التّحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشّريف

السيّد علي الحسيني الميلاني

التّحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشّريف

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٠٠

الفصل الثالث

أحاديث التحريف في كتب الشّيعة

٦١
٦٢

قد ذكرنا في الفصل الأول شطرا من تصريحات كبار علماء الإمامية في القرون المختلفة في أنّ القرآن الكريم الموجود بين أيدينا مصون من التحريف ، وهناك كلمات غير هذه لم نذكرها اختصارا ، وربما تقف على تصريحات أو أسماء لجماعة آخرين منهم في غضون البحث.

وعرفت في الفصل الثاني أدلّة الإمامية على نفي التحريف وهي :

١ ـ آيات من القرآن العظيم.

٢ ـ أحاديث عن النبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام ، وهي على أقسام.

٣ ـ قول عمر بن الخطاب : حسبنا كتاب الله.

٤ ـ الإجماع.

٥ ـ تواتر القرآن.

٦ ـ إعجاز القرآن.

٧ ـ صلاة الإمامية.

٨ ـ كون القرآن مجموعا على عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٩ ـ عناية النبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام والمسلمين بالقرآن.

هذا ، ولم ينكر أحد من اولئك الأعلام وجود أحاديث في كتب الشيعة ، تفيد بظاهرها سقوط شيء من القرآن ، بل نصّ بعضهم على كثرتها ـ كما توجد في كتبهم روايات ظاهرة في الجبر والتفويض ، وفي التشبيه والتجسيم ، ونحو ذلك ـ لكنهم أعرضوا عن تلك الأحاديث ونفوا وقوع التحريف في القرآن ، بل ذهب

٦٣

البعض منهم إلى قيام إجماع الطائفة على ذلك ، ومجرد إعراضهم عن حديث يوجب سقوطه عن درجة الاعتبار ، كما تقرّر في علم اصول الفقه.

ونحن في هذا المقام نوضّح سبب إعراضهم عن أخبار التحريف وندلّل على صحته ونقول :

تعيين موضوع البحث

هناك في كتب الإمامية روايات ظاهرة في تحريف القرآن ، لكنّ دعوى كثرتها لا تخلو من نظر ، لأنّ الذي يمكن قبوله كثرة ما دلّ على التحريف بالمعنى الأعمّ (١) وقد جاء هذا في كلام الشيخ أبي جعفر الطوسي ، فإنّه ـ بعد أن استظهر عدم النقصان من الروايات ـ قال : «غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع».

__________________

(١) يطلق لفظ التحريف ويراد منه عدّة معان على سبيل الاشتراك :

أ ـ نقل الشيء عن موضعه وتحويله إلى غيره.

ب ـ النقص أو الزيادة في الحروف أو في الحركات مع حفظ القرآن وعدم ضياعه ، وإن لم يكن متميزا في الخارج عن غيره.

ج ـ النقص أو الزيادة بكلمة أو كلمتين مع التحفّظ على نفس القرآن المنزل.

د ـ التحريف بالزيادة والنقيصة في الآية والسورة مع التحفّظ على القرآن المنزل.

ه ـ التحريف بالزيادة ، بمعنى أنّ بعض المصحف الذي بأيدينا ليس من الكلام المنزل.

و ـ التحريف بالنقيصة ، بمعنى أنّ المصحف الذي بأيدينا لا يشتمل على جميع القرآن المنزل.

وموضوع بحثنا هو التحريف بالمعنى الأخير ، ونعني بالمعنى الأعمّ ما يعمّ جميع المعاني المذكورة.

٦٤

وأما ما دلّ على التحريف بالمعنى الأخصّ الذي نبحث عنه وهو «النقصان» فلا يوافق على دعوى كثرته في كتب الامامية ، ومن هنا وصفت تلك الروايات في كلمات بعض المحقّقين كالشيخ جعفر كاشف الغطاء والشيخ محمد جواد البلاغي بالشذوذ والندرة.

وروايات الشيعة في هذا الباب يمكن تقسيمها إلى قسمين :

الأوّل : الروايات الضعيفة أو المرسلة أو المقطوعة. وبكلمة جامعة : غير المعتبرة سندا. والظاهر أنّ هذا القسم هو الغالب فيها ، ويتضح ذلك بملاحظة أسانيدها ، ويكفي للوقوف على حال أحاديث الشيخ الكليني منها ـ ولعلّها هي عمدتها ـ مراجعة كتاب (مرآة العقول) للشيخ محمد باقر المجلسي ، الذي هو من أهمّ كتب الحديث لدى الإماميّة ، ومن أشهر شروح «الكافي» وأهمّها.

ومن الأعلام الذين دقّقوا النظر في أسانيد هذه الروايات ونصّوا على عدم اعتبارها : الشيخ البلاغي في (آلاء الرحمن) والسيد الخوئي في (البيان) والسيد الطباطبائي في (الميزان). ومن المعلوم عدم جواز الاستناد إلى هكذا روايات في أيّ مسألة من المسائل ، فكيف بمثل هذه المسألة الاصولية الاعتقادية؟!

والثاني : الروايات الواردة عن رجال ثقات وبأسانيد لا مجال للخدش فيها.

ولكن هذا القسم يمكن تقسيمه إلى طائفتين :

الاولى : ما يمكن حمله وتأويله على بعض الوجوه ، بحيث يرتفع التنافي بينها وبين الروايات والأدلّة الاخرى القائمة على عدم التحريف.

والثانية : ما لا يمكن حمله وتوجيهه.

وبهذا الترتيب يتّضح لنا أنّ ما روى من جهة الشيعة بنقصان آي القرآن

٦٥

قليل جدا ، لانّ المفروض خروج الضعيف سندا والمؤوّل دلالة عن دائرة البحث.

إنّها مصادمة للضرورة

وأوّل ما في هذه الروايات القليلة أنّها مصادمة للضرورة ، ففي كلمات عدّة من أئمة الإمامية دعوى الضرورة على كون القرآن مجموعا على عهد النبوّة ، فقد قال السيد المرتضى : «إنّ العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة ... إنّ العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته ، وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة» (١).

وقال الشيخ جعفر كاشف الغطاء : «لا عبرة بالنادر ، وما ورد من أخبار النقص تمنع البديهة من العمل بظاهرها» (٢).

وقال السيد شرف الدين العاملي : «إنّ القرآن عندنا كان مجموعا على عهد الوحي والنبوة ، مؤلّفا على ما هو عليه الآن ... وهذا كلّه من الامور الضرورية لدى المحقّقين من علماء الإمامية» (٣).

وقال السيد الخوئي : «إنّ من يدّعي التحريف يخالف بداهة العقل» (٤).

__________________

(١) المسائل الطرابلسيات ، نقلا عن مجمع البيان للطبرسي ١ : ١٥.

(٢) كشف الغطاء في الفقه ، ونقله عنه شرف الدين في أجوبة المسائل : ٣٣.

(٣) أجوبة مسائل جار الله : ٣٠.

(٤) البيان : ٢٧.

٦٦

إنها مخالفة لظاهر الكتاب

فإن نوقش في هذا ، فلا كلام في مخالفة روايات التحريف لظاهر الكتاب حيث قال عزّ من قائل : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ليكون قدوة للامة وبرنامجا لأعمالها ، ومستقى لأحكامها ومعارفها ، ومعجزة خالدة. ومن المعلوم المتسالم عليه : سقوط كل حديث خالف الكتاب وإن بلغ في الصحّة وكثرة الأسانيد ما بلغ ، وبهذا صرّحت النصوص عن النبي والأئمة عليهم‌السلام ، ومن هنا أعرض علماء الإمامية الفطاحل ـ الاصوليّون والمحدّثون ـ عن هذه الأحاديث ... قال المحدّث الكاشاني في (الصافي) : «إنّ خبر التحريف مخالف لكتاب الله مكذّب له فيجب ردّه» (١).

فإن نوقش في هذا أيضا فقيل بأنّه استدلال مستلزم للدور ، أو قيل بأن الضمير في «له» عائد إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن هذه الروايات تطرح لما يلي :

إنها موافقة لأخبار العامة

أولا : إنّها موافقة للعامة ، فإنّ القول بالتحريف منقول عن الذين يقتدون بهم من مشاهير الصحابة ، وعن مشاهير أئمتهم وحفاظهم ، وأحاديثه مخرّجة في أهمّ كتبهم وأوثق مصادرهم كما سيأتي في بابه ، وهذا وجه آخر لسقوط أخبار التحريف عند فرض التعارض بينها وبين روايات العدم ، كما تقرّر ذلك في علم

__________________

(١) تفسير الصافي ١ : ٤٦.

٦٧

اصول الفقه.

إنها نادرة

ثانيا : إنّها شاذة ونادرة ، والروايات الدالّة على عدم التحريف مشهورة أو متواترة ، كما في كلمات الأعلام كالشيخ كاشف الغطاء وغيره ، وسيأتي الجواب عن شبهة تواتر ما دلّ على التحريف ، فلا تصلح لمعارضة تلك الروايات ، بل مقتضى القاعدة المقرّرة في علم الاصول لزوم الأخذ بما اشتهر ورفع اليد به عن الشاذ النادر.

إنها أخبار آحاد

ثالثا : إنّه بعد التنزّل عن كلّ ما ذكر ، فلا ريب في أنّ روايات التحريف أخبار آحاد ، وقد ذهب جماعة من أعلام الإمامية إلى عدم حجّية الآحاد مطلقا ومن يقول بحجّيتها لا يعبأ بها في المسائل الاعتقادية ، وهذا ما نصّ عليه جماعة.

٦٨

من أخبار التحريف

وبعد ، فلا بأس بذكر عدد من أهمّ الروايات الموجودة في كتب الإمامية ـ التي ادّعى بعض العلماء ظهورها في النقصان ـ وعلى هذه فقس ما سواها.

ولا بدّ من عرض تلك الأحاديث بنصوصها ، ثم الكلام عليها بالنظر إلى اسانيدها وفي مدى دلالتها على المدعى ، وما يترتّب عليها من شبهات ووجوه الجواب عنها.

وأهمّ الأحاديث التي قد يستند إليها للقول بتحريف القرآن هي الأحاديث التالية :

١ ـ عن جابر ، قال :

سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : ما ادّعى أحد من الناس أنّه جمع القرآن كلّه كما انزل إلّا كذّاب ، وما جمعه وحفظه كما أنزل الله تعالى إلّا علي بن أبي طالب عليه‌السلام والأئمّة من بعده عليهم‌السلام» (١).

٢ ـ عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام إنّه قال :

«ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّ عنده جميع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء» (٢).

٣ ـ عن سالم بن سلمة ، قال :

__________________

(١) الكافي ١ : ١٧٨ ، ورواه الصّفار في بصائر الدرجات : ١٣.

(٢) الكافي ١ : ١٧٨ ، بصائر الدرجات : ٢١٣.

٦٩

«قرأ رجل على أبي عبد الله عليه‌السلام ـ وأنا أستمع ـ حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام :

مه ، كفّ عن هذه القراءة ، اقرأ كما يقرأ الناس ، حتى يقوم القائم ، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله تعالى على حدّه وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه‌السلام.

وقال : أخرجه علي إلى الناس حين فرغ منه وكتبه ، فقال لهم : هذا كتاب الله تعالى كما أنزله على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد جمعته بين اللوحين ، فقالوا : هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن ، لا حاجة لنا فيه. فقال : أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا ، إنّما كان عليّ أن اخبركم حين جمعته لتقرءوه» (١).

٤ ـ عن ميسر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال :

«لو لا أنّه زيد في كتاب الله ونقص عنه ، ما خفي حقّنا على ذي حجا ، ولو قد قام قائمنا فنطق صدّقه القرآن» (٢).

٥ ـ عن الأصبغ بن نباتة ، قال :

«سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : نزل القرآن أثلاثا : ثلث فينا وفي عدوّنا ، وثلث سنن وأمثال ، وثلث فرائض وأحكام» (٣).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

«إنّ القرآن نزل أربعة أرباع : ربع حلال ، وربع حرام ، وربع سنن وأحكام ، وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم ، وفصل ما بينكم» (٤).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٤٦٢.

(٢) تفسير العياشي ١٠ : ١٣.

(٣) الكافي ٢ : ٤٥٩.

(٤) الكافي ٢ : ٤٥٩.

٧٠

وعن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال :

«نزل القرآن أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع في عدوّنا ، وربع سنن وأمثال ، وربع فرائض وأحكام» (١).

٦ ـ عن محمد بن سليمان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال :

«قلت له : جعلت فداك ، إنّا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ، ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم؟

فقال : لا ، اقرءوا كما تعلّمتم ، فسيجيئكم من يعلّمكم» (٢).

٧ ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :

«إنّ في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن ، كانت فيه أسماء الرجال فالقيت ، إنّما الاسم الواحد منه في وجوه لا تحصى ، يعرف ذلك الوصاة» (٣).

٨ ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :

«لو قد قرئ القرآن كما انزل لألفينا فيه مسمّين» (٤).

٩ ـ عن البزنطي ، قال : «دفع إليّ أبو الحسن عليه‌السلام مصحفا فقال ـ وقال ـ : لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) فوجدت فيه ـ فيها ـ اسم سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم ، قال : فبعث إليّ : ابعث إليّ بالمصحف» (٥).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٤٥٩.

(٢) الكافي ٢ : ٤٥٣.

(٣) تفسير العياشي ١ : ١٢.

(٤) تفسير العياشي ١ : ١٣.

(٥) الكافي ٢ : ٤٦١ ، وانظر البحار ٨٩ : ٥٤.

٧١

١٠ ـ عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، قال :

«نزل جبرئيل بهذه الآية على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هكذا : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) ـ في على ـ (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)(١).

١١ ـ عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :

«من كان كثير القراءة لسورة الأحزاب كان يوم القيامة في جوار محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأزواجه ، ثم قال : سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم ، يا ابن سنان : إنّ سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب ، وكانت أطول من سورة البقرة ، ولكن نقصوها وحرّفوها» (٢).

١٢ ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :

«أنزل الله في القرآن سبعة بأسمائهم ، فمحت قريش ستة وتركوا أبا لهب» (٣).

١٣ ـ عن ابن نباتة قال :

«سمعت عليا عليه‌السلام يقول : كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلّمون الناس القرآن كما انزل ، قلت : يا أمير المؤمنين أو ليس هو كما انزل؟

فقال : لا ، محي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم ، وما ترك أبو لهب إلّا للإزراء على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّه عمه» (٤).

١٤ ـ عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل :

__________________

(١) الكافي ١ : ٣٤٥.

(٢) ثواب الاعمال : ١٠٠ ، وعنه في البحار ٨٩ : ٥٠.

(٣) رجال الكشي ٢٤٧ ، وعنه في البحار ٨٩ : ٥٤.

(٤) الغيبة للنعماني : ٣١٨.

٧٢

(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) ـ في ولاية علي والأئمة من بعده ـ (فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) هكذا نزلت» (١).

١٥ ـ عن منخّل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «نزل جبرئيل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الآية هكذا : يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما أنزلنا ـ في علي ـ (نُوراً مُبِيناً)(٢).

١٦ ـ عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله في قوله :

ولقد عهدنا إلى آدم من قبل كلمات ـ في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم ـ فنسي ...» (٣).

فهذه طائفة من تلك الأحاديث ، ولنلق الأضواء عليها واحدا واحدا ، لنرى ما قيل في الجواب عن كلّ واحد أو ما جاء فيه من تأويل.

الكلام على هذه الأخبار

الحديث الأول :

رواه الشيخ الكليني والشيخ الصفار ، كلاهما بسند فيه «عمرو بن أبي المقدام» وقد اختلف علماء الرجال فيه على قولين ، كما اعترف بذلك بعضهم (٤).

الحديث الثاني :

رواه الشيخ الكليني والصفار أيضا بسند فيه «المنخّل بن جميل الأسدي»

__________________

(١) الكافي ١ : ٣٤٢.

(٢) الكافي ١ : ٣٤٤.

(٣) الكافي ١ : ٣٤٥.

(٤) تنقيح المقال ٢ : ٣٢٣.

٧٣

وقد ضعّفه أكثر علماء الرجال ، بل كلّهم ، وقالوا : إنّه فاسد العقيدة ، وإنّه يروي الأحاديث الدالّة على الغلو في الأئمة عليهم‌السلام (١).

هذا بالإضافة إلى أنّه يمكن تفسير هذا الحديث وسابقه بمعنى آخر يساعد عليه اللفظ فيهما.

ولذا فقد قال السيد الطباطبائي في الخبرين ما نصّه :

«قوله عليه‌السلام : إنّ عنده القرآن كلّه ... إلى آخره ، الجملة وإن كانت ظاهرة في لفظ القرآن ومشعرة بوقوع التحريف فيه ، لكنّ تقييدها بقوله : (ظاهره وباطنه) يفيد أنّ المراد هو العلم بجميع القرآن من حيث معانيه الظاهرة على الفهم العادي ومعانيه المستبطنة على الفهم العادي.

وكذا قوله في الرواية السابقة (وما جمعه وحفظه ... إلى آخره) حيث قيّد الجمع بالحفظ ، فافهم» (٢).

وقد أورد السيد علي بن معصوم المدني هذين الخبرين ضمن الأحاديث التي استشهد بها على أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام والأوصياء من أبنائه ، علموا جميع ما في القرآن علما قطعيّا بتأييد إلهي وإلهام رباني وتعليم نبوي ، وذكر أنّ الأحاديث في ذلك متواترة بين الفريقين ، وعليه إجماع الفرقة الناجية ، وأنّه قد طابق العقل في ذلك النقل (٣).

وقد روى الشيخ الصفّار القمي حديثا آخر في معنى الحديثين المذكورين هذا نصه بسنده :

__________________

(١) تنقيح المقال ٣ : ٢٤٧.

(٢) حاشية الكافي ١ : ٢٢٨.

(٣) شرح الصحيفة السجادية : ٤٠١.

٧٤

«جعفر بن أحمد ، عن عبد الكريم بن عبد الرحيم ، عن محمد بن علي القرشي ، عن محمد بن الفضيل ، عن الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : ما أحد من هذه الامة جمع القرآن إلّا وصي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١). ولكن في سنده «محمد بن علي القرشي» (٢).

الحديث الثالث :

فإن راويه هو «سالم بن سلمة» أو «سالم بن أبي سلمة» ومراجعة واحدة لكتب الرجال تكفي للوقوف على رأيهم في هذا الرجل. فقد ضعّفه ابن الغضائري والنجاشي والعلّامة الحلّي والشيخ المجلسي وغيرهم (٣). ويفيد الحديث مخالفة القرآن الذي جمعه أمير المؤمنين عليه‌السلام مع القرآن الموجود بين أيدينا ، وسيأتي الكلام على ذلك في فصل (الشبهات). كما يفيد أيضا مخالفة القرآن الكريم على عهد سيدنا الإمام المهدي عليه‌السلام لهذا القرآن ، وسيأتي الكلام على هذا أيضا في الفصل المذكور.

الحديث الرابع :

هو من روايات الشيخ العياشي في تفسيره (٤) ، وقد رواه عنه الشيخ الحرّ العاملي على النحو التالي :

«وعن ميسر ـ أي وروى العياشي عن ميسر ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : لو لا أنّه زيد في كتاب الله ونقص منه ما خفي حقّنا على ذي حجا ،

__________________

(١) بصائر الدرجات للصّفار ، وعنه في البحار ٨٩ : ٤٨ ، وانظر مرآة العقول المجلد ٢ : ٥٣٥.

(٢) تنقيح المقال ٣ : ١٥١.

(٣) نفس المصدر ٢ : ٤.

(٤) تفسير العياشي ١ : ١٣.

٧٥

ولو قد قام قائمنا فنطق صدّقه القرآن» (١).

ويبطل هذا الحديث إجماع المسلمين كافّة على عدم وقوع الزيادة في القرآن ، وقد ادّعى هذا الإجماع : السيد المرتضى ، وشيخ الطائفة ، والشيخ الطبرسي ، رضي الله تعالى عنهم.

وقال سيدنا الجدّ الميلاني : «هذا ... على أنّ أحدا لم يقل بالزيادة». وقال السيد الخوئي في بيان معاني التحريف : «الخامس : التحريف بالزيادة ، بمعنى أنّ بعض المصحف الذي بأيدينا ليس من الكلام المنزل ، والتحريف بهذا المعنى باطل بإجماع المسلمين ، بل هو مما علم بطلانه بالضرورة» (٢).

الحديث الخامس :

وقد صرّح الشيخ المجلسي رحمه‌الله بأنّه مجهول (٣).

وفي الأول من تالييه : إنّه مرسل (٤).

وفي الثاني منها بأنّه : موثّق (٥).

وظاهر هذه الأحاديث ـ وإن أنكر ذلك جماعة كالمجلسي والفيض وشارح الكافي ـ منافاة بعضها للبعض ، كما اعترف بذلك السيد عبد الله شبر (٦) وأوضح ذلك السيد هاشم معروف الحسني في دراساته.

__________________

(١) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ٣ : ٤٣.

(٢) البيان : ٢١٨.

(٣) مرآة العقول ١٢ : ٥١٧.

(٤) مرآة العقول ١٢ : ٥١٧.

(٥) نفس المصدر ١٢ : ٥١٧.

(٦) مصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار ١ : ٢٩٤.

٧٦

الحديث السادس :

ضعّفه الشيخ المجلسي (١) ، وأوّله المحدّث الكاشاني في الوافي : على أنّ المراد من تلك الآيات ، ما كان مأخوذا من الوحي من قبيل التفسير وتبيين المراد ، لا من القرآن الكريم على حقيقته ، حتى يقال إنّه يدلّ على نقصان القرآن.

الحديث السابع :

هو من روايات الشيخ الصفار القمي والشيخ العياشي ، وسيأتي الكلام عن رواياتهما ، على أنّهما روياه عن «إبراهيم بن عمر» وقد اختلفوا في تضعيفه وتوثيقه على قولين (٢).

ومن الممكن القول : بأنّ تلك الأسماء التي القيت إنما كانت مثبتة فيه على وجه التفسير لألفاظ القرآن ، وتبيين الغرض منها ، لا أنّها نزلت في أصل القرآن كذلك ، كما قيل في نظائره.

الحديث الثامن :

رواه الشيخ العياشي مرسلا عن داود بن فرقد عمّن أخبره ، عنه عليه‌السلام ، وقد يجاب عنه أيضا بمثل ما يجاب به عن الأحاديث الآتية.

الحديث التاسع :

رواه الشيخ الكليني عن البزنطي ، وقد قال الشيخ المجلسي : إنّه مرسل (٣).

واعترف شارح الكافي بكونه : مرفوعا.

وروى نحوه الشيخ الكشي عنه أيضا (٤) وسيأتي ما في رواياته.

__________________

(١) مرآة العقول ١٢ : ٥٠٦.

(٢) تنقيح المقال ١ : ٢٧.

(٣) مرآة العقول ١٢ : ٥٢١.

(٤) رجال الكشّي : ٤٩٢.

٧٧

هذا ... ولقد قال المحدّث الكاشاني بعده ما نصّه :

«لعلّ المراد أنّه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيرا للذين كفروا وللمشركين ، مأخوذة من الوحي ، لا أنّها كانت من أجزاء القرآن ...

وكذلك كل ما ورد من هذا القبيل عنهم عليهم‌السلام» (١).

الحديث العاشر :

ونظائره التي رواها الشيخان القمي والكليني وغيرهما ، من الأحاديث الدالّة على حذف اسم أمير المؤمنين علي عليه‌السلام و «آل محمد» وكلمة «الولاية» وأسماء «المنافقين» ... وغير ذلك.

ويغنينا عن النظر في أسانيد هذه الأحاديث واحدا واحدا اعتراف المحدّث الكاشاني بعدم صحتها ، وحملها ـ على فرض الصحة ـ على أنّه بهذا المعنى نزلت ، وليس المراد أنّها كذلك نزلت في أصل القرآن فحذف ذلك.

ثم قال ـ رحمه‌الله تعالى ـ : «كذلك يخطر ببالي في تأويل تلك الأخبار إن صحت ...» (٢).

وقال السيد الخوئي :

«والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة : إنّا قد أوضحنا فيما تقدّم أنّ بعض التنزيل كان من قبيل التفسير للقرآن ، وليس من القرآن نفسه ، فلا بدّ من حمل هذه الروايات على أنّ ذكر أسماء الأئمة في التنزيل من هذا القبيل ، وإذا لم يتم هذا الحمل فلا بدّ من طرح هذه الروايات ، لمخالفتها للكتاب والسنّة والأدلّة المتقدّمة على نفي التحريف.

__________________

(١) الوافي ٢ : ٢٧٣.

(٢) نفس المصدر ٢ : ٢٧٤.

٧٨

وقد دلّت الأخبار المتواترة على وجوب عرض الروايات على الكتاب والسنّة ، وإن ما خالف الكتاب منها يجب طرحه وضربه على الجدار».

وقال أيضا : «ومما يدلّ على أنّ اسم أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يذكر صريحا في القرآن : حديث الغدير ، فإنّه صريح في أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما نصب عليا بأمر الله ، وبعد أن ورد عليه التأكيد في ذلك وبعد أن وعده الله بالعصمة من الناس ، ولو كان اسم «علي» مذكورا في القرآن لم يحتج إلى ذلك النصب ، ولا إلى تهيئة ذلك الاجتماع الحافل بالمسلمين ، ولما خشي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من إظهار ذلك ، ليحتاج إلى التأكيد في أمر التبليغ».

وقال بالنسبة إلى هذا الحديث بالذات :

«على أنّ الرواية الأخيرة المرويّة في الكافي مما لا يحتمل صدقه في نفسه ، فإنّ ذكر اسم علي عليه‌السلام في مقام إثبات النبوّة والتحدي على الإتيان بمثل القرآن لا يناسب مقتضى الحال».

قال : «ويعارض جميع هذه الروايات صحيحة أبي بصير المروية في الكافي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).

قال : فقال : نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم‌السلام.

فقلت له : إنّ الناس يقولون : فما له لم يسمّ عليا وأهل بيته في كتاب الله؟

قال عليه‌السلام : فقولوا لهم : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ لهم ثلاثا ولا أربعا ، حتى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسّر لهم ذلك.

فتكون هذه الصحيحة حاكمة على جميع تلك الروايات ، وموضّحة للمراد

٧٩

منها» (١).

هذا ، وقد تقدّم عن الشيخ البهائي قوله :

«وما اشتهر بين الناس من إسقاط اسم أمير المؤمنين عليه‌السلام منه في بعض المواضع ، مثل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) ـ في علي ـ وغير ذلك فهو غير معتبر عند العلماء» (٢).

الحديث الحادي عشر :

فيجاب عنه ـ بعد غضّ النظر عن سنده ـ بأنّ الشيخ الطبرسي رحمه‌الله وغيره رووه عن ابن سنان بدون زيادة «ثم قال ...» (٣).

على أنّ نفس هذا الحديث ، وكذا الحديثان الآخران (٤) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دليل على أنّ سورة الأحزاب كانت مدوّنة على عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

كما يجاب عنه ـ إن صح ـ بما اجيب عن نظائره فيما تقدّم.

ولنا أن نطالب ـ بعد ذلك كلّه ـ من يصحّح هذا الحديث ويعتمد عليه ، أن يثبت لنا أين ذهبت هذه الكثرة من الآيات؟ وأن يذكر كيفيّة سقوطها ـ أو إسقاطها ـ من دون أن يعلم سائر المسلمين؟

ألم تكن الدواعي متوفّرة على أخذ القرآن وتعلّمه كلّما نزل من السماء؟ ألم

__________________

(١) البيان ١٧٨ ـ ١٧٩.

(٢) نقله عنه في آلاء الرحمن : ٢٦.

(٣) مجمع البيان ٤ : ٣٣٤.

(٤) مجمع البيان ، ورواه أهل السنة في كتبهم المعتبرة. انظر منها الدر المنثور ٥ : ١٧٩ عن جملة من كتب الحديث.

٨٠