تذكرة الفقهاء - ج ١٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٣٩٢

مسالة ٧٠٥ : شرطنا في محلّ الشفعة من العقار كونه ثابتا. واحترزنا بالثابت عمّا إذا كان بين اثنين غرفة عالية أو حجرة معلّقة على سقف لأحدهما أو لغيرهما ، فإذا باع [ أحدهما ] (١) نصيبه ، فلا شفعة لشريكه ، لأنّه لا أرض لها ولا ثبات فأشبهت المنقولات.

ولو كان السقف لهما وبيع معها ، فالأقرب : أنّه لا شفعة لشريكه أيضا ، لأنّ الأرض التي لهما لا ثبات لها ، وما لا ثبات له في نفسه لا يعدّ (٢) ثباتا لما هو عليه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة (٣).

والثاني : أنّ الشفعة تثبت ، للاشتراك بينهما أرضا وجدرانا (٤).

وليس بجيّد ، لأنّ ما هو أرضهما لا ثبات له.

ولو كان السفل بين اثنين والعلوّ لأحدهما فباع صاحب العلوّ العلوّ ونصيبه من السفل ، كان للشفيع أخذ السفل لا غير ، لأنّ الشفعة لا تثبت في الأرض إلاّ إذا كانت مشتركة ، فكذلك ما فيها من الأبنية ، ولا شركة بينهما في العلوّ ، وهو قول بعض الشافعيّة (٥).

وقال بعضهم : إنّ الشريك يأخذ السفل ونصف العلوّ بالشفعة ، لأنّ الأرض مشتركة بينهما ، وما فيها تابع لها ، ألا ترى أنّه يتبعها في بيع الأرض عند الإطلاق ، فكذلك في الشفعة (٦). وليس بشي‌ء.

ولو كانت بينهما أرض مشتركة ، وفيها أشجار لأحدهما ، فباع صاحب الأشجار الأشجار ونصيبه من الأرض ، ففيه الخلاف المذكور.

مسالة ٧٠٦ : يشترط كون المبيع مشتركا بين اثنين لا أزيد‌ ، فلو تعدّد‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) كذا ، والظاهر : « لا يفيد » بدل « لا يعدّ ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٧.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٧.

٢٠١

الشركاء وزادوا على اثنين ، فلا شفعة عند أكثر علمائنا (١) ، خلافا للعامّة.

لنا : الأصل عدم الشفعة ، أثبتناها في الاثنين ، دفعا لضرورة الشركة ، وهذا المعنى منتف في حقّ الزائد على الاثنين ، فيبقى على أصالة العدم.

وما رواه العامّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أنّه قضى بالشفعة في كلّ مشترك (٢) لم يقسم ربع أو حائط لا يحلّ له أن يبيعه حتى يؤذن شريكه ، فإن شاء أخذ ، وإن شاء ترك ، فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحقّ به » (٣) وهو يدلّ على الاقتصار على الواحد.

ومن طريق الخاصّة : رواية عبد الله بن سنان ـ الصحيحة ـ عن الصادق عليه‌السلام قال : « لا تكون الشفعة إلاّ لشريكين ما لم يتقاسما ، فإذا صاروا ثلاثة ، فليس لواحد منهم شفعة » (٤).

وفي رواية يونس ـ السابقة (٥) ـ عن الصادق عليه‌السلام : « وإن زاد على الاثنين فلا شفعة لأحد منهم ».

وقال بعض (٦) علمائنا ـ وهو قول الجمهور كافّة ـ : إنّها تثبت مع الكثرة ، لما رواه السكوني عن الصادق عن الباقر عن آبائه عن عليّ عليهم‌السلام قال : « الشفعة على عدد الرجال » (٧).

__________________

(١) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦١٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٤٢٤ ، وسلاّر في المراسم : ١٨٣ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٦١.

(٢) كذا في « س ، ي » والطبعة الحجريّة ، وفي المصدر : « شركة » بدل « مشترك ».

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٩ ، ١٣٤ ، سنن النسائي ٧ : ٣٢٠.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨١ ، ٧ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ ، ٧٢٩ ، الإستبصار ٣ : ١١٦ ، ٤١٢.

(٥) في ص ١٩٥ ـ ١٩٦.

(٦) الشيخ الصدوق في الفقيه ٣ : ٤٦ ، ذيل الحديث ١٦٢.

(٧) التهذيب ٧ : ١٦٦ ، ٧٣٦ ، الاستبصار ٣ : ١١٦ ـ ١١٧ ، ٤١٦.

٢٠٢

والطريق ضعيف لا يعوّل عليه.

إذا ثبت هذا ، فالقائلون بثبوت الشفعة مع الكثرة اختلفوا ، فقال بعضهم : إنّها على عدد الرءوس (١). وقال بعضهم : إنّها على عدد الأنصباء (٢).

مسالة ٧٠٧ : شرطنا في المأخوذ أن كان ممّا يقبل القسمة‌ ، كالبساتين والدور المتّسعة وغيرها ، لأنّ ما لا يقبل القسمة ـ كالحمّام والدار الضيّقة والعضائد الضيّقة وما أشبه ذلك ـ لا تثبت فيه الشفعة عند أكثر علمائنا (٣) ـ وبه قال عثمان وربيعة والشافعي ومالك في إحدى الروايتين (٤) ـ لأنّ الشفعة تضرّ بالبائع ، لأنّه لا يمكنه أن يخلص نصيبه بالقسمة ، وقد يمتنع المشتري لأجل الشفيع ، ولا يمكنه القسمة ، فيسقط حقّ الشفعة ، فلهذا لم تجب الشفعة.

__________________

(١) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٤ : ٢٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٨ ، ١٩٦٥ ، الوسيط ٤ : ٩٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٢ ، المغني ٥ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٠.

(٢) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٤ : ٢٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٨ ، ١٩٦٥ ، الوسيط ٤ : ٩٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢ ، المغني ٥ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٠.

(٣) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٤٤١ ، المسألة ١٦ ، وسلاّر في المراسم : ١٨٣ ، والمحقّق الحلّي في المختصر النافع : ٢٥٧.

(٤) المغني ٥ : ٤٦٥ و ٤٦٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٨ و ٤٦٩ ، معالم السنن ـ للخطّابي ـ ٥ : ١٧٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٤ ، الوجيز ١ : ٢١٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٧ و ١٥٨ ، وفي الخلاف ـ للشيخ الطوسي ـ ٣ : ٤٤١ ، المسألة ١٦ حكاية قول عثمان أيضا.

٢٠٣

ولما رواه السكوني عن الصادق عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا شفعة في سفينة ولا في نهر ولا في طريق » (١).

وقال بعض (٢) علمائنا : تثبت فيه الشفعة ـ وبه قال الثوري ومالك في الرواية الأخرى ، وأبو حنيفة وأصحابه ، وأبو العباس بن سريج من الشافعيّة ، ونقله قولا آخر للشافعي (٣) ـ لعموم قول الصادق عليه‌السلام : « الشفعة جائزة في كلّ شي‌ء » (٤).

ولأنّ الشفعة تثبت لأجل الضرر بالمشاركة ، والضرر في هذا النوع أكثر ، لأنّه يتأبّد ضرره.

والرواية مقطوعة السند.

وأصل اختلاف الشافعيّة هنا مبنيّ على علّة ثبوت الشفعة في المنقسم (٥) إن قلنا : إنّها تثبت لدفع ضرر الشركة فيما يتأبّد ويدوم ، كتضيّق المداخل ، والتأذّي بحرفة (٦) الشريك أو أخلاقه (٧) أو كثرة الداخلين عليه ، وما أشبه ذلك.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨٢ ، ١١ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ ، ٧٣٨ ، الاستبصار ٣ : ١١٨ ، ٤٢٠.

(٢) كالسيّد المرتضى في الانتصار : ٢١٥ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٨٩.

(٣) المغني ٥ : ٤٦٥ ـ ٤٦٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٩ ، معالم السنن ـ للخطّابي ـ ٥ : ١٧٢ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٤ : ٣٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٧.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨١ ، ٨ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ ، ٧٣٠ ، الإستبصار ٣ : ١١٦ ، ٤١٣.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « التقسيم » بدل « المنقسم ». والصحيح ما أثبتناه.

(٦) في الطبعة الحجريّة : « بخراءة » بدل « بحرفة » ولها وجه ، وفي « س ، ي » بدلهما : « بجزية ». وهي تصحيف ما أثبتناه من المصدر.

(٧) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « اختلافه » بدل « أخلاقه ». وما أثبتناه من المصدر.

٢٠٤

وأصحّهما : أنّها تثبت لدفع الضرر الذي ينشأ من القسمة من بذل مئونتها ، والحاجة إلى أفراد الحصّة الصائرة إليه بالمرافق الواقعة في حصّة صاحبه ، كالمصعد والمبرز والبالوعة ونحوها ، وكلّ واحد من الضررين وإن كان حاصلا قبل البيع لكن من رغب من الشريكين في البيع كان من حقّه أن يخلص الشريك ممّا هو فيه ببيعه منه ، فإذا لم يفعل ، سلّطه الشرع على أخذه. فإن قلنا بالأصحّ ، لم تثبت الشفعة فيما لا ينقسم ، لأنّه يؤمن فيه من ضرر القسمة. وإن قلنا بالأوّل ، ثبتت الشفعة فيه (١).

مسالة ٧٠٨ : المراد من المنقسم ما يتجزّا ويكون كلّ واحد من جزأيه منتفعا به من الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة دون غيره ، ولا عبرة بإمكان الانتفاع به من وجوه أخر ، للتفاوت العظيم بين أجناس المنافع.

وقيل : المنقسم ما لا تنقص قيمته نقصانا فاحشا ، فلو كانت قيمة الدار مائة ولو قسّمت عادت قيمة كلّ نصف إلى ثلاثين ، لم تقسّم ، لما فيها من الضرر (٢).

وقيل : إنّه الذي يبقى منتفعا به بعد القسمة بوجه ما ، أمّا إذا خرج عن حدّ الانتفاع بالكلّيّة ـ أمّا لضيق الخطّة وقلّة النصيب ، أو لأنّ أجزاءه غير منتفع بها وحدها ، كشرب القنا (٣) ، ومصراعي الباب ـ فلا ينقسم (٤).

مسالة ٧٠٩ : إذا كانت الطاحونة أو الحمّام كبيرين يمكن إفراد حصّة‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٧.

(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٧.

(٣) في « العزيز شرح الوجيز » بدل « كشرب القنا » : « كماء سراب القنا ». ولعلّها : « كأسراب القنا ». والسرب : القناة الجوفاء التي يدخل منها الماء الحائط. لسان العرب ١ : ٤٦٦ « سرب ».

(٤) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٧ ـ ١٥٨.

٢٠٥

كلّ منهما عن صاحبه من غير تضرّر ، أو كان مع البئر أرض تسلم البئر لأحدهما ، أو كان في الرحى أربعة أحجار دائرة يمكن أن ينفرد كلّ منهما بحجرين ، أو كان الطريق واسعا لا تبطل منفعته بالقسمة ، أو كان الحمّام كثير البيوت يمكن جعله حمّامين ، أو متّسع البيوت يمكن جعل كلّ بيت بيتين ، أو كانت البئر واسعة يمكن أن يبنى فيها فتجعل بئرين لكلّ واحدة بياض يقف فيه المستقي ويلقي فيه ما يخرج منها ، تثبت الشفعة في ذلك كلّه.

ولو كان بين اثنين دار ضيّقة لأحدهما عشرها ، فإن قلنا بثبوت الشفعة فيما لا يقسم ، فأيّهما باع نصيبه فلصاحبه الشفعة. وإن حكمنا بمنعها ، فإن باع صاحب العشر نصيبه ، لم تثبت لصاحبه الشفعة ، لأنّه آمن من أن يطلب مشتريه القسمة ، لانتفاء فائدته فيها ، ولو طلب لم يجب إليه ، لأنّه متعنّت مضيّع لماله ، وإذا كان كذلك ، فلا يلحقه ضرر القسمة.

فإن باع الآخر ، ففي ثبوت الشفعة لصاحب العشر وجهان بناء على أنّ صاحب الأزيد هل يجاب إذا طلب القسمة ، لأنّه منتفع بالقسمة؟ والظاهر عند الشافعي أنّه يجاب (١). ونحن نقول بخلافه.

ولو كان حول البئر بياض وأمكنت القسمة بأن تجعل البئر لواحد والبياض لآخر ، أو كان موضع الحجر والرحى واحدا وله بيت ينتفع به وأمكنت القسمة بأن يجعل موضع الحجر لواحد والبيت لآخر ، تثبت الشفعة ـ وهو أحد قولي الشافعي (٢) ـ وهو مبنيّ على أنّه لا يشترط فيما يصير لكلّ واحد منهما أن يمكن الانتفاع به من الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة.

ولو كان لاثنين مزرعة يمكن قسمتها وبئر يستقى منها باع أحدهما‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٨.

٢٠٦

نصيبه منهما ، تثبت للآخر الشفعة فيهما إن انقسمت البئر ، أو قلنا بثبوت الشفعة فيما لا ينقسم ، وإلاّ ثبتت في المزرعة.

وهل تثبت في البئر؟ الأقوى : أنّها تثبت ، لأنّها تابعة ، كالأشجار ، وهو أحد قولي الشافعي (١).

وأصحّهما : المنع ، والفرق بين البئر والأشجار ظاهر ، فإنّ الأشجار ثابتة في محلّ الشفعة ، والبئر مباينة عنه (٢).

والفرق لا يخرج البئر عن التبعيّة ، ويذكر غيره (٣) ، كالحائط.

البحث الثاني : في الآخذ.

مسالة ٧١٠ : أخذ الشفعة يشترط أن يكون شريكا في المشفوع‌ ، فلا تثبت الشفعة بالجوار ، وإنّما تثبت بالخلطة إمّا في الملك أو في طريقه أو نهره أو ساقيته ، وبه قال عبيد الله بن الحسن العنبري وسوار القاضي (٤).

ووافقنا الشافعي على أنّ الشفعة لا تثبت للجار ـ وبه قال عمر وعثمان وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن يسار وسعيد بن المسيّب ويحيى ابن سعد الأنصاري ، ومن الفقهاء : ربيعة ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور (٥) ـ لما رواه العامّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « الشفعة فيما‌

__________________

(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٨.

(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٨.

(٣) أي : أنّ الذي يذكر في البيع غير البئر.

(٤) المغني ٥ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٦ ـ ٤٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٧.

(٥) المغني ٥ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٦ ، الوجيز ١ : ٢١٥ ، الوسيط ٤ : ٧٢ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٩ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٦.

٢٠٧

لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود وصرّفت (١) الطرق فلا شفعة » (٢).

ومن طريق الخاصّة : قول الباقر عليه‌السلام : « إذا وقعت السهام ارتفعت الشفعة » (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : « الشفعة لا تكون إلاّ لشريك » (٤).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا رفّت الأرف (٥) وحدّت الحدود فلا شفعة » (٦).

وقال أبو حنيفة والثوري وابن شبرمة وابن أبي ليلى : إنّ الشفعة تثبت بالشركة ثمّ بالشركة في الطريق ثمّ بالجوار (٧).

وفصّل أبو حنيفة ، فقال : يقدّم الشريك ، فإن لم يكن شركة وكان الطريق مشتركا كدرب لا ينفذ ، فإنّه تثبت الشفعة لجميع أهل الدرب الأقرب فالأقرب ، ولو لم يأخذ هؤلاء ، تثبت للملاصق من درب آخر خاصّة ، لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « الجار أحقّ بسقبه (٨) » (٩) وقال عليه‌السلام : « جار‌

__________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « ضربت » بدل « صرّفت ». وما أثبتناه من المصادر. انظر : الهامش التالي.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١١٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٣٥ ، ٢٤٩٩ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٨٥ ، ٣٥١٤ ، سنن البيهقي ٦ : ١٠٢.

(٣) الكافي ٥ : ٢٨٠ ، ٣ ، الفقيه ٣ : ٤٦ ، ١٦١ ، التهذيب ٧ : ١٦٣ ، ٧٢٤.

(٤) التهذيب ٧ : ١٦٤ ، ٧٢٥.

(٥) الأرفة : الحدّ ومعالم الحدود بين الأرضين. الصحاح ٤ : ١٣٣١ « أرف ».

(٦) الكافي ٥ : ٢٨٠ ، ٤ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ ، ٧٢٧.

(٧) حلية العلماء ٥ : ٢٦٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٩ ، المغني ٥ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٦.

(٨) السّقب : القرب. النهاية ـ لابن الأثير ـ ٢ : ٣٧٧ « سقب ».

(٩) صحيح البخاري ٣ : ١١٥ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٨٦ ، ٣٥١٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٥٣ ، ذيل الحديث ١٣٧٠.

٢٠٨

الدار أحقّ بدار جاره أو الأرض » (١) (٢).

والحديث ممنوع ، وقد طعن فيه جماعة ، لأنّ الحديث الأخير رواه الحسن (٣) [ عن ] (٤) سمرة (٥) ، وقال أصحاب الحديث : لم يرو عنه إلاّ حديثا واحدا ، وهو حديث العقيقة (٦) (٧). و « الجار » في الحديث الأوّل يحمل على الشريك.

إذا ثبت هذا ، فإنّه لا شفعة للجار ، سواء كان ملاصقا أو مقابلا.

وقال أبو حنيفة : للجار الملاصق الشفعة ، وللمقابل أيضا إذا لم يكن الطريق بينهما نافذا (٨). وعن ابن سريج من الشافعيّة (٩) تخريج كمذهب أبي حنيفة.

مسالة ٧١١ : قد بيّنّا أنّه لا تثبت الشفعة بالجوار ولا فيما قسّم وميّز إلاّ أن يكون بينهما شركة في طريق أو نهر أو ساقية بشرط أو يبيع الدار مع الطريق ، والبستان مع الشرب أو النهر ، لما رواه منصور بن حازم ـ في الحسن ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن دار فيها دور وطريقهم واحد‌

__________________

(١) سنن أبي داود ٣ : ٢٨٦ ، ٣٥١٧.

(٢) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٣٩ ، ١٩٤٧ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٧ ، المغني ٥ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٦.

(٣) وهو : الحسن البصري. راجع المصادر في الهامش ٦.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ابن ». وذلك تصحيف.

(٥) وهو : سمرة بن جندب. راجع المصادر في الهامش التالي.

(٦) سنن الترمذي ٤ : ١٠١ ، ١٥٢٢ ، سنن البيهقي ٩ : ٣٠٣ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٤ : ٢٣٧ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٧ : ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ، ٦٨٢٧ ـ ٦٨٣٢ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٨ : ٤٨ ، ٤٢٩٠ ، و ١٤ : ١٢٢ ، ١٨١٥٦.

(٧) التمهيد ١ : ٣٧ ، الاستذكار ٥ : ١٩ ، ٥٦٨٦ ، المغني ٥ : ٤٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٨.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٩.

(٩) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٩.

٢٠٩

في عرصة الدار فباع بعضهم منزله من رجل هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا بالشفعة؟ فقال : « إن كان باب الدار وما حول بابها إلى الطريق غير ذلك ، فلا شفعة لهم ، وإن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة » (١).

وعن منصور بن حازم ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قلت له : دار بين قوم اقتسموها فأخذ كلّ واحد منهم قطعة وتركوا بينهم ساحة فيها ممرّهم فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم ، إله ذلك؟ قال : « نعم ، ولكن يسدّ بابه ويفتح بابا إلى الطريق ، أو ينزل من فوق البيت ويسدّ بابه ، وإن أراد صاحب الطريق بيعه فإنّهم أحقّ به ، وإلاّ فهو طريقه يجي‌ء يجلس على ذلك الباب » (٢).

وعن منصور بن حازم عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قلت له : دار بين قوم اقتسموها وتركوا بينهم ساحة فيها ممرّهم فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم ، إله ذلك؟ قال : « نعم ، ولكن يسدّ بابه ويفتح بابا إلى الطريق أو ينزل من فوق البيت ، فإن أراد شريكهم أن يبيع منقل قدميه فإنّهم أحقّ به ، وإن أراد يجي‌ء حتى يقعد على الباب المسدود الذي باعه لم يكن لهم أن يمنعوه » (٣).

مسالة ٧١٢ : الدار إمّا أن يكون بابها مفتوحا إلى درب نافذ‌ ، أو غير نافذ ، فإن كان الأوّل ولا شريك له في الدار ، فلا شفعة فيها لأحد ولا في ممرّها ، لأنّ هذا الدرب غير مملوك. وإن كان الثاني ، فالدرب ملك مشترك بين سكّانه على السويّة. فإن باع نصيبه من الممرّ وحده ، فللشركاء الشفعة‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٦٥ ، ٧٣١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٨١ ، ٩ ، التهذيب ٧ : ١٦٥ ، ٧٣٢ ، الاستبصار ٣ : ١١٧ ، ٤١٨.

(٣) التهذيب ٧ : ١٦٧ ـ ١٦٨ ، ٧٤٣.

٢١٠

إن كان واحدا وأمكن قسمته ، وإلاّ فلا.

وإن باع الدار بممرّها فللشريك في الممرّ الشفعة في الدار وطريقها.

وقال الشافعي : لا شفعة له في الدار ، لأنّه لا شركة [ له ] (١) فيها ، فصار كما لو باع شقصا من عقار مشترك وعقارا غير مشترك (٢).

وقال أبو حنيفة (٣) كقولنا من إثبات الشفعة.

وإن أرادوا أخذ الممرّ بالشفعة ، قال الشافعي : ينظر إن كان للمشتري طريق آخر إلى الدار أو أمكنه فتح باب آخر إلى شارع ، فلهم ذلك على المشهور إن كان منقسما ، وإلاّ فعلى الخلاف في غير المنقسم.

وقال بعض الشافعيّة : إن كان في اتّخاذ الممرّ الحادث عسر أو مئونة لها وقع ، وجب أن يكون ثبوت الشفعة على الخلاف الآتي (٤).

وإن لم يكن له طريق آخر ولا أمكن اتّخاذه ، ففيه وجوه :

أحدها : أنّهم لا يمكّنون منه ، لما فيه من الإضرار بالمشتري ، والشفعة شرّعت لدفع الضرر ، فلا يزال الضرر بالضرر.

والثاني : أنّ لهم الأخذ ، والمشتري هو المضرّ بنفسه حيث اشترى مثل هذه الدار.

والثالث : أن يقال لهم : إن أخذتموه على أن تمكّنوا المشتري من المرور ، فلكم الأخذ ، وإلاّ فلا شفعة لكم جمعا بين الحقّين (٥).

والأقرب عندي : أنّ الطريق إن كان ممّا يمكن قسمته والشريك واحد‌

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « لهم ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٩.

٢١١

وبيع مع الدار المختصّة بالبائع صفقة ، فللشريك الآخر أخذ الطريق خاصّة إن شاء ، وإن شاء أخذ الجميع. وإن لم يمكن قسمته ، لم يكن له أخذه خاصّة ، بل إمّا أن يأخذ الجميع أو يترك.

وإذا كان في الخان بيوت مشتركة بين مالكين ، فالشركة في صحنه كشركة مالكي الدارين في الدرب المنقطع. وكذا الشركة في مسيل ماء الأرض ، دون الأرض.

مسالة ٧١٣ : لا تثبت الشفعة في المقسوم والجوار بغير الشركة في الطريق والنهر والساقية ولا إذا بيعت الدار منفردة عن الطريق ، أمّا لو باعها مع الطريق ثمّ حوّل الباب ، ثبتت الشفعة.

ولو كانت الشركة في الجدار أو السقف أو غير ما ذكرنا من الحقوق ، فلا شفعة ، عملا بالأصل.

ولو كانت المزرعة مختصّة وبئرها التي يسقى الزرع منها مشتركة حتى بيعت المزرعة والبئر ، ففي ثبوت الشفعة في المزرعة بمجرّد الشركة في البئر إشكال ينشأ : من الاقتصار على مورد النصّ فيما يخالف الأصل ، ولا شكّ في مخالفة الشفعة للأصل. ومن أنّها مشتركة في مسقى.

والشافعي ألحق الشركة في البئر بالشركة في الممرّ (١).

مسالة ٧١٤ : يشترط في الآخذ بالشفعة الإسلام إن كان المشتري مسلما‌ ، وإلاّ فلا تثبت الشفعة للذمّيّ على المسلم ، وتثبت للمسلم على الذمّي ، وللذمّي على مثله ، سواء تساويا في الكفر أو اختلفا ولو كان أحدهما حربيّا ، ذهب إليه علماؤنا ـ وبه قال الشعبي وأحمد والحسن بن‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٩.

٢١٢

صالح بن حي (١) ـ لأنّه نوع سبيل ، وقال الله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٢).

ولما رواه العامّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « لا شفعة لذمّيّ على مسلم » (٣).

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « ليس لليهود والنصارى شفعة » (٤).

ولأنّه تملّك بغير مملّك ، فأشبه الإحياء.

وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك والأوزاعي وأصحاب أبي حنيفة : تثبت للذّميّ الشفعة على المسلم ، لأنّ الشفعة خيار يثبت لإزالة الضرر عن المال ، فاستوى فيه المسلم والذمّي ، كالردّ بالعيب (٥).

ويمنع كونها خيارا ، وإنّما هو تملّك قهريّ ، فلا يثبت للكافر ، للآية (٦).

__________________

(١) المغني ٥ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٣ ، حلية العلماء ٥ : ٢٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٠ ـ ٤٩١.

(٢) النساء : ١٤١.

(٣) لم نقف على نصّ الحديث في المصادر الحديثيّة المتوفّرة لدينا ، وقد روى البيهقي في السنن الكبرى ٦ : ١٠٨ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « لا شفعة للنصراني ».

وفي ص ١٠٩ « ليس لليهودي والنصراني شفعة ». وقد أورد الحديث كما في المتن الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٤٥٤ ، المسألة ٣٨ من كتاب الشفعة.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨١ ، ٦ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ ، ٧٣٧.

(٥) بدائع الصنائع ٥ : ١٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٤ ، ١٩٥٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٧١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٩ ، المدوّنة الكبرى ٥ : ٤٥٣ ، المغني ٥ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٣ ـ ٥٤٤.

(٦) النساء : ١٤١.

٢١٣

مسالة ٧١٥ : تثبت الشفعة للكافر على الكافر وإن اختلفا في الدين‌ ، لعموم الأخبار السالمة عن معارضة تسلّط الكافر على المسلم ، وكالردّ بالعيب.

فإن كان الثمن حلالا ، تثبت (١) الشفعة.

وإن كان خمرا أو خنزيرا ، فإن لم يتقابضاه وترافعا إلى الحاكم ، أبطل البيع ، وسقطت الشفعة.

وإن وقع بعد التقابض والأخذ بالشفعة ، لم يردّه ولا الشفعة ، وصحّ البيع والأخذ.

وإن كان بعد التقابض وقبل الأخذ بالشفعة ، لم يردّ البيع ، لأنّهما تقابضا الثمن ، ولم تثبت الشفعة ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لأنّ البيع وقع بثمن حرام ، فلم تثبت فيه الشفعة ، كما لو كان ثمنه مغصوبا.

وقال أبو حنيفة : تجب الشفعة ، بناء على أصله في أنّ الخمر مال لأهل الذمّة (٣). وهو غلط.

ولو بيع شقص فارتدّ الشريك ، فهو على شفعته إن كانت ردّته عن غير فطرة ، وكان المأخوذ منه كافرا. وإن كان عن فطرة أو كان المأخوذ منه مسلما ، فلا شفعة.

قال الشافعي : إن قلنا : إنّ الردّة لا تزيل الملك ، فهو على شفعته. وإن قلنا : تزيله ، فلا شفعة له. فإن عاد إلى الإسلام وعاد ملكه ، ففي عود‌

__________________

(١) في « س » : « ثبتت ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٩ ـ ١٦٠ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٦ ، المغني ٥ : ٥٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٥.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٦ ، المغني ٥ : ٥٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩١.

٢١٤

الشفعة خلاف ، والظاهر : المنع ، وإن قلنا بالوقف فمات أو قتل على الردّة ، فللإمام أخذه لبيت المال ، كما لو اشترى معيبا أو شرط (١) الخيار وارتدّ ومات ، للإمام ردّه. ولو ارتدّ المشتري ، فالشفيع على شفعته (٢).

تذنيب : ولو اشترى المرتدّ عن فطرة ، فلا شفعة ، لبطلان البيع ، وعن غير فطرة تثبت الشفعة.

مسالة ٧١٦ : هل تثبت الشفعة للوقوف على المساجد والربط والمدارس مثلا؟ كدار (٣) يستحقّ رجل نصفها والنصف الآخر ملك المسجد اشتراه متولّي المسجد له ، أو وهب منه ليصرفه في عمارته ، فباع الرجل نصيبه ، ففي جواز أخذ المتولّي بالشفعة نظر.

قال الشافعي : له ذلك مع المصلحة ، كما لو كان لبيت المال شريك في دار فباع الشريك نصيبه ، للإمام الأخذ بالشفعة (٤).

وعندي فيه نظر.

ولو كان نصف الدار وقفا والآخر طلقا فباع صاحب الطلق نصيبه ، فإن أثبتنا للموقوف عليه الملك وكان واحدا ، تثبت له الشفعة ـ على رأي ـ لرفع ضرر القسمة وضرر مداخلة الشريك. وإن قلنا بعدم ملك الموقوف عليه أو كان متعدّدا وقلنا : لا شفعة مع التعدّد ، فلا شفعة.

وقال الشافعي : إن قلنا : لا يملك الوقف ، فلا شفعة. وإن قلنا : يملك ، فيبني على أنّ الملك هل يفرز عن الوقف؟ إن قلنا : نعم ، ففي‌

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « بشرط ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٠.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة بدل « كدار » : « كذا و». وهو تصحيف.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٠.

٢١٥

ثبوت الشفعة وجهان :

أحدهما : تثبت لدفع ضرر القسمة ، وعلى هذا فلو كان الوقف على غير معيّن ، أخذه المتولّي إن رأى المصلحة.

وأظهرهما : المنع ، لأنّ الوقف لا يستحقّ بالشفعة ، فينبغي أن لا تستحقّ به الشفعة ، ولنقص الملك فيه ، فإنّه لا ينفذ تصرّفه فيه ، فلا يتسلّط على الأخذ.

وإن قلنا : لا يفرز الملك عن الوقف ، فإن منعنا من شفعة ما لا ينقسم ، فلا شفعة. وإن أثبتناه ، فوجهان (١).

مسالة ٧١٧ : لا يستحقّ الشريك بالمنفعة شفعة‌ ، فلو كان الشريك لا ملك له في الرقبة بل كان يستحقّ المنافع أمّا موقّتة بالإجارة ، أو مؤبّدة بالوصيّة ، لم يكن له الأخذ بالشفعة.

وكذا ليس للمتواجرين إذا آجر أحدهم أخذه بالشفعة.

وتثبت الشفعة للمكاتب وإن كان من سيّده ، فلو كان السيّد والمكاتب شريكين في الدار ، فلكلّ منهما الشفعة على الآخر.

والمأذون له في التجارة إذا اشترى شقصا ثمّ باع الشريك نصيبه ، كان له الأخذ بالشفعة ، إلاّ أن يمنعه السيّد أو يعفو عن الشفعة ، وله العفو وإن كان مديونا معسرا وكان في الأخذ غبطة ، كما أنّ له منعه من جميع الاعتياضات في المستقبل.

ولو أراد السيّد أخذه بنفسه ، كان له ذلك ، لأنّ أخذ العبد أخذ له في الحقيقة.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩١.

٢١٦

وللشفيع الأخذ بنفسه وبوكيله ، فلا تعتبر الشركة في مباشر الأخذ ، بل فيمن له الأخذ.

البحث الثالث : في المأخوذ منه.

مسالة ٧١٨ : إنّما تؤخذ الشفعة من المشتري الذي تجدّد ملكه بعد ملك الآخذ‌ ، فلو اشترى اثنان دفعة واحدة ، لم يكن لأحدهما على الآخر شفعة ، لعدم الأولويّة وعدم إمكان الشركة (١).

وهل يشترط لزوم البيع؟ [ فيه ] نظر أقربه : عدم الاشتراط ، فلو باع الشقص بخيار لهما أو للبائع ، تثبت (٢) الشفعة ، ولا يسقط خيار البائع.

وقال الشافعي : يشترط اللزوم من طرف البائع ، فلا تثبت مع بقاء مدّة الخيار له.

أمّا على قول : إنّ الملك لا ينتقل إلى المشتري في مدّة الخيار : فظاهر.

وأمّا على قول الانتقال : فلأنّ في أخذه إبطال خيار البائع ، ولا سبيل للشفيع إلى الإضرار بالبائع وإبطال حقّه (٣).

وعن بعض الشافعيّة احتمال ثبوت الشفعة (٤).

وعلى ما قلناه لا يتأتّى المنع ، لأنّا لا نسقط حقّ البائع من الخيار ، بل يأخذ الشفيع على حدّ أخذ المشتري.

__________________

(١) أي : الشركة في الشفعة.

(٢) في « س » : « ثبتت ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٠ ـ ١٦١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦١.

٢١٧

وأمّا إن كان الخيار للمشتري وحده ، يبنى عندهم على الأقوال في انتقال الملك ، فإن قلنا : إنّ الملك لا ينتقل إلاّ بانقطاع الخيار ، أو قلنا : هو مراعى ، تثبت الشفعة ، لعدم العلم بانتقال الملك إلى المشتري ، فيستحقّ فيه الشفعة عليه.

وإن قلنا : إنّه ينتقل بنفس العقد ، نقل المزني عن الشافعي أنّها تثبت ـ وهو مذهبنا ، وبه قال أبو حنيفة ـ لأنّه قد انتقل الملك إلى المشتري ، ولا حقّ فيه إلاّ له ، والشفيع مسلّط عليه بعد لزوم الملك واستقراره ، فقبله أولى ، وإنّما ثبت له خيار الفسخ ، وذلك لا يمنع من الأخذ بالشفعة ، كما لو وجد به عيبا يثبت (١) له الخيار ، وكان للشفيع أخذه.

ونقل الربيع عن الشافعي أيضا أنّه لا شفعة ـ وبه قال مالك وأحمد ـ لأنّ المشتري لم يرض بالتزام العقد ، وفي أخذ الشفيع الشقص التزام له وإيجاب للعهدة عليه ، فلم يكن له ذلك ، كما لو كان الخيار للبائع ، بخلاف الردّ بالعيب ، لأنّه إنّما يثبت (٢) له الردّ لأجل الظلامة ، وذلك يزول بأخذ الشفيع.

ونقل الجويني في المسألة طريقين :

إحداهما : ثبوت القولين هكذا ، لكن كلاهما مخرّج (٣) من أنّ المشتري إذا اطّلع على عيب بالشقص وأراد ردّه وأراد الشفيع أخذه بالشفعة ، فعلى قول للشفيع قطع خيار المشتري في الصورتين. وعلى قول لا يمكّن منه.

__________________

(١) في « س ، ي » : « ثبت ».

(٢) في « س » : « ثبت ».

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مخرّجان ». والظاهر ما أثبتناه.

٢١٨

والثاني : القطع بأنّه لا يأخذه إلى أن يلزم العقد. والفرق بين الردّ بالعيب وبينه أنّ الأخذ بالشفعة يفتقر إلى استقرار العقد وتمامه (١).

ونقل بعض الشافعيّة فيما إذا قلنا : إنّه بعد للبائع أو موقوف وجها أنّ للشفيع أخذ الشقص ، لانقطاع سلطنة البائع بلزوم العقد من جهته (٢).

والأصحّ عندهم : المنع ، لأنّ ملك البائع غير زائل على تقدير أنّ الملك للبائع [ و ] (٣) غير معلوم الزوال على تقدير الوقف. وعلى الأوّل إذا أخذه الشفيع تبيّنّا أنّ المشتري ملك قبل أخذه ، وانقطع الخيار (٤).

مسالة ٧٠٠ : لو باع أحد الشريكين حصّته بشرط الخيار ثمّ باع الثاني نصيبه بغير خيار في زمن خيار الأوّل وقلنا : إنّ الشفعة لا تثبت مع الخيار ـ كما هو مذهب الشافعي (٥) ـ فلا شفعة في المبيع أوّلا للبائع الثاني ، سواء علم به أو لا ، لزوال ملكه ، ولا للمشتري منه وإن تقدّم ملكه على ملك المشتري الأوّل إذا قلنا : إنّه لا يملك في زمن الخيار ، لأنّ سبب الشفعة البيع ، وهو سابق على ملكه.

وأمّا الشفعة في المبيع ثانيا فموقوفة إن توقّفنا في الملك على الإجازة أو الفسخ ، وللبائع الأوّل إن أبقينا الملك له ، وللمشتري منه إن أثبتنا الملك له.

ولو فسخ البيع قبل العلم بالشفعة ، بطلت شفعته إن قلنا : إنّ خيار الفسخ يرفع العقد من أصله. وإن قلنا : يرفعه من حين وقوع الفسخ ، فهو‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٣ ، المغني ٥ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٣.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر لأجل السياق.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٠.

٢١٩

كما لو باع ملكه قبل العلم بالشفعة. وإن أخذه بالشفعة ثمّ فسخ البيع ، فالحكم في الشفعة كالحكم في الزوائد الحادثة في زمن الخيار.

مسالة ٧٢٠ : إذا اشترى شقصا فوجد به عيبا‌ ، فإن كان المشتري والشفيع معا عالمين به ، لم يكن للشفيع ردّه لو أخذه من المشتري ، ولم يكن للمشتري ردّه لو لم يكن الشفيع أخذه ، بل يثبت (١) للمشتري الأرش.

ولو لم يعلما معا بالعيب ، كان للشفيع ردّه على المشتري ، وللمشتري ردّه على البائع.

وإن علم به المشتري خاصّة دون الشفيع ، كان للشفيع ردّه بالعيب على المشتري ، ولم يكن للمشتري ردّه على البائع.

وإن كان الشفيع عالما به دون المشتري ، لم يكن للشفيع ردّه على المشتري ، ويثبت للمشتري الأرش.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه استدرك ظلامته ، فلم يكن له الرجوع بالأرش (٢).

وقال بعضهم : إنّه لم ييأس من الردّ (٣).

فإن رجع إلى المشتري ببيع أو إرث أو غير ذلك ، فهل له ردّه؟ مبنيّ على التعليلين ، إن قلنا : إنّه لا يرجع ، لأنّه استدرك ظلامته ، لم يكن له ردّه. وإن قلنا بالآخر ، فله ردّه.

__________________

(١) في « س ، ي » : « ثبت ».

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٢٠