ، كما لو عفا.

وقال محمد بن الحسن الشيباني : إنّه لا يأخذ إلاّ حصّته ، لأنّ الأوّل لم يعف عن الشفعة ، وإنّما ردّ ذلك لأجل العيب ، فلم يتوفّر نصيبه على الآخر ، كما لو رجع إليه نصيب أحدهما بسبب آخر (٢).

والفرق بين صورة النزاع وبين عوده بسبب آخر ثابت ، لأنّه عاد غير الملك الأوّل الذي تعلّقت به الشفعة.

مسالة ٨٠٥ : لو حضر اثنان وأخذا الشقص واقتسماه‌ ، كان للثالث بعد حضوره نقض القسمة ، والمطالبة بحصّته من الشفعة ، وله أن يأخذ من كلّ واحد منهما ثلث ما في يده ، وتبقى القسمة بحالها إن رضي المتقاسمان بذلك ، وإلاّ فلكلّ منهما الفسخ ، لأنّه إنّما رضي بأخذ الجميع ، والقسمة لم تقع فاسدة في نفسها ، بل وقعت صحيحة ، وتعقّبها البطلان المتجدّد ، فإذا لم يسلم له جميع ما وصل إليه ، كان له الفسخ.

ولو قدم الثالث وأحد الشريكين كان غائبا ، فإن قضى له القاضي على الغائب ، أخذ من الحاضر الثلث ، ومن الغائب الثلث. وإن لم يقض ، أخذ من الحاضر الثلث ، لأنّه قدر ما يستحقّه ممّا في يده ، وهو أحد وجهي‌

__________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٢٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٦.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٢٩٦.

٣٤٣

الشافعيّة ، والثاني : النصف ، لأنّ أحدهما إذا كان غائبا ، صار كأنّهما الشفيعان ، فيقتسمان بينهما بالسويّة (١).

إذا ثبت هذا ، فإن حضر الغائب وغاب هذا الحاضر ، فإن كان أخذ من الحاضر ثلث ما في يده ، أخذ من الذي كان غائبا وحضر ثلث ما في يده أيضا (٢). وإن كان قد أخذ من الحاضر النصف ممّا في يده ، أخذ من هذا سدس ما في يده ، فيتمّ بذلك نصيبه ، ويكون ذلك من ثمانية وأربعين ، والمبيع اثنا عشر أخذ ستّة.

مسالة ٨٠٦ : لو كانت الدار بين ثلاثة فباع اثنان من رجل شقصا‌ ، فقال الشفيع : أنا آخذ ما باع فلان وأترك ما باع فلان الآخر ، كان له ذلك ، لأنّ العقد إذا كان في أحد طرفيه عاقدان كان بمنزلة العقدين ، وبه قال الشافعي (٣) ، خلافا لأبي حنيفة (٤) ، وقد سلف (٥).

ولو باع واحد من اثنين ، كان للشفيع أن يأخذ منهما أو من أحدهما ، دون الآخر ـ وبه قال الشافعي (٦) ـ لأنّهما مشتريان ، فجاز (٧) للشفيع أخذ نصيب أحدهما.

__________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٢٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧.

(٢) كلمة « أيضا » لم ترد في « س » والطبعة الحجريّة.

(٣) مختصر المزني : ١٢١ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٨٩ ، المغني ٥ : ٥٣٠.

(٥) راجع ص ٣٧ ، المسألة ٥٦٣.

(٦) مختصر المزني : ١٢١ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧ ، المغني ٥ : ٥٣٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٨.

(٧) في الطبعة الحجريّة : « فكان » بدل « فجاز ».

٣٤٤

وقال أبو حنيفة : يجوز بعد القبض ، ولا يجوز قبله في إحدى الروايتين ، لأنّه قبل القبض يكون تبعيضا للصفقة على البائع (١) ، بناء على أصله في أنّه يأخذ المبيع منه.

وهو ممنوع ، على أنّ الباقي يأخذه المشتري والآخر ، وليس تبعيضا.

وكذا لو باع اثنان من واحد ، فإنّ للشفيع أن يأخذ الحصّتين أو حصّة أحدهما دون الآخر ، لما تقدّم ، خلافا لأبي حنيفة ولمالك (٢).

ولو باع الشريكان من اثنين ، كان ذلك بمنزلة أربعة عقود ، وللشفيع أخذ الكلّ أو ما شاء منهما إمّا ثلاثة أرباعه ، وهو نصيب أحد المشتريين ونصف نصيب الآخر ، أو يأخذ نصف الجملة إمّا بأن يأخذ نصيب أحدهما أو نصف نصيب كلّ واحد ، أو يأخذ ربع الجملة ، وهو نصف نصيب أحدهما.

مسالة ٨٠٧ : لو باع أحد الشريكين بعض (٣) نصيبه من رجل ثمّ باع منه الباقي ثمّ علم شريكه ، كان له أن يأخذ المبيع أوّلا خاصّة ، أو ثانيا خاصّة ، أو هما معا بالشفعة ، لأنّ لكلّ واحد من العقدين حكم نفسه ، فإن عفا عن الأوّل وأراد أخذ الثاني ، لم يشاركه المشتري بنصيبه الأوّل ، لأنّ ملكه على الأوّل لم يستقرّ ، لأنّ للشفيع أخذه ، فلا يستحقّ به شفعته ، كما لو ارتهن بعضه واشترى الباقي ، وبه قال الشافعي (٤).

وقال أبو حنيفة : ليس له أن يأخذ النصيبين معا ، وإنّما له أن يأخذ‌

__________________

(١) المغني ٥ : ٥٣٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٦.

(٢) المغني ٥ : ٥٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٦.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « نصف » بدل « بعض ».

(٤) انظر : المغني ٥ : ٥٣٣.

٣٤٥

الأوّل ونصف الثاني ـ وبه قال بعض الشافعيّة ـ لأنّ ملكه ثبت له على الأوّل ، فإذا اشترى الثاني ، كان شريكا له بالنصف (١).

مسالة ٨٠٨ : إذا باع أحد الشريكين نصيبه من ثلاثة أنفس صفقة واحدة‌ ، فإن عفا [ الشريك ] (٢) عن أحدهم ، صحّ عفوه ، ولم يجز للمعفوّ عنه مشاركته في الشفعة على الآخرين ، لأنّ ملك المعفوّ عنه لم يسبق ملكهما ، وإنّما ملك الثلاثة دفعة واحدة ، وإنّما يستحقّ الشفعة بملك سابق لملك المشتري.

فإن باع أحد الشريكين نصيبه من ثلاثة في ثلاثة عقود على الترتيب فعفا الشريك عن المشتري الأوّل ، وطلب من الآخرين ، كان للمشتري الأوّل مشاركته في شفعة الآخرين ، لأنّ ملكه سابق لشرائهما.

وكذا إن عفا عن الأوّل والثاني ، شاركاه في حقّ الشفعة على الثالث.

ولو عفا عن الثاني خاصّة ، كان له مشاركته في شفعة الثالث ، دون الأوّل.

ولو عفا عن الثالث خاصّة ، لم يكن له مشاركته في شفعة الأوّلين.

ولو عفا عن الثاني والثالث ، لم يشاركاه في شفعة الأوّل ، لأنّهما حين وجوب الشفعة لم يكن لهما ملك.

مسالة ٨٠٩ : لو وكّل أحد الشركاء الثلاثة ثانيهم‌ ، فباع الوكيل نصيبه ونصيب موكّله صفقة واحدة ، كان للثالث الشفعة ، وليس للوكيل ولا للموكّل شفعة على الآخر ، لعدم الأولويّة. ولأنّهما بائعان.

وهل للثالث أن يأخذ أحد النصيبين دون الآخر؟ الأقوى ذلك ، لأنّ‌

__________________

(١) انظر : المغني ٥ : ٥٣٣.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

٣٤٦

المالك اثنان ، فهو كما لو تولّيا العقد ، وهو أحد قولي الشافعيّة. والثاني : ليس له ، لأنّ العاقد واحد في الطرفين اعتبارا بالوكيل (١).

ولو كانت الدار لاثنين فوكّل أحدهما الآخر ببيع نصف نصيبه ، وجوّز له أن يبيع نصيب نفسه إن شاء صفقة واحدة ، فباع كذلك ، وأراد الموكّل أخذ نصيب الوكيل بالشفعة بحقّ النصف الباقي ، فله ذلك ، لأنّ الصفقة اشتملت على ما لا شفعة للموكّل فيه ـ وهو ملكه ـ وعلى ما فيه شفعة ـ وهو ملك الوكيل ـ فأشبه من باع شقصين من دارين صفقة واحدة.

فإن كان الشفيع في إحداهما غير الشفيع في الأخرى ، فلكلّ أن يأخذ ما هو شريك فيه ، سواء وافقه الآخر في الأخذ أو لا. وإن كان شفيعهما واحدا ، جاز له أخذ الجميع ، وأخذ أيّتهما شاء ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (٢).

مسالة ٨١٠ : لو كانت الدار لثلاثة نصفها لواحد ولكلّ واحد من الآخرين الربع‌ ، فقارض أحد هذين الرجلين الآخر على ألف ، فاشترى العامل منهما نصف نصيب صاحب النصف ، فلا شفعة هنا ، لأنّ البائع لا شفعة له فيما باع ، والشريك الآخر ربّ المال ، والثالث هو العامل ، وربّ المال والعامل بمنزلة الشريكين في المبتاع ، فلا يستحقّ أحدهما على الآخر شفعة فيما ابتاعه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة (٣).

فإن باع الذي كان صاحب النصف الربع الذي بقي له من أجنبيّ ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٨.

(٣) انظر : العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٥ ، وروضة الطالبين ٤ : ١٩٢ ، والمغني ٥ : ٤٩٩ ، والشرح الكبير ٥ : ٥٤٧.

٣٤٧

فالشقص للشفعة أثلاثا ، الثلث بالربع الذي لربّ المال ، والثلث بالربع الذي للعامل ، والثلث لمال المضاربة وكان مال القراض بمنزلة شريك آخر ، لأنّ حكمه متميّز عن مال كلّ واحد منهما.

مسالة ٨١١ : لو اشترى بعيرا وشقصا بعبد وجارية‌ ، وقيمة البعير والشقص مائتان كلّ واحد بمائة ، وكذا قيمة العبد مائة ، وقيمة الجارية مائة ، تثبت الشفعة في الشقص بنصف قيمة العبد والجارية.

فإن تلف البعير قبل القبض ، بطل فيه العقد ، ولا يبطل في الشقص ، وهو أحد قولي الشافعيّة (١) في طريق تفريق الصفقة ، فإن قلنا : يبطل ، بطل الكلّ وسقطت الشفعة. وإن قلنا : يصحّ في الشقص ، صحّ فيه بنصف العبد والجارية ، وأخذه الشفيع بقيمة ذلك.

وإن تلف العبد ، بطل العقد في نصف البعير ونصف الشقص ، وأخذ الشفيع نصف الشقص بنصف قيمة الجارية.

مسالة ٨١٢ : لو كانت الدار بين أربعة بالسويّة فاشترى اثنان منهم من واحد نصيبه وهو الربع ، استحقّ الذي لم يشتر عليهما الشفعة ، واستحقّ كلّ واحد من المشتريين ، لأنّه شريك ، فلا يسقط حقّه من الشفعة ، وتبسط الدار ثمانية وأربعين سهما ، فالربع اثنا عشر ، وفيه أربع صور :

أ ـ أن يطالب كلّ واحد بشفعة ، فيقتسمون المبيع أثلاثا ، فيحصل لكلّ واحد أربعة.

ب ـ أن يعفو كلّ واحد من الشريكين عن صاحبه ، ويطالب الذي لم يشتر ، فإنّه يأخذ من كلّ واحد منهما نصف ما في يده ، لأنّه ممّا اشتراه‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

٣٤٨

كلّ واحد شريكه في الشفعة ، إذ لا شفعة فيه إلاّ لهما ، فيحصل للّذي لم يشتر نصف السهم ستّة ، ولكلّ واحد من المشتريين ثلاثة أسهم.

ج ـ أن يعفو الذي لم يشتر خاصّة ، فكلّ واحد من المشتريين يأخذ من صاحبه ما في يده ، فيكون ذلك قدر ما اشتراه لكلّ واحد ستّة.

د ـ أن يعفو الذي لم يشتر عن أحدهما دون الآخر ، فإنّه يأخذ ممّن لم يعف عنه سهمين ، وتبقى معه أربعة أسهم يأخذ منها المعفوّ عنه سهمين ، ويأخذ الذي لم يعف عنه من المعفوّ عنه ثلاثة أسهم نصف ما في يده ، لأنّه لا شفيع في هذا السهم سواهما ، فيحصل مع كلّ واحد منهما خمسة ، ومع العافي سهمان.

البحث الثامن : في الحيل المسقطة للشفعة.

مسالة ٨١٣ : يجوز استعمال الحيل بالمباح مطلقا عندنا وعند جماعة من العامّة ، خلافا لأحمد بن حنبل (١).

فإذا أراد أن يشتري الشقص ولا تلزمه شفعة ، أمكنه أن يشتريه بثمن مشاهد لا يعلمان قدره ولا قيمته إذا لم يكن من المكيلات والموزونات ، ثمّ يخرجه عن ملكه بتلف أو غيره بحيث لا يتمكّن من العلم به وقت المطالبة بالشفعة ، فإذا طولب بالشفعة وتعذّر عليه معرفة الثمن ، سقطت الشفعة ، فإن ادّعى الشفيع أنّ الثمن كان معلوما وذكر قدره فأنكر المشتري ، قدّم قول المشتري مع اليمين.

ولو كان الثمن مكيلا أو موزونا ، فقال المشتري : إنّه كان جزافا أو كان‌

__________________

(١) المغني ٥ : ٥١١.

٣٤٩

معلوما وقد نسيته ، لم يسمع منه في الجزاف عندنا ، وطولب بجواب صحيح ، فإن أجاب وإلاّ جعل ناكلا.

ومن قال : إنّه يجوز البيع به هل يكون الجواب به أو بالنسيان صحيحا؟ الأقرب عندي ذلك ـ وهو قول أكثر الشافعيّة (١) ـ لأنّ نسيان المشتري ممكن ، وقد يكون الثمن جزافا عند مجوّزيه ، فإذا أمكن ، حلف عليه.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه لا يكون جوابا صحيحا ، فيقال له : إمّا أن تجيب بجواب صحيح ، وإلاّ جعلناك ناكلا ، ويحلف الشفيع ، كما لو ادّعى رجل على آخر ألف درهم دينا ، فقال : لا أعلم قدر دينك ، لم يكن جوابا (٢).

والفرق : أنّ المدّعي يدّعي عليه قدرا معيّنا ، وهو لا يجيب عنه لا بإقرار ولا بإنكار ، فلهذا جعلناه ناكلا ، وفي مسألتنا قوله : « إنّ الثمن كان جزافا ، أو : لا أذكره » إنكار للشفعة ، لأنّه إذا كان كذلك ، لا تجب الشفعة.

نعم ، لو قال : لا أدري لك شفعة أم لا ، كان كمسألة الدّين.

ولأنّ الدّين إن لم يعلمه من هو عليه يجوز أن يعلمه من هو له ، فيجعل القول قوله مع يمينه ، وهنا هذا هو العاقد ، وإذا كان جزافا أو لا يعلم ، فلا طريق للشفيع إلى معرفته.

مسالة ٨١٤ : لو أتلف المشتري الثمن المعيّن قبل القبض وكان قد قبض الشقص وباعه ، سقطت الشفعة ، وصحّ تصرّف المشتري ، وكان عليه قيمة الشقص للبائع.

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

٣٥٠

ولو أراد المتبايعان التوصّل إلى رغبة الشفيع عن الشفعة ، اشتراه بألف إذا كان يساوي مائة ثمّ يبيعه بالألف سلعة تساوي مائة ، فإذا أراد الشفيع أن يأخذه ، وجب عليه دفع الألف. وكذا إذا باعه سلعة تساوي مائة بألف ثمّ اشترى الشقص المساوي مائة بألف ، فإذا أراد الشفيع أن يأخذه ، أخذه بالألف.

وهذا يصحّ عندنا مطلقا.

وعند الشافعي إنّما يصحّ إذا لم يشترط مشتري الشقص على بائعه أخذ السلعة بالثمن في العقد ، فإنّه متى شرط ذلك ، بطل العقد عنده ، ويحصل على المشتري بشراء ما يساوي مائة بألف غرر (١).

مسالة ٨١٥ : لو نقل الشقص بهبة أو صلح أو بجعله مال إجارة أو غيرها من العقود المغايرة للبيع ، فلا شفعة عندنا.

ووافقنا الشافعي (٢) في كلّ عقد لا يشتمل على المعاوضة ، وعلى أنّهما إذا اتّفقا على أن يهب أحدهما الشقص للآخر ويهب الآخر الثمن ، ويكون هذا الاتّفاق قبل عقد الهبة ويعقدانها مطلقة ، فلا تجب الشفعة.

ولو اتّفقا على بيع الشقص بألف وهو يساوي مائة ثمّ يبرئه من تسعمائة بعد انبرام البيع فتعاقدا على ذلك ، رغب الشفيع عن أخذه ، لأنّه لو طلبه لزمه الألف.

مسالة ٨١٦ : ومن الحيل أن يبيعه جزءا من الشقص بثمنه كلّه‌ ، ويهب له الباقي أو يهبه بعض الشقص ، أو يملّكه إيّاه بوجه آخر غير البيع ، ثمّ‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٣.

٣٥١

يبيعه الباقي ، فإنّه لا شفعة عند من يبطلها مع الكثرة ، أو يبيعه بثمن حاضر مجهول القدر عند من يجوزه ، ويقبضه البائع ولا يزنه ، بل ينفقه أو يمزجه بمال له مجهول ، فتندفع الشفعة على أصحّ قولي الشافعيّة (١).

ولو باع بعض الشقص ثمّ باع الباقي ، لم يكن للشفيع أخذ جميع المبيع ثانيا على أحد الوجهين (٢).

ولو وكّل البائع شريكه بالبيع فباع ، لم يكن له الشفعة على أحد الوجهين (٣).

مسالة ٨١٧ : لا يكره دفع الشفعة بالحيلة‌ ، إذ ليس فيها دفع حقّ عن الغير ، فإنّ الشفعة إنّما تثبت بعد البيع مع عدم المعارض ، فإذا لم يوجد بيع أو وجد مع معارض الشفعة ، فلا شفعة ، لعدم الثبوت ، وبه قال أبو يوسف (٤).

وقال محمد بن الحسن : يكره (٥).

وللشافعيّة وجهان ، أصحّهما عندهم : الثاني (٦) ، ولا يكره عندهم دفع شفعة الجار بالحيلة قطعا (٧).

ولو اشترى عشر الدار بتسعة أعشار الثمن ، فلا يرغب الشفيع ، لكثرة‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٥.

(٢) الوجهان للشافعيّة أيضا ، انظر : العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٤ ، وروضة الطالبين ٤ : ١٩٥.

(٣) الوجهان للشافعيّة أيضا ، انظر : العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٤ ، وروضة الطالبين ٤ : ١٩٥.

(٤) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٤ : ٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٦.

(٥) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٤ : ٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٦.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٦.

(٧) روضة الطالبين ٤ : ١٩٦.

٣٥٢

الثمن ، ثمّ يشتري تسعة أعشاره بعشر الثمن ، فلا يتمكّن الجار من الشفعة ، لأنّ المشتري حالة الشراء شريك في الدار ، والشريك مقدّم على الجار ، أو يخطّ البائع على طرف ملكه خطّا ممّا يلي دار جاره ، ويبيع ما وراء الخطّ ، لأنّ ما بين ملكه وبين المبيع فاصلا ، ثمّ يهبه الفاصل.

البحث التاسع : في اللواحق.

مسالة ٨١٨ : لو مات المديون وله شقص يستوعبه الدّين فبيع شقص في شركته‌ ، كان للورثة الشفعة ، لأنّ الدّين لا يمنع انتقال الملك إلى الورثة على ما يأتي ، وبه قال الشافعي (١) ، خلافا لأبي حنيفة (٢) وبعض الشافعيّة (٣).

ولو كان للمديون دار فبيع بعضها في الدّين ، لم يكن للورثة الشفعة ، لأنّ البيع يقع لهم ، فلا يستحقّون الشفعة على أنفسهم.

ولو كان الوارث شريك الموروث فبيع نصيب الموروث في دينه ، تثبت الشفعة للوارث بنصيبه الذي كان يملكه ، لأنّ البيع على الميّت إنّما كان بسبب دينه الذي ثبت عليه في حال الحياة ، فصار البيع كأنّه قد وقع في حال الحياة ، والوارث كان شريكه في حال الحياة ، فتثبت له الشفعة ، ولا يلزم إذا كانت الدار للموروث فبيع بعضها في دينه ، لأنّا إذا جعلنا البيع كأنّه وقع في حال الحياة ، لم يكن الوارث شريكه في تلك الحال ، وهو قول بعض الشافعيّة (٤).

__________________

(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٤ ، المغني ٥ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٧.

(٢) المغني ٥ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٧ ـ ٥٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٥.

٣٥٣

وقال أكثرهم : لا شفعة ، لأنّ الدّين لا يمنع انتقال الملك إلى الوارث ، فإذا بيع فقد بيع ملك الوارث عليه ، فلا يستحقّ الشفعة ، كما لو كان له على رجل دين وهو غائب فباع بعض داره ثمّ قدم ، لم تثبت له الشفعة ، كذا هنا (١).

وما ذكره أوّلا بعضهم فليس بشي‌ء ، لأنّه إنّما يلحق بحال الحياة إذا وجد سببه في حال الحياة وما لا يمكن (٢) ابتداؤه بعد الوفاة ، ولو كان كذلك ، لم يكن للوارث أن يقضي الدّين من عنده ، ويمنع (٣) من البيع.

وهذا عندي هو المعتمد.

لا يقال : هذا الدّين وجب على الميّت ، فلا يجوز أن يباع غيره فيه ، وإنّما يجعل كأنّه بيع عليه.

لأنّا نقول : من يقول : إنّ الملك ينتقل إلى الوارث قد لزمه ما ألزم ، لأنّه يبطل ملك الوارث لأجل دين الميّت ، على (٤) أنّ ذلك لا يمنع (٥) ، لأنّ هذا الدّين يتعلّق (٦) بهذه العين ، لأنّها ملكت من جهة السبب ، ألا ترى أنّ العبد إذا جنى ، تعلّقت الجناية برقبته ، وهي ملك لمولاه ، ويباع فيها وإن لم يكن الدّين على مولاه.

مسالة ٨١٩ : لو كان لأحد الثلاثة نصف الدار ولكلّ من الآخرين ربع‌ ، فاشترى صاحب النصف من أحد شريكيه ربعه ، والآخر غائب ، ثمّ باع‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٥.

(٢) كذا ، والظاهر : « وما لم يكن ».

(٣) في الطبعة الحجريّة : « ويمتنع ».

(٤) في « ي » والطبعة الحجريّة : « وعلى ».

(٥) في « س ، ي » : « لا يمتنع ».

(٦) في « ي » : « تعلّق ».

٣٥٤

صاحب ثلاثة الأرباع ربعا منها لرجل ، ثمّ قدم الشريك الغائب ، كان له أخذ ما يخصّه من المبيع الأوّل بالشفعة ، وهو ثمن ، ويأخذ المبيع الثاني بأجمعه ، إذ لا شفيع غيره.

فإن أراد العفو عن الثاني والأخذ من الأوّل ، أخذ من المشتري الثاني سهما من ستّة ، ومن الأوّل سهمين من ستّة ، لأنّا نفرض الدار أربعة وعشرين سهما ، إذ لا تخرج صحيحة من أقلّ.

وإنّما قلنا ذلك ، لأنّ صاحب النصف اشترى الربع ، فكان بينه وبين الغائب نصفين إن قلنا : إنّ للمشتري شفعة وإنّ الشفعة على عدد الرءوس فإذا باع الربع ممّا في يده وفي يده ثلاثة أرباع ، فقد باع ثلث ما في يده ، وهو ستّة ، وبقي في يده اثنا عشر ، وللغائب شفعة ثلاثة أسهم ، فإذا قدم ، أخذ من المشتري ثلث ما استحقّه ، وهو سهم واحد ، لأنّه حصل له ثلث ما كان في يد بائعه ، وأخذ من الأوّل سهمين.

وإن جعلنا الشفعة على قدر النصيب ، فالذي يستحقّ الغائب سهمان من الستّة ، لأنّ ملكه مثل نصف ملك المشتري حصل له في المبيع ثلثا سهم ، ويأخذ من المشتري الأوّل سهما وثلثا ومن الثاني ثلثي سهم.

هذا إذا عفا عن الثاني ، وإن عفا عن الأوّل وأخذ من الثاني ، أخذ من المشتري ما اشتراه ، وهو ستّة أسهم ، لأنّ شريكه بائع ، فلا شفعة له.

وإن أراد أن يأخذ الشفعة بالعقدين ، أخذ ما في يد الثاني ، وأخذ من الأوّل سهمين إن جعلنا الشفعة على عدد الرءوس ، وإن قلنا : على قدر النصيب ، يأخذ سهما وثلثا.

مسالة ٨٢٠ : لو بيع شقص وله شفيعان فعفا أحدهما ومات الآخر وكان وارثه هو العافي‌ ، كان له أن يأخذ الشقص بما ورثه من الشفعة ،

٣٥٥

ولا يبطلها العفو السابق ، لأنّ العفو وقع عمّا يملكه بالأصالة لا بالميراث.

وكذا لو قذف رجل أباهما وهو ميّت فعفا أحدهما ، كان للآخر استيفاء الحدّ كملا ، فإن مات وكان العافي وارثه ، كان له استيفاؤه بالنيابة عن مورّثه.

مسالة ٨٢١ : قد سلف (١) أنّ الإقالة لا توجب الشفعة ، خلافا لأبي حنيفة (٢). وكذا الردّ بالعيب وإن كان على سبيل التراضي ، وبه قال الشافعي (٣).

وقال أبو حنيفة : تثبت الشفعة إن وقع الردّ بالتراضي ، لأنّه نقل الملك بالتراضي ، فأشبه البيع (٤).

وهو خطأ ، لأنّه فسخ ، وليس بمعاوضة ، ولهذا يعتبر فيه العوض الأوّل ، فلم تثبت فيه الشفعة ، كالفسخ بالخيار.

ولو لم يقايله (٥) ، بل باعه المشتري من البائع بذلك الثمن أو غيره ، كان للشفيع الشفعة ، لأنّه عفا عمّا استحقّه بالعقد الأوّل ، وهذا عقد يستحقّ به الشفعة ، فوجبت له.

تذنيب : إذا كان الثمن معيّنا فتلف قبل القبض ، بطل البيع والشفعة ، لأنّه تعذّر التسليم ، فتعذّر إمضاء العقد ، بخلاف الإقالة والردّ بالعيب.

__________________

(١) في ص ٢٣٠ ، المسألة ٧٢٧.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٢٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٨ ، المغني ٥ : ٤٧٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٥.

(٣) حلية العلماء ٥ : ٢٩٥ ، الوسيط ٤ : ٧٤ ، الوجيز ١ : ٢١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٣.

(٤) حلية العلماء ٥ : ٢٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٨.

(٥) في « ي » : « ولم يقابل ». وفي الطبعة الحجريّة : « ولم يقابله » بالباء. وفي « س » : « ولم يقايله » بالياء. والصحيح ما أثبتناه.

٣٥٦

ولو ظهر الثمن المعيّن مستحقّا ، بطل البيع أيضا والشفعة.

ولو كان المشتري قد باع الشقص قبل التلف ، صحّ بيعه ، وللشفيع أخذه بالشفعة ، وبطل البيع الأوّل.

أمّا لو باعه ثمّ ظهر استحقاق الثمن المعيّن ، بطل الثاني أيضا ، ولا شفعة ، لأنّ المقتضي لبطلان البيع الاستحقاق لا ظهوره.

آخر : لو وجبت الشفعة وقضى له القاضي بها والشقص في يد البائع ودفع الثمن إلى المشتري فقال البائع للشفيع : أقلني ، فأقاله ، لم تصحّ الإقالة ، لأنّها إنّما تصحّ بين المتبايعين ، وليس للشفيع ملك من جهة البائع ، فإن باعه منه ، كان حكمه حكم بيع ما لم يقبض.

مسالة ٨٢٢ : لو كان أحد الشريكين في الدار غائبا وله وكيل فيها‌ ، فقال الوكيل : قد اشتريته منه ، لم يكن للحاضر أخذه بالشفعة ، لأنّ إقرار الوكيل لا يقبل في حقّ موكّله. ولأنّه لو ثبتت الشفعة للحاضر بمجرّد دعوى الوكيل ، لثبت للوكيل جميع توابع الملك ، فكان لو مات (١) الموكّل ، لم يفتقر الوكيل في دعوى الشراء منه إلى بيّنة ، بل يكتب الحاكم إلى حاكم البلد الذي فيه الموكّل ، ويسأله عن ذلك ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّ الحاضر يأخذه بالشفعة ـ وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ـ لأنّه أقرّ بحقّ له فيما في يده (٢).

ويذكر الحاكم ذلك في السجلّ ، فإن قدم الغائب وصدّقه ، فلا كلام.

وإن أنكر البيع فإن أقام مدّعيه البيّنة ، بطل إنكاره ، وإن لم يقم بيّنة ، حلف المنكر ، ثمّ يردّ النصف عليه واجرة مثله وأرش نقصه إن كان ، وله أن‌

__________________

(١) كذا ، والظاهر : « فكان كما لو مات ».

(٢) المغني ٥ : ٥١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٠ ـ ٥٣١.

٣٥٧

يرجع بذلك على من شاء ، فإن رجع على الوكيل ، رجع به على الشفيع ، وإن رجع على الشفيع ، لم يرجع به على الوكيل ، لأنّ التلف حصل في يده.

وفي وجه للشافعيّة : أنّه يرجع عليه ، لأنّه غرّه (١).

مسالة ٨٢٣ : لو حكم حاكم شرع باعتقاده أنّ الشفعة تثبت مع الكثرة‌ ، لم يعترض عليه من لا يعتقد ذلك من الحكّام.

وكذا عند الشافعي إذا قضى الحنفي بشفعة الجوار ، لم يعترض عليه في الظاهر ، وفي الحكم باطنا عندهم خلاف (٢).

أمّا نحن فإن كان الآخذ مقلّدا وقلّد من يجب تقليده ، كان مباحا له في الباطن. وإن كان مجتهدا ، لم يجز له أن يأخذ على خلاف مذهبه.

مسالة ٨٢٤ : لو اشترى الشقص بكفّ من الدراهم لا يعلم (٣) وزنها‌ ، أو بصبرة حنطة لا يعلم كيلها ، فعندنا يبطل البيع.

وعند من جوّزه تكال أو توزن ليأخذ الشفيع بذلك القدر (٤).

فإن كان غائبا فتبرّع البائع بإحضاره أو أخبر عنه واعتمد قوله ، فذاك ، وإلاّ فليس للشفيع أن يكلّفه الإحضار والإخبار عنه.

ولو هلك وتعذّر الوقوف عليه ، تعذّر الأخذ بالشفعة.

وهذا يتأتّى مثله عندنا ، وهو أن يبيع بما لا مثل له ثمّ يتلف قبل العلم بقيمته.

ولو أنكر الشفيع الجهالة ، فإن عيّن قدرا وقال للمشتري : قد اشتريته‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « لم يعلم ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٥.

٣٥٨

بكذا ، وقال المشتري : لم يكن قدره معلوما ، فأصحّ القولين عند الشافعيّة : أنّه يقنع منه بذلك ، ويحلف عليه (١) ، وهو المعتمد عندي في عدم العلم بالقيمة.

وقال ابن سريج : لا يقبل منه ذلك ، ولا يحلف ، بل إن أصرّ على ذلك ، جعل ناكلا ، وردّت اليمين على الشفيع (٢).

وكذا الخلاف لو قال : نسيت (٣) (٤).

وإن لم يعيّن الشفيع قدرا لكن ادّعى على المشتري أنّه يعلمه وطالبه بالبيان ، فللشافعيّة وجهان أصحّهما عندهم : لا تسمع دعواه حتى يعيّن قدرا ، فيحلف المشتري حينئذ أنّه لا يعرف. والثاني : تسمع ، ويحلف المشتري على ما يقوله ، فإن نكل ، حلف الشفيع على علم المشتري ، وحبس المشتري حتى يبيّن قدره.

فعلى الأوّل طريق الشفيع أن يعيّن قدرا ، فإن وافقه المشتري ، فذاك ، وإلاّ حلّفه على نفيه ، فإن نكل ، استدلّ الشفيع بنكوله ، وحلف على ما عيّنه ، وإن حلف المشتري ، زاد وادّعى ثانيا ، وهكذا يفعل إلى أن ينكل المشتري ، فيستدلّ الشفيع بنكوله ويحلف ، وهذا (٥) لأنّ اليمين عندهم قد تستند إلى التخمين.

قالوا : ولهذا له أن يحلف على خطّ أبيه إذا سكنت نفسه إليه (٦).

وهذا باطل ، وأنّ اليمين لا تصحّ إلاّ مع العلم والقطع دون الظنّ‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٥.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أنسيت ». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٥.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « وهكذا » بدل « وهذا ». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٦ ـ ٥١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٥.

٣٥٩

والتخمين.

مسالة ٨٢٥ : لو خرج بعض الثمن مستحقّا ، بطل البيع في ذلك القدر‌ ، وتخيّر المشتري في الفسخ والإمضاء ، وهو أحد قولي الشافعي في تفريق الصفقة (١).

فإن اختار الإمضاء ، فللشفيع الأخذ. وإن اختار الفسخ وأراد الشفيع أخذه ، فالأقوى تقديمه ، ويأخذ بالشفعة ، ويبطل فسخ المشتري ، لسبق حقّ الشفيع.

ولو ظهر استحقاق ما دفعه الشفيع ، لم تبطل شفعته ، سواء كان عالما بالاستحقاق أو جاهلا.

وللشافعيّة وجهان (٢).

ولو قال الشفيع : تملّكت بهذه الدراهم ، لم تسقط شفعته مع استحقاقها أيضا ، لعدم تعيّنها بالعقد.

وللشافعيّة قولان (٣).

ثمّ إذا قال : تملّكت بهذه الدراهم ، حالة العلم بالاستحقاق أو الجهل ، فلا يبطل حقّه ، كما قلناه ، ويتبيّن أنه ملك بالقول لا بالدفع.

ولا يفتقر إلى تملّك جديد ، وهو أحد قولي الشافعيّة.

والثاني : أنّه يفتقر إلى تجديد قوله : تملّكت (٤).

ولو خرج الذهب نحاسا ، فكالمستحقّ.

ولو خرج الثمن معيبا ، فإن رضي البائع ، لم يلزم المشتري الرضا‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٦.

(٣) روضة الطالبين ٤ : ١٧٦.

(٤) روضة الطالبين ٤ : ١٧٦.

٣٦٠