تذكرة الفقهاء - ج ١٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٣٩٢

وإذا لم يكن المشتري عالما بالعيب وأراد (١) ردّه وأراد الشفيع أخذه ورضي بكونه معيبا ، فللشافعي قولان :

أحدهما : أنّ الشفيع أولى بالإجابة ، لأنّه حقّ سابق على حقّ المشتري ، فإنّه ثابت بالبيع. ولأنّ الغرض للمشتري استدراك الظلامة والوصول إلى الثمن ، وهذا الغرض يحصل بأخذ الشفيع ، ولأنّا لو قدّمنا المشتري ، بطل حقّ الشفيع بالكلّيّة ، ولو قدّمنا الشفيع ، حصل للمشتري مثل الثمن أو قيمته.

وهذا أقوى عندي وهو قول أكثرهم.

والثاني : أنّ المشتري أولى ، لأنّ الشفيع إنّما يأخذ إذا استقرّ العقد وسلم عن الردّ. ولأنّه قد يريد استرداد عين ماله ودفع عهدة الشقص عنه (٢).

مسالة ٧٢١ : لو ردّه المشتري بالعيب قبل علم الشفيع ومطالبته ثمّ علم وجاء يطلب الشفعة‌ ، فإن قلنا : إنّ المشتري أولى عند اجتماعهما ـ كما هو أحد قولي الشافعي (٣) ـ فلا يجاب الشفيع.

وإن قلنا : الشفيع أولى ، فللشافعي وجهان :

أظهرهما : أنّه يجاب ويفسخ الردّ ، أو نقول : تبيّنّا أنّ الردّ كان باطلا. وهو الأقوى عندي.

والثاني : لا يجاب ، لتقدّم الردّ (٤).

وهذا الخلاف في أنّ الشفيع أولى أو المشتري جار فيما إذا اشترى‌

__________________

(١) في « س ، ي » : « فأراد ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦١ ـ ١٦٢.

٢٢١

شقصا بعبد ثمّ وجد البائع بالعبد عيبا فأراد ردّه واسترداد الشقص ، وأراد الشفيع أخذه بالشفعة ، وسيأتي (١) ، وفيما إذا اشترى شقصا بعبد وقبض الشقص قبل تسليم العبد ، فتلف العبد في يده ، تبطل شفعة الشفيع في وجه ، ويتمكّن من الأخذ في الثاني (٢) ، كما لو تلف بعد أخذ الشفيع ، فإنّ الشفعة لا تبطل ، بل على الشفيع قيمة العبد للمشتري ، وعلى المشتري قيمة الشقص للبائع.

ولو كان الثمن معيّنا وتلف قبل القبض ، بطل البيع والشفعة.

مسالة ٧٢٢ : لا تثبت الشفعة في عقد غير البيع‌ ، سواء كان عقد معاوضة كالهبة المعوّض عنها ، والإجارة والنكاح وغيرها من جميع العقود عند علمائنا أجمع ، فلو تزوّج امرأة وأصدقها شقصا ، لم تثبت الشفعة عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة (٣) ـ للأصل الدالّ على أصالة عصمة مال الغير ، وأنّه لا يحلّ أخذه منه إلاّ عن طيبة نفس ، خرج ما اتّفقنا على إثبات الشفعة فيه ، للنصوص ، فيبقى الباقي على أصله.

وما رواه ـ في الصحيح (٤) ـ أبو بصير عن الباقر عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل تزوّج امرأة على بيت في دار له وفي تلك الدار شركاء ، قال : « جائز له ولها ، ولا شفعة لأحد من الشركاء عليها » (٥).

__________________

(١) في ص ٢٧٧ ، المسألة ٧٥٤.

(٢) أي : في الوجه الثاني.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٠ ـ ١١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٤ ، ١٩٥٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٩ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٧ ، المغني ٥ : ٤٦٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٤ ـ ٤٦٥.

(٤) جملة « في الصحيح » لم ترد في « س ، ي ».

(٥) الفقيه ٣ : ٤٧ ، ١٦٥ ، التهذيب ٧ : ١٦٧ ، ٧٤٢.

٢٢٢

وقول الصادق عليه‌السلام : « الشفعة في البيوع » (١).

ولأنّ البضع ليس بمال ، وإذا ملك الشقص بغير مال ، لا تثبت فيه الشفعة ، كالهبة.

وقال الشافعي ومالك : تثبت الشفعة (٢). ثمّ اختلفا ، فقال الشافعي : يأخذه الشفيع بمهر مثل الزوجة (٣).

وقال مالك : بقيمة الشقص ، لأنّه عقد معاوضة ، فجاز أن تثبت الشفعة في الأرض المملوكة به ، كالبيع (٤) (٥).

ويمنع صلاحيّة عقد المعاوضة للعلّيّة ، بل العلّة عقد خاصّ ، وهو البيع.

قال مالك : ولو أوجبنا مهر المثل ، لقوّمنا البضع على الأجانب ، ولأضررنا (٦) بالشفيع ، لأنّه قد يتفاوت مهر المثل مع المسمّى ، لأنّ المهر قد يسامح فيه في العادة ، بخلاف البيع (٧) (٨).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨١ ، ٥ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ ، ٧٢٨.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٣٨٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٢ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٦ : ٢٠٧ ، المغني ٥ : ٤٦٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٥.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٦ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٤ ، ١٩٥٤ ، المغني ٥ : ٤٦٩ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٦ : ٢٠٨.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « كالمبيع ».

(٥) المنتقى ـ للباجي ـ ٦ : ٢٠٨ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٤ ، ١٩٥٤.

(٦) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة بدل « لأضررنا » : « لأضربنا ». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٧) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة بدل « البيع » : « البضع ». وما أثبتناه من المصدر.

(٨) انظر : المغني ٥ : ٤٦٩ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٦٥.

٢٢٣

قالت الشافعيّة : إنّ المرأة ملكت الشقص القابل للشفعة ببدل ليس له مثل ، فوجب الرجوع إلى قيمته في الأخذ بالشفعة ، كما لو باع سلعة لا مثل لها (١).

ولا يمتنع تقويم البضع على الأجنبيّ بسبب ، كما نقوّمه (٢) على المرضعة وشاهدي الطلاق إذا رجعا. والمسامحة لا اعتبار بها ، والظاهر أنّ العوض يكون عوض المثل.

مسالة ٧٢٣ : إذا أصدقها شقصا ثمّ طلّقها قبل الدخول‌ ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : تثبت الشفعة (٣).

فعلى قوله لا يخلو إمّا أن يكون قد طلّقها بعد ما أخذ الشفيع الشقص أو بعد عفوه قبل علمه.

فإن طلّقها بعد ما أخذ ، رجع الزوج إلى قيمة الصداق ، لزوال ملكها عن الصداق ، كما لو باعته ثمّ طلّقها ، ويكون له قيمة نصف الصداق أقلّ ما كان من حين العقد إلى حين القبض.

وإن طلّقها بعد عفو الشفيع ، رجع في نصف الشقص ، لأنّ حقّ الشفيع قد سقط ، والشقص في يدها نصفه ، وتعلّق حقّ الشفيع قبل سقوطه لا يمنع من الرجوع بعد سقوطه ، ألا ترى أنّه لو باعته ثمّ اشترته ثمّ طلّقها الزوج ، فإنّه يرجع في نصفه.

__________________

(١) انظر : المغني ٥ : ٤٦٩.

(٢) في « ي » : « يقوّم » بدل « نقوّمه ».

(٣) مختصر المزني : ١٢٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٢.

٢٢٤

وإن طلّقها قبل أن يعلم الشفيع ثمّ علم وجاء يريد أخذه بالشفعة ، فله أخذ نصفه.

وأمّا النصف الآخر فهل الزوج أولى به أو الشفيع؟ وجهان للشافعيّة :

أحدهما : أنّ الشفيع أولى ، لأنّ حقّه أسبق ، فإنّ حقّ الزوج ثبت بالطلاق.

والثاني : الزوج أولى ، لأنّ حقّه ثبت بالنصّ.

والأوّل أصحّ عندهم ، لأنّ حقّ الشفعة في الجملة ثبت أيضا بالإجماع ، كما أنّ حقّ الزوج ثبت بالنصّ في الجملة (١).

وهذا عندنا ساقط ، إذ لا شفعة هنا.

مسالة ٧٢٤ : لو اشترى شقصا وأفلس بالثمن وأراد البائع الرجوع في الشقص وطلبه الشفيع ، فالأقوى عندي : تقديم حقّ الشفيع ، ويؤخذ منه الثمن ويدفع إلى البائع ، لأنّ حقّه ثبت بالعقد ، وحقّ البائع ثبت بالإفلاس ، والعقد أسبق ، وأسبق الحقّين أولى بالرعاية. ولأنّ منع الشفيع يقتضي إبطال حقّه بالكلّيّة ، وإذا قدّمناه ، لا يبطل حقّ البائع ، بل ينتقل إلى البدل. ولأنّ حقّ الشفيع أقوى من حقّ البائع ، فإنّ الشفيع يبطل تصرّف المشتري ويأخذ الشقص ، والبائع لا يبطل تصرّف المشتري عند إفلاسه ، وهذا وجه للشافعي (٢).

وله وجهان آخران :

أحدهما : تقديم حقّ البائع ، لاستناد حقّه إلى ملك سابق. ولأنّ البائع‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٢.

٢٢٥

لم يرض بزوال الشقص إلاّ على أن يسلم له الثمن ، فإذا لم يسلم ، وجب أن لا يؤخذ منه.

والآخر : الشفيع أولى ، ويكون الثمن أسوة الغرماء ، لأنّ حقّ البائع إذا انتقل عن العين إلى الذمّة ، التحق بسائر الغرماء.

وقيل : يقدّم البائع بالثمن رعاية للجانبين.

والثالث (١) : إن كان البائع سلّم الشقص ثمّ أفلس المشتري ، لم يكن أولى بالثمن ، لرضاه بذمّة المشتري. وإن لم يسلّمه ، فهو أولى بالثمن (٢).

وهذا الخلاف بين الشافعيّة ثابت في الزوج إذا طلّق قبل الدخول أو ارتدّ والمهر الشقص (٣).

وقال بعض الشافعيّة : إنّ الشفيع أولى من الزوج ، والبائع أولى من الشفيع في الإفلاس ، لأنّ الثابت للزوج بالطلاق الملك ، والشفيع يثبت له ولاية التملّك ، لكنّ الشفيع أسبق حقّا ، فهو أولى بالتقديم (٤).

هذا إن اجتمع الشفيع مع الزوج أو البائع ، أمّا لو أخذ الشفيع الشقص من يد الزوجة ثمّ طلّق الزوج ، أو من يد المشتري ثمّ أفلس ، فلا رجوع للزوج وللبائع بحال ، لكنّ البائع يرجع إلى الثمن ، والزوج إلى القيمة في مالها ، كما لو زال الملك ببيع وشبهه.

ولو طلّقها قبل علم الشفيع وأخذ النصف ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : إذا جاء الشفيع ، ففي استرداده ما أخذ الزوج وجهان ،

__________________

(١) أي الوجه الثالث للشافعيّة أيضا.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٥.

٢٢٦

كما إذا جاء بعد الردّ بالعيب (١).

وحكى الجويني طريقة قاطعة بالمنع ، لأنّ المهر يشطر بالطلاق من غير اختيار ، فيبعد نقضه. فإن قلنا : يستردّه ، أخذه وما بقي في يدها ، وإلاّ أخذ ما في يدها ، ودفع إليها نصف مهر المثل (٢).

ولو كان للشقص الممهور شفيعان وطلبا وأخذ أحدهما نصفه وطلّقها قبل أن يأخذ الآخر ، لم يأخذ الزوج النصف الحاصل في يد الشفيع.

وهل هو أولى في النصف الآخر أم الشفيع؟ فيه ما سبق من الخلاف.

ويجري فيما إذا أخذ أحد الشفيعين من يد المشتري ثمّ أفلس ، فإن قلنا : الشفيع أولى ، ضارب البائع مع الغرماء بالثمن.

وإن قلنا : البائع أولى ، فإن شاء أخذ النصف الثاني وضارب مع الغرماء بنصف الثمن ، وإلاّ تركه وضارب بجميع الثمن.

مسالة ٧٢٥ : قد بيّنّا أنّ الشفعة إنّما تثبت بالبيع خاصّة.

وقال الشافعي : تثبت بكلّ عقد معاوضة (٣).

ووافقنا (٤) على ما إذا ملك من غير معاوضة ، فلا شفعة عليه ، كالإرث والهبة والوصيّة.

أمّا الإرث : فلأنّ الوارث يملك بغير اختياره ، بخلاف المشتري المالك باختياره ، فإنّه بدخوله على الشريك سلّط الشريك عليه دفعا للتضرّر به ، وقد كان من حقّه أن لا يدخل عليه.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٣.

(٣) حلية العلماء ٥ : ٢٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٣.

(٤) حلية العلماء ٥ : ٢٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٣.

٢٢٧

وأمّا الهبة والوصيّة : فلأنّ المتّهب والموصى له تقلّدا المنّة من الواهب والموصي حيث قبلا تبرّعهما ، ولو أخذ الشفيع ، لأخذ عن استحقاق وتسلّط ، فلا يكون متقلّدا للمنّة ، ووضع الشفعة على أن يأخذ الشفيع بما أخذ به المتملّك.

أمّا لو شرط في الهبة الثواب أو قلنا : إنّها تقتضي الثواب مع الإطلاق ، فلا شفعة فيها أيضا عندنا.

وقال الشافعي : إن كان العوض معلوما ، صحّت الهبة ، وكانت بيعا ، وتثبت فيه الشفعة ، سواء تقابضا أو لم يتقابضا ـ وبه قال زفر ـ لأنّه ملك بعوض ، فلم يفتقر إلى التقابض ، كالبيع (١).

وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا تثبت حتى يتقابضا ، لأنّ الهبة لا تلزم إلاّ بالقبض ، فهو بمنزلة بيع الخيار (٢).

وأجاب الشافعيّة بأنّه لا يصحّ ما قالوه من اعتبار لفظ الهبة ، لأنّ العوض يصرفها عن مقتضاها ، وتصير عبارة عن البيع ، وخاصّة عندهم ينعقد بها النكاح ، ولا يفتقر النكاح إلى القبض (٣).

فأمّا إذا كانت بغير شرط العوض ، فكذلك مبنيّ على القولين في اقتضائها الثواب.

وكلّ موضع قلنا : تقتضي الثواب تثبت الشفعة فيها بمثل الثواب إن كان مثليّا ، وإلاّ القيمة. وكلّ موضع قلنا : لا تقتضيه ، لم تثبت الشفعة ولو‌

__________________

(١) المغني ٥ : ٤٦٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٥ ، ١٩٥٨ ، بدائع الصنائع ٥ : ١١.

(٢) بدائع الصنائع ٥ : ١١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٥ ، ١٩٥٨ ، المغني ٥ : ٤٦٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٤.

(٣) انظر : المغني ٥ : ٤٦٨ ـ ٤٦٩ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٦٤.

٢٢٨

أثابه الموهوب له.

وقال ابن أبي ليلى : تثبت الشفعة فيها بقيمة الشقص ـ وهو إحدى الروايتين عن مالك ـ لأنّ الشفعة تثبت لإزالة الضرر بالاشتراك ، وذلك موجود في الهبة (١).

قالت الشافعيّة : إنّه يملكها بغير بدل ، فأشبه الميراث (٢). وأمّا الضرر فلا يزال بضرر ، وفي أخذ الهبة ضرر ، لأنّه لا عوض فيها ، وإذا أخذها بغير عوض ، أبطل غرض (٣) الواهب والمتّهب معا.

وعن الشافعي قول آخر : إنّه إذا شرط الثواب ، أو قلنا : إنّها تقتضيه ، لا يؤخذ ـ كمذهبنا ـ لأنّه ليس المقصود منه المعاوضة.

وعلى قول الأخذ ففي أخذه قبل قبض الموهوب وجهان :

أظهرهما : الأخذ ، لأنّه صار بيعا.

والثاني : لا ، لأنّ الهبة لا تتمّ إلاّ بالقبض ، وهذا هو الخلاف في أنّ الاعتبار باللفظ أم بالمعنى؟ (٤)

مسالة ٧٢٦ : لو كان بين اثنين دار‌ ، فادّعى أجنبيّ ما في يد أحدهما ، فصالحه المتشبّث عليه ، فلا شفعة عندنا ، لأنّها تتبع البيع ، والصلح عقد مستقلّ بنفسه مغاير للبيع.

وقال الشافعي : إن صالحه بعد إقراره له به ، صحّ الصلح ، وتثبت‌

__________________

(١) المغني ٥ : ٤٦٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٣.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٤ ، وانظر : المغني ٥ : ٤٦٨ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٦٣.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « عوض » بدل « غرض ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٣.

٢٢٩

الشفعة للشريك ، لأنّ الصلح عنده بيع. وإن (١) أنكره وصالح ، لم يصحّ الصلح عنده بناء على مذهبه من أنّ الصلح لا يصحّ عن الإنكار (٢).

وكذا لو ادّعى رجل على أحد الشريكين في الدار ألفا ، فصالحه منها على نصف الدار الذي له ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : إن كان مع الإقرار بالألف ، صحّ الصلح ، وكان للشفيع أخذه بالألف. وإن كان الصلح مع الإنكار ، لم يصحّ الصلح ، ولم تجب الشفعة (٣).

مسالة ٧٢٧ : لو اشترى شقصا فعفا الشريك عن الشفعة ثمّ تقايلا‌ ، لم تثبت الشفعة بالإقالة عندنا على ما تقدّم (٤) من أنّ الشفعة تتبع البيع ، وأنّ الإقالة ليست بيعا.

وقال الشافعي : إن قلنا : إنّ الإقالة فسخ لا بيع ، فلا شفعة ، كما لا يأخذ بالردّ بالعيب ، لأنّ الفسوخ وإن اشتملت على ترادّ العوضين فلا تعطى أحكام المعاوضات ، ألا ترى أنّه يتعيّن فيها العوض الأوّل. وإن قلنا : إنّها بيع ، فله الشفعة وأخذه من البائع (٥).

وقال أبو حنيفة : تثبت الشفعة بالإقالة ، وبالردّ بالعيب بالتراضي (٦) ، لأنّه نقل الملك بالتراضي ، فأشبه البيع (٧).

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « فإن » بدل « وإن ».

(٢) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٤٤٩ ـ ٤٥٠ ، المسألة ٣٠.

(٣) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٤٥٠ ، المسألة ٣١.

(٤) في ص ٢٢٢ ، المسألة ٧٢٢ ، وفي ص ١١٧ ، المسألة ٦٢٧.

(٥) حلية العلماء ٥ : ٢٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٣.

(٦) في « س » والطبعة الحجريّة : « وبالتراضي ».

(٧) حلية العلماء ٥ : ٢٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٨ ، المغني ٥ : ٤٧٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٥.

٢٣٠

ولو تقايلا قبل علم الشريك بالبيع ، كان له الأخذ بالشفعة وفسخ الإقالة ، لسبق حقّه على الإقالة.

وقال الشافعي : إن قلنا : إنّ الإقالة بيع ، فالشفيع بالخيار [ بين ] (١) أن يأخذ بها وبين أن يبطلها حتى يعود الشقص إلى المشتري ، فيأخذ منه. وإن جعلناها فسخا ، فهو كطلب الشفعة بعد الردّ بالعيب (٢).

أمّا لو باع المشتري ، فللشريك هنا الخيار بين الأخذ من الأوّل وفسخ البيع الثاني ، وبين الأخذ من الثاني.

مسالة ٧٢٨ : لو جعل الشقص اجرة في إجارة ، أو جعلا في جعالة‌ ، أو أصدقها شقصا أو متّعها به أو خالعها على شقص ، أو صالح عليه عن (٣) مال أو دم أو جراحة عن إقرار أو (٤) إنكار أو جعله المكاتب عوض نجومه ، لم تثبت الشفعة في شي‌ء من ذلك عندنا ، بل إنّما تثبت الشفعة في الشراء لا غير ، وبه قال أبو حنيفة ، وهو رواية عن أحمد (٥) ، وقد تقدّم (٦) بيانه.

ولو أقرضه شقصا ، صحّ القرض ، وبه قال الشافعي (٧).

وليس للشفيع أخذه بالشفعة عندنا.

وقال الشافعي : له الأخذ (٨).

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٣.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « من » بدل « عن ».

(٤) في « س ، ي » : « و» بدل « أو ».

(٥) بدائع الصنائع ٥ : ١٠ ـ ١١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٤ ، ١٩٥٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٧٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٧ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٩ ، المغني ٥ : ٤٦٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٤ ـ ٤٦٥.

(٦) في ص ٢٢٢ ، المسألة ٧٢٢.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٣ ـ ١٦٤.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٤.

٢٣١

والجعالة لا تثبت بها الشفعة ، كما قلنا.

وعند الشافعي تثبت بعد العمل ، لأنّ الملك حينئذ يحصل للعامل (١).

أمّا لو اشترى بالشقص شيئا أو جعله رأس مال السّلم ، فالأقرب : ثبوت الشفعة ، لصدق البائع على المشتري.

ولو بذل المكاتب شقصا عوضا عن بعض النجوم ثمّ عجز ورقّ ، فلا شفعة عندنا.

وأمّا عند الشافعي ففي بطلان الشفعة وجهان ينظر في أحدهما إلى أنّه كان عوضا أو لا ، وفي الثاني إلى خروجه أخيرا عن العوضيّة ، وهذا أظهر عندهم (٢).

ويشبه هذا الخلاف خلافهم فيما إذا كان الثمن عينا وتلف قبل القبض (٣).

ولو قال لمستولدته : إن خدمت أولادي شهرا ، فلك هذا الشقص ، فخدمتهم ، استحقّت الشقص عند الشافعي. وفي ثبوت الشفعة وجهان :

أحدهما : تثبت ، لأنّها ملكته بالخدمة ، فكان كالمملوك بالإجارة وسائر المعاوضات.

وأظهرهما : المنع ، لأنّه وصيّة معتبرة من الثلث كسائر الوصايا ، وذكر الخدمة شرط داخل على الوصيّة (٤).

مسالة ٧٢٩ : لوليّ الصبي والمجنون أن يأخذ لهما بالشفعة ما بيع في شركتهما مع الغبطة لهما ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٤.

٢٣٢

وأبو حنيفة (١) ـ لأنّه خيار جعل لإزالة الضرر عن المال ، فملكه الوليّ في حقّ الصبي والمجنون ، كخيار الردّ بالعيب. وللعمومات الدالّة على ثبوت الشفعة للشريك ، فيدخلان فيه ، وكلّ حقّ هو لهما فإنّما يتولاّه الوليّ.

ولما رواه الخاصّة عن الصادق عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : وصيّ اليتيم بمنزلة أبيه يأخذ له الشفعة إذا كان [ له ] (٢) رغبة فيه » (٣).

وقال ابن أبي ليلى : لا شفعة فيه ، لأنّ الوليّ لا يثبت له الأخذ بالشفعة ، لأنّه لا يملك العفو ، ومن لا يملك العفو لا يملك الأخذ ، ولا يمكن الانتظار بها ، لأنّ في ذلك إضرارا بالمشتري ، فبطلت (٤).

وقال الأوزاعي : تثبت الشفعة ، وليس للوليّ أن يأخذ بها ، ويتأخّر ذلك إلى زوال الحجر عن مستحقّها ، لأنّ خيار القصاص ثبت للصبي ولا يستوفيه الوليّ ، كذلك الشفعة (٥).

والجواب : لا نسلّم أنّه ليس له العفو ، بل له ذلك مع المصلحة.

سلّمنا ، لكنّ العفو إسقاط حقّه ، والأخذ استيفاء حقّه ، وهذا فرق ، كما يملك قبض حقوقه ولا يملك إسقاط شي‌ء منها.

وخيار القصاص ثابت للوليّ مع المصلحة.

سلّمنا ، لكنّ القصد التشفّي ، وذلك لا تدخله النيابة ، والغرض‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٧٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٣٦ ، الوسيط ٤ : ٣٧٧ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٤ ، ١٩٥٥ ، فتاوى قاضى خان ( بهامش الفتاوى الهنديّة ) ٣ : ٥٣٦ ، المغني ٥ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٨٦ ـ ٤٨٧.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) الكافي ٥ : ٢٨١ ، ٦ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ ، ٧٣٧.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٧٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٤ ، ١٩٥٥ ، المغني ٥ : ٤٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٨٥.

(٥) المغني ٥ : ٤٩٥ و ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٨٧.

٢٣٣

بالشفعة إزالة الضرر عن المال ، وهو ممّا تدخله (١) النيابة.

مسالة ٧٣٠ : إنّما يأخذ الوليّ لهما إذا كان الأخذ مصلحة بأن يكون قد بيع بأقلّ من ثمن مثله ، أو تزيد قيمة الملك بأخذه ، أو يكون له مال يحتاج أن يشترى به العقار ، فيأخذه بثمن المثل.

وإن كان الحظّ في الأخذ فترك ، لم يصحّ الترك ، ولم تسقط الشفعة ، وكان للصبي والمجنون بعد الكمال أخذ الشقص ـ وبه قال محمد وزفر (٢) ـ لأنّه إسقاط حقّ للمولّى عليه ، لا حظّ له في إسقاطه ، فلم يسقط ، كالإبراء وإسقاط خيار الردّ بالعيب.

وقال أبو حنيفة : إذا عفا ، سقطت ، لأنّ من ملك الأخذ ملك العفو ، كالمالك (٣).

والفرق : أنّ المالك يملك الإبراء والتبرّع ، بخلاف الوليّ ، فبطل القياس.

وإن كان الحظّ في الترك ـ بأن يكون قد اشترى بأكثر من ثمن المثل أو لم يكن للصبي مال يشتري به فاستقرض له ورهن ماله وأخذ الشقص ـ لم يصحّ أخذه ، فإن أخذه ، لم يصحّ ، ولم يملكه الصبي بهذا الأخذ ، بل يكون باقيا على ملك المشتري ، ولا يقع للوليّ.

وكذا لو اشترى بأكثر من ثمن المثل ، لم يصحّ ، ولا يقع له إن سمّى الشراء للطفل. ولو أطلق ، وقع له ، بخلاف الأخذ بالشفعة ، لأنّ الشفعة تؤخذ بحقّ الشركة ، وذلك مختصّ بالصبي ، ولهذا لو أراد الوليّ الأخذ لنفسه ، لم يصحّ ، بخلاف الشراء.

__________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « يدخل » بدل « تدخله ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) المغني ٥ : ٤٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٨٦.

(٣) المغني ٥ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٨٦.

٢٣٤

وفي النكاح لو تزوّج لغيره بغير إذنه ، لم يقع للعاقد ، لأنّه يفتقر إلى ذكر الزوجين ، بخلاف البيع ، لأنّ عقد النكاح اختصّ بالمعقود له ، والشراء لا يحتاج إلى ذكر المشتري له.

مسالة ٧٣١ : العفو كالترك ليس للوليّ العفو عن الشفعة مع الحظّ بالأخذ ولا تركها كما بيّنّا.

ولو كان الحظّ في الترك فترك ، سقطت الشفعة ، وإذا زال الحجر عن المحجور عليه ، لم يكن له المطالبة بها ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأنّ الوليّ يتبع الحظّ والمصلحة للمولّى عليه ، فله الأخذ إذا كان فيه حظّ ، فإذا كان الحظّ في العفو ، وجب أن يصحّ ، كما يصحّ الأخذ ، ولهذا يصحّ من الوليّ الردّ بالعيب ، وإذا بلغ ، لم يكن له الاعتراض ، كذا هنا.

وقال بعض (٢) الشافعيّة : ليس للوليّ أن يعفو ، وإنّما يترك الأخذ إذا لم يكن حظّا ، فإذا زال الحجر ، كان المحجور عليه بالخيار. وجعله قولا ثانيا للشافعي ـ وبه قال زفر ومحمد بن الحسن الشيباني (٣) ـ لأنّ المستحقّ للشفعة له أخذها ، سواء كان له فيها حظّ أو لم يكن ، وإنّما يعتبر الحظّ في حقّ المولّى [ عليه ] (٤) ، وإذا زال عنه الحجر ، كان له الأخذ.

مسالة ٧٣٢ : لو باع الوصي أو الوليّ شقصا للطفل وطفل آخر ـ هو وليّه أيضا ـ شريك‌ ، كان له الأخذ بالشفعة للآخر ، لأنّ الأوّل قد يحتاج إلى البيع ، والثاني إلى الأخذ.

ولو كان الوليّ هو الشريك ، فالأقرب : أنّ له الأخذ ، لأنّه حقّ ثبت له على المشتري بعد تمام العقد وانقطاع ملك الطفل ، وهو أحد وجهي‌

__________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٣١٣.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٣١٣.

(٣) انظر : بدائع الصنائع ٥ : ١٦ ، وحلية العلماء ٥ : ٣١٢.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

٢٣٥

الشافعيّة. والثاني ـ وهو الأصحّ عندهم ـ : أنّه ليس له أخذه بالشفعة ، لأنّه لو مكّن منه ، لم يؤمن أن يترك النظر والاستقصاء للصبي ، ويسامح في البيع ليأخذ بالشفعة بالثمن البخس ، كما أنّه لا يمكّن من بيع ماله من نفسه (١).

ولو رفع ذلك إلى الحاكم فباعه ، أخذه الوصيّ ، لزوال التهمة.

ولو كان البائع الأب أو الجدّ له ، جاز له الأخذ ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لأنّه يجوز أن يبيع من نفسه. ولأنّ ولايتهما أقوى ، وكذا شفقتهما.

ولو اشترى شقصا للطفل وهو شريك في العقار ، فله الأخذ بالشفعة ، لثبوت السبب السالم عن معارضة التهمة ، إذ لا يزيد في الثمن ليأخذ به ، وهو أحد قولي الشافعي.

وفي الثاني : أنّه ليس له الأخذ ، لأنّه يلزم الصبي العهدة ولا منفعة له فيه (٣).

وليس بجيّد ، لأنّ له أن يشتري للصبي وأن يشتري منه.

ولو وكّل الشريك شريكه في البيع فباع ، فله الأخذ بالشفعة ـ وهو أحد قولي الشافعيّة ، وقال بعضهم : إنّه قول الأكثر (٤) ـ لأنّ الموكّل ناظر لنفسه ، يعترض ويستدرك إن وقف على تقصير الوكيل ، والصبي عاجز عن ذلك ، فيصان حقّه عن الضياع.

وقال بعضهم : ليس له الأخذ ، للتهمة (٥).

ولو وكّل إنسان أحد الشريكين ليشتري الشقص من الآخر ، فاشتراه ، فله الأخذ.

وهنا إشكال ، وهو إن رضي الشريك بالبيع ، تبطل شفعته ، وفي هذه الصور كيف تتحقّق الشفعة مع قصد البيع ورضاه حيث كان وكيلا باختياره!؟

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٤.

٢٣٦

وقال أبو حنيفة : في الوكيل والوصي معا تثبت الشفعة في الشراء ، ولا تثبت في البيع (١).

ولو وكّل الشريك شريكه ببيع نصف نصيبه ، أو أذن له في بيع نصيبه أو بعض نصيبه مع نصيب الموكّل إن شاء ، فباع نصف نصيب الموكّل مع نصف نصيبه صفقة واحدة ، فللموكّل أخذ نصيب الوكيل بالشفعة.

وهل للوكيل أخذ نصيب الموكّل؟ للشافعي (٢) الوجهان السابقان.

مسالة ٧٣٣ : إنّه سيأتي (٣) الخلاف في أنّ الشفعة هل تثبت مع الكثرة أم لا؟ فإن قلنا به لو كان ملك بين ثلاثة فباع أحدهم نصيبه من أحد الآخرين ، فالشفعة بين المشتري والشريك الآخر يشتركان في المبيع ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك والمزني والشافعي في أصحّ الوجهين (٤) ـ لاستوائهما في الشركة وسبب الشفعة ، كما لو كان المشتري غيره.

وقال بعض الشافعيّة : إنّ الشريك الثالث منفرد بالشفعة ، ولا حقّ فيه للمشتري ـ وهو محكيّ عن الحسن البصري وعثمان البتّي ـ لأنّ الشفعة تستحقّ على المشتري ، فلا يجوز أن يستحقّها المشتري على نفسه (٥).

وليس بصحيح ، لأنّا لا نقول : تجب له الشفعة ، بل لا يستحقّ عليه‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٥.

(٣) لم نعثر على الخلاف فيما يأتي من مسائل الشفعة ، وقد تقدّم في ص ٢٠١ ـ ٢٠٢ ، المسألة ٧٠٦.

(٤) المغني ٥ : ٥٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٩ ـ ٥٠٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٥.

(٥) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٥ ، المغني ٥ : ٥٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٥.

٢٣٧

في نصف النصيب ، لأنّه أولى من الشريك الآخر ، ولا بعد في استحقاق الإنسان على نفسه لأجل تعلّق حقّ الغرماء ، كالعبد المرهون إذا جنى على عبد آخر لسيّده ، فإنّه يثبت للسيّد على العبد أرش الجناية لأجل تعلّق حقّ الغير به ، ولو لم يكن مرهونا ، ما تعلّق به ، فعلى هذا يكون الثالث بالخيار بين أن يترك جميع المبيع ، أو يأخذ الجميع ، وعلى الأوّل يتخيّر بين أن يأخذ نصف المبيع أو يترك.

فإن قال المشتري : خذ الكلّ أو اترك الكلّ وقد تركت أنا حقّي ، لم تلزمه الإجابة ، ولم يصح إسقاط المشتري الشفعة ، لأنّ ملكه مستقرّ على النصف بالشراء ، فأشبه ما إذا كان للشقص شفيعان : حاضر وغائب ، فأخذ الحاضر الجميع ، ثمّ عاد الغائب ، له أن يأخذ نصفه ، وليس للحاضر أن يقول : اترك الكلّ أو خذ الكلّ وأنا تركت حقّي ، ولا نظر إلى تبعّض الصفقة عليه ، فإنّه لزم من دخوله في هذا العقد.

وعن بعض الشافعيّة وجه : أنّه إذا ترك فيه المشتري حقّه ، وجب على الآخر أخذ الكلّ أو ترك الكلّ ، كما إذا باع من أجنبيّ وله شفيعان ، فترك أحدهما حقّه ، يأخذ الآخر الكلّ أو يترك الكلّ ، إلاّ أنّ هذا الترك سابق على اختيار التملّك هناك ، وفيما نحن فيه اختيار (١) التملّك بالشراء ، فلم يؤثّر الإعراض بعده (٢).

ولو كان بين اثنين دار فباع أحدهما نصف نصيبه من ثالث ثمّ باع النصف الثاني من ذلك الثالث ، فعلى أحد قولي الشافعيّة حكمه حكم ما لو‌

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « اختار ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٥.

٢٣٨

باع النصف الثاني من أجنبيّ. وعلى الآخر : لا شفعة للمشتري ، وللشفيع الخيار بين أن يأخذ الكلّ أو يأخذ أحد النصفين دون الآخر (١).

مسالة ٧٣٤ : تبرّعات المريض عندنا من الثلث‌ ، فلو باع المريض شقصا من دار وله شفيع ، فإمّا أن يبيع بثمن المثل أو بدونه ، فإن باع بثمن المثل ، لزم البيع ، وثبتت فيه الشفعة ، سواء كان المشتري والشفيع وارثين أو أحدهما أو غير وارثين ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لأنّ البيع بثمن المثل لا اعتراض فيه ، وإنّما يعترض على المريض في التبرّع ، وبه قال أبو يوسف ومحمد (٣) أيضا.

وقال أبو حنيفة : لا يصحّ بيعه من وارثه ، لأنّه محجور عليه في حقّه ، فصار كبيع الصبي (٤).

وهو غلط ، لأنّه محجور عليه في التبرّع في حقّه ، كما يحجر عليه في حقّ الأجنبيّ في الثلث ، ويصحّ أن يبيع منه بثمن مثله مطلقا ، كذا هنا.

وإن باع بدون ثمن المثل ، فلا يخلو إمّا أن يكون المشتري والشفيع أجنبيّين أو وارثين أو المشتري وارثا والشفيع أجنبيّا أو بالعكس.

فإن كانا أجنبيّين ، فإن احتمل الثلث المحاباة ، صحّ البيع ، وأخذ الشقص بالشفعة ، ولا (٥) إشكال ، لأنّ المحاباة وقعت في البيع ، فإذا وقع البيع مسترخصا ، لم يسقط حقّ الشفعة ، ولم يجز أن يأخذه بأكثر من الثمن.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٥.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٢٨٠ ، المغني ٥ : ٤٧٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٥.

(٣) حلية العلماء ٥ : ٢٨٠ ، المغني ٥ : ٤٧٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٥.

(٤) حلية العلماء ٥ : ٢٨٠ ، المغني ٥ : ٤٧٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٥.

(٥) في « ي » والطبعة الحجريّة : « فلا » بدل « ولا ».

٢٣٩

وإن لم يحتمله ، كما لو باع شقصا مستوعبا يساوي ألفين بألف ، فإن ردّه الورثة ، بطل البيع في بعض المحاباة ، وهو ما زاد على الثلث. وفي صحّة البيع في الباقي للشافعيّة طريقان :

أحدهما : التخريج على الخلاف في تفريق الصفقة.

والثاني : القطع بالصحّة (١).

وهو مذهبنا ، لكنّ المشتري بالخيار ، لتبعّض الصفقة عليه ، فإن اختار الشفيع أن يأخذه ، لم يكن للمشتري الردّ. وإن لم يرض الشفيع بالأخذ ، فللمشتري الخيار بين أخذ الباقي وبين الردّ.

وعلى الصحّة ففيما يصحّ البيع؟ للشافعيّة قولان :

أحدهما : أنّه يصحّ في قدر الثلث والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن.

والثاني : أنّه لا يسقط من المبيع شي‌ء إلاّ ويسقط ما يقابله من الثمن (٢).

وهذا الأخير هو الأقوى عندي ، وقد تقدّم (٣) بيانه.

فإن قلنا بالأوّل ، صحّ البيع ـ في الصورة المفروضة ـ في خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن. وإن قلنا بالثاني ، دارت المسألة.

وطريقه أن نقول : صحّ البيع في شي‌ء من الشقص بنصف شي‌ء ، يبقى مع الورثة ألفان يعادل شيئا ونصفا والشي‌ء من شي‌ء ونصف ثلثاه ، فعلمنا صحّة البيع في ثلثي الشقص ، وقيمته ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث بثلثي الثمن ، وهو نصف هذا ، فتكون المحاباة بستّمائة وستّة وستّين‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٦.

(٣) في ص ٢٤ ، المسألة ٥٦٠.

٢٤٠