تذكرة الفقهاء - ج ١٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٣٩٢

دعاء لنفسه ، لأنّ الشقص يرجع إليه (١).

وله قول آخر : البطلان (٢).

ولو قال غير ذلك ، فقد أخّر الشفعة لغير عذر.

ولو قال عند لقائه : بكم اشتريته؟ لم تبطل شفعته ـ وهو أحد قولي الشافعيّة (٣) ـ لافتقاره إلى تحقّق ما أخذ به (٤).

وقال الباقون : تبطل ، لأنّه تأخير ، لأنّ من حقّه أن يظهر الطلب ثمّ يبحث (٥).

ولو قال : اشتريت رخيصا ، وما أشبهه ، بطلت شفعته ، لأنّه فضول.

مسالة ٧٨٩ : ولو لم يمض الشفيع إلى المشتري ومشى إلى الحاكم وطلب الشفعة‌ ، لم يكن مقصّرا في الطلب ، سواء ترك مطالبة المشتري مع حضوره أو غيبته. أمّا لو اقتصر على الإشهاد بالطلب ولم يمض إلى المشتري ولا إلى القاضي مع إمكانه ، قال الشيخ رحمه‌الله : لا تبطل شفعته ، لعدم الدليل عليه (٦) ، وبه قال أبو حنيفة (٧).

وقال الشافعي : يكون مقصّرا ، وبطلت شفعته (٨).

ولو جهل البطلان ، كان عذرا ، ولم يكن مقصّرا ، كما لو جهل أصل‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩١.

(٤) كذا ، والظاهر : « لافتقاره إلى تحقيق ما أخذه به ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩١.

(٦) الخلاف ٣ : ٤٥٦ ، المسألة ٤٢.

(٧) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٤٥٦ ، المسألة ٤٢ ، وانظر : العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٠.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٠.

٣٢١

الشفعة.

ولو كان المشتري غائبا ، رفع أمره إلى القاضي وأخذ ، ولم يكف الإشهاد.

ولو لم يتمكّن من الرفع إلى المشتري ولا إلى القاضي ، كفاه الإشهاد على الطلب ، فإن تمكّن بعد ذلك من المضيّ إلى المشتري أو القاضي ، فالأقرب : عدم الاكتفاء بالإشهاد السابق ، فيكون مقصّرا لو لم يمض إلى أحدهما ، لأنّ الالتجاء إلى الإشهاد كان لعذر وقد زال.

ولو لم يتمكّن من المضيّ إلى أحدهما ولا من الإشهاد ، فهل يؤمر أن يقول : تملّكت الشقص أو أخذته؟ الأقرب : ذلك ، لأنّ الواجب الطلب عند القاضي أو المشتري ، فإذا فات القيد ، لم يسقط الآخر.

وللشافعيّة وجهان (١).

مسالة ٧٩٠ : لا يجب الطلب في بلد المبايعة‌ ، فلو باع الشقص بمصر ثمّ وجد الشفيع المشتري بمصر آخر فأخّر الطلب فلمّا رجعا إلى مصره طالبه بالشفعة ، لم يكن له ذلك ، وسقطت شفعته.

فإن اعتذر الشفيع عن التأخير بأنّي إنّما تركت الطلب لآخذ في موضع الشفعة ، لم يكن ذلك عذرا ، وقلنا له : ليس تقف المطالبة على تسليم الشقص ، فكان ينبغي أن تطلبها حال علمك بها ، فبطل حقّك ، لاستغناء الأخذ عن الحضور عند الشقص.

مسالة ٧٩١ : لو أظهر المتبايعان أنّهما تبايعا بألف فترك الشفيع الشفعة فعفا أو توانى في الطلب ، ثمّ بان أنّهما تبايعاه بأقلّ من ذلك ، لم تسقط‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٠.

٣٢٢

الشفعة ، وكان للشفيع المطالبة بها ، لاحتمال أن يكون الترك لأجل كثرة الثمن ، فإذا كان أقلّ منه ، رغب فيه ، فلم تسقط بذلك الترك شفعته.

وكذا لو بلغه أنّه باعه بالثمن المسمّى سهاما قليلة ثمّ ظهر أنّها كثيرة.

وكذا إذا كانا قد أظهرا أنّهما تبايعا ذلك بالدنانير ، فترك ثمّ بان أنّهما تبايعا ذلك بالدراهم ، تثبت الشفعة ، سواء كانت بقيمة الدراهم أو أكثر أو أقلّ ـ وبه قال الشافعي وزفر (١) ـ لأنّه قد يكون له غرض في ذلك بأن يكون مالكا لأحد النقدين دون الذي وقع التبايع به.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمّد : إذا كانت قيمتهما سواء ، سقطت شفعته ـ وبه قال بعض الشافعيّة ـ لأنّهما يجريان مجرى الجنس الواحد (٢).

وكذا إن أظهرا له أنّ زيدا اشتراها ، فترك الشفعة فبان أنّ المشتري عمرو وأنّ زيدا كان وكيلا لعمرو ، لم تبطل الشفعة ، وكان له المطالبة بها ، لاحتمال أن يكون يرضى بشركة زيد ولا يرضى بشركة عمرو.

ولو ظهر كذب نوع الثمن ، فقال : اشتريته بدراهم راضيّة ، فترك الشفعة فظهر أنّه اشترى بدراهم رضويّة ، لم تبطل شفعته ، وكان له الطلب.

وكذا لو أخبر بأنّ المشتري اشترى النصف بمائة ، فترك الشفيع ثمّ‌

__________________

(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٥٣ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٨ ـ ٢٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤١ ـ ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٠ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٥٤٢ ، المغني ٥ : ٤٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٩.

(٢) بدائع الصنائع ٥ : ١٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٧٣ ـ ٧٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٠ ـ ١٩١ ، المغني ٥ : ٤٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٩.

٣٢٣

بان (١) أنّه اشترى الربع بخمسين أو بالعكس ، تثبت الشفعة ، لأنّه قد يكون له غرض في القليل ، وقد يكون له أيضا غرض في الكثير.

وكذا لو قيل له : باع كلّ نصيبه ، فترك ثمّ ظهر بعضه أو بالعكس ، أو أنّه باعه بثمن حالّ ، فترك ثمّ ظهر أنّه مؤجّل ، أو أنّه باعه إلى شهر ، فترك فظهر أنّه إلى شهرين أو بالعكس ، أو أنّه باع رجلين فبان رجلا أو بالعكس ، فترك الشفعة قبل ظهور الحال ، لم تبطل الشفعة ، لاختلاف الغرض بذلك.

ولو ظهر بأنّ الثمن عشرة ، فترك الشفعة ثمّ ظهر أنّ الثمن عشرون (٢) ، أو أخبر بأنّ الثمن مؤجّل (٣) ، فترك فبان حالاّ ، أو أنّ المبيع الجميع بألف فبان أنّ البعض بألف ، بطل حقّه من الشفعة قطعا.

ولو أخبر (٤) أنّه اشترى النصف بمائة ، فترك الشفعة ثمّ ظهر أنّه اشترى الربع بخمسين أو بالعكس ، تثبت الشفعة ، لأنّه قد يكون له غرض في القليل أو الكثير.

ولو بلغه (٥) أنّ المشتري واحد ، فترك الشفعة ثمّ ظهر أنّه ذلك الواحد وآخر ، فله الشفعة من كلّ منهما ومن أحدهما إن قلنا بثبوت الشفعة مع الكثرة ، لأنّه ترك الذي ترك له على أنّه اشترى الجميع ، فإذا كان اشترى البعض ، تثبت له ، وأمّا الآخر فلم يتركه له.

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « ظهر » بدل « بان ».

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عشرين ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مؤجّلا » بالنصب.

(٤) تقدّم هذا الفرع آنفا بعد قوله : « ولو ظهر كذب .. كان له طلب ».

(٥) تقدّم هذا الفرع آنفا عند قوله : « .. أو أنّه باع .. أو بالعكس ».

٣٢٤

مسالة ٧٩٢ : لو أخّر الطلب واعتذر بحصول مرض أو حبس أو غيبة ، وأنكر المشتري‌ ، قدّم قول الشفيع إن علم حصول العارض ـ الذي ادّعاه ـ له ، وإن لم يعلم له هذه الحال ، قدّم قول المشتري ، لأصالة العدم ، وأصالة عدم الشفعة.

ولو قال : لم أعلم ثبوت حقّ الشفعة ، أو قال : أخّرت لأنّي لم أعلم أنّ الشفعة على الفور (١) ، فإن كان قريب العهد بالإسلام ، أو نشأ في برّيّة لا يعرفون الأحكام ، قبل قوله ، وله الأخذ بالشفعة ، وإلاّ فلا.

مسالة ٧٩٣ : لو ضمن الشفيع العهدة للمشتري أو ضمن الدرك للبائع عن المشتري‌ ، قال الشيخ رحمه‌الله : لا تسقط شفعته ، وبه قال الشافعي ، وكذا إذا شرطا الخيار للشفيع إذا قلنا بصحّة اشتراط الخيار للأجنبيّ ، لأنّ هذا سبب سبق وجوب الشفعة ، فلا تسقط به ، كما إذا أذن له في البيع أو عفا عن الشفعة قبل تمام البيع (٢).

وقال أهل العراق : إنّه تسقط الشفعة ، لأنّ العقد تمّ به ، فأشبه البائع إذا باع بعض نصيبه ، لا شفعة له (٣).

قالت الشافعيّة : هذا ليس بصحيح ، لأنّ البيع لا يقف على الضمان ، ويبطل بما (٤) إذا كان المشتري شريكا ، فإنّه تثبت له الشفعة بقدر نصيبه (٥).

__________________

(١) ورد في النسخ الخطّيّة والحجريّة قوله : « أو قال .. على الفور » بعد قوله : « فإن كان قريب العهد بالإسلام ». وهو سهو من النّسّاخ.

(٢) الخلاف ٣ : ٤٤٧ ، المسألة ٢٥ ، وانظر : حلية العلماء ٥ : ٣١٢ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٦ ، والمغني ٥ : ٥٤٣ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٨٣.

(٣) حلية العلماء ٥ : ٣١٢ ، المغني ٥ : ٥٤٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٨٣ ، الخلاف ـ للطوسي ـ ٣ : ٤٤٧ ، المسألة ٢٥.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « به » بدل « بما ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥) انظر : المغني ٥ : ٥٤٣ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٨٤.

٣٢٥

والقول ببطلان الشفعة لا بأس به عندي ، لدلالة ذلك على الرضا بالبيع.

قال الشيخ رحمه‌الله : ولو كان الشفيع وكيلا في البيع (١) ، لم تسقط شفعته ، سواء كان وكيلا للبائع في البيع أو للمشتري في الشراء ـ وبه قال الشافعي ـ لعدم الدليل على سقوط الشفعة بالوكالة (٢).

وقال بعض الشافعيّة : إن كان وكيلا للبائع ، فلا شفعة له ، وإن كان وكيلا للمشتري ، ثبتت له الشفعة ، والفرق : أنّه إذا كان وكيلا في البيع ، لحقته التهمة ، وفي الشراء لا تهمة (٣).

وقال أهل العراق : إذا كان وكيلا للمشتري ، سقطت شفعته ، بناء على أصلهم أنّ الوكيل يملك ، ولا يستحقّ على نفسه الشفعة (٤).

ويحتمل عندي قويّا بطلان الشفعة ، لأنّ التوكيل يدلّ على الرضا بالبيع.

مسالة ٧٩٤ : لو أذن الشفيع في البيع ، فقال : بع نصيبك وقد عفوت عن الشفعة‌ ، أو أبرأه (٥) من الشفعة قبل تمام البيع أو أسقط حقّه أو عفا قبل العقد ، لم تسقط شفعته ، وبه قال الشافعي (٦).

__________________

(١) أي : بيع الشقص الذي يستحقّ به الشفعة.

(٢) الخلاف ٣ : ٤٤٨ ، المسألة ٢٧ ، وراجع : المغني ٥ : ٥٤٢ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٨٣ ـ ٤٨٤.

(٣) المغني ٥ : ٥٤٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٨٣.

(٤) حكاه عنهم الشيخ الطسوسي في الخلاف ٣ : ٤٤٨ ، المسألة ٢٧ ، وابنا قدامة في المغني ٥ : ٥٤٢ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٨٣.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أبرأ ». والظاهر ما أثبتناه.

(٦) حلية العلماء ٥ : ٣٠٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٠ ، ١٩٤٨ ، المغني ٥ : ٥٤١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٨٤.

٣٢٦

وحكي عن عثمان البتّي أنّه قال : تسقط الشفعة (١) ، لرواية جابر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « الشفعة في كلّ شرك في أرض (٢) أو ربع أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه فيأخذ أو يدع » (٣) فأجاز تركه.

والمراد العرض على الشريك ليبتاع ذلك إن أراد ، فيخفّ بذلك المئونة عليه في أخذ المشتري الشقص ، لأنّ قوله عليه‌السلام : « فيأخذ » ليس بالشفعة ، لأنّ العرض متقدّم على البيع ، والأخذ متعقّب للعرض ، فقوله : « أو يدع » أي : يدع الشراء ، لا أنّه يسقط حقّه بتسليمه. والأصل فيه أنّ ذلك إسقاط حقّ قبل وجوبه ، فلا يصحّ ، كما لو أبرأه ممّا يدينه إيّاه.

وكذا لو قال للمشتري : اشتر فلا أطالبك بالشفعة وقد عفوت عنها ، لم يسقط حقّه بذلك.

فروع :

أ ـ إذا شهد الشفيع على البيع ، لم تبطل شفعته بذلك ، لأنّه قد يريد البيع ليأخذه بالشفعة ، وكذا في الإذن بالبيع على ما تقدّم (٤).

ب ـ لو بارك للبائع فيما باع أو للمشتري فيما اشترى ، لم تسقط شفعته ، وقد سلف (٥).

ج ـ لو قال الشفيع للمشتري : بعني أو قاسمني ، بطلت شفعته ، لأنّه يتضمّن الرضا بالبيع وإجازته له.

__________________

(١) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٠ ، ١٩٤٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٠٩.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « شرك بأرض ». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٩ ، ١٣٥.

(٤) في صدر المسألة ٧٩٤.

(٥) في ص ٣٢٠ ضمن المسألة ٧٨٨.

٣٢٧

د ـ لو شرط الخيار للشفيع فاختار الإمضاء ، سقطت شفعته إن ترتّبت على اللزوم.

مسالة ٧٩٥ : لو باع أحد الشريكين نصيبه ولم يعلم شريكه حتى باع نصيبه ثمّ علم بيع شريكه ، فالأقرب : عدم الشفعة ، لأنّها إنّما ثبتت لزوال الضرر بها عن نصيبه ، فإذا باع نصيبه فلا معنى لإثباتها ، كما لو وجد بالمبيع عيبا ثمّ زال قبل علم المشتري ، وهو أحد قولي الشافعي. والثاني : أنّه تثبت له الشفعة في النصيب الأوّل ، لأنّه استحقّ فيه الشفعة بوجود ملكه حين التبايع ، فلم يؤثّر زوال ملكه بعد ذلك (١).

وكذا البحث لو وهب نصيبه قبل علمه بالبيع ثمّ علم ، وكذا لو تقايلا في هذا بالبيع (٢) الثاني.

إذا عرفت هذا ، فإن قلنا : لا شفعة له ، فللمشتري منه الأخذ بالشفعة ، لوجود المقتضي ، وهو الشركة.

وإن قلنا : له الشفعة ، فالأقرب : عدم استحقاق المشتري منه للشفعة إن قلنا بانتفاء الشفعة مع الكثرة ، وإلاّ فإشكال أقربه ذلك أيضا ، لأنّ الشفعة استحقّها البائع الجاهل ، لسبق عقد الشفعة على عقده ، فلا يستحقّها الآخر ، لامتناع استحقاق المستحقّين شيئا واحدا.

ولو كان الجاهل قد باع نصف نصيبه وقلنا بالشفعة مع الكثرة ، فوجهان :

أحدهما : أنّه تسقط الشفعة ـ وهو أحد قولي الشافعي (٣) ـ كما إذا عفا‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩١.

(٢) كذا.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩١ ـ ١٩٢.

٣٢٨

عن بعض الشفعة.

والثاني : لا تسقط ، لأنّه قد بقي من نصيبه ما يستحقّ به الشفعة في جميع المبيع لو انفرد كذا إذا بقي. ولأنّه معذور بجهله ، وقد بقيت الحاجة ـ الموجبة للشفعة ـ للمشاركة (١).

ولو باع الشفيع نصيبه عالما أو وهبه عالما بثبوت الشفعة ، بطلت شفعته ، سواء قلنا : إنّ الشفعة على الفور أو على التراخي ، لزوال ضرر المشاركة.

ولو باع بعض نصيبه عالما ، فإن قلنا ببطلان الشفعة مع الكثرة ، فكذلك ، لتكثّر الشركاء. وإن قلنا بثبوتها معها ، فالأقرب : البطلان أيضا ، لثبوت التضرّر بالشركة ، فلا أثر للشفعة في زوالها.

ويحتمل عدم البطلان ، لأنّ تضرّر الشركة قد يحصل مع شخص دون آخر ، ولهذا قلنا : إنّه إذا بلغه أنّ المشتري زيد فترك الشفعة ثمّ بان أنّه عمرو ، لم تبطل شفعته ، كذا هنا.

أمّا لو طالب بالشفعة فامتنع عليه المشتري من الدفع بعد أن بذل المال ، لم تسقط شفعته.

فإن باع نصيبه حالة المنع منها ثمّ تمكّن من الطلب ، ففي ثبوته إشكال ينشأ : من استحقاقه للطلب أوّلا وقد طلب ، فلا تبطل شفعته بالبيع ، والبيع معذور فيه ، لإمكان حاجته ، ومن بطلان العلّة الموجبة للشفعة ، وهي الشركة. وهو أقرب.

ولو تملّك بالشفعة فقال : تملّكت بالشفعة ، حالة منع المشتري منها ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩١ ـ ١٩٢.

٣٢٩

فالأقرب : أنّه يملك الشقص بذلك ، فإذا باع نصيبه بعد ذلك ، لم تسقط شفعته على هذا التقدير قطعا. وكذا له النماء من المشتري والأجرة.

مسالة ٧٩٦ : إذا وجبت الشفعة واصطلح الشفيع والمشتري على تركها بعوض‌ ، صحّ عندنا ، وسقطت الشفعة ـ وبه قال مالك (١) ـ لعموم جواز الصلح. ولأنّه عوض على إزالة ملك في ملك ، فجاز ، كأخذ العوض على تمليك امرأته أمرها في الخلع.

وقال أبو حنيفة والشافعي : لا تصحّ المعاوضة ، لأنّه خيار لا يسقط إلى مال ، فلا يجوز أخذ العوض عنه ، كخيار المجلس (٢).

وهل تبطل الشفعة؟ للشافعي وجهان :

أحدهما : البطلان ، لأنه تركها بعوض لا يسلم له ، فكان كما لو تركها.

والثاني : لا تسقط ، لأنّه لم يرض بإسقاطها مجّانا ، وإنّما رضي بالمعاوضة عنها ، فإذا لم تثبت له المعاوضة ، كانت الشفعة باقية (٣).

وهذان الوجهان جاريان في الردّ بالعيب إذا عاوض عنه وقلنا : لا تصحّ المعاوضة.

وعندنا أنّه تصحّ المعاوضة أيضا.

مسالة ٧٩٧ : إذا وجبت الشفعة في شقص فقال صاحب الشفعة : أخذت نصف الشقص ، لم يكن له ذلك.

__________________

(١) المغني والشرح الكبير ٥ : ٤٨٢.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٥٣ ، المغني ٥ : ٤٨٢ ـ ٤٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٨١ ـ ٤٨٢.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٥٣ ـ ٣٥٤.

٣٣٠

وهل تسقط شفعته؟ قال محمّد بن الحسن وبعض الشافعيّة : نعم ، لأنّه إذا طلب بعضها ، فقد أخّر بعضها ، فقد ترك شفعته في بعضها ، وإذا ترك بعضها ، سقطت كلّها ، لأنّها لا تتبعّض (١).

وقال أبو يوسف : لا تسقط ، لأنّ اختياره لبعضها طلب للشفعة ، فلا يجوز أن يكون هو بعينه تركا لها ، لعدم دلالة الشي‌ء على نقيضه. ولأنّه لمّا لم يجز له أن يأخذ بعضها دون بعض كان طلب بعضها كطلب جميعها (٢).

واعترض : بأنّ طلب البعض لا يكون طلبا للجميع ، ولا معنى لطلب الجميع بطلب البعض ، ولا غرض ، فتسقط (٣).

البحث السابع : في تفاريع القول بالشفعة مع الكثرة.

مسالة ٧٩٨ : اختلف القائلون بثبوت الشفعة مع الكثرة ـ من أصحابنا ومن العامّة ـ هل هي على عدد الرءوس أو على قدر الأنصباء؟

فذهب بعض علمائنا إلى أنّها تثبت على عدد الرجال (٤) ، فلو كان لأحد الشركاء النصف وللباقين النصف الآخر بالسويّة فباع صاحب الربع نصيبه ، كانت الشفعة بين صاحب النصف وصاحب الربع بالسويّة ـ وبه قال‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٢ ، المغني ٥ : ٤٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٨٩ ـ ٤٩٠.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٣ ، المغني ٥ : ٤٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٠.

(٣) المغني ٥ : ٤٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٠.

(٤) كما في المبسوط ـ للطوسي ـ ٣ : ١١٣ ، ونسبه الفاضل الآبي في كشف الرموز ٢ : ٣٩٣ إلى ابن الجنيد.

٣٣١

الشعبي والنخعي وابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبو حنيفة وأصحابه والمزني والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين (١) ـ لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « الشفعة على عدد الرجال » (٢).

ولأنّ كلّ واحد منهم لو انفرد ، كان له أخذ الكلّ ، فإذا اجتمعوا اشتركوا ، كالبنين في الميراث ، وكما لو كان لواحد من الثلاثة نصف عبد وللثاني ثلثه وللثالث سدسه فأعتق صاحب الثلث والسدس حصّتهما معا دفعة وهما موسران ، فإنّ النصف يقوّم عليهما بالسويّة وإن اختلف استحقاقهما.

وقال بعض علمائنا : إنّها تثبت على قدر النّصب (٣) ـ وبه قال عطاء ومالك وإسحاق وأحمد في الرواية الأخرى والشافعي في القول الآخر ، وهو مذهب سوار القاضي وعبيد الله بن الحسن العنبري (٤) ـ لأنّه حقّ يستفاد بسبب الملك ، فكان على قدر الأملاك كالغلّة.

__________________

(١) المغني ٥ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٠ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٤ : ٢٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٨ ، ١٩٦٥ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٨ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٦٢ ، الوسيط ٤ : ٩٤ ، الوجيز ١ : ٢١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ و ٥٢٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٢ ، المحلّى ٩ : ٩٨ ـ ٩٩ ، الاستذكار ٢١ : ٢٨١ ، ٥ ـ ٣١٣٧٤.

(٢) الفقيه ٣ : ٤٥ ، ١٥٦ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ ، ٧٣٦ ، الاستبصار ٣ : ١١٦ ـ ١١٧ ، ٤١٦.

(٣) كما في المبسوط ـ للطوسي ـ ٣ : ١١٣ ، والمهذّب ـ لابن البرّاج ـ ١ : ٤٥٣.

(٤) المغني ٥ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٦٠ ، الاستذكار ٢١ : ٢٨٠ ، ٣١٣٧٠ ، و ٢٨١ ، ٣ ـ ٣١٣٧٢ ، المعونة ٢ : ١٢٦٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٨ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩١ ـ ٢٩٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٦٢ ، الوسيط ٤ : ٩٤ ، الوجيز ١ : ٢١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ و ٥٢٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٢ ، المحلّى ٩ : ٩٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٨ ، ١٩٦٥ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٤ : ٢٥.

٣٣٢

ثمّ نقضوا الأوّل (١) بالفرسان والرجّالة في الغنيمة ، من انفرد منهم استحقّ الكلّ ، وإذا اجتمعوا تفاضلوا ، وكذا أصحاب الديون إذا كان من عليه الدّين ماله مثل أقلّ الديون ، والمعتقان استويا ، لأنّ العتق إتلاف النصيب الباقي ، وسبب الإتلاف يستوي فيه القليل والكثير ، كالنجاسة تقع في المائع ، وهنا يستحقّ بسبب الملك ، فافترقا (٢).

والفرق ظاهر ، فإنّ الفرس كالفارس ، فلا تفاضل في الحقيقة ، والدّين كالكسب الحاصل لأرباب الديون ، فكانوا فيه على قدر رءوس أموالهم.

إذا ثبت هذا ، فإن قلنا : الشفعة على عدد الرءوس ، فلا بحث.

وإن قلنا : على قدر الأنصباء ، فلو كان لأحدهما النصف وللآخر الربع والمبيع الربع ، استحقّ صاحب النصف ثلثي المبيع ، وصاحب الربع ثلثه ، فتقسّم الجملة من اثني عشر ، لصاحب النصف ثمانية ، ولصاحب الربع أربعة ، فقد صار لأحدهما الثلثان وللآخر الثلث.

مسالة ٧٩٩ : إذا تزاحم الشركاء ، فالأقسام ثلاثة :

الأوّل : أن يتّفقوا على الطلب ، فإن كانوا حاضرين بأجمعهم حالة البيع ، فتثبت بينهم الشفعة على عدد الأنصباء أو على عدد الرءوس ، فلو كانت الدار بين أربعة بالسويّة باع أحدهم نصيبه ، كان للثلاثة الباقية أخذها بالشفعة ، فتصير الدار أثلاثا بعد أن كانت أرباعا.

الثاني : أن لا يكونوا بأجمعهم حاضرين فإمّا أن يكونوا بأجمعهم غيّابا أو بعضهم ، وعلى كلا التقديرين لا تسقط شفعة الغائب بغيبته مع التأخّر ، لمكان العذر. فإن قدموا بأجمعهم ، فحكمهم حكم الحاضرين.

__________________

(١) أي القول الأوّل.

(٢) راجع المغني ٥ : ٥٢٣ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٩١.

٣٣٣

وإن حضر بعضهم ، فحكمه حكم ما إذا غاب البعض خاصّة.

إذا ثبت هذا ، فإن كان الحاضر واحدا أو قدم بعد غيبة الجميع ، فليس له أخذ حصّته فقط ، لما فيه من التبعيض ، والشفعة وضعت لإزالته ، فلا تكون سببا فيه. ولما فيه من تضرّر المشتري ، ولا يكلّف الصبر إلى حضور الغيّاب ، لأنّه إضرار به وبالمشتري ، بل يأخذ الجميع ، لأنّ الحاضر هو المستحقّ للجميع بطلبه ، والغيّاب لم يوجد منهم مطالبة بالشفعة ، فحينئذ إمّا أن يأخذ الحاضر الجميع أو يترك.

ولو كان الحاضر اثنين أو قدم اثنان ، تساويا في أخذ الجميع أو الترك.

الثالث : أن يطلب بعض الشركاء ويعفو بعضهم ، فالطالبون بالخيار بين أخذ الكلّ أو تركه ولو كان الباقي واحدا ، لأنّ الشفعة إنّما تثبت بسوء المشاركة ومئونة القسمة ، فإذا أراد أن يأخذ من المشتري بعض الشقص ، لم يزل الضرر الذي لأجله تثبت الشفعة. ولأنّ الشفعة إنّما تثبت لإزالة الضرر عنه ، وفي تبعيض الشقص إضرار بالمشتري ، فلا يزال الضرر بإلحاق ضرر.

مسالة ٨٠٠ : ليس للشفيع تشقيص الشفعة‌ ، بل إمّا أن يأخذ بالجميع (١) أو يترك الجميع ، لما في التشقيص من الإضرار بالمشتري.

إذا ثبت هذا ، فلو عفا عن بعض الشفعة ، سقطت شفعته ، كالقصاص ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

والثاني : لا يسقط شي‌ء ، كعفوه عن بعض حدّ القذف.

__________________

(١) في « س ، ي » : « الجميع ».

٣٣٤

والثالث : يسقط ما عفا عنه ، ويبقى الباقي (١).

قال الصيدلاني منهم : موضع هذا الوجه ما إذا رضي المشتري بتبعيض الصفقة ، فإن أبى وقال : خذ الكلّ أو دعه ، فله ذلك (٢).

وقال الجويني : هذه الأوجه إذا لم نحكم بأنّ الشفعة على الفور ، فإن حكمنا به ، فطريقان : منهم من قطع بأنّ العفو عن البعض تأخير لطلب الباقي ، ومنهم من احتمل ذلك إذا بادر إلى طلب الباقي ، وطرّد الأوجه (٣) (٤).

إذا تقرّر هذا ، فنقول : إذا استحقّ اثنان شفعة فعفا أحدهما عن حقّه ، سقط نصيب العافي ، ويثبت جميع الشفعة للآخر ، فإن شاء أخذ الجميع ، وإن شاء تركه ، وليس له الاقتصار على قدر حصّته ، لئلاّ تتبعّض الصفقة على المشتري ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

والثاني : أنّه يسقط حقّهما ـ وهو اختيار ابن سريج ـ كالقصاص.

والثالث : لا يسقط حقّ واحد منهما تغليبا للثبوت.

والرابع : يسقط حقّ العافي ، وليس لصاحبه أن يأخذ إلاّ قسطه ، وليس للمشتري إلزامه بأخذ الجميع (٥).

هذا إذا ثبتت الشفعة لعدد ابتداء ، ولو ثبتت لواحد فمات عن اثنين فعفا أحدهما ، فهل له كما لو ثبتت لواحد فعفا عن بعضها ، أم كثبوتها‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٤.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الوجه » بدل « الأوجه ». وما أثبتناه من « روضة الطالبين ». وبدلها في « العزيز شرح الوجيز » : « الوجوه ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.

٣٣٥

لاثنين عفا أحدهما؟ للشافعيّة وجهان (١).

تذنيب : لو كان للشقص شفيعان فمات كلّ عن اثنين فعفا أحدهم عن حقّه ، فللشافعيّة وجوه :

أ ـ أنّه يسقط جميع الشفعة.

ب ـ يبقى جميع الشفعة للأربعة ، لبطلان العفو.

ج ـ يسقط حقّ العافي وأخيه خاصّة ، لاتّحادهما في سبب الملك ، ويأخذه الآخران.

د ـ ينتقل حقّ العافي إلى الثلاثة ، فيأخذون الشقص أثلاثا.

هـ ـ يستقرّ حقّ العافي للمشتري ، ويأخذ الثلاثة ثلاثة أرباع الشقص.

و ـ نتقل حقّ العافي إلى أخيه فقط (٢).

وعلى ما اخترناه نحن قبل ذلك فالوجه المعتمد هو الخامس من هذه الوجوه.

مسالة ٨٠١ : لو مات عن اثنين وله دار ، فهي بينهما بالسويّة‌ ، فلو مات أحدهما وورثه ابنان له فباع أحدهما نصيبه فإنّ الشفعة تثبت لأخيه وعمّه ـ وبه قال الشافعي في الإملاء ، قال : وهو القياس ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد والمزني (٣) ـ لأنّهما شريكان حال ثبوت الشفعة ، فكانت الشفعة بينهما ، كما لو ملك الثلاثة بسبب واحد.

وقال في القديم : أنّ أخاه أحقّ بالشفعة ـ وبه قال مالك ـ لأنّ الأخ‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٢ ـ ٥٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٤ ـ ١٨٥.

(٣) المغني ٥ : ٥٢٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٨ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٩ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٦٢ ، الوسيط ٤ : ٩٤ ـ ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٣.

٣٣٦

أخصّ بشركته من العمّ ، لاشتراكهما في سبب الملك ، ولهذا لو قسّمت الدار ، كانا حزبا والعمّ حزبا آخر (١).

ولا معنى (٢) للاختصاص ، لأنّ الاعتبار بالشركة لا بسببها. وأمّا القسمة فإنّ القاسم يجعل الدار أربعة أجزاء : اثنان للعمّ ، ولكلّ واحد جزء ، كما يفعل ذلك في الفرائض.

فروع :

أ ـ لو قلنا : تختصّ بالأخ ـ كما هو أحد قولي الشافعي ـ لو عفا عن الشفعة ، ففي ثبوتها للعمّ عند الشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّها لا تثبت ، لأنّه لو كان مستحقّا ، لما تقدّم عليه غيره.

والثاني : تثبت له ، لأنّه شريك ، وإنّما يقدّم الأخ لزيادة قربه ، كما أنّ المرتهن يقدّم في المرهون على باقي الغرماء ، فلو أسقط حقّه ، أمسكه الباقون (٣).

ب ـ هذا الحكم لا يختصّ بالأخ والعمّ ، بل في كلّ صورة ملك شريكان عقارا بسبب واحد ، وغيرهما من الشركاء بسبب آخر ، فلو اشترى نصف دار واشترى آخران النصف الآخر ثمّ باع أحد الآخرين نصيبه ، فهل‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٨ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٦ ، حلية العلماء ٥ : ٣٠٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٦٣ ، الوسيط ٤ : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٣ ، المغني ٥ : ٥٢٤.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فلا معنى ». والظاهر ما أثبتناه حيث إنّه ردّ على الشافعي في قوله القديم.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٨ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٦ ، حلية العلماء ٥ : ٣٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٨ ـ ٥٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٣.

٣٣٧

الشفعة للآخر الذي يشاركه في الشراء خاصّة ، أو له وللأوّل صاحب النصف؟ للشافعي قولان ، لاختلاف سبب الملك (١).

وكذا لو ورث ثلاثة دارا فباع أحدهم نصيبه من اثنين وعفا الآخر ثمّ باع أحد المشتريين نصيبه ، فهل تثبت الشفعة للمشتري الآخر أم [ للكلّ ] (٢)؟ على القولين (٣).

ج ـ لو مات صاحب عقار وخلّف ابنتين وأختين ، فالمال بأجمعه ـ عندنا ـ للبنتين.

وعند العامّة للبنتين الثلثان ، وللأختين الثلث.

فلو باعت إحدى الأختين نصيبها ، فهل تثبت الشفعة لأختها أو لها وللبنتين؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّ ذلك مبنيّ على القولين اللّذين ذكرناهما ، لاختلاف سبب الملك.

والثاني : [ أنّهنّ يشتركن ] (٤) في الشفعة قولا واحدا ، لأنّ السبب واحد ـ وهو الميراث ـ وإن اختلف قدر الاستحقاق (٥).

__________________

(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٣.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة بدل « للكلّ » : « لذلك ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٨ ـ ٣٨٩ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٦٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣٠٠.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أنّهم يشتركون ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٣.

٣٣٨

د ـ لو مات الرجل عن ثلاثة (١) بنين وخلّف دارا ثمّ مات أحدهم وخلّف ابنين فباع أحد العمّين نصيبه ، فهل يكون العمّ الآخر أحقّ بالشفعة ، أو يشترك هو وابنا (٢) أخيه؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّ ذلك على القولين.

والثاني : أنّهم يشتركون (٣).

والفصل بين هذه وما تقدّم من مسألة الأخ والعمّ : أنّ هنا يقوم أبناء الميّت منهم مقام أبيهم ويخلفونه في الملك ، ولو كان أبوهم باقيا ، شارك أخاه في الشفعة ، فلهذا شاركوه ، وفي مسألة الأخ والعمّ البائع ابن أخيهم ، وهم لا يقومون مقام أخيهم ، وإنّما يقومون مقام أبيهم.

هـ ـ إذا قلنا : إنّ الشفعة للجماعة ، قسّم بينهم إمّا على قدر النصيب أو على عدد الرءوس.

فإن قلنا : إنّ الشفعة لشريكه في النصيب دون غيره ، فلو عفا عن الشفعة ، فهل تثبت للشريك الآخر؟ للشافعيّة وجهان ، أحدهما : أنّها (٤) تثبت (٥) ، لأنّه شريكه ، وإنّما يقدّم عليه من كان أخصّ بالبائع ، فإذا عفا ، ثبتت للشريك الآخر ، كما لو قتل واحد جماعة واحدا بعد واحد ، ثبت القصاص للأوّل ، فإذا عفا الأوّل ، ثبت القصاص للثاني ، كذا هنا (٦).

مسالة ٨٠٢ : قد ذكرنا أنّه إذا قدم واحد من الأربعة وتخلّف اثنان وكان‌

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ثلاث » وما أثبتناه هو الصحيح.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ابني ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « أنّه ». وما أثبتناه لأجل السياق.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لا تثبت » بزيادة « لا ». والصحيح ما أثبتناه.

(٦) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

٣٣٩

الرابع قد باع نصيبه أو كان واحد من الثلاثة حاضرا ، فإنّه إمّا أن يأخذ الجميع أو يترك الجميع ، وليس له أخذ نصيبه ، لما فيه من تضرّر المشتري.

فإن أخذ الجميع ثمّ قدم ثان ، أخذ منه النصف ، لأنّه لا شفيع الآن غيرهما ، ووجدت المطالبة منهما دون الثالث ، فكانت الشفعة بينهما ، فإن قدم الثالث ، أخذ منهما الثلث ليكونوا سواء ، فإن عفا الثاني ، استقرّ على الأوّل ، وإن عفا الثالث ، استقرّ عليهما.

ولو كان للشقص غلّة حصلت في يد الأوّل ، لم يشاركه الثاني فيها ، لأنّه ملك الجميع بالأخذ ، وقد حصل النماء في ملكه ، فكانت كما لو انفصلت في يد المشتري قبل الأخذ بالشفعة.

وكذا إن أخذ الثاني وحصلت الغلّة في يده ، لم يشاركه الثالث فيها.

ولو خرج الشقص مستحقّا ، قال أكثر الشافعيّة : إنّ العهدة على المشتري يرجع الثلاثة عليه ، ولا يرجع أحدهم على الآخر ، لأنّ الشفعة [ ليست ] (١) مستحقّة عليهم (٢).

وقال بعض الشافعيّة : يرجع الثاني على الأوّل ، والثالث يرجع عليهما ، والأوّل يرجع على المشتري ، لأنّ الثاني أخذ من الأوّل ودفع الثمن إليه (٣).

وقال بعض الشافعيّة : هذا الخلاف في الرجوع بالمغروم من اجرة ونقص قيمة الشقص ، فأمّا الثمن فكلّ يستردّ ما سلّمه ممّن سلّمه إليه‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٥ ـ ١٨٦.

٣٤٠