تذكرة الفقهاء - ج ١٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٣٩٢

الشراء له ، والشفعة عليه. وإن كذّبه ، حكم بأنّ الشراء للمدّعى عليه ، وأخذ منه بالشفعة.

وإن كان غائبا ، أخذه الحاكم منه ، ودفعه إلى الشفيع ، وكان الغائب على حجّته إذا قدم ، ولا تؤخّر الشفعة إلى حضور الغائب ، لما فيه من إسقاط الشفعة ، إذ لكلّ مشتر الالتجاء إلى دعوى الشراء للغائب. ولأنّ الغائب إمّا مصدّق أو مكذّب ، وعلى التقديرين يستحقّ الشفيع الشفعة إمّا عليه أو على الحاضر.

وإن قال : اشتريته لطفل هو ابني أو لي عليه ولاية ، فالأقرب : ثبوت الشفعة إن ثبت الشراء المطلق ، وإلاّ فلا.

أمّا على التقدير الأوّل : فلأنّ الشراء موجب للشفعة على كلّ مشتر ، سواء كان طفلا أو لا.

وأمّا على التقدير الثاني : فلأنّ الملك للطفل ، ولا تجب الشفعة بإقرار الوليّ عليه ، لاشتمال ذلك على إيجاب حقّ في مال الصغير بإقرار الوليّ.

وللشافعي قولان :

أحدهما : أنّه إذا أضاف الشراء إلى من له عليه ولاية ، تثبت ، لأنّ المقرّ يملك الشراء ، فصحّ إقراره فيه ، كما يصحّ في حقّ نفسه.

والثاني : لا تثبت ، إذ لا يقبل إقرار الوليّ في حقّ الطفل (١).

تذنيب : إذا ادّعى عليه الشفعة [ فيما بيده ] (٢) فقال : هذا الشقص لفلان الغائب أو لفلان الصغير ، لم تثبت الشفعة إلى أن يقدم الغائب ويبلغ‌

__________________

(١) المغني ٥ : ٥١٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٠.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « في يده ». والظاهر ما أثبتناه.

٣٠١

الصغير فيطالبهما بذلك ، ولا يسأل المقرّ عن سبب ملك الغائب والصغير ، لأنّ إقراره بعد ذلك يكون إقرارا في ملك الغير ولا يقبل ، ويفارق إذا أقرّ بالشراء ابتداء ، لأنّ الملك ثبت لهما بذلك الإقرار ، فيثبت جميعه.

مسالة ٧٧١ : لو قال المشتري : إنّي اشتريت الشقص بألف‌ ، فدفع الشفيع إليه الألف وأخذ الشقص بالشفعة فادّعى البائع أنّه باع الشقص بألفين ، قضي له بالألفين ، عملا بالبيّنة ، ولم يكن للمشتري الرجوع على الشفيع بما زاد على الألف ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لاعتراف المشتري بكذب بيّنة البائع ، وأنّه قد ظلمه في الزيادة ، فلم يحكم له بها ، وإنّما حكمنا للبائع بها ، لأنّه لم يكذّبها.

وقال أبو حنيفة : يأخذ الشفيع بالألفين ، لأنّ الحاكم إذا حكم عليه بالبيّنة ، فقد أبطل إقراره ، وثبت أنّ البيع كان بألفين (٢).

ونمنع كذب المشتري ، وإبطال الحاكم إقراره في حقّ البائع لا يقتضي إبطاله في حقّ نفسه.

ولو قال المشتري : صدقت البيّنة وقد كنت نسيت (٣) الثمن ، لم يقبل قوله ، لأنّه رجوع عن إقرار تعلّق به حقّ غيره ، فلا يقبل ، كما لو أقرّ الإنسان بشي‌ء ثمّ قال : نسيت ، هو دونه ، لم يقبل.

مسالة ٧٧٢ : لو ادّعى كلّ من الشريكين أنّ له الشفعة على صاحبه فيما في يده‌ ، رجعنا إليهما وقلنا : متى ملكتما؟ فإن قالا : ملكنا دفعة واحدة ، فلا شفعة ، لعدم السبق الذي هو شرط الأخذ بالشفعة.

__________________

(١) المغني ٥ : ٥٢٠ ـ ٥٢١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٦.

(٢) المغني ٥ : ٥٢١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٦.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أنسيت ». وهو غلط.

٣٠٢

ولو ادّعى كلّ منهما السبق ، فقد تقدّم حكمه ما لو أقاما بيّنتين أو أقام أحدهما خاصّة.

ولو لم يكن لأحدهما بيّنة ، نظر إلى السابق بالدعوى فقدّمنا دعواه ، وكان القول قول الآخر مع يمينه ، لأنّه منكر ، فإذا حلف ، استحقّ نصيبه بالشفعة ، ولم تسمع دعواه على الأوّل ، لأنّ ملكه الذي يستحقّ به الشفعة قد زال.

مسالة ٧٧٣ : لو ادّعى أحد الشريكين أنّه قد باع حصّته على زيد فأنكر زيد‌ ، قدّم قول المنكر ـ وهو زيد ـ مع اليمين وعدم البيّنة ، فإن صدّق الشفيع شريكه على البيع ، وطلب الشفعة وبذل الثمن ليأخذ الشقص ، فالأقرب : ثبوت الشفعة في حقّ البائع للشريك ـ وهو أحد قولي الشافعي ، وقول أبي حنيفة وأحمد (١) ـ لأنّ البائع أقرّ بحقّ للمشتري ، وحقّ للشفيع ، وقد سقط حقّ المشتري بإنكاره ، فلا يسقط حقّ الشفيع ، كما لو أقرّ بحقّ لاثنين فردّه أحدهما.

والقول الثاني للشافعي : [ لا ] (٢) لأنّه لا شفعة هنا ـ وبه قال مالك ـ لأنّ الشفعة فرع على البيع ، فإذا لم يثبت البيع ، لم تثبت الشفعة ، فإنّ النسب إذا لم يثبت بإقرار أحد الورثة ، لم يثبت الميراث (٣).

والفرق : أنّ النسب يتضمّن حقّا له وحقّا عليه ، فإذا لم يثبت ما له ، لم يثبت ما عليه ، وهنا يثبت ما له ، وهو الثمن ، فتثبت.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١ ، المغني ٥ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٨.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١ ، المغني ٥ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٨.

٣٠٣

إذا عرفت هذا ، فإن قلنا : لا تثبت الشفعة ، فللبائع مخاصمة المشتري وإحلافه ، فإن حلف ، سقطت الدعوى. وإن نكل ، حلف البائع ، ويثبت البيع ، وتثبت فيه الشفعة.

وهل للشفيع دون البائع إحلاف المشتري؟ الأقرب ذلك.

وكذا للشفيع إحلاف المشتري لو ملك (١) البائع.

ولو حلف المشتري للبائع ، فهل عليه أن يحلف للشفيع؟ الأقرب ذلك ، لأنّه مدّع آخر ، فإن حلف ، سقطت الشفعة ، ولا تسقط بحلف المشتري للبائع. وإن نكل ، حلف الشفيع ، وكان حكمه مع البائع حكم الشفيع لو لم يقرّ المشتري بالبيع وأقرّ البائع.

وأمّا إن قلنا : تثبت الشفعة ، فإن رضي البائع بتسليم الشقص إلى الشفيع وأخذ الثمن منه ، كانت العهدة عليه ولا كلام. وإن قال : أنا أطالب المشتري بتسليم الثمن وبتسليم المبيع ، فهل له ذلك؟ فيه وجهان :

أحدهما : ليس له ذلك ، لأنّه قد حصل له مقصود دعواه من جهة الشفيع ، فلا حاجة له إلى المخاصمة.

والثاني : له ذلك ، لأنّه قد يكون له غرض بأن تكون معاملة المشتري أحبّ إليه في حقوق العقد وفي الدرك.

فإن قلنا : لا يخاصم المشتري ، دفعه إلى الشفيع ، وأخذ الثمن.

لا يقال : أليس لو ادّعى على رجل بدين ، فقال رجل : أنا أدفع إليك الذي تدّعيه ولا تخاصمه ، لم يلزمه قبوله ، فهلاّ (٢) قلتم هنا : لا يلزمه قبول الثمن من الشفيع؟

__________________

(١) كذا ، والظاهر « هلك » بدل « ملك ».

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فألاّ » بدل « فهلاّ » والصحيح ما أثبتناه.

٣٠٤

لأنّا نقول : الفرق ثبوت المنّة في قبول الدّين من الدافع إليه تبرّعا ، وهنا بخلافه.

وإن قلنا : له مخاصمة المشتري ، فإن حلف ، سقطت دعواه عنه ، وأخذه الشفيع ، وكانت العهدة على البائع. وإن نكل ، حلف البائع ، وثبت (١) الشراء ، وطولب بالثمن ، وكانت الشفعة عليه ، والعهدة للشفيع.

وأمّا إن كان البائع يدّعي البيع ويقرّ بقبض الثمن والمشتري ينكر ، فهل تثبت الشفعة؟ قال بعض الشافعيّة : لا تثبت ، لأنّها لو ثبتت ، لكان الشفيع يأخذه بغير عوض ، وذلك لا يثبت له ، كما لا تثبت له الشفعة في الهبة (٢).

وقال بعضهم : تثبت الشفعة ، لأنّه قد أقرّ بالشفعة ، فلزمه ، ويأخذه الشفيع (٣).

ويكون في الثمن ما تقدّم (٤) إمّا أن يأخذه المشتري أو يبرئ ، وإمّا أن يحفظه الحاكم ، وإمّا أن يبقى في ذمّة الشفيع.

مسالة ٧٧٤ : لو أثبتنا الشفعة مع الكثرة ـ كما هو رأي بعض علمائنا والعامّة (٥) ـ إذا كانت دار بين أربعة ، فباع أحدهم نصيبه من أجنبيّ فادّعى المشتري على أحدهم أنّه عفا ، وشهد له الشريكان الآخران ، قبلت شهادتهما إن كانا قد عفوا (٦) عن الشفعة ، لأنّهما لا يجرّان بهذه الشهادة نفعا إلى أنفسهما. وإن لم يكونا قد عفوا ، لم تسمع شهادتهما ، لأنّهما يجرّان‌

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « يثبت ».

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٤) في ص ٢٩٦ ، ضمن المسألة ٧٦٨.

(٥) تقدّم في ص ٢٠٢ ، ضمن المسألة ٧٠٦.

(٦) في النسخ الخطّيّة والحجريّة هنا وفيما يأتي : « عفيا » فصحّحناه بما ترى.

٣٠٥

إلى أنفسهما استحقاق جميع المبيع.

ولو شهدا بالعفو قبل أن يعفوا فردّت شهادتهما ثمّ عفوا وشهدا ، لم تقبل ، لأنّ الشهادة إذا ردّت للتهمة ثمّ زالت التهمة ، لم تقبل الشهادة ، كما لو شهد الفاسق فردّت شهادته فتاب ثمّ أقامها ، لم تسمع.

ولو شهدا بعد أن عفا أحدهما ، سمعت شهادة العافي ، وحلف معه الذي لم يعف ، وسقطت شفعة المشهود عليه. وإن عفا الآخر بعد ما شهد ، حلف المشتري مع الشاهد ، وأخذ جميع الشقص.

فرعان :

أ ـ لو شهد البائع على الشفيع بالعفو ، فإن كان قبل قبضه الثمن ، لم تقبل شهادته ، لأنّه يجرّ إلى نفسه نفعا ، وهو أن يفلس المشتري فيرجع إليه دون الشفيع. وإن كان بعد قبضه الثمن ، قبلت ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : لا تقبل ، لأنّه ربّما توقّع العود إلى العين بسبب ما (١).

ب ـ لو شهد السيّد على مكاتبه بالعفو عن الشفعة ، قبل ، لأنّ ذلك في الحقيقة شهادة عليه.

ولو شهد بالشراء فيما لمكاتبه الشفعة فيه ، قال بعض الشافعيّة :

تقبل ، ثمّ تثبت فيه الشفعة تبعا ، ولو شهد له بالشفعة ، لم تقبل (٢).

وفيه نظر.

مسالة ٧٧٥ : لو كان ملك بين اثنين أحدهما حاضر والآخر غائب‌ ، ونصيب الغائب في يد وكيله ، فادّعى الحاضر على الوكيل أنّه اشترى نصيب‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٤.

٣٠٦

الغائب وله فيه الشفعة ، وأقام بذلك بيّنة ، فإنّ الحاكم يسمع بيّنته ، ويثبت الشراء والشفعة ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (١).

قال المزني : وهذا قضاء على الغائب بالشراء (٢) ، يريد أنّ الشراء يثبت وهو على الغائب ، فقال بعض (٣) الشافعيّة : إنّه ليس قضاء على الغائب ، وإلاّ احتيج إلى اليمين مع الشهادة.

وهذا الفرع ساقط عنّا ، لأنّا نحكم على الغائب.

مسالة ٧٧٦ : دار بين أخوين وأجنبيّ أثلاثا فباع الأجنبيّ نصيبه من رجل فطالب أحد الشريكين الأخوين بالشفعة ، فقال المشتري : إنّما اشتريته لأخيك ، فكذّبه وقال : بل اشتريته لنفسك ، فإن صدّقه الذي أقرّ له ، كان الشقص بين الأخوين ، وكذا إن كذّبه وطالب بالشفعة فإن قال : أحلفوه أنّه اشتراه لأخي ، لم يحلف ، لأنّ المدّعي يستحقّ نصفه سواء صدّق أو كذّب.

وقد أثبت أبو العباس من الشافعيّة الشفعة للمشتري في هذا الفرع (٤).

فإن قال أحد الأخوين للمشتري : شراؤك باطل ، وصدّقه الآخر على ( صحّة الشراء ) (٥) كانت الشفعة للمصدّق خاصّة.

وكذا إن قال أحدهما : لم يبعه وإنّما اتّهبه ، وصدّقه الآخر على الشراء ، كانت الشفعة للمصدّق ، لأنّ المكذّب أسقط حقّ نفسه وأقرّ أنّه لا شفعة.

__________________

(١) مختصر المزني : ١٢١ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٤ ، المغني ٥ : ٥١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٠ ـ ٥٣١.

(٢) مختصر المزني : ١٢١.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٢٩٨.

(٤) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٥) بدل ما بين القوسين في « س ، ي » : « صحّته ».

٣٠٧

تذنيب : لو كانت دار في يد رجل فادّعى آخر عليه أنّه يستحقّ سدسها ، فأنكره ثمّ قال له المدّعى عليه : خذ منّي السدس الذي ادّعيته بسدس دارك ، فإذا فعل هذا ، صحّ ، ووجبت الشفعة في كلّ واحد من الشقصين للشفيع ، عند الشافعي (١).

وعندنا لا تثبت الشفعة وإن كان له ، وليس ذلك صلحا على الإنكار ، لأنّ المدّعى عليه باع المدّعى ، دون المدّعي.

مسالة ٧٧٧ : لو كان في يد اثنين دار بالشركة بينهما‌ ، فادّعى أحدهما على الآخر بأنّ النصف الذي في يده اشتراه من زيد ، وصدّقه زيد على ذلك ، وقال الشريك : ما اشتريته وإنّما ورثته من أبي ولا شفعة لك ، فأقام الشفيع شاهدين شهدا بأنّ زيدا ملك هذا الشقص ميراثا عن أبيه ، لم يشهدا بأكثر من ذلك ، قال محمّد بن الحسن : تثبت الشفعة للشفيع ، ويقال له : إمّا أن تدفع الشقص إليه وتأخذ الثمن ، أو تردّه على البائع ليأخذه الشفيع من البائع ويأخذ الثمن يدفعه إليك ، لأنّ الشاهدين يشهدان لزيد بالملك ، وزيد يقرّ أنّ المشتري قد ملكه منه بالشراء ، فكأنّهما شهدا لزيد بالملك ، وعليه بالبيع (٢).

قال ابن سريج من الشافعيّة : هذا غلط ، ولا شفعة لهذا المدّعي بذلك ، لأنّ البيّنة لم تشهد بالبيع. وأمّا إقراره فليس بينه وبين المشتري منازعة فيثبت إقراره ، وإنّما يقرّ على المشتري بالشفعة ، وليست الشفعة من حقوق العقد على البائع ، فيقبل فيها قول البائع. ولأنّ شهادته مقبولة ، لأنّه‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) حكاه عنه الشيخ الطوسي في المبسوط ٣ : ١٦٠.

٣٠٨

يشهد على فعل نفسه.

وقال : هذا بمنزلة أن يحلف رجل أنّي ما اشتريت هذه الدار من زيد ، فيقول زيد : أنا ما بعتها منه ، وقد كانت ملكا لزيد ، فإنّه لا يقبل قوله عليه في الحنث ، كذا هنا (١).

مسالة ٧٧٨ : لو مات شفيع وله وارثان‌ ، فادّعى المشتري أنّهما عفوا عن الشفعة ، ولا بيّنة ، فالقول قولهما في عدم العفو ، فإن حلفا ، تثبت لهما الشفعة ، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر ، لم يحلف المشتري مع نكوله ، لأنّه إذا حلف مع نكوله ، عاد حقّ الشفعة إلى الشريك الحالف ، ولم ينتفع المشتري بيمينه.

ثمّ ينظر في الشريك الحالف ، فإن صدّق شريكه على عدم العفو ، كانت الشفعة بينهما ، ويأخذ الناكل بالتصديق لا بيمين غيره ، ودركه على المشتري. وإن كذّبه ، أحلف الناكل له ، ولا يكون النكول مسقطا ، لأنّ ترك اليمين عذر ، على إشكال. وإن ادّعى أنّه عفا ، حلف هو مع نكوله ، وتثبت الشفعة كلّها له. فإن عفا هذا الحالف بعد يمينه ، كان للمشتري أن يحلف مع نكول الآخر ، لأنّه الآن تسقط عنه الشفعة.

ولو شهد أجنبيّ بعفو أحدهما ، فإن حلف بعد عفو الآخر ، بطلت الشفعة ، وإلاّ أخذ الآخر الجميع.

ولا فرق في هذا الفرع بين أن يكون الشفيعان ورثا الشفعة أو كانا شريكين عند مثبتي الشفعة مع الشركة.

مسالة ٧٧٩ : لو ادّعى على شريكه أنّه اشتراه وله عليه شفعة‌ ، فأنكر‌

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الطوسي في المبسوط ٣ : ١٦٠.

٣٠٩

الشريك الشراء وادّعى الميراث ، قدّم قول الشريك ، لأصالة عدم الشفعة ، وقد سبق (١).

ولو أقام كلّ منهما بيّنة ، قيل : يقرع ، لأنّه مشتبه.

ويحتمل قويّا الحكم ببيّنة الشفيع ، لأنّ القول قول مدّعي الإرث مع اليمين ، فتكون البيّنة بيّنة الآخر.

مسالة ٧٨٠ : لو ادّعى الشفعة فأنكر المدّعى عليه ملكيّة المدّعي‌ ، فالأقرب : القضاء له باليد على ما تقدّم (٢).

ولو ادّعى أحد المتشبّثين الجميع والآخر النصف فقضي له بالنصف باليمين وقضي لصاحب الجميع بالنصف ، لعدم المزاحمة فيه ثمّ باعه مدّعي الكلّ ، لم يكن لمدّعي النصف شفعة إلاّ مع القضاء باليد.

ولو ادّعى عليه أنّه اشترى حصّة الغائب ، التي في يده ، فصدّقه ، احتمل ثبوت الشفعة ، لأنّه إقرار من ذي اليد. وعدمه ، لأنّه إقرار على الغائب ، فإن قضي بالشفعة فقدم الغائب وأنكر البيع ، قدّم قوله مع اليمين ، وانتزع (٣) الشقص ، وطالب بالأجرة من شاء منهما ، ولا يرجع أحدهما على الآخر.

مسالة ٧٨١ : لو قال أحد الوارثين أو أحد الشريكين ـ إن أثبتنا [ الشفعة ] (٤) مع الكثرة ـ : شراؤك باطل‌ ، وقال الآخر : بل هو صحيح ، فالشفعة بأجمعها للمعترف بالصحّة.

__________________

(١) في ص ٢٩٨ ـ ٢٩٩ ، المسألة ٧٦٩.

(٢) في ص ٢٩٥ ، المسألة ٧٦٧.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « وانتزعه ».

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الشركة ». والصحيح ما أثبتناه.

٣١٠

وكذا لو قال : أنت اتّهبته ، أو ورثته ، وقال الآخر : بل اشتريته.

ولو ادّعى المتبايعان غصبيّة الثمن المعيّن ، لم ينفذ في حقّ الشفيع ، بل في حقّهما ، ولا يمين عليه ، إلاّ أن يدّعى عليه العلم ، فيحلف على نفيه.

ولو أقرّ الشفيع والمشتري خاصّة ، لم تثبت الشفعة ، وعلى المشتري ردّ قيمة الثمن على صاحبه ، ويبقى الشقص معه يزعم أنّه للبائع ويدّعي وجوب ردّ الثمن ، والبائع ينكرهما ، فيشتري الشقص منه اختيارا ، ويتبارءان ، وللشفيع في الثاني الشفعة.

ولو أقرّ الشفيع والبائع خاصّة ، ردّ البائع الثمن على المالك ، وليس له مطالبة المشتري ، ولا شفعة.

ولو ادّعى ملكا على اثنين ، فصدّقه أحدهما ، فباع حصّته على المصدّق ، فإن كان المكذّب نفى الملك عنه ، فلا شفعة. وإن نفى دعواه عن نفسه ، فله الشفعة.

مسالة ٧٨٢ : لو أقام المشتري بيّنة على الشفيع بأنّه قد عفا عن الشفعة‌ ، وأقام الشفيع بيّنة بأخذه بالشفعة ، والشقص في يد الشفيع ، فالأقرب : الحكم ببيّنة السابق ، فإن اتّحد أو أطلق التاريخان ، احتمل تقديم بيّنة الشفيع ، لقوّتها باليد ، وبيّنة المشتري ، لزيادة علمها بالعفو.

وأصحّهما عند الشافعيّة : الثاني (١).

وفيه نظر ، فإنّ بيّنة الآخذ تزيد أيضا الشهادة بالأخذ.

مسالة ٧٨٣ : لو خرج الشقص مستحقّا بعد بناء الشفيع فيه وغرسه‌ ، وقلع المستحقّ البناء والغرس ، فالقول فيما يرجع به الشفيع على المشتري‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٣.

٣١١

من الثمن وما نقص من قيمة البناء والغرس وغير ذلك كالقول في رجوع المشتري من الغاصب عليه.

البحث السادس : في مسقطات الشفعة.

مسالة ٧٨٤ : المشهور عند علمائنا أنّ الشفعة على الفور‌ ، فإن أخّر الشفيع الطلب مع عدم العذر ، بطلت شفعته ـ وهو المشهور من أقوال الشافعي (١) ، وهو المذكور في كتبه الجديدة ، وبه قال أبو حنيفة إلاّ أنّه يقدّره بالمجلس (٢) ـ لما رواه العامّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « الشفعة لمن واثبها » (٣).

وعنه عليه‌السلام « الشفعة كنشط العقال إن قيّدت ثبتت ، وإن تركت فاللوم على من تركها » (٤).

ومن طريق الخاصّة : ما رواه عليّ بن مهزيار عن الجواد عليه‌السلام في حديث أنّه حدّ للشفيع مجي‌ء الثمن ثلاثة أيّام إن كان الثمن في البلد ومدّة غيبته ، وثلاثة أيّام بعد حضوره إن كان في غير البلد ، ثمّ قال عليه‌السلام : « فإن‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٦ ـ ٣٨٧ ، الوجيز ١ : ٢٢٠ ، الوسيط ٤ : ٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ٢٨٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٨ ، المغني ٥ : ٤٧٧ و ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٣.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٥١ ـ ٥٢ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٧ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٤ : ٢٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤١ ، ١٩٤٩ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٠ ، حلية العلماء ٥ : ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٤٦ ـ ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٩ ، المغني ٥ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٣ و ٤٧٤.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٧ ، المغني ٥ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٤.

(٤) المغني ٥ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٧ ـ ٥٣٨.

٣١٢

وافاه وإلاّ فلا شفعة له » (١) ولو كانت الشفعة على التراخي ، لم تسقط الشفعة بتأخير الثمن ، بل كانت تفتقر إلى تجديد فسخ ، كما افتقر البائع إذا أخّر المشتري أداء الثمن بعد ثلاثة أيّام.

ولأنّ خيار الشفعة إنّما يثبت لإزالة الضرر عن المال ، فكان على الفور ، كخيار الردّ بالعيب.

والقول الثاني للشافعي : أنّ له الخيار ثلاثة أيّام ، فإن شاء أخذ بالشفعة ، وإن شاء ترك ، فإن خرجت الثلاثة ولم يختر الأخذ ، بطلت شفعته ـ وبه قال ابن أبي ليلى والثوري ـ لأنّ إثبات الخيار على التراخي إضرار بالمشتري ، لأنّ ملكه لا يستقرّ على المبيع ، ولا يتصرّف بعمارته على حسب اختياره ، لأنّه يخاف أن يؤخذ منه فيضيع بعض نفقته ، ولا يمكن جعلها على الفور ، لأنّ الشفيع يحتاج إلى أن يتفكّر وينظر هل الحظّ في الأخذ أو الترك؟ ويتسبّب في تحصيل الثمن ، فإذا جعل على الفور ، أضرّ به ، فلم يكن بدّ من حدّ فاصل ، وليس إلاّ الثلاثة ، كما حدّ بها خيار الشرط عندهم ـ وخيار الحيوان عندنا ـ وهي آخر حدّ القلّة (٢).

وهو يبطل بخيار الردّ بالعيب.

والثالث : أنّه على التراخي لا يسقط إلاّ بإسقاطه والتصريح بالترك ، وليس للمشتري مطالبته بالأخذ أو الترك ـ وبه قال مالك ، إلاّ أنّ عند مالك‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٦٧ ، ٧٣٩.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٧ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٥ : ٢٨٤ ، الوجيز ١ : ٢٢٠ ، الوسيط ٤ : ٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٨ ، المغني ٥ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٣.

٣١٣

في انقطاعه روايتين (١) : إحداهما : أنّها تنقطع بعد سنة. والثانية : تنقطع بأن يمضي عليه من الزمان ما يعلم أنّه تارك لها ـ لأنّ هذا الخيار لا ضرر في تأخيره ، لأنّ المنفعة تكون للمشتري ، وإن أحدث فيه عمارة من بناء أو غرس ، فإنّه يأخذ قيمته ، وما لا ضرر في تأخيره يكون على التراخي ، كخيار القصاص (٢).

ونمنع عدم التضرّر (٣) وقد سبق.

[ و ] الرابع : قال في القديم : إنّه على التراخي لا يسقط إلاّ بإسقاطه ، أو يوجد منه ما يدلّ على إسقاطه ، مثل أن يقول المشتري : يعني هذا الشقص ، أو : بعه لمن شئت ، أو : هبة لي أو لمن شئت ، أو : قاسمني (٤).

وقال بعض الشافعيّة. لا يبطل بهذا ، وللمشتري أن يرفعه إلى الحاكم ، فيقول له : إمّا أن تأخذ أو تدع (٥).

أمّا التراخي : فلما مرّ.

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « روايتان ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤١ ـ ٢٤٢ ، حلية العلماء ٥ : ٢٨٥ و ٢٨٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٥٠ ، الوسيط ٤ : ٩٧ ـ ٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٨ و ٥٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٦٣ ، المعونة ٢ : ١٢٧٤ ، المغني ٥ : ٤٧٧ ـ ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٣.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « الضرر ».

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٦ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٤١ ، حلية العلماء ٥ : ٢٨٥ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٨ ، وانظر : الوسيط ٤ : ٩٨.

(٥) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٨ ، وانظر : المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٦ ـ ٣٨٧ ، وحلية العلماء ٥ : ٢٨٥ ، والوسيط ٤ : ٩٨.

٣١٤

وأمّا المطالبة : فليزول عن المشتري ما يخافه من أخذ الشفيع ، وذلك يمنعه من العمارة والتصرّف على حسب اختياره ، وقد يلزمه على العمارة أكثر ممّا يقوم به ، فيلحقه الضرر.

وليس بجيّد ، لوجود التضرّر مع التراخي.

والخامس : أنّه على التراخي يمتدّ مدّة تتّسع لتأمّل المصلحة في الأخذ (١).

وهو إضرار بالمشتري.

إذا عرفت هذا ، فلو أخّر المطالبة مع عدم العذر ، بطلت شفعته وإن لم يفارق المجلس ، لما تقدّم (٢).

وقال أبو حنيفة : إذا لم يفارق المجلس ، لم تبطل (٣).

مسالة ٧٨٥ : إنّما يحكم بالفوريّة في الشفعة إذا علم الشفيع بالبيع‌ ، فحينئذ إذا أخّر لغير عذر ، بطلت ، أمّا لو لم يعلم بالبيع ، فلا تبطل شفعته وإن مضت سنون كثيرة ، وهو على شفعته إذا علم.

ولو أخبره من يفيد قوله العلم ، كالمعصوم أو عدد التواتر ، فترك المطالبة وقال : لم اصدّق المخبر ، بطلت شفعته ، وعلم (٤) كذبه.

وإن أخبره من لا يفيد خبره العلم ، فإن كان ممّن تثبت الحقوق الشرعيّة بإخباره كالعدلين أو الرجل والمرأتين مع عدالتهم ، سقطت شفعته أيضا ، لأنّ إخبار هؤلاء حجّة في الشرع يعمل بها.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٨.

(٢) في صدر نفس المسألة.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٥١ ـ ٥٢ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٧ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٤ : ٢٦ ، حلية العلماء ٥ : ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٩.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « إذا علم » بدل « وعلم ».

٣١٥

وإن أخبره عدل واحد ، فالأقرب : أنّه لا تسقط شفعته ، لأنّ الواحد لا تقوم به البيّنة ، وهو أحد قولي الشافعي ، ورواه الحسن بن زياد عن أبي حنيفة وزفر (١).

والثاني للشافعي : أنّه تبطل شفعته ، ولا يقبل عذره بعدم التصديق ، لأنّ الواحد حجّة إذا حلف المدّعي معه (٢).

وليس شيئا ، إذ لا يمين هنا ، فإنّه غير عالم فكيف يحلف!؟ فإذا لم يحلف كيف يثبت!؟

ولو أخبره من لا يقبل قوله ـ كالكافر والفاسق والصبي ـ لم تبطل شفعته.

والمرأة كالعبد يقبل قولها ، وتبطل شفعته باختيارها عند الشافعي في أحد قوليه. وفي الثاني : أنّها كالفاسق (٣).

وفي النسوة عنده وجهان بناء على أنّ المدّعي هل يقضى له بيمينه مع امرأتين؟ إن قلنا : لا ، فهنّ كالمرأة ، وإلاّ فكالعدل الواحد (٤).

ولو بلغ هؤلاء عدد التواتر ، بطل حقّه وإن كانوا كافرين أو فسقة ، لثبوت العلم عند خبرهم.

__________________

(١) الوجيز ١ : ٢٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٠ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٤٨٠ ، عيون المسائل : ١٣٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٨٨ و ٢٨٩ ، وفي ص ٢٨٨ نسبة العكس إلى رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة وزفر.

(٢) الوجيز ١ : ٢٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤١ ، حلية العلماء ٥ : ٢٨٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٠.

(٣) حلية العلماء ٥ : ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٠.

٣١٦

ولو أخبره واحد فصدّقه ولم يطلب الشفعة ، بطلت وإن لم يكن عدلا ، لأنّ العلم بذلك قد يحصل بالواحد للقرائن.

مسالة ٧٨٦ : إذا علم بالبيع وجهل استحقاقه للشفعة ، لم تبطل شفعته‌ ، وكان له طلبها بعد العلم. ولو علم الشفعة أيضا ، لم نكلّفه (١) المبادرة على خلاف العادة ، والعدو حال مشيه ولا تحريك دابّته ، بل يمشي على حسب عادته ، بل يرجع (٢) في ذلك كلّه إلى العرف ، فكلّ ما لا يعدّ تقصيرا لا تبطل به الشفعة ، وما يعدّ تقصيرا أو توانيا في الطلب فإنّه مسقط لها.

مسالة ٧٨٧ : لو أخّر الطلب لعذر ، لم تسقط شفعته. والعذر ضربان :

أحدهما : ينتظر زواله عن قرب ، مثل الاشتغال بصلاة واجبة أو مندوبة أو أكل أو قضاء حاجة أو كون في حمّام ، فله الإتمام ، ولا يكلّف قطعها على خلاف العادة ، وهو أصحّ قولي الشافعيّة. والثاني : أنّه يكلّف قطعها حتى الصلاة إذا كانت نافلة (٣).

وعلى الصحيح لو دخل وقت الأكل أو الصلاة أو قضاء الحاجة ، جاز له أن يقدّمها ، فإذا فرغ ، طلب (٤) الشفعة ، ولا يلزمه تخفيف الصلاة الواجبة ولا المندوبة ، ولا يجب عليه الاقتصار على المجزئ.

ولو علم ليلا ، أو كان يريد الصلاة فأصبح إلى الغد ، أو أذّن وأقام وصلّى السنّة ، لم تبطل شفعته. وكذا لو انتظر الجماعة.

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لم يكلّفه ». والصحيح : « لم يكلّف » أو ما أثبتناه.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « ويرجع » بدل « بل يرجع ».

(٣) الوجيز ١ : ٢٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٩.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « يطلب ».

٣١٧

الثاني : ما لا ينتظر زواله عن قرب ، كالمرض والحبس والغيبة.

أمّا المرض فإن منعه من الطلب والتوكيل فيه ، لم تبطل شفعته.

وإن لم يمنعه عن التوكيل فأخّر التوكيل مع إمكانه ، بطلت شفعته ـ وهو أظهر مذاهب الشافعي ـ لأنّه أخّر الطلب مع إمكانه.

والثاني له : لا تبطل شفعته بترك التوكيل ، لأنّه قد يكون له غرض بأن يطالب بنفسه ، لأنّه أقوم بذلك ، أو يخاف الضرر من جهة وكيله بأن يقرّ عليه فيلزمه إقراره برشوة أو غير ذلك ، فكان معذورا في تأخيرها.

والثالث : إن لم يلحقه في التوكيل منّة ولا مئونة ثقيلة (١) ، بطلت ، وإلاّ فلا (٢).

والمعتمد ما قلناه.

نعم ، لو خاف ضررا على ما قلناه أوّلا فأخّر التوكيل ، لم تبطل شفعته.

ولو لم يمكنه التوكيل ولا الطلب وأمكنه الإشهاد على الطلب ، وجب عليه الإشهاد ، فإن أهمل الإشهاد لغير عذر ، بطلت شفعته عند بعض الشافعيّة ، لأنّه قد يترك الطلب للعذر وقد يتركه لغير عذر ، فإذا لم يشهد لم يعلم أنّه لعذر ، فسقطت شفعته.

والثاني ـ وهو الأقوى عندي ـ أنّه لا يحتاج إلى الإشهاد ، لأنّه إذا ثبت عذره ، كان الظاهر أنّه ترك الشفعة لأجل ذلك ، فقبل قوله في ذلك (٣).

وأمّا المحبوس فإن كان حبسه ظلما بغير حقّ أو بحقّ هو عاجز عنه ، فحكمه كالمريض إن لم يمكنه التوكيل ، لم تسقط شفعته. وإن أمكنه‌

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بفعله » بدل « ثقيلة » ، وما أثبتناه من المصادر.

(٢) الوجيز ١ : ٢٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٩.

٣١٨

ولم يفعل ، سقطت.

وللشافعيّة (١) الوجهان السابقان.

ولو كان محبوسا بحقّ يقدر على أدائه ويجب عليه دفعه وهو مماطل به ، فإن وكّل ، جاز. وإن لم يوكّل ، بطلت شفعته ، لأنّه تركها مع القدرة عليها ، وبه قال الشافعي (٢).

وأمّا الغائب فإذا بلغته الشفعة ، فإن أمكنه المسير فسار أو وكّل في الطلب ، لم تسقط شفعته. وإن تعذّر عليه المسير والتوكيل ، فحقّه باق. وإن أمكنه التوكيل فلم يوكّل ، كان على الوجهين في المريض.

إذا ثبت هذا ، فكلّ موضع أخّر لعذر ، فهل يجب عليه أن يشهد على نفسه أنّه على الطلب؟ وجهان تقدّما.

والخوف من العدوّ كالمرض.

وكذا خوف الطريق أو عدم الرفيق مع الحاجة إليه والخوف على ضياع شي‌ء من ماله أعذار.

والمسافر إذا بلغه الخبر ، يخرج طالبا عند بلوغ الخبر ، أو يبعث وكيلا مع أمن الطريق ، وإلاّ انتظر من يعتمد عليه ويثق بالسفر معه فيسافر ، أو يبعث معه الوكيل.

والحرّ والبرد المفرطان اللّذان يتعذّر السير معهما كالخوف.

وإذا لم يشهد على الطلب مع إمكانه ، ففي بطلان الشفعة ما تقدّم من الوجهين.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٩ ـ ٥٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٩.

٣١٩

ولو سار المسافر في الحال طالبا للشفعة ، لم تسقط شفعته بترك الإشهاد ، ولا يكون الإشهاد واجبا. وكذا لو بعث وكيله في الحال ولم يشهد.

وللشافعي قولان (١).

وكذا لو كان حاضرا في البلد فخرج في الحال إلى المشتري أو إلى الحاكم ولم يشهد.

مسالة ٧٨٨ : إذا علم بالشفعة ، مضى إلى المشتري‌ ، ولا يحتاج أن يرفع ذلك إلى الحاكم ، لأنّ الشفعة ثبتت بالنصّ والإجماع ، فلا تفتقر إلى الحاكم ، كمدّة الإيلاء والردّ بالعيب ، وبه قال الشافعي (٢).

فإذا لقي المشتري ، بدأه بالسلام ، لأنّه سنّة. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه » (٣) فيقول : السلام عليكم ، أو : سلام عليك ، أو : سلام عليكم ، ولا تبطل بذلك شفعته.

قال الجويني : ومن غلا (٤) في اشتراط قطع ما هو مشغول به من الطعام وقضاء الحاجة لم يبعد أن يشترط فيه ترك الابتداء بالسلام (٥).

وكذا لا تبطل لو قال عقيب السلام حديثا آخر يتّصل بالسلام ، كقوله : بارك الله لك في صفقة يمينك.

قال الشافعي : لا تبطل الشفعة ، لأنّ ذلك يتّصل بالسلام ، ويكون‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٩.

(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٤ و ٥٤٠.

(٣) حلية الأولياء ٨ : ١٩٩ ، وانظر : الكافي ٢ : ٤٧١ ، ٢.

(٤) في النسخ الخطيّة والحجريّة : « عذر » بدل « غلا ». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩١.

٣٢٠