التّحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشّريف

السيّد علي الحسيني الميلاني

التّحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشّريف

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٠٠

٢ ـ ما رواه الحافظ السيوطي عن عائشة ، أنّها قالت : «كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ مائتي آية ، فلمّا كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلّا على ما هو الآن» (١).

٣ ـ ما رواه الحافظ السيوطي عن البخاري في تأريخه عن حذيفة قال : «قرأت سورة الأحزاب على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فنسيت منها سبعين آية ما وجدتها» (٢).

ويفيد الحديث الأول المنقول عن ابيّ بن كعب أنّه كان يرى أنّ الآيات غير الموجودة من سورة الأحزاب ـ ومنها آية الرجم ـ كانت ممّا أنزله الله سبحانه على نبيّه ، ومن القرآن حقيقة ، وأنّها كانت تقرأ كذلك على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى «رفع منها ما رفع» ، فما معنى هذا الرفع؟ ومتى كان؟

وأمّا الحديث الثاني المنقول عن عائشة فيتضمّن الجواب عن هذا السؤال ، فإنّه يفيد أنّ المراد من «الرفع» هو «الإسقاط» وأنّه كان عند ما كتب عثمان المصاحف.

الأحاديث الواردة حول نقصان سورة التوبة ، ومنها :

١ ـ ما رواه الحافظ السيوطي بقوله : «أخرج ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط ، وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه ، عن حذيفة ، قال : التي تسمّون سورة التوبة هي سورة العذاب ، والله ما تركت أحدا إلّا نالت منه ، ولا تقرءون ممّا

__________________

(١) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٨٢ ، الدر المنثور ٥ : ١٨٠ عن أبي عبيدة في الفضائل وابن الأنباري وابن مردويه.

(٢) الدر المنثور ٥ : ١٨٠.

١٦١

كنّا نقرأ إلّا ربعها» (١).

٢ ـ ما رواه السيوطي أيضا بقوله : «أخرج أبو الشيخ عن حذيفة ، قال : ما تقرءون ثلثها» (٢).

٣ ـ ما رواه السيوطي أيضا بقوله : «أخرج أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه ، عن سعيد بن جبير ، قال : قلت لا بن عباس : سورة التوبة! قال : التوبة؟! بل هي الفاضحة ، ما زالت تنزل فيهم حتى ظنّنا أن لن يبقى منا أحد إلّا ذكر فيها» (٣).

٤ ـ وروى مثله عن عمر بن الخطاب (٤).

فسورة التوبة كانت في رأي هؤلاء الأصحاب ـ وهم :

١ ـ عبد الله بن عباس.

٢ ـ حذيفة بن اليمان.

٣ ـ عمر بن الخطاب.

أضعاف هذا المقدار الموجود منها.

وقد روى رأي هؤلاء كبار أئمّة الحديث والحفاظ المشاهير من أهل السنّة ، منهم :

١ ـ أبو بكر ابن أبي شيبة. صاحب المصنّف.

٢ ـ الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك على الصحيحين.

٣ ـ أبو القاسم الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة : الكبير والأوسط

__________________

(١) الدرّ المنثور ٣ : ٢٠٨.

(٢) الدرّ المنثور ٣ : ٢٠٨.

(٣) الدرّ المنثور ٣ : ٢٠٨.

(٤) الدرّ المنثور ٣ : ٢٠٨.

١٦٢

والصغير.

٤ ـ أبو بكر ابن مردويه الأصبهاني.

٥ ـ أبو بكر ابن المنذر.

الأحاديث الواردة حول سورة كانوا يشبّهونها في الطول والشدّة بسورة براءة ، ومنها :

ما رواه مسلم في صحيحه ، والحاكم في مستدركه ، والسيوطي في الدرّ المنثور عن مسلم وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي ، عن أبي موسى الأشعري ، أنّه قال لقرّاء أهل البصرة : «وإنّا كنّا نقرأ سورة كنا نشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فنسيتها غير أنّي حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ، ولا يملأ جوفه إلّا التراب» (١).

الأحاديث الواردة حول سورة كانوا يشبّهونها بإحدى المسبّحات ، ومنها :

ما رواه من ذكرنا في ذيل الحديث عن أبي موسى حول السورة السابقة ، فقد رووا عنه أنّه قال : «وكنّا نقرأ سورة نشبّهها بإحدى المسبّحات أوّلها : سبّح لله ما في السماوات ، فانسيتها غير أنّي حفظت منها : يا أيّها الّذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة».

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٧٢٦ ح ١٠٥٠ ، المستدرك على الصحيحين ٢ : ٢٢٤ ، الدر المنثور.

١٦٣

حول سورتي الخلع والحفد :

ذكر الحافظ السيوطي في (الإتقان) سورتين سمّاهما : (الحفد) و (الخلع) وروى أنّ السورتين كانتا ثابتتين في مصحف ابيّ بن كعب ومصحف ابن عبّاس ، وأنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام علّمهما عبد الله الغافقي ، وأنّ عمر بن الخطّاب قنت بهما في صلاته ، ... وأنّ أبا موسى كان يقرؤهما (١).

ولا أثر لهاتين السورتين في المصحف الموجود.

ومن القسم الثاني :

ما ورد حول آية «الرجم»

الحديث حول آية الرجم وسقوطها من القرآن الكريم ، أخرجه الشيعة والسنّة معا في كتبهم الحديثيّة ، وذكروه في كتب الفقه في أبواب الحدود. فهو موجود في : «الكافي» و «من لا يحضره الفقيه» و «التهذيب» و «وسائل الشيعة» من كتب الشيعة. وفي «صحيح البخاري» و «صحيح مسلم» و «مسند أحمد» و «موطّأ مالك» وغيرها من كتب السنّة.

لكنّ الأصل في القضية هو (عمر بن الخطاب) ومن قال بمقالته من الصحابة ، ولذا حمل السيد الخوئي ما ورد من طرق الشيعة منه على التقيّة (٢).

ويشهد بذلك ما روي في كتب الفريقين عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنّه

__________________

(١) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢٢٦.

(٢) مباني تكملة المنهاج ١ : ١٩٦.

١٦٤

لمّا جلد شراحة الهمدانيّة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة قال : حددتها بكتاب الله ورجمتها بسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١). فلو كان عليه‌السلام يرى أن الرجم من القرآن كما رأى عمر لم يقل كذلك.

فالأمر من طرف الشيعة مفروغ منه ، وأمّا مرويّات أهل السنّة :

١ ـ فقد أخرج البخاري عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : «إنّ الله بعث محمدا بالحقّ ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان ممّا أنزل الله آية الرجم ، فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، رجم رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل :

والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله.

ثم إنّا كنّا نقرأ ـ فيما نقرأ من كتاب الله ـ : أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ، أو : إنّ كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم ...» (٢).

وأخرج أيضا عنه قوله :

«إنّ الله بعث محمدا ... فالرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا احصن من الرجال والنساء إذا قامت عليه البيّنة» (٣).

وأخرجه مسلم بن الحجّاج أيضا في صحيحه (٤) ، وأحمد بن حنبل ـ إمام

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ١٥٢ ، ٣ : ٥٥٢ وهو في مسالك الأفهام ، جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام ٤١ : ٣٠ وغيرها ، ورواه أحمد والبخاري والنسائي والحاكم وغيرهم كما في مقدّمة آلاء الرحمن.

(٢) صحيح البخاري ٨ : ٢٠٨.

(٣) صحيح البخاري ٨ : ٢٠٨.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١٣١٧.

١٦٥

الحنابلة ـ في مسنده (١).

وروى مالك بن أنس ـ إمام المالكية ـ عن سعيد بن المسيب ـ وهو من أكابر التابعين ـ عن عمر قوله : «إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل : لا نجد حدّين في كتاب الله ، فقد رجم رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ورجمنا.

والّذي نفسي بيده : لو لا أن يقول الناس : زاد عمر في كتاب الله لكتبتها (الشيخ والشيخة فارجموهما البتّة) فإنّا قد قرأناها» (٢).

ورواه أيضا أحمد بن حنبل في مسنده (٣) والحافظ جلال الدين السيوطي عن عبد الرزاق وأحمد وابن حبّان ـ وسيأتي نصّه ـ.

وقال الحافظ السيوطي أيضا : «وقد أخرج ابن أشتة في (المصاحف) عن الليث بن سعد ، قال : أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد ... وأنّ عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنّه كان وحده» (٤).

هذا كلّه عن عمر ، والمستفاد من الأحاديث أنّه كان يعلم بكون آية الرجم من القرآن ، إلّا أنّه لم يكتبها لكونه وحده ، فلو شهد بها معه أحد من الصحابة لكتب ، وبذلك صرّح المحدّثون ، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : «فلم يلحقها بنصّ المصحف بشهادته وحده» ولو كانت منسوخة التلاوة لم يجز إلحاقها به حتى لو شهد معه كلّ الصحابة.

٢ ـ وأخرج ابن ماجة عن عائشة ، قالت : «نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ، ولقد كان في صحيفة تحت سريري ، فلمّا مات رسول الله ـ صلّى الله

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ٤٠ و ٥٥.

(٢) الموطأ ٢ : ٨٢٤ / ١٠.

(٣) مسند أحمد ١ : ٣٦ و ٤٣.

(٤) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢٠٦.

١٦٦

عليه وآله وسلّم ـ وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها» (١).

٣ ـ وأورد الحافظ جلال الدين عن أبي عبيد بسنده عن أبي إمامة بن سهل : «أنّ خالته قالت : قد أقرأنا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ آية الرجم : الشيخ والشيخة فارجموهما البتّة بما قضيا من اللذّة» (٢).

٤ ـ وروى الحافظ السيوطي أيضا عن جماعة من المحدّثين الحفّاظ عن ابي ابن كعب : أنّه كان يعتقد بأنّ آية الرجم من القرآن حقيقة ، وقد تقدّم نصّه في ما ذكر حول سورة الأحزاب.

نقتصر على هذه الأحاديث حول «آية الرجم» طلبا للاختصار ، وقد لوحظ فيها أنّ جماعة من الصحابة كانوا يصرّحون بأنّهم قد قرءوا هذه الآية وعقلوها وحفظوها ، وكان أشدّهم إصرارا على ذلك : عمر بن الخطّاب ، وهؤلاء هم :

١ ـ عمر بن الخطاب.

٢ ـ ابيّ بن كعب.

٣ ـ عائشة بنت أبي بكر.

٤ ـ خالة أبي أمامة بن سهل.

بل المفهوم من حديث عائشة : أنّ الآية كانت من القرآن حتى بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... وسيأتي مزيد كلام في ذلك.

وقد نقلنا هذه الأحاديث عن :

١ ـ صحيح البخاري.

__________________

(١) السنن لابن ماجة ١ : ٦٢٥ / ١٩٤٤.

(٢) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٨٢.

١٦٧

٢ ـ صحيح مسلم.

٣ ـ مسند أحمد.

٤ ـ الموطّأ لمالك.

٥ ـ السنن لابن ماجة.

٦ ـ الإتقان في علوم القرآن للحافظ السيوطي.

حول آية «الرغبة»

وعن جماعة من الأصحاب أنّه كان من القرآن ـ وقد اسقط فيما اسقط ـ آية : «لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم» أو نحوه في اللّفظ ، وقد سمّيناها ب «آية الرغبة» :

١ ـ أخرج البخاري في (الصحيح) عن عمر بن الخطّاب في حديث تقدّم لفظه : «ثم إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو : «إنّ كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم» (١).

٢ ـ وقال الحافظ السيوطي : أخرج ابن الضريس عن ابن عباس ، قال : كنا نقرأ «لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم» أو : «إنّ كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم» (٢).

٣ ـ وقال الحافظ الجلال السيوطي أيضا : «أخرج الطيالسي وأبو عبيد والطبراني ، عن عمر بن الخطاب ، قال : كنا نقرأ فيما نقرأ «لا ترغبوا عن آبائكم

__________________

(١) صحيح البخاري ٨ : ٢٠٨.

(٢) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٤٢.

١٦٨

فإنّه كفر بكم» ثم قال لزيد بن ثابت : أكذلك يا زيد؟ قال : نعم» (١).

وقد علم من هذه الأحاديث أنّ جماعة من الصحابة وهم :

١ ـ عمر بن الخطاب.

٢ ـ عبد الله بن عباس.

٣ ـ زيد بن ثابت.

كانوا يعتقدون أنّ «آية الرغبة» من القرآن الكريم.

وقد نقلنا هذه الأحاديث عن :

١ ـ البخاري صاحب الصحيح.

٢ ـ الحافظ السيوطي عن عدّة من الحفّاظ وهم :

عبد الرزاق بن همام.

أحمد بن حنبل

أبو القاسم الطبراني.

أبو عبيد القاسم بن سلام.

أبو عبد الله ابن الضريس.

أبو الوليد الطيالسي.

ابن حبّان صاحب الصحيح.

حول آية «لو كان لابن آدم واديان»

١ ـ أخرج مسلم بن الحجّاج في (الصحيح) عن أبي الأسود ، عن أبيه ، قال :

__________________

(١) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٨٣.

١٦٩

«بعث أبو موسى الأشعري إلى قرّاء أهل البصرة ، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا القرآن ، فقال : أنتم خيار أهل البصرة وقرّاؤهم ، فاتلوه ولا يطولنّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإنّا كنّا نقرأ سورة كنا نشبّهها في الطول والشدّة ب «براءة» فانسيتها ، غير أنّي حفظت منها : «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب» (١).

٢ ـ وقال الحافظ جلال الدين السيوطي : «أخرج أبو عبيد وأحمد ، والطبراني في «الأوسط» ، والبيهقي في «شعب الإيمان» ، عن أبي واقد الليثي ، فقال : كان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ إذا اوحي إليه أتيناه فعلّمنا ممّا اوحي إليه ، قال : فجئت ذات يوم ، فقال : إنّ الله يقول : «إنّا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واديا من ذهب لأحبّ أن يكون إليه الثاني ، ولو كان له الثاني لأحبّ أن يكون إليهما الثالث ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ، ويتوب الله على من تاب» (٢).

٣ ـ وقال الحافظ السيوطي أيضا : «أخرج أبو عبيد وأحمد وأبو يعلى والطبراني ، عن زيد بن أرقم ، قال : كنّا نقرأ على عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : «لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضّة لابتغى الثالث ، ولا يملأ بطن ابن آدم إلّا التراب ، ويتوب الله على من تاب» (٣).

٤ ـ وقال الحافظ السيوطي : «أخرج أبو عبيد ، عن جابر بن عبد الله ،

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٧٢٦ / ١٠٥٠.

(٢) الدر المنثور ، الإتقان ٣٠ : ٨٣.

(٣) الدر المنثور أورده باسناده عن ابن عباس ٦ : ٣٧٨.

١٧٠

قال : كنا نقرأ «لو أنّ لابن آدم ملء واد مالا لأحبّ إليه إليه مثله ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ويتوب الله على من تاب» (١).

٥ ـ وقال الحافظ المذكور أيضا : «أخرج البزار وابن الضريس ، عن بريدة ، قال : سمعت النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ يقرأ : «لو أنّ لابن آدم ...» (٢).

٦ ـ وقال أيضا : «أخرج ابن الأنباري ، عن أبي ذر ، قال : في قراءة ابيّ بن كعب : «ابن آدم لو اعطي واديا ...» (٣).

وقال أيضا : «أخرج أحمد والترمذي والحاكم ـ وصحّحه ـ عن ابيّ بن كعب : إنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قال : إنّ الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن ، فقرأ : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) فقرأ فيها : «ولو أنّ ابن آدم سأل واديا من مال ...» (٤).

وروى هذا الحديث أيضا ابن الأثير عن الترمذي (٥).

٧ ـ وقال الراغب الأصبهاني في (محاضرات الأبرار) وأثبت ابن مسعود في مصحفه : «لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى معهما ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ويتوب الله على من تاب».

نكتفي بهذه الأحاديث حول هذه الآية ، وصريح الحديث الأول المخرّج في (الصحيح) : أنّ أبا موسى كان يحفظ سورة من القرآن الكريم بكاملها فنسيها ما

__________________

(١) المصدر نفسه.

(٢) الدر المنثور ٦ : ٣٧٨.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) الدر المنثور ٦ : ٣٧٨.

(٥) جامع الاصول ٢ : ٥٠٠ / ٩٧٢.

١٧١

خلا الآية المذكورة.

وقد علمنا من هذه الأحاديث أنّ الصحابة التالية أسماؤهم يعتقدون بكون الآية من القرآن الكريم ، حتى أنّ ابن مسعود أثبتها في مصحفه ، وكان ابيّ بن كعب يقرؤها ، وقد ذكر أبو واقد أنّ النبي قد علّمه الآية هذه ، وهؤلاء الصحابة هم :

١ ـ أبو موسى الأشعري.

٢ ـ أبو واقد الليثي.

٣ ـ زيد بن أرقم.

٤ ـ جابر بن عبد الله.

٥ ـ بريدة بن الحصيب.

٦ ـ ابيّ بن كعب.

٧ ـ عبد الله بن مسعود.

وقد نقلنا هذه الأحاديث عن :

١ ـ مسلم بن الحجّاج صاحب الصحيح.

٢ ـ ابن الأثير صاحب جامع الاصول.

٣ ـ الراغب الأصبهاني صاحب المحاضرات.

٤ ـ الحافظ السيوطي عن جماعة من كبار الحفّاظ ومنهم : ـ

أ ـ الحاكم أبو عبد الله النيسابوري صاحب المستدرك.

ب ـ أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي صاحب المسند.

ج ـ أحمد بن حنبل صاحب المسند وأحد الأئمة الأربعة.

د ـ أبو القاسم الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة.

١٧٢

ه ـ أبو بكر البيهقي صاحب السّنن الكبرى.

و ـ أبو بكر البزار صاحب المسند.

ز ـ أبو عيسى الترمذي صاحب السنن أحد الصحاح الستّة.

حول «آية الجهاد»

روى الحافظ جلال الدين السيوطي عن المسور بن مخرمة ما نصّه :

«قال عمر لعبد الرحمن بن عوف : ألم تجد فيما أنزل علينا : «أن جاهدوكما جاهدتم أول مرة» فأنا لا أجدها؟

قال : اسقطت فيما اسقط من القرآن» (١).

في هذا الحديث : أنّ اثنين من كبار الصحابة وهما :

١ ـ عمر بن الخطاب.

٢ ـ عبد الرحمن بن عوف.

كانا يعتقدان : أنّ الآية كانت ممّا انزل من قبل الله تعالى من القرآن الكريم.

ثم إنّ معنى قوله : «اسقطت ...» أنّهما كانا يعتقدان بكونها من القرآن بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا ، وأنّ هناك إسقاطا من القرآن ...

حول آية «المتعة»

وهي قوله تعالى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ)(٢) ، فقد

__________________

(١) الاتقان ٣ : ٨٤.

(٢) سورة النساء ٤ : ٢ ، انظر الدرّ المنثور ٢ : ١٣٩ وما بعدها.

١٧٣

ورد في أحاديث القوم عن بعض الصحابة أنّه كان يقرأ «فما استمتعتم به منهنّ (إلى أجل) ...» وأنّ بعضهم كتبها كذلك في مصحفه ، وعن ابن عباس قوله : «والله لأنزلها كذلك» وقد صحّح الحاكم هذا الحديث عنه في «المستدرك» من طرق عديدة (١).

وفي التفسير الكبير : أنّ ابيّ بن كعب وابن عباس قرءا كذلك ، والصحابة ما أنكروا عليها (٢).

وقال الزمخشري : «وعن ابن عباس : هي محكمة ـ يعني لم تنسخ ـ وكان يقرأ : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى ، ويروى : أنّه رجع عن ذلك عند موته ، وقال : اللهمّ إني أتوب إليك من قولي بالمتعة ، وقولي في الصرف» (٣).

وقال الحافظ ابن حجر في تخريجه : «أمّا رجوعه عن المتعة فرواه الترمذي بسند ضعيف عنه ، وأمّا قوله : اللهمّ إني أتوب إليك من قولي بالمتعة فلم أجده».

وإذا ما انضمّ إلى ذلك ثبوت مشروعية المتعة وعمل المسلمين بها حتى زمن عمر بن الخطاب ، حيث نهى عنها وأوعد بالعقاب عليها ، حصل القطع بنزول الآية كذلك كما تفيد الأحاديث المذكورة ، وأنّ حذف كلمة «إلى أجل» وقع بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

حول آية «الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم»

روى الحافظ جلال الدين السيوطي عن حميدة بنت أبي يونس ، قالت :

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٢ : ٣٥.

(٢) التفسير الكبير ١٠ : ٥١.

(٣) الكشاف ١ : ٥١٩.

١٧٤

«قرأ عليّ أبي ـ وهو ابن ثمانين سنة ـ في مصحف عائشة «إنّ الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما ـ وعلى الذين يصلّون الصفوف الاول ـ.

قالت : قبل أن يغيّر عثمان المصاحف» (١).

يفيد الحديث : أنّ هذه الزيادة كانت مثبتة في مصحف عائشة ، ولا شك أنّها قد سمعت الآية كذلك من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكتبتها في مصحفها كما سمعت ، وبقي المصحف إلى زمن عثمان بن عفان يتلوه النّاس ويتداولونه ، حتى قام عثمان فغيّر المصاحف وأسقط من الآية هذه الزيادة.

هذا ما يفيده الحديث ، وهو يدلّ على أنّ عائشة والّذين كانوا يقرءون مصحفها ـ ومنهم أبو يونس الذي قرأ الآية على ابنته وهو ابن ثمانين سنين كما حدّثتنا هي ـ كانوا يعتقدون أنّ الزيادة تلك من القرآن الكريم على حقيقته.

حول آية «الشهادة»

أخرج مسلم بن الحجاج في «الصحيح» عن أبي موسى الأشعري أنّه قال ـ في الحديث المتقدّم ، فيما ذكرناه حول سورة كانوا يشبّهونها بإحدى المسبّحات ـ : «وكنّا نقرأ سورة كنا نشبّهها بإحدى المسبّحات فنسيتها غير أنّي حفظت منها :

يا أيّها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ـ فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ـ» (٢).

وهذا حديث صحيح لإخراج مسلم إيّاه في (صحيحه) ، وهو يفيد أنّ أبا

__________________

(١) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٨٢.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٢٦.

١٧٥

موسى الأشعري كان يحفظ سورة طويلة ، وكان يقرؤها ، غير أنّه لم يحفظ منها غير الآية ، وفيها زيادة : «فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة» وهي غير موجودة في المصحف الموجود.

حول آية «ولاية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم»

١ ـ قال الحافظ جلال الدين السيوطي : «أخرج الفريابي والحاكم وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس ، أنّه كان يقرأ هذه الآية : «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ـ وهو أب لهم ـ وأزواجه أمّهاتهم» (١).

٢ ـ وقال الحافظ السيوطي أيضا : «أخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وإسحاق بن راهويه ، وابن المنذر ، والبيهقي ، عن مجالد ، قال : مرّ عمر ابن الخطاب بغلام وهو يقرأ في المصحف : «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمّهاتهم ـ وهو أب لهم ـ».

فقال : يا غلام حكّها.

فقال : هذا مصحف ابيّ بن كعب.

فذهب إليه فسأله فقال : إنّه كان يلهيني القرآن ، ويلهيك الصفق بالأسواق» (٢).

فزيادة «وهو أب لهم» ـ بحسب هذين الحديثين ـ كانت من القرآن الكريم في رأي صحابيّين كبيرين هما :

١ ـ عبد الله بن العباس.

__________________

(١) الدر المنثور ٥ : ١٨٣.

(٢) الدرّ المنثور ٥ : ١٨٣.

١٧٦

٢ ـ ابيّ بن كعب.

حتى أنّ عمر لمّا اعترض على ابيّ أجابه بقوله «إنّه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالأسواق».

ويفيد الحديث أنّ مصحف ابيّ بن كعب كان متلوا بين الناس معتقدين صحته ومعتمدين عليه ، حتى أنّ عمر لما قال للغلام : «حكّها» قال له : «هذا مصحف ابيّ بن كعب».

وقد روى الحافظ السيوطي ذلك عن جماعة من أعيان الحفّاظ وهم :

١ ـ عبد الرزّاق بن همام الصنعاني.

٢ ـ سعيد بن منصور. صاحب السنن.

٣ ـ إسحاق بن راهويه. شيخ البخاري ومسلم وغيرهما.

٤ ـ الحاكم النيسابوري ، صاحب المستدرك.

٥ ـ الفريابي شيخ أحمد والبخاري وغيرهما.

٦ ـ أبو بكر ابن مردويه الأصبهاني.

٧ ـ أبو بكر البيهقي صاحب السنن الكبرى.

٨ ـ أبو بكر ابن المنذر الإمام المجتهد.

حول آية «الحميّة»

روى الحافظ جلال الدين السيوطي عن النسائي والحاكم قال : وصحّحه ـ من طريق ابن أبي إدريس «عن ابيّ بن كعب أنّه كان يقرأ : «إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهلية ـ ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام ـ فأنزل الله سكينته على رسوله» فبلغ ذلك عمر ، فاشتدّ عليه ، فدعا ناسا من أصحابه ـ

١٧٧

فيهم زيد بن ثابت ـ فقال :

من يقرأ منكم سورة الفتح؟

فقرأ زيد على قراءتنا اليوم.

فغلّظ له عمر ، فقال : إني أتكلّم؟

فقال : تكلّم.

قال : لقد علمت أني كنت أدخل على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ويقرئني وأنت بالباب ، فإن أحببت أن أقرئ الناس على ما أقرأني أقرأت وإلّا لم أقرأ حرفا ما حييت.

قال : بل أقرئ الناس» (١).

وفي هذا الحديث : أنّ عمر بن الخطاب عند ما بلغته قراءة ابيّ اشتدّ عليه ثم أغلظ له أمام ناس من الصحابة ، ولكن ابيّا خصمه بما قال ، ومعنى ذلك : أنّ تلك الزيادة قد تعلّمها من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو عند ما كان يقرئ الناس كان يعتقد بأنّه يقرئهم القرآن الكريم كما انزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولقد كان لاعتقاده الراسخ وجزمه برأيه أثره البالغ في نفس عمر ، حتى قال له بعد أن اشتدّ عليه وأغلظ له : «بل أقرئ الناس».

وقد روى الحافظ السيوطي الحديث عن :

١ ـ النسائي صاحب السنن أحد الصحاح الستّة.

٢ ـ الحاكم صاحب المستدرك على الصحيحين. وذكر أنّ الحاكم صحّح الحديث.

__________________

(١) الدر المنثور ٦ : ٧٩.

١٧٨

حول آية (كَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ)

روى الحافظ جلال الدين السيوطي في تفسير قوله تعالى : (كَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ)(١) عن ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر ، «عن ابن مسعود : أنّه كان يقرأ الآية هكذا : «كفى الله المؤمنين القتال ـ بعلي بن أبي طالب ـ» (٢).

وهذا الحديث صريح في أنّ عبد الله بن مسعود كان يعتقد أنّ اسم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام كان ثابتا في أصل القرآن الكريم ، وكذلك في بعض روايات الشيعة ، وللآية نظائر كثيرة كما تقدم في (الباب الأول).

وابن مسعود كان من أكثر الصحابة تعلّما من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحضورا عنده ، حتى روى أهل السنّة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في حقه أحاديث كثيرة منها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تمسّكوا بعهد ابن أمّ عبد».

ولقد كان مصحفه هو المصحف الوحيد المعتمد لدى أمّة كبيرة من المسلمين ، وسيأتي أنّ عثمان بن عفان طلب مصحفه فلم يدفعه إليه ، فأمر بضربه.

وقد روى الحافظ السيوطي الحديث عن ثلاثة من أئمة الحفاظ وهم :

١ ـ أبو القاسم ابن عساكر حافظ الشام.

٢ ـ ابن أبي حاتم الرازي.

٣ ـ أبو بكر ابن مردويه الأصبهاني.

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٢٥.

(٢) الدر المنثور ٥ : ١٩٢.

١٧٩

حول آية «المحافظة على الصلوات»

١ ـ ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني : «أنّه روى مسلم بن الحجاج وأحمد ابن حنبل من طريق أبي يونس عن عائشة : إنّها أمرته أن يكتب لها مصحفا ، فلمّا بلغت : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) قال : فأملت عليّ : «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ـ وصلاة العصر ـ» قالت : سمعتها من رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ» (١).

ورواه مالك بن أنس أيضا (٢).

٢ ـ وروى مالك عن عمرو بن نافع قال : «كتبت مصحفا لحفصة ، فقالت :

إذا أتيت هذه الآية فآذنّي ، فأملت عليّ : «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ـ وصلاة العصر ـ» (٣).

ورواه الحافظ السيوطي عن عدّة من الأئمة والحفّاظ (٤).

تفيد هذه الأحاديث : أنّ كلمة «وصلاة العصر» كانت ثابتة في مصحف عائشة وحفصة ، ولو لم تكونا معتقدتين أنّها من القرآن حقيقة لما أمرتا بإثباتها ، ولا سيّما حفصة ، حيث أمرت الكاتب أن يؤذنها ببلوغه الآية لتملي عليه.

فما هذا الاهتمام البالغ من عائشة وحفصة إلّا لعلمهما القاطع بأنّ «وصلاة العصر» من الآية حقيقة ، وأنّها نزلت من الله سبحانه على النبي الكريم صلّى الله

__________________

(١) فتح الباري في شرح البخاري ٨ : ١٥٨.

(٢) الموطّأ ١ : ١٣٨ / ٢٥.

(٣) الموطّأ ١ : ١٣٩ / ٢٦.

(٤) الدر المنثور ١ : ٣٠٢.

١٨٠