التّحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشّريف

السيّد علي الحسيني الميلاني

التّحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشّريف

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٠٠

البصائر أنّ هذا لمجرد الحسد أو لغرض يبعد من صواب الموارد والمصادر ... ولو ظفر اليهود والزنادقة بمسلم يعتقد في القرآن لحنا جعلوه حجة» (١).

* ويقول العلّامة الحلّي المتوفى سنة ٧٢٦ في بعض أجوبته حيث سئل : «ما يقول سيدنا في الكتاب العزيز هل يصح عند أصحابنا أنّه نقص منه شيء أو زيد فيه أو غيّر ترتيبه أم لم يصح عندهم شيء من ذلك؟ أفدنا أفادك الله من فضله ، وعاملك بما هو من أهله» فأجاب :

«الحق أنه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه ، وأنّه لم يزد ولم ينقص ، ونعوذ بالله تعالى من أن يعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك ، فإنه يوجب التطرق إلى معجزة الرسول عليه وآله السّلام المنقولة بالتواتر» (٢).

وسنذكر عبارته في (نهاية الوصول) أيضا.

* ويقول الشيخ زين الدين البياضي العاملي المتوفى سنة ٨٧٧ :

«علم بالضرورة تواتر القرآن بجملته وتفاصيله ، وكان التشديد في حفظه أتم ، حتى نازعوا في أسماء السّور والتفسيرات. وإنما اشتغل الأكثر عن حفظه بالتفكر في معانيه وأحكامه ، ولو زيد فيه أو نقص لعلمه كلّ عاقل وإن لم يحفظه ، لمخالفة فصاحته وأسلوبه» (٣).

* وألّف الشيخ علي بن عبد العالي الكركي العاملي ، الملقّب بالمحقّق الثاني ـ المتوفّى سنة ٩٤٠ ـ رسالة في نفي النقيصة في القرآن الكريم ، أورد السيد محسن الأعرجي البغدادي في كتابه (شرح الوافية في علم الاصول) كثيرا من عباراته

__________________

(١) سعد السعود : ٢٦٧.

(٢) أجوبة المسائل المهناوية : ١٢١.

(٣) الصراط المستقيم ١ : ٤٥.

٢١

فيها.

واعترض في الرسالة على نفسه بما يدلّ على النقيصة من الأخبار فأجاب : «بأنّ الحديث إذا جاء على خلاف الدليل والسنّة المتواترة أو الإجماع ، ولم يمكن تأويله ولا حمله على بعض الوجوه ، وجب طرحه» (١).

* وبه صرّح الشيخ فتح الله الكاشاني ـ المتوفّى سنة ٩٨٨ ـ في مقدمة تفسيره «منهج الصادقين» ، وبتفسير الآية (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).

* وهو صريح السيد نور الله التستري ، المعروف بالقاضي الشهيد ـ المستشهد سنة ١٠١٩ ـ في كتابه (مصائب النواصب) في الإمامة والكلام حيث قال : «ما نسب إلى الشيعة الامامية من القول بوقوع التغيير في القرآن ليس ممّا قال به جمهور الإماميّة ، إنما قال به شرذمة قليلة منهم لا اعتداد بهم فيما بينهم».

* ويقول الشيخ محمد بن الحسين ، الشهير ببهاء الدين العاملي ـ المتوفّى سنة ١٠٣٠ ـ : «الصحيح أنّ القرآن العظيم محفوظ عن ذلك ، زيادة كان أو نقصانا ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ). وما اشتهر بين الناس من إسقاط اسم أمير المؤمنين عليه‌السلام منه في بعض المواضع مثل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) ـ في علي ـ وغير ذلك فهو غير معتبر عند العلماء» (٢).

* ويقول العلّامة التوني ـ المتوفّى سنة ١٠٧١ ـ صاحب كتاب (الوافية في الاصول) : «والمشهور أنّه محفوظ ومضبوط كما انزل ، لم يتبدّل ولم يتغيّر ، حفظه

__________________

(١) مباحث في علوم القرآن ـ مخطوط.

(٢) آلاء الرحمن : ٢٦.

٢٢

الحكيم الخبير ، قال الله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)» (١).

* ويقول الشيخ محمد محسن الشهير بالفيض الكاشاني ـ المتوفّى سنة ١٠١٩ ـ بعد الحديث عن البزنطي ، قال : دفع إليّ أبو الحسن عليه‌السلام مصحفا وقال : لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) فوجدت فيها اسم سبعين رجلا ...

قال : «لعلّ المراد أنّه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيرا للّذين كفروا والمشركين مأخوذة من الوحي ، لا أنّها كانت من أجزاء القرآن ، وعليه يحمل ما في الخبرين السابقين ...

وكذلك كلّ ما ورد من هذا القبيل عنهم عليهم‌السلام ، فإنّه كلّه محمول على ما قلناه ، لأنّه لو كان تطرّق التحريف والتغيير في ألفاظ القرآن لم يبق لنا اعتماد على شيء منه ، إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن تكون محرّفة ومغيّرة ، وتكون على خلاف ما أنزله الله ، فلا يكون القرآن حجّة لنا ، وتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتّباعه والوصية به ، وعرض الأخبار المتعارضة عليه».

ثم استشهد ـ رحمه‌الله تعالى ـ بكلام الشيخ الصدوق المتقدّم ، وبعض الأخبار (٢).

وقال بتفسير قوله تعالى : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) : «من التحريف والتغيير والزيادة والنقصان» (٣).

* ويقول الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي ـ المتوفّى سنة ١١٠٤ ـ ما

__________________

(١) الوافية في الاصول : ١٤٨.

(٢) الوافي ١ : ٢٧٣ ـ ٢٧٤.

(٣) الأصفى في تفسير القرآن : ٣٤٨.

٢٣

تعريبه : «إنّ من تتبّع الأخبار وتفحّص التواريخ والآثار علم ـ علما قطعيّا ـ بأنّ القرآن قد بلغ أعلى درجات التواتر ، وأنّ آلاف الصحابة كانوا يحفظونه ويتلونه ، وأنّه كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجموعا مؤلّفا» (١).

* وأورد الشيخ محمد باقر المجلسي ـ المتوفّى سنة ١١١١ ـ بعد أن أخرج الأحاديث الدالّة على نقصان القرآن كلاما للشيخ المفيد هذا نصه : «فإن قال قائل : كيف يصحّ القول بأنّ الذي بين الدفّتين هو كلام الله تعالى على الحقيقة من غير زيادة ولا نقصان وأنتم تروون عن الأئمة عليهم‌السلام أنّهم قرءوا : كنتم خير أئمّة اخرجت للناس ، وكذلك : جعلناكم أئمّة وسطا ، وقرءوا : ويسألونك الأنفال ، وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس؟.

قيل له : قد مضى الجواب عن هذا ، وهو : إنّ الأخبار التي جاءت بذلك أخبار آحاد لا يقطع على الله تعالى بصحّتها ، فلذلك وقفنا فيها ولم نعدل عمّا في المصحف الظاهر على ما امرنا به حسب ما بيّناه.

مع أنّه لا ينكر أن تأتي القراءة على وجهين منزلتين ، أحدهما ، ما تضمّنه المصحف ، والثاني : ما جاء به الخبر ، كما يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على وجوه شتى ...» (٢).

* وهو ظاهر كلام السيد علي بن معصوم المدني الشيرازي ـ المتوفّى سنة ١١١٨ ـ في «شرح الصحيفة السجادية» فليراجع (٣).

* وإليه ذهب السيد أبو القاسم جعفر الموسوي الخونساري ـ المتوفّى سنة

__________________

(١) انظر : الفصول المهمة في تأليف الامّة : ١٦٦.

(٢) بحار الأنوار ٨٩ : ٧٥.

(٣) رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد العابدين ، الروضة ٤٢.

٢٤

١١٥٧ ـ في كتاب (مناهج المعارف) فليراجع.

* وقال السيد محمد مهدي الطباطبائي ، الملقّب ببحر العلوم ـ المتوفّى سنة ١٢١٢ ـ ما نصّه : «الكتاب هو القرآن الكريم والفرقان العظيم والضياء والنور والمعجز الباقي على مرّ الدهور ، وهو الحقّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من لدن حكيم حميد ، أنزله بلسان عربيّ مبين هدى للمتقين وبيانا للعالمين ... ـ ثم ذكر روايتي : القرآن أربعة أرباع ، و : القرآن ثلاثة أثلاث ، الآتيتين ، وقال ـ والوجه حمل الأثلاث والأرباع على مطلق الأقسام والأنواع وإن اختلف في المقدار ...» (١).

* وقال الشيخ الأكبر الشيخ جعفر ، المعروف بكاشف الغطاء ـ المتوفّى سنة ١٢٢٨ ـ ما نصّه : «لا ريب في أنّ القرآن محفوظ من النقصان بحفظ الملك الدّيان ، كما دلّ عليه صريح الفرقان وإجماع العلماء في جميع الأزمان ، ولا عبرة بالنادر ، وما ورد من أخبار النقيصة تمنع البديهة من العمل بظاهرها ، ولا سيّما ما فيه نقص ثلث القرآن أو كثير منه ، فإنه لو كان كذلك لتواتر نقله ، لتوفّر الدواعي عليه ، ولاتّخذه غير أهل الإسلام من أعظم المطاعن على الإسلام وأهله ، ثم كيف يكون ذلك وكانوا شديدي المحافظة على ضبط آياته وحروفه؟ ... فلا بد من تأويلها بأحد وجوه» ... (٢).

* وقال السيد محسن الأعرجي الكاظمي ـ المتوفّى سنة ١٢٢٨ ـ ما ملخّصه :

«وإنّما الكلام في النقيصة ، وبالجملة ، فالخلاف إنّما يعرف صريحا من علي

__________________

(١) الفوائد في علم الاصول ، مبحث حجية الكتاب ـ مخطوط.

(٢) كشف الغطاء في الفقه ، كتاب القرآن ، ٢٩٩.

٢٥

ابن إبراهيم في تفسيره ، وتبعه على ذلك بعض المتأخرين تمسّكا بأخبار آحاد رواها المحدّثون على غرّها ، كما رووا أخبار الجبر والتفويض والسهو والبقاء على الجنابة ونحو ذلك».

ثمّ ذكر أنّ القوم إنّما ردّوا مصحف علي عليه‌السلام «لما اشتمل عليه من التأويل والتفسير ، وقد كان عادة منهم أن يكتبوا التأويل مع التنزيل ، والذي يدلّ على ذلك قوله عليه‌السلام في جواب الثاني : ولقد جئت بالكتاب كملا مشتملا على التأويل والتنزيل ، والمحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ. فإنّه صريح في أنّ الذي جاءهم به ليس تنزيلا كلّه» (١).

* وقال السيد محمد الطباطبائي ـ المتوفّى سنة ١٢٤٢ ـ ما ملخّصه : «لا خلاف أنّ كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواترا في أصله وأجزائه ، وأمّا في محلّه ووضعه وترتيبه ، فكذلك عند محقّقي أهل السنّة ، للقطع بأنّ العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله ، لأنّ هذا المعجز العظيم الذي هو أصل الدين القويم والصراط المستقيم ممّا توفّر الدواعي على نقل جمله وتفاصيله ، فما نقل آحادا ولم يتواتر يقطع بأنّه ليس من القرآن قطعا» (٢).

* وقال الشيخ إبراهيم الكلباسي الأصبهاني ـ المتوفّى سنة ١٢٦٢ : «... إنّ النقصان في الكتاب ممّا لا أصل له» (٣).

* وصرّح السيد محمد الشهشهاني ـ المتوفّى سنة ١٢٨٩ ـ بعدم تحريف القرآن الكريم في بحث القرآن من كتابه (العروة الوثقى) ، ونسب ذلك إلى جمهور

__________________

(١) شرح الوافية في علم الاصول ـ مخطوط.

(٢) مفاتيح الأصول ، مبحث حجية ظواهر الكتاب.

(٣) إشارات الاصول ، مبحث حجية ظواهر الكتاب.

٢٦

المجتهدين (١).

* وصرّح السيد حسين الكوه كمري ـ المتوفّى سنة ١٢٩٩ ـ بعدم تحريف القرآن ، واستدلّ على ذلك بامور نلخّصها فيما يلي :

١ ـ الأصل ، لكون التحريف حادثا مشكوكا فيه.

٢ ـ الإجماع.

٣ ـ منافاة التحريف لكون القرآن معجزة.

٤ ـ قوله تعالى : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ).

٥ ـ أخبار الثقلين.

٦ ـ الأخبار الناطقة بالأمر بالأخذ بهذا القرآن (٢).

* وإليه ذهب الشيخ موسى التبريزي ـ المتوفّى سنة ١٣٠٧ ـ في (شرح الرسائل في علم الاصول) واستدل له بوجوه ، ثم ذكر وجوها لتأويل ما دلّ بظاهره على الخلاف.

* وأثبت عدم التحريف بالأدلّة الوافية السيد محمد حسين الشهرستاني الحائري ـ المتوفّى سنة ١٣١٥ ـ في رسالة له اسمها (رسالة في حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف) (٣).

* وقال الشيخ محمد حسن الآشتياني ـ المتوفّى سنة ١٣١٩ ـ : «المشهور بين المجتهدين والاصوليّين ـ بل أكثر المحدّثين ـ عدم وقوع التغيير مطلقا ، بل ادّعى غير واحد الإجماع على ذلك» (٤).

__________________

(١) انظر : البيان في تفسير القرآن : ٢٠٠.

(٢) انظر : بشرى الوصول إلى أسرار علم الاصول ، مبحث حجية ظواهر الكتاب.

(٣) المعارف الجلية للسيد عبد الرضا الشهرستاني ١ : ٢١.

(٤) بحر الفوائد في حاشية الفرائد في الاصول ، مبحث حجية ظواهر الكتاب : ٩٩.

٢٧

* وإليه ذهب الشيخ محمد حسن بن عبد الله المامقاني النجفي المتوفّى سنة ١٣٢٣ ـ في كتابه (بشرى الوصول إلى أسرار علم الاصول).

* وقال الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد حسن المامقاني ـ المتوفّى سنة ١٣٥١ ـ بترجمة (الربيع بن خثيم) بعد كلام له : «فتحصّل من ذلك كلّه أنّ ما صدر من المحدّث النوري رحمه‌الله من رمي الرجل بضعف الإيمان ونقص العقل جرأة عظيمة كجرأته على الإصرار على تحريف كتاب الله المجيد ...» (١).

* وقال الشيخ محمد جواد البلاغي ـ المتوفّى سنة ١٣٥٢ ـ ما نصّه : «ولئن سمعت من الروايات الشاذّة شيئا في تحريف القرآن وضياع بعضه ، فلا تقم لتلك الروايات وزنا ، وقل ما يشاء العلم في اضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها للمسلمين ، وفيما جاءت به في رواياتها الواهية من الوهن وما ألصقته بكرامة القرآن مما ليس له شبه به ...» (٢).

فهذه طائفة من كلمات أعلام الإمامية ـ في القرون المختلفة ـ الصريحة في نفي التحريف عن القرآن الشريف ... وهو رأي آخرين منهم :

* كالشريف الرضي ـ المتوفّى سنة ٤٠٦.

* والشيخ ابن إدريس صاحب «السرائر في الفقه» ، المتوفّى سنة ٥٩٨.

* والفاضل الجواد ، من علماء القرن الحادي عشر ، في «شرح الزبدة في الاصول».

* والشيخ أبي الحسن الخنيزي ، صاحب «الدعوة الإسلامية» المتوفّى

__________________

(١) تنقيح المقال ١ : ٤٢٦.

(٢) آلاء الرحمن في تفسير القرآن : ١٨.

٢٨

سنة ١٣٦٣.

* والشيخ محمد النهاوندي ، صاحب التفسير ، المتوفّى ١٣٧١.

* والسيد محسن الأمين العاملي ، المتوفى سنة ١٣٧١ ، في كتابه «الشيعة والمنار».

* والشيخ عبد الحسين الرشتي النجفي ، المتوفّى سنة ١٣٧٣ ، في «كشف الاشتباه في مسائل جار الله».

* والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، المتوفى سنة ١٣٧٣ ، في «أصل الشيعة واصولها».

* والسيد محمّد الكوه كمري المعروف بالحجّة ، المتوفّى سنة ١٣٧٢ في فتوى له.

* والسيد عبد الحسين شرف الدين العاملي ، المتوفّى سنة ١٣٨١ ، في «أجوبة مسائل جار الله».

* والشيخ آغا بزرك الطهراني ، المتوفّى سنة ١٣٨٩ ، في رسالته «تفنيد قول العوام بقدم الكلام».

* وسيدنا الجدّ السيد محمد هادي الميلاني ، المتوفّى سنة ١٣٩٥ ، في فتوى له.

* والسيد محمد حسين الطباطبائي ، المتوفّى سنة ١٤٠٢ ، في تفسيره الشهير «الميزان في تفسير القرآن».

* والسيّد روح الله الموسوي الخميني ـ قائد الثورة الإسلاميّة ـ في بحثه الاصولي «تهذيب الاصول» في مبحث حجّية ظواهر القرآن.

* والسيد أبو القاسم الخوئي في كتابه «البيان في تفسير القرآن» حيث

٢٩

بحث عن هذا الموضوع من جميع جوانبه وشيّد أركانه.

* وسيدنا الاستاذ السيد محمد رضا الگلپايگاني في فتوى له.

* والسيد شهاب الدين النجفي المرعشي في فتوى له.

ولو أردنا أن ننقل كلمات هؤلاء الأعاظم من علماء الشيعة في هذا المضمار لطال بنا المقام ، فمثلا يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء :

«وإنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدّي ولتعليم الأحكام وتمييز الحلال من الحرام ، وإنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة ، وعلى هذا إجماعهم.

ومن ذهب منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى وجود نقص فيه أو تحريف فهو مخطئ يردّه نصّ الكتاب العظيم (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).

والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه ضعيفة شاذّة ، وأخبار آحاد لا تفيد علما ولا عملا ، فإمّا أن تؤوّل بنحو من الاعتبار أو يضرب بها الجدار» (١).

ويقول السيد شرف الدين : «المسألة الرابعة : نسب إلى الشيعة القول بتحريف القرآن بإسقاط كلمات وآيات ...

فأقول : نعوذ بالله من هذا القول ، ونبرأ إلى الله تعالى من هذا الجهل ، وكلّ من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا أو مفتر علينا ، فإنّ القرآن العظيم والذكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته تواترا قطعيا عن أئمّة الهدى من أهل البيت عليهم‌السلام لا يرتاب في ذلك إلّا

__________________

(١) أصل الشيعة واصولها ١٠١ ـ ١٠٢ ، ط ١٥.

٣٠

معتوه ، وأئمّة أهل البيت كلّهم أجمعون رفعوه إلى جدّهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الله تعالى ، وهذا أيضا ممّا لا ريب فيه.

وظواهر القرآن الحكيم فضلا عن نصوصه أبلغ حجج الله تعالى ، وأقوى أدلّة أهل الحق بحكم الضرورة الأوليّة من مذهب الإماميّة ، وصحاحهم في ذلك متواترة من طريق العترة الطاهرة ، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الصحاح ـ المخالفة للقرآن ـ عرض الجدار ولا يأبهون بها ، عملا بأوامر أئمّتهم عليهم‌السلام.

وكان القرآن مجموعا أيام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما هو عليه الآن من الترتيب والتنسيق في آياته وسوره وسائر كلماته وحروفه ، بلا زيادة ولا نقصان ، ولا تقديم ولا تأخير ، ولا تبديل ولا تغيير.

وصلاة الإماميّة بمجرّدها دليل على ذلك ، لأنّهم يوجبون بعد فاتحة الكتاب ـ في كلّ من الركعة الاولى والركعة الثانية من الفرائض الخمس ـ سورة واحدة تامّة غير الفاتحة من سائر السور ، ولا يجوز عندهم التبعيض فيها ولا القران بين سورتين على الأحوط ، وفقههم صريح بذلك ، فلو لا أنّ سور القرآن بأجمعها كانت زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما هي الآن عليه في الكيفية والكميّة ما تسنّى لهم هذا القول ، ولا أمكن أن يقوم لهم عليه دليل.

أجل ، إنّ القرآن عندنا كان مجموعا على عهد الوحي والنبوّة ، مؤلّفا على ما هو عليه الآن ، وقد عرضه الصحابة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتلوه عليه من أوّله إلى آخره ، وكان جبرائيل عليه‌السلام يعارضه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالقرآن في كل عام مرّة ، وقد عارضه به عام وفاته مرّتين ، وهذا كلّه من الامور

٣١

الضرورية لدى المحقّقين من علماء الإمامية ، ولا عبرة ببعض الجامدين منهم ، كما لا عبرة بالحشويّة من أهل السنّة القائلين بتحريف القرآن والعياذ بالله فإنّهم لا يفقهون.

نعم ، لا تخلو كتب الشيعة وكتب السنّة من أحاديث ظاهرة بنقص القرآن غير أنّها ممّا لا وزن لها عند الأعلام من علمائنا أجمع ، لضعف سندها ، ومعارضتها بما هو أقوى منها سندا ، وأكثر عددا ، وأوضح دلالة ، على أنّها من أخبار الآحاد ، وخبر الواحد إنّما يكون حجّة إذا اقتضى عملا ، وهذه لا تقتضي ذلك ، فلا يرجع بها عن المعلوم المقطوع به ، فليضرب بظواهرها عرض الحائط» (١).

وسئل السيد محمد هادي الميلاني عن رأيه في المسألة فأجاب بما معرّبه :

«بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله وسلام على عباده الّذين اصطفى ، إنّ الذي نقطع به هو عدم وقوع أيّ تحريف في القرآن الكريم ، لا زيادة ولا نقصانا ولا تغييرا في ألفاظه ، ولو جاء في بعض الأحاديث ما يفيد التحريف فإنّما المقصود من ذلك ما وقع من تغيير معاني القرآن حسب الآراء السقيمة والتأويلات الباطلة ، لا تغيير ألفاظه وعباراته.

وأمّا الروايات الدالّة على سقوط آيات أو سور من هذه المعجزة الخالدة فمجهولة أو ضعيفة للغاية ، بل إنّ تلك الآيات والسور المزعومة ـ كالسورتين اللتين رواهما في (الإتقان) أو تلك السورة التي رويت في (دبستان المذاهب) ، وكذا ما جاء في غيرهما من الكتب ـ هي وحدها تكشف عن حقيقتها ، إذ لا يشكّ الخبير بعد عرضها على اسلوب القرآن البلاغي في كونها مختلقة باطلة.

هذا ، على أنّ أحدا لم يقل بالزيادة ، والقول بنقصانه ـ كما توهّمه بعضهم ـ لا

__________________

(١) أجوبة مسائل جار الله : ٢٨ ـ ٣٧ ، وانظر له : الفصول المهمة.

٣٢

يمكن الركون إليه ، لا سيّما بعد الالتفات إلى قوله تعالى (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) وقوله تعالى (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) وقوله تعالى (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) إلى غيرها من الآيات.

وبهذا الذي ذكرنا صرّح كبار علماء الإمامية منذ الطبقات الاولى كالشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي والشيخ الطبرسي ، وهم جميعا يعتقدون بما صرّح به رئيس المحدّثين الشيخ الصدوق في كتاب (الاعتقادات) الذي ألّفه قبل أكثر من ألف سنة حيث قال : اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس بأكثر من ذلك ـ إلى أن قال ـ ومن نسب إلينا أنّا نقول أنّه أكثر من ذلك فهو كاذب.

والحاصل : إنّ من تأمّل في الأدلّة وراجع تأريخ اهتمام المسلمين في حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده بضبط القرآن وحفظه ودراسته يقطع بأنّ سقوط الكلمة الواحدة منه محال.

ولو أنّ أحدا وجد حديثا يفيد بظاهره التحريف وظنّ صحّته فقد أخطأ ، وإنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئا».

والسيد أبو القاسم الخوئي بعد أن ذكر أسماء بعض النافين للتحريف من أعلام الإماميّة قال : «والحقّ بعد هذا كلّه ، إنّ التحريف بالمعنى الذي وقع النزاع فيه غير واقع في القرآن أصلا بالأدلّة التالية ...» (١) ثمّ بيّن أدلّة النفي من الكتاب والسنّة وغيرهما.

وللسيد محمد حسين الطباطبائي بحث في «أنّ القرآن مصون عن

__________________

(١) البيان في تفسير القرآن : ٢٠٧.

٣٣

التحريف» في فصول ، أورده في تفسيره القيّم ، في ذيل تفسير قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(١).

__________________

(١) الميزان في تفسير القرآن ١٢ : ١٠٦.

٣٤

الفصل الثاني

أدلّة الشيعة على نفي التحريف

٣٥
٣٦

ذكرنا في الفصل الأول كلمات لأعلام الإمامية في نفي التحريف عن القرآن الكريم ، وقد جاء في بعض تلك الكلمات ـ التي ذكرناها على سبيل التمثيل لا الاستقراء والحصر ـ الاستدلال بوجوه عديدة على ما ذهبوا إليه.

والواقع أنّ الأدلّة الدالّة على عدم وجود النقص في القرآن الكريم هي من القوّة والمتانة ، بحيث يسقط معها ما دلّ على التحريف بظاهره عن الاعتبار لو كان معتبرا ، ومهما بلغ في الكثرة ، ويبطل القول بذلك حتى لو ذهب إليه أكثر العلماء.

وقد عقدنا هذا الفصل لإيراد تلك الأدلة بإيجاز.

(١)

آيات من القرآن الكريم

والقرآن الكريم فيه تبيان لكل شيء ، وما كان كذلك كان تبيانا لنفسه أيضا ، فلنرجع إليه لنرى هل فيه دلالة على نقصانه أو بالعكس.

أجل ، إنّ في القرآن الحكيم آيات تدل بوضوح على صيانته من كلّ تحريف ، وحفظه من كلّ تلاعب ، فهو ينفي كل أشكال التصرّف فيه ، ويعلن أنّه لا يصيبه ما يشينه ويحط من كرامته حتى الأبد.

وتلك الآيات هي :

٣٧

١ ـ قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا. أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)(١).

وإذا كان القرآن العظيم لا يأتيه «الباطل» من بين يديه ولا من خلفه ، فإن من أظهر مصاديق «الباطل» هو «وقوع النقصان فيه».

فهو إذا مصون من قبل الله تعالى عن ذلك منذ نزوله إلى يوم القيامة.

٢ ـ قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(٢).

والمراد من «الذكر» في هذه الآية الكريمة على الأصح هو «القرآن العظيم» فالله سبحانه أنزله على نبيّه الكريم ، وتعهّد بحفظه ، منذ نزوله إلى الأبد ، من كلّ ما يتنافى وكونه منهاجا خالدا في الحياة ودستورا عاما للبشرية جمعاء.

ومن الواضح أنّ من أهمّ ما يتنافى وشأن القرآن العظيم وقدسيّته الفذة وقوع التحريف فيه وضياع شيء منه على الناس ، ونقصانه عما أنزله عزوجل على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٣ ـ قوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ)(٣).

فعن ابن عباس وغيره في قوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) إنّ المعنى : إنّ علينا جمعه وقرآنه عليك حتى تحفظه ويمكنك تلاوته ، فلا تخف فوت

__________________

(١) سورة حم السجدة (فصلت) ٤١ : ٤٠ ـ ٤١.

(٢) سورة الحجر ١٥ : ٩.

(٣) سورة القيامة ٧٥ : ١٦ ـ ١٩.

٣٨

شيء منه (١).

(٢)

الأحاديث عن النبي والأئمّة عليهم‌السلام

والمصدر الثاني من مصادر الأحكام والعقائد الإسلامية هو السنّة النبوية الشريفة الواصلة إلينا بالطرق والأسانيد الصحيحة.

ولذا كان على المسلمين أن يبحثوا في السنّة عما لم يكن في الكتاب ، وأن يأخذوا منها تفسير ما أبهمه ، وبيان ما أجمله ، فيسيروا على منهاجها ، ويعملوا على وفقها ، عملا بقوله سبحانه : (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ* وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(٢). وقوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى)(٣).

وعلى هذا ، فإنّا لما راجعنا السنّة وجدنا الأحاديث المتكثرة الدالّة بأقسامها العديدة على أنّ القرآن الكريم الموجود بين أيدينا هو ما انزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير زيادة ونقصان ، وأنه كان محفوظا على عهده ، صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبقي كذلك حتى الآن ، وأنّه سيبقى على ما هو عليه إلى الأبد.

وهذه الأحاديث على أقسام وهي :

__________________

(١) مجمع البيان ٥ : ٣٩٧.

(٢) سورة الحشر ٥٩ : ٧.

(٣) سورة النجم ٥٣ : ٣.

٣٩

القسم الأول

أحاديث العرض على الكتاب

لقد جاءت الأحاديث الصحيحة تنصّ على وجوب عرض الخبرين المتعارضين ، بل مطلق الأحاديث على القرآن الكريم ، فما وافق القرآن اخذ به وما خالفه اعرض عنه ، فلو لا أنّ سور القرآن وآياته مصونة من التحريف ومحفوظة من النقصان ما كانت هذه القاعدة التي قرّرها الأئمّة من أهل البيت الطاهرين ، آخذين إياها من جدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا أمكن الركون إليها والوثوق بها.

ومن تلك الأحاديث :

قول الإمام الصادق عليه‌السلام : «خطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنى فقال : أيها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله» (١).

وقول الإمام الرضا عليه‌السلام : «... فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله ، فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما فاتّبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فأعرضوه على سنن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ...» (٢).

وقول الإمام الصادق عن أبيه عن جده علي عليهم‌السلام : «إنّ على كلّ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٧٩ عن الكافي.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٠.

٤٠