التّحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشّريف

السيّد علي الحسيني الميلاني

التّحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشّريف

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٠٠

إبراهيم في تفسيره بإسناده عن مولانا الصادق قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعلي : القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس ، فخذوه واجمعوه ولا تضيّعوه كما ضيّعت اليهود التوراة».

ثمّ ذكر كلام الشيخ الصدوق في (الاعتقادات) بطوله ثم قال : «وأما تأويل أهل البيت أكثر الآيات القرآنية بفضائلهم ومثالب أعدائهم فلا إشكال فيه ، إذ التأويل لا ينافي التفسير ، وإرادة معنى لا تنافي إرادة معنى آخر ، وسبب النزول لا يخصّص» (١).

ثمّ استشهد لذلك بخبر في الكافي عن الصادق عليه‌السلام. ولعلّنا نورد محل الحاجة من عبارته كاملة فيما بعد.

ترجمة العاملي

٤ ـ الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي ، المتوفى في سنة ١١٠٤.

قال الشيخ يوسف البحراني عنه : «كان عالما فاضلا محدّثا أخباريا» (٢).

وقال الخونساري «شيخنا الحر العاملي الأخباري ، هو صاحب كتاب وسائل الشيعة ، وأحد المحمّدين الثلاثة المتأخرين الجامعين لأحاديث هذه الشريعة» (٣).

وقال المامقاني : «هو من أجلّة المحدّثين ومتّقي الأخباريّين» (٤).

روى بعض أخبار تحريف القرآن في كتابيه (إثبات الهداة بالنصوص

__________________

(١) علم اليقين ١ : ٥٦٢ ـ ٥٦٩.

(٢) لؤلؤة البحرين : ٧٦.

(٣) روضات الجنات : ٤٦٦.

(٤) مقباس الهداية : ١٢٠.

١٢١

والمعجزات) و (وسائل الشيعة) عن الكتب الأربعة وغيرها.

لكنه ـ رحمه‌الله ـ من المحدّثين النافين للتحريف بصراحة كما تقدّم في الفصل الأول.

ترجمة المجلسي

٥ ـ الشيخ محمد باقر المجلسي ، المتوفّى سنة ١١١١.

قال الحرّ العاملي عنه : «مولانا الجليل محمد باقر بن مولانا محمد تقي المجلسي ، عالم ، فاضل ، ماهر ، محقّق ، مدقّق ، علّامة ، فهّامة ، فقيه ، متكلّم ، محدّث ، ثقة ثقة ، جامع للمحاسن والفضائل ، جليل القدر ، عظيم الشأن» (١) ، وقال البحراني : «العلّامة الفهّامة ، غوّاص بحار الأنوار ، ومستخرج لآلئ الأخبار وكنوز الآثار ، الذي لم يوجد له في عصره ولا قبله ولا بعده قرين في ترويج الدين وإحياء شريعة سيد المرسلين ، بالتصنيف والتأليف والأمر والنهي وقمع المعتدين والمخالفين ... وكان إماما في وقته في علم الحديث وسائر العلوم وشيخ الإسلام بدار السلطنة أصفهان» (٢).

روى المجلسي في كتابه (بحار الأنوار) أحاديث نقصان القرآن الكريم عن الكافي للكليني وغيره ، بل لعلّه استقصى كافة أحاديث التحريف بمختلف معانيه.

لكنّنا نعلم بأنّ كتابه (بحار الأنوار) على جلالته وعظمته موسوعة قصد منها جمع الأخبار المرويّة عن أهل البيت عليهم‌السلام وحصرها في كتاب واحد ، صونا لها من التشتّت والضياع والتبعثر ، ولذا نرى أنّه لم يصنع فيه ما صنع

__________________

(١) أمل الآمل ٢ : ٢٤٨.

(٢) لؤلؤة البحرين : ٥٥.

١٢٢

في كتابه (مرآة العقول) في شرح كتاب الكافي للكليني ، حيث نظر في الأسانيد والمتون نظرة علميّة تدلّ على طول باعه وسعة اطلاعه وعظمة شأنه في الفقه والحديث والرجال وغيرها من العلوم.

هذا ، مضافا إلى أنّه ـ رحمه‌الله ـ بعد رواية تلك الأخبار على ما تقدّم نقله ، نقل كلام الشيخ المفيد وفيه النص على الاعتقاد بأنّ القرآن المنزل من عند الله هو مجموع ما بين الدفّتين من دون زيادة أو نقصان.

حول عبارة القمّي في مقدّمة تفسيره

١ ـ الشيخ علي بن إبراهيم القمي ، صاحب التفسير المعروف باسمه ، الثقة في الحديث والثبت المعتمد في الرواية عند علماء الرجال (١) ومن أعلام القرن الرابع.

فقد جاء في مقدمة التفسير ما هذا لفظه : «وأما ما هو محرّف منه فهو قوله : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ) ـ في علي ـ (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) وقوله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ـ في علي ـ (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ـ وظلموا آل محمد حقهم ـ (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) وقوله : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) ـ آل محمد حقهم ـ (أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) وقوله : (وَلَوْ تَرى) ـ الذين ظلموا آل محمد حقهم ـ (فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ) ومثله كثير نذكره في مواضعه» (٢).

وذكر الشيخ الفيض الكاشاني عبارة القمي في (علم اليقين) ، وعلى هذا الأساس نسب إليه الاعتقاد بالتحريف في كتاب (الصافي في تفسير القرآن).

__________________

(١) انظر ترجمته في تنقيح المقال ٢ : ٢٦٠.

(٢) تفسير القمّي ١ : ١٠.

١٢٣

لكنّ هذا يبتني على أن يكون مراد القمي من «ما هو محرّف منه» هو الحذف والإسقاط للفظ ، ... وأمّا إذا كان مراده ما ذكره الفيض نفسه من «أنّ مرادهم بالتحريف والتغيير والحذف إنّما هو من حيث المعنى دون اللفظ ، أي حرّفوه وغيّروه في تفسيره وتأويله ، أي حملوه على خلاف ما هو عليه في نفس الأمر» فلا وجه لنسبة القول بالتحريف ـ بمعنى النقصان ـ إلى القمي بعد عدم وجود تصريح منه بالاعتقاد بمضامين الأخبار الواردة في تفسيره ، والقول بما دلّت عليه ظواهرها ، بل يحتمل إرادته المعنى الذي ذكره الفيض كما يدلّ عليه ما جاء في رسالة الإمام إلى سعد الخير فيما رواه الكليني.

مضافا الى أنّ القمي نفسه روى في تفسيره بإسناده عن مولانا الصادق عليه‌السلام قال : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعلي عليه‌السلام : القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس ، فخذوه واجمعوه ولا تضيّعوه كما ضيّع اليهود التوراة» (١).

ويؤكّد هذا الاحتمال كلام الشيخ الصدوق ، ودعوى الإجماع من بعض الأكابر على القول بعدم التحريف.

ثم إن الأخبار الواردة في تفسير القمي ليست كلّها للقمي رحمه‌الله بل جلّها لغيره ، فقد ذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني أنّ القمي اعتمد في تفسيره على خصوص ما رواه عن الصادق عليه‌السلام ، وكان جلّه ممّا رواه عن والده إبراهيم بن هاشم عن مشايخه البالغين إلى الستين رجلا ...

قال : «ولخلو تفسيره هذا عن روايات سائر الأئمة عليهم‌السلام ، عمد تلميذه الآتي ذكره والراوي لهذا التفسير عنه ، على إدخال بعض روايات الإمام

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ٥٦٢ ـ ٥٦٩ وقد تقدّمت عبارته.

١٢٤

الباقر عليه‌السلام التي أملاها على أبي الجارود في أثناء التفسير ، وذلك التصرف وقع منه من أوائل سورة آل عمران إلى آخر القرآن» (١).

وهذه جهة اخرى تستوجب النظر في أسانيد الأخبار الواردة فيه ، لا سيّما ما يتعلق منها بالمسائل الاعتقادية المهمّة كمسألتنا.

ترجمة السيد الجزائري ورأيه

٢ ـ السيد نعمة الله التستري الشهير بالمحدّث الجزائري ، المترجم له في كتب التراجم والرجال مع الإطراء والثناء.

قال الحرّ العاملي : «فاضل عالم محقّق علّامة ، جليل القدر ، مدرّس» (٢) ، وقال المحدّث البحراني : «كان هذا السيد فاضلا محدّثا مدققا ، واسع الدائرة في الاطلاع على أخبار الإمامية وتتبع الآثار المعصومية» (٣) وكذا قال غيرهما.

وقد ذهب هذا المحدّث إلى القول بنقصان القرآن عملا بالأخبار الظاهرة فيه ، مدّعيا تواترها بين العلماء ، وقد تقدّم نصّ كلامه والجواب عنه في فصل (الشبهات).

ولا يخفى أنّ الأساس في هذا الاعتقاد كون الرّجل من العلماء الأخباريين ، ولذا استغرب منه المحدّث النوري اعتماده على تقسيم الأخبار وتنويعها في شرحه لتهذيب الأحكام ، وإذا تمت المناقشة في الأساس انهدم كلّ ما بني عليه.

__________________

(١) الذريعة ٤ : ٣٠٣.

(٢) أمل الآمل ٢ : ٣٣٦.

(٣) لؤلؤة البحرين : ١١١.

١٢٥

ترجمة الشيخ النراقي ورأيه

٣ ـ الشيخ أحمد بن محمد مهدي النراقي ، المتوفّى سنة ١٢٤٤ ، وهو من كبار الفقهاء الاصوليين ، وله مصنّفات ومؤلفات كثيرة ، من أشهرها : مناهج الأحكام ـ في الاصول ـ ، ومستند الشيعة ـ في الفقه ـ ، ومعراج السعادة ـ في الأخلاق ـ.

قال الشيخ النراقي بعد أن ذكر أدلّة المثبتين والنافين : «والتحقيق : إنّ النقص واقع في القرآن ، بمعنى أنّه قد اسقط منه شيء وإن لم يعلم موضعه بخصوصه ، لدلالة الأخبار الكثيرة ، والقرائن المذكورة عليه من غير معارض ، وأما النقص في خصوص المواضع وإن ورد في بعض الأخبار إلّا أنّه لا يحصل منها سوى الظن ، فهو مظنون ، وأمّا غير المواضع المنصوصة فلا علم بالنقص فيها ولا ظن ، وأمّا الاحتمال فلا دافع له ولا مانع ، وإن كان مرجوحا في بعض المواضع.

وأمّا الزيادة فلا علم بوقوعها بل ولا ظن ، بل يمكن دعوى العلم على عدم زيادة مثل آية أو آيتين فصاعدا ، وأمّا التغيير والتحريف في بعض الكلمات عمدا أو سهوا فلا يمكن نفيه وإن لم يمكن إثباته علما كالاختلاف في الترتيب» (١).

وكأنّ هذا الذي ذكره وجعله هو التحقيق ، جمع بين مقتضى القواعد الاصولية وبين الأخبار الواردة في المسألة ، لكن ما ورد من الأخبار دالا على وقوع النقص في القرآن من غير تعيين لموضعه بخصوصه قليل جدّا. وما دلّ على وقوعه في خصوص المواضع بعد تماميته سندا وجواز الأخذ بظاهره لا يحصل منه سوى الظن ـ كما قال ـ وهو لا يغني من الحق شيئا في مثل مسألتنا ، وحينئذ لا يبقى

__________________

(١) مناهج الأحكام ، مبحث حجيّة ظواهر الكتاب.

١٢٦

إلّا الاحتمال ، وهو مندفع بالأدلّة المذكورة على نفي التحريف ، ومع التنزّل عنها يدفعه أصالة العدم.

ترجمة السيد شبر ورأيه

٤ ـ السيد عبد الله ابن السيد محمد رضا الشبّر الحسيني الكاظمي ، المتوفّى سنة ١٢٤٢ ، المترجم له في كتب الرجال بالثناء والاطراء ، قال الشيخ القمي : «الفاضل النبيل والمحدّث الجليل ، والفقيه المتبحّر الخبير ، العالم الرباني والمشتهر في عصره بالمجلسي الثاني ، صاحب شرح المفاتيح في مجلدات ، وكتاب جامع المعارف والأحكام ـ في الأخبار شبه بحار الأنوار ـ وكتب كثيرة في التفسير والحديث والفقه واصول الدين وغيرها» (١).

وقد يذكر هذا السيد في الطائفة الثانية لكلام له جاء في كتاب (مصابيح الأنوار) ثم لاحظنا أنّه في (تفسيره) يفسّر الآيات المستدلّ بها على نفي التحريف بمعنى آخر ، ولم يشر إلى عدم التحريف في بحثه حول القرآن ووجوه إعجازه في كتابه (حق اليقين في معرفة اصول الدين).

وأمّا عبارته في كتابه (مصابيح الأنوار) فهذا نصّها :

«الحديث ١٥٣ : ما رويناه عن ثقة الإسلام في (الكافي) والعياشي في تفسيره بإسنادهما عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : نزل القرآن على أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع في عدونا ، وربع سنن وأمثال ، وربع فرائض وأحكام. وزاد العياشي : ولنا كرائم القرآن.

__________________

(١) الكنى والألقاب ٢ : ٣٢٣.

١٢٧

بيان : هذا الحديث الشريف فيه مخالفة لما اشتهر بين الأصحاب وصرّحوا به : من أن الآيات التي يستنبط منها الأحكام الشرعية خمسمائة آية تقريبا.

ولما ذهب إليه أكثر القرّاء (١) من أنّ سور القرآن بأسرها مائة وأربعة عشر سورة ، وإلى أنّ آياته ستة آلاف وستمائة وستة وستون آية ، وإلى أنّ كلماته سبع وسبعون ألف وأربعمائة وثلاثون كلمة ، وإلى أنّ حروفه ثلاثمائة ألف واثنان وعشرون الف وستمائة وسبعون حرفا ، وإلى أنّ فتحاته ثلاث وتسعون ألف ومائتان وثلاث وأربعون فتحة ، وإلى أنّ ضماته أربعون ألف وثمانمائة وأربع ضمّات ، وإلى أنّ كسراته تسع وثلاثون ألفا وخمسمائة وستة وثمانون كسرة ، وإلى أنّ تشديداته تسعة عشر ألف ومائتان وثلاث وخمسون تشديدة ، وإلى أنّ مداته ألف وسبعمائة وإحدى وسبعون مدة.

وأيضا ، يخالف ما روياه بإسنادهما عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : نزل القرآن أثلاثا : ثلث فينا وفي عدوّنا ، وثلث سنن وأمثال ، وثلث فرائض وأحكام.

وما رواه العياشي بإسناده عن خيثمة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : القرآن نزل أثلاثا : ثلث فينا وفي أحبائنا ، وثلث في أعدائنا وعدوّ من كان قبلنا ، وثلث سنن ومثل ، ولو أنّ الآية إذا نزلت في قوم ثم مات اولئك القوم ماتت الآية لما بقي من القرآن شيء ، ولكن القرآن يجري أوّله على آخره ما دامت السماوات والأرض ، ولكل قوم آية يتلونها من خير أو شر».

ثم قال رحمه‌الله : «ويمكن رفع التنافي بالنسبة إلى الأول : بأنّ القرآن الذي

__________________

(١) وكذا جاء أيضا في «الوافي» و «مرآة العقول» نقلاه عن «المحيط الأعظم في تفسير القرآن» للسيد حيدر الآملي ، من علماء القرن الثامن ، عن أكثر القراء.

١٢٨

انزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر مما في أيدينا اليوم وقد اسقط منه شيء كثير ، كما دلّت عليه الأخبار المتضافرة التي كادت أن تكون متواترة ، وقد أوضحنا ذلك في كتابنا : منية المحصّلين في حقيّة طريقة المجتهدين.

وبالنسبة إلى الثاني : بأنّ بناء التقسيم ليس على التسوية الحقيقيّة ولا على التفريق من جميع الوجوه ، فلا بأس باختلافه بالتثليث والتربيع ، ولا بزيادة بعض الأقسام على الثلث والربع أو نقص عنهما ، ولا دخول بعضها في بعض ، والله العالم» (١).

أقول : ذكرنا أهمّ تلك الأخبار فيما مضى ، مع النظر فيها من حيث السّند والدلالة. وأمّا دعوى تواترها فقد تقدّم بيان الحال فيها في فصل (الشبهات).

ترجمة الشيخ المازندراني ورأيه

٥ ـ الشيخ محمد صالح بن أحمد المازندراني.

قال الحرّ العاملي : «فاضل عالم محقّق ، له كتب منها شرح الكافي ، كبير حسن ...» (٢) وقال الخونساري : «كان من العلماء المحدّثين والعرفاء المقدّسين ، ماهرا في المعقول والمنقول ، جامعا للفروع والاصول» (٣).

فإنّه يستفاد من كلام له في (شرح الكافي) أخذه بظواهر ما ورد فيه ، وربما ذكر الوجوه والمعاني الاخرى التي ذكرها المحدّثون لتلك الأخبار على وجه الاحتمال ، بل رأينا منه أحيانا تكلّفا لإبقاء بعضها على ظاهره.

__________________

(١) مصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار ٢ : ٢٩٤ ـ ٢٩٥.

(٢) أمل الآمل ٢ : ٢٧٦.

(٣) روضات الجنات : ٣١٩.

١٢٩

قال رحمه‌الله في شرح حديث الكليني عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي (١) «وكأنّ هذا المصحف المدفوع إليه هو الذي جمعه أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخرجه وقال : هذا هو القرآن الذي أنزله سبحانه ، وردّه قومه ولم يقبلوه ، وهو الموجود عند المعصوم من ذرّيّته كما دلّت عليه الأخبار».

ثم قال : «وفي هذا الخبر دلالة على وجود مصحف غير هذا المشهور بين الناس ، وعلى وجود التحريف والتغيير والحذف فيما أنزله الله تعالى من القرآن على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ورفعه لا يضر ، لاعتضاده بأخبار اخر من طرقنا ، وهي كثيرة مذكورة في كتاب الروضة وغيره».

قال ـ وهو يقصد تقوية ذلك بأحاديث أهل السنّة ـ : «وقد دلّت الأخبار من طرقهم أيضا على وقوع التغيير» (٢).

النظر في كلامه

وفي كلامه مواقع للنظر :

١ ـ قوله : «كأن هذا المصحف المدفوع إليه هو الذي جمعه أمير المؤمنين»

__________________

(١) الكافي ٢ : ٤٦١ ، ونصّ الحديث :

عن البزنطي ، قال : دفع إليّ أبو الحسن عليه‌السلام مصحفا وقال : لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه : لم يكن الّذين كفروا فوجدت فيها اسم سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم ، قال : فبعث إليّ : ابعث إليّ بالمصحف.

(٢) شرح الكافي ١١ : ٧١ ـ ٧٢.

١٣٠

استظهار منه ولا دليل عليه ، وإن تمّ فقد تقدم الكلام على ذلك في فصل (الشبهات) على ضوء أقوال أكابر الطائفة.

٢ ـ قوله : «وفي هذا الخبر دلالة» فيه : إنّ دلالته غير تامّة ، كيف والمحدّثون أنفسهم يفسرونه بمعان اخر كما تقدّم؟!

٣ ـ قوله : «ورفعه لا يضر» اعتراف منه بأنّ حديث البزنطي هذا مرفوع كما تقدّم ، وعدم إضراره محل بحث وخلاف.

٤ ـ قوله : «لاعتضاده بأخبار اخر من طرقنا» فيه : أنّ تلك الأحاديث في الأغلب بين ضعيف ومرسل وشاذ نادر ، وهل يعتضد الحديث المرفوع بالضعيف أو بالنادر؟!

٥ ـ قوله : «وهي كثيرة» فيه : أنّه لو سلّم فإنّ الكثرة من هذا القبيل لا تجدي نفعا ، ولا تفيد لإثبات معتقد أو حكم.

٦ ـ قوله : «مذكورة في كتاب الروضة وغيره» فيه : أنّ مما ذكر في كتاب الروضة هو الحديث الذي يفيد عدم نقصان القرآن في ألفاظه بوضوح ، وقد استشهد به المحدّث الكاشاني وغيره كما تقدّم.

٧ ـ قوله : «وقد دلّت الأخبار من طرقهم أيضا» فيه : أنّ تلك الأحاديث ليست حجة قاطعة علينا ، على أن علماء الشيعة يردّون أو يؤوّلون أحاديثهم الدالّة على ذلك ، فكيف بأحاديث أهل السنّة؟!

وبعد ، فإنّا نستظهر من كلام الشيخ المازندراني أنّه من القائلين بنقصان القرآن أخذا بظواهر الأخبار ، ولكن حكى السيد شرف الدين والشيخ الأوردوبادي أنه قال في شرح الكافي : «يظهر القرآن بهذا الترتيب عند ظهور الإمام الثاني عشر ويشهر به» فإن كان هذا القول له حقا عدّ في الطائفة الاولى ، والله العالم.

١٣١

رأي الشيخ النوري

٨ ـ الشيخ ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي ، المتوفى سنة ١٣٢٠ ، من أعلام القرن الرابع عشر ، ومن مشاهير محدّثي الشيعة الإمامية ، توجد ترجمته في كتب الشيخ آغا بزرگ الطهراني ، والشيخ عباس القمي وغيرهما من أصحاب التراجم والرجال.

وهو المشتهر بهذا القول في المتأخرين ، وله فيه كتاب (فصل الخطاب) الذي سبّب تنديد بعض الجهلة والأعداء بالشيعة والتهويس عليهم ، ذاهلين عن أنّه رأي شخصي من هذا المحدّث العظيم وليس رأي الطائفة ، فإن أساطين هذه الطائفة في القرون المختلفة يذهبون إلى صيانة القرآن عن كلّ أشكال التلاعب ، وقد أوردنا طرفا من كلماتهم في الفصل الأول.

ويؤكّد ما ذكرناه ـ من أنّه رأي شخصي ـ أنّ علماء الشيعة المعاصرين له والمتأخرين عنه تناولوا كتابه بالردّ والنقد ، كالسيّد محمد حسين الشهرستاني والشيخ محمود العراقي وغيرهما ، وللشيخ البلاغي بعض الكلام في هذا الباب في مقدّمة تفسيره (آلاء الرحمن) ... بل إنّ الشيخ النوري نفسه يعترف بصراحة بتفرّده في هذا القول ، كما لا يخفى على من راجع كتابه (١).

محدّثون لا وجه لنسبة القول بالتحريف إليهم

وهم المحدّثون الذين أوردوا في مصنّفاتهم جميع ما رووه أو طرفا منه ، مع

__________________

(١) فصل الخطاب : ٣٥.

١٣٢

عدم الالتزام بالصحة سندا ومتنا ودلالة ، فهم يروون أحاديث نقصان القرآن كما يروون أحيانا أحاديث الغلو والجبر والتفويض والتجسيم ، وما شاكل ذلك مما لا يعتقدون به ولا يذهبون إليه ، وقد ذكرنا أنّ الرواية أعمّ من الاعتقاد.

وعلى أساس الامور الأربعة التي ذكرناها من قبل ـ مع الالتفات إلى كلام الصدوق ابن بابويه ... وغير ذلك ـ نقول بعدم صحة نسبة القول بالتحريف إلى هذه الطائفة من الرواة فضلا عن نسبته إلى الطائفة استنادا إلى رواية هؤلاء لتلك الأخبار ، مضافا إلى نقاط متعلقة بهم أو بأخبارهم سنشير إليها.

العيّاشي

ومن هذه الطائفة :

١ ـ الشيخ محمد بن مسعود العياشي ، صاحب التفسير المعروف ، ترجم له الشيخ النجاشي فقال : «ثقة صدوق ، عين من عيون هذه الطائفة ، وكان يروي عن الضعفاء كثيرا ، وكان في أول عمره عامّي المذهب ، وسمع حديث العامة فأكثر» (١) وقال الشيخ الطوسي : «أكثر أهل المشرق علما وأدبا وفضلا وفهما ونبلا في زمانه ، صنّف أكثر من مائتي مصنّف ، ذكرناها في الفهرست ، وكان له مجلس للخاصّي ومجلس للعامي ، رحمه‌الله» (٢) وقال شيخنا الجدّ المامقاني : «وربما حكي من بعض شرّاح التهذيب ـ والظاهر أنّه المحقق الشيخ محمد نجل الشهيد الثاني ـ أنه قدح في توثيقه بكونه في أول عمره عاميا ، فلا يعلم أن الجرح

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٤٧.

(٢) رجال الشيخ الطوسي : ٤٩٧.

١٣٣

والتعديل للرجال الذي ينسب إليه هل كان قبل التبصّر أو بعده» (١).

فهو ـ وإن كان ثقة في نفسه ـ يروي عن الضعفاء كثيرا ، وأخبار تفسيره مراسيل كما هو معلوم ، ويتلخص عدم صحة نسبة القول بالتحريف إليه ، وعدم جواز الاعتماد على أخبار تفسيره في هذا المضمار.

الصفّار

٢ ـ الشيخ محمد بن الحسن بن فروخ الصفار القمي ، الثقة الثبت المعتمد عند جميع علماء الرجال ، ولا حاجة إلى نقل نصوص كلماتهم.

روى هذا الشيخ بعض الأخبار المذكورة سابقا في كتابه (بصائر الدرجات) ولكن لا وجه لنسبة القول بالتحريف إليه ، وقد تكلّمنا هناك على تلك الأخبار سندا ومتنا على ضوء كلمات علماء الحديث والرجال ، ومن الضروري النظر في أسانيد أخبار كتابه (بصائر الدرجات) ومعانيها كسائر الكتب الحديثيّة.

الكشي

٣ ـ الشيخ أبو عمرو محمد بن عمر الكشي صاحب كتاب (الرجال).

قال النجاشي «كان ثقة عينا ، روى عن الضعفاء كثيرا ، وصحب العياشي ، وأخذ عنه وتخرّج عليه في داره التي كانت مرتعا للشيعة وأهل العلم ، له كتاب

__________________

(١) تنقيح المقال ٣ : ١٨٣.

١٣٤

الرجال كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة» (١) وقال الشيخ أبو علي الرجالي : «ذكر جملة من مشايخنا أن كتاب رجاله المذكور كان جامعا لرواة العامة والخاصة ، خالطا بعضهم ببعض ، فعمد إليه شيخ الطائفة ـ طاب مضجعه ـ فلخّصه وأسقط منه الفضلات» (٢).

وعلى ضوء ما تقدم ليس الشيخ الكشي من القائلين بالتحريف ، ولا يجوز الاستناد إلى الأخبار الواردة في (رجاله) لأنه كان يروي عن الضعفاء كثيرا على ما نصّ عليه النجاشي ، وكان من أصحاب العياشي ، والمتخرجين عليه كما نصوا عليه ، وقد تقدّم أن العياشي ـ وإن كان ثقة جليلا ـ كان يروي عن الضعفاء كثيرا أيضا ، فلا اعتبار بكلّ أخبار هذا الكتاب حتى بعد تهذيب الشيخ إيّاه ، لكون نظره إلى الرجال المذكورين فيه لا الأخبار المرويّة في غضونه.

النعماني

٤ ـ الشيخ محمد بن إبراهيم النعماني ، الثقة الجليل عند علماء الرجال والجرح والتعديل (٣).

له في كتابه (الغيبة) رواية صريحة في مخالفة القرآن على عهد الإمام المهدي عليه‌السلام للقرآن الموجود الآن ، وقد بيّنا في محلّه وجه التعارض بين روايته تلك مع روايتين اخريين له ، ... ثم نقلنا حديثا عن (الإرشاد) و (روضة الواعظين) يوضح المراد من تلك الأحاديث الثلاثة.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٦٣.

(٢) رجال أبي علي. وانظر مقباس الهداية : ١٢١.

(٣) تنقيح المقال ٣ : ٥٥ حرف الميم.

١٣٥

وذكرنا هناك أن سند ذلك الحديث الصريح غير قوي ، كما بيّنّا في الكلام على الشبهة الثالثة أنه لا يمكن الاعتماد على ما ظاهره مخالفة القرآن في عهد الإمام المنتظر عجّل الله فرجه لهذا القرآن.

والحق أنه لا سبيل إلى نسبة القول بالتحريف إليه ، وكلامه في مقدمة كتابه لا يدل على التزامه بالصحّة وإن توهم ذلك ، فليراجع.

أبو منصور الطبرسي

٥ ـ الشيخ أحمد بن علي الطبرسي ، المتوفى سنة ٥٤٨ صاحب كتاب (الاحتجاج على أهل اللجاج) من مشايخ ابن شهرآشوب ، ومن أجلاء أصحابنا المتقدمين ، عالم فاضل محدّث ثقة (١).

روى في كتابه المذكور ما يفيد التحريف ، ومن ذلك ما رواه في احتجاجات سيّدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام مع المهاجرين والأنصار ، المتضمن مخالفة مصحفه الذي جمعه مع المصحف الذي اتخذوه ، وقد أشرنا إلى ذلك في الكلام على الشبهة الثانية.

وكتاب (الاحتجاج) وإن كان من الكتب الجليلة إلّا أن أكثر أخباره مراسيل كما صرّح بذلك الشيخ المجلسي في مقدمة (البحار) ، والشيخ الطّهراني في (الذريعة إلى تصانيف الشيعة).

وعلى هذا ، فلا يصلح ما رواه في هذا الباب للاعتماد ، ولا دليل على أن ينسب إليه هذا الاعتقاد ، وإن جاء في كلام بعض علمائنا الأمجاد.

__________________

(١) انظر : معالم العلماء : ص ٢٥ ، أمل الآمل ٢ : ١٧ ، روضات الجنات ١ : ١٩ ، تنقيح المقال ١ : ٦٩ ، الكنى والألقاب ٢ : ٤٠٤.

١٣٦

السيد البحراني

٦ ـ السيّد هاشم البحراني ، من مشاهير محدّثي الإمامية ، وكان على جانب عظيم من الجلالة ، يضرب به المثل في الورع والتقوى ، وله تصانيف كثيرة ، منها (البرهان في تفسير القرآن) ، توفي سنة ١١٠٧ (١).

روى هذا المحدّث الجليل في كتابه المذكور طائفة من الأخبار الظاهرة في نقصان القرآن عن العياشي وأمثاله ، لكن تفسيره المذكور يشتمل على أنواع الأخبار وأقسامها ، وكأنّه ـ رحمه‌الله ـ قصد من تصنيفه جمع الروايات الواردة في تفسير الآيات ووضع كلّ حديث في ذيل الآية التي يناسبها ، بل كانت هذه طريقته في جميع كتبه ، فقد قال المحدّث البحراني ما نصه : «وقد صنّف كتبا عديدة تشهد بشدة تتبعه واطلاعه ، إلّا أنّي لم أقف له على كتاب فتاوى في الأحكام الشرعية بالكلية ولا في مسألة جزئية ، وإنما كتبه مجرّد جمع وتأليف ، ولم يتكلّم في شيء منها مما وقفت عليه على ترجيح في الأقوال أو بحث أو اختيار مذهب وقول في ذلك المجال ، ولا أدري أن ذلك لقصور درجته عن رتبة النظر والاستدلال أم تورّعا عن ذلك ...» (٢).

تحقيق حول رأي الكليني

وإن أشهر رواة الأحاديث التي ذكرناها وغيرها وأعظمهم هو الشيخ محمد

__________________

(١) انظر : لؤلؤة البحرين : ٦٣ ، أمل الآمل ٢ : ٣٤١ ، الكنى والألقاب ٣ : ٩٣.

(٢) لؤلؤة البحرين : ٦٣.

١٣٧

ابن يعقوب الكليني المتوفى سنة ٣٢٩. روى تلك الأخبار في كتابه (الكافي) الذي هو أهم الكتب الأربعة المشهورة بين الشيعة الإمامية.

لقد كان ـ وما زال ـ التحقيق حول رأي الشيخ الكليني في المسألة موضع الاهتمام بين العلماء والكتّاب ، لما له ولكتابه من مكانة مرموقة متّفق عليها بين المسلمين ، فنسب إليه بعض المحدّثين من الشيعة القول بالتحريف اعتمادا على ظاهر كلامه في خطبة كتابه «الكافي» ، ونفي ذلك آخرون ، وحاول بعض الكتّاب القاصرين نسبة القول بذلك إلى الطائفة عامة والتشنيع عليها ـ بزعمه ـ بعد وصف «الكافي» ب (الصحيح) لكنها محاولة يائسة كما سنرى.

لقد تقدّم في الفصل الثاني من هذا البحث ذكر أهم الأخبار التي رواها الكليني في «الكافي» وبيّنّا ما في كلّ منها من مواقع النظر أو وجوه الجواب ، بحيث لا يبقى مجال للقول بأنها تدل على تحريف القرآن.

والتحقيق حول رأي الكليني وما يتعلّق بذلك يتم بالبحث في عدة جهات :

ترجمته وشأن كتابه

لقد ترجم علماء الشيعة للكليني بكلّ ثناء وإطراء وتعظيم وتفخيم ، فقد قال أبو العباس النجاشي : «شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم ، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم ، صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكليني ، يسمى (الكافي) في عشرين سنة» (١) وقال الشيخ الطوسي : «ثقة عارف بالأخبار ، له كتب منها ، كتاب الكافي» (٢) وقال ابن شهرآشوب : «عالم بالأخبار ، له كتاب

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٦٦.

(٢) الفهرست للطوسي : ١٦١.

١٣٨

(الكافي) يشتمل على ثلاثين كتابا» (١) وقال المامقاني : «أمر محمد بن يعقوب في العلم والفقه والحديث والثقة والورع وجلالة الشأن وعظيم القدر وعلوّ المنزلة وسموّ المرتبة أشهر من أن يحيط به قلم ويستوفيه رقم» (٢).

وقال الشيخ بهاء الدين العاملي في (الوجيزة) : «ولجلالة شأنه عدّه جماعة من علماء العامة كابن الأثير في كتاب جامع الاصول من المجددين لمذهب الإمامية على رأس المائة الثالثة ، بعد ما ذكر أن سيدنا وإمامنا أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام هو المجدّد لهذا المذهب على رأس المائة الثانية».

أما كتابه «الكافي» فهو أهم كتب الشيعة الاثني عشرية وأجلّها وأعظمها في الاصول والفروع والمعارف الإسلامية ، وإليه يرجع الفقيه في استنباطه للأحكام الشرعية ، وعليه يعتمد المحدّث في نقله للأخبار والأحاديث الدينية ، ومنه يأخذ الواعظ في ترهيبه وترغيبه.

إلّا أنّه قد تقرر لدى علماء الطائفة ـ حتى جماعة من كبار الأخباريين ـ لزوم النظر في سند كلّ خبر يراد الأخذ به في الاصول أو الفروع ، إذ ليست أخبار الكتب الأربعة ـ وأوّلها الكافي ـ مقطوعة الصدور عن المعصومين ، بل في أسانيدها رجال ضعّفهم علماء الفن ولم يثقوا برواياتهم ، ومن هنا قسّموا أخبار الكتب إلى الأقسام المعروفة ، واتّفقوا على اعتبار «الصحيح» وذهب أكثرهم إلى حجّية «الموثّق» ، وتوقف بعضهم في العمل ب «الحسن». وأجمعوا على وجود الأخبار «الضعيفة» في الكتب الأربعة المعروفة ، وقد ذكرنا هذه الحقيقة في الامور الأربعة ببعض التفصيل.

__________________

(١) معالم العلماء : ١٥٤.

(٢) تنقيح المقال ٣ : ٢٠١.

١٣٩

ونزيد تأكيدا هنا بذكر مثالين أحدهما : أنّ الكليني روى في «الكافي» أن يوم ولادة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأوّل ـ ولذا نسب إليه القول بذلك ـ ولم يوافقه أحد من علماء الشيعة عليه فيما نعلم ، بل ذهبوا إلى أنّه اليوم السابع عشر منه. والثاني : أنّ الكليني روى في «الكافي» كتاب (الحسن بن العباس بن حريش) في فضل «إنّا أنزلناه في ليلة القدر» وقد ضعف الشيخ أبو العباس النجاشي والشيخ ابن الغضائري وغيرهما الرجل وذمّوا كتابه المذكور (١).

وسواء صح ما ذكروا أو لم يصح فإنّ الغرض من ذكر هذا المطلب هو التمثيل لما ذكرناه من رأي أكابر العلماء في روايات الكليني.

وعلى الجملة ، فإنّه ليست أخبار «الكافي» كلها بصحيحة عند الشيعة حتى يصح إطلاق عنوان «الصحيح» عليه ، بل فيها الصحيح والضعيف وإن كان «الصحيح» قد لا يعمل به ، و «الضعيف» قد يعتمد عليه ، كما هو معلوم عند أهل العلم والتحقيق ... وهذه هي نتيجة البحث في هذه الجهة.

هل الكليني ملتزم بالصحّة؟

قد ينسب الى الكليني القول بتحريف القرآن بدعوى اعتقاده بصدور ما رواه عن المعصومين عليهم‌السلام ، لكن هذه الدعوى غير تامّة فالنسبة غير صحيحة ، إذ أن الكليني لم ينصّ في كتابه على اعتقاده بذلك أصلا ، بل ظاهر كلامه يفيد عدم جزمه به ، وإليك نصّ عبارته في المقدّمة حيث قال : «فاعلم يا أخي ـ

__________________

(١) انظر تنقيح المقال ١ : ٢٨٦.

١٤٠