تذكرة الفقهاء - ج ١٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٣٩٢

مسالة ٧٤٧ : لو كان الثمن مؤجّلا‌ ، مثلا : اشترى الشقص بمائة مؤجّلة إلى سنة ، فللشيخ رحمه‌الله قولان :

أحدهما ـ وهو الأقوى عندي ، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في القديم (١) ـ : أنّ للشفيع الأخذ كذلك بعد إقامة كفيل إذا لم يكن مليّا ، وليس له الصبر والأخذ عند الأجل (٢).

لنا : أنّ الأخذ إنّما يكون بالثمن ، ويجب أن يكون على الشفيع مثل الثمن قدرا ووصفا ، والتأجيل وصف في الثمن. ولأنّ الشفعة على الفور ، وتأخير الطلب إلى الأجل مناف للفوريّة ، وأخذها بالثمن المعجّل إضرار بالشفيع بغير وجه ، فلم يبق إلاّ ما قلنا توصّلا إلى الجمع بين الحقوق كلّها.

وقال الشيخ أيضا : يتخيّر الشفيع بين أن يأخذه ويعجّل الثمن ، وبين أن يصبر إلى أن يحلّ الأجل ثمّ يأخذه بالثمن (٣) ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد (٤) ـ لأنّ ذلك يؤدّي إلى أن يلزم المشتري قبول ذمّة الشفيع ، والذمم لا تتماثل ، ولهذا إذا مات من عليه الدّين المؤجّل ، حلّ الأجل ، ولم ينتقل إلى ذمّة الورثة. وملاءة الأشخاص لا توجب تماثل الذمم ، فإنّها تختلف في كون بعضها أوفى وبعضها أسهل في المعاملة.

__________________

(١) الموطّأ ٢ : ٧١٥ ، ذيل الحديث ٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٩ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣ ، المحلّى ٩ : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، وانظر : روضة الطالبين ٤ : ١٧١ ـ ١٧٢.

(٢) النهاية : ٤٢٥.

(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ٣ : ١١٢ ، الخلاف ٣ : ٤٣٣ ، المسألة ٩ من كتاب الشفعة.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ٢٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٣ ، ١٩٥٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٥٦ ، الوسيط ٤ : ٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١ ـ ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣.

٢٦١

ولأنّ في ذلك تغريرا بالمشتري ، لجواز أن يذهب مال الشفيع قبل حلول الأجل ، فيلزمه غرمه ، ولا يجوز أن يلزمه ذلك ، ولم يحصل له حظّ بهذا البيع.

وهو ممنوع ، لأنّا نلزم الشفيع بكفيل مليّ يرتضيه المشتري ، فاندفع المحذور.

وللشافعي قول ثالث : إنّ الشفيع يأخذه بسلعة قيمتها الثمن إلى سنة ، لأنّه لم يأخذ السلعة بثمن مؤجّل على ما تقدّم ، وإن أخذها بثمن حالّ في الحال أو بعد انقضاء الأجل ، فقد كلّفناه أكثر من الثمن ، لأنّ ما يباع بمائة إلى سنة لا يساويها حالاّ ، ولئلاّ يتأخّر الأخذ ولا يتضرّر الشفيع (١)

وعلى ما اخترناه فإنّما يأخذه بثمن مؤجّل إذا كان مليّا موثوقا به أو (٢) إذا أعطى كفيلا مليّا ، وإلاّ لم يأخذه ، لأنّه إضرار بالمشتري ، وهو أحد قولي الشافعي على تقدير قوله بما قلناه. والثاني له : أنّ له الأخذ على الإطلاق ، ولا ينظر إلى صفته ، ولو أخذه ثمّ مات ، حلّ عليه الأجل (٣).

وعلى قول أبي حنيفة والشيخ والشافعي في الجديد لا يبطل حقّ الشفيع بالتأخير ، لأنّه تأخير بعذر ، ولكن هل يجب تنبيه المشتري على الطلب؟ فيه وجهان ، أحدهما : لا ، إذ لا فائدة فيه. والثاني : نعم ، لأنّه ميسور وإن كان الأخذ معسورا (٤).

ولو مات المشتري وحلّ عليه الثمن ، لم يتعجّل الأخذ على الشفيع ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

٢٦٢

بل هو على خيرته إن شاء أخذ في الحال ، وإن شاء صبر إلى مجي‌ء ذلك المحلّ.

ولو مات الشفيع ، فالخيرة التي كانت له تثبت لورثته.

ولو باع المشتري الشقص قبل أن يحلّ الأجل ، صحّ البيع ، لأنّ الثمن لو كان حالاّ فباع المشتري صحّ بيعه ، فإذا كان مؤجّلا وتأخّر الأخذ ، كان جواز البيع أولى ، ويتخيّر الشفيع بين أن يجيز البيع الثاني ويأخذه بالثمن الثاني وبين أن يفسخه إمّا في الحال أو عند حلول الأجل ، ويأخذه بالثمن الأوّل ، لأنّ ذلك كان له ، ولا يسقط بتصرّف المشتري.

هذا إذا قلنا : إنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ، وهو الظاهر عندهم (١) ، وفيه خلاف ، وإن قلنا بالثالث ، فتعيين (٢) العرض إلى الشفيع وتعديل القيمة [ إلى ] (٣) من يعرفها.

ولو لم يتّفق طلب الشفعة حتى حلّ الأجل ، وجب أن لا يطالب على هذا القول إلاّ بالسلعة المعدلة ، لأنّ الاعتبار في قيمة عوض المبيع بحال البيع ، ألا ترى أنّه إذا باع بمتقوّم ، تعتبر قيمته يوم البيع. وعلى القولين الآخرين لو أخّر الشفعة ، بطل حقّه.

مسالة ٧٤٨ : لو ضمّ شقصا مشفوعا إلى ما لا شفعة فيه في البيع‌ ، مثل أن يبيع نصف دار وثوبا أو عبدا أو غيرهما صفقة واحدة ، بسط الثمن عليهما باعتبار القيمتين ، وأخذ الشفيع الشقص بحصّته من الثمن ، عند علمائنا ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد (٤) ، ولا شفعة في المضموم ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فيتعيّن ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

٢٦٣

لأنّ المضموم لا شفعة فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة ، فلا تثبت فيه الشفعة ، كما لو أفرده.

وقال مالك : تثبت الشفعة فيهما معا. ويروى عنه أيضا أنّه إن كان من مصالح الضيعة وتوابعها كالثيران وآلات الحرث والعبد العامل في البستان ، أخذه الشفيع مع الشقص. وإن كان غير ذلك ، لم يأخذه ، لأنّه لو أخذ الشقص وحده ، تبعّضت الصفقة على المشتري ، وفي ذلك ضرر ، ولا يزال الضرر عن الشفيع بإلحاق ضرر المشتري (١).

وهو غلط ، لأنّه أدخله على نفسه بجمعه في العقد بين ما ثبت فيه الشفعة وما لا تثبت.

ثمّ النظر إلى قيمتهما يوم البيع ، فإنّه وقت المقابلة.

قال الجويني : إذا قلنا : إنّ الملك ينتقل بانقطاع الخيار ، فيجوز أن يعتبر وقت انقطاع الخيار ، لأنّ انتقال الملك ـ الذي هو سبب الشفعة ـ حينئذ يحصل (٢).

وهذا يتأتّى على قول الشيخ أيضا.

وإذا أخذ الشفيع الشقص ، لم يثبت للمشتري الخيار وإن تفرّقت الصفقة عليه ، لدخوله فيها عالما بالحال.

مسالة ٧٤٩ : إذا اشترى شقصا من دار فاستهدمت إمّا بفعل المشتري أو بغير فعله ، فلها أحوال :

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠.

٢٦٤

أ ـ أن تتعيّب من غير تلف شي‌ء منها ولا انفصال بعضها عن بعض بأن يتشقّق جدار أو تميل أسطوانة أو ينكسر جذع أو يضطرب سقف ، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بكلّ الثمن ، وبين الترك ، ويكون تعيّبه في يد المشتري كتعيّب المبيع في يد البائع ، فإنّه يتخيّر المشتري بين الفسخ وبين الأخذ بجميع الثمن ، عند بعض (١) علمائنا ، وبه قال الشافعي (٢).

وعند بعضهم (٣) يسقط (٤) الأرش ، فينبغي هنا أن يكون كذلك.

ب ـ أن يتلف بعضها ، فينظر إن تلف شي‌ء من العرصة بأن غشيها السيل فغرّقها ، أخذ الباقي بحصّته من الثمن.

وإن بقيت العرصة بتمامها وتلفت السقوف والجدران باحتراق وغيره ، فإن قلنا : إنّ الأبنية كأحد العبدين المبيعين (٥) ، أخذ العرصة بحصّتها من‌

__________________

(١) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٠٩ ، المسألة ١٧٨ ، والمبسوط ٢ : ١٢٧ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٠٥.

(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ ـ ١٧٣.

(٣) انظر : نكت النهاية ( النهاية ونكتها ) ٢ : ١٦١ ـ ١٦٢.

(٤) كذا بصيغة الإثبات. وفي جواهر الكلام ١٦ : ٣٥٩ حيث نقل عبارة التذكرة قال : « لا يسقط الأرش ». وقال المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٤ : ٤١٧ ـ ٤١٨ عند شرح قول المصنّف في القواعد : « ولو انهدم أو تعيّب بفعل المشتري قبل المطالبة » : فهاهنا أربع صور : الاولى : أن يكون ذلك بفعل المشتري قبل مطالبة الشفيع بالشفعة بأن ينقض البناء أو يشقّ الجدار أو يكسر الجذع .. إلى أن ساق الكلام إلى قوله : وقد سبق في كتاب البيع وجوب الأرش على البائع إذا تعيّب المبيع في يده فينبغي أن يكون هنا كذلك ، وقد نبّه كلام المصنّف في التذكرة على ذلك. انتهى ، فلاحظ قوله : « وجوب الأرش على البائع » حيث إنّه يخالف قول المصنّف : « يسقط الأرش » ويوافق ما في الجواهر من قوله : « لا يسقط ». وانظر أيضا : الكافي في الفقه ـ للحلبي ـ: ٣٥٥.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « المسمّيين » بدل « المبيعين ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٦٥

الثمن ، وهو الأصحّ ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد (١).

وإن قلنا : إنّها كأطراف العبد وصفاته ، أخذها بكلّ الثمن على رأي ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ وبما بعد الأرش على رأي.

وفرّق بعضهم بين أن يكون التلف بآفة سماويّة ، فيأخذها بجميع الثمن ، أو بإتلاف متلف ، فيأخذها بالحصّة ، لأنّ المشتري يحصل له بدل التالف ، فلا يتضرّر ، وبه قال أبو حنيفة (٣).

ج ـ أن لا يتلف شي‌ء منها ولكن ينفصل بعضها عن بعض بالانهدام وسقوط الجدران ، فإنّ الشفيع يأخذ الشقص مع الأبعاض ـ وهو أحد قولي الشافعي (٤) ـ لأنّها دخلت في البيع وكانت متّصلة به حالة البيع ممّا يدخل في الشفعة ، فكذا بعد النقض ، وكونه منقولا عرض بعد البيع وبعد تعلّق حقّ الشفيع به ، والاعتبار بحال جريان العقد ، ولهذا لو اشترى دارا فانهدمت ، يكون النقض والعرصة للمشتري وإن كان النقض لا يندرج في البيع لو وقع بعد الانهدام.

والثاني للشافعي : لا يأخذ الشفيع النقض ، لأنّه منقول كما لو كان في الابتداء كذلك وأدخل النقض في البيع ، لا يؤخذ بالشفعة (٥).

__________________

(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ ، ١٩٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

٢٦٦

فإن قلنا بالأوّل ، أخذه مع العرصة بجميع الثمن أو بما بعد الأرش على ما تقدّم ، أو يعرض عن الكلّ.

وإن قلنا : إنّه لا يأخذه ـ كما هو اختيار الشافعي في القول الثاني ـ فيبني على أنّ السقوف والجدران كأحد العبدين أو كطرف العبد؟ إن قلنا بالأوّل ، أخذ العرصة وما بقي من البناء بحصّتهما من الثمن.

وإن قلنا بالثاني ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يأخذ بالحصّة ، لأنّ الأنقاض كانت من الدار المشتراة ، فيبعد أن تبقى للمشتري مجّانا ويأخذ الشفيع ما سواه بتمام الثمن.

والثاني ـ وهو قياس الأصل المبنيّ عليه ـ : أن يأخذ بتمام الثمن ، كما في الحالة الاولى. وعلى هذا فالأنقاض تشبه بالثمار والزوائد التي يفوز بها المشتري قبل قبض الشفيع (١).

ومنهم من كان يطلق قولين ـ تفريعا على أنّ النقض غير مأخوذ من غير البناء ـ على أنّ النقض كأحد العبدين أو كأطراف العبد؟ (٢)

ووجه الأخذ بالكلّ : أنّه نقص حصل عند المشتري ، فأشبه تشقّق الحائط ، والأخذ بالحصة : أنّ ما لا يؤخذ من المبيع بالشفعة تسقط حصّته من الثمن ، كما إذا اشترى شقصا وسيفا.

واعلم أنّ المزني نقل عن الشافعي أنّ الشفيع مخيّر بين أن يأخذه بجميع الثمن أو يردّ (٣).

وقال في القديم ومواضع من الجديد : أنّه يأخذه بالحصّة (٤).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ـ ٥١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٣) مختصر المزني : ١٢٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

٢٦٧

وقد ذكر بعض الشافعيّة فيه خمس طرق :

أ ـ منهم من قال : إنّ ما انهدم من الدار لا يدخل في الأخذ بالشفعة ، وإنّما يأخذ العرصة وما فيها من البناء ، لأنّ ذلك منفصل عنها ، كما لو باع دارا ، لم يدخل فيها ما كان منفصلا عنها. وهل يأخذ العرصة والبناء الذي فيها بجميع الثمن أو بالحصّة؟ قولان.

ب ـ ما ذكر في الطريقة الأولى إلاّ في أنّه يأخذ ذلك بحصّته من الثمن قولا واحدا.

ج ـ إنّ ما انفصل من الدار يستحقّه الشفيع مع الدار ، لأنّ استحقاقه للشفعة إنّما كان حال عقد البيع وفي ذلك الحال كان متّصلا.

د ـ المسألة على اختلاف حالين ، فالموضع الذي قال : يأخذها بالحصّة إذا ذهب بعض العرصة بغرق أو غير ذلك ، والموضع الذي قال : يأخذها بجميع الثمن إذا كانت العرصة باقية وإنّما ذهب البناء.

هـ ـ إنّ الموضع الذي قال : يأخذ بالحصّة إذا تلف بعض الأعيان بفعله أو فعل آدميّ ، والموضع الذي قال : يأخذه بجميع الثمن إذا حصل ذلك بأمر سماويّ (١).

وبهذه (٢) الطريقة الأخيرة قال أبو حنيفة (٣).

أقول : ما فعله المشتري مضمون ( وإن كان إذا ) (٤) حصل بغير فعله لم يضمنه ، كما لو قلع عين المبيع ، كان تضمينها عليه ، ولو سقطت‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « هذه ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ ، ١٩٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « وإذا كان ».

٢٦٨

لم يسقط شي‌ء من الثمن.

هذا كلّه إذا كان التعيّب لا بفعل المشتري أو بفعله قبل الطلب ، أمّا إذا كان بفعل المشتري بعد الطلب ، فهل يضمن المشتري؟ قولان لعلمائنا ، الأقرب : الضمان.

ولو تلف بعض المبيع ، أخذه بحصّته من الثمن.

مسالة ٧٥٠ : إذا بنى المشتري أو غرس قبل القسمة ، كان للشريك قلعه‌ ، لا من حيث الشفعة ، بل من حيث إنّ أحد الشريكين إذا بنى أو غرس في الأرض المشتركة ، كان للشريك الآخر قلعه وتخريب البناء مجّانا ، وله الأخذ بالشفعة بعد القلع وقبله.

وإن كان المشتري قد قسّم ـ إمّا لغيبة الشريك ، أو لصغره ـ بإذن الحاكم ، أو لكذبه في الإخبار بالثمن فعفا ، أو في الاتّهاب فظهر (١) البيع ، أو قاسمه وكيله وأخفى (٢) عنه وجه الحظّ في الأخذ بالشفعة ثمّ يجي‌ء الموكّل فيظهر له الوجه ثمّ بنى أو غرس أو زرع بعد القسمة والتمييز ثمّ علم الشفيع ، فللمشتري قلع غرسه وبنائه ، لأنّه ملكه.

فإذا قلعه ، لم يكن عليه تسوية الحفر ، لأنّه غرس وبنى في ملكه ، وما حدث من النقص فإنّما حدث في ملكه ، وذلك ممّا لا يقابله الثمن ، وإنّما يقابل الثمن سهام الأرض من نصف وثلث وربع ، ولا يقابل التراب ، فيكون الشفيع بالخيار بين أن يأخذ الأرض بجميع الثمن أو يترك.

وإن لم يقلع المشتري الغراس ، تخيّر الشفيع بين ثلاثة أشياء : ترك الشفعة ، وأخذها ودفع قيمة البناء والغراس إن رضي الغارس والباني ،

__________________

(١) في « س ، ي » : « فيظهر ».

(٢) في « س ، ي » : « خفي ».

٢٦٩

ويصير الملك له ، وأن يجبر المشتري على القلع ، ويضمن له ما نقص له بالقلع.

وقيل : رابع : أن يبقيه في الأرض بأجرة (١).

فأمّا إذا طالبه بقلع ذلك من غير أن يضمن له النقص ، لم يلزمه قلعه ، قاله الشيخ (٢) رحمه‌الله ، والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق والنخعي (٣) ، لأنّه بنى في ملكه الذي يملك نفعه ، فلم يجبر على قلعه مع الإضرار به ، كما لو كان لا شفعة فيه.

وقال أبو حنيفة والثوري : يجبر على قلعه ، لأنّه بنى في حقّ غيره بغير إذنه ، فكان عليه قلعه ، كما لو بنى فيها وبانت مستحقّة (٤).

وفرّق (٥) الأوائل بأنّه غرس في ملك غيره (٦).

وقول أبي حنيفة عندي لا بأس به ، والبناء وإن كان في ملكه لكنّه ملك غير مستقرّ ، فلا يؤثّر في منع القلع ، والقياس على عدم الشفعة باطل.

لا يقال : القسمة تقطع الشركة ، وتردّ العلقة بينهما إلى الجوار ، وحينئذ وجب أن لا تبقى الشفعة ، لاندفاع الضرر الذي كنّا نثبت الشفعة لدفعه ، كما لا تثبت ابتداء للجار.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ٣ : ١١٨ ، الخلاف ٣ : ٤٣٩ ، المسألة ١٤.

(٣) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٦ ـ ١٧٧ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٤) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فرّقوا ».

(٦) المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

٢٧٠

لأنّا نقول : الجوار وإن لم يكن يكتفى به في الابتداء إلاّ أنّه اكتفي به في الدوام عند حصول الشركة في الابتداء ، ولم يخرّج على الخلاف في بطلان الشفعة فيما إذا باع نصيبه جاهلا بالشفعة ، لأنّ الجوار على حال ضرب اتّصال قد يؤدّي إلى التأذّي (١) بضيق المرافق وسوء الجوار ، ولذلك اختلف العلماء في ثبوت الشفعة به.

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين تصرّف المشتري والمستعير إذا بنى في أرض المعير أو غرس. ولو كان قد زرع ، ترك زرعه إلى أن يدرك ويحصد.

وهل للشفيع أن يطالبه بأجرة بقاء الزرع؟ الأقوى : العدم ، بخلاف المستعير ، فإنّه زرع أرض الغير وقد رجع في العارية ، فكان عليه الأجرة ، أمّا المشتري فإنّه زرع ملك نفسه واستوفى منفعته بالزراعة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : له المطالبة ، كما أنّ المعير يبقي بالأجرة (٢). وقد بيّنّا الفرق.

وكذا لو باع أرضا مزروعة ، لا يطالبه المشتري بالأجرة لمدّة بقاء الزرع.

وللشافعيّة في الصور الثلاث ـ صورة بيع الأرض المزروعة ، وصورة العارية ، وصورة الشفعة ـ وجهان في وجوب الأجرة ، لكنّ الظاهر عندهم في صورة العارية وجوب الأجرة ، وفي الصورتين الأخريين المنع ، للمعنى الجامع لهما ، وهو أنّه استوفى منفعة ملكه (٣).

وأمّا إذا زرع بعد المقاسمة ، فإنّ الشفيع يأخذ بالشفعة ، ويبقى زرع المشتري إلى أوان الحصاد ، لأنّ ضرره لا يبقى ، والأجرة عليه ، لأنّه زرعه‌

__________________

(١) في « س » والطبعة الحجريّة : « على حال ضرر إيصال قد يتأدّى إلى التأذّي ». وفي « ي » : « على حال ضرر أيضا .. ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠.

٢٧١

في ملكه.

تذنيب : إذا زرع ، لزم الشفيع إبقاء الزرع ، وحينئذ يجوز له تأخير الشفعة إلى الإدراك والحصاد ، لأنّه لا ينتفع به قبل ذلك ، ويخرج الثمن من يده ، فله في التأخير غرض صحيح ، وهو الانتفاع بالثمن إلى ذلك الوقت ، قاله بعض الشافعيّة (١).

وقال بعضهم : ويحتمل أن لا يجوز التأخير وإن تأخّرت المنفعة ، كما لو بيعت الأرض في وسط الشتاء ، لا تؤخّر الشفعة إلى أوان الانتفاع (٢). ولعلّ بينهما فرقا.

ولو كان في الشقص أشجار عليها ثمار لا تستحقّ بالشفعة ، ففي جواز التأخير إلى وقت القطاف وجهان للشافعيّة (٣).

وعندي أنّه يجب الأخذ معجّلا.

مسالة ٧٥١ : لو تصرّف المشتري بوقف أو هبة وغيرهما ، صحّ‌ ، لأنّه واقع في ملكه ، وثبوت حقّ التملّك للشفيع لا يمنع المشتري من التصرّف ، كما أنّ حقّ التملّك للواهب بالرجوع (٤) لا يمنع تصرّف المتّهب ، وكما أنّ حقّ التملّك للزوج بالطلاق لا يمنع تصرّف الزوجة.

وعن ابن سريج من الشافعيّة أنّ تصرّفاته باطلة ، لأنّ للشفيع حقّا لا سبيل إلى إبطاله ، فأشبه حقّ المرتهن (٥).

وإذا قلنا بالصحّة على ما اخترناه نحن ـ وهو الظاهر من قول الشافعيّة (٦) ـ أنّه ينظر إن كان التصرّف ممّا لا تثبت به الشفعة ، فللشفيع نقضه ، وأخذ‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فالرجوع ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

٢٧٢

الشقص بالشفعة ، وإلاّ تخيّر بين الأخذ بالأوّل وفسخ الثاني ، وبين إمضائه والأخذ بالثاني.

وعن المروزي أنّه ليس تصرّف المشتري بأقلّ من بنائه ، فكما لا ينقض المشتري بناؤه لا ينبغي أن ينقض تصرّفه (١).

واختلفت الشافعيّة في موضع هذا الوجه :

فمنهم من خصّصه بما تثبت فيه الشفعة من التصرّفات ، أمّا ما لا تثبت فله نقضه ، لتعذّر الأخذ به.

ومنهم من عمّم وقال : تصرّف المشتري يبطل حقّ الشفيع ، كما يبطل تصرّف المشتري المفلس حقّ الفسخ للبائع ، وتصرّف المرأة حقّ الرجوع إلى العين إذا طلّق قبل الدخول ، وتصرّف المتّهب رجوع الواهب. نعم ، لو كان التصرّف بيعا ، تجدّد حقّ الشفعة بذلك (٢).

وعن أبي إسحاق من الشافعيّة أنّها لا تتجدّد أيضا ، لأنّ تصرّف المشتري إذا كان مبطلا للشفعة ، لا يكون مثبتا لها ، كما إذا تحرّم (٣) بالصلاة ثمّ شكّ فجدّد نيّة وتكبيرا ، لا تنعقد بها الصلاة ، لأنّه يحصل بها الحلّ فلا يحصل العقد (٤).

ووجه ظاهر المذهب : أنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ، لأنّ حقّه ثابت بأصل العقد ، فلا يتمكّن المشتري من إبطاله ، ولا يشبه تصرّف المفلس وتصرّف المرأة في الصداق ، فإنّ حقّ البائع والزوج لا يبطل بالكلّيّة ، بل ينتقل إلى الثمن والقيمة ، والواهب رضي بسقوط حقّه حيث سلّمه إليه وسلّطه عليه ، وهنا لم يبطل حقّ الشفيع بالكلّيّة ، ولم يوجد منه‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « أحرم » بدل « تحرّم ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

٢٧٣

رضا ولا تسليم (١).

قال بعض الشافعيّة : يجوز أن يبنى الوجهان على القولين فيما إذا عتقت الأمة تحت عبد وطلّقها قبل أن تختار الفسخ ، هل ينفذ الطلاق؟

ووجه الشبه : أنّ الطلاق يبطل حقّها في الفسخ ولم تسلّطه عليه ، كما ذكرنا في الشفيع (٢).

وحكي عن بعضهم أنّه لا ينقض الشفعة تصرّف الوقف ، وينقض ما عداه (٣).

مسالة ٧٥٢ : النخل تتبع الأرض في الشفعة‌ ، وبه قال الشافعي (٤).

فإن طالب بالشفعة وقد زادت النخل بطول وسعف ، رجع في ذلك ، لأنّ هذه زيادة غير متميّزة ، فتبعت الأرض في الرجوع ، كسمن الجارية.

اعترض بعض الشافعيّة بأنّه كيف جعلتم النخل تبعا للأرض في الشفعة وقد قلتم : إنّ الأرض تتبع النخل في المساقاة ، فتجوز المزارعة على ما بين النخل من البياض تبعا للنخيل!؟

وأجيب : بأنّه يجوز أن تكون الأرض تبعا في حكم يختصّ بالنخل ، والنخل تبعا لها في حكم آخر يختصّ بالأرض ، وإنّما لا يجوز أن يكون الشي‌ء تابعا ومتبوعا في أمر واحد ، وقد عرفت الكلب مقيس على الخنزير في النجاسة ، والخنزير مقيس عليه في الغسل من ولوغه عندهم (٥).

ولو طلّق الزوج قبل الدخول وكان الصداق نخلا وقد طالت ، لا يرجع في النصف ، لأنّ الزوج يمكنه الرجوع في القيمة إذا تعذّر الرجوع في‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤.

(٥) لم نعثر على الاعتراض والجواب عنه في المصادر المتوفّرة لدينا.

٢٧٤

العين ، والقيمة تنوب منابها ، وفي الشفعة إذا لم يرجع في ذلك ، سقط حقّه من الشفعة ، فلهذا لم يسقط من الأصل لأجل ما حدث من البائع.

إذا عرفت هذا ، فإن كان في هذه النخل طلع حدث ، نظر فإن كان قد أبّر وتشقّق ، كان للمشتري ، لأنّه بمنزلة النماء المنفصل من ملكه.

وإن كان لم يؤبّر ، فهل يتبع في الشفعة؟

أمّا عندنا فلا ، لاختصاص الشفعة بالبيع خاصّة.

وأمّا عند الشافعي فقولان (١) ، كالمفلس إذا ابتاع نخلا وحدث فيها طلع لم يؤبّر وأراد البائع الرجوع في النخل.

ويفارق ذلك البيع ، لأنّه أزال ملكه باختياره ، وكان الطلع تابعا إذا لم يكن ظاهرا ، ويكون في الردّ بالعيب كالشفعة.

وكذلك إذا كان انتقال الملك بغير عوض ـ كالهبة ، وفسخ الهبة ـ فيه قولان (٢).

فإن كان المشتري اشترى النخل وفيها الطلع ، فإن كان مؤبّرا ، فإنّه لا يتبع في البيع ، وإذا اشترطه ، دخل في البيع ، ولا تثبت فيه الشفعة ، وإنّما يأخذ الأرض والنخل بحصّتهما من الثمن.

فإن كانت غير مؤبّرة ، تبعت بمطلق العقد.

فإن أخذ الشفيع الشقص قبل أن تؤبّر الثمرة ، لم يأخذه الشفيع بالثمرة إن تجدّدت بعد الشراء.

وإن كانت موجودة حال البيع ، فالأقوى : الدخول في الشفعة ، كما دخلت في البيع ، فصارت بمنزلة النخل في الأرض.

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٧٥

وإن أخذ الشقص بعد التأبير ، لم يتبعه الطلع.

وقال بعض الشافعيّة : إذا أخذ الشفيع الشقص قبل أن يؤبّر الطلع ، كان في الطلع القولان ، لأنّه لو ثبت حقّ الشفيع في هذا الطلع ، لوجب أن يأخذه وإن تشقّق ، لأنّ ذلك زيادة متّصلة (١).

والغراس تبع في الشفعة ، لأنّه يراد للتبقية في الأرض والتأبيد.

مسالة ٧٥٣ : إذا تبايعا بثمن ثمّ زاده المشتري عليه زيادة أو نقص البائع منه شيئا بعد العقد ، فإن كان ما اتّفقا عليه من الزيادة أو الحطّ بعد لزوم البيع وانقضاء الخيار ، لم يكن للشفيع في ذلك حقّ ، ولا عليه شي‌ء لا في حطّ الكلّ ولا في حطّ البعض ، لأنّ الشفيع إنّما يأخذ بما استقرّ عليه العقد ، والذي استقرّ عليه المسمّى.

ولو كان في زمن الخيار ، لم يلحق أيضا الشفيع عندنا ، لوقوع العقد على شي‌ء ، فلا تضرّ الزيادة والنقيصة بعده.

وقال الشافعي : يثبت ذلك التغيير في حقّ الشفيع في أحد الوجهين ، لأنّ حقّ الشفيع إنّما ثبت إذا تمّ العقد ، وإنّما يستحقّ بالثمن الذي هو ثابت في حال استحقاقه. ولأنّ زمن الخيار بمنزلة حالة العقد ، والتغيير يلحق بالعقد ، لأنّهما على اختيارهما فيه كما كانا في حال العقد (٢).

فأمّا إذا انقضى الخيار وانبرم (٣) العقد فزاد أو نقص ، لم يلحق بالعقد ، [ لأنّ الزيادة ] (٤) لا تثبت إلاّ أن تكون هبة مقبوضة ، والنقصان يكون‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) الوجيز ١ : ٢١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « لزم » بدل « انبرم ».

(٤) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « والزيادة ». والظاهر ما أثبتناه كما في المغني والشرح الكبير.

٢٧٦

إبراء ، ولا يثبت [ ذلك ] (١) في حقّ الشفيع ، وبه قال الشافعي (٢).

وقال أبو حنيفة : يثبت النقصان بعد الخيار للشفيع ، ولا تثبت الزيادة وإن كانا (٣) عنده يلحقان بالعقد ، ويقول : الزيادة تضرّ بالشفيع فلم يملكها (٤).

وهو غلط ، لأنّ ذلك تغيّر بعد استقرار العقد ، فلم يثبت في حقّ الشفيع ، كالزيادة.

والفرق ليس بصحيح ، لأنّ ذلك لو لحق بالعقد ، لثبت في حقّه وإن أضرّ به ، كما لو كان في زمن الخيار.

ولو حطّ كلّ الثمن في زمن الخيار ، لم يلحق الحطّ عندنا بالشفعة ـ وبه قال الشافعي (٥) ـ لأنّ ذلك بمنزلة ما لو باع بلا ثمن ، فلا شفعة للشريك ، لأنّه يصير هبة ، فيبطل على رأي ، ويصحّ على رأي.

أمّا إذا حطّ منه أرش العيب ، فإنّه يثبت في حقّ الشفيع ، لأنّه سقط بجزء فقد من المبيع ، ولهذا فاته جزء من الثمن.

مسالة ٧٥٤ : لو كان ثمن الشقص عبدا ، ثبتت الشفعة عندنا‌ ، خلافا لبعض علمائنا وبعض الجمهور ، وقد سبق (٦) ، ويأخذ الشفيع بقيمة العبد.

فإن وجد البائع بالعبد عيبا ، فإمّا أن يكون [ قبل ] (٧) أن يحدث عنده‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المغني والشرح الكبير.

(٢) المصادر في الهامش (٢) من ص ٢٧٦.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « كان » بدل « كانا ». وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٤) المغني ٥ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٦) في ص ٢٥٧ ، المسألة ٧٤٥.

(٧) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « بعد » بدل « قبل ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٧٧

عيب أو يكون الوقوف على العيب بعد حدوث عيب عنده. فإن علمه قبل أن يحدث عنده عيب ، فإمّا أن يكون ذلك بعد أخذ الشفيع بالشفعة أو قبله.

فإن وقف عليه بعد أخذ الشفيع ، كان له ردّ العبد على المشتري ، ولم يكن له استرجاع الشقص ، لأنّ الشقص قد ملكه بالأخذ ، فلم يكن للبائع إبطال ملكه ، كما لو كان المشتري قد باعه ثمّ وجد البائع بالثمن عيبا ، فإنّه يردّه ، ولا يفسخ بيع المشتري ، ويرجع البائع إلى قيمة الشقص ، كذا هنا.

وقال بعض الشافعيّة : يستردّ المشتري الشقص من الشفيع ، ويردّ عليه ما أخذه ، ويسلّم الشقص إلى البائع ، لأنّ الشفيع نازل منزلة المشتري ، فردّ البائع يتضمّن نقض ملكه ، كما يتضمّن نقض ملك المشتري لو كان في ملكه (١).

والمشهور عندهم (٢) ما قلناه.

فإذا دفع الشفيع قيمة العبد إلى المشتري ودفع المشتري إلى البائع قيمة الشقص ، فإن تساويا ، فلا بحث. وإن تفاوتا ، لم يرجع المشتري على الشفيع إن كانت قيمة الشقص أكثر بشي‌ء ، ولا يرجع الشفيع على المشتري إن كانت قيمة العبد أكثر ـ وهو أحد قولي الشافعيّة (٣) ـ لأنّ الشفيع أخذه بالثمن الذي وقع عليه العقد ، فلا يلزمه أكثر من ذلك.

والثاني : يتراجعان ، لأنّ المشتري استقرّ عليه عوض الشفيع قيمته ، فينبغي أن يستحقّ ذلك على الشفيع ، فيرجع كلّ من كان ما دفعه أكثر على صاحبه بالزيادة (٤).

ولو عاد الشقص إلى المشتري ببيع أو هبة أو ميراث أو غير ذلك ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، وأيضا : فتح العزيز ١١ : ٤٥٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

٢٧٨

لم يكن للبائع أخذه منه ، بخلاف الغاصب إذا دفع القيمة لتعذّر ردّ المغصوب ثمّ قدر عليه ، فإنّه يجب عليه ردّه على المالك ، واسترداد ما دفعه من القيمة ، لأنّ المالك لم يزل ملكه عن المغصوب بالتقويم ودفع القيمة ، وإنّما أخذنا القيمة للضرورة وقد زالت ، وهنا زال ملك البائع عنه وصار ملكا للشفيع ، وانقطع حقّه عنه ، وإنّما انتقل حقّه إلى القيمة ، فإذا أخذها ، لم يبق له حقّ.

وحكى بعض الشافعيّة فيه وجهين بناء على أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل ، أو كالذي لم يعد؟ (١) وأمّا إذا كان قد علم بالعيب قبل أن يأخذ الشفيع بالشفعة ، فهنا حقّان ، ففي تقديم أيّهما للشافعيّة وجهان :

أحدهما : الشفيع أولى ، لأنّ حقّه سبق حقّ البائع في الردّ.

والثاني : البائع أولى ، لأنّ الشفعة تثبت لإزالة الضرر عن الشريك ، فلا نثبتها مع تضرّر البائع بإثباتها (٢).

وحكى الجويني الجزم بتقديم البائع (٣).

والوجه عندي : تقديم حقّ الشفيع ، لسبقه.

فإذا قلنا : الشفيع أحقّ ، فإنّ البائع يأخذ من المشتري قيمة الشقص ، ويرجع المشتري على الشفيع بقيمة العبد ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : يرجع على الشفيع بقيمة الشقص (٤).

ولو وجد البائع العيب في العبد بعد أن حدث عنده عيب أو بعد‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٤) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٧٩

تصرّفه ، لم يكن له ردّه ، وكان له على المشتري الأرش.

ثمّ إن كان الشفيع دفع إليه أوّلا قيمة عبد سليم ، فلا يرجع عليه بشي‌ء.

وإن كان دفع قيمة معيب ، فالأقرب : أنّه يرجع عليه ـ وهو أحد وجهي الشافعيّة (١) ـ لأنّ الثمن الذي استقرّ على المشتري العبد والأرش ، فينبغي أن يرجع بهما.

والثاني : أنّه لا يرجع ، لأنّه استحقّه بما سمّي في العقد (٢).

قال بعض الشافعيّة : ينبغي أن يرجع هنا وجها واحدا ، بخلاف ما تقدّم من قيمة الشقص ، لأنّ العقد اقتضى سلامة العبد ، وما دفع إلاّ ما اقتضاه العقد ، بخلاف قيمة الشقص ، ولهذا إذا كان دفع إليه قيمة عبد سليم ، لم يكن للشفيع أن يرجع عليه بقدر قيمة العيب ، فإذا لم يدفعه ، وجب دفعه ، فثبت أنّه مستحقّ عليه بالبيع (٣).

ولو رضي البائع بالعيب ولم يردّ ولا أخذ الأرش ، فالأقوى : أنّ الشفيع يدفع قيمة العبد السليم ، لأنّ ذلك نوع إسقاط من الثمن بعد العقد ، فلا يلحق الشفيع ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : تجب على الشفيع قيمة المعيب حتى لو بذل قيمة السليم ، استردّ قسط السلامة من المشتري (٤).

وغلّط الجويني قائله (٥).

تذنيب : للمشتري ردّ الشقص بالعيب على البائع ، وللشفيع ردّه على المشتري بالعيوب السابقة على البيع وعلى الأخذ. ثمّ لو وجد المشتري العيب بعد أخذ الشفيع ، فلا ردّ في الحال ، ولا أرش له على مذهب‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

٢٨٠