تذكرة الفقهاء - ج ١٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٣٩٢

رأس المال ، يصير في معنى القرض ، لأنّه ردّ مثله ، ويصير الباقي بيعا (١).

وهو منقوض بالرجوع بأرش العيب ، فإنّه في معنى ما ذكروه.

وكذلك ينتقض باليسير ، فانّ بعضهم كان يسلّم جواز الإقالة في اليسير منه.

على أنّا نمنع من كونه قرضا. وردّ المثل لا يوجب كونه قرضا ، وإلاّ لزم أن يكون البيع إذا أقيل منه قرضا ، لوجوب ردّ المثل ، وليس كذلك.

سلّمنا ، لكن نمنع استحالة اجتماعهما في البيع ، لكن منع الاجتماع إنّما يكون إذا كان شرطا في البيع ، وأمّا لو أسلفه شيئا وباعه شيئا ، جاز إذا لم يشترط أحدهما في الآخر عندهم (٢).

مسالة ٦٣٢ : لو اشترى عبدين وتلف أحدهما ، صحّت الإقالة عندنا‌ ، لأنّها فسخ.

ومن قال : إنّها بيع فوجهان في الإقالة في التالف بالترتيب ، إذ القائم تصادفه الإقالة فيستتبع التالف (٣).

وإذا تقايلا والمبيع في يد المشتري ، نفذ تصرّف البائع فيه ، لأنّها فسخ.

ومن جعلها بيعا منع ، إذ لا يصحّ التصرّف في المبيع قبل قبضه.

ولو تلف في يده ، انفسخت الإقالة عند من قال : إنّها بيع ، وبقي البيع كما كان.

__________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ٢٠٦ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٧٢ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٧ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٤٩٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٢٦ ، ١٠٩٦.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٤.

١٢١

ومن قال : إنّها فسخ صحّت الإقالة ، وكان على المشتري الضمان ، لأنّه مقبوض على حكم العوض ، كالمأخوذ قرضا وسوما. والواجب فيه إن كان متقوّما أقلّ القيمتين من يوم العقد والقبض.

ولو تعيّب في يده ، فإن كانت بيعا ، تخيّر البائع بين إجازة الإقالة مجّانا ، وبين أن يفسخ ويأخذ الثمن. وإن كانت فسخا ، غرم أرش العيب.

ولو استعمله بعد الإقالة ، فإن جعلناها بيعا ، فهو كالمبيع يستعمله البائع. وإن جعلناها فسخا ، فعليه الأجرة.

ولو عرف البائع بالمبيع عيبا كان قد حدث في يد المشتري قبل الإقالة ، فلا ردّ له إن كانت فسخا. وإن كانت بيعا ، فله ردّه (١).

ويجوز للمشتري حبس المبيع لاسترداد الثمن على القولين. ولا يشترط [ ذكر ] (٢) الثمن في الإقالة.

ولو أقاله على أن ينظره بالثمن أو على أن يأخذ الصحاح عوض المكسّرة ، لم يجز.

ويجوز للورثة الإقالة بعد موت المتبايعين.

وتجوز الإقالة في بعض المبيع ـ كما تقدّم ـ إذا لم تستلزم الجهالة.

قال الجويني : لو اشترى عبدين وتقايلا في أحدهما ، لم تجز على قول [ إنّها ] (٣) بيع ، للجهل بحصّة كلّ واحد منهما (٤).

وتجوز الإقالة في بعض المسلم فيه ، لكن لو أقاله في البعض ليعجّل‌

__________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « ردّها ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فك ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إنّه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢ ـ ٢٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٤ ـ ١٥٥.

١٢٢

الباقي أو عجّل المسلم إليه البعض ليقيله في الباقي ، فهي فاسدة.

نعم ، لو قال للمسلم إليه : عجّل لي حقّي ، وأخذ دون ما استحقّه بطيبة من نفسه ، كان جائزا ، لأنّه نوع صلح وتراض ، وهو جائز.

وقال الشافعي : لا يجوز (١).

مسالة ٦٣٣ : لا تسقط اجرة الدلاّل والوزّان والناقد بعد هذه الأفعال بالإقالة‌ ، لأنّ سبب الاستحقاق ثابت ، فلا يبطل بالطارئ.

ولو اختلفا في قيمة التالف من العبدين ، فالقول قول من ينكر الزيادة مع اليمين.

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

١٢٣
١٢٤

المقصد الثامن : في اللواحق‌

وفيه فصلان :

الأوّل : في أنواع المكاسب.

مسالة ٦٣٤ : طلب الرزق للمحتاج واجب ، وإذا لم يكن له وجه التحصيل إلاّ من المعيشة ، وجب عليه.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ملعون من ألقى كلّه على الناس » (١).

وهو أفضل من التخلّي للعبادة.

روى عليّ بن عبد العزيز عن الصادق عليه‌السلام قال : « ما فعل عمر بن مسلم؟ » قال : جعلت فداك أقبل على العبادة وترك التجارة ، فقال : « ويحه أما علم أنّ تارك الطلب لا يستجاب له ، إنّ قوما من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا نزلت ( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) (٢) أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة ، وقالوا : قد كفينا ، فبلغ ذلك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأرسل إليهم فقال : ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا : يا رسول الله تكفّل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة ، فقال : إنّه من فعل ذلك لم يستجب له ، عليكم بالطلب » (٣).

وسأل عمر بن زيد الصادق عليه‌السلام : رجل قال : لأقعدنّ في بيتي‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٧٢ ، ٧ ، التهذيب ٧ : ٣٢٧ ، ٩٠٢.

(٢) الطلاق : ٢ و ٣.

(٣) الكافي ٥ : ٨٤ ، ٥ ، الفقيه ٣ : ١١٩ ـ ١٢٠ ، ٥٠٩ ، التهذيب ٦ : ٣٢٣ ، ٨٨٥.

١٢٥

ولأصلّينّ ولأصومنّ ولأعبدنّ ربّي عزّ وجلّ ، فأمّا رزقي فسيأتيني ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم » (١).

وسأل العلاء بن كامل الصادق عليه‌السلام أن يدعو له الله تعالى أن يرزقه في دعة ، فقال : « لا أدعو لك ، اطلب كما أمرك الله » (٢).

وسأل الصادق عليه‌السلام عن رجل ، فقيل : أصابته حاجة ، قال : « فما يصنع اليوم؟ » قيل (٣) : في البيت يعبد ربّه عزّ وجلّ ، قال : « فمن أين قوته؟ » قيل : من عند بعض إخوانه ، فقال الصادق عليه‌السلام : « والله للذي (٤) يقوته أشدّ عبادة منه » (٥).

وقال الباقر عليه‌السلام : « من طلب الدنيا استعفافا عن الناس وسعيا على أهله وتعطّفا على جاره لقي الله عزّ وجلّ يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر » (٦).

مسالة ٦٣٥ : وفي طلب الرزق ثواب عظيم.

قال الله تعالى ( فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ) (٧).

وقال الباقر عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : العبادة سبعون جزءا أفضلها طلب الحلال » (٨).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٧٧ ، ١ ، التهذيب ٦ : ٣٢٣ ، ٨٨٧.

(٢) الكافي ٥ : ٧٨ ، ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٢٤ ، ٨٨٨.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « قال » بدل « قيل ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « بالله الذي ». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الكافي ٥ : ٧٨ ، ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٢٤ ، ٨٨٩.

(٦) الكافي ٥ : ٧٨ ، ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٢٤ ، ٨٩٠.

(٧) الملك : ١٥.

(٨) الكافي ٥ : ٧٨ ، ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٢٤ ، ٨٩١.

١٢٦

وقال الصادق عليه‌السلام : « يا هشام إن رأيت الصفّين قد التقيا فلا تدع طلب الرزق في ذلك اليوم » (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : « إنّ محمّد بن المنكدر كان يقول : ما كنت أرى أنّ عليّ بن الحسين عليهما‌السلام يدع خلفا أفضل من عليّ بن الحسين حتى رأيت ابنه محمّد بن عليّ عليهما‌السلام فأردت أن أعظه فوعظني ، فقال له أصحابه : بأيّ شي‌ء وعظك؟ قال : خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارّة ، فلقيني أبو جعفر محمّد بن عليّ عليهما‌السلام وكان رجلا بادنا ثقيلا وهو متّكئ على غلامين أسودين أو موليين ، فقلت في نفسي : سبحان الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا ، أما لأعظنّه ، فدنوت منه فسلّمت عليه ، فردّ عليّ بنهر وهو يتصابّ عرقا ، فقلت : أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا ، أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحال ما كنت تصنع؟ فقال عليه‌السلام : لو جاءني الموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله عزّ وجلّ ، أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس ، وإنّما كنت أخاف أن لو جاءني (٢) الموت وأنا على معصية من معاصي الله عزّ وجلّ ، فقلت : صدقت يرحمك الله ، أردت أن أعظك فوعظتني » (٣).

وأعتق أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ألف مملوك من كدّ يده (٤).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٧٨ ، ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٢٤ ، ٨٩٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « جاء » بدل « جاءني ». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) الكافي ٥ : ٧٣ ـ ٧٤ ، ١ ، التهذيب ٦ : ٣٢٥ ، ٨٩٤.

(٤) الكافي ٥ : ٧٤ ، ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٢٥ ـ ٣٢٦ ، ٨٩٥.

١٢٧

وقال الصادق عليه‌السلام : « أوحى الله عزّ وجلّ إلى داود عليه‌السلام أنّك نعم العبد لو لا أنّك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئا » قال : « فبكى داود عليه‌السلام أربعين صباحا ، فأوحى الله عزّ وجلّ إلى الحديد أن لن لعبدي داود ، فألان الله تعالى له الحديد ، فكان يعمل كلّ يوم درعا فيبيعها بألف درهم ، فعمل ثلاثمائة وستّين درعا ، فباعها بثلاثمائة وستّين ألفا ، واستغنى عن بيت المال » (١).

وقال محمّد بن عذافر عن أبيه ، قال : أعطى أبو عبد الله عليه‌السلام أبي ألفا وسبعمائة دينار ، فقال له : « اتّجر لي بها » ثمّ قال : « أما إنّه ليس لي رغبة في ربحها وإن كان الربح مرغوبا فيه ، ولكن أحببت أن يراني الله عزّ وجلّ متعرّضا لفوائده » قال : فربحت فيها مائة دينار ، ثمّ لقيته فقلت : قد ربحت لك فيها مائة دينار ، قال : ففرح أبو عبد الله عليه‌السلام بذلك فرحا شديدا ، ثمّ قال : « أثبتها لي في رأس مالي » (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام في تفسير قوله تعالى ( رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ) (٣) : « رضوان الله والجنّة في الآخرة ، والمعاش وحسن الخلق في الدنيا » (٤).

وقال رجل للصادق عليه‌السلام : والله إنّا لنطلب الدنيا ونحبّ أن نؤتى بها ، فقال : « تحبّ أن تصنع بها ما ذا؟ » قال : أعود بها على نفسي وعيالي وأصل منها وأتصدّق وأحجّ وأعتمر ، فقال الصادق عليه‌السلام : « ليس هذا طلب الدنيا ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٢٦ ، ٨٩٦.

(٢) الكافي ٥ : ٧٦ ، ١٢ ، التهذيب ٦ : ٣٢٦ ـ ٣٢٧ ، ٨٩٨.

(٣) البقرة : ٢٠١.

(٤) الكافي ٥ : ٧١ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٢٧ ، ٩٠٠.

١٢٨

هذا طلب الآخرة » (١).

وقال معاذ بن كثير ـ صاحب الأكسية ـ للصادق عليه‌السلام : قد هممت أن أدع السوق وفي يدي شي‌ء ، قال : « إذن يسقط رأيك ، ولا يستعان بك على شي‌ء » (٢).

مسالة ٦٣٦ : ولا ينبغي الإكثار في ذلك‌ ، بل ينبغي الاقتصار على ما يموّن نفسه وعياله وجيرانه ويتصدّق به.

قال الباقر عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجّة الوداع : ألا إنّ الروح الأمين نفث في روعي أنّه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها ، فاتّقوا الله عزّ وجلّ ، وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنّكم استبطاء شي‌ء من الرزق أن تطلبوه بشي‌ء من معصية الله ، فإنّ الله تعالى قسّم الأرزاق بين خلقه حلالا ، ولم يقسّمها حراما ، فمن اتّقى الله عزّ وجلّ وصبر أتاه الله برزقه من حلّه ، ومن هتك حجاب الستر وعجّل فأخذه من غير حلّه قصّ به من رزقه الحلال ، وحوسب عليه يوم القيامة » (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : « ليكن طلبك المعيشة فوق كسب المضيّع ودون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئنّ إليها ، ولكن أنزل نفسك (٤) من ذلك بمنزلة النصف (٥) المتعفّف ، ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف ، وتكتسب ما لا بدّ للمؤمن منه ، إنّ الذين أعطوا المال ثمّ لم يشكروا لا مال‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٧٢ ، ١٠ بتفاوت يسير فيه ، التهذيب ٦ : ٣٢٧ ـ ٣٢٨ ، ٩٠٣.

(٢) الكافي ٥ : ١٤٩ ، ١٠ ، التهذيب ٦ : ٣٢٩ ، ٩٠٨.

(٣) الكافي ٥ : ٨٠ ، ١ ، التهذيب ٦ : ٣٢١ ، ٨٨٠.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « ولكن اترك لنفسك ». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) في الكافي و « ي » : « المنصف » بدل « النصف ». والنصف : العدل. القاموس المحيط ٣ : ٢٠٠.

١٢٩

لهم » (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « منهومان لا يشبعان : منهوم دنيا ، ومنهوم علم ، فمن اقتصر من الدنيا على ما أحلّ الله له سلم ، ومن تناولها من غير حلّها هلك إلاّ أن يتوب ويراجع ، ومن أخذ العلم من أهله وعمل به نجا ، ومن أراد به الدنيا فهي حظّه » (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : « ما أعطى الله عبدا ثلاثين ألفا وهو يريد به خيرا » وقال : « ما جمع رجل قطّ عشرة آلاف درهم من حلّ (٣) وقد يجمعها لأقوام ، إذا اعطي القوت ورزق العمل ، فقد جمع الله له الدنيا والآخرة » (٤).

مسالة ٦٣٧ : فقد ثبت من هذا أنّ التكسّب واجب إذا احتاج إليه الإنسان لقوت نفسه وقوت من تجب نفقته عليه ، ولا وجه له سواه ، وأمّا إذا قصد التوسعة على العيال ونفع المحاويج وإعانة من لا تجب عليه نفقته مع حصول قدر الحاجة بغيره ، فإنّه مندوب إليه ، لما تقدّم من الأحاديث.

وأمّا ما يقصد به الزيادة في المال لا غير مع الغناء عنه ، فإنّه مباح. وقد يكون مكروها إذا اشتمل على وجه نهي الشارع عنه نهي تنزيه ، كالصرف ، فإنّه لا يسلم من الربا ، وبيع الأكفان ، فإنّه يتمنّى موت الأحياء ، والرقيق واتّخاذ الذبح والنحر صنعة ، لما في ذلك من سلب الرحمة من القلب ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من قسا قلبه بعد من رحمة ربّه » (٥).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٨١ ، ٨ ، التهذيب ٦ : ٣٢٢ ، ٨٨٢.

(٢) الكافي ١ : ٣٦ ، ١ ، التهذيب ٦ : ٣٢٨ ، ٩٠٦.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « عشرة ألف من حلّ ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٢٨ ، ٩٠٧.

(٥) وجدنا الحديث من دون « رحمه » في الكافي ٣ : ١٩٩ ، ٥ ، والتهذيب ١ : ٣١٩ ، ٩٢٨ عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

١٣٠

قال إسحاق بن عمّار : دخلت على الصادق عليه‌السلام فخبّرته أنّه ولد لي غلام ، فقال : « ألا سمّيته محمّدا؟ » قال : قد فعلت ، فقال : « لا تضرب محمّدا ولا تشتمه ، جعله الله قرّة عين لك في حياتك وخلف صدق من بعدك » قلت : جعلت فداك فأيّ الأعمال (١) أضعه؟ قال : « إذا عدلته [ عن ] (٢) خمسة أشياء فضعه حيث شئت ، لا تسلّمه صيرفيّا ، فإنّ الصيرفيّ لا يسلم من الربا ، ولا تسلّمه بيّاع الأكفان ، فإنّ صاحب الأكفان يسرّه الوباء إذا كان ، ولا تسلّمه بيّاع طعام ، فإنّه لا يسلم من الاحتكار ، ولا تسلّمه جزّارا فإنّ الجزّار تسلب [ منه ] (٣) الرحمة ، ولا تسلّمه نخّاسا ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : شرّ الناس من باع الناس » (٤).

وقال الكاظم عليه‌السلام : « جاء رجل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا رسول الله قد علّمت ابني هذا الكتابة ففي أيّ شي‌ء أسلمه؟ فقال : أسلمه ـ لله أبوك ـ ولا تسلّمه في خمسة أشياء : لا تسلّمه سبّاء (٥) ولا صائغا ولا قصّابا ولا حنّاطا ولا نخّاسا قال : فقلت : يا رسول الله ما السبّاء؟ فقال : الذي يبيع الأكفان ويتمنّى موت أمّتي ، وللمولود من أمّتي أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس ، وأمّا الصائغ فإنّه يعالج زين أمّتي ، وأمّا القصّاب فإنّه يذبح حتى تذهب الرحمة من قلبه ، وأمّا الحنّاط فإنّه يحتكر الطعام على أمّتي ، ولأن يلقى الله العبد سارقا أحبّ إليّ من أن يلقاه قد احتكر طعاما أربعين يوما ، وأمّا النخّاس فإنّه أتاني جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمّد إنّ شرّ أمّتك الذين‌

__________________

(١) في المصدر : « في أيّ الأعمال ».

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) ما بين المعقوفين من التهذيب.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٦١ ـ ٣٦٢ ، ١٠٣٧ ، الإستبصار ٣ : ٦٢ ـ ٦٣ ، ٢٠٨.

(٥) في النهاية ـ لابن الأثير ـ ٢ : ٤٣٠ : « سيّاء » بالياء المثنّاة التحتانيّة.

١٣١

يبيعون الناس » (١).

مسالة ٦٣٨ : ويكره اتّخاذ الحياكة والنساجة صنعة‌ ، لما فيهما من الضعة والرذالة.

قال الله تعالى في قصّة نوح عليه‌السلام ( قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ) (٢).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام للأشعث بن قيس : « حائك بن حائك ، منافق بن كافر » (٣).

قيل : إنّه كان ينسج الإبراد (٤).

وقيل : إنّ قومه كانوا كذلك (٥).

وقال أبو إسماعيل الصيقل الرازي (٦) : دخلت على الصادق عليه‌السلام ومعي ثوبان ، فقال لي : « يا أبا إسماعيل تجيئني من قبلكم أثواب كثيرة وليس يجيئني مثل هذين الثوبين اللّذين تحملهما أنت » فقلت : جعلت فداك تغزلهما أمّ إسماعيل وأنسجهما أنا ، فقال لي : « حائك؟ » قلت : نعم ، قال : « لا تكن حائكا » قلت : فما أكون؟ قال : « كن صيقلا » وكان معي مائتا دينار (٧) فاشتريت بها سيوفا ومرايا عتقا وقدمت بها الريّ ، وبعتها بربح‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٩٦ ، ٣٦٩ ، التهذيب ٦ : ٣٦٢ ، ١٠٣٨ ، الاستبصار ٣ : ٦٣ ، ٢٠٩.

(٢) الشعراء : ١١١.

(٣) نهج البلاغة ـ بشرح محمّد عبده ـ ١ : ٥١ ـ ٥٢ ، ١٨.

(٤) شرح نهج البلاغة ـ لابن ميثم البحراني ـ ١ : ٣٢٤ ، حدائق الحقائق ١ : ٢١٢.

(٥) انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ : ٢٩٧.

(٦) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « المرادي » بدل « الرازي ». وما أثبتناه من المصدر.

(٧) في المصدر : « درهم » بدل « دينار ».

١٣٢

كثير (١).

مسالة ٦٣٩ : يكره كسب الحجّام مع الشرط.

قال الصادق عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي أعطيت خالتي غلاما ونهيتها أن تجعله قصّابا أو حجّاما أو صائغا » (٢).

وسأل أبو بصير الباقر عليه‌السلام عن كسب الحجّام ، فقال : « لا بأس به إذا لم يشارط » (٣).

إذا ثبت هذا ، فإنّ الأجرة ليست حراما ، للأصل.

وقال الباقر عليه‌السلام : « احتجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حجمه مولى لبني بياضة وأعطاه (٤) ، ولو كان حراما ، ما أعطاه ، فلمّا فرغ قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أين الدم؟ قال : شربته يا رسول الله ، فقال : ما كان ينبغي لك أن تفعل ، وقد جعله الله عزّ وجلّ حجابا لك من النار ، فلا تعد » (٥).

تذنيب : إذا شارط ، كره له الكسب مع الشرط ، ولم يكره الشرط لمن يشارطه.

قال زرارة : سألت الباقر عليه‌السلام عن كسب الحجّام ، فقال : « مكروه له أن يشارط ، ولا بأس عليك أن تشارطه وتماكسه ، وإنّما يكره له ، ولا بأس (٦) عليك » (٧).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١١٥ ، ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٦٣ ـ ٣٦٤ ، ١٠٤٢ ، الإستبصار ٣ : ٦٤ ، ٢١٣.

(٢) الكافي ٥ : ١١٤ ، ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٦٣ ، ١٠٤١ ، الإستبصار ٣ : ٦٤ ، ٢١٢.

(٣) الكافي ٥ : ١١٥ ، ١ ، التهذيب ٦ : ٣٥٤ ، ١٠٠٨ ، الإستبصار ٣ : ٥٨ ، ١٩٠.

(٤) في التهذيب : « وأعطاه الأجر ».

(٥) الكافي ٥ : ١١٦ ، ٣ ، الفقيه ٣ : ٩٧ ، ٣٧٢ ، التهذيب ٦ : ٣٥٥ ، ١٠١٠ ، الإستبصار ٣ : ٥٩ ، ١٩٢.

(٦) في « س ، ي » : « فلا بأس ». وما أثبتناه من المصدر.

(٧) الكافي ٥ : ١١٦ ، ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٥٥ ، ١٠١١ ، الاستبصار ٣ : ٥٩ ، ١٩٣.

١٣٣

وقال الصادق عليه‌السلام : « إنّ رجلا سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن كسب الحجّام ، فقال : لك ناضح؟ فقال له : نعم ، فقال : اعلفه إيّاه ولا تأكله » (١).

وهذا يدلّ على حكمين : الكراهة حيث نهاه عن أكله ، وعلى الإباحة حيث أمره أن (٢) يعلف الناضح به.

وكذا القابلة كسبها مكروه مع الشرط ، ولا معه طلق.

مسالة ٦٤٠ : لا بأس بأجر النائحة بالحقّ‌ ، ويكره مع الشرط ، ويحرم بالباطل.

قال حنان بن سدير : كانت امرأة معنا في الحيّ ولها جارية نائحة فجاءت إلى أبي ، فقالت : يا عمّ أنت تعلم معيشتي من الله وهذه الجارية النائحة ، وقد أحببت أن تسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك ، فإن كان حلالا ، وإلاّ بعتها وأكلت من ثمنها حتى يأتي الله عزّ وجلّ بالفرج ، فقال لها أبي : والله إنّي لأعظّم أبا عبد الله عليه‌السلام أن أسأله عن هذه المسألة ، قال : فلمّا قدمنا عليه أخبرته أنا بذلك ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « أتشارط؟ » قلت : والله ما أدري أتشارط أم لا ، قال : « قل لها : لا تشارط وتقبل كلّما أعطيت » (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : « لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميّت » (٤).

مسالة ٦٤١ : يكره اجرة الضراب ، لأنّه في معنى بيع عسيب الفحل. ويكره إنزاء الحمير على الخيل ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن ينزى حمار على‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٥٦ ، ١٠١٤ ، الإستبصار ٣ : ٦٠ ، ١٩٦.

(٢) في « س ، ي » : « بأن ».

(٣) الكافي ٥ : ١١٧ ـ ١١٨ ، ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٥٨ ، ١٠٢٦ ، الاستبصار ٣ : ٦٠ ـ ٦١ ، ٢٠٠.

(٤) الفقيه ٣ : ٩٨ ، ٣٧٦ ، التهذيب ٦ : ٣٥٩ ، ١٠٢٨ ، الاستبصار ٣ : ٦٠ ، ١٩٩.

١٣٤

عتيق ، رواه السكوني عن الصادق (١) عليه‌السلام. وفي السند ضعف.

وليس محرّما ، للأصل.

ولما رواه هشام بن إبراهيم عن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن الحمير تنزيها على الرّمك (٢) لتنتج البغال أيحلّ ذلك؟ قال : « نعم ، أنزها » (٣).

ولا تنافي بين الروايتين ، لأنّ الإمام عليه‌السلام سئل عن الحلّ ، فأجاب بثبوته ، وقوله : « أنزها » على سبيل الإباحة ، والنهي الوارد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما هو على سبيل التنزيه.

مسالة ٦٤٢ : كسب الصبيان ومن لا يجتنب (٤) المحارم مكروه‌ ، لعدم تحفّظهم من المحارم ، وعدم الوثوق بإباحة ما حصّلوه.

وكذا تكره الصياغة والقصابة ، وقد تقدّم بيانه في الرواية (٥).

ويكره ركوب البحر للتجارة ، لرواية محمّد بن مسلم عن الباقر والصادق عليهما‌السلام أنّهما كرها ركوب البحر للتجارة (٦).

ولو حصل الخوف ـ كما في وقت اضطرابه وتكاثر الأهوية المختلفة ـ فإنّه يكون حراما.

قال الباقر عليه‌السلام في ركوب البحر للتجارة : « يغرّر الرجل بدينه » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٧٧ ـ ٣٧٨ ، ١١٠٥ ، الاستبصار ٣ : ٥٧ ، ١٨٤.

(٢) الرّمكة : البرذونة التي تتّخذ للنسل. والجمع : رمك. لسان العرب ١٠ : ٤٣٤ « رمك ».

(٣) التهذيب ٦ : ٣٨٤ ، ١١٣٧ ، الإستبصار ٣ : ٥٧ ، ١٨٥.

(٤) في « س ، ي » : « لا يتجنّب ».

(٥) وهي حديث الإمام الكاظم عليه‌السلام ، المتقدّم في ص ١٣١.

(٦) الكافي ٥ : ٢٥٦ ، ١ ، التهذيب ٦ : ٣٨٨ ، ١١٥٨.

(٧) الكافي ٥ : ٢٥٧ ، ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٨٨ ، ١١٥٩.

١٣٥

وسأل معلّى بن خنيس الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يسافر فيركب البحر ، فقال : « إنّ أبي كان يقول : إنّه يضرّ بدينك هو ذا الناس يصيبون أرزاقهم ومعايشهم » (١).

مسالة ٦٤٣ : يجوز أخذ الأجرة على تعليم الحكم والآداب والأشعار‌ ، ويكره على تعليم القرآن ، لأنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام جاءه رجل فقال : يا أمير المؤمنين والله إنّي لأحبّك لله ، فقال له : « ولكنّي أبغضك لله » قال : ولم؟ قال : « لأنّك تبغي في الأذان ، وتأخذ على تعليم القرآن أجرا ، وسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من أخذ على تعليم القرآن أجرا كان حظّه يوم القيامة » (٢).

وعن إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه‌السلام ، قال : قلت : إنّ لنا جارا يكتب وقد سألني أن أسألك عن عمله ، فقال : « مره إذا دفع إليه الغلام أن يقول لأهله : إنّي إنّما أعلّمه الكتاب والحساب وأتّجر عليه بتعليم القرآن ، حتى يطيب له كسبه » (٣).

وعن حسان المعلّم قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن التعليم ، فقال : لا تأخذ على التعليم أجرا » قلت : الشعر والرسائل وما أشبه ذلك أشارط عليه؟ قال : « نعم ، بعد أن يكون الصبيان عندك سواء في التعليم لا تفضّل بعضهم على بعض » (٤).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٥٧ ، ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٨٨ ، ١١٦٠.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٧٦ ، ١٠٩٩.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٦٤ ، ١٠٤٤ ، الإستبصار ٣ : ٦٦ ، ٢١٧.

(٤) الكافي ٥ : ١٢١ ( باب كسب المعلّم ) الحديث ١ ، التهذيب ٦ : ٣٦٤ ، ١٠٤٥ ، الاستبصار ٣ : ٦٥ ، ٢١٤.

١٣٦

وسأل الفضل بن أبي قرّة الصادق عليه‌السلام : إنّ هؤلاء يقولون : إنّ كسب المعلّم سحت ، فقال : « كذبوا أعداء الله ، إنّما أرادوا أن لا يعلّموا القرآن ، ولو أنّ المعلّم أعطاه رجل دية ولده كان للمعلّم مباحا » (١).

قال الشيخ رحمه‌الله : لا تنافي بين هذين الخبرين ، لأنّ الخبر الأوّل محمول على أنّه لا يجوز له أن يشارط في تعليم القرآن أجرا معلوما ، والثاني على أنّه إن اهدي إليه شي‌ء وأكرم بتحفة ، جاز له أخذه ، لرواية جرّاح المدائني عن الصادق عليه‌السلام قال : « المعلّم لا يعلّم بالأجر ، ويقبل الهديّة إذا اهدي إليه » (٢).

قال قتيبة الأعشى للصادق عليه‌السلام : إنّي أقرأ القرآن فتهدي إليّ الهديّة فأقبلها؟ قال : « لا » قال : قلت : إن لم أشارطه؟ قال : « أرأيت لو لم تقرأه أكان يهدى لك؟ » قال : قلت : لا ، قال : « فلا تقبله » (٣).

وهو محمول على الكراهة ، جمعا بين الأدلّة.

مسالة ٦٤٤ : ويكره خصا الحيوان‌ ، لما فيه من الإيلام ، ومعاملة الظالمين ، لعدم تحرّزهم عن المحرّمات.

وكذا تكره معاملة السفلة والأدنين والمحارفين ، لأنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « شاركوا من أقبل عليه الرزق فإنّه أجلب للرزق » (٤).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٢١ ( باب كسب المعلّم ) الحديث ٢ ، الفقيه ٣ : ٩٩ ، ٣٨٤ ، التهذيب ٦ : ٣٦٥ ، ١٠٤٦ ، الاستبصار ٣ : ٦٥ ، ٢١٦.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٦٥ ، والحديث رقم ١٠٤٧.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٦٥ ، ١٠٤٨ ، الاستبصار ٣ : ٦٦ ، ٢١٩.

(٤) نهج البلاغة ـ بشرح محمّد عبده ـ ٣ : ٢٠٤ ، ٢٣٠ بتفاوت في بعض الألفاظ.

١٣٧

وكذا تكره معاملة ذوي العاهات والأكراد ومجالستهم ومناكحتهم ، لما روي من أنّهم حيّ من الجنّ (١).

وكذا تكره معاملة أهل الذمّة.

مسالة ٦٤٥ : من التجارة ما هو حرام‌ ، وهو أقسام :

الأوّل : كلّ نجس لا يقبل التطهير ، سواء كانت نجاسته ذاتيّة ، كالخمر والنبيذ والفقّاع والميتة والدم وأبوال ما لا يؤكل لحمه وأرواثه والكلب والخنزير وأجزائهما ، أو عرضيّة ، كالمائعات النجسة التي لا تقبل التطهير ، إلاّ الدهن النجس بالعرض لفائدة الاستصباح تحت السماء خاصّة ، لا تحت الأظلّة ، لأنّ البخار الصاعد بالاشتعال لا بدّ أن يستصحب شيئا من أجزاء الدهن.

ولو كانت نجاسة الدهن ذاتيّة ـ كالألية المقطوعة من الميتة أو الحيّة ـ لم يجز الاستصباح بها تحت السماء أيضا.

والماء النجس يجوز بيعه ، لقبوله التطهير.

وأبوال ما يؤكل لحمه وإن كانت طاهرة إلاّ أنّ بيعها حرام ، لاستخباثها ، إلاّ بول الإبل للاستشفاء بها.

ويجوز بيع كلب الصيد والزرع والماشية والحائط ، وإجارتها واقتناؤها وإن هلكت الماشية ، وتربيتها.

ويحرم اقتناء الأعيان النجسة إلاّ لفائدة ، كالكلب والسرجين لتربية الزرع ، والخمر للتخليل.

ويحرم أيضا اقتناء المؤذيات ، كالحيّات والعقارب والسباع.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٨ ، ٢ ، الفقيه ٣ : ١٠٠ ، ٣٩٠ ، التهذيب ٧ : ١١ ، ٤٢.

١٣٨

الثاني : كلّ ما يكون المقصود منه حراما ، كآلات اللهو ، كالعود ، وآلات القمار ، كالنرد والشطرنج ، وهياكل العبادة ، كالصنم ، وبيع السلاح لأعداء الدين وإن كانوا مسلمين ، لما فيه من الإعانة على الظلم ، وإجارة السفن والمساكن للمحرّمات ، وبيع العنب ليعمل خمرا ، والخشب ليعمل صنما وآلة قمار ، ويكره بيعهما على من يعمل ذلك من غير شرط ، والتوكيل في بيع الخمر وإن كان الوكيل ذمّيّا.

وليس للمسلم منع الذمّي المستأجر داره من بيع الخمر فيها سرّا. ولو آجره لذلك ، حرم.

ولو آجر دابّة لحمل خمر ، جاز إن كان للتخليل والإراقة ، وإلاّ فلا.

ولا بأس ببيع ما يكنّ من آلة السلاح على أعداء الدين وإن كان وقت الحرب.

الثالث : بيع ما لا ينتفع به ، كالحشرات ، مثل : الفأر والحيّات والخنافس والعقارب والسباع ممّا لا يصلح للصيد ، كالأسد والذئب والرّخم والحدأة والغراب وبيوضها ، والمسوخ البرّيّة ، كالقرد وإن قصد به حفظ المتاع ، والدبّ ، أو بحريّة ، كالجرّي والسلاحف والتمساح.

ولو قيل بجواز [ بيع ] (١) السباع كلّها ، لفائدة الانتفاع بجلودها ، كان حسنا.

ويجوز بيع الفيل والهرّ ، وما يصلح للصيد ، كالفهد ، وبيع دود القزّ والنحل مع المشاهدة وإمكان التسليم.

وكذا يجوز بيع عامّ الوجود ، كالماء والتراب والحجارة.

__________________

(١) الزيادة يقتضيها السياق.

١٣٩

ويحرم بيع الترياق ، لاشتماله على الخمر ولحوم الأفاعي. ولا يجوز شربه للتداوي إلاّ مع خوف التلف ، والسمّ من الحشائش.

والنبات يجوز بيعه إن كان ممّا ينتفع به ، كالسقمونيا ، وإلاّ فلا.

والأقرب : المنع من بيع لبن الآدميّات.

ولو باعه دارا لا طريق لها مع علم المشتري ، جاز ، ومع جهله يتخيّر.

الرابع : ما نصّ الشارع على تحريمه عينا ، كعمل الصّور المجسّمة ، والغناء وتعليمه واستماعه ، وأجر المغنّية.

قال الصادق عليه‌السلام وقد سأله رجل عن بيع الجواري المغنّيات ، فقال : « شراؤهنّ حرام ، وبيعهنّ حرام ، وتعليمهنّ كفر ، واستماعهنّ نفاق » (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : « المغنّية ملعونة ، ملعون من أكل كسبها » (٢).

وأوصى إسحاق بن عمر عند وفاته بجوار له مغنّيات أن يبعن ويحمل ثمنهنّ إلى أبي الحسن عليه‌السلام ، قال إبراهيم بن أبي البلاد : فبعت الجواري بثلاثمائة ألف درهم ، وحملت الثمن إليه ، فقلت له : إنّ مولى لك يقال له : إسحاق بن عمر أوصى عند وفاته ببيع جوار له مغنّيات وحمل الثمن إليك ، وقد بعتهنّ وهذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم ، فقال : « لا حاجة لي فيه ، إنّ هذا سحت ، وتعليمهنّ كفر ، والاستماع منهنّ نفاق ، وثمنهنّ سحت » (٣).

أمّا المغنّية في الأعراس فقد ورد رخصة بجواز كسبها إذا لم تتكلّم بالباطل ولم تلعب بالملاهي ولم يدخل الرجال عليها.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٢٠ ، ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٥٦ ، ١٠١٨ ، الإستبصار ٣ : ٦١ ، ٢٠١.

(٢) الكافي ٥ : ١٢٠ ، ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٥٧ ، ١٠٢٠ ، الإستبصار ٣ : ٦١ ، ٢٠٣.

(٣) الكافي ٥ : ١٢٠ ، ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٥٧ ، ١٠٢١ ، الاستبصار ٣ : ٦١ ، ٢٠٤.

١٤٠