تذكرة الفقهاء - ج ١٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٣٩٢

روي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « أجر المغنّية التي تزفّ العرائس ليس به بأس وليست بالتي يدخل عليها الرجال » (١).

إذا ثبت هذا ، فإن أدخلت الرجال أو غنّت بالكذب ، كان حراما ، لما تقدّم.

ولما رواه أبو بصير عن الباقر عليه‌السلام ، قال : سألته عن كسب المغنّيات ، فقال : « التي يدخل عليها الرجال حرام ، والتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس ، وهو قول الله عزّ وجلّ ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) (٢) » (٣).

مسالة ٦٤٦ : القمار حرام وتعلّمه واستعماله وأخذ الكسب به حتى لعب الصبيان بالجوز والخاتم.

قال الله تعالى ( وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ) (٤) وقال تعالى : ( وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ ) (٥).

قال الباقر عليه‌السلام : « لمّا أنزل الله تعالى على رسوله ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ) (٦) قيل : يا رسول الله ما الميسر؟ قال : كلّ ما يقمروا به حتى الكعاب والجوز ، فقيل : وما الأنصاب؟ قال : ما ذبحوا لآلهتهم ، قيل : والأزلام؟ قال : قداحهم‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٢٠ ، ٣ ، الفقيه ٣ : ٩٨ ، ٣٧٦ ، التهذيب ٦ : ٣٥٧ ، ١٠٢٢ ، الإستبصار ٣ : ٦٢ ، ٢٠٥.

(٢) سورة لقمان : ٦.

(٣) الكافي ٥ : ١١٩ ، ١ ، التهذيب ٦ : ٣٥٨ ، ١٠٢٤ ، الإستبصار ٣ : ٦٢ ، ٢٠٧.

(٤) المائدة : ٣.

(٥) المائدة : ٩٠.

(٦) المائدة : ٩٠.

١٤١

التي كانوا يستقسمون بها » (١).

وسأل إسحاق بن عمّار الصادق عليه‌السلام : الصبيان يلعبون بالجوز والبيض ويقامرون ، فقال : « لا تأكل منه فإنّه حرام » (٢).

وكان الصادق عليه‌السلام ينهى عن الجوز يجي‌ء به الصبيان من القمار أن يؤكل ، وقال : « هو سحت » (٣).

مسالة ٦٤٧ : الغشّ والتدليس محرّمان‌ ، كشوب اللبن بالماء ، وتدليس الماشطة ، وتزيين الرجل بالحرام.

قال الصادق عليه‌السلام : « ليس منّا من غشّنا » (٤).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لرجل يبيع التمر : « يا فلان أما علمت أنّه ليس من المسلمين من غشّهم » (٥).

ونهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يشاب اللبن بالماء للبيع (٦).

ولا بأس بكسب الماشطة إذا لم تفعل التدليس.

قال [ عليّ ] (٧) : سألته عن امرأة مسلمة تمشط العرائس ليس لها معيشة غير ذلك وقد دخلها تضيّق ، قال : « لا بأس ، ولكن لا تصل الشعر بالشعر » (٨).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٢٢ ـ ١٢٣ ، ٢ ، الفقيه ٣ : ٩٧ ، ٣٧٤ ، التهذيب ٦ : ٣٧١ ، ١٠٧٥ ، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

(٢) الكافي ٥ : ١٢٤ ، ١٠ ، التهذيب ٦ : ٣٧٠ ، ١٠٦٩.

(٣) الكافي ٥ : ١٢٣ ، ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٧٠ ، ١٠٧٠.

(٤) الكافي ٥ : ١٦٠ ، ١ ، التهذيب ٧ : ١٢ ، ٤٨.

(٥) الكافي ٥ : ١٦٠ ، ٢ ، التهذيب ٧ : ١٢ ، ٤٩.

(٦) الكافي ٥ : ١٦٠ ، ٥ ، الفقيه ٣ : ١٧٣ ، ٧٧١ ، التهذيب ٧ : ١٣ ، ٥٣.

(٧) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « سماعة ». ولقد ورد في المصدر لفظ « سماعة » في الحديث السابق بسطر واحد. وما أثبتناه من المصدر.

(٨) التهذيب ٦ : ٣٥٩ ، ١٠٣٠ ، وفيه : « وقد دخلها ضيق .. ».

١٤٢

وإذا لم يحصل تدليس بالوصل ، لم يكن به بأس.

سئل [ الباقر ] (١) عليه‌السلام عن القرامل التي يضعها النساء في رءوسهن يصلنه بشعورهنّ ، فقال : « لا بأس به على المرأة ما تزيّنت به لزوجها » فقيل له : بلغنا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن الواصلة والموصولة ، فقال : « ليس هناك ، إنّما لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ الواصلة ] (٢) التي تزني في شبابها ، فإذا كبرت قادت النساء إلى الرجال ، فتلك الواصلة والموصولة » (٣).

مسالة ٦٤٨ : وتحرم معونة الظالمين على الظلم.

قال ابن أبي يعفور : كنت عند الصادق عليه‌السلام إذ دخل عليه رجل من أصحابنا ، فقال له : أصلحك الله إنّه ربما أصاب الرجل منّا الضيق أو (٤) الشدّة فيدعى إلى البناء يبنيه ، أو النهر يكريه ، أو المسنّاة يصلحها ، فما تقول في ذلك؟ فقال الصادق عليه‌السلام : « ما أحبّ أنّي (٥) عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء وإنّ لي ما بين لابتيها لا ولا مدّة بقلم ، إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد » (٦).

مسالة ٦٤٩ : يحرم حفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض أو الحجّة وتعلّمها ، ونسخ التوراة والإنجيل ، لأنّهما منسوخان محرّفان ، وتعليمهما وتعلّمهما حرام ، وأخذ الأجرة على ذلك.

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « الصادق ». وما أثبتناه هو الموافق لما في المصدر ، وفيه : « أبو جعفر ».

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) الكافي ٥ : ١١٩ ، ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٦٠ ، ١٠٣٢.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « والشدّة .. إن عقدت ». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « والشدّة .. إن عقدت ». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٦) الكافي ٥ : ١٠٧ ، ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٣١ ، ٩١٩.

١٤٣

وكذا يحرم هجاء المؤمنين والغيبة.

قال الله تعالى ( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً ) (١).

ويحرم سبّ المؤمنين والكذب عليهم والنميمة (٢) ومدح من يستحقّ الذمّ وبالعكس ، والتشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة ، بلا خلاف في ذلك كلّه.

مسالة ٦٥٠ : تعلّم السحر وتعليمه حرام.

وهو كلام يتكلّم به أو يكتبه أو (٣) رقية أو يعمل شيئا [ يؤثّر ] (٤) في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة.

وهل له حقيقة؟ قال الشيخ : لا ، وإنّما هو تخييل (٥).

وعلى كلّ تقدير لو استحلّه قتل.

ويجوز حلّ السحر بشي‌ء من القرآن أو الذكر والأقسام ، لا بشي‌ء منه.

روى إبراهيم بن هاشم قال : حدّثني شيخ من أصحابنا الكوفيّين ، قال : دخل عيسى بن سيفي (٦) على الصادق عليه‌السلام ـ وكان ساحرا يأتيه الناس‌

__________________

(١) الحجرات : ١٢.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « التهمة » بدل « النميمة ».

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٥) الخلاف ٥ : ٣٢٧ ـ ٣٢٨ ، المسألة ١٤ من كتاب كفّارة القتل ، المبسوط ـ للطوسي ـ ٧ : ٢٦٠.

(٦) في الكافي : « شفقي » بدل « سيفي ». وفي التهذيب ـ تحقيق السيّد حسن الخرسان ـ وكذا الفقيه : « شقفي ». وفي التهذيب ـ تحقيق علي أكبر الغفاري ـ كما في المتن.

١٤٤

ويأخذ على ذلك الأجر ـ فقال له : جعلت فداك أنا رجل كانت صناعتي السحر وكنت آخذ عليه الأجرة وكان معاشي ، وقد حججت ومنّ الله عليّ بلقائك وقد تبت إلى الله تعالى ، فهل لي في شي‌ء منه مخرج؟ قال : فقال :الصادق عليه‌السلام : « حلّ ولا تعقد » (١).

وكذا يحرم تعلّم الكهانة وتعليمها ، والكاهن هو الذي له رئيّ (٢) من الجنّ يأتيه بالأخبار. ويقتل ما لم يتب.

والتنجيم حرام ، وكذا تعلّم النجوم مع اعتقاد تأثيرها في عالم العنصريّات على ما يقوله الفلاسفة.

والشعبذة حرام. وهي الحركات السريعة جدّا بحيث يخفى على الحسّ الفرق بين الشي‌ء وشبهه لسرعة (٣) انتقاله من الشي‌ء إلى شبهه.

والقيافة حرام عندنا.

مسالة ٦٥١ : يحرم بيع المصحف‌ ، لما فيه من الابتذال له وانتفاء التعظيم ، بل ينبغي أن يبيع الجلد والورق.

قال سماعة : سألته عن بيع المصاحف وشرائها ، فقال : « لا تشتر كتاب الله ، ولكن اشتر الحديد والجلود (٤) والدفّتين (٥) ، وقل : أشتري هذا منك بكذا وكذا » (٦).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١١٥ ، ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٦٤ ، ١٠٤٣ ، وانظر : الفقيه ٣ : ١١٠ ، ٤٦٣.

(٢) يقال للتابع من الجنّ : رئيّ ، بوزن كميّ ، سمّي به لأنّه يتراءى لمتبوعه. النهاية ـ لابن الأثير ـ ٢ : ١٧٨ « رأي ».

(٣) في الطبعة الحجريّة : « بسرعة ».

(٤) في المصدر : « والورق » بدل « والجلود ».

(٥) في الطبعة الحجريّة : « والدفين ». وفي « س ، ي » : « والدفتر ». وما أثبتناه من المصدر.

(٦) الكافي ٥ : ١٢١ ( باب بيع المصاحف ) الحديث ٢.

١٤٥

وسأل جرّاح المدائني الصادق عليه‌السلام : عن بيع المصاحف ، فقال (١) : « لا تبع الكتاب ولا تشتره ، وبع الورق والأديم والحديد » (٢).

ولا بأس بأخذ الأجرة على كتبة القرآن.

قال الصادق عليه‌السلام وقد سأله روح بن عبد الرحيم (٣) ، فقال له : ما ترى أن أعطي على كتابته أجرا؟ قال : « لا بأس » (٤).

مسالة ٦٥٢ : يحرم تعشير المصاحف بالذهب وزخرفتها.

قال سماعة : سألته عن رجل يعشّر المصاحف بالذهب ، فقال : « لا يصلح » فقال : إنّها معيشتي ، فقال : « إنّك إن تركته لله جعل الله لك مخرجا » (٥).

والأولى عندي الكراهة دون التحريم ، عملا بالأصل ، واستضعافا للرواية ، لأنّها غير مستندة إلى إمام ، والرواة ضعفاء.

ويكره كتبة القرآن بالذهب.

قال محمّد الورّاق (٦) : عرضت على الصادق عليه‌السلام كتابا فيه قرآن مختّم معشّر بالذهب ، وكتب في آخره سورة بالذهب ، فأريته إيّاه ، فلم يعب منه شيئا إلاّ كتابة القرآن بالذهب ، فإنّه قال : « لا يعجبني أن يكتب القرآن إلاّ بالسواد كما كتب أوّل مرّة » (٧).

__________________

(١) في « س ، ي » : « قال ».

(٢) التهذيب ٦ : ٣٦٦ ، ١٠٥١.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عبد الرحمن ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) الكافي ٥ : ١٢١ ـ ١٢٢ ، ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٦٦ ، ١٠٥٣.

(٥) التهذيب ٦ : ٣٦٦ ، ١٠٥٥.

(٦) في الكافي : « محمّد بن الورّاق ».

(٧) الكافي ٢ : ٤٦٠ ، ٨ ، التهذيب ٦ : ٣٦٧ ، ١٠٥٦.

١٤٦

مسالة ٦٥٣ : السرقة والخيانة حرام بالنصّ والإجماع‌ ، وكذا بيعهما.

ولو وجد عنده سرقة ، ضمنها ، إلاّ أن يقيم البيّنة بشرائها ، فيرجع على بائعها مع جهله.

روى جرّاح عن الصادق عليه‌السلام قال : « لا يصلح شراء السرقة والخيانة إذا عرفت » (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : « من اشترى سرقة وهو يعلم فقد شرك في عارها وإثمها » (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام في الرجل يوجد عنده سرقة ، فقال : « هو غارم إذا لم يأت على بائعها بشهود (٣) » (٤).

ولو اشترى بمال السرقة جارية أو ضيعة ، فإن كان بالعين ، بطل البيع ، وإلاّ حلّ له وطؤ الجارية ، وعليه وزر المال.

روى السكوني عن الصادق عن الباقر عن آبائه عليهم‌السلام « لو أنّ رجلا سرق ألف درهم فاشترى بها جارية أو أصدقها امرأة فإنّ الزوجة (٥) له حلال ، وعليه تبعة المال » (٦).

ولو حجّ به مع وجوب الحجّ بدونه ، برئت ذمّته إلاّ في الهدي.

ولو طاف أو سعى في الثوب المغصوب أو على الدابّة المغصوبة ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٢٨ ، ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٧٤ ، ١٠٨٩.

(٢) الكافي ٥ : ٢٢٩ ، ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٧٤ ، ١٠٩٠.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « شهود ». وفي التهذيب : « شهودا ». وما أثبتناه من الكافي.

(٤) الكافي ٥ : ٢٢٩ ، ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٧٤ ، ١٠٩١.

(٥) في المصدر : « الفرج » بدل « الزوجة ».

(٦) التهذيب ٦ : ٣٨٦ ، ١١٤٧ ، و ٨ : ٢١٥ ، ٧٦٧.

١٤٧

بطل.

مسالة ٦٥٤ : التطفيف في الكيل والوزن حرام بالنص والإجماع.

قال الله تعالى ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ) (١).

ويحرم الرشا في الحكم وإن حكم على باذله بحقّ أو باطل.

الخامس : ما يجب على الإنسان فعله يحرم أخذ الأجر عليه ، كتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم.

نعم ، لو أخذ الأجر على المستحبّ منها (٢) ، فالأقرب : الجواز.

وتحرم الأجرة على الأذان ، وقد سبق (٣) ، وعلى القضاء ، لأنّه واجب.

ويجوز أخذ الرزق عليهما من بيت المال.

ويجوز أخذ الأجرة على عقد النكاح والخطبة في الإملاك (٤).

ويحرم الأجر على الإمامة والشهادة وقيامها.

مسالة ٦٥٥ : لو دفع إنسان إلى غيره مالا ليصرفه في المحاويج أو في قبيل وكان هو منهم ، فإن عيّن ، اقتصر على ما عيّنه ، ولا يجوز له إعطاء غيرهم ، فإن فعل ، ضمن.

وإن أطلق ، فالأقرب : تحريم أخذه منه ، لأنّ الظاهر أنّ الشخص هنا لا يتولّى طرفي القبض والإقباض.

ولما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه‌السلام في رجل أعطاه‌

__________________

(١) المطفّفين : ١ ـ ٣.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « منهما » بدل « منها ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) في ج ٣ ص ٨١ ، المسألة ١٨٤.

(٤) الإملاك : التزويج. الصحاح ٤ : ١٦١٠ « ملك ».

١٤٨

رجل مالا ليقسمه في المساكين وله عيال محتاجون ، أيعطيهم منه من غير أن يستأذن (١) صاحبه؟ قال : « نعم » (٢).

وقال بعض علمائنا : يجوز له أن يأخذ مثل ما يعطي غيره ، ولا يفضّل نفسه عليهم (٣).

وهو عندي جيّد إن علم بقرينة الحال تسويغ ذلك.

إذا عرفت هذا ، فإن كان الأمر بالدفع إلى قوم معيّنين ، لم تشترط عدالة المأمور ، وإلاّ اشترطت.

مسالة ٦٥٦ : يجوز أكل ما ينثر في الأعراس مع علم الإباحة إمّا لفظا أو بشاهد الحال. ويكره انتهابه.

فإن لم يعلم قصد الإباحة ، حرم ، لأنّ الأصل عصمة مال المسلم.

قال إسحاق بن عمّار : قلت للصادق عليه‌السلام : الإملاك يكون والعرس فينثر على القوم ، فقال : « حرام ، ولكن كل ما أعطوك منه » (٤).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لا بأس بنثر الجوز والسّكّر » (٥).

وعن الكاظم عليه‌السلام ، قال : سألته عن النثار من السّكّر واللوز وأشباهه أيحلّ أكله؟ قال : « يكره أكل ما انتهب » (٦).

مسالة ٦٥٧ : الولاية من قبل العادل مستحبّة. وقد تجب إذا ألزمه بها ، أو كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتمّ إلاّ بولايته.

__________________

(١) في المصدر : « يستأمر » بدل « يستأذن ».

(٢) التهذيب ٦ : ٣٥٢ ـ ٣٥٣ ، ١٠٠١.

(٣) المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢ : ١٢.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٧٠ ، ١٠٧١ ، الاستبصار ٣ : ٦٦ ، ٢٢٠.

(٥) التهذيب ٦ : ٣٧٠ ، ١٠٧٣ ، الإستبصار ٣ : ٦٦ ـ ٦٧ ، ٢٢٢.

(٦) الكافي ٥ : ١٢٣ ، ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٧٠ ، ١٠٧٢.

١٤٩

وتحرم من الجائر ، إلاّ مع التمكّن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو مع الإكراه بالخوف على النفس أو المال أو الأهل أو بعض المؤمنين ، فيجوز حينئذ اعتماد ما يأمره إلاّ القتل الظلم ، فإنّه لا يجوز له فعله وإن قتل.

ولو خاف ضررا يسيرا بترك الولاية ، استحبّ له تحمّله ، وكرهت له الولاية.

روى عمّار قال : سئل الصادق عليه‌السلام : عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل ، قال : « لا ، إلاّ أن لا يقدر على شي‌ء [ ولا ] (١) يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة ، فإن فعل فصار في يده شي‌ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت » (٢).

وعن الوليد بن صبيح قال : دخلت على الصادق عليه‌السلام فاستقبلني زرارة خارجا من عنده ، فقال لي الصادق عليه‌السلام : « يا وليد أما تعجب من زرارة سألني عن أعمال هؤلاء أيّ شي‌ء كان يريد؟ [ أيريد ] (٣) أن أقول له : لا ، فيروي ذلك عليّ؟ » ثمّ قال : « يا وليد متى كانت الشيعة تسأل عن أعمالهم؟ إنّما كانت الشيعة تقول : يؤكل من طعامهم ، ويشرب من شرابهم ، ويستظلّ بظلّهم ، متى كانت الشيعة تسأل عن هذا؟ » (٤).

وروى حمّاد عن حميد قال : قلت للصادق عليه‌السلام : إنّي (٥) ولّيت عملا‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٣٠ ، ٩١٥.

(٣) ما بين المعقوفين من الكافي.

(٤) الكافي ٥ : ١٠٥ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٣٠ ـ ٣٣١ ، ٩١٧.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « أن » بدل « إنّي ». وما أثبتناه كما في المصدر.

١٥٠

فهل لي من ذلك مخرج؟ فقال : « ما أكثر من طلب [ من ] (١) ذلك المخرج فعسر عليه » قلت : فما ترى؟ قال : « أرى أن تتّقي الله عزّ وجلّ ولا تعود » (٢).

وكان النجاشي ـ وهو رجل من الدهاقين ـ عاملا على الأهواز وفارس ، فقال بعض أهل عمله للصادق عليه‌السلام : إنّ في ديوان النجاشي عليّ خراجا وهو ممّن يدين بطاعتك ، فإن رأيت أن تكتب إليه كتابا ، قال : فكتب إليه كتابا : بسم الله الرحمن الرحيم ، سرّ أخاك يسرّك الله » فلمّا ورد عليه الكتاب وهو في مجلسه وخلا ناوله الكتاب وقال : هذا كتاب الصادق عليه‌السلام ، فقبّله ووضعه على عينيه وقال : ما حاجتك؟ فقال : عليّ خراج في ديوانك ، قال له : كم هو؟ قال : عشرة آلاف درهم ، قال : فدعا كاتبه فأمره بأدائها عنه ، ثمّ أخرج مثله فأمره أن يثبتها له لقابل ، ثمّ قال : هل سررتك؟ قال : نعم ، قال : فأمر له بعشرة آلاف درهم أخرى ، فقال : هل سررتك؟ فقال : نعم ، جعلت فداك ، قال : فأمر له بمركب ثمّ أمر له بجارية وغلام وتخت ثياب في كلّ ذلك يقول : هل سررتك؟ فكلّما قال : نعم ، زاده حتى فرغ قال له : احمل فرش هذا البيت الذي كنت جالسا فيه حين دفعت إليّ كتاب مولاي فيه ، وارفع إليّ جميع حوائجك ، قال : ففعل ، وخرج الرجل فصار إلى الصادق عليه‌السلام بعد ذلك ، فحدّثه بالحديث على جهته ، فجعل يستبشر بما فعله ، قال له الرجل : يا بن رسول الله فإنّه قد سرّك ما فعل بي؟ قال : « إي والله لقد سرّ الله ورسوله » (٣).

__________________

(١) ما بين المعقوفين من التهذيب. وفي الكافي : « من طلب المخرج من ذلك ».

(٢) الكافي ٥ : ١٠٩ ، ١٥ ، التهذيب ٦ : ٣٣٢ ، ٩٢٢.

(٣) الكافي ٢ : ١٥٢ ( باب إدخال السرور على المؤمنين ) الحديث ٩ ، التهذيب ٦ : ٣٣٣ ـ ٣٣٤ ، ٩٢٥.

١٥١

مسالة ٦٥٨ : جوائز الجائر إن علمت حراما لغصب وظلم وشبهه حرم أخذها‌ ، فإن أخذها ، وجب عليه ردّها على المالك إن عرفه. وإن لم يعرفه ، تصدّق بها عنه ويضمن ، أو احتفظها أمانة في يده ، أو دفعها إلى الحاكم. ولا يجوز له إعادتها إلى الظالم ، فإن أعادها ، ضمن ، إلاّ أن يقهره الظالم على أخذها ، فيزول التحريم.

أمّا الضمان فإن كان قد قبضها اختيارا ، لم يزل عنه بأخذ الظالم لها كرها. وإن كان قد قبضها مكرها ، زال الضمان أيضا.

وإن لم يعلم تحريمها ، كانت حلالا بناء على الأصل.

قال محمّد بن مسلم وزرارة : سمعناه يقول : « جوائز العمّال ليس بها بأس » (١).

وقال الباقر عليه‌السلام : « إنّ الحسن والحسين عليهما‌السلام كانا يقبلان جوائز معاوية » (٢).

ولو علم أنّ العامل يظلم ولم يعلم أنّ المبيع بعينه ظلم ، جاز شراؤه.

قال معاوية بن وهب : قلت للصادق عليه‌السلام : أشتري من العامل الشي‌ء وأنا أعلم أنّه يظلم ، فقال : « اشتر منه » (٣).

قال أبو المغراء : سأل رجل الصادق عليه‌السلام وأنا عنده ، فقال : أصلحك الله أمرّ بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها؟ قال : « نعم » قلت : وأحجّ بها؟ قال : « نعم » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٣٦ ، ٩٣١.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٣٧ ، ٩٣٥.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٣٨ ، ٩٣٨.

(٤) الفقيه ٣ : ١٠٨ ، ٤٥٠ ، التهذيب ٦ : ٣٣٨ ، ٩٤٢.

١٥٢

مسالة ٦٥٩ : ما يأخذ الجائر من الغلاّت باسم المقاسمة‌ ، ومن الأموال باسم الخراج عن حقّ الأرض ، ومن الأنعام باسم الزكاة يجوز شراؤه واتّهابه ، ولا تجب إعادته على أصحابه وإن عرفوا ، لأنّ هذا مال لا يملكه الزارع وصاحب الأنعام والأرض ، فإنّه حقّ لله أخذه غير مستحقّه ، فبرئت ذمّته ، وجاز شراؤه.

ولأنّ أبا عبيدة سأل الباقر عليه‌السلام : عن الرجل منّا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنمها وهو يعلم أنّهم يأخذون منهم أكثر من الحقّ الذي يجب عليهم ، فقال : « ما الإبل والغنم إلاّ مثل الحنطة والشعير وغير ذلك لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه » قيل له : فما ترى في مصدّق يجيئنا فيأخذ صدقات أغنامنا (١) ، نقول : بعناها ، فيبيعناها ، فما ترى في شرائها منه؟ قال : « إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس » قيل له : فما ترى في الحنطة والشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظّنا ويأخذ حظّه فيعزله بكيل ، فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال : « إن كان قبضه بكيل وأنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه بغير كيل » (٢).

روى عبد الرحمن بن الحجّاج ـ في الصحيح ـ عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : قال لي : « ما لك لا تدخل مع عليّ في شراء الطعام؟ إنّي أظنّك ضيّقا » قال : قلت : نعم ، فإن شئت وسّعت عليّ ، قال : « اشتره » (٣).

مسالة ٦٦٠ : إذا كان له مال حلال وحرام ، وجب عليه تمييزه منه‌ ، ودفع الحرام إلى أربابه ، فإن امتزجا ، أخرج بقدر الحرام ، فإن جهل أربابه ،

__________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « أغنيائنا » بدل « أغنامنا ». وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الكافي ٥ : ٢٢٨ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٧٥ ، ١٠٩٤.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٣٦ ، ٩٣٢.

١٥٣

تصدّق به عنهم ، فإن جهل المقدار ، صالح أربابه عليه ، فإن جهل أربابه ومقداره ، أخرج خمسه ، وحلّ له الباقي.

قال الصادق عليه‌السلام : « أتى رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : إنّي كسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا وحراما وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه والحرام وقد اختلط عليّ ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : تصدّق بخمس مالك ، فإنّ الله عزّ وجلّ رضي من الأشياء بالخمس ، وسائر المال لك » (١).

مسالة ٦٦١ : تكره معاملة من لا يتحفّظ من الحرام‌ ، فإن دفع إليه من الحرام ، لم يجز له أخذه ولا شراؤه ، فإن أخذه ، ردّه على صاحبه. وإن بايعه بمال يعلم أنّه حلال ، جاز. وإن اشتبه ، كان مكروها.

قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الحلال بيّن ، والحرام بيّن ، وبين ذلك أمور متشابهات لا يعلمها كثير من الناس ، فمن اتّقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، ألا إنّ لكلّ ملك حمى ، وحمى الله محارمه » (٢).

وروى الحسن بن عليّ عليهما‌السلام عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان يقول : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » (٣).

مسالة ٦٦٢ : الأجير إمّا عامّ أو خاصّ‌ ، فالعامّ هو الذي يستأجر للعمل‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٢٥ ، ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٦٨ ـ ٣٦٩ ، ١٠٦٥.

(٢) صحيح البخاري ١ : ٢٠ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢١٩ ، ١٥٩٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٥١١ ، ١٢٠٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٤٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٦٤ باختلاف في بعض الألفاظ.

(٣) سنن الترمذي ٤ : ٦٦٨ ، ٢٥١٨ ، سنن النسائي ٨ : ٣٢٧ ـ ٣٢٨ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٥ ، مسند أحمد ١ : ٣٢٩ ، ١٧٢٤ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٢ : ١٣ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٣ : ٧٥ ، ٢٧٠٨ ، شرح السنّة ـ للبغوي ـ ٥ : ١٣ ، ٢٠٣٢.

١٥٤

المطلق ، فيجوز له فعله مباشرة وتسبيبا. والخاصّ هو الذي يشترط عليه العمل مباشرة مدّة معيّنة ، فلا يجوز أن يعمل لغير من استأجره إلاّ بإذنه.

و (١) لما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يستأجر الرجل بأجر معلوم فيعينه في صنعته (٢) فيعطيه رجل آخر دراهم فيقول : اشتر لي كذا وكذا ، فما ربحت فبيني وبينك ، قال : « إذا أذن له الذي استأجره فليس به بأس » (٣).

ويجوز للمطلق.

وثمن الكفن حلال ، وكذا ماء تغسيل الميّت واجرة البدرقة.

مسالة ٦٦٣ : يجوز لمن مرّ بشي‌ء من الثمرة في النخل أو الفواكه الأكل منها إن لم يقصد ، بل وقع المرور اتّفاقا. ولا يجوز له الإفساد ولا الأخذ والخروج به ، ولا يحلّ له الأكل أيضا مع القصد. ولو أذن المالك مطلقا ، جاز.

روى محمّد بن مروان قال : قلت للصادق عليه‌السلام : أمرّ بالثمرة فآخذ (٤) منها ، قال : « كل ولا تحمل » قلت : فإنّهم قد اشتروها ، قال : « كل ولا تحمل » قلت : جعلت فداك إنّ التجّار قد اشتروها ونقدوا أموالهم ، قال : « اشتروا ما ليس لهم » (٥).

وعن يونس عن بعض رجاله عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن‌

__________________

(١) كذا ، والظاهر زيادة الواو حيث إنّها غير مسبوقة بذكر دليل حتى يتمّ العطف عليه.

(٢) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة المعتمدة في التحقيق ، وفي المصدر : « فيبعثه في ضيعته » بدل « فيعينه في صنعته ».

(٣) التهذيب ٦ : ٣٨١ ـ ٣٨٢ ، ١١٢٥.

(٤) في المصدر : « فآكل » بدل « فآخذ ».

(٥) التهذيب ٦ : ٣٨٣ ، ١١٣٤.

١٥٥

الرجل يمرّ بالبستان وقد حيط عليه أو لم يحط ، هل يجوز له أن يأكل من ثمره وليس يحمله على الأكل من ثمره إلاّ الشهوة وله ما يغنيه عن الأكل من ثمره؟ وهل له أن يأكل منه من جوع؟ قال : « لا بأس أن يأكل ، ولا يحمله ولا يفسده » (١).

وهل حكم الزرع ذلك؟ إشكال أقربه : المنع ، لما رواه مروك بن عبيد عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قلت له : الرجل يمرّ على قراح الزرع يأخذ منه السنبلة ، قال : « لا » قلت : أيّ شي‌ء سنبلة؟ قال : « لو كان كلّ من يمرّ به يأخذ سنبلة كان لا يبقى منه شي‌ء » (٢).

وكذا الخضراوات والبقول.

ولو منعه المالك ، فالوجه : أنّه يحرم عليه التناول مطلقا إلاّ مع خوف التلف.

مسالة ٦٦٤ : روي أنّ النبيّ ٦ نهى عن بيعتين في بيعة (٣).

وفسّر بأمرين :

أحدهما : أن يبيع الشي‌ء بثمن نقدا وبآخر نسيئة. وقد بيّنّا بطلان هذا البيع.

والثاني : أن يكون المراد به أن يقول : بعتك بكذا على أن تبيعني أنت كذا بكذا.

والثاني عندنا صحيح ، خلافا للشافعي ، لأنّه شرط بيع ماله ، وذلك‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٨٣ ـ ٣٨٤ ، ١١٣٥.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٨٥ ، ١١٤٠.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٥٣٣ ، ١٢٣١ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٣ ، مسند أحمد ٢ : ٣٦٦ ، ٦٥٩١ ، و ٣ : ٢٤٦ ، ٩٧٩٥ ، و ٢٩٧ ، ١٠١٥٧ ، الموطّأ ٢ : ٦٦٣ ، ٧٢.

١٥٦

غير واجب بالشرط (١).

وهو ممنوع ، لقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٢) وقد تقدّم (٣).

مسالة ٦٦٥ : النجش حرام‌ ، لأنّه عليه‌السلام نهى عنه (٤) ، وهو خديعة ، وليس من أخلاق أهل الدين.

ومعناه أن يزيد الرجل في ثمن سلعة لا يريد شراءها ليقتدي به المشترون بمواطاة البائع.

وروي أنّه عليه‌السلام قال : « لا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا » (٥).

إذا ثبت هذا ، فإذا اشترى (٦) المشتري مع النجش ، كان البيع صحيحا ـ وبه قال الشافعي (٧) ـ لأصالة صحّة البيع. وقوله تعالى : ( وَأَحَلَّ اللهُ

__________________

(١) مختصر المزني : ٨٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٤١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٧٤ ، الوسيط ٣ : ٧٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٤ ، المجموع ٩ : ٣٣٨.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ ، ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ ، ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٣) في ج ١٠ ص ٢٢٤ و ٢٥٠ ، المسألتان ١١٢ و ١١٨.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ٩١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٤ ، ٢١٧٣ ، مسند أحمد ٢ : ١٧١ ، ٥٢٨٢ ، و ٢٤٩ ، ٥٨٢٨ ، و ٣٣٤ ، ٦٤١٥.

(٥) المعجم الصغير ـ للطبراني ـ ٢ : ٨٩ ، تاريخ بغداد ٢ : ٢٧٣ ، وبتفاوت في المعجم الأوسط ـ للطبراني ـ ٧ : ١٥٧ ، ٧٠٢١ ، والمصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٦ : ٥٧١ ، ٢٠٧٤ ، وسنن البيهقي ٦ : ٩٢ ، ومسند أحمد ٢ : ٥٤١ ، ٧٦٧٠.

(٦) في « س ، ي » : « اشتراه ».

(٧) الحاوي الكبير ٥ : ٣٤٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٩٨ ، حلية العلماء ٤ : ٣٠٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٢ ، بداية المجتهد ٢ : ١٦٧ ، المغني ٤ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٨٨.

١٥٧

الْبَيْعَ ) (١) السالم عن معارضة النهي ، لأنّه لمعنى في غير البيع ، وإنّما هو الخديعة.

وقال مالك : يكون مفسوخا لأجل النهي عنه (٢).

ويثبت للمشتري الخيار إذا علم بالنجش ، سواء كان ذلك بمواطاة البائع وعلمه أو لا إن اشتمل على الغبن ، وإلاّ فلا.

وقال الشافعي : إذا علم أنّه كان نجشا ، فإن لم يكن بمواطاة البائع وعلم ، فلا خيار. وإن كان ، فقولان.

أظهرهما : عدم الخيار ، لأنّه ليس فيه أكثر من الغبن ، وذلك لا يوجب (٣) الخيار ، لأنّ التفريط من المشتري حيث اشترى ما لا يعرف قيمته ، فهو بمنزلة من اشترى ما لا يعرف قيمته ، وغبنه بائعه.

ونحن لمّا أثبتنا الخيار بالغبن سقط هذا الكلام بالكلّيّة.

والثاني : أنّه يثبت الخيار ـ كما قلناه ـ لأنّه تدليس من جهة البائع ، فأشبه التصرية (٤).

ولو قال البائع : أعطيت في هذه السلعة كذا وكذا ، فصدّقه المشتري فاشتراها بذلك ، ثمّ ظهر له كذبه ، فإنّ البيع صحيح ، والخيار على هذين‌

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) بداية المجتهد ٢ : ١٦٧ ، حلية العلماء ٤ : ٣٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣١ ، المغني ٤ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٨٨.

(٣) ظاهر الطبعة الحجريّة : « لا يجيز » بدل « لا يوجب ». وظاهر « س ، ي » : « لا يعيّن ».

وما أثبتناه من نسخة بدل في هامش الطبعة الحجريّة.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٩٨ ، حلية العلماء ٤ : ٣٠٧ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٢ ، المغني ٤ : ٣٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ٨٨.

١٥٨

الوجهين (١).

والأقرب عندي : انتفاء الخيار هنا ، لأنّ التفريط من المشتري.

مسالة ٦٦٦ : نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع البعض على البعض‌ ، فقال : « لا يبيع (٢) بعضكم على بيع بعض » (٣).

ومعناه أنّ المتبايعين إذا عقدا البيع وهما في مجلس الخيار ، فجاء آخر إلى المشتري فقال له : أنا أبيعك مثل هذه السلعة بدون ثمنها الذي اشتريت به ، أو أنا أبيعك خيرا منها بثمنها ، أو عرض عليه سلعة حسب ما ذكره.

والأقرب : أنّه مكروه.

وقال الشافعي : إنّه محرّم ، عملا بظاهر النهي ، لأنّ الحديث وإن كان ظاهره ظاهر الخبر إلاّ أنّ المراد به النهي. ولأنّه إضرار بالمسلم (٤) وإفساد عليه ، فكان حراما (٥).

ويمنع ذلك.

فإن خالف وفعل ذلك وبائع المشتري ، صحّ البيع ، لأنّ النهي لمعنى في غير البيع ، فأشبه البيع حالة النداء.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٢.

(٢) كذا ، وفي بعض المصادر : « لا يبع ».

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٩٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٥٤ ، ١٤١٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٣ ، ٢١٧١ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٨٧ ، ١٢٩٢ ، سنن النسائي ٧ : ٢٥٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٤ ، مسند أحمد ٢ : ١٧١ ، ٥٢٨٢ ، و ٢٤٩ ، ٥٨٢٨.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « بالمسلمين ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٥) الحاوي الكبير ٥ : ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٩٨ ، الوسيط ٣ :

٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٠ ـ ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨١ ، المغني ٤ : ٣٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨.

١٥٩

وكذا إذا اشترى رجل سلعة بثمن فجاء آخر قبل لزوم العقد ، فقال للبائع : أنا أشتريها بأكثر من الثمن الذي اشتراها هذا ، فإنّه مكروه عندنا ، وحرام عند الشافعي ، لأنّه في معنى نهيه عليه‌السلام. ولأنّ اللفظ مشتمل عليه ، لأنّ اسم البائع يقع عليهما ، ولهذا يسمّيان متبايعين. ولأنّه عليه‌السلام نهى عن أن يخطب الرجل على خطبة أخيه (١) ، والمشتري في معنى الخاطب (٢).

مسالة ٦٦٧ : يكره السوم على سوم المؤمن‌ ، لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا يسوم الرجل على سوم أخيه » (٣).

فإن وجد من البائع تصريح بالرضا بالبيع ولم يعقد أو أذن فيه لوكيله ، كره السوم.

وقال الشافعي : يحرم ، كما تحرم الخطبة (٤).

والأصل عندنا مكروه.

وأمّا إن لم يوجد ذلك ولا ما يدلّ عليه بل سكت ولم (٥) يجب إلى البيع ، لم يحرم السوم ، وبه قال الشافعي (٦).

وأمّا أن يكون لم يصرّح بالرضا ، بل ظهر منه ما يدلّ على الرضا بالبيع ، فهو عند الشافعي مبنيّ على القولين في الخطبة.

__________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ١٨٠ ، سنن النسائي ٧ : ٢٥٨ ، مسند أحمد ٢ : ٢٨٧ ، ٦١٠٠.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٠ ـ ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨١ ، المغني ٤ : ٣٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٥٨٧ ، ١٢٩٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٤ ، شرح معاني الآثار ٣ : ٣.

(٤) الحاوي الكبير ٥ : ٣٤٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٩٨ ، الوسيط ٣ : ٦٥ ـ ٦٦ ، حلية العلماء ٤ : ٣٠٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٣٨ ـ ٥٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٠.

(٥) في الطبعة الحجريّة : « فلم ».

(٦) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٩٨ ، الوسيط ٣ : ٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٨١.

١٦٠