التّحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشّريف

السيّد علي الحسيني الميلاني

التّحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشّريف

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٠٠

وقد لوحظ أنّ أكثرها عددا الأحاديث الضعيفة (١) ، ويمكن الاطّلاع على ذلك بمراجعة كتاب (مرآة العقول في شرح الكافي) (٢) للشيخ المجلسي ، فإنّه شرح الكتاب المذكور على أساس النظر في أسانيده ، فعيّن الصحيح منها والضعيف والموثّق والمرسل ، على ضوء القواعد المقرّرة لتمييز الأحاديث الصحيحة من غيرها.

وهذا كلّه دليل على أنّ أحاديث «الكتب الأربعة» غير قطعيّة الصدور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام عند الإمامية ، إلّا أنّه يبدو أنّ هناك جماعة قليلة ذهبوا إلى القول بذلك ، ولكنه قول مردود :

قال المحقّق الأكبر الشيخ الأنصاري : «ذهب شرذمة من متأخري الأخباريين ـ فيما نسب إليها ـ إلى كونها قطعيّة الصدور».

قال : «وهذا قول لا فائدة في بيانه والجواب عنه إلّا التحرّز عن حصول هذا الوهم لغيرهم كما حصل لهم ، وإلّا فمدّعي القطع لا يلزم بذكر ضعف مبنى قطعه ، وقد كتبنا في سالف الزمان في ردّ هذا القول رسالة تعرّضنا فيها لجميع ما ذكروه وبيان ضعفها بحسب ما أدّى إليه فهمي القاصر» (٣).

وقال شيخنا الجدّ المامقاني : «وما زعمه بعضهم من كون أخبارها ـ أي

__________________

(١) المستدرك للمحدّث النوري ٣ : ٥٤١ الطبعة القديمة ، ونشرته مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث في طبعة محقّقة.

(٢) وكذا فعل المحدّث الجزائري في شرح التهذيب ، قال المحدّث النوري : «والعجب من العلامة المجلسي وتلميذه المحدث الجزائري مع عدم اعتمادهما بهذا النمط الجديد خصوصا الثاني ، وشدّة إنكاره على من أخذه بنيا في شرحيهما على التهذيب والأول في شرحه على الكافي أيضا على ذلك فصنعا بهما ما أشار إليه في الرواشح ، ولم أجد محملا صحيحا لما فعلا» المستدرك ٣ : ٧٧١.

(٣) الرسائل : ٦٧.

١٠١

الكتب الأربعة ـ كلّها مقطوعة الصدور ، استنادا إلى شهادات (١) سطّرها في مقدمة الحدائق ، لا وجه له كما أوضحناه في محلّه» (٢).

وتبعهما السيد الخوئي حيث قال : «ذهب جماعة من المحدّثين إلى أنّ روايات الكتب الأربعة قطعيّة الصدور ، وهذا القول باطل من أصله ، إذ كيف يمكن دعوى القطع لصدور رواية رواها واحد عن واحد ، لا سيّما وأنّ في رواة الكتب الأربعة من هو معروف بالكذب والوضع على ما ستقف عليه قريبا وفي موارده إن شاء الله تعالى» (٣).

ومن قبلهم قال السيد المجاهد الطباطبائي بعد كلام طويل : «وبالجملة : دعوى قطعيّة ما في الكتب الأربعة ممّا لا ريب في فسادها» (٤).

فهذه الكلمات وغيرها صريحة في عدم قطعيّة صدور أحاديث الكتب الأربعة.

وأمّا بالنسبة إلى تاريخ تصنيف الأحاديث ، فقد حكى المحدّث البحراني عن جماعة : إنّ أوّل من نوّع الأخبار هو (العلّامة) أو شيخه (ابن طاوس) ـ رحمهما‌الله ـ وأمّا المتقدّمون فكانوا يأخذون بجميع الأخبار المدوّنة في (الكتب الأربعة) وغيرها من (الاصول) معتقدين بصحتها أجمع. وهذا ممّا دعا إلى الخلاف بين الأخباريين والمجتهدين (٥).

وتقدّم عن المحدّث النوري تعبيره عن هذا التنويع ب «النّمط الجديد».

__________________

(١) أجاب عنها السيد حسن الصدر في شرح الوجيزة في علم الدراية.

(٢) مقباس الهداية المطبوع في آخر تنقيح المقال في علم الرجال.

(٣) معجم رجال الحديث ١ : ٣٦.

(٤) مفاتيح الاصول للسيد محمد الطباطبائي الحائري : ٩.

(٥) الحدائق الناضرة ١ : ١٤.

١٠٢

فهذان المحدّثان وغيرهما يزعمان أنّ هذا التنويع يختص بالمتأخرين المجتهدين ، وأنّ قدماء الأصحاب كانوا يعتقدون بصحّة أحاديث «الاصول الأربعمائة» التي منها ألّفت «الكتب الأربعة».

ولكنّ الظاهر أنّ هذه الدعوى لا أساس لها من الصحّة ، فقد أجاب عنها شيخنا الجدّ ـ رحمه‌الله تعالى ـ بقوله : «وقد زعم القاصرون من الأخباريين اختصاص هذا الاصطلاح بالمتأخرين الذين أوّلهم (العلّامة) رحمه‌الله على ما حكاه جمع منهم الشيخ البهائي رحمه‌الله في (مشرق الشمسين) أو (ابن طاوس) كما حكاه بعضهم ، فأطالوا التشنيع عليهم بأنّه اجتهاد منهم وبدعة.

ولكنّ الخبير المتدبّر يرى أنّ ذلك جهل منهم وعناد ، لوجود أصل الاصطلاح عند القدماء ، ألا ترى إلى قولهم : لفلان كتاب صحيح ، وقولهم : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن فلان ، وقول الصدوق رحمه‌الله : كلّ ما صحّحه شيخي فهو عندي صحيح ، وقولهم : فلان ضعيف الحديث ، ونحو ذلك.

فالصادر من المتأخرين تغيير الاصطلاح إلى ما هو أضبط وأنفع ، تسهيلا للضبط وتمييزا لما هو المعتبر منها عن غيره» (١).

وأمّا قول المحدّث البحراني : «فأمّا المتقدّمون ...» ففيه : أنّ الأمر ليس كذلك ، بل ربّما طعن الشيخ المفيد والشيخ الصدوق في بعض أحاديث الشيخ الكليني ، وطعن الشيخ الطوسي في بعض أحاديث الصدوق والكليني (٢).

__________________

(١) مقباس الهداية في علم الدراية : ٣٢.

(٢) راجع : مفاتيح الاصول ، وأوثق الوسائل ، وقد بحث صاحب هذا الكتاب الموضوع من جميع جوانبه من ص ١٢٢ الى ص ١٣٣ فراجعه فإنّه جدير بالملاحظة.

هذا ، وذهب السيد الخوئي في (رجاله) إلى أنّ أخبار الكتب الأربعة ليست قطعية

١٠٣

فإذا كان الأمر كذلك فيما بينهم ـ وهم أصحاب الكتب الأربعة ـ فكيف بالمتأخرين منهم المجدّدين لفكرة تنويع الأحاديث ، والنظر في الأسانيد الواردة في كافة الكتب.

وهذا بحث واسع متشعّب الأطراف نكتفي منه بهذا المقدار بمناسبة المقام ، فمن أراد التوسّع فيه فليراجع مظانّه من كتب الدراية والرجال.

والخلاصة : إنّ المحقّقين من الإمامية يبنون على أنّ وجود أيّ حديث في أيّ كتاب من كتب الشيعة لا يبرر بمجرّده الأخذ به والاعتقاد بصحّة مدلوله ، إذ ليس عندهم كتاب التزم فيه مؤلّفه بالصحّة أبدا ، بحيث يستغني بذلك الباحث عن النظر في أسانيد أحاديثه والفحص عن رجاله وما قيل فيهم من الجرح والتعديل.

وهذا بخلاف أهل السنّة ، فإنّ لهم كتبا سمّوها ب «الصحاح» وأهمها عند أكثرهم (صحيح البخاري) اعتقد جمهورهم بصحّة ما اخرج فيها ، وقالوا في كتبهم الرجالية : من خرّج له في الصحيح فقد جاز القنطرة ، كما التزم أصحابها وبعض أصحاب «المسانيد» في كتبهم بالصحّة.

٣ ـ لا تجوز نسبة معتقد صاحب الكتاب إلى الطائفة

الثالث : إنّه على فرض وجود هكذا كتاب لدى الشيعة ، فإنّه لا يجوز أن ينسب معتقد مؤلّفه إلى الطائفة كلّها ، لأنّه قد يكون قوله بصحّة تلك الأخبار أو

__________________

الصدور ، بل ليس كلها صحيحا ، وأثبت أنّ المتقدّمين من المحدّثين أيضا كانوا يعتقدون نفس هذا الاعتقاد بالنسبة إلى (الاصول) و (الكتب الأربعة) ، واستنتج من جميع ذلك : أنّ أخبار هذه الكتب لا بدّ من النظر في سند كل منها ، فإن توفّرت فيه شروط الحجّية اخذ به وإلّا فلا ، كما فعل الشيخ المجلسي والمحدّث الجزائري بالنسبة إلى (الكافي) و (التهذيب).

١٠٤

ذهابه إلى أحقّية ذاك المعتقد مبنيّا على اسس غير صحيحة لدى غيره ، كالقول بقطعيّة صدور أخبار الكتب الأربعة المذكورة سابقا والمنسوب إلى مجموعة من متأخري الأخباريين ، وهو باطل كما عرفت وستعرف ، فإنّه يستلزم القول بالتحريف ـ لوجود ما يدلّ عليه فيها ، بعد عدم قبول حملها على بعض الوجوه ـ إذن ، لا يجوز إضافة معتقد لأحد العلماء وإن كان في غاية الشهرة والجلالة إلى الطائفة إلّا في حال موافقة جمهور علماء الطائفة معه فيه ، أو قولهم بصحّة كل ما ورد في ذلك الكتاب ، كما هو الحال عند أهل السنّة بالنسبة إلى الصحاح الستّة والصحيحين بصورة خاصّة.

٤ ـ وجود الأخبار الباطلة في الكتب المعروفة

الرابع : إنّ ممّا لا ريب فيه وجود أحاديث مزوّرة باطلة تسرّبت إلى الآثار الإسلامية بصورة عامّة ، فقد تهاون الصحابة ـ إلّا القليل منهم ـ في صدر الإسلام في تدوين الأحاديث النبوية ، بل قد امتنع بعضهم من ذلك وكرهه ومنع الآخرين بالأساليب المختلفة ، لأغراض مذكورة ليس هذا موضع إيرادها.

ثمّ لما أخذوا بالتدوين خبطوا خبط عشواء ، وخلطوا الغثّ بالسمين ، والصحيح بالسقيم ، وأخذوا من أفواه اناس مشبوهين ، وكتبوا عن أفراد كذّابين ، حتى كثرت الأحاديث المدسوسة والموضوعة على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الأمر الذي اضطر علماء الحديث من أهل السنّة إلى وضع كتب تمكّنوا فيها من جمع مقدار كبير من تلك الموضوعات ، ومن ناحية اخرى ألّفوا كتبا أوردوا فيها الأحاديث الصحيحة فحسب ، وذلك بحسب اجتهاداتهم وآرائهم في الرجال وغير ذلك.

١٠٥

ولكنّ الواقع أنّ اولئك وهؤلاء لم يكونوا موفّقين كلّ التوفيق في عملهم ذاك ، ولم يكونوا معصومين من الخطأ ، بل لم يكن بعضهم مخلصا في قيامه بتلك المهمّة ، إذ لم تخل الكتب التي وضعوها لجمع «الموضوعات» من الأحاديث الصحيحة ، كما لم تسلم الكتب التي سمّوها ب «الصحاح» من الأحاديث الموضوعة. هذا حال الأحاديث لدى أهل السنّة باختصار.

وكذا الحال في أحاديث الإماميّة ، فما أكثر الأحاديث المدسوسة في كتبهم من قبل المخالفين وأصحاب المذاهب والآراء الفاسدة ، ولقد كان في زمن كل إمام من الأئمّة عليهم الصلاة والسلام من يضع الأحاديث عن لسانه وينسبها إليه ، وينشرها بين الشيعة ، ويضعها في متناول أيدي رواتهم ، حتى تسرّبت إلى مجاميعهم الحديثيّة.

فقد روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنه قال : «إنّ لكلّ رجل منّا رجل يكذب عليه» (١).

وقال : «إنا أهل البيت صادقون ، لا تحلو من كذّاب يكذب علينا» (٢).

وقال : «لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدّمة ، فإن المغيرة بن سعيد دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث ...» (٣).

ولذا ، فإنّهم عليهم‌السلام جعلوا الكتاب والسنّة ميزانا لأحاديثهم يعرض عليهما ما روي عنهم فما وافقهما اخذ به ، وما خالفهما ردّ على صاحبه.

__________________

(١) المعتبر في شرح المختصر للمحقّق الحلّي : ٢.

(٢) رجال الكشي : ٥٩٣.

(٣) رجال الكشي : ترجمة المغيرة بن سعيد.

١٠٦

فالذي نريد أن نقوله هنا هو : إنّ احتمال الدسّ والتزوير يدفع حجّية كلّ خبر ، ويمنع من الاعتماد عليه ، ويفسد اعتباره «حتى ما كان منها صحيح الإسناد ، فإنّ صحّة السند وعدالة رجال الطريق انّما يدفع تعمّدهم الكذب دون دسّ غيرهم في اصولهم وجوامعهم ما لم يرووه» (١).

وإذ انتهينا ممّا مهّدناه نقول : إنّ الذي أنتجه بحثنا الطويل وفحصنا الدقيق في كتب الشيعة الإمامية هو : أنّ المعروف والمشهور بينهم هو القول بعدم تحريف الكتاب ، فإنّه رأي أعلام هذه الطائفة ، منذ أكثر من ألف سنة حتى يومنا الحاضر ، بين مصرّح بذلك ومؤلّف فيه ومؤوّل لما ينافيه بظاهره ، بل هو رأي من كتب في الإمامة ولم يتعرّض للتحريف.

نكات في كلام الشيخ الصّدوق

وإنّ من أهمّ الكلمات في هذا الباب قولا وقائلا كلمة الشيخ محمد بن علي ابن بابويه الملقّب بالصدوق المتوفّى سنة (٣٨١) المتقدّمة في (الفصل الأول) وذلك :

أولا : لقرب عهده بزمن الأئمة عليهم‌السلام وأصحابهم ، فلو كان الأئمة وتلامذتهم قائلين بالتحريف لما قال ذلك.

وثانيا : لكونه من علماء الحديث بل رئيس المحدّثين ، فلو كانت الأحاديث الظاهرة في التحريف مقبولة لدى الطائفة لما قال ذلك.

وثالثا : لأنّها كلمة صريحة وقاطعة جاءت في رسالة اعتقادية كتبها على ضوء الأدلّة المتينة من الكتاب والسنّة ، في حال أنّه بنفسه يروي بعض أخبار

__________________

(١) الميزان في تفسير القرآن ١٢ : ١١٥.

١٠٧

التحريف في كتبه الحديثيّة مثل (ثواب الأعمال) و (عقاب الأعمال).

ورابعا : لموافقة الأعلام المتأخرين عنه إيّاه في هذا الاعتقاد ، لا سيّما الشيخ المفيد الذي كتب شرحا على عقائد الصدوق وخالفه في كثير من المسائل.

ذكر من وافقه من الأعلام

وكيف ينسب إلى الشيعة قول يتّفق على خلافه :

أبو جعفر الصدوق (٣٨١).

والشريف الرضي (٤٠٦).

والمفيد البغدادي (٤١٣).

والشريف المرتضى (٤٣٦).

وأبو جعفر الطوسي (٤٦٠).

وأبو علي الطبرسي (٥٤٨).

وابن شهرآشوب (٥٨٨).

وابن إدريس الحلّي (٥٩٨).

والعلّامة الحلّي (٧٢٦).

والزين البياضي (٨٧٧).

والمحقّق الكركي (٩٤٠).

والشيخ فتح الله الكاشاني (٩٨٨).

والشيخ بهاء الدين العاملي (١٠٣٠).

والعلّامة التوني (١٠٧١).

والفاضل الجواد. (من أعلام القرن الحادي عشر).

١٠٨

والسيد نور الله التستري (١٠١٩).

والفيض الكاشاني (١٠٩٤).

والشيخ الحر العاملي (١١٠٤).

والشيخ محمد باقر المجلسي (١١١١).

والسيد علي خان المدني (١١١٨).

والسيد الموسوي الخونساري (١١٥٧).

والسيد بحر العلوم (١٢١٢).

والشيخ كاشف الغطاء (١٢٢٨).

والسيد الأعرجي الكاظمي ، شارح الوافية (١٢٢٨).

والسيد محمد الطباطبائي (١٢٤٢).

والكرباسي ، صاحب الإشارات (١٢٦٢).

والسيد حسين التبريزي (١٢٩٩).

والسيد مهدي صاحب منهاج الشريعة في الرد على ابن تيميّة (١٣٠٠)؟

وإليه ذهب المتأخرون أمثال :

المحقّق التبريزي صاحب «أوثق الوسائل في شرح الرسائل».

والسيد محمد حسين الشهرستاني صاحب «رسالة في حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف».

والشيخ محمد النهاوندي الخراساني صاحب التفسير.

والشيخ محمد حسن الآشتياني صاحب حاشية الرسائل.

والشيخ محمود بن أبي القاسم صاحب «كشف الارتياب في عدم تحريف الكتاب».

١٠٩

والسيد محمد الشهشهاني صاحب «العروة الوثقى».

والشيخ محمد حسن المامقاني صاحب «بشرى الوصول».

والشيخ عبد الله المامقاني صاحب «تنقيح المقال».

والشيخ أبي الحسن الخنيزي صاحب «الدعوة الإسلامية إلى وحدة أهل السنة والإمامية».

والشيخ محمد جواد البلاغي صاحب «آلاء الرحمن في تفسير القرآن».

والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء صاحب «أصل الشيعة واصولها».

والشيخ عبد الحسين الرشتي النجفي صاحب «كشف الاشتباه في الرد على موسى جار الله».

والسيد محسن الأمين العاملي صاحب «نقض الوشيعة في الرد على موسى جار الله».

والسيد عبد الحسين شرف الدين صاحب «أجوبة مسائل جار الله».

والشيخ عبد الحسين الأميني صاحب «الغدير».

والشيخ آقا بزرگ الطهراني صاحب «تفنيد قول العوام».

والسيد هبة الدين الشهرستاني صاحب «تنزيه التنزيل».

والسيد محمد هادي الميلاني جدّنا الراحل في فتوى له.

والشيخ محمد علي الأوردوبادي الغروي صاحب «بحوث في علوم القرآن».

والشيخ أبي الحسن الشعراني صاحب «الحاشية على الوافي».

والشيخ محمد رضا المظفر صاحب «عقائد الإمامية».

والسيد محمد حسين الطباطبائي صاحب «الميزان في تفسير القرآن».

١١٠

والسيد روح الله الخميني كما في «تهذيب الاصول».

والسيد أبي القاسم الخوئي صاحب «البيان في تفسير القرآن».

المحدّثون وأخبار التحريف

نعم ، هناك في بعض الكلمات نسبته إلى «المحدّثين» من علماء الشيعة ، وقد بذلنا الجهد في التحقيق حول مدى صحة هذه النسبة ، وراجعنا ما توفّر لدينا من الكتب والكلمات بإمعان وإنصاف ، فلم نجد دليلا على ذلك ولا وجها مبرّرا له ، بل هو حدس وتخمين أو ذهول عن الواقع إن لم يكن تعصّب.

والتحقيق : إنّ «المحدّثين» من الشيعة الإمامية الرواة لأخبار التحريف على ثلاث طوائف :

فطائفة يروون من الأخبار الظاهرة في التحريف في كتبهم الحديثية ولا يعتقدون بمضامينها ، بل يؤولونها أو يجمعون بينها وبين ما يدلّ على النفي ببعض الوجوه ، ومنهم من ينصّ على اعتقاده بخلافها أو بما يستلزم هذا الاعتقاد ، وعلى رأسهم الشيخ الصدوق.

وطائفة يروونها ولا وجه لنسبة القول بالتحريف إليهم إلّا أنّهم يروونها ، وعلى رأسهم الشيخ الكليني ، إن لم نقل بأنّه من الطائفة الاولى.

وطائفة يروونها وينصّون على اعتقادهم بمداليلها وإيمانهم بمضامينها ، وعلى رأسهم الشيخ علي بن إبراهيم القمي ، إن تمت النسبة إليه.

وبهذا يتبيّن أنّه لا يجوز نسبة القول بالتحريف إلّا إلى هذه الطائفة الثالثة من «المحدّثين» من الإمامية ، وقد وافقهم من شذّ من «الاصوليين» على تفصيل ، وهو الشيخ النراقي.

١١١

فهذا مجمل ما توصّلنا إليه واعتقدنا به ، وإليك تفصيله وإقامة البرهان عليه :

١ ـ الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي المتوفّى سنة ٣٨١.

ترجمة الشيخ الصّدوق

وقد أجمعت الطائفة على تقدّمه وجلالته ، ووصفه الشيخ أبو العباس النجاشي ب «شيخنا وفقيهنا ، وجه الطائفة بخراسان ، وكان ورد بغداد وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن» (١) وعنونه الشيخ الطوسي قائلا : «كان جليلا حافظا للأحاديث ، بصيرا بالرجال ، ناقدا للأخبار ، لم ير في القمّيين مثله في حفظه وكثرة علمه» (٢) وذكره شيخنا الجدّ المامقاني بقوله : «شيخ من مشايخ الشيعة وركن من أركان الشريعة ، رئيس المحدّثين ، والصدوق فيما يرويه عن الأئمة عليهم‌السلام» (٣).

ولد بدعاء الإمام المهدي المنتظر عجّل الله فرجه ، كما نصّ عليه أعلام الطائفة «وصدر في حقه من الناحية المقدّسة بأنه فقيه خير مبارك ، فعمّت بركته ببركة الإمام عليه‌السلام وانتفع به الخاصّ والعام ، وبقيت آثاره ومصنّفاته مدى الأيام ، وعمّ الانتفاع بفقهه وحديثه الفقهاء الأعلام» (٤).

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٧٦.

(٢) فهرست الطوسي : ١٨٤.

(٣) تنقيح المقال ٣ : ١٥٤.

(٤) تنقيح المقال ٣ : ١٥٤.

١١٢

رحل في طلب العلم ونشره إلى البلاد القريبة والبعيدة كبلاد خراسان وما وراء النهر والعراق والحجاز ، وألّف نحوا من ثلاثمائة كتاب.

عبارته في اعتقاداته

وأحد هذه المصنّفات (كتاب الاعتقادات) ، الذي قال فيه بكلّ وضوح وصراحة : «اعتقادنا في القرآن أنه كلام الله ووحيه وتنزيله وقوله وكتابه ، وأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عليم ، وأنّه القصص الحقّ ، وأنّه لقول فصل وما هو بالهزل ، وأنّ الله تبارك وتعالى محدثه ومنزله وربّه وحافظه والمتكلّم به.

اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس بأكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة ، وعندنا أنّ (الضحى) و (ألم نشرح) سورة واحدة ، و (لإيلاف) و (ألم تر كيف) سورة واحدة» (١).

يعني رحمه‌الله : إن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه ، أي : أن كل ما اوحي إليه بعنوان «القرآن» هو «ما بين الدفّتين» لا أنّ هذا الموجود «ما بين الدفّتين» بعضه ، وهو ما في أيدي الناس ، فما ضاع عنهم شيء منه ، فالقرآن عند الشيعة وسائر «الناس» واحد ، غير أنّ القرآن الموجود عند المهدي عليه‌السلام ـ وهو ما كتبه علي عليه‌السلام ـ يشتمل على علم كثير.

ثم يقول : «ومن نسب إلينا أنّا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب» (٢).

__________________

(١) الاعتقادات ـ مطبوع مع النافع يوم الحشر ، للمقداد السيوري ـ : ٩٢.

(٢) الاعتقادات : ٩٣.

١١٣

ومنه يظهر أنّ هذه النسبة «إلينا» أي : إلى الطائفة الشيعية قديمة جدّا ، وأنّ ما تلهج به أفواه بعض المعاصرين من الكتّاب المأجورين أو القاصرين ليس بجديد ، فهو «كاذب» وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

إذن ، يحرم نسبة هذا القول إلى «الطائفة» سواء كان الناسب منها أو من غيرها.

ثم قال رحمه‌الله : «وما روي من ثواب قراءة كل سورة من القرآن ، وثواب من ختم القرآن كلّه ، وجواز قراءة سورتين في ركعة نافلة ، والنهي عن القران بين السورتين في ركعة فريضة ، تصديق لما قلناه في أمر القرآن ، وأن مبلغه ما في أيدي الناس ، وكذلك ما ورد من النهي عن قراءة كلّه في ليلة واحدة وأن لا يجوز أن يختم في أقل من ثلاثة أيام ، تصديق لما قلناه أيضا ، بل نقول أنّه قد نزل الوحي الذي ليس بقرآن ، ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه مقدار سبع عشرة ألف آية ، ومثل هذا كثير ، وكلّه وحي وليس بقرآن. ولو كان قرآنا لكان مقرونا به وموصولا إليه غير مفصول عنه ، كما كان أمير المؤمنين جمعه فلما جاء به قال : هذا كتاب ربكم كما انزل على نبيّكم لم يزد فيه حرف ولا ينقص منه حرف ، فقالوا : لا حاجة لنا فيه ، عندنا مثل الذي عندك ، فانصرف وهو يقول : (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ)(١)» (٢).

ومع هذا كلّه نرى الشيخ الصدوق يروي في بعض كتبه مثل (ثواب الأعمال) ما هو ظاهر في التحريف ، بل يروي في كتابه (من لا يحضره الفقيه) الذي يعدّ أحد الكتب الحديثية الأربعة التي عليها مدار البحوث في الأوساط

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٨٧.

(٢) الاعتقادات : ٩٣.

١١٤

العلمية واستنباط الأحكام الشرعية في جميع الأعصار ، وقال في مقدّمته : «لم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما افتي به وأحكم بصحّته وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي» من ذلك ما لا يقبله ولا يفتي به أحد من الطائفة ، وهو ما رواه عن سليمان بن خالد ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : في القرآن رجم؟ قال : نعم ، قلت : كيف؟ قال : الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة» (١).

ورواه الشيخان الكليني والطوسي أيضا عن عبد الله بن سنان بسند صحيح بحسب الاصطلاح ، كما ستعرف.

والخبران يدلان على ثبوت الرجم على الشيخ والشيخة مع عدم الإحصان أيضا ، ولا قائل بذلك منا كما في (مباني تكملة المنهاج) الذي أجاب عن الخبرين قائلا : «ولا شك في أنهما وردا مورد التقية ، فإن الأصل في هذا الكلام هو عمر بن الخطاب.

فإنّه ادّعى أن الرجم مذكور في القرآن وقد وردت آية بذلك ، وقد تعرّضنا لذلك في كتابنا (البيان) في البحث حول التحريف وأن القرآن لم يقع فيه تحريف» (٢).

ولهذا ونظائره أعضل الأمر على العلماء حتى حكى في (المستمسك) (٣) عن بعض العلماء الكبار أنه قال بعدول الصدوق في أثناء الكتاب عما ذكره في أوله ، وأشكل عليه بأنه لو كان كذلك لنوّه به من حيث عدل ، وإلّا لزم التدليس ولا

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٢٦.

(٢) مباني تكملة المنهاج ١ : ١٩٦ ، وسيأتي البحث حول هذه الآية المزعومة في الباب الثاني (السنّة والتحريف) بالتفصيل فانتظر.

(٣) مستمسك العروة الوثقى ١ : ٣٠٣ حكاه عن المجلسي رحمه‌الله.

١١٥

يليق بشأنه ، وللتفصيل في هذا الموضوع مجال آخر.

وكيف كان ، فإنّ كلام الشيخ الصدوق رحمه‌الله في (الاعتقادات) مع العلم بروايته لأخبار التحريف في كتبه وحتى في (من لا يحضره الفقيه) لخير مانع من التسرع في نسبة قول أو عقيدة إلى شخص أو طائفة مطلقا ، بل لا بدّ من التثبّت والتحقيق حتى حصول الجزم واليقين.

كما أن موقفه الحازم من القول بالتحريف ونفيه القاطع له ـ مع العلم بما ذكر ـ لخير دليل على صحة ما ذهبنا إليه فيما مهّدناه وقدّمناه قبل الورود في البحث حول معرفة آراء الرواة لأخبار تحريف القرآن ، وستظهر قيمة تلك الامور الممهدة وثمرتها ـ لا سيما بعد تشييدها بما ذكرناه حول رأي الشيخ الصدوق ـ في البحث حول رأي الطائفة الثالثة وعلى رأسهم الشيخ الكليني.

ترجمة الشيخ الطوسي

٢ ـ الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى سنة ٤٦٠.

قال عنه العلّامة الحلّي في (الخلاصة) : «شيخ الإمامية ، ورئيس الطائفة ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، ثقة ، عين ، صدوق ، عارف بالأخبار والرجال والفقه والاصول والكلام والأدب ، وجميع الفضائل تنسب إليه ، صنّف في كلّ فنون الإسلام ، وهو المهذّب للعقائد في الاصول والفروع ، الجامع لكمالات النفس في العلم والعمل» (١). وقال السيد بحر العلوم في (رجاله) : «شيخ الطائفة المحقة ، ورافع أعلام الشريعة الحقة ، إمام الفرقة بعد الأئمة المعصومين عليهم‌السلام ،

__________________

(١) خلاصة الأقوال في معرفة أحوال الرجال : ١٤٨.

١١٦

وعماد الشيعة الإمامية في كلّ ما يتعلق بالمذهب والدين ، محقّق الاصول والفروع ، ومهذّب فنون المعقول والمسموع ، شيخ الطائفة على الإطلاق ، ورئيسها الذي تلوى إليه الأعناق ، صنّف في جميع علوم الإسلام ، وكان القدوة في ذلك والإمام» (١).

نفيه للتحريف مع روايته له :

فإنّه ـ رحمه‌الله ـ مؤلّف كتابين من «الكتب الأربعة» وهو من أكبر أساطين الإمامية النافين لتحريف القرآن الشريف حيث يقول : «أمّا الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق به ، لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، وأمّا النقصان منه فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى ، وهو الظاهر في الروايات ، غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجد علما ، فالأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها» (٢).

فالكلام في نقصان القرآن مما لا يليق بالقرآن ، فيجب تنزيهه عنه.

والقول بعدم النقصان هو الأليق بالصحيح من مذهبنا.

وما روي في نقصانه آحاد لا توجب علما ، فالأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها.

وهذه الكلمات تؤكد ما ذكرناه من أن الرواية شيء والأخذ بها شيء آخر ،

__________________

(١) الفوائد الرجالية ٣ : ٢٢٧.

(٢) التبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي ١ : ٣.

١١٧

لأن الشيخ الطوسي الذي يقول بأن أخبار النقصان لا توجب علما فالأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها ، يروي بعضها في كتابه (اختيار معرفة الرجال) (١) بل يروي في (تهذيب الأحكام) ـ وهو أحد الكتب الأربعة ـ قضية رجم الشيخ والشيخة بسند صحيح (٢).

أمّا في كتابه (الخلاف) فالظاهر أن استدلاله بخبر الرّجم من باب الإلزام ، لأنّه ـ بعد أن حكم بوجوب الرجم على الثيب الزانية ـ حكى عن الخوارج أنّهم قالوا : لا رجم في شرعنا ، لأنّه ليس في ظاهر القرآن ولا في السنّة المتواترة ، فأجاب بقوله : «دليلنا إجماع الفرقة ، وروي عن عمر أنه قال : لو لا أنني أخشى أن يقال زاد عمر في القرآن لكتبت آية الرجم في حاشية المصحف» (٣).

إذن ، الطوسي ينفي التحريف ، ورواية الحديث ونقله لا يعني الاعتماد عليه والقول بمضمونه والالتزام بمدلوله.

ترجمة الفيض الكاشاني

٣ ـ الشيخ محمد محسن الفيض الكاشاني ، المتوفّى سنة ١٠٩١.

قال عنه الشيخ الحر العاملي في (أمل الآمل) : «كان فاضلا عالما ماهرا حكيما متكلما محدّثا فقيها محققا شاعرا أديبا حسن التصنيف» (٤) ووصفه الأردبيلي

__________________

(١) أنظر : الفائدة الثامنة من الفوائد المذكورة في خاتمة الجزء الثالث من تنقيح المقال في علم الرجال ، لمعرفة أن الكتاب المعروف برجال الكشي الموجود الآن هو للشيخ الطوسي.

(٢) التهذيب ١٠ : ٣.

(٣) الخلاف ٢ : ٤٣٨.

(٤) أمل الآمل ٢ : ٣٠٥.

١١٨

في (جامع الرواة) ب «العلّامة المحقق المدقق ، جليل القدر عظيم الشأن ، رفيع المنزلة ، فاضل كامل أديب متبحّر في جميع العلوم» (١) وقال المحدّث البحراني في (لؤلؤة البحرين) : «كان فاضلا محدثا أخباريا صلبا» (٢) وترجم له الخونساري في (روضات الجنات) فقال : «وأمره في الفضل والفهم والنبالة في الفروع والاصول والإحاطة بمراتب المعقول والمنقول وكثرة التأليف والتصنيف مع جودة التعبير والترصيف أشهر من أن يخفى في هذه الطائفة على أحد إلى منتهى الأبد» (٣).

نفيه للتحريف مع روايته له :

وقد روى الفيض الكاشاني أحاديث نقصان القرآن في كتابيه (الصافي في تفسير القرآن) و (الوافي) عن كتب المحدّثين المتقدّمين كالعياشي والقمي والكليني ، فقال في (الصافي) بعد أن نقل طرفا منها : «المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم‌السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما انزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٤).

لكن هذا المحدّث الأخباري الصّلب ـ كما عبّر الفقيه الأخباري الشيخ يوسف البحراني ـ لم يأخذ بظواهر تلك الأحاديث ولم يسكت عنها ، بل جعل يؤوّلها في كتابيه ـ كما تقدّم نقل بعض كلماته ـ فقال في (الوافي) في نهاية البحث :

__________________

(١) جامع الرواة ٢ : ٤٢.

(٢) لؤلؤة البحرين : ١٢١.

(٣) روضات الجنات : ٥٤٢.

(٤) الصافي في تفسير القرآن ١ : ٤٤ ط لبنان.

١١٩

«وقد استوفينا الكلام في هذا المعنى وفيما يتعلق بالقرآن في كتابنا الموسوم ب (علم اليقين) فمن أراده فليرجع إليه» (١).

وفي هذا الكتاب ذكر أن المستفاد من كثير من الروايات أنّ القرآن بين أظهرنا ليس بتمامه كما انزل ، ثم ذكر كلام الشيخ علي بن إبراهيم ، وروايتي الكليني عن ابن أبي نصر وسالم بن سلمة ، ثم قال : «أقول : يرد على هذا كلّه إشكال وهو أنه على ذلك التقدير لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن ، إذ على هذا يحتمل كلّ آية منه أن تكون محرّفة ومغيّرة ، ويكون على خلاف ما أنزله الله ، فلم يبق في القرآن لنا حجّة أصلا ، فتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتّباعه والوصية به ، وأيضا قال الله عزوجل : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) وأيضا قال الله عزوجل : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) وأيضا ، قد استفاض عن النبي والأئمة حديث عرض الخبر المروي عنهم على كتاب الله».

ثمّ قال : «ويخطر بالبال في دفع هذا الإشكال ـ والعلم عند الله ـ أن مرادهم بالتحريف والتغيير والحذف إنما هو من حيث المعنى دون اللّفظ أي : حرّفوه وغيّروه في تفسيره وتأويله ، أي : حملوه على خلاف ما هو عليه في نفس الأمر ، فمعنى قولهم ، كذا انزلت ، أنّ المراد به ذلك لا ما يفهمه الناس من ظاهره ، وليس مرادهم أنها نزلت كذلك في اللّفظ ، فحذف ذلك إخفاء للحق ، وإطفاء لنور الله.

ومما يدلّ على هذا ما رواه في الكافي بإسناده عن أبي جعفر أنه كتب في رسالته إلى سعد الخير : وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده».

ثمّ أجاب عن الروايتين وقال : «ويزيد ما قلناه تأكيدا ما رواه علي بن

__________________

(١) الوافي ٢ : ٤٧٨.

١٢٠