تذكرة الفقهاء - ج ١٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٣٩٢

من مائة درهم فاربح عليه قوت يومك ، أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم وارفقوا بهم » (١).

وينبغي أن يكون الساكت عنده بمنزلة المماكس ، والجاهل بمنزلة البصير المذاق.

قال قيس : قلت للباقر عليه‌السلام : إنّ عامّة من يأتيني إخواني فحدّ لي من معاملتهم ما لا أجوزه إلى غيره ، فقال : « إن ولّيت أخاك فحسن ، وإلاّ فبع بيع البصير المذاق » (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام في رجل عنده بيع وسعّره سعرا معلوما ، فمن سكت عنه ممّن يشتري منه باعه بذلك السعر ، ومن ماكسه فأبى أن يبتاع منه زاده » قال : « لو كان يزيد الرجلين والثلاثة لم يكن بذلك بأس ، فأمّا أن يفعله لمن أبى عليه ويماكسه (٣) ويمنعه من لا يفعل فلا يعجبني إلاّ أن يبيعه بيعا واحدا » (٤).

مسالة ٦٨٤ : يستحبّ إذا دخل السوق الدعاء وسؤال الله تعالى أن يبارك له فيما يشتريه ويخير له فيما يبيعه ، والتكبير والشهادتان عند الشراء.

قال الصادق عليه‌السلام : « إذا دخلت سوقك فقل : اللهمّ إنّي أسألك من خيرها وخير أهلها ، وأعوذ بك من شرّها وشرّ أهلها ، اللهمّ إنّي أعوذ بك أن أظلم أو أظلم أو أبغي أو يبغى عليّ أو أعتدي أو يعتدى عليّ ، اللهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ إبليس وجنوده وشرّ فسقة العرب والعجم ، وحسبي الله‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٤ ، ٢٢ ، التهذيب ٧ : ٧ ، ٢٣ ، الاستبصار ٣ : ٦٩ ، ٢٣٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٧ ، ٢٤ ، وفي الكافي ٥ : ١٥٣ ـ ١٥٤ ، ١٩ عن ميسّر عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

(٣) في المصدر : « كايسه » بدل « ماكسه ».

(٤) الكافي ٥ : ١٥٢ ، ١٠ ، التهذيب ٧ : ٨ ، ٢٥.

١٨١

الذي لا إله إلاّ هو عليه توكّلت ، وهو ربّ العرش العظيم » (١).

وإذا اشترى المتاع ، قال ما روي عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « إذا اشتريت شيئا من متاع أو غيره فكبّر ، ثمّ قل : اللهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه من فضلك ، فاجعل فيه فضلا ، اللهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه رزقك ، فاجعل لي فيه رزقا ، ثمّ أعد على (٢) كلّ واحدة ثلاث مرّات » (٣).

قال الصادق عليه‌السلام : « وإذا أراد أن يشتري شيئا قال : يا حيّ يا قيّوم يا دائم يا رءوف يا رحيم ، أسألك بعزّتك وقدرتك وما أحاط به علمك أن تقسم لي من التجارة اليوم أعظمها رزقا وأوسعها فضلا وخيرها عاقبة فإنّه لا خير فيما لا عاقبة له » قال الصادق عليه‌السلام : « إذا اشتريت دابّة أو رأسا فقل : اللهمّ ارزقني أطولها حياة وأكثرها منفعة وخيرها عاقبة » (٤).

مسالة ٦٨٥ : ينبغي له إذا بورك له في شي‌ء من أنواع التجارة أو الصناعة أن يلتزم به. وإذا تعسّر عليه فيه رزقه ، تحوّل إلى غيره.

قال الصادق عليه‌السلام : « إذا رزقت في (٥) شي‌ء فالزمه » (٦).

وقال الصادق عليه‌السلام : « إذا نظر الرجل في تجارة فلم ير فيها شيئا فليتحوّل إلى غيرها » (٧).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٦ ، ٢ ، التهذيب ٧ : ٩ ، ٣٢.

(٢) كلمة « على » لم ترد في الكافي.

(٣) الكافي ٥ : ١٥٦ ، ١ ، التهذيب ٧ : ٩ ، ٣٣.

(٤) الكافي ٥ : ١٥٧ ، ٣ ، التهذيب ٧ : ٩ ـ ١٠ ، ٣٤.

(٥) في الفقيه والتهذيب : « من » بدل « في ».

(٦) الكافي ٥ : ١٦٨ ( باب لزوم ما ينفع من المعاملات ) الحديث ٣ ، الفقيه ٣ : ١٠٤ ، ٤٢٣ ، التهذيب ٧ : ١٤ ، ٦٠.

(٧) الكافي ٥ : ١٦٨ ، ٢ ، التهذيب ٧ : ١٤ ، ٥٩.

١٨٢

وينبغي له التساهل والرفق في الأشياء.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « بارك الله على سهل البيع ، سهل الشراء ، سهل القضاء ، سهل الاقتضاء » (١).

مسالة ٦٨٦ : يجوز لوليّ اليتيم الناظر في أمره المصلح لماله أن يتناول اجرة المثل‌ ، لأنّه عمل يستحقّ عليه أجرة ، فيساوي (٢) اليتيم غيره.

وسأل هشام بن الحكم الصادق عليه‌السلام فيمن تولّى مال اليتيم ماله أن يأكل منه؟ قال : « ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم فليأكل بقدر ذلك » (٣).

ويستحبّ له التعفّف مع الغنى ، قال الله تعالى ( وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ) (٤).

مسالة ٦٨٧ : يجوز أن يواجر الإنسان نفسه.

سأل ابن سنان الكاظم عليه‌السلام عن الإجارة ، فقال : « صالح لا بأس به إذا نصح قدر طاقته ، فقد آجر موسى عليه‌السلام نفسه واشترط فقال : إن شئت ثماني وإن شئت عشرا ، وأنزل الله عزّ وجلّ فيه ( أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ) (٥) » (٦).

قال الشيخ رحمه‌الله : لا ينافي هذا ما رواه الساباطي عن الصادق عليه‌السلام ،

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨ ، ٧٩.

(٢) في « ي » وظاهر « س » : « فساوى ».

(٣) التهذيب ٦ : ٣٤٣ ، ٩٦٠.

(٤) النساء : ٦٠.

(٥) القصص : ٢٧.

(٦) الكافي ٥ : ٩٠ ، ٢ ، الفقيه ٣ : ١٠٦ ، ٤٤٢ ، التهذيب ٦ : ٣٥٣ ، ١٠٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٥٥ ، ١٧٨.

١٨٣

قال : قلت له : الرجل يتّجر فإن هو آجر نفسه اعطي ما يصيب في تجارته ، فقال : « لا يواجر نفسه ، ولكن يسترزق الله عزّ وجلّ ويتّجر فإنّه إذا آجر نفسه حظر على نفسه الرزق » (١) لأنّه محمول على الكراهة ، لعدم الوثوق بالنصح (٢).

وأقول : لا استبعاد في نهيه عن الإجارة للإرشاد ، فإنّ التجارة أولى ، لما فيها من توسعة الرزق ، وقد نبّه عليه‌السلام في الخبر عليه. ولأنّه قد روي « أنّ الرزق قسّم عشرة أجزاء ، تسعة أجزاء منها (٣) في التجارة ، والباقي في سائر الأجزاء (٤) » (٥).

مسالة ٦٨٨ : يحرم بيع السلاح لأعداء الدين في وقت الحرب‌ ، ولا بأس به في الهدنة.

قال هند السرّاج : قلت للباقر عليه‌السلام : أصلحك الله ما تقول إنّي كنت أحمل السلاح إلى أهل الشام فأبيعهم فلمّا عرّفني الله هذا الأمر ضقت بذلك وقلت : لا أحمل إلى أعداء الله ، فقال : « احمل إليهم فإنّ الله عزّ وجلّ يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم ـ يعني الروم ـ فإذا كانت الحرب بيننا فمن حمل إلى عدوّنا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٥٣ ، ١٠٠٢ ، الاستبصار ٣ : ٥٥ ، ١٧٧.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٥٣ ، ذيل الحديث ١٠٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٥٥ ، ذيل الحديث ١٧٨.

(٣) في « س ، ي » : « منه ».

(٤) كذا قوله : « في سائر الأجزاء ». ونصّ الرواية في المصدر هكذا : « الرزق عشرة أجزاء ، تسعة أجزاء في التجارة وواحدة في غيرها ».

(٥) الكافي ٥ : ٣١٨ ـ ٣١٩ ، ٥٩ ، الفقيه ٣ : ١٢٠ ، ٥١٠.

(٦) الكافي ٥ : ١١٢ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٥٣ ، ١٠٠٤ ، الاستبصار ٣ : ٥٨ ، ١٨٩.

١٨٤

وقال حكم السرّاج للصادق عليه‌السلام : ما ترى فيما يحمل إلى الشام من السروج وأداتها؟ فقال : « لا بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّكم في هدنة ، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السلاح والسروج » (١).

وقال السرّاد للصادق عليه‌السلام : إنّي أبيع السلاح ، قال : « لا تبعه في فتنة » (٢).

ويجوز بيع ما يكنّ من النبل لأعداء الدين ، لأنّ محمّد بن قيس سأل الصادق عليه‌السلام عن الفئتين تلتقيان من أهل الباطل أبيعهما السلاح؟ فقال : « بعهما ما يكنّهما ، الدرع والخفّين ونحو هذا » (٣).

مسالة ٦٨٩ : يجوز الأجر على الختان وخفض الجواري.

قال الصادق عليه‌السلام : « لمّا هاجرن النساء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هاجرت فيهنّ امرأة يقال لها : أمّ حبيب وكانت خافضة تخفض الجواري ، فلمّا رآها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لها : يا أمّ حبيب ، العمل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم؟ قالت : نعم يا رسول الله إلاّ أن يكون حراما فتنهاني عنه ، قال : لا ، بل حلال فادني منّي حتى أعلّمك ، فدنت منه ، فقال : يا أمّ حبيب إذا أنت فعلت فلا تنهكي ، أي لا تستأصلي ، وأشمّي فإنّه أشرق للوجه وأحظى عند الزوج ».

قال : « وكانت لأمّ حبيب أخت يقال لها : أمّ عطيّة ماشطة ، فلمّا‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٥٤ ، ١٠٠٥ ، الاستبصار ٣ : ٥٧ ، ١٨٧ ، وفي الكافي ٥ : ١١٢ ، ١ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٥ : ١١٣ ، ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٥٤ ، ١٠٠٧ ، الإستبصار ٣ : ٥٧ ، ١٨٦.

(٣) الكافي ٥ : ١١٣ ، ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٥٤ ، ١٠٠٦ ، الاستبصار ٣ : ٥٧ ـ ٥٨ ، ١٨٨.

١٨٥

انصرفت أمّ حبيب إلى أختها أخبرتها بما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأقبلت أمّ عطيّة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرته بما قالت لها أختها ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ادني منّي يا أمّ عطيّة إذا أنت قيّنت الجارية فلا تغسلي وجهها بالخرقة ، فإنّ الخرقة تذهب بماء الوجه » (١).

مسالة ٦٩٠ : يكره كسب الإماء والصبيان.

قال الصادق عليه‌السلام : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن كسب الإماء فإنّها إن لم تجده زنت إلاّ أمة قد عرفت بصنعة يد ، ونهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة فإنّه إن لم يجد سرق » (٢).

ويكره للصانع سهر الليل كلّه في عمل صنعته ، لما فيه من كثرة الحرص على الدنيا وترك الالتفات إلى أمور الآخرة.

قال الصادق عليه‌السلام : « من بات ساهرا في كسب ولم يعط العين حظّها من النوم فكسبه ذلك حرام » (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : « الصنّاع إذا سهروا الليل كلّه فهو سحت » (٤).

وهو محمول على الكراهة الشديدة ، أو على التحريم إذا منع من الواجبات أو منع القسم بين الزوجات.

مسالة ٦٩١ : يجوز بيع عظام الفيل واتّخاذ الأمشاط وغيرها منها‌ ، لأنّها طاهرة ينتفع بها ، فجاز بيعها ، للمقتضي للجواز ، السالم عن المانع.

ولأنّ عبد الحميد بن سعد سأل الكاظم عليه‌السلام عن عظام الفيل يحلّ بيعه‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١١٨ ، ١ ، التهذيب ٦ : ٣٦٠ ـ ٣٦١ ، ١٠٣٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٢٨ ، ٨ ، التهذيب ٦ : ٣٦٧ ، ١٠٥٧.

(٣) الكافي ٥ : ١٢٧ ، ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٦٧ ، ١٠٥٩.

(٤) الكافي ٥ : ١٢٧ ، ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٦٧ ، ١٠٥٨.

١٨٦

أو شراؤه للذي يجعل منه الأمشاط؟ فقال : « لا بأس قد كان لأبي منه مشط أو أمشاط » (١).

وكذا يجوز بيع الفهود وسباع الطير.

سأل عيص بن القاسم ـ في الصحيح ـ الصادق عليه‌السلام عن الفهود وسباع الطير هل يلتمس التجارة فيها؟ قال : « نعم » (٢).

أمّا القرد فقد روي النهي عن بيعه.

قال الصادق عليه‌السلام : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن القرد أن يشترى أو يباع » (٣).

وفي الطريق قول ، فالأولى الكراهة.

ودخل إلى الصادق عليه‌السلام رجل فقال له : إنّي سرّاج أبيع جلود النمر ، فقال : « مدبوغة هي؟ » قال : نعم ، قال : « ليس به بأس » (٤).

مسالة ٦٩٢ : لا بأس بأخذ الهديّة.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الهديّة على ثلاثة وجوه : هديّة مكافأة ، وهديّة مصانعة ، وهديّة لله عزّ وجلّ » (٥).

وروى إسحاق بن عمّار قال : قلت له : الرجل الفقير يهدي الهديّة يتعرّض لما عندي فآخذها ولا أعطيه شيئا أتحلّ لي؟ قال : « نعم ، هي لك حلال ولكن لا تدع أن تعطيه » (٦).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٢٦ ، ١ ، التهذيب ٦ : ٣٧٣ ، ١٠٨٣.

(٢) الكافي ٥ : ٢٢٦ ، ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٧٣ ، ١٠٨٥.

(٣) الكافي ٥ : ٢٢٧ ، ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٧٤ ، ١٠٨٦ ، و ٧ : ١٣٤ ، ٥٩٤.

(٤) الكافي ٥ : ٢٢٧ ، ٩ ، التهذيب ٧ : ١٣٥ ، ٥٩٥.

(٥) الكافي ٥ : ١٤١ ، ١ ، التهذيب ٦ : ٣٧٨ ، ١١٠٧.

(٦) الكافي ٥ : ١٤٣ ، ٦ ، الفقيه ٣ : ١٩٢ ، ٨٧٢ ، التهذيب ٦ : ٣٧٩ ، ١١١٢.

١٨٧

وقال محمّد بن مسلم : « جلساء الرجل شركاؤه في الهديّة » (١).

وهي مستحبّة مرغّب فيها ، لما فيها من التودّد.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لأن أهدي لأخي المسلم هديّة تنفعه أحبّ إليّ من أن أتصدّق بمثلها » (٢).

وقبولها مستحبّ ، اقتداء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّه قال : « لو اهدي إليّ كراع لقبلت » (٣).

ولو أهدي إليه هديّة طلبا لثوابها فلم يثبه ، كان له الرجوع فيها إذا كانت العين باقية ، لما رواه عيسى بن أعين قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن رجل أهدى إلى رجل هديّة وهو يرجو ثوابها فلم يثبه صاحبها حتى هلك وأصاب الرجل هديّته بعينها ، أله أن يرتجعها إن قدر على ذلك؟ قال : « لا بأس أن يأخذه » (٤).

مسالة ٦٩٣ : لا يجوز عمل التماثيل والصور المجسّمة. ولا بأس بها فيما يوطأ بالأرجل ، كالفراش وشبهه ، لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّما (٥) نبسط عندنا الوسائد فيها التماثيل ونفرشها ، قال : « لا بأس بما يبسط منها ويفرش ويوطأ ، وإنّما يكره منها ما نصب على الحائط وعلى السرير » (٦).

مسالة ٦٩٤ : يجوز لمن أمره غيره بشراء شي‌ء أن يأخذ منه على ذلك‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٣ ، ١٠ ، التهذيب ٦ : ٣٧٩ ، ١١١٣.

(٢) الكافي ٥ : ١٤٤ ، ١٢ ، التهذيب ٦ : ٣٨٠ ، ١١١٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٤١ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٧٨ ، ١١٠٨.

(٤) الفقيه ٣ : ١٩٢ ، ٨٧١ ، التهذيب ٦ : ٣٨٠ ، ١١١٦.

(٥) كذا في المصدر والطبعة الحجريّة ، وفي « س ، ي » : « إنّا » بدل « إنّما ».

(٦) التهذيب ٦ : ٣٨١ ، ١١٢٢.

١٨٨

الجعل ، لأنّه فعل مباح.

ولما رواه ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سأله أبي وأنا حاضر ، فقال : ربما أمرنا الرجل يشتري لنا الأرض أو الدار أو الغلام أو الخادم ونجعل له جعلا ، فقال الصادق عليه‌السلام : « لا بأس به » (١).

مسالة ٦٩٥ : لا بأس بالزراعة ، بل هي مستحبّة.

روى سيابة أنّ رجلا سأل الصادق عليه‌السلام : أسمع قوما يقولون : إنّ الزراعة مكروهة ، فقال : « ازرعوا واغرسوا ، فلا والله ما عمل الناس عملا أحلّ ولا أطيب منه ، والله لنزرعنّ الزرع ولنغرسنّ (٢) غرس النخل بعد خروج الدجّال » (٣).

وسأل هارون بن يزيد الواسطي الباقر عليه‌السلام (٤) عن الفلاّحين ، فقال : « هم الزارعون كنوز الله في أرضه ، وما في الأعمال شي‌ء أحبّ إلى الله من الزراعة ، وما بعث الله نبيّا إلاّ زارعا ، إلاّ إدريس عليه‌السلام فإنّه كان خيّاطا » (٥).

مسالة ٦٩٦ : يجوز أخذ أجر البذرقة من القوافل إذا رضوا بذلك‌ ، وإلاّ حرم.

كتب محمّد بن الحسن الصفّار إليه : رجل يبذرق القوافل من غير أمر السلطان في موضع مخيف ، ويشارطونه على شي‌ء مسمّى أن يأخذ منهم إذا صاروا إلى الأمن ، هل يحلّ له أن يأخذ منهم؟ فوقّع عليه‌السلام « إذا واجر (٦)

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٨١ ، ١١٢٤.

(٢) في « ي » والطبعة الحجريّة والكافي : « ليزرعنّ .. ليغرسنّ ».

(٣) الكافي ٥ : ٢٦٠ ، ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٨٤ ـ ٣٨٥ ، ١١٣٩.

(٤) كذا في « س ، ي » والطبعة الحجريّة. وفي المصدر : « يزيد بن هارون الواسطي عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ».

(٥) التهذيب ٦ : ٣٨٤ ، ١١٣٨.

(٦) في المصدر : « آجر ».

١٨٩

نفسه بشي‌ء معروف أخذ حقّه إن شاء الله » (١).

مسالة ٦٩٧ : يكره بيع العقار إلاّ لضرورة.

قال أبان بن عثمان : دعاني الصادق عليه‌السلام فقال : « باع فلان أرضه؟ » فقلت : نعم ، فقال : « مكتوب في التوراة أنّه من باع أرضا أو ماء ولم يضعه في أرض وماء ذهب ثمنه محقا » (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : « مشتري العقدة مرزوق وبائعها ممحوق » (٣).

وقال مسمع للصادق عليه‌السلام : إنّ لي أرضا تطلب منّي ويرغّبوني ، فقال لي : « يا أبا سيّار أما علمت أنّه من باع الماء والطين ولم يجعل ماله في الماء والطين ذهب ماله هباء » قلت : جعلت فداك إنّي أبيع بالثمن الكثير فأشتري ما هو أوسع ممّا بعت ، فقال : « لا بأس » (٤).

مسالة ٦٩٨ : يكره الاستحطاط من الثمن بعد العقد‌ ، لأنّه قد صار ملكا للبائع بالعقد ، فيندرج تحت قوله تعالى ( وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ ) (٥).

وروى إبراهيم الكرخي عن الصادق عليه‌السلام ، قال : اشتريت للصادق عليه‌السلام جارية فلمّا ذهبت أنقدهم قلت : أستحطّهم ، قال : « لا ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن الاستحطاط بعد الصفقة » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٨٥ ، ١١٤١.

(٢) الكافي ٥ : ٩١ ، ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٨٧ ـ ٣٨٨ ، ١١٥٥.

(٣) الكافي ٥ : ٩٢ ، ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٨٨ ، ١١٥٦.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٨٨ ، ١١٥٧ ، وبتفاوت في الكافي ٥ : ٩٢ ، ٨.

(٥) هود : ٨٥.

(٦) الكافي ٥ : ٢٨٦ ( باب الاستحطاط بعد الصفقة ) الحديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٣٣ ، ١٠١٧ ، الاستبصار ٣ : ٧٣ ، ٢٤٣.

١٩٠

قال الشيخ : إنّه محمول على الكراهة (١) ، لما روى معلّى بن خنيس عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يشتري المتاع ثمّ يستوضع ، قال : « لا بأس به » وأمرني فكلّمت له رجلا في ذلك (٢).

وعن يونس بن يعقوب عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قلت له : الرجل يستوهب من الرجل الشي‌ء بعد ما يشتري فيهب له ، أيصلح له؟ قال : « نعم » (٣).

وكذا في الإجارة. روى عليّ أبو الأكراد عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّي أتقبّل العمل فيه الصناعة وفيه النقش فأشارط النقاش على شي‌ء فيما بيني وبينه العشرة أزواج بخمسة دراهم أو العشرين بعشرة ، فإذا بلغ الحساب قلت له : أحسن ، فأستوضعه من الشرط الذي شارطته عليه ، قال : « بطيب نفسه؟ » قلت : نعم ، قال : « لا بأس » (٤).

مسالة ٦٩٩ : أصل الأشياء الإباحة إلاّ أن يعلم التحريم في بعضها.

روي عن الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ قال : « كلّ شي‌ء يكون منه حرام وحلال فهو حلال لك أبدا حتى تعرف أنّه حرام بعينه فتدعه » (٥).

وقال عليه‌السلام : « كلّ شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، أو المملوك عندك ولعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر ، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك ، والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٣٣ ، ذيل الحديث ١٠١٧ ، الاستبصار ٣ : ٧٤ ، ذيل الحديث ٢٤٥.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٣٣ ، ١٠١٨ ، الاستبصار ٣ : ٧٣ ، ٢٤٤.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، ١٠١٩ ، الاستبصار ٣ : ٧٤ ، ٢٤٥.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٣٤ ، ١٠٢٠.

(٥) الكافي ٥ : ٣١٣ ، ٣٩ ، التهذيب ٧ : ٢٢٦ ، ٩٨٨.

١٩١

ذلك أو تقوم به البيّنة » (١).

مسالة ٧٠٠ : لا ينبغي التهوين في تحصيل قليل الرزق‌ ، فإنّ علي بن بلال روى عن الحسين الجمّال قال : شهدت إسحاق بن عمّار وقد شدّ كيسه وهو يريد أن يقوم فجاء إنسان يطلب دراهم بدينار ، فحلّ الكيس وأعطاه دراهم بدينار ، فقلت له : سبحان الله ما كان فضل هذا الدينار ، فقال إسحاق بن عمّار : ما فعلت هذا رغبة في الدينار ، ولكن سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : « من استقلّ قليل الرزق حرم الكثير » (٢).

مسالة ٧٠١ : ينبغي الاقتصاد في المعيشة وترك الإسراف.

قال الباقر عليه‌السلام : « من علامات المؤمن ثلاث : حسن التقدير في المعيشة ، والصبر على النائبة ، والتفقّه في الدين » وقال : « ما خير في رجل لا يقتصد في معيشته ما يصلح [ لا ] (٣) لدنياه ولا لآخرته » (٤).

وقال الصادق عليه‌السلام في قوله عزّ وجلّ ( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ ) (٥) قال : « ضمّ يده » فقال : « هكذا » ( وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ ) (٦) قال : « وبسط راحته » وقال : « هكذا » (٧).

وقال الصادق عليه‌السلام : « ثلاثة من السعادة : الزوجة الموافقة (٨) ، والأولاد البارّون ، والرجل يرزق معيشته ببلده يغدو إليه ويروح » (٩).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣١٣ ـ ٣١٤ ، ٤٠ ، التهذيب ٧ : ٢٢٦ ، ٩٨٩.

(٢) الكافي ٥ : ٣١١ ، ٣٠ ، التهذيب ٧ : ٢٢٧ ، ٩٩٣.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٣٦ ، ١٠٢٨.

(٥) الإسراء : ٢٩.

(٦) الإسراء : ٢٩.

(٧) التهذيب ٧ : ٢٣٦ ، ١٠٣١.

(٨) في المصدر : « المؤاتية » بدل « الموافقة ».

(٩) التهذيب ٧ : ٢٣٦ ، ١٠٣٢ ، وفي الكافي ٥ : ٢٥٨ ( باب أنّ من السعادة .. ) الحديث ٢ بتفاوت يسير.

١٩٢

الفصل الثاني : في الشفعة

الشفعة مأخوذة من قولك : شفعت كذا بكذا ، إذا جعلته شفعا به كأنّ الشفيع يجعل نصيبه شفعا بنصيب صاحبه.

وأصلها التقوية والإعانة ، ومنه الشفاعة والشفيع ، لأنّ كلّ واحد من الموترين (١) يتقوّى بالآخر.

وفي الشرع عبارة عن استحقاق الشريك انتزاع حصّة شريكه ، المنتقلة عنه بالبيع ، أو حقّ تملّك قهري يثبت (٢) للشريك القديم على الحادث ، وليست بيعا ، فلا يثبت فيها خيار المجلس.

ولا بدّ في الشفعة من مشفوع ـ وهو المأخوذ بالشفعة ، وهو محلّها ـ ومن آخذ له ، ومن مأخوذ منه ، فهنا مباحث :

البحث الأوّل : المحلّ.

محلّ الشفعة كلّ عقار ثابت مشترك بين اثنين قابل للقسمة.

واعلم أنّ أعيان الأموال على أقسام ثلاثة :

الأوّل : الأراضي. وتثبت فيها الشفعة أيّ أرض كانت بلا خلاف ـ إلاّ من الأصمّ (٣) ـ لما رواه العامّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « الشفعة فيما‌

__________________

(١) كذا في « س ، ي » والطبعة الحجريّة.

(٢) في « س ، ي » : « ثبت ».

(٣) حلية العلماء ٥ : ٢٦٣ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٤٦٠.

١٩٣

لم يقسم ، فإذا وقعت (١) الحدود فلا شفعة » (٢).

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « الشفعة لا تكون إلاّ لشريك » (٣).

احتجّ الأصمّ على قوله بنفي الشفعة في كلّ شي‌ء : بأنّ في إثباتها إضرارا بأرباب الأملاك ، فإنّه إذا علم المشتري أنّه يؤخذ منه ما يبتاعه ، لم يبتعه ، ويتقاعد الشريك بالشريك ، ويستضرّ المالك (٤).

وهو غلط ، لما تقدّم من الأخبار. وما ذكره غلط ، لأنّا نشاهد البيع يقع كثيرا ولا يمتنع المشتري ـ باعتبار استحقاق الشفعة ـ من الشراء. وأيضا فإنّ له مدفعا إذا علم التضرّر بذلك بأن يقاسم الشريك ، فتسقط الشفعة إذا باع بعد القسمة.

وتثبت الشفعة في الأراضي سواء بيعت وحدها أو مع شي‌ء من المنقولات ، ويوزّع الثمن عليهما بالنسبة ، ويأخذ الشفيع الشقص بالقسط.

الثاني : المنقولات‌ ، كالأقمشة والأمتعة والحيوانات ، وفيها لعلمائنا قولان :

أحدهما ـ وهو المشهور ـ : أنّه لا شفعة فيها ـ وبه قال الشافعي (٥) ـ

__________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « وضعت » بدل « وقعت ». وما أثبتناه هو الموافق لما في المصادر ، وكذا تأتي الرواية أيضا بعنوان « وقعت » في ص ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

(٢) الموطّأ ٢ : ٧١٣ ، ١ ، التمهيد ٧ : ٣٧ ـ ٤٤ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٨٥ ، ٣٥١٤ ، سنن البيهقي ٦ : ١٠٣ و ١٠٥ ، معرفة السنن والآثار ٨ : ٣٠٨ ، ١١٩٨٦.

(٣) التهذيب ٧ : ١٦٤ ، ٧٢٥.

(٤) المغني والشرح الكبير ٥ : ٤٦٠.

(٥) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٣ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ١١٦ ، الوجيز ١ : ٢١٥ ، الوسيط ٤ : ٦٩ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٢ و ٤٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٥ ، منهاج الطالبين : ١٥١.

١٩٤

لما رواه العامّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا شفعة إلاّ في ربع أو حائط » (١).

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن ، ثمّ قال : لا ضرر ولا إضرار » (٢).

وقول الصادق عليه‌السلام : « ليس في الحيوان شفعة » (٣).

ولأنّ الأصل عدم الشفعة ، ثبت في الأراضي بالإجماع ، فيبقى الباقي على المنع.

والثاني لعلمائنا : تثبت الشفعة في كلّ المنقولات ـ وبه قال مالك في إحدى الروايات عنه (٤) ـ لما رواه العامّة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « الشفعة في كلّ شي‌ء » (٥).

ومن طريق الخاصّة : رواية يونس عن بعض رجاله عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الشفعة لمن هي؟ وفي أيّ شي‌ء هي؟ ولمن تصلح؟ وهل تكون في الحيوان شفعة؟ وكيف هي؟ فقال : « الشفعة جائزة في كلّ شي‌ء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشي‌ء بين شريكين لا غيرهما ، فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحقّ به من غيره ، وإن زاد على‌

__________________

(١) نصب الراية ٤ : ١٧٨ نقلا عن البزار في مسنده.

(٢) الكافي ٥ : ٢٨٠ ، ٤ ، الفقيه ٣ : ٤٥ ، ١٥٤ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ ، ٧٢٧.

(٣) التهذيب ٧ : ١٦٥ ، ٧٣٣ ، الإستبصار ٣ : ١١٧ ـ ١١٨ ، ٤١٩.

(٤) حلية العلماء ٥ : ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٣ ، المغني ٥ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٢.

(٥) سنن الترمذي ٣ : ٦٥٤ ، ١٣٧١ ، سنن البيهقي ٦ : ١٠٩ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١١ : ١٢٣ ، ١١٢٤٤ ، شرح معاني الآثار ٤ : ١٢٥.

١٩٥

الاثنين فلا شفعة لأحد منهم » (١).

ولأنّ الشفعة تثبت لأجل ضرر القسمة ، وذلك حاصل فيما ينقل.

والجواب : أنّ خبر العامّة وخبر الخاصّة معا مرسلان ، وأخبارنا أشهر ، فيتعيّن العمل بها وطرح أخبارهم. والضرر بالقسمة إنّما هو لما يحتاج إليه من إحداث المرافق ، وذلك يختصّ بالأرض دون غيرها ، فافترقا.

وقد وردت رواية تقتضي ثبوت الشفعة في المملوك دون باقي الحيوانات :

روى الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال في المملوك بين شركاء فيبيع أحدهم نصيبه ، فيقول صاحبه : أنا أحقّ به ، إله ذلك؟

قال : « نعم إذا كان واحدا » فقيل : في الحيوان شفعة؟ فقال : « لا » (٢).

وعن عبد الله بن سنان قال : قلت للصادق عليه‌السلام : المملوك يكون بين شركاء فباع أحدهم نصيبه ، فقال أحدهم : أنا أحقّ به ، إله ذلك؟ قال : « نعم إذا كان واحدا » (٣).

وعن مالك رواية اخرى : أنّ الشفعة تثبت في السفن خاصّة (٤).

الثالث : الأعيان التي كانت منقولة في الأصل ثمّ أثبتت في الأرض للدوام‌ ، كالحيطان والأشجار ، وإن بيعت منفردة ، فلا شفعة فيها على المختار ، لأنّها في حكم المنقولات ، وكانت في الأصل منقولة ، وستنتهي‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨١ ، ٨ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ ـ ١٦٥ ، ٧٣٠ ، الإستبصار ٣ : ١١٦ ، ٤١٣.

(٢) الكافي ٥ : ٢١٠ ، ٥ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ ، ٧٣٥ ، الاستبصار ٣ : ١١٦ ، ٤١٥.

(٣) التهذيب ٧ : ١٦٥ ـ ١٦٦ ، ٧٣٤ ، الإستبصار ١ : ١١٦ ، ٤١٤.

(٤) حلية العلماء ٥ : ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٢.

١٩٦

إليه وإن طال أمدها ، وليس معها ما تجعل تابعة له ، وبه قال الشافعي (١).

وحكى بعض أصحابه قولا آخر : أنّه تثبت فيها الشفعة كثبوتها في الأرض (٢).

ولو بيعت الأرض وحدها ، ثبتت الشفعة فيها ، ويكون الشفيع معه كالمشتري.

وإن بيعت الأبنية والأشجار مع الأرض ، ثبتت الشفعة فيها تبعا للأرض ، لأنّ في بعض أخبار العامّة لفظ « الرّبع » (٣) وهو يتناول الأبنية ، وفي بعض أخبار الخاصّة : « والمساكن » (٤) وهو يتناول الأبنية أيضا ، وفي بعضها : « الدار » (٥) وهو يتناول الجدران والسقوف والأبواب.

مسالة ٧٠٢ : الأثمار على الأشجار ـ سواء كانت مؤبّرة أو لا ـ إذا بيعت معها ومع الأرض ، لا تثبت فيها الشفعة ـ وبه قال الشافعي (٦) ـ وكذا إذا شرط إدخال الثمرة في البيع ، لأنّها لا تدوم في الأرض.

وكذا الزروع الثابتة في الأرض ، لأنّ ما لا يدخل في بيع الأرض بالإطلاق لا يثبت له حكم الشفعة ، كالفدان (٧) الذي يعمل فيها ، وعكسه‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ١٩٥ ، الهامش (١).

(٤) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ١٩٥ ، الهامش (٢).

(٥) راجع : الكافي ٥ : ٢٨٠ ، ٢ ، والتهذيب ٧ : ١٦٥ ، ٧٣١ ، والاستبصار ٣ : ١١٧ ، ٤١٧.

(٦) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٥ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٩ ، ١٩٦٧ ، المغني ٥ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧١.

(٧) الفدان : الذي يجمع أداة الثورين في القران للحرث. لسان العرب ١٣ : ٣٢١ « فدن ».

١٩٧

البناء والشجر.

وقال الشيخ وأبو حنيفة ومالك : تدخل الثمار والزروع مع أصولها ومع الأرض التي نبت الزرع بها (١) ، لأنّها متّصلة بما فيه الشفعة ، فتثبت الشفعة فيها ، كالبناء والغراس (٢).

ويمنع الاتّصال ، بل هي بمنزلة الوتد المثبت في الحائط.

وفي الدولاب الغرّاف والناعورة نظر من حيث عدم جريان العادة بنقله ، فكان كالبناء.

والأقرب : عدم الدخول.

ولا تدخل الحبال التي تركب عليها الدلاء.

مسالة ٧٠٣ : قد بيّنّا أنّه لا تثبت الشفعة في المنقولات‌ ، ولا فرق بين أن تباع منفردة أو مع الأرض التي تثبت فيها الشفعة ، بل يأخذ الشفيع الشقص من الأرض خاصّة بحصّته من الثمن.

وعن مالك رواية ثالثة أنّها : إن بيعت وحدها ، فلا شفعة فيها. وإن بيعت مع الأرض ، ففيها الشفعة ، لئلاّ تتفرّق الصفقة (٣).

والجواب : المعارضة بالنصوص.

ولو كانت الثمرة غير مؤبّرة ، دخلت في المبيع شرعا ، ولا يأخذها الشفيع ، لأنّها منقولة. ولأنّ المؤبّرة لا تدخل في الشفعة فكذا غيرها ، وهو‌

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « يثبت الزرع فيها » بدل « نبت الزرع بها ».

(٢) الخلاف ٣ : ٤٤٠ ، المسألة ١٥ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ٣ : ١١٩ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٤ : ١٣٤ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٧ ـ ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٩ ، ١٩٦٧ ، المدوّنة الكبرى ٥ : ٤٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤ ، المغني ٥ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٣.

١٩٨

أحد قولي الشافعي. والآخر : أنّها تدخل في الشفعة ، لدخولها في مطلق البيع (١).

وعلى هذا فلو لم يتّفق الأخذ حتى تأبّرت ، فوجهان للشافعيّة :

أظهرهما : الأخذ ، لأنّ حقّه تعلّق بها ، وزيادتها كالزيادة الحاصلة في الشجرة.

والثاني : المنع ، لخروجها عن كونها تابعة للنخل.

وعلى هذا فبم يأخذ الأرض والنخيل؟ وجهان :

أشبههما : بحصّتهما من الثمن كما في المؤبّرة ، وهو مذهبنا.

والثاني : بجميع الثمن تنزيلا له منزلة عيب يحدث بالشقص (٢).

ولو كانت النخيل حائلة عند البيع ثمّ حدثت الثمرة قبل أخذ الشفيع ، فإن كانت مؤبّرة ، لم يأخذها. وإن كانت غير مؤبّرة ، فعلى قولين (٣).

وعندنا لا يأخذها ، لاختصاص الأخذ عندنا بالبيع ، والشفعة ليست بيعا.

وإذا بقيت الثمرة للمشتري ، فعلى الشفيع إبقاؤها إلى الإدراك مجّانا.

وهذا إذا بيعت الأشجار مع الأرض أو مع البياض الذي يتخلّلها ، أمّا إذا بيعت الأشجار ومغارسها لا غير ، فوجهان للشافعي ، وكذا لو باع الجدار مع الأسّ :

أحدهما : أنّه تثبت الشفعة ، لأنّها أصل ثابت.

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٨٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦.

(٣) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٤٤ ـ ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٦.

١٩٩

وأشبههما : المنع ، لأنّ الأرض هنا تابعة ، والمتبوع منقول (١).

وعندنا أنّ قبل القسمة تثبت الشفعة ، وإلاّ فلا.

مسالة ٧٠٤ : لو باع شقصا فيه زرع لا يجزّ مرارا وأدخله في البيع‌ ، أخذ الشفيع الشقص بحصّته من الثمن دون الزرع ، وبه قال الشافعي (٢) ، خلافا لأبي حنيفة ومالك (٣) ، وقد سبق (٤).

وإن كان ممّا يجزّ مرارا ، فالجزّة الظاهرة التي لا تدخل في البيع المطلق كالثمار المؤبّرة ، والأصول كالأشجار ، قاله الشافعي (٥).

وعندنا أنّه لا يدخل في الشفعة أيضا ولا في البيع على ما تقدّم (٦).

أمّا ما يدخل تحت مطلق بيع الدار من الأبواب والرفوف والمسامير فالأقرب : أنّه يؤخذ بالشفعة تبعا ، كالأبنية.

ولو باع شقصا من طاحونة ، لم يدخل شي‌ء من الأحجار فيها على ما تقدّم (٧).

وقال الشافعي : يؤخذ التحتاني (٨) إن قلنا بدخوله في البيع ، وفي الفوقاني وجهان (٩).

__________________

(١) الوسيط ٤ : ٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦.

(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٥.

(٤) في ص ١٩٧ ـ ١٩٨ ، المسألة ٧٠٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦.

(٦) في ص ٤٧ ، المسألة ٥٧٢.

(٧) في ص ٥٩ ، ضمن المسألة ٥٧٦ ، القسم الثالث.

(٨) أي : الحجر التحتاني.

(٩) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٧.

٢٠٠