تذكرة الفقهاء - ج ١٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٣٩٢

قال كثير منهم : نعم ، حتى يكون قولان بالنقل والتخريج (١).

وقال الجويني وغيره : لا ، لأنّ كلّ واحد لا يحتاج فيما في يده إلى الإثبات ، واليمين على الإثبات يمين الردّ ، فكيف يحلف الأوّل يمين الردّ وصاحبه لم ينكل بعد!؟ وكيف يحلفها الثاني وقد حلف صاحبه!؟ (٢).

مسالة ٦١٤ : إذا حلف البائع أنّه لم يبع العبد‌ ، وحلف المشتري أنّه لم يشتر الجارية ، انفسخ العقدان. وإن نكل المشتري عن يمين النفي ، حلف البائع يمينا اخرى على إثبات دعواه ، وحكم على المشتري. ومن قضى بالنكول لم يكلّف البائع يمين الإثبات ، بل يحكم له بمجرّد النكول.

وعند الشافعي : إذا اكتفينا بيمين واحدة ، يجمع بين النفي والإثبات ، لأنّه أفصل للحكم وأسهل على الحاكم ، وجوّزنا (٣) الإثبات قبل نكول. الخصم ، لأنّه تبع للنفي. ولأنّهما يتحالفان على الإثبات من غير نكول وإن كانت يمينين (٤) ، فإذا حلف أحدهما ونكل الثاني ، قضي للحالف ، سواء نكل عن النفي والإثبات جميعا أو عن أحدهما. والنكول عن البعض كهو عن الكلّ (٥).

وينبغي أن يقدّم النفي ـ سواء حلف يمينا واحدة أو اثنتين ، لأصالته في الأيمان ـ على الإثبات (٦).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٢ ـ ٣٨٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣.

(٣) في « ي » : « جوّز ».

(٤) قوله : « لأنّه أفصل للحكم .. وإن كانت يمينين » لم يرد في المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣.

(٦) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة زيادة : « وقال بعض الشافعيّة : يقدّم الإثبات ، لأنّه المقصود ». وحذفناها لزيادتها.

١٠١

وقال أبو سعيد : يقدّم الإثبات ، لأنّ الله تعالى قدّمه في اللعان على النفي ، فقال في اليمين ( وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ ) (١) ولأنّه المقصود من الحالف (٢).

وليس بصحيح ، لأنّ الأصل في الأيمان إنّما هو النفي ، وأمّا الإثبات فإنّما يكون فيها بالنكول أو تبعا للنفي ، فيجب أن يقدّم النفي ، وكلّ أيمان اللعان إثبات ، وليس فيها نفي. وقوله ( إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ ) إثبات للصدق ، مثل قوله ( إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ ) (٣).

وهل الخلاف في الاستحباب أو الاستحقاق؟ الأظهر عندهم : الأوّل (٤).

ونقل الجويني الثاني (٥).

فإذا قلنا : يحلف أوّلا على مجرّد النفي ، فلو أضاف إليه الإثبات ، كان لغوا.

وإذا حلف من وقعت البداءة به على النفي ، عرضت اليمين على الثاني ، فإن نكل ، حلف الأوّل على الإثبات ، وقضي له.

وإن نكل عن الإثبات ، لم يقض له ، لاحتمال صدقه فيما يدّعيه (٦) صاحبه وكذبه فيما يدّعيه.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه كما لو تحالفا ، لأنّ نكول المردود عليه عن‌

__________________

(١) النور : ٧.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٠٠ ، الوسيط ٣ : ٢١٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٥.

(٣) النور : ٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣ ، وانظر : روضة الطالبين ٣ : ٢٣٥.

(٦) في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣ : « في نفي ما يدّعيه ».

١٠٢

يمين الردّ ينزّل في الدعوى منزلة حلف الناكل أوّلا (١).

ولو نكل الأوّل عن اليمين ، حلف الآخر على النفي والإثبات ، وقضي له.

ولو حلفا (٢) على النفي ، فوجهان :

أصحّهما عندهم أنّه يكفي ذلك ، ولا حاجة بعده إلى يمين الإثبات ، لأنّ المحوج إلى الفسخ جهالة الثمن وقد حصلت.

والثاني : أنّه تعرض يمين الإثبات عليهما ، فإن حلفا ، تمّ التحالف ، وإن نكل أحدهما ، قضي للحالف (٣).

والقول في أنّه تقدّم يمين النفي أو الإثبات كما ذكرنا على تقدير الاكتفاء بيمين واحدة.

ولو عرض اليمين عليهما فنكلا جميعا ، فوجهان :

قال (٤) الجويني : إنّ تناكلهما كتحالفهما ، فإنّه إذا تداعى رجلان مولودا ، كان ذلك كتحالفهما.

والثاني : أنّه يوقف الأمر كأنّهما تركا الخصومة (٥).

المطلب الثالث : في حكم التحالف.

مسالة ٦١٥ : إذا حلف كلّ من المتبايعين يمين النفي‌ ، سقطت الدعويان عندنا ، كما لو ادّعى على الغير بيع شي‌ء أو شراءه ، فأنكر وحلف ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « حلف ». والظاهر ما أثبتناه من المصدر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « وقال ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦. ولا يخفى أنّ في المصدرين نسب الوجه الثاني إلى الجويني أيضا.

١٠٣

سقطت الدعوى ، وكان الملك باقيا على حاله ، ولم يحكم بثبوت عقد حتى يحكم بانفساخه.

وأمّا الشافعي القائل بالتحالف فقال : إذا تحالف المتعاقدان ، ففي العقد وجهان :

أحدهما : أنّه لا ينفسخ بنفس التحالف.

وفيه وجه آخر : أنّه ينفسخ بالتحالف ، كما ينفسخ النكاح بتحالف المتلاعنين. ولأنّ التحالف يحقّق ما قالاه ، ولو قال البائع : بعت بألف ، فقال المشتري : اشتريت بخمسمائة ، لم ينعقد ، فكذا هنا (١).

قال القاضي أبو الطيّب : الأوّل هو المنصوص للشافعي في كتبه القديمة والجديدة لا أعرف له غير ذلك ، لأنّ البيّنة أقوى من اليمين ، ولو أقام كلّ منهما بيّنة على ما يقوله ، لا ينفسخ العقد ، فاليمين أولى بعدم الفسخ. ولا يشبه اللعان ، لأنّ قول الزوج يقطع النكاح ، فقامت يمينه مقام طلاقه ، بخلاف المتنازع (٢).

مسالة ٦١٦ : لو رجع أحدهما إلى قول الآخر‌ ، فإن كان قبل التحالف ، حكم بمقتضى عقده. وإن كان بعد التحالف ، فكذلك ، فلو حلف أنّه لم يبع الجارية وحلف المشتري أنّه لم يشتر العبد ثمّ اعترف المشتري بصدق البائع ، كان حكمه حكم ما لو حلف المنكر ثمّ كذب بيمينه. قال علماؤنا : اليمين قاطعة للدعوى ، فإن جاء الحالف تائبا إلى الله تعالى ودفع ما حلف عليه ، كان لصاحبه أخذه ، فكذا يتأتّى هنا.

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٠٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٥ ـ ٣٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦.

(٢) انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٤ ، وفيه بعض المقصود.

١٠٤

وأمّا الشافعي فله قولان :

أحدهما : فسخ العقد بمجرّد التحالف من غير حاجة إلى حكم الحاكم بالفسخ.

والثاني : أنّه لا ينفسخ إلاّ بحكم الحاكم (١).

فعلى الأوّل فإنّهما يترادّان.

ولو تقارّا على أحد اليمينين (٢) ، لم يعد نافذا ، بل لا بدّ من تجديد عقد.

وهل ينفسخ في الحال أو يتبيّن ارتفاعه من أصله؟ للشافعيّة وجهان ، أظهرهما : الأوّل ، لنفوذ تصرّفات المشتري قبل الاختلاف.

وعلى هذا فالحاكم يدعوهما بعد التحالف إلى الموافقة ، فينظر هل يعطي المشتري ما يقوله البائع من الثمن؟ فإن فعل ، اجبر البائع عليه ، وإلاّ نظر هل يقنع البائع بما يقوله المشتري؟ فإن فعل فذاك ، وإلاّ فحينئذ يحتاج إلى فسخ العقد.

ومن الذي يفسخه؟ وجهان :

أحدهما : الحاكم ، لتعذّر إمضائه في الحكم ، وكالفسخ في العنّة ، لأنّه فسخ مجتهد فيه.

وأظهرهما عندهم : أنّ للمتعاقدين أيضا أن يفسخا ، ولأحدهما (٣) أن‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٠٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦.

(٢) في « س ، ي » : « الثمنين ».

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « وأحدهما ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز » و « روضة الطالبين ».

١٠٥

ينفرد به ، كالفسخ بالعيب (١).

قال الجويني : إذا قلنا : الحاكم هو الذي يفسخ ، فذلك إذا استمرّا على النزاع ولم يفسخا أو التمسا الفسخ ، فأمّا إذا أعرضا عن الخصومة ولم يتوافقا على شي‌ء ولا فسخا ، ففيه نظر (٢).

وإذا فسخ العقد إمّا بفسخهما أو بفسخ الحاكم ، وقع الفسخ ظاهراً.

وهل يقع باطنا؟ فيه للشافعيّة (٣) ثلاثة أوجه :

أحدها : لا ، لأنّ سبب الفسخ تعذّر إمضائه ، لعدم الوقوف على الثمن ، وأنّه أمر يتعلّق بالظاهر ، والعقد وقع صحيحا في نفسه ، وإنّما تعذّر إمضاؤه في الظاهر ، فكان الفسخ في الظاهر دون الباطن.

والثاني : أنّه يقع ظاهرا وباطنا ، لأنّه فسخ لاستدراك الظلامة ، فأشبه الردّ بالعيب.

والثالث : أنّ البائع إن كان ظالما ، فالفسخ يقع ظاهرا لا باطنا ، لأنّه يمكنه استيفاء الثمن وتسليم المبيع ، فإذا امتنع ، كان عاصيا ، فلا يقع الفسخ بذلك. وإن كان المشتري ظالما ، وقع الفسخ ظاهرا وباطنا ، لأنّ البائع لا يصل إلى حقّه من الثمن ، فاستحقّ الفسخ ، كما لو أفلس المشتري (٤).

وهل يجري مثل هذا الخلاف إذا فرّعنا على انفساخ العقد بنفس‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٠٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « للشافعي ».

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، حلية العلماء ٣٢٦ ـ ٣٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٤ ـ ٣٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦ ـ ٢٣٧.

١٠٦

التحالف أم يجزم بالارتفاع باطنا أيضا؟ اختلفوا فيه (١).

وإذا قلنا بالارتفاع باطنا ، ترادّا ، وتصرّف كلّ منهما فيما عاد إليه. وإن منعناه ، لم يجز لهما التصرّف ، لكن لو كان البائع صادقا ، فهو ظافر بمال من ظلمه لما استردّ المبيع ، فله بيعه بالحاكم في أحد الوجهين ، أو بنفسه في أصحّهما عندهم (٢) ، واستيفاء حقّه من ثمنه.

إذا تقرّر هذا ، فكلّ موضع قلنا : إنّ الفسخ يقع ظاهرا وباطنا ، فإنّ للبائع التصرّف في المبيع بجميع أنواع التصرّف حتى بالوطي. وإن قلنا : يقع ظاهرا دون الباطن ، فإن كان البائع ظالما ، لم يجز له التصرّف في المبيع بوجه ، ووجب عليه ردّه على المشتري بالثمن المسمّى ، لأنّه لا يجوز له أن يستبيح ملك غيره بظلمه. وإن كان المشتري ظالما ، فإنّ البائع قد حصل في يده ملك المشتري ، وله عليه الثمن ، وهو من غير جنسه ، فله أن يبيع جميعه أو مقدار حقّه.

وهل يبيعه بنفسه أو يتولاّه الحاكم؟ وجهان (٣) :

أحدهما : أنّه يرفعه إلى الحاكم ليبيعه ، لأنّ الولاية للحاكم على صاحبه دون هذا البائع.

والثاني : يبيعه بنفسه ـ وهو منصوص الشافعي ـ لأنّه يتعذّر عليه رفعه إلى الحاكم وإثبات حقّه عنده ، فجوّز ذلك للضرورة ، كما جوّز إمساك ملك المشتري للحاجة.

وعندنا إن تمكّن من الحاكم ، وجب ، وإلاّ تولاّه بنفسه ، فإذا باعه فإن‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٧.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٣٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٧.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٣٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٧.

١٠٧

كان الثمن وفق حقّه ، فقد استوفاه. وإن نقص ، فالباقي في ذمّة المشتري. وإن فضل ، فللمشتري. وإن تلف هذا في يده ، كان من ضمانه. وإن تحالفا بعد تلف السلعة ، وجب ردّ قيمة المبيع.

ومتى تعتبر قيمته؟ على وجهين :

أحدهما : أكثر ما كانت من حين القبض.

والثاني : حال التلف ، كالمقبوض على وجه السوم (١).

وهذه الفروع مبنيّة على ما إذا اختلفا في قدر الثمن. وذكر الجويني عبارة نحو (٢) هذه الصورة وغيرها ، وهي : أنّ الفسخ إن صدر من المحقّ ، فالوجه : تنفيذه باطنا. وإن صدر من المبطل ، فالوجه : منعه. وإن صدر منهما جميعا ، قال : لا شكّ في الانفساخ ، وليس ذلك موضع الخلاف ، وكان كما لو تقايلا. وإذا صدر من المبطل ، لم ينفذ باطنا. وطريق الصادق إنشاء الفسخ إن أراد الملك فيما عاد إليه. وإن صدر الفسخ من الحاكم ، فالظاهر الانفساخ باطنا لينتفع به المحقّ (٣).

واعلم أنّ هذا لا يتأتى على مذهبنا فيما إذا كان الاختلاف في كمّيّة الثمن ، وإنّما يقع فيما إذا اختلفا في تعيين المبيع ، كالعبد أو الجارية ، أو في تعيين الثمن ، كالذهب أو الفضّة ، وهنا نقول : إنّ المبطل لا يباح له التصرّف فيما صار إليه ، والمحقّ له التصرّف.

مسالة ٦١٧ : إذا فسخ البيع ، كان على المشتري ردّ المبيع إن كان قائما‌

__________________

(١) الوسيط ٣ : ٢١٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٥ ـ ٣٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٧.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « تجري » بدل « نحو ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٧ ، والعبارة فيهما هكذا : « .. وإذا صدر من المبطل ولم ينفذه باطنا ، فطريق الصادق .. ».

١٠٨

بحاله ، لقوله عليه‌السلام : « إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادّا » رواه العامّة (١).

وهذا عندنا صحيح فيما إذا كان الاختلاف في الأعيان المتعدّدة ، لا في قدر الثمن ، فإذا كان المشتري قد أخذ ما ادّعاه وسقطت دعواه بيمين البائع ، وجب عليه ردّ ما أخذه ، لظهور بطلان الأخذ بيمين البائع.

وإن تلف في يد المشتري ، فعليه قيمته ، سواء كانت أكثر من الثمن أو أقلّ.

وهل يعتبر وقت التلف ، لأنّ مورد الفسخ العين لو بقيت ، والقيمة خلف عنها ، فإذا فات الأصل ، فحينئذ ينظر إليها ، أو يوم القبض ، لأنّه وقت دخول المبيع في ضمانه ، أو الأقلّ ، لأنّها إن كانت يوم العقد أقلّ ، فالزيادة حدثت في ملك المشتري ، وإن كان يوم القبض أقلّ ، فهو يوم دخوله في ضمانه ، أو بأعلى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف ، لأنّ يده يد ضمان ، فتعيّن أعلى القيم؟

وللشافعيّة هذه الاحتمالات الأربعة أقوال (٢) فيما قلناه (٣) وفيما إذا اختلفا في قدر الثمن أو الأجل أو الضمين أو غير ذلك (٤) على ما تقدّم.

مسالة ٦١٨ : لو زادت العين في يد المشتري ، فإمّا زيادة متّصلة أو منفصلة.

فإن كانت متّصلة ، فهي للبائع يردّها المشتري مع العين.

وإن كانت منفصلة ، كالولد والثمرة والكسب والمهر ، فإن قلنا : العقد‌

__________________

(١) الوجيز ١ : ١٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٥.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « أقوالا ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « نقلناه ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٥ ـ ٣٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٧.

١٠٩

يرتفع من أصله ـ وهو الظاهر عندنا إذا وقع التنازع في تعيين المبيع أو تعيين الثمن أيّ العينين هو؟ ـ فالنماء للبائع ، ويجب أقصى القيم لو تلف المبيع.

وإن قلنا : من حينه ، فالنماء للمشتري ، وعليه القيمة يوم التلف.

وعند الشافعي يتأتّى ذلك في هذه الصورة وفيما إذا اختلفا في قدر الثمن وغيره على ما سلف (١).

وقال بعض الشافعيّة : هذا الخلاف السابق في القيمة متى تعتبر؟ نظرا إلى أنّ العقد يرتفع من أصله أو من حينه؟ إن قلنا بالأوّل ، فالواجب أقصى القيم. وإن قلنا بالثاني ، اعتبرنا قيمته يوم التلف (٢).

مسالة ٦١٩ : لو اشترى عبدين وتلف أحدهما ثمّ اختلفا في قدر الثمن ، قدّم قول المشتري مع يمينه ، كما ذهبنا إليه.

وقال الشافعي : يتحالفان ، بناء على أصله (٣).

وهل يردّ الباقي؟ فيه الخلاف المذكور في مثله إذا وجد الباقي معيبا. وإن قلنا : يردّ ، فيضمّ قيمة التالف إليه ، وفي القيمة المعتبرة الوجوه الأربعة (٤).

اعترض : بأنّه لم كان الأصحّ هنا غير الأصحّ في القيمة المعتبرة لمعرفة الأرش؟

أجيب : يجوز أن يكون السبب فيه أنّ النظر إلى القيمة ثمّ ليس ليغرم ، ولكن ليعرف منها الأرش الذي هو جزء من الثمن ، وكذلك‌

__________________

(١) في ذيل المسألة السابقة.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٧.

١١٠

العوض (١) فيما إذا تلف أحد العبدين ووجدنا عيبا بالباقي وجوّزنا إفراده بالردّ ، يوزّع (٢) الثمن على قيمة التالف والباقي ، وهاهنا المغروم القيمة ، فكان النظر إلى حالة الإتلاف أليق (٣).

ولو كان المبيع قائما إلاّ أنّه قد تعيّب ، ردّه مع الأرش ، وهو قدر ما نقص من القيمة ، لأنّ الكلّ مضمون على المشتري بالقيمة ، فيكون البعض مضمونا ببعض القيمة.

أمّا المبيع لو تعيّب في يد البائع وأفضى الأمر إلى الأرش ، وجب جزء من الثمن ، لأنّ الكلّ مضمون على البائع بالثمن ، فكذا البعض.

وهذا أصل مطّرد في المسائل أنّ كلّ موضع لو تلف الكلّ ، كان مضمونا على الشخص بالقيمة ، فإذا تلف البعض ، كان مضمونا عليه ببعض القيمة ، كالمغصوب وغيره ، إلاّ في صورة واحدة ، وهي : ما إذا عجّل زكاته ثمّ تلف ماله قبل الحول وكان ما عجّل تالفا ، يغرم المسكين القيمة ، ولو تعيّب ، ففي الأرش وجهان للشافعيّة (٤).

تذنيب : لو اختلفا في القيمة الواجبة عليه أو الأرش ، قدّم قول المشتري مع اليمين ، لأنّه الغارم.

مسالة ٦٢٠ : التلف قد يكون حقيقيّا‌ ، كما لو هلكت العين ، وقد يكون حكميّا ، كما لو أعتق المشتري أو وقف أو باع أو وهب وأقبض وتعوّض ،

__________________

(١) في « س » والطبعة الحجريّة : « الفرض » وفي « ي » : « العرض » بدل « العوض ». وما أثبتناه من المصدر.

(٢) في « س » والطبعة الحجريّة : « بالردّ توزيع » وفي « ي » : « بالردّ وتوزيع ». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٨.

١١١

وهنا يكون للبائع انتزاع العين ، ويحكم ببطلان هذه العقود ، وهو قول بعض الشافعية (١).

وقال بعضهم : إنّ هذه التصرّفات بمنزلة الإتلاف ، فتجب القيمة ، وتبقى هذه التصرّفات على الصحّة (٢). وليس جيّدا.

والتعيّب أيضا قد يكون حقيقيّا ، كما لو تلف جزء من المبيع أو نقصت صفة من صفاته ، وقد يكون حكميّا ، كما لو زوّج الجارية المبيعة أو العبد المبيع ، فعندنا يبطل النكاح إن لم يجز البائع ، وهو أحد قولي الشافعيّة (٣).

وقال بعضهم : على المشتري ما بين قيمتها مزوّجة وخليّة ، وتعود إلى البائع والنكاح بحاله (٤).

مسالة ٦٢١ : لو كان العبد المبيع قد أبق من يد المشتري‌ ، كان عليه قيمته للبائع إذا حلف أنّه لم يبعه ، لتعذّر الوصول إليه.

وقال الشافعي : إذا تحالفا ، لم يمتنع الفسخ ، فإنّ الإباق لا يزيد على التلف ، ويغرم المشتري القيمة (٥) كما قلناه.

ولو كاتبه المشتري كتابة صحيحة ، كان للبائع فسخها.

وقال الشافعي : يتمّ مكاتبا ، ثمّ يغرّم المشتري القيمة ، كالإباق (٦).

ولو رهنه ، كان للبائع انتزاعه

وقال الشافعي : تخيّر البائع بين أخذ القيمة والصبر إلى انفكاك‌

__________________

(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٨.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٨.

١١٢

الرهن (١).

ولو آجره ، كان للبائع أخذه وفسخ الإجارة.

وقال الشافعي : يبنى على أنّ بيع المستأجر هل يجوز؟ إن قلنا : لا ، فهو كما لو رهنه. وإن قلنا : نعم ، فللبائع أخذه ، لكنّه يترك عند المستأجر إلى انقضاء المدّة ، والأجرة المسمّاة للمشتري ، وعليه للبائع أجرة المثل للمدّة الباقية. وإن كان قد آجره من البائع ، فله أخذه لا محالة.

وفي انفساخ الإجارة وجهان ، كما لو باع الدار المستأجرة من المستأجر إن قلنا : لا ينفسخ ، فعلى البائع المسمّى للمشتري ، وعلى المشتري أجرة مثل المدّة الباقية للبائع.

وإذا غرم القيمة في هذه الصورة ثمّ ارتفع السبب الحائل وأمكن الردّ ، هل تستردّ القيمة وتردّ العين؟ يبنى ذلك على أنّه قبل ارتفاع الحائل ملك من هو؟ (٢).

أمّا الآبق ففيه وجهان :

أحدهما : أنّه يبقى للمشتري ، والفسخ لا يرد على الآبق ، وإنّما هو وارد على القيمة.

وأصحّهما عندنا وعندهم (٣) أنّه في إباقه ملك البائع ، والفسخ وارد عليه ، وإنّما وجبت القيمة ، للحيلولة.

وأمّا المرهون والمكاتب ففيهما طريقان :

__________________

(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٥٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٨ ـ ٢٣٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٩.

١١٣

أحدهما : طرد الوجهين.

وأظهرهما عندهم : القطع ببقاء الملك للمشتري ، كما أنّ المشتري إذا أفلس بالثمن والعبد آبق ، يجوز للبائع الفسخ والرجوع إليه. ولو كان مرهونا أو مكاتبا ، ليس له ذلك (١).

والوجه عندنا بطلان الكتابة والرهن كما قلنا.

وأمّا المكتري إذا منعنا بيعه ، فهو كالمرهون والمكاتب ، أو كالآبق ، لأنّ حقّ المكري لا يتعلّق بمورد البيع والفسخ ، وهو الرقبة؟ فيه للشافعيّة احتمالات (٢).

قال الجويني : وإذا قلنا ببقاء الملك للمشتري ، فالفسخ وارد على القيمة ، كما في صورة التلف ، فلا ردّ ولا استرداد. وإذا قلنا بانقلابه إلى البائع ، ثبت الردّ والاسترداد عند ارتفاع الحيلولة (٣).

مسالة ٦٢٢ : لو اختلف المتبايعان ، فادّعى أحدهما حرّيّة العبد المبيع وأنكر الآخر‌ ، فالقول قول المنكر مع يمينه.

قال الشافعي : إذا حلف كلّ منهما ، فبعد التحالف أو قبله لم يحكم بحرّيّة العبد المبيع إن لم يكن الأمر كما قال ، فلا يعتق العبد في الحال ، لأنّه ملك المشتري ، وهو صادق بزعمه (٤).

ثمّ إن فسخ العقد أو عاد العبد إلى البائع بسبب آخر ، عتق عليه ، لأنّ المشتري كاذب بزعمه ، والعبد قد عتق عليه ، فهو بمنزلة من أقرّ بحرّيّة العبد ثمّ اشتراه ، ولا يعتق في الباطن إن كان البائع كاذبا ، ويعتق على‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٩.

١١٤

المشتري إن كان صادقا ، وولاء هذا العبد موقوف لا يدّعيه البائع ولا المشتري.

ولو صدّق المشتري البائع ، حكم بعتقه عليه ، ويرد الفسخ إن تفاسخا ، كما لو ردّ العبد بعيب ثمّ قال : كنت أعتقته ، يرد الفسخ ، ويحكم بعتقه.

ولو صدّق البائع المشتري ، نظر إن حلف البائع بالحرّيّة أوّلا ثمّ المشتري ، فإذا صدّقه البائع عقيب يمينه ثمّ عاد العبد إليه ، لم يعتق ، لأنّه لم يكذّب المشتري بعد ما حلف بالحرّيّة حتى يجعل مقرّا بعتقه. وإن حلف المشتري بحرّيّته أوّلا ثمّ حلف البائع وصدّقه ، عتق إذا عاد إليه ، لأنّ حلفه بعد حلف المشتري تكذيب له وإقرار بالحرّيّة عليه.

ولو كان المبيع بعض العبد ، فإذا عاد إلى ملك البائع ، عتق ذلك القدر عليه ، ولم يقوّم عليه الباقي ، لأنّه لم يحصل العتق بمباشرته (١) ، بل بإقراره على غيره ، فصار كما لو خلّف ابنين وعبدا ، وقال أحدهما : إنّ أبي أعتق هذا العبد ، وأنكره الآخر ، فعتق (٢) نصيب المقرّ ، ولا يقوّم عليه الباقي.

مسالة ٦٢٣ : لو كان المبيع جارية ووطئها المشتري ثمّ اختلفا في قدر الثمن‌ ، حلف المشتري ، عندنا إن كانت السلعة تالفة. وإن كانت باقية ، حلف البائع.

وعند الشافعي يتحالفان ، ثمّ إن كانت ثيّبا ، فلا أرش عليه مع ردّها. وإن كانت بكرا ، ردّها مع أرش البكارة ، لأنّه نقصان جزء (٣).

__________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « لمباشرته ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) كذا ، والظاهر : « فيعتق ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٠.

١١٥

ولو ترافعا إلى مجلس الحكم ولم يتحالفا بعد ، فأصحّ وجهي الشافعيّة : أنّ للمشتري وطء الجارية ، لبقاء ملكه (١). وبعد التحالف وقبل الفسخ وجهان مرتّبان (٢) ، وأولى بالتحريم ، لإشرافه على الزوال (٣).

مسالة ٦٢٤ : لو جرى البيع بين الوكيلين واختلفا‌ ، للشافعي في تحالفهما وجهان ، وجه المنع : أنّ غرض اليمين ليخاف الظالم فيقرّ ، وإقرار الوكيل على موكّله غير مقبول (٤).

ولو تقايل المتبايعان أو ردّ المشتري المبيع بالعيب بعد قبض البائع الثمن واختلفا في قدر الثمن ، فالقول قول البائع مع يمينه ـ قاله الشافعي (٥) ـ لأنّ العقد قد ارتفع ، والمشتري يدّعي زيادة ، والأصل عدمها.

مسالة ٦٢٥ : لو ادّعى الفسخ قبل التفرّق وأنكر الآخر‌ ، قدّم قول المنكر مع اليمين ، لأصالة البقاء.

ولو قلنا بالتحالف فيما إذا اختلفا في قدر الثمن فاختلفا في قيمة السلعة التالفة ، رجع إلى قيمة مثلها موصوفا بصفاتها ، فإن اختلفا في الصفة ، قدّم قول المشتري ، لأصالة براءته.

ولو تقايلا البيع أو ردّ بعيب بعد قبض الثمن ثمّ اختلفا في قدره ، قدّم قول البائع مع يمينه ، لأنّه منكر لما يدّعيه المشتري بعد الفسخ (٦).

ولو قال : بعتك وأنا صبي ، فقال : بل كنت بالغا ، قدّم قول مدّعي الصحّة.

ويحتمل تقديم قول البائع ، لأصالة البقاء.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٠.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « قريبان » بدل « مرتّبان ». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٠.

(٦) مرّ هذا الفرع في ذيل المسألة ٦٢٤.

١١٦

ولو قال : بعت وأنا مجنون ، ولم يعلم له سبقه ، قدّم قول المشتري مع يمينه ، وإلاّ فكالصبي.

خاتمة تشتمل على الإقالة :

مسالة ٦٢٦ : الإقالة بعد البيع جائزة بل تستحبّ إذا ندم أحد المتعاقدين على البيع.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أقال أخاه المسلم صفقة يكرهها أقاله الله عثرته يوم القيامة » (١).

إذا عرفت هذا ، فالإقالة أن يقول المتبايعان : تقايلنا ، أو : تفاسخنا ، أو يقول أحدهما : أقلتك ، فيقبل الآخر.

ولو تقايلا بلفظ البيع ، فإن قصدا الإقالة المحضة ، لم يلحقها لواحق البيع حيث لم يقصداه.

مسالة ٦٢٧ : الإقالة فسخ للعقد الأوّل‌ ، وليست بيعا عندنا ـ وهو أصحّ قولي الشافعي (٢) ـ لأنّها لو كانت بيعا لصحّت مع غير البائع وبغير الثمن الأوّل.

وقال في القديم : إنّها بيع ـ وبه قال مالك ـ لأنّها نقل ملك بعوض بإيجاب وقبول ، فأشبهت التولية (٣).

__________________

(١) شرح السنّة ـ للبغوي ـ ٥ : ١٢٠ ، ٢١١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٠.

(٢) الوسيط ٣ : ١٤٠ ، الوجيز ١ : ١٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٥ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٤٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٣ ، المجموع ٩ : ٢٠٠ ، المغني ٤ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٢.

(٣) الوسيط ٣ : ١٤٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٣٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٠٣ ، ١١٧٩ ، المغني ٤ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٢.

١١٧

والمشابهة لا تستلزم الاتّحاد ، وتعارض بما تقدّم ، وبأنّ المبيع رجع إليه بلفظ لا ينعقد به البيع ابتداء ، فلم يكن بيعا ، كالردّ بالعيب.

إذا عرفت هذا ، فالإقالة إذا ذكرت بلفظ الإقالة ، فيه الخلاف السابق ، أمّا إذا ذكرت بلفظ الفسخ ، فلا خلاف في أنّها فسخ ، وليست بيعا ، قاله بعض الشافعيّة (١).

مسالة ٦٢٨ : والإقالة فسخ في حقّ المتعاقدين وغيرهما ، للأصل. ولأنّ الصيغة ليست لفظ بيع. ولأنّ ما كان فسخا في حقّ المتعاقدين كان فسخا في حقّ غيرهما ، كالردّ بالعيب.

وقال أبو حنيفة : إنّها فسخ في حقّ المتعاقدين ، وهي بمنزلة البيع في حقّ غيرهما ، فيثبت فيها الشفعة للشفيع ، لأنّ الإقالة نقل ملك بعوض هو مال ، فيثبت فيه الشفعة ، كالبيع (٢).

ونمنع كونها نقل ملك ، بل إعادة للملك الأوّل ، فبها يعود الملك الأوّل إذا فسخ العقد.

وقال أبو يوسف : هي بيع بعد القبض ، وفسخ قبله ، إلاّ في العقار ، فإنّها بيع فيه قبل القبض وبعده (٣).

مسالة ٦٢٩ : لا تثبت الشفعة عندنا بالإقالة وإن أتى بها قاصدا لها بلفظ البيع ، لأنّ القصد المعنى.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٣.

(٢) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٥٤ ـ ٥٥ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٦ ، تحفة الفقهاء ٢ : ١١٠ ـ ١١١ ، بدائع الصنائع ٥ : ٣٠٦ و ٣٠٨ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢ ، المغني ٤ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٢.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٣٨٦.

١١٨

وقال أبو حنيفة : يثبت فيها الشفعة وإن كان بلفظ الإقالة (١).

ولو تقايلا في الصرف ، لم يجب التقابض في المجلس ، لأنّها ليست بيعا. ومن جعلها بيعا أوجب التقابض فيه.

وتجوز الإقالة قبل قبض المبيع ، لأنّها ليست بيعا. ومن جعلها بيعا منع.

وتجوز في السّلم قبل القبض إن كانت فسخا ، وإن كانت بيعا ، فلا.

ولا تجوز الإقالة بعد تلف المبيع إن كانت بيعا ، وتجوز إن كانت فسخا.

وللشافعيّة على تقدير كونها فسخا وجهان :

أحدهما : المنع ، كالردّ بالعيب.

وأصحّهما عندهم : الجواز ، كالفسخ بالتحالف ، فعلى هذا يردّ المشتري على البائع مثل المبيع إن كان مثليّا ، وقيمته إن كان متقوّما (٢).

مسالة ٦٣٠ : يشترط في الإقالة عدم الزيادة في الثمن والنقصان فيه لا قدرا ولا وصفا ، فلو أقاله بأكثر أو أقلّ ، فسدت الإقالة ، وكان المبيع باقيا على ملك المشتري ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأنها فسخ في الحقيقة ، ومقتضاه عود كلّ عوض إلى مالكه ، وليست من الألفاظ الناقلة ، كالبيع وشبهه بحيث يحصل ملك الزيادة بها.

__________________

(١) تحفة الفقهاء ٢ : ١١٠ ـ ١١١ ، بدائع الصنائع ٥ : ٣٠٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٧ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢.

(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٤٩٣ ـ ٤٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٤.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٣٨٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٤٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٤.

١١٩

وقال أبو حنيفة : تصحّ الإقالة ، ويبطل الشرط ، ويجب ردّ الثمن ، لأنّ الإقالة تصحّ بغير ذكر بدل ، فإذا ذكره فاسدا ، لم تبطل ، كالنكاح (١).

ونحن نقول : إنّه أسقط حقّه من المبيع بشرط أن يحصل له العوض الذي شرطه ، فإذا لم يسلم له الذي شرطه ولا بذل له ، لم يزل ملكه عنه ، بخلاف النكاح ، فإنّه يثبت فيه عوض آخر. ولأنّ شرط الزيادة يخرج الإقالة عن موضوعها ، فلم تصحّ ، بخلاف النكاح.

مسالة ٦٣١ : تصحّ الإقالة في بعض المسلم فيه ـ وبه قال عطاء وطاوس وعمرو بن دينار والحكم بن عيينة ، وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعي والثوري ، وروي عن عبد الله بن عباس أنّه قال : لا بأس به (٢) ـ وهو المعروف ، لأنّ الإقالة مستحبّة ، وهي من المعروف ، وكلّ معروف جاز في جميع العوض جاز في بعضه ، كالإبراء والإنظار.

وقال مالك وربيعة والليث بن سعد وابن أبي ليلى : لا يجوز ذلك. وكرهه أحمد وإسحاق ، ورواه ابن المنذر عن ابن عمر والحسن وابن سيرين والنخعي ، لأنّه إذا أقاله في بعضه فقد صار بيعا وسلفا ، وقد نهى النبيّ عليه‌السلام عن البيع والسلف (٣). [ و ] (٤) لأنّه إذا أقاله في بعضه وردّ بعض‌

__________________

(١) تحفة الفقهاء ٢ : ١١١ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٥٥ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٦ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٤٩٢.

(٢) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٧٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٢٦ ، ١٠٩٦ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٧ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٤٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٥ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٠٦.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ٣٤٨ ، شرح معاني الآثار ٤ : ٤٦.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

١٢٠