تذكرة الفقهاء - ج ١٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٣٩٢

قال في القديم : تحرم الخطبة ، لعموم النهي.

وقال في الجديد : لا تحرم ، لحديث فاطمة بنت قيس ، وقوله [ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] لها : « انكحي أسامة » وقد خطبها معاوية وأبو جهم (١) ، فالبيع مثل ذلك (٢).

هذا إذا تساوما بينهما ، فأمّا إذا كانت السلعة في النداء ، فإنّه يجوز أن يستامها واحد بعد واحد ، لأن صاحبها لم يرض بأن يبيعها أو يسومها مع واحد ، بل سامها للكلّ ولم يخصّ واحدا.

وأصله أنّ رجلا من الأنصار شكا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشدّة والجهد ، فقال له : « ما بقي لك شي‌ء؟ » فقال : بلى قدح وحلس ، قال : « فأتني بهما » فأتاه بهما ، فقال : « من يبتاعهما؟ » فقال رجل : أنا أبتاعهما بدرهم ، وقال (٣) رجل آخر : عليّ درهمين ، فقال النبيّ : « هما لك بالدرهمين » (٤).

ولأنّه قد يبيعهما من واحد ويقصد إرفاقه ويخصّصه (٥) ، فإذا سامها آخر ، فسد غرضه ، وإذا نادى عليها ، فلم يقصد إلاّ طلب الثمن ، فافترقا.

تذنيب : يكره السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، لدلالته على شدّة الحرص في طلب الدنيا ، لأنّه وقت طلب الرزق من الله تعالى.

ولما رواه عليّ بن أسباط رفعه ، قال : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس » (٦).

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ١١١٤ ، ١٤٨٠ ، سنن البيهقي ٧ : ١٧٧ ـ ١٧٨ ، ١٨١ ، ٤٧١ ، شرح معاني الآثار ٣ : ٥ و ٦.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٠.

(٣) في « س ، ي » : « فقال ».

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٤٠ ، ٢١٩٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٠ ، ١٦٤١ ، مسند أحمد ٣ : ٥٥٨ ـ ٥٥٩ ، ١١٧٢٤ بتفاوت.

(٥) في الطبعة الحجريّة : « أو تخصيصه ».

(٦) الكافي ٥ : ١٥٢ ، ١٢.

١٦١

وتكره الزيادة وقت النداء ، بل إذا سكت المنادي ، زاد ، لقول الصادق عليه‌السلام : « كان أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام يقول : إذا نادى المنادي فليس لك أن تزيد ، وإنّما يحرّم الزيادة النداء ، ويحلّها السكوت » (١).

مسالة ٦٦٨ : لا يجوز للرجل أن يأخذ من ولده البالغ شيئا إلاّ بإذنه ـ إلاّ مع خوف التلف ـ إن كان غنيّا ، أو كان الولد ينفق عليه ، لأصالة عصمة مال الغير.

ولو كان الولد صغيرا أو مجنونا ، فالولاية للأب ، فله الاقتراض مع العسر واليسر.

ويجوز له أن يشتري من مال ولده الصغير لنفسه بثمن المثل ، ويكون موجبا قابلا ، وأن يقوّم جاريته عليه ، ويطأها حينئذ.

ولو كان الأب معسرا ، جاز أن يتناول من مال ولده الموسر قدر مئونة نفسه خاصّة إذا منعه الولد.

روى محمّد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه ، قال : « يأكل منه ما شاء من غير سرف » وقال : « وفي كتاب عليّ عليه‌السلام أنّ الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلاّ بإذنه ، والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء ، وله أن يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها ، وذكر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لرجل : أنت ومالك لأبيك » (٢).

وعن الباقر عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لرجل : أنت ومالك لأبيك » ثمّ قال الباقر عليه‌السلام : « لا نحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلاّ ما احتاج إليه‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦ ، ٨ ، وبتفاوت يسير في التهذيب ٧ : ٢٢٧ ـ ٢٢٨ ، ٩٩٤.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٤٣ ، ٩٦١ ، وفي الاستبصار ٣ : ٤٨ ، ١٥٧ عن الإمام الباقر عليه‌السلام.

١٦٢

ممّا لا بدّ منه ، إنّ الله عزّ وجلّ لا يحبّ الفساد » (١).

وعن عليّ بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يأكل من مال ولده ، قال : « لا ، إلاّ أن يضطرّ إليه ، فليأكل منه بالمعروف ، ولا يصلح للولد أن يأخذ من مال والده شيئا إلاّ بإذن والده » (٢).

مسالة ٦٦٩ : والولد يحرم عليه مال والده‌ ، فلا يحلّ له أن يأخذ منه شيئا إلاّ بإذنه ، فلو اضطرّ الولد المعسر إلى النفقة ومنعه الأب ، كان للولد أن يأخذ قدر مئونته ، لأنّه كالدّين على الأب.

ويحرم على الامّ أن تأخذ من مال ولدها شيئا إلاّ إذا منعها النفقة الواجبة عليه.

وكذا يحرم على الولد أخذ مال الأمّ إلاّ إذا وجب نفقته عليها ومنعته.

وليس لها أن تقترض من مال ولدها الصغير كما سوّغنا ذلك للأب ، لأنّ الولاية له دونها ، لما رواه ـ في الحسن ـ محمّد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل لابنه مال فيحتاج الأب إليه ، قال : « يأكل منه ، فأمّا الأمّ فلا تأكل منه إلاّ قرضا على نفسها » (٣).

ويجوز للأب أن يقترض من مال ابنه الصغير ويحجّ عنه ، للولاية.

ولما رواه سعيد بن يسار قال : قلت للصادق عليه‌السلام : أيحجّ الرجل من مال ابنه وهو صغير؟ قال : « نعم » قلت : أيحجّ حجّة الإسلام وينفق منه؟ قال : « نعم بالمعروف » ثمّ قال : « نعم ، يحجّ منه وينفق منه ، إنّ مال الولد‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٥ ، ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٤٣ ، ٩٦٢ ، الإستبصار ٣ : ٤٨ ، ١٥٨.

(٢) الكافي ٥ : ١٣٥ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٤٤ ، ٩٦٣ ، الاستبصار ٣ : ٤٨ ـ ٤٩ ، ١٥٩ ، وفيها : « فيأكل » بدل « فليأكل ».

(٣) الكافي ٥ : ١٣٥ ، ١ ، التهذيب ٦ : ٣٤٤ ، ٩٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٤٩ ، ١٦٠.

١٦٣

للوالد ، وليس للولد أن ينفق من مال والده إلاّ بإذنه » (١).

وسأل ابن سنان ـ في الصحيح ـ الصادق عليه‌السلام : ما ذا يحلّ للوالد من مال ولده؟ قال : « أمّا إذا أنفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من ماله شيئا ، فإن كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له أن يطأها إلاّ أن يقوّمها قيمة تصير لولده قيمتها عليه » قال : « ويعلن ذلك .. فإن كان للرجل ولد صغار لهم جارية ، فأحبّ أن يفتضّها فليقوّمها على نفسه قيمة ثمّ يصنع بها ما شاء ، إن شاء وطئ ، وإن شاء باع » (٢).

وعلى هذا تحمل الأحاديث المطلقة.

مسالة ٦٧٠ : لا يحلّ لكلّ من الزوجين أن يأخذ من مال الآخر شيئا‌ ، لأصالة عصمة مال الغير ، إلاّ بإذنه ، فإن سوّغت له ذلك ، حلّ.

ولو دفعت إليه مالا وقالت له : اصنع به ما شئت ، كره له أن يشتري به جارية ويطأها ، لأنّ ذلك يرجع بالغمّ عليها.

روى هشام عن الصادق عليه‌السلام في الرجل تدفع إليه امرأته المال فتقول : اعمل به واصنع به ما شئت ، أله أن يشتري الجارية ثمّ (٣) يطأها؟ قال : « ليس له ذلك » (٤) ومقصود الإمام عليه‌السلام الكراهة ، لأصالة الإباحة.

روى الحسين بن المنذر قال : قلت للصادق عليه‌السلام : دفعت إليّ امرأتي مالا أعمل به ، فأشتري من مالها الجارية أطأها؟ قال : فقال : « أرادت أن تقرّ‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٤٥ ، ٩٦٧ ، الاستبصار ٣ : ٥٠ ، ١٦٥.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٤٥ ، ٩٦٨ ، الاستبصار ٣ : ٥٠ ، ١٦٣.

(٣) كلمة « ثمّ » لم ترد في المصدر.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٤٦ ـ ٣٤٧ ، ٩٧٥.

١٦٤

عينك وتسخن عينها » (١).

وقد وردت رخصة في أنّ المرأة لها أن تتصدّق بالمأدوم إذا لم تجحف به ، إلاّ أن يمنعها فيحرم.

قال ابن بكير : سألت الصادق عليه‌السلام عمّا يحلّ للمرأة أن تتصدّق به من مال زوجها بغير إذنه؟ قال : « المأدوم » (٢).

وسأل عليّ بن جعفر أخاه ( موسى بن جعفر عليهما‌السلام ) (٣) : عن المرأة لها أن تعطي من بيت زوجها بغير إذنه؟ قال : « لا ، إلاّ أن يحلّلها » (٤).

مسالة ٦٧١ : في الاحتكار قولان لعلمائنا :

التحريم ، وهو أصحّ قولي الشافعي (٥) ، لما رواه العامّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « لا يحتكر إلاّ خاطئ » (٦) أي آثم.

وقال عليه‌السلام : « الجالب مرزوق ، والمحتكر ملعون » (٧).

وقال عليه‌السلام : « من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد بري‌ء من الله وبري‌ء الله منه » (٨).

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٤٧ ، ٩٧٦.

(٢) الكافي ٥ : ١٣٧ ( باب الرجل يأخذ من مال امرأته .. ) الحديث ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٤٦ ، ٩٧٣.

(٣) بدل ما بين القوسين في « س ، ي » : « الكاظم عليه‌السلام ».

(٤) التهذيب ٦ : ٣٤٦ ، ٩٧٤.

(٥) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٩٩ ، حلية العلماء ٤ : ٣١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٨.

(٦) صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٨ ، ١٣٠ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٢٨ ، ٢١٥٤ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٧١ ، ٣٤٤٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٦٧ ، ١٢٦٧ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٤٨.

(٧) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٢٨ ، ٢١٥٣ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٠ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٤٩.

(٨) المستدرك ـ للحاكم ـ ٢ : ١١ ـ ١٢ ، مسند أحمد ٢ : ١١٦ ، ٤٨٦٥.

١٦٥

ومن طريق الخاصّة : قول الباقر عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يحتكر الطعام إلاّ خاطئ » (١).

وعن الصادق عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الجالب مرزوق ، والمحتكر ملعون » (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : « الحكرة في الخصب أربعون يوما ، وفي الشدّة والبلاء ثلاثة أيّام ، فما زاد على الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون ، وما زاد في العسرة على ثلاثة أيّام فصاحبه ملعون » (٣).

وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من احتكر على المسلمين لم يمت حتى يضربه الله بالجذام والإفلاس » (٤).

والكراهة ، للأصل.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « وإن كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنّه يكره أن يحتكر الطعام ويترك الناس ليس لهم طعام » (٥).

مسالة ٦٧٢ : الاحتكار هو حبس الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والملح بشرطين : الاستبقاء للزيادة ، وتعذّر غيره ، فلو استبقاها لحاجته أو وجد غيره ، لم يمنع.

وقيل : أن يستبقيها في الغلاء ثلاثة أيّام ، وفي الرخص أربعين‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٥٩ ، ٧٠١ ، الإستبصار ٣ : ١١٤ ، ٤٠٣.

(٢) الكافي ٥ : ١٦٥ ، ٧ ، الفقيه ٣ : ١٦٩ ، ٧٥١ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ ، ٧٠٢ ، الإستبصار ٣ : ١١٤ ، ٤٠٤.

(٣) الكافي ٥ : ١٦٥ ، ٧ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ ، ٧٠٣ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ ، ٤٠٥.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٢٩ ، ٢١٥٥ ، الترغيب والترهيب ٢ : ٥٨٣ ، ٤ بتفاوت.

(٥) الكافي ٥ : ١٦٥ ، ٥ ، التهذيب ٧ : ١٦٠ ، ٧٠٨ ، الاستبصار ٣ : ١١٥ ـ ١١٦ ، ٤١١.

١٦٦

يوما (١).

وفسّر الشافعيّة الاحتكار : أن يشتري ذو الثروة من الطعام ما لا يحتاج إليه في حال ضيقه وغلاة على الناس فحبسه عنهم (٢).

فأمّا إذا اشترى في حال سعته ، وحبسه ليزيد نفعه (٣) ، أو كان له طعام في زرعه فحبسه ، جاز ما لم يكن بالناس ضرورة ، فأمّا إذا كان بهم ضرورة ، وجب عليه بذله لهم لأحيائهم ، وبه قال الشافعي (٤) أيضا.

ولا بأس أن يشتري في وقت الغلاء لنفقة نفسه وعياله ثمّ يفضل شي‌ء فيبيعه في وقت الغلاء.

ولا بأس أن يشتري في وقت الرخص ليربح في وقت الغلاء.

ولا بأس أن يمسك غلّة ضيعته ليبيع في وقت الغلاء ، ولكنّ الأولى أن يبيع ما فضل عن كفايته.

وهل يكره إمساكه؟ للشافعيّة وجهان (٥).

وتحريم الاحتكار مختصّ بالأقوات ، ومنها : التمر والزبيب ، ولا يعمّ جميع الأطعمة ، قاله الشافعي (٦).

وقال الصادق عليه‌السلام : « الحكرة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن » (٧).

__________________

(١) القائل بذلك من أصحابنا الإماميّة هو الشيخ الطوسي في النهاية : ٣٧٤ ـ ٣٧٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٨.

(٣) في « س » والطبعة الحجريّة : « ليريد منعه ». وفي « ي » : « ليزيد منعه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٨ ـ ٧٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩.

(٧) الكافي ٥ : ١٦٤ ، ١ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ ، ٧٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ ، ٤٠٦.

١٦٧

وسأل الحلبي الصادق عليه‌السلام : عن الزيت ، فقال : « إذا كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه » (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : « الحكرة أن يشتري طعاما ليس في المصر غيره فيحتكره ، فإن كان في المصر طعام أو يباع غيره فلا بأس أن يلتمس بسلعته الفضل » (٢).

مسالة ٦٧٣ : يجبر الإمام أو نائبه المحتكر على البيع.

وهل يسعّر عليه؟ قولان لعلمائنا ، المشهور : العدم ، لما رواه العامّة أنّ السعر غلا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالوا : يا رسول الله سعّر لنا ، فقال : « إنّ الله هو المسعّر القابض الباسط ، وإنّي لأرجو أن ألقى ربّي وليس أحد (٣) منكم يطلبني بمظلمة بدم ولا مال » (٤).

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « فقد الطعام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأتى المسلمون فقالوا : يا رسول الله فقد الطعام ولم يبق منه شي‌ء إلاّ عند فلان ، فمره يبع ، قال : فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : يا فلان إنّ المسلمين ذكروا أنّ الطعام قد فقد إلاّ شيئا عندك ، فأخرجه وبعه كيف شئت ولا تحبسه » (٥) ففوّض السعر إليه.

وعن أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام قال : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّ بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق وحيث تنظر‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٦٤ ـ ١٦٥ ، ٣ ، التهذيب ٧ : ١٦٠ ، ٧٠٦ ، الإستبصار ٣ : ١١٥ ، ٤٠٩.

(٢) الكافي ٥ : ١٦٤ ـ ١٦٥ ، ٣ ، التهذيب ٧ : ١٦٠ ، ٧٠٦ ، الإستبصار ٣ : ١١٥ ، ٤٠٩.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « لأحد ». وما أثبتناه من المصادر.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٤١ ، ٢٢٠٠ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٧٢ ، ٣٤٥١ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٤٩ ، مسند أحمد ٣ : ٦٢٩ ، ١٢١٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٧.

(٥) الكافي ٥ : ١٦٤ ، ٢ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ ، ٧٠٥ ، الإستبصار ٣ : ١١٤ ، ٤٠٧.

١٦٨

الأبصار إليها ، فقيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو قوّمت عليهم ، فغضب عليه‌السلام حتى عرف الغضب من وجهه ، فقال : أنا أقوّم عليهم!؟ إنّما السعر إلى الله يرفعه إذا شاء ، ويخفضه إذا شاء » (١).

إذا ثبت هذا ، فإنّه لا يجوز أن يسعّر حالة الرخص عندنا وعند الشافعي (٢).

وأمّا حالة الغلاء فكذلك عندنا.

وللشافعي وجهان :

أحدهما : يجوز له أن يسعّر ـ وبه قال مالك ـ رفقا بالضعفاء.

وأصحّهما : أنّه لا يجوز تمكينا للناس من التصرّف في أموالهم. ولأنّهم قد يمتنعون بسبب ذلك عن البيع ، فيشتدّ الأمر (٣).

وقال بعض الشافعيّة : إن كان الطعام يجلب إلى البلدة ، فالتسعير حرام. وإن كان يزرع بها ويكون عند التناه (٤) فيها ، فلا يحرم (٥).

وحيث جوّزنا التسعير فإنّما هو في الأطعمة خاصّة دون سائر الأقمشة والعقارات.

ويلحق بها علف الدوابّ ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة (٦).

وإذا قلنا بالتسعير فسعّر الإمام فخالف واحد ، عزّر ، وصحّ البيع.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٦١ ـ ١٦٢ ، ٧١٣ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ ـ ١١٥ ، ٤٠٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩.

(٤) في « العزيز شرح الوجيز » : « الغلاء » بدل « التناه ». وفي « ي » : « التناء ». والظاهر أنّ كلمة « التناه » مأخوذة من ناه الشي‌ء ينوه : ارتفع وعلا. انظر : لسان العرب ١٣ :٥٥٠ « نوه ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩.

١٦٩

وللشافعي في صحّته قولان (١).

مسالة ٦٧٤ : تلقّي الركبان منهيّ عنه إجماعا.

وهل هو حرام أو مكروه؟ الأقرب : الثاني ، لأنّ العامّة روت أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا تتلقّوا الركبان للبيع » (٢).

ومن طريق الخاصّة : قول الباقر عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

لا يتلقّى أحدكم تجارة خارجا من المصر ، ولا يبيع حاضر لباد ، والمسلمون يرزق الله بعضهم من بعض » (٣).

وصورته أن ترد طائفة إلى بلد بقماش ليبيعوا فيه ، فيخرج الإنسان يتلقّاهم فيشتريه منهم قبل قدوم البلد ومعرفة سعره. فإن اشترى منهم من غير معرفة منهم بسعر البلد ، صحّ البيع ، لأنّ النهي لا يعود إلى معنى في البيع ، وإنّما يعود إلى ضرب من الخديعة والإضرار ، لأنّ في الحديث « فإن تلقّاه متلقّ فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا قدم السوق » (٤) فأثبت البيع مع ذلك.

إذا ثبت هذا ، فإنّه لا خيار لهم قبل أن يقدموا البلد ويعرفوا السعر ، وبعده يثبت لهم الخيار مع الغبن ، سواء أخبر كاذبا أو لم يخبر. ولو انتفى الغبن ، فلا خيار.

وقال الشافعي : إذا كان الشراء بسعر البلد أو زائدا ، ففي ثبوت الخيار (٥) وجهان :

أحدهما : يثبت ، لظاهر الخبر.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٣٤٨ ، مسند أحمد ٣ : ٢٩٤ ، ١٠١٣٨.

(٣) الكافي ٥ : ١٦٨ ( باب التلقّي ) الحديث ١ ، التهذيب ٧ : ١٥٨ ، ٦٩٧.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٧ ، ١٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٨.

(٥) في « س » : « ثبوته » بدل « ثبوت الخيار ».

١٧٠

وأصحّهما : العدم ، لأنّه لم يوجد تغرير وخيانة (١).

ولا فرق بين أن يكون مشتريا منهم أو بائعا عليهم.

ولو ابتدأ الباعة والتمسوا منه الشراء مع علم منهم بسعر البلد أو غير علم ، فالأقرب : ثبوت الخيار مع الغبن كما قلنا.

وللشافعي (٢) القولان السابقان.

ولو خرج اتّفاقا لا بقصد التلقّي ، بل خرج لشغل (٣) آخر من اصطياد وغيره فرآهم مقبلين فاشترى منهم شيئا ، لم يكن قد فعل مكروها.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه يعصي ، لشمول المعنى.

والثاني : لا يعصي ، لأنّه لم يتلقّ.

والأظهر عندهم : الأوّل (٤).

فعلى الثاني لا خيار لهم وإن كانوا مغبونين ، عند الشافعي (٥).

وعندنا يثبت الخيار للمغبون مطلقا.

وقال بعض الشافعيّة : إن أخبر بالسعر كاذبا ، ثبت (٦) الخيار.

وحيث ثبت الخيار فهو على الفور ، كخيار العيب.

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما ، وهو أصحّهما. والثاني : أنّه يمتدّ ثلاثة أيّام ، كخيار التصرية (٧).

ولو تلقّى الركبان وباع منهم ما يقصدون شراءه في البلد ، فهو‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٠.

(٣) في « س » والطبعة الحجريّة : « بشغل ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٠.

(٦) في الطبعة الحجريّة : « يثبت ».

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٠.

١٧١

كالتلقّي.

وللشافعي وجهان :

أحدهما : لا يثبت فيه حكمه ، لأنّ النهي ورد عن الشراء.

والثاني : نعم ، لما فيه من الاستبداد بالرفق الحاصل منهم (١).

وقال مالك : البيع باطل (٢).

وحدّ التلقّي عندنا أربعة فراسخ ، فإن زاد على ذلك ، لم يكره ولم يكن تلقّيا ، بل كان تجارة وجلبا ، لما رواه منهال عن الصادق عليه‌السلام قال : قال : « لا تلقّ فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن التلقّي » قلت : وما حدّ التلقّي؟ قال : « ما دون غدوة أو روحة » قلت : وكم الغدوة والروحة؟ قال : « أربعة فراسخ » قال ابن أبي عمير : وما فوق ذلك فليس بتلقّ (٣).

مسالة ٦٧٥ : يكره أن يبيع حاضر لباد فيكون الحاضر وكيلا للبادي.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يبيع حاضر لباد » (٤).

وصورته أن يجلب أهل البادية متاعا إلى بلد أو قرية فيجي‌ء إليه الحاضر في البلد فيقول : لا تبعه فأنا أبيعه لك بعد أيّام بأكثر من ثمنه الآن.

وليس محرّما ، للأصل.

وقال الشافعي : إنّه محرّم ، للنهي (٥).

ويحصل له الإثم بشروط أربعة :

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٩.

(٣) الكافي ٥ : ١٦٩ ، ٤ ، التهذيب ٧ : ١٥٨ ، ٦٩٩.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٥ ، ١١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٤ ، ٢١٧٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٢٥ ، ١٢٢٢ ، سنن النسائي ٧ : ٢٥٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٦.

(٥) الحاوي الكبير ٥ : ٣٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩.

١٧٢

أ ـ أن يكون البدوي يريد البيع.

ب ـ أن يريد بيعه في الحال.

ج ـ أن يكون بالناس حاجة إلى المتاع وهم في ضيق.

د ـ أن يكون الحاضر استدعى منه ذلك.

روى ابن عباس أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا يبيع حاضر لباد » قال طاوس : وكيف لا يبيع؟ فقال : لا يكون له سمسارا (١).

والأصل في المنع أنّ فيه إدخال الضرر على أهل الحضر وتضييقا عليهم ، فلهذا نهي عنه.

فإن لم توجد هذه الشرائط أو شرط منها ، جاز ذلك ، لأنّه إذا لم يكن بأهل البلد حاجة ، فلا ضرر في تأخير بيع ذلك.

وكذا إذا لم يرد صاحبه بيعه أو لم يرد بيعه في الحال ، فإنّه يجوز للحضري أن يتولّى له البيع.

ولو وجدت الشرائط وخالف الحاضر وباع ، صحّ البيع ، لأنّ النهي لا لمعنى يعود إلى البيع.

وشرط بعض الشافعيّة أن يكون الحاضر عالما بورود النهي فيه ، وهذا شرط يعمّ جميع المناهي. وأن يظهر من ذلك المتاع سعة في البلد ، فإن لم تظهر إمّا لكبر البلد وقلّة ذلك الطعام أو لعموم وجوده ورخص السعر ، ففيه عندهم وجهان ، أوفقهما لمطلق الخبر : أنّه يحرم. والثاني : لا ، لأنّ المعنى المحرّم تفويت الرزق ، والربح على الناس ، وهذا المعنى لم يوجد هنا. وأن يكون المتاع المجلوب إليه ممّا تعمّ الحاجة إليه ، كالصوف والأقط‌

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٩٤ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٥٧ ، ١٥٢١ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٦٩ ، ٣٤٣٩ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٦.

١٧٣

وسائر أطعمة القرى ، وأمّا ما لا يحتاج إليه إلاّ نادرا فلا يدخل تحت النهي (١).

ولو استشار البدوي بالحضري فيما فيه حظّه ، قال بعض الشافعيّة : إذا كان الرشد في الادّخار والبيع على التدريج ، وجب عليه إرشاده إليه بذلا للنصيحة (٢).

وقال بعضهم : لا يرشده إليه توسّعا على الناس (٣).

مسالة ٦٧٦ : روى العامّة أنّه قد نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع العربان (٤). ويقال : عربون ، وأربان وأربون. والعامّة يقولون : ربون.

وهو أن يشتري السلعة فيدفع درهما أو دينارا على أنّه إن أخذ السلعة ، كان المدفوع من الثمن. وإن لم يدفع الثمن وردّ السلعة ، لم يسترجع ذلك المدفوع ـ وبه قال الشافعي (٥) ـ للنهي الذي رواه العامّة.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : لا يجوز بيع العربون إلاّ أن يكون نقدا من الثمن » (٦).

وقال أحمد : لا بأس به ، لما روي أنّ نافع بن عبد الحارث اشترى لعمر دار السجن من صفوان ، فإن رضي عمر ، وإلاّ له كذا وكذا. وضعّف‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ٣٤٧ ـ ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٧ ـ ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩ ـ ٨٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩ ـ ٨٠.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٨ ، ٢١٩٢ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٨٣ ، ٣٥٠٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٢.

(٥) حلية العلماء ٤ : ٣١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٤ ، المغني ٤ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٦٦.

(٦) الكافي ٥ : ٢٣٣ ( باب العربون ) الحديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٣٤ ، ١٠٢١.

١٧٤

حديث النهي (١).

قالت الشافعيّة : إنّه ليس بصحيح ، لأنّه شرط أن يكون للبائع شي‌ء بغير عوض ، فهو كما لو شرط للأجنبيّ (٢).

ويفسّر العربون أيضا بأن يدفع دراهم إلى صانع ليعمل له شيئا من خاتم يصوغه أو خفّ يخرزه أو ثوب ينسجه على أنّه إن رضيه بالمدفوع في الثمن ، وإلاّ لم يستردّه منه. وهما (٣) متقاربان.

مسالة ٦٧٧ : بيع التلجئة باطل عندنا‌ ، وهو أن يتّفقا على أن يظهرا العقد خوفا من ظالم من غير بيع ، ويتواطؤ على الاعتراف بالبيع ، أو لغير ذلك ـ وبه قال أحمد وأبو يوسف ومحمّد (٤) ـ لأنّ الأصل بقاء الملك على صاحبه ، ولم يوجد ما يخرجه عن أصالته. ولأنّهما لم يقصدا البيع ، فلا يصحّ منهما ، كالهازلين.

وقال أبو حنيفة والشافعي : هو صحيح ، لأنّ البيع تمّ بأركانه وشروطه خالية عن مقارنة مفسد ، فصحّ ، كما لو اتّفقا على شرط فاسد ثمّ عقدا البيع بغير شرط (٥).

ونمنع تماميّة البيع.

ولو تبايعا بعد ذلك بعقد صحيح ، صحّ البيع إن لم يوقعاه قاصدين لما تقدّم من المواطاة ، لأصالة الصحّة ، وعدم صلاحية سبق المواطاة للمانعيّة.

وكذا لو اتّفقا على أن يتبايعا بألف ويظهرا ألفين فتبايعا بألفين ، فإنّ‌

__________________

(١) المغني ٤ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٦٦ ، حلية العلماء ٤ : ٣١٣ ، المجموع ٩ : ٣٣٥.

(٢) المغني ٤ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٦٦.

(٣) أي : هذا التفسير والتفسير المتقدّم في صدر المسألة.

(٤) المغني ٤ : ٣٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٧٦ ، المجموع ٩ : ٣٣٤.

(٥) المغني ٤ : ٣٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٧٦ ، المجموع ٩ : ٣٣٤.

١٧٥

البيع لازم ، والاتّفاق السابق لا يؤثّر ، قاله الشافعي ، ورواه أبو يوسف عن أبي حنيفة (١).

وروى محمّد عن أبي حنيفة أنّه لا يصحّ البيع إلاّ على أن يتّفقا على أنّ الثمن ألف درهم ويتبايعاه بمائة دينار ، فيكون الثمن مائة دينار استحسانا ـ وإليه ذهب أبو يوسف ومحمّد ـ لأنّه إذا تقدّم الاتّفاق ، صارا كالهازلين بالعقد ، فلم يصحّ العقد (٢).

قالت الشافعيّة : الشرط السابق لحالة العقد لا يؤثّر فيه ، كما لو اتّفقا على شرط فاسد ثمّ عقدا العقد ، فإنّه لا يثبت فيه (٣).

مسالة ٦٧٨ : قد ذكرنا أنّ التجارة مستحبّة.

قال الصادق عليه‌السلام : « ترك التجارة ينقص العقل » (٤).

وقال الصادق عليه‌السلام لمعاذ في حديث : « اسع على عيالك ، وإيّاك أن يكونوا هم السعاة عليك » (٥).

إذا ثبت هذا ، فينبغي لمن أراد التجارة أن يبدأ أوّلا فيتفقّه.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من اتّجر بغير علم ارتطم في الربا ثمّ ارتطم » (٦).

وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول على المنبر : « يا معشر التجّار الفقه ثمّ المتجر ، الفقه ثمّ المتجر ، والله للربا في هذه الأمّة أخفى من دبيب النملة على الصفا ، شوبوا أيمانكم بالصدقة (٧) ، التاجر فاجر ، والفاجر في النار إلاّ‌

__________________

(١) المجموع ٩ : ٣٣٤.

(٢) المجموع ٩ : ٣٣٤.

(٣) المجموع ٩ : ٣٣٤.

(٤) الكافي ٥ : ١٤٨ ، ١ ، التهذيب ٧ : ٢ ، ١.

(٥) الكافي ٥ : ١٤٨ ـ ١٤٩ ، ٦ ، التهذيب ٧ : ٢ ـ ٣ ، ٣.

(٦) الكافي ٥ : ١٥٤ ، ٢٣ ، الفقيه ٣ : ١٢٠ ، ٥١٣ ، التهذيب ٧ : ٥ ، ١٤.

(٧) في الكافي « بالصدق ».

١٧٦

من أخذ الحقّ وأعطى الحقّ » (١).

« وكان عليّ عليه‌السلام بالكوفة يغتدي كلّ يوم بكرة من القصر يطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا ومعه الدرّة على عاتقه .. فيقف على أهل كلّ سوق فينادي : يا معشر التجّار اتّقوا الله عزّ وجلّ ، فإذا سمعوا صوته ألقوا ما في أيديهم وأرعوا إليه بقلوبهم وسمعوا بآذانهم ، فيقول : قدّموا الاستخارة ، وتبرّكوا بالسهولة ، واقتربوا من المتبايعين ، وتزيّنوا بالحلم ، وتناهوا عن اليمين ، وجانبوا الكذب ، وتجافوا عن الظلم ، وأنصفوا المظلومين ، ولا تقربوا الربا ، وأوفوا الكيل والميزان ، ( وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ ، وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) ، فيطوف في جميع الأسواق بالكوفة ثمّ يرجع فيقعد للناس » (٢).

مسالة ٦٧٩ : يكره الحلف على البيع‌ ، وكتمان العيب ، ومدح البائع ، وذمّ المشتري ، والمبادرة إلى السوق أوّلا ، لما فيه من شدّة الحرص في الدنيا.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من باع واشترى فليحفظ خمس خصال ، وإلاّ فلا يشتر ولا يبع : الربا ، والحلف ، وكتمان العيب ، والحمد إذا باع ، والذمّ إذا اشترى » (٣).

وقال الكاظم عليه‌السلام : « ثلاثة لا ينظر الله إليهم ، أحدهم : رجل اتّخذ الله عزّ وجلّ بضاعة لا يشتري إلاّ بيمين ولا يبيع إلاّ بيمين » (٤).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٠ ، ١ ، الفقيه ٣ : ١٢١ ، ٥١٩ ، التهذيب ٧ : ٦ ، ١٦.

(٢) الكافي ٥ : ١٥١ ، ٣ ، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ ، التهذيب ٧ : ٦ ، ١٧.

(٣) التهذيب ٧ : ٦ ، ١٨ ، وفي الكافي ٥ : ١٥٠ ـ ١٥١ ، ٢ ، والفقيه ٣ : ١٢٠ ـ ١٢١ ، ٥١٥ بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

(٤) الكافي ٥ : ١٦٢ ، ٣ ، التهذيب ٧ : ١٣ ، ٥٦.

١٧٧

وقال الصادق عليه‌السلام : « إيّاكم والحلف ، فإنّه يمحق البركة ، وينفق السلعة » (١).

وتكره معاملة ذوي العاهات.

قال الصادق عليه‌السلام : « لا تعامل ذا عاهة فإنّهم أظلم شي‌ء » (٢).

وكذا تكره مخالطة السفلة والمحارفين والأكراد ، ولا يعامل إلاّ من نشأ في خير.

قال الصادق عليه‌السلام : « إيّاكم ومخالطة السفلة فإنّ السفلة لا يؤول إلى خير » (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : « لا تشتر من محارف ، فإنّ حرفته لا بركة فيها » (٤).

وسأل أبو الربيع الشامي الصادق عليه‌السلام ، فقلت : إنّ عندنا قوما من الأكراد وإنّهم لا يزالون يجيئون بالبيع فنخالطهم ونبايعهم ، فقال : « يا أبا الربيع لا تخالطوهم ، فإنّ الأكراد حيّ من أحياء الجنّ كشف الله عنهم الغطاء ، فلا تخالطوهم » (٥).

وقال الصادق عليه‌السلام : « لا تخالطوا ولا تعاملوا إلاّ من نشأ في الخير » (٦).

واستقرض قهرمان لأبي عبد الله عليه‌السلام من رجل طعاما للصادق عليه‌السلام ، فألحّ في التقاضي ، فقال له الصادق عليه‌السلام : « ألم أنهك أن تستقرض ممّن‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٣ ، ٥٧.

(٢) الكافي ٥ : ١٥٨ ، ٣ ، التهذيب ٧ : ١١ ، ٤٠.

(٣) الكافي ٥ : ١٥٨ ، ٧ ، التهذيب ٧ : ١٠ ، ٣٨.

(٤) التهذيب ٧ : ١١ ، ٤١.

(٥) الكافي ٥ : ١٥٨ ، ٢ ، التهذيب ٧ : ١١ ، ٤٢.

(٦) الكافي ٥ : ١٥٨ ، ٥ ، الفقيه ٣ : ١٠٠ ، ٣٨٨ ، التهذيب ٧ : ١٠ ، ٣٦.

١٧٨

لم يكن له فكان » (١).

مسالة ٦٨٠ : يستحبّ إنظار المعسر ، وإقالة النادم‌ ، لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأذن لحكيم بن حزام في تجارة حتى ضمن له إقالة النادم وإنظار المعسر وأخذ الحقّ وافيا أو غير واف (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام قال : « لا يكون الوفاء حتى يرجّح » (٣).

وقال : « لا يكون الوفاء حتى يميل الميزان » (٤).

ولا ينبغي أن يتعرّض للكيل أو الوزن (٥) إلاّ من يعرفهما حذرا من أخذ مال الغير.

مسالة ٦٨١ : لا يبيع المبيع في المواضع المظلمة التي لا يظهر فيها المبيع ظهورا بيّنا ، حذرا من الغشّ.

قال هشام بن الحكم : كنت أبيع السابري في الظلال ، فمرّ بي الكاظم عليه‌السلام فقال : « يا هشام إنّ البيع في الظلال غشّ ، والغشّ لا يحلّ » (٦).

ويحرم أن يزيّن المتاع بأن يظهر جيّده ويكتم رديئه.

قال الباقر عليه‌السلام : « مرّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سوق المدينة بطعام ، فقال لصاحبه : ما أرى طعامك إلاّ طيبا ، وسأل عن سعره ، فأوحى الله تعالى [ إليه ] (٧) أن يدير يده في الطعام ، ففعل فأخرج طعاما رديئا ، فقال لصاحبه :

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٨ ، ٤ ، التهذيب ٧ : ١٠ ، ٣٩.

(٢) الكافي ٥ : ١٥١ ، ٤ ، التهذيب ٧ : ٥ ، ١٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٦٠ ( باب الوفاء والبخس ) الحديث ٥ ، التهذيب ٧ : ١١ ، ٤٣.

(٤) الكافي ٥ : ١٥٩ ، ١ ، التهذيب ٧ : ١١ ، ٤٤.

(٥) في « ي » : « للكيل والوزن ». وفي الطبعة الحجريّة : « الكيل والوزن ».

(٦) الكافي ٥ : ١٦٠ ـ ١٦١ ، ٦ ، التهذيب ٧ : ١٣ ، ٥٤.

(٧) ما بين المعقوفين من المصدر.

١٧٩

ما أراك إلاّ قد جمعت خيانة وغشّا للمسلمين » (١).

مسالة ٦٨٢ : إذا قال له إنسان : اشتر لي ، فلا يعطه (٢) من عنده وإن كان الذي عنده أجود ، لأنّه إنّما أمره بالشراء ، وهو ظاهر في الشراء من الغير.

قال الصادق عليه‌السلام : « إذا قال لك الرجل : اشتر لي ، فلا تعطه من عندك وإن كان الذي عندك خيرا منه » (٣).

وسأل إسحاق الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يبعث إلى الرجل فيقول له : ابتع لي ثوبا ، فيطلب في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده ، قال : « لا يقربن هذا ولا يدنس نفسه ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول ( إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) (٤) وإن كان عنده خيرا ممّا يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده » (٥).

مسالة ٦٨٣ : إذا قال التاجر لغيره : هلمّ أحسن إليك‌ ، باعه من غير ربح استحبابا.

قال الصادق عليه‌السلام : « إذا قال الرجل للرجل : هلمّ أحسن بيعك ، يحرم عليه الربح » (٦).

ويكره الربح على المؤمن ، فإن فعل فلا يكثر منه.

قال الصادق عليه‌السلام : « ربح المؤمن على المؤمن ربا إلاّ أن يشتري بأكثر‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٦١ ، ٧ ، التهذيب ٧ : ١٣ ، ٥٥.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « فلا يعطيه ».

(٣) الكافي ٥ : ١٥١ ـ ١٥٢ ، ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٥٢ ، ٩٩٨ ، و ٧ : ٦ ـ ٧ ، ١٩.

(٤) الأحزاب : ٧٢.

(٥) التهذيب ٦ : ٣٥٢ ، ٩٩٩.

(٦) الكافي ٥ : ١٥٢ ، ٩ ، الفقيه ٣ : ١٧٣ ، ٧٧٤ ، التهذيب ٧ : ٧ ، ٢١.

١٨٠