التّحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشّريف

السيّد علي الحسيني الميلاني

التّحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشّريف

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٠٠

أحاديث جمع القرآن بين الردّ والتأويل

وأمّا الأحاديث التي رووها حول جمع القرآن ، المتضاربة فيما بينها ، والتي اعترف بعضهم كمحمد أبو زهرة بوجود روايات مدسوسة مكذوبة فيها (١) فقد يمكن الجمع بينها ، ثمّ رفع التنافي بينها وبين أدلّة عدم التحريف والبناء على أنّ القرآن مجموع في عصر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وبأمر منه ... وإليك بيان ذلك بالتفصيل :

مراحل الجمع

لقد تضاربت روايات أهل السنّة حول جمع القرآن ، وعلى ضوئها اختلفت كلمات علمائهم ... والمتحصّل من جميعها : أنّ الجمع للقرآن كان على مراحل ثلاث ؛ الاولى : على عهد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ حيث كتب في الرقاع والعسب ... والثانية : على عهد أبي بكر ، وكان بانتساخه من العسب والرقاع وغيرها وجعله في مكان واحد ... والثالثة : على عهد عثمان ، والذي فعله ترتيبه وحمل الناس على قراءة واحدة ... هذا ما كادت تجمع عليه كلماتهم.

والجمع في عهد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كان «حفظا» و «كتابة» معا ، أمّا حفظا فإنّ الّذين جمعوا القرآن في عهد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كثيرون (٢). وأمّا كتابة فإنّ القرآن لم يكن كاملا في الكتابة على عهده عند الّذين

__________________

(١) المعجزة الكبرى : ٣٣.

(٢) مباحث في علوم القرآن : ٦٥.

٢٤١

حفظوه كاملا ، لكن كانت كتابته كاملة عند الجميع ، فهو مكتوب كلّه عند جميعهم ، وما ينقص من عند واحد يكمله ما عند الآخر ، إلّا إنّه كان متواترا كلّه عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في عصره حفظا (١).

فعمد أبو بكر إلى جمعه ، إذ أمر ـ بعد يوم اليمامة ـ بجمع تلك الكتابات وجمع القرآن منها بتأليفه وتدوينه (٢).

ثمّ لمّا كثرت فيه القراءات ووقعت في لفظه الاختلافات جمع عثمان المصاحف من أصحابها ، وحمل الناس على قراءة واحدة من بينها ، وأعدم سائر المصاحف المخالفة لها.

دفع الشبهات

لكنّ استخلاص هذه النتائج من تلك الأحاديث ، ودفع الشبهات التي تلحق بالقرآن ، يتوقف على النظر في ما ورد في هذا الباب سندا ومتنا ، والجمع بينها بحمل بعضها على البعض بقدر الإمكان ، وهذا أمر لا بدّ منه ... فنقول :

أوّلا : لقد وردت عن بعض الصحابة أحاديث فيها حصر من جمع القرآن على عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في عدد معيّن ، اتّفق عبد الله بن عمرو وأنس بن مالك على أنّهم «أربعة» على اختلاف بينهم في بعض أشخاصهم ...

فعن عبد الله بن عمرو أنّهم : عبد الله بن مسعود ، سالم ، معاذ بن جبل ، ابيّ

__________________

(١) المعجزة الكبرى : ٢٨.

(٢) الاتقان ١ / ٦٢ ، مناهل العرفان ١ : ٢٤٢ ، إعجاز القرآن : ٢٣٦.

٢٤٢

ابن كعب (١).

وعن أنس بن مالك ـ في حديث عن قتادة عنه ـ هم : ابيّ بن كعب ، معاذ ابن جبل ، زيد بن ثابت ، أبو زيد. قال : من أبو زيد؟ قال : أحد عمومتي (٢).

وفي آخر ـ عن ثابت عنه ـ قال : «مات النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد».

فأيّ توجيه صحيح لحصر جمّاع القرآن في أربعة؟ وكيف الجمع بين ما روي عن الصحابيّين ، ثمّ بين الحديثين عن أنس؟

قال السيوطي : «قد استنكر جماعة من الأئمّة الحصر في الأربعة ، وقال المازري : لا يلزم من قول أنس «لم يجمعه غيرهم» أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك ... قال : وقد تمسّك بقول أنس هذا جماعة من الملاحدة ولا مستمسك لهم فيه ، فإنّا لا نسلّم حمله على ظاهره» ثمّ ذكر السيوطي كلاما للقرطبي ونقل عن الباقلاني وجوها من الجواب عن حديث أنس ثمّ قال : «قال ابن حجر : وفي غالب هذه الاحتمالات تكلّف» (٣).

ثانيا : قد اختلفت أحاديثهم في «أوّل من جمع القرآن» ففي بعضها أنّه «أبو بكر» وفي آخر «عمر» وفي ثالث «سالم مولى أبي حذيفة» وفي رابع «عثمان».

وطريق الجمع بينها أن يقال : إنّ أبا بكر أول من جمع القرآن أي دوّنه تدوينا ، وأنّ المراد من : «فكان [عمر] أول من جمعه في المصحف» أي : أشار

__________________

(١) صحيح البخاري ٦ : ١٠٢ ، صحيح مسلم ٧ : ١٤٩.

(٢) صحيح البخاري ٦ : ١٠٢. واختلف في اسم أبي زيد هذا. انظر الاتقان ١ : ٧٤.

(٣) الاتقان ١ / ٢٤٤ ـ ٢٤٧.

٢٤٣

على أبي بكر أن يجمعه ، وأنّ المراد فيما ورد في «سالم» : أنّه من الجامعين للقرآن بأمر أبي بكر ، وأمّا «عثمان» فجمع الناس على قراءة واحدة.

ثالثا : في بيان الأحاديث الواردة في كيفية الجمع وخصوصيّاته في كلّ مرحلة. أمّا في المرحلة الاولى ، فقد رووا عن زيد قوله : «كنّا على عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ولم يكن القرآن جمع في شيء» (١) وأنّه قال لأبي بكر لمّا أمره بجمع القرآن : «كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله؟!» (٢).

إلّا أنّه يمكن الجمع بين هذه الأخبار بحمل النافية على عدم تأليف القرآن وجمعه بصورة كاملة في مكان واحد ، بل كان كتابته كاملة عند الجميع ...

وهكذا تندفع الشبهة الاولى.

وأمّا في المرحلة الثانية : فإنّه وإن كان أمر أبي بكر بجمع القرآن وتدوينه بعد حرب اليمامة ، لكنّ الواقع كثرة من بقي بعدها من حفّاظ القرآن وقرّائه ، مضافا إلى وجود القرآن مكتوبا على عهد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ... فلا تطرق الشبهة من هذه الناحية في تواتره. وأمّا الحديث : «إنّ عمر سأل عن آية من كتاب الله كانت مع فلان قتل يوم اليمامة ...» فإسناده منقطع (٣).

فالشبهة الثانية مندفعة كذلك.

وأمّا جمع القرآن من العسب واللخاف وصدور الرجال ـ كما عن زيد ـ فإنّه لم يكن لأنّ القرآن كان معدوما ، وإنّما كان قصدهم أن ينقلوا من عين المكتوب بين يدي النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ولم يكتبوا من حفظهم. وأمّا قوله :

__________________

(١) المستدرك ٢ : ٦٦٢.

(٢) الاتقان ١ : ٢٠٢.

(٣) الاتقان ١ : ٥٩.

٢٤٤

وصدور الرجال : فإنّه كتب الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن ، فكان يتتبّعها من صدور الرجال ليحيط بها علما (١).

وأمّا قول أبي بكر لعمر وزيد : «اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه» فقد قال الشيخ أبو الحسن السخاوي في (جمال القراء) : معنى هذا الحديث ـ والله أعلم ـ من جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله الذي كتب بين يدي رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وإلّا فقد كان زيد جامعا للقرآن. ويجوز أن يكون معناه : من جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله تعالى. أي : من الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن ولم يزد على شيء ممّا لم يقرأ أصلا ولم يعلم بوجه آخر (٢).

وأمّا معنى قوله في الآية التي وجدها عند خزيمة ، فقال ابن شامة : «ومعنى قوله : فقدت آية كذا فوجدتها مع فلان ؛ أنّه كان يتطلّب نسخ القرآن من غير ما كتب بأمر النبي ، فلم يجد كتابة تلك الآية إلّا مع ذلك الشخص ، وإلّا فالآية كانت محفوظة عنده وعند غيره. وهذا المعنى أولى ممّا ذكره مكّي وغيره (٣) : إنّهم كانوا يحفظون الآية لكنّهم نسوها ، فوجدوها في حفظ ذلك الرجل فتذاكروها وأثبتوها ، لسماعهم إيّاها من النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ» (٤).

وأمّا أنّ عمر أتي بآية الرجم فلم يكتبها لأنّه كان وحده ، فهي رواية مخالفة للمعقول والمنقول (٥) وإن أمكن تأويلها ببعض الوجوه.

__________________

(١) المرشد الوجيز : ٥٧.

(٢) المرشد الوجيز : ٧٥.

(٣) كالزركشي في البرهان ١ : ٢٣٤.

(٤) المرشد الوجيز : ٧٥.

(٥) الجواب المنيف في الردّ على مدّعي التحريف : ١٢١.

٢٤٥

وهكذا تندفع الشبهة الثالثة.

وأمّا في المرحلة الثالثة : فإن عثمان ـ عند ما اختلف المسلمون في القراءة ـ أرسل إلى حفصة يطلب منها ما جمع بأمر أبي بكر قائلا : «أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثمّ نردّها عليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان ، فأمر زيد ابن ثابت و... فنسخوها في المصاحف ...» (١).

هذا هو الواقع في هذه المرحلة ، وما خالفه يطرح أو يؤوّل كالحديث الذي روي : أنّه كان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان. أوّله ابن حجر على أنّ المراد من «الشاهدين» هو «الحفظ والكتابة» ، وناقش البيهقي في سنده وتبعه ابن شامة وصبحي الصالح (٢) ، قال ابن شامة بعد أن رواه : «وأخرج هذا الحديث الحافظ البيهقي في كتاب المدخل بمخالفة لهذا في بعض الألفاظ وبزيادة ونقصان فقال : جلس عثمان على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : إنّما عهدكم بنبيّكم ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ منذ ثلاث عشرة سنة ، وأنتم تختلفون في القراءة ، يقول الرجل لصاحبه : والله ما تقيم قراءتك. قال : فعزم على كل من كان عنده شيء من القرآن إلّا جاء به ، فجاء الناس بما عندهم ، فجعل يسألهم عليه البيّنة أنّهم سمعوه من رسول الله. ثمّ قال : من أعرب الناس؟ قالوا : سعيد بن العاص ، قال : فمن أكتب الناس؟ قالوا : زيد بن ثابت كاتب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، قال : فليمل سعيد وليكتب زيد قال : فكتب مصاحف ففرّقها في الأجناد ، فلقد سمعت رجالا من أصحاب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ يقولون : لقد أحسن.

قال البيهقي : فيه انقطاع بين مصعب وعثمان. وقد روينا عن زيد بن ثابت

__________________

(١) صحيح البخاري ٦ : ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

(٢) مباحث في علوم القرآن : ٧٦.

٢٤٦

أنّ التأليف كان في زمن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وروينا عنه أنّ الجمع في الصحف كان في زمن أبي بكر والنسخ في المصاحف كان في زمن عثمان ، وكان ما يجمعون أو ينسخون معلوما لهم ، فلم يكن به حاجة إلى مسألة البيّنة.

قلت : لم تكن البيّنة على أصل القرآن ، فقد كان معلوما كما ذكروا ، إنّما كانت على ما أحضروه من الرقاع المكتوبة ، فطلب البيّنة عليها أنّها كانت كتبت بين يدي رسول الله ، وبإذنه على ما سمع من لفظه على ما سبق بيانه ، ولهذا قال : فليمل سعيد. يعني من الرقاع التي احضرت ، ولو كانوا كتبوا من حفظهم لم يحتج زيد فيما كتبه إلى من يمليه عليه.

فإن قلت : كان قد جمع من الرقاع في أيّام أبي بكر ، فأيّ حاجة إلى استحضارها في أيّام عثمان؟

قلت : يأتي جواب هذا في آخر الباب» (١).

قال أبو شامة : «وأمّا ما روي من أنّ عثمان جمع القرآن أيضا من الرقاع كما فعل أبو بكر فرواية لم تثبت ، ولم يكن له إلى ذلك حاجة وقد كفيه بغيره ... ويمكن أن يقال : إنّ عثمان طلب إحضار الرقاع ممّن هي عنده وجمع منها وعارض بما جمعه أبو بكر أو نسخ ممّا جمعه أبو بكر ، وعارض بتلك الرقاع أو جمع بين النظر في الجميع حالة النسخ ، ففعل كل ذلك أو بعضه استظهارا ودفعا لو هم من يتوهّم خلاف الصواب ، وسدّا لباب القالة : إنّ الصحف غيّرت أو زيد فيها أو نقص» (٢).

وأمّا ما رووا عن ابن مسعود من الطعن في زيد بن ثابت فكلّه موضوع (٣).

__________________

(١) المرشد الوجيز : ٥٨ ـ ٥٩.

(٢) المرشد الوجيز : ٧٥.

(٣) مباحث في علوم القرآن : ٨٢.

٢٤٧

وإنّ عمل زيد لم يكن كتابة مبتدأة ولكنّه إعادة لمكتوب ، فقد كتب في عصر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ، وإنّ عمله لم يكن عملا آحاديا بل كان عملا جماعيا (١).

وأمّا المصاحف التي أمر بتحريقها ـ قال بعضهم ـ : «فإنّها ـ والله أعلم ـ كانت على هذا النظم أيضا ، إلّا أنّها كانت مختلفة الحروف على حسب ما كان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ سوّغ لهم في القراءة بالوجوه إذا اتّفقت في المعنى ـ وإن اختلفت في اللفظ ـ» (٢).

قال : «ويشهد بذلك ما روي عن محمد بن كعب القرظي ، قال : رأيت مصاحف ثلاثة : مصحفا فيه قراءة ابن مسعود ، ومصحفا فيه قراءة ابيّ ، ومصحفا فيه قراءة زيد. فلم أجد في كلّ منها ما يخالف بعضها بعضا» (٣).

وهكذا تندفع الشبهة الرابعة.

ردّ أحاديث نقصان القرآن :

وأمّا أحاديث نقصان القرآن فالمعروف بينهم حملها على نسخ التلاوة ، لئلا يلزم ضياع شيء من القرآن ، ولا الطعن فيما أخرجه الشيخان وما رواه الأئمّة الأعيان ، وقد ذكروا لها أيضا وجوها من التأويل سنذكرها.

ولكن ـ مع ذلك ـ نجد فيهم من يطعن في بعض تلك الأحاديث ، فعن ابن الأنباري في : «ابن آدم لو اعطي واديا» ، ورواية عكرمة : «قرأ عليّ عاصم

__________________

(١) المعجزة الكبرى : ٣٣.

(٢) مقدّمتان في علوم القرآن : ٤٥.

(٣) مقدّمتان في علوم القرآن : ٤٧.

٢٤٨

(لَمْ يَكُنْ) ثلاثين آية هذا فيها» :

«إنّ هذا باطل عند أهل العلم ، لأنّ قراءتي ابن كثير وأبي عمرو متّصلتان بأبيّ بن كعب لا يفرقان فيهما هذا المذكور في : لم يكن» (١).

وقال بعضهم في «آية الحميّة» : «روي عن عطيّة بن قيس ، عن أبي إدريس الخولاني : إنّ أبا الدرداء ركب إلى المدينة في نفر من أهل دمشق ومعهم المصحف ليعرضوه على ابيّ بن كعب وزيد وغيرهما ، فغدوا على عمر ، فلمّا قرءوا بهذه الآية : إذ جعل الّذين كفروا في قلوبهم الحميّة ... قال عمر : ما هذه القراءة؟ فقالوا : أقرأنا ابيّ ... ، فهذه وما يشبهها أحاديث لم تشتهر بين نقلة الحديث ، وإنّما يرغب فيها من يكتبها طلبا للغريب» (٢).

وقال فيما ورد عن زرّ عن ابيّ بن كعب في عدد سورة الأحزاب (٣) : «يحمل ـ إن صحّ ، لأنّ أهل النقل ضعّفوا سنده ـ على أنّ تفسيرها ...» (٤).

وقال الطحاوي في «آية الرضاع» : «هذا ممّا لا نعلم أحدا رواه كما ذكرنا غير عبد الله بن أبي بكر ، وهو عندنا وهم منه ، أعني ما فيه ممّا حكاه عن عائشة أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ توفي وهنّ ممّا يقرأ من القرآن. لأنّ ذلك لو كان كذلك لكان كسائر القرآن ، ولجاز أن يقرأ به في الصلوات ، وحاشا لله أن يكون كذلك ، أو يكون قد بقي من القرآن ما ليس في المصاحف التي قامت بها الحجّة علينا ... ونعوذ بالله من هذا القول ممّن يقوله.

ولكن حقيقة هذا الحديث عندنا ـ والله أعلم ـ ما قد رواه من أهل العلم

__________________

(١) مقدّمتان في علوم القرآن : ٨٥.

(٢) مقدّمتان في علوم القرآن : ٩٢.

(٣) في لفظ رواية كتاب «مقدّمتان في علوم القرآن» : «الأعراف».

(٤) مقدّمتان في علوم القرآن : ٨٢.

٢٤٩

عن عمرة من مقداره في العلم وضبطه له فوق مقدار عبد الله بن أبي بكر وهو القاسم بن محمد بن أبي بكر ... فهذا الحديث أولى من الحديث الذي ذكرناه قبله ... لأنّ محالا أن يكون عائشة تعلم أن قد بقي من القرآن شيء لم يكتب في المصاحف ، ولا تنبّه على ذلك من أغفله ...

وممّا يدلّ على فساد ما قد زاده عبد الله بن أبي بكر على القاسم بن محمد ويحيى بن سعيد في هذا الحديث : أنّا لا نعلم أحدا من أئمّة أهل العلم روى هذا الحديث مع عبد الله بن أبي بكر غير مالك بن أنس. ثمّ تركه مالك فلم يقل به وقال بضدّه ، وذهب إلى أنّ قليل الرضاع وكثيره يحرّم. ولو كان ما في هذا الحديث صحيحا أنّ ذلك في كتاب الله لكان ممّا لا يخالفه ولا يقول بغيره» (١).

وقال النحّاس بعد ذكر حديث آية الرضاع : «فتنازع العلماء هذا الحديث لما فيه من الإشكال ، فمنهم من تركه وهو مالك بن أنس وهو راوي الحديث ... وممّن تركه أحمد بن حنبل وأبو ثور ...

وفي الحديث لفظة شديدة الإشكال ، وهو قولها : فتوفي رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ، وهنّ ممّا يقرأ في القرآن. فقال بعض أجلّة أصحاب الحديث : قد روى هذا الحديث رجلان جليلان أثبت من عبد الله بن أبي بكر ، فلم يذكرا أنّ هذا فيها ، وهما : القاسم بن محمد بن أبي بكر ، ويحيى بن سعيد الأنصاري. وممّن قال بهذا الحديث وأنّه لا يحرم إلّا بخمس رضعات : الشافعي.

وأمّا القول في تأويل «وهنّ ممّا يقرأ في القرآن» فقد ذكرنا ردّ من ردّه ، ومن صحّحه قال : الذي يقرأ من القرآن : (وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ).

وأمّا قول من قال : إنّ هذا كان يقرأ بعد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ

__________________

(١) مشكل الآثار ٣ : ٧ ـ ٨.

٢٥٠

فعظيم ، لأنّه لو كان ممّا يقرأ لكانت عائشة قد نبّهت عليه ، ولكان قد نقل إلينا في المصاحف التي نقلها الجماعة الّذين لا يجوز عليهم الغلط. وقد قال الله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) وقال : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ...) ولو كان بقي منه شيء لم ينقل إلينا لجاز أن يكون ممّا لم ينقل ناسخا لما نقل ، فيبطل العمل بما نقل ، ونعوذ بالله من هذا فإنّه كفر» (١).

وقال السرخسي : «والدليل على بطلان هذا القول قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) ... وبه يتبيّن أنّه لا يجوز نسخ شيء منه بعد وفاته ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وما ينقل من أخبار الآحاد شاذّ لا يكاد يصحّ شيء منها ، وحديث عائشة لا يكاد يصحّ» (٢).

وقال الزركشي في الكلام على آية الرضاع : «وحكى القاضي أبو بكر في الانتصار عن قوم إنكار هذا القسم ، لأنّ الأخبار فيه أخبار آحاد ، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجّيّة فيها» (٣).

وقال صاحب المنار : «وروي عنها أيضا أنّها قالت : كان فيما نزل من القرآن : (عشر رضعات معلومات يحرمن) ثمّ نسخن ب (خمس رضعات معلومات يحرمن) فتوفي النبي وهي فيما يقرأ من القرآن. وقد اختلف علماء السلف والخلف في هذه المسألة ... ورواية الخمس هي المعتمدة عن عائشة وعليها العمل عندها ... قال الذاهبون إلى الإطلاق أو إلى التحريم بالثلاث فما فوقها : إنّ عائشة نقلت آية الخمس نقل قرآن لا نقل حديث ، فهي لم تثبت قرآنا لأنّ القرآن

__________________

(١) الناسخ والمنسوخ : ١٠ ـ ١١.

(٢) الاصول ٢ : ٧٨.

(٣) البرهان في علوم القرآن ٢ : ٣٩ ـ ٤٠.

٢٥١

لا يثبت إلّا بالتواتر ، ولم تثبت سنّة فتجعلها بيانا للقرآن ، ولا بدّ من القول بنسخها لئلّا يلزم ضياع شيء من القرآن ، وقد تكفّل الله بحفظه وانعقد الإجماع على عدم ضياع شيء منه ، والأصل أن ينسخ المدلول بنسخ الدالّ لا أن يثبت خلافه. وعمل عائشة به ليس حجّة على إثباته ، وظاهر الرواية عنها أنّها لا تقول بنسخ تلاوته فيكون من هذا الباب.

ويزاد على ذلك أنّه لو صحّ أنّ ذلك كان قرآنا يتلى لما بقي علمه خاصّا بعائشة ، بل كانت الروايات تكثر فيه ويعمل به جماهير الناس ويحكم به الخلفاء الراشدون ، وكل ذلك لم يكن ، بل المرويّ عن رابع الخلفاء وأول الأئمّة الأصفياء القول بالإطلاق كما تقدّم ، وإذا كان ابن مسعود قد قال بالخمس فلا يبعد أنّه أخذ ذلك عنها ، وأمّا عبد الله بن الزبير فلا شك في أنّ قوله بذلك اتّباع لها ، لأنّها خالته ومعلّمته ، واتّباعه لها لا يزيد قولها قوّة ولا يجعله حجّة.

ثمّ إنّ الرواية عنها في ذلك مضطربة ، فاللفظ الذي أوردناه في أول السياق رواه عنها مسلم وكذا أبو داود والنسائي ، وفي رواية لمسلم : نزل في القرآن عشر رضعات معلومات ثمّ نزل أيضا خمس معلومات. وفي رواية الترمذي : نزل في القرآن عشر رضعات معلومات فنسخ من ذلك خمس رضعات إلى خمس رضعات معلومات ، فتوفي رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ والأمر على ذلك. وفي رواية ابن ماجة : كان فيما أنزل الله ـ عزوجل ـ من القرآن ثمّ سقط : لا يحرّم إلّا عشر رضعات أو خمس رضعات.

فهي لم تبيّن في شيء من هذه الروايات لفظ القرآن ولا السورة التي كان فيها ، إلّا أن يراد برواية ابن ماجة أنّ ذلك لفظ القرآن ...

ـ ثمّ قال بعد إيراد تأويل قاله «الجامدون على الروايات من غير

٢٥٢

تمحيص» كما وصفهم ـ :

إنّ ردّ هذه الرواية عن عائشة لأهون من قبولها مع عدم عمل جمهور من السلف والخلف بها كما علمت. فإن لم نعتمد روايتها فلنا اسوة بمثل البخاري وبمن قالوا باضطرابها ، خلافا للنووي ، وإن لم نعتمد معناها فلنا اسوة بمن ذكرنا من الصحابة والتابعين ومن تبعهم في ذلك كالحنفية. وهي عند مسلم من رواية عمرة عن عائشة. أو ليس ردّ رواية عمرة وعدم الثقة بها أولى من القول بنزول شيء من القرآن لا تظهر له حكمة ولا فائدة ، ثمّ نسخه أو سقوطه أو ضياعه ، فإنّ عمرة زعمت أنّ عائشة كانت ترى أنّ الخمس لم تنسخ؟! وإذا لا نعتدّ بروايتها» (١).

وأبطل صاحب الفرقان الأحاديث الواردة في «الرضاع» و «الرجم» و «لو كان لابن آدم ...» ونصّ على «دسّ الأباطيل في الصحاح» (٢).

وقال بعض المعاصرين : «نحن نستبعد صدور مثل هذه الآثار بالرغم من ورودها في الكتب الصحاح ... وفي بعض هذه الروايات جاءت العبارات التي لا تتّفق ومكانة عمر ولا عائشة ، ممّا يجعلنا نطمئنّ إلى اختلاقها ودسّها على المسلمين» (٣).

وقال آخر في خبر ابن أشتة في المصاحف : إنّ عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها زيد لأنّه كان وحده : «هذه الرواية مخالفة للمعقول والمنقول» (٤).

وتنازع العلماء حديث إنكار ابن مسعود الفاتحة والمعوّذتين ، ففي (الإتقان) عن الفخر الرازي : «نقل في بعض الكتب القديمة أنّ ابن مسعود كان ينكر كون

__________________

(١) المنار ٤ : ٤٧١ ـ ٤٧٤.

(٢) الفرقان : ١٥٧.

(٣) النسخ في القرآن ١ : ٢٨٣.

(٤) الجواب المنيف في الردّ على مدّعي التحريف : ١٢١.

٢٥٣

سورة الفاتحة والمعوّذتين من القرآن. وهو في غاية الصعوبة ، لأنّا إن قلنا : إنّ النقل المتواتر كان حاصلا في عصر الصحابة يكون ذلك من القرآن ، فإنكاره يوجب الكفر ، وإن قلنا : لم يكن حاصلا في ذلك الزمان فيلزم أنّ القرآن ليس بمتواتر في الأصل. قال : والأغلب على الظنّ أنّ نقل هذا المذهب عن ابن مسعود نقل باطل ، وبه يحصل الخلاص عن هذه العقدة».

قال السيوطي : «وكذا قال القاضي أبو بكر : لم يصحّ عنه أنّها ليست من القرآن ولا حفظ عنه ، وإنّما حكّها وأسقطها من مصحفه إنكارا لكتابتها لا جحدا لكونها قرآنا ...

وقال النووي في شرح المهذّب : أجمع المسلمون على أنّ المعوّذتين والفاتحة من القرآن ، وأنّ من جحد منها شيئا كفر. وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح.

وقال ابن حزم في المحلّى : هذا كذب على ابن مسعود وموضوع ، وإنّما صحّ عنه قراءة عاصم ، عن زرّ ، عنه ؛ وفيها المعوّذتان والفاتحة».

قال السيوطي : «وقال ابن حجر في شرح البخاري : قد صحّ عن ابن مسعود إنكار ذلك ، فأخرج أحمد وابن حبّان عنه : أنّه كان لا يكتب المعوّذتين في مصحفه. وأخرج عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي ، قال : كان عبد الله بن مسعود يحكّ المعوّذتين من مصحفه ويقول : إنّهما ليستا من كتاب الله.

وأخرج البزّار والطبراني من وجه آخر عنه أنّه : كان يحكّ المعوّذتين من المصحف ويقول : إنّما أمر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أن يتعوّذ بهما وكان لا يقرأ بهما. أسانيده صحيحة. قال البزّار : لم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من

٢٥٤

الصحابة ، وقد صحّ أنّه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قرأ بهما في الصلاة.

قال ابن حجر : فقول من قال : إنّه كذب عليه مردود ، والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل ، بل الروايات صحيحة والتأويل محتمل» (١).

أقول : لكن لم نر من ابن حجر تأويلا لهذه الأحاديث ، فهو إحالة إلى غيره كما فعل بالنسبة إلى الأحاديث السابقة!!

تأويل أحاديث نقصان القرآن

قال السيوطي : «وقد أوّله القاضي وغيره على إنكار الكتابة كما سبق. وهو تأويل حسن ، إلّا إنّ الرواية الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك ، حيث جاء فيها : ويقول : إنّهما ليستا من كتاب الله».

قال : ويمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف فيتمّ التأويل المذكور.

لكن من تأمّل سياق الطرق المذكورة استبعد هذا الجمع.

وقد أجاب ابن الصبّاغ بأنّه لم يستقرّ عنده القطع بذلك ثمّ حصل الاتّفاق بعد ذلك ، وحاصله : أنّهما كانتا متواترتين في عصره لكنّهما لم يتواترا عنده.

وقال ابن قتيبة في «مشكل القرآن» : «ظنّ ابن مسعود أنّ المعوّذتين ليستا من القرآن ، لأنّه رأى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يعوّذ بهما الحسن والحسين ، فأقام على ظنّه ، ولا نقول : إنّه أصاب في ذلك وأخطأ المهاجرون والأنصار».

قال السيوطي : «وأمّا إسقاطه الفاتحة من مصحفه فليس لظنّه أنّها ليست من القرآن ، معاذ الله ، ولكنّه ذهب إلى أنّ القرآن إنّما كتب وجمع بين اللوحين

__________________

(١) الاتقان في علوم القرآن ١ : ٢٧٠ ـ ٢٧٢.

٢٥٥

مخافة الشكّ والنسيان والزيادة والنقصان ، ورأى أنّ ذلك مأمون في الحمد لقصرها ووجوب تعلّمها على كلّ واحد» (١).

أقول : هذه وجوه التأويل في حديث إنكار ابن مسعود كون الفاتحة والمعوّذتين من القرآن ، ولهم في حمل الأحاديث الاخرى وجوه :

١ ـ الحمل على التفسير :

وقد حمل بعضهم عليه عددا من الأحاديث ، من ذلك ما ورد حول ما أسميناه بآية الجهاد فقال : يحمل على التفسير. والمراد من «أسقط من القرآن» أي : أسقط من لفظه فلم تنزل الآية بهذا اللفظ ، لا أنّها كانت منزلة ثمّ اسقطت ، وإلّا فما منع عمر وعبد الرحمن من الشهادة على أنّ الآية من القرآن وإثباتها فيه؟! (٢).

ومن ذلك : ما ورد حول آية المحافظة على الصلوات عن عائشة وحفصة من إلحاق كلمة «وصلاة العصر» بقوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) بأنّ الكلمة ادرجت على سبيل التفسير والإيضاح (٣).

ومن ذلك : ما ورد عن أبي موسى الأشعري حول سورة كانوا يشبّهونها في الطول والشدّة بسورة براءة ، فقد ذكر بعضهم له وجوها منها : أنّه يجوز أن يكون تفسيرا ، وحفظ منها أي من تفسيرها ومعناها (٤).

__________________

(١) الاتقان في علوم القرآن ١ : ٢٧٢.

(٢) مقدّمتان في علوم القرآن : ١٠٠.

(٣) البرهان في علوم القرآن ١ : ٢١٥ ، مباحث في علوم القرآن : ١١٢ ، الناسخ والمنسوخ : ١٥.

(٤) مقدّمتان في علوم القرآن : ٩٧.

٢٥٦

ومن ذلك : ما ورد عن زرّ بن حبيش ، عن ابيّ بن كعب ، أنّه قال له : «كم تقرأ سورة الأعراف (١)؟ قلت : ثلاثا وسبعين آية ...» : فقد قيل : «يحمل إن صحّ ـ لأنّ أهل النقل ضعّفوا سنده ـ على أنّ تفسيرها كان يوازي سورة البقرة ، وأنّ في تفسيرها ذكر الرجم الذي وردت به السنّة» (٢).

٢ ـ الحمل على السنّة

وهذا وجه آخر اعتمد عليه بعض العلماء بالنسبة إلى عدد من الأحاديث :

ومن ذلك : قول أبي جعفر النحّاس وبعضهم في آية الرجم : «إسناد الحديث صحيح ، إلّا أنّه ليس حكمه حكم القرآن الذي نقله الجماعة عن الجماعة ، ولكنّها سنّة ثابتة ... وقد يقول الإنسان : «كنت أقرأ كذا» لغير القرآن ، والدليل على هذا أنّه قال : ولو لا أني أكره أن يقال : زاد عمر في القرآن ، لزدته» (٣).

ومن ذلك : قول بعضهم حول آية : «لو كان لابن آدم ...» : «إنّ هذا معروف في حديث النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ على أنّه من كلام الرسول لا يحكيه عن ربّ العالمين في القرآن ... ويؤيده حديث روي عن العبّاس بن سهل ، قال : سمعت ابن الزبير على المنبر يقول : قال رسول الله : لو أنّ ابن آدم اعطي واديان ...» (٤).

وهو قول العلّامة الزّبيدي حيث ذكره في كتابه في الأحاديث المتواترة قال : «الحديث الرابع والأربعون : لو أنّ لابن آدم واديا من ذهب لأحبّ ... رواه

__________________

(١) كذا ، والذي نقلناه سابقا عن الدرّ المنثور عن طائفة من أهمّ مصادرهم : «الأحزاب».

(٢) مقدّمتان فى علوم القرآن : ٨٣.

(٣) الناسخ والمنسوخ : ٨ ، مقدّمتان في علوم القرآن : ٧٨.

(٤) مقدّمتان في علوم القرآن : ٨٥.

٢٥٧

من الصحابة خمسة عشر نفسا : أنس بن مالك وابن الزبير وابن عبّاس وابن كعب وبريدة بن الخصيب وأبو سعيد الخدري وسمرة بن جندب وعائشة وجابر بن عبد الله وزيد بن أرقم وأبو موسى الأشعري وسعد بن أبي وقّاص وأبو واقد الليثي وأبو إمامة الباهلي وكعب بن عياض الأشعري ...» (١).

٣ ـ الحمل على الحديث القدسي :

وعليه حمل بعضهم آية الرضاع حيث قال : «يحمل على الحكم النازل سنّة لا على جهة القرآنية ، وإلّا لما أكله الداجن ، والله يقول : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ولو كان من القرآن لما اجتمع فيه الناسخ والمنسوخ في آية واحدة ، بل كانت الآية الناسخة تتأخّر عن المنسوخة ، كما لا يجوز أن يجتمع حكمان مختلفان في وقت واحد وحال واحدة. وكيف يجوز أن يكون قرآن يتلى على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ على ما أخبرت به عائشة ـ ولا يحفظه واحد من الصحابة» (٢) قال : «ويدلّ على ذلك قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : اوتيت القرآن ومثله معه ، إنّه الحكمة» (٣).

وكذا حمل عليه آية الرجم ، قال : «وهو الذي اعتمده شيخي أبو جعفر محمد بن أحمد بن جعفر» (٤).

__________________

(١) مقدّمتان في علوم القرآن : ٨٧ ـ ٨٨.

(٢) مقدّمتان في علوم القرآن : ٨١.

(٣) مقدّمتان في علوم القرآن : ٨٥ ـ ٨٦.

(٤) مقدّمتان في علوم القرآن : ٨٦.

٢٥٨

٤ ـ الحمل على الدعاء

وهذا ما قاله بعضهم في ما سمّي ب «سورة الحفد» و «سورة الخلع» فقال : «وأمّا ما ذكر عن ابيّ بن كعب أنّه عدّ دعاء القنوت : اللهمّ إنّا نستعينك ... سورة من القرآن ، فإنّه ـ إن صحّ ذلك ـ كتبها في مصحفه لا على أنّها من القرآن ، بل ليحفظها ولا ينساها احتياطا ، لأنّه سمع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كان يقنت بها في صلاة الوتر ، وكانت صلاة الوتر أوكد السنن ...» (١).

__________________

(١) مقدّمتان في علوم القرآن : ٧٥.

٢٥٩
٢٦٠