الإمام الباقر عليه السلام وأثره في التّفسير

الدكتور حكمت عبيد الخفاجي

الإمام الباقر عليه السلام وأثره في التّفسير

المؤلف:

الدكتور حكمت عبيد الخفاجي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠

ثانيا : وقال بعضهم : إنها كانت سنة سبع وخمسين من الهجرة (١).

ثالثا : ومنهم من قال : كانت ولادته (عليه‌السلام) سنة تسع وخمسين من الهجرة (٢).

ولا نستطيع أن نحدد أو نرجح قولا ما ، دون أن نذكر أقوالهم في سنة وفاته وعمره الشريف للترابط الكبير بينهما والتلازم الحاصل في جمع الأدلة للوصول إلى رأي راجح في المسألة.

وفاته : توفي الإمام الباقر (عليه‌السلام) بالحميمة (٣) ، ونقل جثمانه الطاهر إلى المدينة المنورة بإجماع العلماء (٤) ، أما بالنسبة لسنة وفاته فقد كان اختلاف العلماء في هذه المسألة أشد وتضارب نصوصهم أكثر ، فاتبعنا نفس المنهج في حصر أقوالهم فتراوحت سنيهم بين ثلاث عشرة ومائة وبين ثماني عشرة ومائة للهجرة الشريفة على وفق النتائج الآتية :

أولا : قال بعض العلماء : إنه توفي سنة ثلاث عشرة ومائة للهجرة (٥).

ثانيا : وقال بعضهم : إنه توفي سنة أربع عشرة ومائة للهجرة (٦).

ثالثا : وقال بعضهم : إنه توفي سنة خمس عشرة ومائة للهجرة (٧).

__________________

(١) أعلام الورى ، الطبرسي ، ٢٦٥+ المشرع الروي ، ابن أبي بكر الشلي ، ١ / ٣٦+ غاية الاختصار ، ابن زهرة الحسيني ، ١٠٣+ جامع كرامات الأولياء ، النبهاني ، ١ / ٩٧+ نزهة الجليس ، العباس بن علي المكي ، ٢ / ٣٥.

(٢) سر السلسلة العلوية ، أبي نصر البخاري ، ٣٢+ عمدة الطالب ، ابن عنبة الأصفر ، ١٨٤+ تهذيب الأسماء ، النووي ، ١ / ٨٧.

(٣) معجم البلدان ، ياقوت الحموي ، ٣ / ٥٤.

(٤) المعارف ، ابن قتيبة ، ٢١٥+ الإرشاد ، الشيخ المفيد ، ٢٩٤+ الكواكب الدرية ، عبد الرءوف المناوي ، ١ / ١٦٤+ مروج الذهب ، المسعودي ، ٣ / ٢٣٢.

(٥) وفيات الأعيان ، ابن خلكان ، ٣ / ٣١٤+ الشذرات الذهبية ، ابن طولون ، ٨١+ نزهة الجليس ، العباس بن علي المكي ، ٢ / ٣٦+ دائرة معارف القرن العشرين ، محمد فريد وجدي ، ٣ / ٥٦٢.

(٦) الطبقات الكبرى ابن سعد ، ٥ / ٣٢٤+ التاريخ الكبير ، البخاري ، ق ١ / ١ / ١٨٣+ تذكرة الحفاظ ، الذهبي ، ١ / ١٢٤ ـ ١٢٥+ مشاهير علماء الأمصار ، البستي ، ٦٣+ الإكمال في رفع الارتياب ، ابن ماكولا ، ١٧٣+ اعلام الورى ، الطبرسي ، ٢٦٤+ عمدة الطالب ، ابن عنبة الأصغر ، ١٨٤+ غاية الاختصار ، ابن زهرة الحسيني ، ١٠٥+ كفاية الطالب ، الكنجي الشافعي ، ٤٥٥.

(٧) الكامل في التاريخ ، ابن الأثير ، ٤ / ٢١٧.

٢١

رابعا : وقال بعضهم : إنه توفي سنة ست عشرة ومائة للهجرة (١).

خامسا : ومنهم من قال : إنه توفي سنة سبع عشرة ومائة للهجرة (٢).

وأما بالنسبة لعمره الشريف فقد اختلفوا فيه أيضا لاختلافهم في سنة ولادته وسنة وفاته ، فكان عمره يتراوح بين ست وخمسين سنة وثلاث وسبعين على أبعد قول ، وإليك تلك الأقوال :

أولا : قال بعض العلماء : إن عمره كان ستا وخمسين سنة (٣).

ثانيا : قال بعض العلماء : إن عمره كان سبعا وخمسين سنة (٤).

ثالثا : وقال أكثرهم : إن عمره كان ثمانيا وخمسين سنة (٥).

رابعا : وقال بعض العلماء : إن عمره كان ثلاثا وستين سنة (٦).

خامسا : ومنهم من قال : إن عمره كان ثلاثا وسبعين سنة (٧).

القول الراجح : يجدر بنا قبل أن نرجح أحد هذه الأقوال أن ننبه على المنهج الذي اتبعناه في تحصيلها ثم في ترتيبها على تلك المحصلات الثلاث ، وهو إننا قمنا بترتيب أقوالهم حسب أقدمية العالم صاحب القول معتمدين في ذلك على سنة

__________________

(١) تاريخ ابن الوردي ، ابن الوردي ، ١ / ٢٤٨.

(٢) صفوة الصفوة ، ابن الجوزي ، ٢ / ٦٣+ الطبقات الكبرى الشعراني ، ١ / ٢٨+ جامع كرامات الأولياء النبهاني ، ١ / ٩٧+ ينابيع المودة القندوزي الحنفي ، ٤٣٣+ كشف الغمة ، الأربلي ، ٢ / ٣٢٩+ تاريخ اليعقوبي ، اليعقوبي ، ٢ / ٣٢٠+ الفصول المهمة ، ابن الصباغ المالكي ، ٢٠٢.

(٣) تاريخ الأئمة ، ابن أبي الثلج البغدادي ، ٥+ تذكرة الخواص ، سبط ابن الجوزي ، ١٩٢+ مرآة الجنان ، اليافعي ، ١ / ٢٤٧.

(٤) سر السلسلة العلوية ، أبي نصر البخاري ، ٣٢+ كفاية الطالب ، الكنج الحنفي ، ٤٥٠+ دلائل الإمامة ، ابن رستم الطبري ، ٩٤+ مروج الذهب ، المسعودي ، ٣ / ٢٣٢+ الإرشاد ، الشيخ المفيد ، ٢٩٣.

(٥) الإكمال ، ابن ماكولا ، ١٧٣+ الجمع ، ابن القيسراني ، ٢ / ٤٤٦+ تهذيب التهذيب ، ابن حجر العسقلاني ، ٩ / ٢٥١+ التاريخ الكبير ، البخاري ، ق ١ / ١ / ١٨٣+ تهذيب الأسماء ، النووي ، ١ / ٨٧+ ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي ، ٤٣٢+ تاريخ اليعقوبي ، اليعقوبي ، ٢ / ٣٢٠+ الفصول المهمة ابن الصباغ المالكي ، ٢٠٢+ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيثمي ، ١٢٣.

(٦) مشاهير علماء الأمصار ، البستي ، ٦٢+ طبقات الفقهاء ، الشيرازي ، ٣٦+ نور الأبصار ، الشبلنجي الشافعي ، ٢١٣.

(٧) صفوة الصفوة ، ابن الجوزي ، ٢ / ٦٣+ الطبقات الكبرى الشعراني ، ١ / ٢٨+ تاريخ ابن الوردي ، ١ / ٢٤٨+ تذكرة الخواص ، سبط ابن الجوزي ، ١٩٢+ الكواكب الدرية ، المناوي ، ١ / ١٦٥+ الكامل في التاريخ ، ابن الأثير ، ٤ / ٢١٧.

٢٢

وفاته ، فكان الترتيب الأقدم فالأقدم وهكذا ، مما سهل علينا مهمة ترجيح أحد تلك الأقوال ، وقمنا بعد ذلك في البحث عن الأدلة التي تدعم الراجح عندنا ـ والحمد لله ـ أن نمسك ببعضها ، ومن البديهي إننا إذا استدللنا على الراجح فستكون الحاجة منتفية إلى تفنيد بقية الأقوال لتداعي حججها وانتفائها في موضوع المناقشة مقابل قوة الأدلة التي سنوردها.

فالذي يترجح عندنا ـ والله اعلم ـ إن ولادة الإمام الباقر (عليه‌السلام) كانت سنة ست وخمسين للهجرة ، وسنة وفاته سنة أربع عشرة ومائة لها (١). فيكون بذلك عمره هو ثمان وخمسون سنة ، وإليك الأدلة على ذلك :

١ ـ روى البخاري ونقل عنه ابن القيسراني والنووي والعسقلاني : عن سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد الصادق قال : مات أبي وهو ابن ثمان وخمسون (٢).

٢ ـ نقل ابن حجر العسقلاني عن البخاري قوله : حدثنا عبد الله بن محمد عن ابن عيينة عن جعفر بن محمد قال : مات أبي سنة أربع عشرة ومائة (٣) ، وفي رواية ابن عساكر بسنده عن هارون بن محمد عن علي بن جعفر بن محمد قال : توفي أبو جعفر محمد سنة أربع عشرة ومائة في أمر هشام (٤).

٣ ـ روى اليعقوبي وغيره : أن الإمام الباقر (عليه‌السلام) قال : قتل جدي الحسين ولي أربع سنين وإني لأذكر مقتله وما نالنا في ذلك الوقت (٥).

٤ ـ روى ابن سعد وغيره قال : أخبرنا عبد الرحمن بن يونس عن سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد قال : سمعت محمد بن علي يذاكر

__________________

(١) ظ : التاريخ الكبير ، البخاري ، ق ١ / ١ / ١٨٣+ تهذيب التهذيب ، ابن حجر العسقلاني ، ٩ / ٣٥١+ الإرشاد ، الشيخ المفيد ، ٢٩٣+ مخطوطة تاريخ دمشق ، ابن عساكر ، ج ٥١ رقم الورقة ٤٠.

(٢) التاريخ الكبير ، البخاري ، ق ١ / ١ / ١٨٣+ الجمع ، ابن القيسراني ، ٢ / ٤٤٦+ تهذيب الأسماء ، النووي ، ١ / ٨٧+ تهذيب التهذيب ، ابن حجر العسقلاني ، ٩ / ٢٥١.

(٣) تهذيب التهذيب ، ابن حجر العسقلاني ، ٩ / ٢٥١.

(٤) مخطوطة تاريخ دمشق ، ابن عساكر ، ج ٥١ رقم الورقة ٤٦.

(٥) تاريخ اليعقوبي ، اليعقوبي ، ٢ / ٣٢٠+ تذكرة الخواص ، سبط ابن الجوزي ، ١٩٢+ عيون الأخبار ، ابن قتيبة ، ١ / ٢١٢+ الإرشاد ، الشيخ المفيد ، ٢٩٥.

٢٣

فاطمة بنت الحسين شيئا من صدقة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال : هذه توفي لي ثمانيا وخمسين ... ومات لها (١).

٥ ـ ما رواه أبو نعيم في الحلية عن سفيان بن عيينة أيضا عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : قتل علي (عليه‌السلام) وهو ابن ثمان وخمسين سنة وقتل الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة ومات علي بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين وأنا اليوم ابن ثمان وخمسين سنة ، فتوفى لها (٢).

وإذا ما أردنا أن نناقش هذه الأدلة فلا تقوم الحجة إلى الطعن بها لأن أجلة العلماء قد دونوها في كتبهم ، أولهم الإمام البخاري والحافظ ابن حجر وابن سعد واليعقوبي والحافظ أبو نعيم وغيرهم من العلماء المحققين ، فنكون في هذا الترجيح قد أيدنا ما رجحه هؤلاء العلماء والمحدثين بأدلة مرجحة لذلك ، ولا تحتاج هذه الأدلة إلى مزيد توضيح وتبيين بقدر أن أي عملية حسابية بسيطة ستبين صحة ما ذهبنا إليه في هذه الدراسة ، وتبقى مسألة تحويل سنة ولادة الإمام إلى التاريخ الميلادي وكذلك وفاته من المسائل التي يكتمل فيها هذا المطلب وقمنا بذلك من خلال الحاسبة الإلكترونية فاستطعنا أن نتوصل إليهما فكانت سنة ولادته هي ثلاث وسبعين وستمائة للميلاد ، وأما وفاته فكانت في سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة للميلاد.

مدفنه : وأما بالنسبة لمدفنه فلم يختلف العلماء في تعيينه فقد دفن في البقيع مع أبيه وعم أبيه الحسن بن علي في قبة العباس (رضي الله عنهم جميعا) (٣).

قال المسعودي : وجدت رخامة فيها إشارة إلى قبر محمد الباقر (عليه‌السلام) مكتوب عليها ما نصه (الحمد لله مبيد الأمم ومحيي الرمم ، هذا قبر فاطمة بنت

__________________

(١) الطبقات الكبرى ، ابن سعد ، ٥ / ٣٢٤+ البداية والنهاية ، ابن كثير ، ٩ / ٣٠٩+ تهذيب التهذيب ، ابن حجر العسقلاني ، ٩ / ٣٥١.

(٢) حلية الأولياء ، أبو نعيم الأصفهاني ، ٣ / ١٨٩+ كشف الغمة ، الأربلي ، ٢ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣.

(٣) عمدة الطالب ، ابن عنبة الأصغر ، ١٨٣+ غاية الاختصار ، ابن زهرة الحسيني ، ١٠٥+ صفوة الصفوة ، ابن الجوزي ، ٢ / ٦٣+ وفيات الأعيان ، ابن خلكان ، ٣ / ٣١٤+ مرآة الحرمين ، إبراهيم رفعت ، ١ / ٤٢٦ وغيرها.

٢٤

رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، سيدة نساء العالمين ، والحسن بن علي بن أبي طالب وعلي بن الحسين بن علي ، ومحمد بن علي الباقر ، وجعفر بن محمد (رضوان الله عليهم أجمعين) (١).

وأخيرا فقد أوصى الإمام الباقر (عليه‌السلام) عند موته بوصايا كثيرة منها أن يدفن في قميصه الذي كان يصلي فيه (٢).

المبحث الثاني

كنيته وألقابه ونقش خاتمه

كنيته : وكنيته (أبو جعفر) (٣) ولا كنية له غيرها ، وأحيانا يكنى بأبي جعفر الأول (٤) ، وقد كني بولده الإمام جعفر الصادق (عليه‌السلام) الذي ملأ الخافقين علما وفقها وورعا وزهدا.

ألقابه : وأما ألقاب الإمام أبي جعفر (عليه‌السلام) فقد دلت على ملامح شخصيته العظيمة وسماته الرفيعة ، لأن الأمة الإسلامية آنذاك لا تطلق الألقاب جزافا بل تطلقها وهي تحمل في طياتها بعض الجوانب من شخصية الملقب بها ، وتمثل انعكاسات اجتماعية ودينية تركزت في تمثيله (عليه‌السلام) للزعامة الروحية ، وكانت ألقابه كثيرة وهي :

١ ـ الشبيه : لأنه كان يشبه جده رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في شمائله وصفاته (٥).

__________________

(١) الأشراف والتنبيه ، المسعودي ، ٢٦٠.

(٢) الطبقات الكبرى ، الشعراني ، ١ / ٢٨+ المشرع الروي ، الشلي ، ١ / ٣٧+ تاريخ ابن الوردي ، ١ / ٤٨+ الوافي بالوفيات ، الصفدي ، ١ / ٤٠٣.

(٣) تاريخ الإسلام ، الذهبي ، ٢ / ٢٦٤+ تذكرة الخواص ، سبط ابن الجوزي ، ١٨٩+ الفصول المهمة ، ابن الصباغ ، ١٩٣+ تاريخ الأئمة ، ابن أبي الثلج ، ٥+ شذرات الذهب ، ابن العماد الحنبلي ، ١ / ١٤٩ ... وغيرها.

(٤) الأمالي ، الشيخ الصدوق ، ٣٢+ دلائل الإمامة ، ابن رستم الطبري ، ٩٥+ الإرشاد ، الشيخ المفيد ، ٢٩٣+ إثبات الهداة ، الحر العاملي ، ٥ / ٢٧٧+ سيرة الأئمة الاثني عشر ، هاشم معروف الحسني ، ٢ / ٢٠١+ الإمام الصادق والمذاهب الاربعة ، أسد حيدر ، ٢ / ٤٣٣+ أعيان الشيعة ، محسن الأمين ، ق ٢ / ٤ / ٤.

(٥) مخطوطة الدر النظيم ، ابن حاتم الشامي ، ورقة ١٨٥+ دلائل الإمامة ، ابن رستم الطبري ، ٩٤.

٢٥

٢ ـ الشاكر : لأن مترجميه وواصفيه قالوا : بأنه كان يكثر من شكره لله تبارك وتعالى وحمده في السراء والضراء حتى تميز بذلك على الناس (١).

٣ ـ الهادي : لأنه كثيرا ما كان يهتدي على يديه الكثير من الناس للدخول إلى الإسلام أو لتثبيت الإيمان في قلوب المؤمنين والمسلمين ويتبين ذلك من خلال مناظراته مع بعض النصارى وغيرهم مما ستقف عليه قريبا (٢).

٤ ـ الصابر : لصبره وتحمله للنوائب والشدائد التي أحاطت به وشاهدها عيانا منذ نعومة أظافره وأبان مرحلة الصبا وظلت لوعتها مرافقة له طيلة حياته (٣).

٥ ـ الباقر : وهذا اللقب من أكثر ألقابه ذيوعا وانتشارا ، ولم يعرف غيره في رجال الأمة من تابعين وأتباعهم وعلماء من لقب بهذا اللقب ، ولم يطلقه العلماء على غيره لاختصاصه به من دون سائر الناس (٤).

سبب اشتهاره بالباقر :

اختلف العلماء في سبب شهرته بهذا اللقب ، ويمكن حصر هذا الاختلاف في ثلاثة أقوال وهي :

القول الأول : إنما لقب بالباقر ، لأنه بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه ، نظر أولئك العلماء إلى ما أثر عنه من علوم ومعارف في شتى المجالات تناقلتها الناس في الآفاق الإسلامية وسجلها العلماء في مصنفاتهم كل حسب تخصصه.

__________________

(١) مخطوطة مرآة الزمان ، سبط ابن الجوزي ، ج ٥ / الورقة ٧٨+ حلية الأولياء ، الأصفهاني ، ٣ / ١٨٠+ كشف الغمة ، الأربلي ، ٢ / ٣٢٩+ الفصول المهمة ، ابن الصباغ المالكي ، ١٩٣+ نور الأبصار الشبلنجي الشافعي ، ١٣٠.

(٢) مخطوطة الدر النظيم ، ابن حاتم الشامي ، ورقة ١٨٥+ دلائل الإمامة ، ابن رستم الطبري ، ٩٤+ كشف الغمة ، الأربلي ، ٢ / ٣٢٩+ الفصول المهمة ، ابن الصباغ المالكي ، ١٩٣+ تذكرة الخواص ، سبط ابن الجوزي ، ١٩٠+ نور الأبصار ، الشبلنجي الشافعي ، ١٩٣.

(٣) حلية الأولياء ، الأصفهاني ، ٣ / ١٨٠+ جامع كرامات الأولياء ، النبهاني ، ١ / ٩٧.

(٤) مخطوطة تاريخ دمشق ، ابن عساكر ، ج ٥ ، الورقة ٣٧+ تقريب التهذيب ، العسقلاني ، ٢ / ١٩٢+ التاريخ الكبير ، البخاري ، ق ١ / ١ / ١٨+ طبقات الحفاظ ، السيوطي ، ٥٦+ الكاشف ، الذهبي ، ٣ / ٧٩+ صفوة الصفوة ، ابن الجوزي ، ٢ / ١٠٨ ـ ١١٢+ سير أعلام النبلاء ، الذهبي ، ٢ / ١٠٠ ، ٣ / ١٢٦ وغيرها.

٢٦

دليلهم : واستدلوا على ما ذهبوا إليه بكثرة ما ورد عنه من علوم إسلامية تمثلت في الفقه والحديث والكلام والتفسير وغير ذلك ، وعزز بعض العلماء رأيهم هذا بجملة من الروايات أثبتوها عن جده رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تؤيد ما ذهبوا إليه ، وإليك تلك الروايات :

أولا : ما رواه محمد بن يعقوب الكليني (ت : ٣٢٨ ه‍) والشيخ المفيد (ت : ٤١٣ ه‍) بأسانيد صحيحة عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد (عليه‌السلام) قال : إن جابر عبد الله الأنصاري كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وكان رجلا منقطعا إلينا أهل البيت ، وكان يقعد في مجلس رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو معتجر بعمامة سوداء ، وكان ينادي : يا باقر العلم ، يا باقر العلم ، فكان أهل المدينة يقولون : جابر يهجر ، فكان يقول : والله ما أهجر ، ولكني سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول : إنك ستدرك رجلا مني اسمه اسمي وشمائله شمائلي يبقر العلم بقرا ، فذاك الذي دعاني إلى ما أقول ، قال : فبينما جابر يتردد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذ مر بطريق وفي ذاك الطريق كتّاب فيه محمد بن علي فلما نظر إليه قال : يا غلام أقبل ، فأقبل ، ثم قال له : أدبر ، فأدبر ، ثم قال : شمائل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والذي نفسي بيده ، يا غلام ما اسمك؟ قال : محمد بن علي بن الحسين ، فجعل يقبل رأسه ويقول : بأبي أنت وأمي ، أبوك رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقرؤك السلام ... قال : فرجع محمد بن علي إلى أبيه وهو ذعر فأخبره الخبر ، فقال له : يا بني قد فعلها جابر؟! قال : نعم ، قال : ألزم بيتك يا بني ... (١).

ويمكن أن نستشف من هذه الرواية عدة أمور منها :

١ ـ أن شمائل الإمام الباقر (عليه‌السلام) وملامحه وصفاته تشبه شمائل وملامح جده رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

٢ ـ أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هو الذي سمى سبطه بمحمد ، وأضفى عليه لقب الباقر ، وأنه يبقر العلم بقرا.

__________________

(١) أصول الكافي ، الكليني ، ١ / ٤٦٩ ـ ٤٧٠+ الإرشاد ، الشيخ المفيد ، ٢٩٤.

٢٧

٣ ـ أن والده زين العابدين علي بن الحسين قد خاف على ولده بما أخبر به جابر (رضي الله عنه) عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأمره بلزوم بيته (١).

ثانيا : روى أبو نصر البخاري (كان حيا في سنة ٣٤١ ه‍) عن سبب تسميته بالباقر (عليه‌السلام) قال : سماه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الباقر (عليه‌السلام) وأهدى إليه سلامه على لسان جابر بن عبد الله الأنصاري قال : يا جابر إنك ستعيش حتى تدرك رجلا من أولادي اسمه اسمي يبقر العلم بقرا فإذا رأيته فاقرأه مني السلام ، ففعل ذلك جابر (رضي الله عنه) (٢).

ثالثا : روى اليعقوبي في تاريخه قال : قال جابر بن عبد الله الأنصاري قال لي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إنك ستبقى حتى ترى رجلا من ولدي أشبه الناس بي اسمه على اسمي ، إذا رأيته لم يخل عليك ، فاقرأه مني السلام ، فلما كبرت سن جابر وخاف الموت جعل يقول : يا باقر ، يا باقر أين أنت؟ حتى رآه فوقع عليه يقبل يديه ورجليه ويقول : بأبي وأمي شبيه أبيه رسول الله! إن أباك يقرؤك السلام (٣).

وقد ذكر ابن تيمية هذه الرواية بعينها ، ولكنه فندها وعدّها من مبتدعات الشيعة ، ولم يصححها (٤).

رابعا : روى تاج الدين بن محمد بن حمزة بن زهرة الحسيني (ت : ٧٥٣ ه‍) بسنده إلى يحيى بن الحسن قال : أخبرني ابن أبي بزة أخبرنا عبد الله بن ميمون عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : دخلت على جابر بن عبد الله الأنصاري ، فسلمت عليه فرد عليّ السلام ثم قال لي : من أنت؟ ـ وذلك بعد ما كف بصره ـ فقلت : محمد بن علي بن الحسين ، فقال لي : بأبي أنت وأمي ، ادن مني فدنوت منه فقبل يدي ثم أهوى إلى رجلي فاجتذبتها منه ثم قال : إن رسول الله يقرؤك السلام ، فقلت : وعلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) السلام ورحمة الله وبركاته ، وكيف ذلك يا جابر؟ قال : كنت معه ذات يوم فقال لي : يا جابر لعلك تبقى حتى تلقى

__________________

(١) ظ : حياة الإمام الباقر : القرشي ، ١ / ٢٤.

(٢) سر السلسلة العلوية ، أبو نصر البخاري ، ٣٢.

(٣) تاريخ اليعقوبي ، اليعقوبي ، ٢ / ٣٢٠.

(٤) منهاج السنة ، ابن تيمية ، ٧٢٨.

٢٨

رجلا من ولدي يقال له محمد بن علي بن الحسين يهب الله له النور والحكمة فاقرأه مني السلام (١).

خامسا : ما ذكره صلاح الدين الصفدي قال : وكان جابر آخر من مات بالمدينة من الصحابة وقد عمي آخر عمره ، فكان يمشي بالمدينة ويقول : يا باقر ، يا باقر ، متى ألقاك؟ فمر يوما في بعض سكك المدينة فناولته جارية صبيا في حجرها فقال لها : من هذا؟ فقالت : محمد بن علي بن الحسين؟ فضمه إلى صدره وقبل رأسه ويديه وقال : يا بني جدك رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقرؤك السلام (٢).

سادسا : وروى ابن قتيبة الدينوري (ت : ٢٧٦ ه‍) : أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال لجابر : يا جابر إنك مستعمر بعدي حتى يولد مولود اسمه اسمي يبقر العلم بقرا فإذا لقيته فاقرأه عني السلام (٣).

سابعا : وروى ابن عنبة الأصغر (ت : ٨٢٨ ه‍) وابن الصباغ المالكي (ت : ٨٥٥ ه‍) عن جابر بن عبد الله الأنصاري قالا : روى جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : يا جابر يوشك أن تلتحق بولد من ولد الحسين اسمه كاسمي يبقر العلم بقرا فإذا رأيته فاقرأه مني السلام ، قال جابر : فأخر الله تعالى مدتي حتى رأيت الباقر (عليه‌السلام) فأقرأته السلام عن جده رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٤).

وقد ذكر العلماء محاورة جرت بين زيد الشهيد وبين هشام بن عبد الملك عند ما وفد عليه الأول إلى الشام فيها تصريح من الإمام زيد (رضي الله عنه) بأنّ لقب الباقر (عليه‌السلام) إنما أطلق على أخيه الإمام محمد بن علي بن الحسين برواية عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٥).

__________________

(١) غاية الاختصار ، ابن زهرة الحسيني ، ١٠٤.

(٢) الوافي بالوفيات ، الصفدي ، ٤ / ٢+ حياة الإمام الباقر ، القرشي ، ١ / ٢٥.

(٣) عيون الأخبار ، ابن قتيبة ، ١ / ٢١٢.

(٤) عمدة الطالب ، ابن عنبة الأصغر ، ١٨٣+ الفصول المهمة ، ابن الصباغ المالكي ، ١٩٣.

(٥) تقول الرواية : وفد زيد بن علي (رضي الله عنه) على هشام بن عبد الملك ، فقال له هشام : ما فعل أخوك البقرة؟ فقال زيد لشد ما خالفت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سماه رسول الله الباقر وتسميه البقرة ، لتخالفنه في يوم القيامة. انظر : سر السلسلة العلوية ، أبو نصر البخاري ، ٣٣+ عمدة الطالب ، ابن عنبة ، ١٨٣.

٢٩

ثامنا : روى الحافظ نور الدين الهيثمي (ت : ٨٠٧ ه‍) عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين قال أتاني جابر بن عبد الله الأنصاري وأنا في الكتّاب فقال : اكشف عن بطنك ، فكشفت عن بطني فقبله ثم قال : إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمرني أن أقرأ عليك السلام. وقد علّق عليها الهيثمي بالقول : رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه المفضل بن صالح وهو ضعيف (١).

وهناك روايات أخرى ذكرها العلماء عن المدائني والطبراني عن جابر بن عبد الله الأنصاري ينقل فيها تحيات الرسول الكريم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلى ابنه الباقر (عليه‌السلام) ولكنها لم تصرح في ذكر لقبه (عليه‌السلام) ولهذا السبب لم نذكرها خوفا من الإطالة وحرصا على الاختصار في ذكر أدلة أصحاب هذا القول (٢).

ويمكننا القول أن هذه الرواية باختلاف ألفاظها قد انفرد علماء الشيعة الإمامية بتصحيحها والله أعلم بمدى صحتها.

وقد أصر أيضا علماء اللغة على أنه إنما لقب بالباقر (عليه‌السلام) لتبقره في العلم وشقه له وإليك بعض أقوالهم :

فقد قال الأزهري (ت : ٣٧٠ ه‍) : وكان يقال لمحمد بن علي بن الحسين : الباقر ، لأنه بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه ، وأصل البقر : الشق والفتح ، وكذلك التوسع والتفتح (٣).

وقال ابن منظور (ت : ٧١١ ه‍) : والتبقر : التوسع في العلم والمال ، وكان يقال لمحمد بن علي بن الحسين (رضوان الله عليهم) الباقر ، لأنه بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه وتبقر فيه (٤).

__________________

(١) مجمع الزوائد ، الهيثمي ، ١٠ / ٢٢. ضعفه النجاشي في رجاله ، في ترجمة جابر بن يزيد ، وقال ابن الغضائري : ضعيف ، كذاب ، يضع الحديث وضعفه أيضا الخوئي في معجمه ظ : ١٨ / ٣٣٠ وانظر مصادره.

(٢) ظ : ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي ، ٤٣٣+ كشف الغمة ، الأربلي ، ٢ / ٣٣١+ تاريخ الأئمة ، ابن أبي الثلج ، ٥+ تذكرة الخواص ، سبط ابن الجوزي ، ١٩٠+ دلائل الإمامة ، ابن رستم الطبري ، ٩٥+ نور الأبصار ، الشيلنجي الشافعي ، ١٣٠+ الكواكب الدرية ، المناوي ، ١ / ١٦٥+ أعلام الورى ، الطبرسي ، ٢٦٨+ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيثمي ، ١٢٣.

(٣) تهذيب اللغة / الأزهري ، ٩ / ١٣٦.

(٤) لسان العرب ، ابن منظور ، ٥ / ١٤٠.

٣٠

وقال الفيروزآبادي (ت : ٨١٧ ه‍) بقره : شقه ووسعه ، والباقر محمد بن علي بن الحسين (رضي الله تعالى عنهم) لتبحره في العلم (١).

وقال الدميري (ت : ٨٠٨ ه‍) بقر مأخوذة من الشق ، ومنه قيل لمحمد بن علي الباقر ، لأنه بقر العلم أي شقه ودخل فيه مدخلا عظيما (٢).

وكذلك بالنسبة لعلماء من صنوف شتى ، رواة ومؤرخين وعلماء رجال وإليك بعض الأمثلة :

١ ـ روى الطالقاني عن الجلودي عن المغيرة بن محمد عن رجاء بن سلمة عن عمرو بن شمر قال : سألت جابرا الجعفي فقلت له : ولم سمي باقرا؟ قال : لأنه بقر العلم بقرا أي شقه وأظهره إظهارا (٣).

٢ ـ وقال الذهبي (ت : ٧٤٨ ه‍) : وكان سيد بني هاشم في زمانه اشتهر بالباقر (عليه‌السلام) من قولهم بقر العلم يعني شقه فعلم أصله وخفيه (٤).

٣ ـ وقال الحافظ أبو الفداء الدمشقي (ت : ٧٧٤ ه‍) : وقيل له الباقر (عليه‌السلام) لتبقره في العلم أي توسعه فيه (٥).

القول الثاني : إنما سمي بالباقر ، لأن السجود بقر جبهته وشقها ، وهؤلاء العلماء نظروا إلى كثرة عبادته وصلاته.

دليلهم : ما روي عن غير واحد من العلماء : أن الإمام الباقر (عليه‌السلام) كان يصلي في اليوم والليلة مائة وخمسين ركعة (٦).

القول الثالث : إنما لقب بالباقر ، لأنه بقر الباطل وشقه وأظهر منه الحق وعمل به.

__________________

(١) القاموس المحيط ، الفيروزآبادي ، ١ / ٣٧٥ ـ ٣٧٦.

(٢) حياة الحيوان ، الدميري ، ١ / ١٤٧.

(٣) معاني الأخبار ، الشيخ الصدوق ، ٦٥+ بحار الأنوار ، محمد باقر المجلسي ، ٤٦ / ٢٢١+ الميراث عند الجعفرية ، محمد أبو زهرة ، ٣٥.

(٤) تذكرة الحفاظ ، الذهبي ١ / ١٢٤+ تاريخ الإسلام ، ٢ / ٢٦٤ ، ٨ / ٢٢٨.

(٥) البداية والنهاية ، أبو الفداء الدمشقي ، ٩ / ٣٠٩.

(٦) مخطوطة مرآة الزمان ، سبط ابن الجوزي ، ج ٥ / الورقة ٧٨+ تذكرة الحافظ الذهبي ، ١ / ١٢٥+ تاريخ ابن الوردي ، ١ / ٢٤٨+ تذكرة الخواص ، ابن الجوزي ، ١٩٠.

٣١

دليلهم : ما روي عن الإمام الباقر (عليه‌السلام) أنه قال : استصرخني الحق وقد حواه الباطل في جوفه فبقرت عن خاصرته واطلعت الحق من جنبه حتى ظهر وانتشر بعد ما خفي واستتر (١).

القول الراجح : إن الراجح في سبب تلقيب الإمام محمد بن علي بن الحسين بالباقر هو القول الأول ، أي إنه بقر العلم فعرف أصله واستنبط فرعه حتى غدا قرينا له ، لا يذكر في مناسبة أو مكان إلا ذكر معه وما رجحناه إلا لوجود أدلة كثيرة أوجبت ترجيحه والتسليم به منها :

١ ـ لقول أغلب العلماء في ترجيح هذا القول حتى أنه هناك شبه إجماع بينهم.

٢ ـ الروايات الصحيحة الواردة عن الرسول الكريم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بما رواه الثقاة ـ ولو عن طريق الإمامية فقط ـ عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه) وجعفر بن محمد الصادق ، وإن اختلفت ألفاظ تلك الروايات باختلاف المناسبات إلا أنها اتفقت على أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو الذي أطلق عليه هذا اللقب قائلا : سيبقر العلم بقرا.

٣ ـ من المعروف في التاريخ العربي الإسلامي أن كثيرا من الصحابة والتابعين قد انقطعوا لعبادة الله تبارك وتعالى وانشغلوا بالصلاة دون سواها حتى وصل الأمر ببعضهم أن يصلي أكثر من ثلاثمائة ركعة في اليوم والليلة ولم يذكر أن أحدا منهم قد شق السجود جبهته ووسعها ، هذا إذا ما علمنا أن صلاة الإمام الباقر (عليه‌السلام) بنوافلها وتطوعها لم تصل إلى أكثر من مائة وخمسين ركعة في اليوم والليلة هذا من جهة ، وإن واصفيه لم يذكروا عنه أنه كان هناك شق ظاهر في جبهته ولو كان شيئا موجودا من هذا القبيل ما أغفلوه من جهة أخرى.

٤ ـ أما بالنسبة لبقره خاصرة الباطل الذي حوى الحق واستخراجه منه ، فإن هذه الرواية قد نسبها سبط ابن الجوزي إلى القيل ، وإذا سلمنا بصحة نسبتها إلى الإمام الباقر (عليه‌السلام) لا نسلم بأن المسلمين إذا رأوا من هو شديد في الحق حريص

__________________

(١) مخطوطة مرآة الزمان ، سبط ابن الجوزي ، ج ٥ / الورقة ٧٨+ تذكرة الخواص ، ابن الجوزي ، ١٩٠.

٣٢

عليه يلقب بالباقر (عليه‌السلام) والدليل على ذاك واضح جدا من خلال الاستقراء التاريخي لرجال الأمة وقادتها من صحابة وتابعين وعلماء.

ولهذه الأسباب مجتمعة قد رجحنا القول الأول لتميز الإمام الباقر (عليه‌السلام) بين التابعين بغزارة علمه وسعة معارفه وانتشار ذلك عنه في الآفاق الإسلامية وهجرة طلاب العلم إليه لتلقي العلوم والمعارف على يديه ، وعلى الرغم من ذلك فلا يمنع هذا من الجمع بين هذه الأقوال الثلاثة فلا خير أن يكون سبب شهرة الإمام محمد بن علي بن الحسين بلقب الباقر (عليه‌السلام) أن تكون تلك الأقوال وأدلتها مجتمعة فيه ، فلا شرف يدانيه شرف العلم والعبادة وإظهار الحق للترابط الحاصل بين هذه الحيثيات في شخص الإمام أبي جعفر الباقر ، فأيها كان كانت معه المنزلة الرفيعة والمكان المميز لشخصيته الفريدة ، وصدق الشاعر فيه حين قال :

يا باقر العلم لأهل التقى

وخير من لبّى على الأجبل (١)

نقش خاتمه :

وردت روايات وأقوال عديدة في الكلمات التي كانت منقوشة على خاتم الإمام أبي جعفر الباقر ، دلّت على شدّة انقطاعه لله تعالى وتعلّقه به ، لأن نقش الخاتم عادة يكشف لنا بعض الجوانب من شخصية حامله ، وإليك تلك الأقوال والروايات في نقش خاتمه :

١ ـ روى الشيخ الصدوق بسنده عن الإمام علي بن موسى الرضا قال : كان نقش خاتم الحسين (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) وكان علي بن الحسين يتختم بخاتم أبيه الحسين وكان محمد بن علي يتختم بخاتم الحسين (٢).

إذن نقش خاتم الإمام الباقر (عليه‌السلام) في هذه الرواية هو (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ).

__________________

(١) وفيات الأعيان ، ابن خلكان ، ٣ / ٣١٤ بدون نسبة+ الشذرات الذهبية ، ابن طولون ، ٨١ أيضا+ مرآة الجنان ، اليافعي ، ١ / ٢٤٨ أيضا+ عمدة الطالب ، ابن عنبة الأصغر ، ١٨٣ أيضا+ أمل الآمل ، ابن أبي الفتح ، ٢ / ١٩٦ أيضا+ المشرع الروي الشلي ، ١ / ١٣٦ أيضا+ دائرة معارف القرن العشرين ، محمد فريد وجدي ، ٣ / ٥٦٣ أيضا+ غاية الاختصار ، ابن زهرة الحسيني ، ١٠٥ نسبه إلى القرطبي+ سر السلسلة العلوية ، أبو نصر البخاري ، ١٣٣ أيضا+ كشف الغمة ، الأربلي ، ٢ / ٣٣٦ أيضا+ الفصول المهمة ، ابن الصباغ المالكي ، ١٩٣ نسبه إلى القرظي.

(٢) عيون أخبار الرضا ، الشيخ الصدوق ، ١٢٤.

٣٣

٢ ـ روى ابن الصباغ المالكي والشبلنجي الشافعي : أن نقش خاتم الإمام أبي جعفر الباقر (عليه‌السلام) هو (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً)(١) وروى الشيخ الصدوق عن الإمام الرضا أيضا عن أبيه عن جعفر بن محمد مثله (٢) ، وقالا : ونقل الثعلبي في تفسيره أن الباقر (عليه‌السلام) كان قد نقش على خاتمه هذه (ظني بالله حسن وبالنبي المؤتمن وبالوصي ذي المنن وبالحسين والحسن) (٣).

٣ ـ وروى الحافظ أبو نعيم (ت : ٤٣٠ ه‍) بسنده عن جعفر بن محمد قال :

كان في خاتم أبي (القوة لله جميعا) (٤).

٤ ـ وذكر غير واحد من العلماء بأسانيدهم عن جعفر بن محمد قال : كان نقش خاتم أبي جعفر (العزة لله) (٥).

ويتبين من مجموع هذه الروايات أنه كان للإمام أبي جعفر الباقر (عليه‌السلام) عدة خواتيم على كل واحد منها نقش غير ما على الآخر ، فكل واحد من هذه الأقوال محتمل الصحة من خلال الجمع بينها.

المبحث الثالث

أسرته ، جده ، أبوه ، أمه ، اخوته ، أبناؤه وبناته

نشأ الإمام أبو جعفر الباقر (عليه‌السلام) في بيت الرسالة ومهبط الوحي ومصدر العلم والإشعاع ، في المدينة المنورة وفي البيت الهاشمي ، وكان جده الإمام الحسين الشهيد وأبوه الإمام زين العابدين يغذيانه بالأخلاق الكريمة ويفيضان عليه ما استقر في نفسيهما من الصفات الحميدة ، ويعلمانه السلوك النير ويأخذان بيده في الاتجاه السليم ليكون بعد حين قدوة لهذه الأمة ونبراسا يقتدى به للخير والصلاح.

__________________

(١) الفصول المهمة ، ابن الصباغ المالكي ، ١٩٣+ نور الأبصار ، الشبلنجي الشافعي ، ١٣١.

(٢) عيون الأخبار ، الشيخ الصدوق ، ١١٦.

(٣) ظ : الفصول المهمة ، ابن الصباغ ، ١٩٤+ نور الأبصار ، ١٣١.

(٤) حلية الأولياء ، الأصفهاني ، ٣ / ١٨٦.

(٥) تاريخ الخلفاء ، السيوطي ، ١٨٠+ كشف الغمة ، الأربلي ، ٣٣١+ دلائل الإمامة ، ابن رستم الطبري ، ٩٥.

٣٤

أولا : جده

هو الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ، وقد اهتم الإمام السبط في تربية حفيده وأولاه من العناية ما كان يفيض معها من روحه الشريفة على روحه وينزع من خلقه الكريم الذي رباه عليه جده رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ليضعه في سجاياه ، فكان الإمام الباقر (عليه‌السلام) مزيجا كريما وتفاعلا فاضلا بين ما اكتسبه الإمام الحسين وتعلمه من تجاربه وحياته وبين ما كان يحمله من بعض سجايا وأخلاق رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ـ وكان فيما يرويه المؤرخون ـ يجلس الإمام الباقر (عليه‌السلام) في حجره ، قال الإمام الباقر : أجلسني جدي الحسين في حجره ، وقال لي : رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقرئك السلام (١).

وفي هذا العمل كان ينقش الجد في ذهن حفيده الصبي أنه سيكون له دور قيادي ينتظره لتحمل أعبائه عند ما يكبر وليكن هذا الدور هو إشاعة العلم في الأمة وإذاعة صنوفه وأنواعه.

وقد شهد الإمام الباقر (عليه‌السلام) معركة الطف (سنة ٦١ ه‍) وعاش محنتها الكبرى وهو لم يتجاوز الرابعة من عمره حيث يقول : قتل جدي الحسين ولي أربع سنين ، وإني لأذكر مقتله وما نالنا في ذلك الوقت (٢).

وقد روى الكثير من وقائعها برواية معاوية بن عمارة الدهني عنه (٣) وروى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت : ٣١٠ ه‍) بسنده عنه بعض صورها وأحداثها (٤).

وعلى أية حال فإن تلك المأساة قد تركت ـ من دون شك ـ في نفسه أعظم اللوعة والحزن وظلت مأساتها وأشجانها ملازمة له طوال حياته.

__________________

(١) مخطوطة تاريخ دمشق ، ابن عساكر ، ج ٥١ / الورقة ٣٨+ سير أعلام النبلاء ، الذهبي ، ٤ / ٤٠٤+ حياة الإمام الباقر ، القرشي ، ١ / ٣١.

(٢) تاريخ اليعقوبي ، اليعقوبي ، ٢ / ٣٢٠+ عيون الأخبار ، ابن قتيبة ، ١ / ٢١٢+ الإرشاد ، الشيخ المفيد ، ٢٩٥+ تذكرة الخواص ، ابن الجوزي ، ١٩٢.

(٣) تاريخ الأمم والملوك ، الطبري ، ٥ / ٣٤٧ ـ ٣٤٩ ـ ٣٨٩ ـ ٣٩٠.

(٤) المصدر نفسه والصفحة.

٣٥

ثانيا : أبوه

عاش الإمام أبو جعفر الباقر (عليه‌السلام) في كنف أبيه زين العابدين علي بن الحسين بن علي ما يزيد على تسع وثلاثين عاما وقد لازمه طوال هذه المدة فلم يفارقه (١) ، وقد تأثر الإمام الباقر (عليه‌السلام) بأخلاق أبيه وسجاياه وما طبع عليه هذا الإمام من تقوى وورع وزهد وشدة انقطاع لله وعبادة له ، وانطبع كل ذلك في قرارة نفس الإمام الباقر (عليه‌السلام) كيف لا ، وقد شهد لأبيه رجال الفكر والعلم آنذاك على تعظيمه وإكباره وتقديره ، وإليك بعض كلماتهم في حقه لترى مدى تأثر أولئك العلماء بهذا الإمام الجليل ناهيك عن تأثر ابنه الإمام الباقر (عليه‌السلام) به :

قال سعيد بن المسيب (ت : ٩٤ ه‍) : ما رأيت قط أفضل من علي بن الحسين ، وما رأيته إلا مقت نفسي ، ما رأيته يوما ضاحكا (٢).

وقال محمد بن شهاب الزهري : ما رأيت قرشيا أفضل منه (٣) ، وقال أيضا : ما رأيت أفقه من علي بن الحسين (٤).

وقال زيد بن أسلم (ت : ١٣٠ ه‍) ما رأيت مثل علي بن الحسين (٥).

وقال الخليفة عمر بن عبد العزيز (ت : ١٠١ ه‍) لما أتاه نعي الإمام : ذهب سراج الدنيا ، وجمال الإسلام ، وزين العابدين (٦).

ما تقدم هو بعض كلمات رجال الفكر والعلم من الأعلام التي عكست انطباعاتهم عن الإمام زين العابدين فقد أقروا جميعا على تقديمه بالفضل والعلم على غيره من علماء عصره ومصره.

__________________

(١) كشف الغمة ، الأربلي ، ٣٣١+ دلائل الإمامة ، ابن رستم الطبري ، ٩٤+ تاريخ الأئمة ، ابن أبي الثلج ، ٥.

(٢) تاريخ اليعقوبي ، اليعقوبي ، ٢ / ٤٦+ البداية والنهاية ، أبو الفداء الدمشقي ، ٩ / ١٠٤+ حياة الإمام الباقر ، القرشي ، ١ / ٣٣.

(٣) تهذيب التهذيب ، ابن حجر العسقلاني ، ٧ / ٣٠٥.

(٤) حلية الأولياء ، الأصفهاني ، ٣ / ٣٠٩+ حياة الإمام الباقر ، القرشي ، ١ / ٣٣.

(٥) طبقات الفقهاء ، الشيرازي ، ٣٤.

(٦) تاريخ اليعقوبي ، اليعقوبي ، ٢ / ٤٨.

٣٦

أما سمو أخلاقه وحبه للعلم والعلماء وحثه على طلب العلم وعبادته وتقواه وصدقاته وبره وعلمه وفضله فقد أكثر المؤرخون في الكلام عليها والتمثيل لها بنماذج فريدة من بعض صور حياته اليومية ومفرداتها (١).

مما جعلت لديه خزينا فكريا رائعا تجمعت جزئياته وتفصيلاته من تجاربه وتجارب الآخرين وقد حاول أن يصب ذلك الخزين في فكر ولده الإمام أبي جعفر الباقر (عليه‌السلام) فجعله على شكل وصايا يوصيه بها بين الحين والآخر مطمئنا بأن أولى الناس بالاقتداء بها والسير على هديها هو ابنه الباقر (عليه‌السلام) لما رباه عليه من التقى والورع والعمل الصالح لوجه الله تعالى ، ومن بعض وصاياه له :

قال الإمام زين العابدين لولده الباقر : افعل الخير إلى كل من طلبه منك فإن كان أهلا فقد أصبت موضعه وإن لم يكن بأهل كنت أنت أهله ، وإن شتمك رجل عن يمينك ثم تحول إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره (٢).

حفلت هذه الوصية بمكارم الأخلاق التي طبعت عليها نفوس أهل البيت ، فإن الحث على فعل الخير ، والصفح عن المسيء ومقابلة الإساءة بالإحسان كل ذلك كان من ذاتياتهم ومن أبرز ما عرفوا به.

وقال الإمام الباقر (عليه‌السلام) كان أبي علي بن الحسين يقول لولده : اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جد وهزل لأن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير (٣).

لقد ربى الإمام علي بن الحسين ولده على محاسن الأعمال وغرس في نفوسهم معالي الأخلاق ، ونهاهم عن كل ما يوجب الانحطاط في سلوكية الإنسان بوضع منهج مميز يسيرون عليه في حياتهم على مرضاة الله سبحانه وتعالى وقربه وإلى مجد تليد تشهد به الأجيال جيلا بعد جيل على مر العصور والأيام.

__________________

(١) صفوة الصفوة ، ابن الجوزي ، ٢ / ٥١+ مكارم الأخلاق ، الطبرسي ، ١٤٣+ بحار الأنوار ، المجلسي ، ٢ / ٨٣+ حلية الأولياء ، الأصفهاني ، ٣ / ١٣٦+ مناقب الطالبيين ، ابن شهرآشوب ، ٤ / ١٤٨.

(٢) تحف العقول ، ابن شعبة الحراني ، ٢٨٢.

(٣) وسائل الشيعة ، الحر العاملي ، ٣ / ٢٣٢+ كفاية الأثر ، الخزاز ، ٣١٩.

٣٧

وتسلم الإمام الباقر (عليه‌السلام) بعد وفاة أبيه القيادة الروحية والمرجعية العامة للأمة الإسلامية وقد انتقلت إليه الإمامة والزعامة الدينية عند ـ الشيعة الإمامية ـ فهو الإمام الخامس من اثني عشر إماما (١) ، وقد قام الإمام الباقر (عليه‌السلام) بأداء مهمته على أحسن وجه فنشر العلم وألقى على طلابه من العلماء والفقهاء الدروس الخاصة في شئون الشريعة الإسلامية وأحكام الدين.

وقلنا فيما تقدم أن الإمام الباقر (عليه‌السلام) عاش في كنف أبيه تسعا وثلاثين على ما ذكره أكثر المؤرخين (٢) غير أن بعض المستشرقين ذكر أن إقامته مع أبيه دامت تسع عشرة سنة فقط (٣). وهذا القول غير صحيح لأنه ناشئ من قلة التتبع وعدم التثبت في شئون التاريخ الإسلامي.

ثالثا : أمه

وهي السيدة الطاهرة فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب (٤) ، وذكر بعض العلماء أن اسمها زينب بنت الحسن بن علي (٥) ، وقال بعضهم هي بنت الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (٦) ، وهذا غير صحيح إطلاقا لوضوح الاشتباه في ذلك ، وكانت تكنى بأم عبد الله ولدها (٧) ، وأحيانا بأم الحسن وكانت من سيدات نساء بني هاشم ، وكان زوجها الإمام زين العابدين يلقبها

__________________

(١) ظ : الألفين ، العلامة الحلي ، ٢٠ ـ ٢٢+ الدين والإسلام ، محمد حسين آل كاشف الغطاء ، ١ / ٣٥+ أصل الشيعة وأصولها ، آل كاشف الغطاء ، ١٠٢+ الاستنصار ، الكراجكي ، ١٧+ نظرية الإمامة ، د. محمود صبحي ، ١٤٧.

(٢) دلائل الإمامة ، ابن رستم الطبري ، ٩٤+ كشف الغمة ، الأربلي ، ٣٣١.

(٣) عقيدة الشيعة ، روايت. م. رونلدس ، ١٢٣.

(٤) أعلام الورى ، الطبرسي ، ٢٦٤+ عمدة الطالب ، ابن عنبة ، ١٨٣+ كشف الغمة ، الأربلي ، ٢ / ٣٤٩+ دلائل الإمامة ، ابن رستم الطبري ، ٩٥.

(٥) غاية الاختصار ، بأن زهرة الحسيني ، ١٠٤.

(٦) تذكرة الخواص ، سبط ابن الجوزي ، ١٩٠+ الشذرات الذهبية ، ابن طولون ، ٨١+ وفيات الأعيان ، ابن خلكان ، ٣ / ٣١٤+ مخطوطة الدر النظيم ، ابن حاتم الشامي ، الورقة ١٨٥+ دائرة معارف القرن العشرين ، محمد فريد وجدي ، ٣ / ٥٦٢.

(٧) مخطوطة تاريخ دمشق ، ابن عساكر ، ج ٥١ / الورقة ٣٩+ تذكرة الحفاظ ، الذهبي ، ١ / ١٢٥+ تهذيب الأسماء النووي ، ١ / ٨٧+ الطبقات الكبرى ، ابن سعد ، ٥ / ٣٢٠+ المحبر ، ابن أمية البغدادي ، ٥٧+ نزهة الجليس ، ابن مكي ، ٢ / ٣٦.

٣٨

بالصديقة (١) ، ويروى من كراماتها أنها كانت عند جدار فتصدع الجدار فقالت : لا وحق المصطفى ما أذن الله لك في السقوط ، فوقف معلقا حتى جازت ـ أي مرت ـ فتصدق عنها علي بن الحسين بمائة دينار (٢).

ويقول عنها حفيدها الإمام جعفر الصادق : كانت صديقة لم تدرك في آل الحسن مثلها (٣) ، وتربى الإمام الباقر (عليه‌السلام) في حجرها الطاهر وفاضت عليه من نور أشعة روحها الزكية وغذته بمثلها الكريمة حتى صارت من خصائصه ومميزاته.

ولم تتوفر لدينا أية معلومات في المصادر التي استقريناها في دراسة حياة الإمام الباقر (عليه‌السلام) عن المدة التي عاشها الإمام مع أمه ، فقد أهملت المصادر ذلك كما لم تتوفر لدينا أية معلومات عن سائر شئونها سوى رواية واحدة عثرنا عليها في طبقات ابن سعد ولم تكن تلك الرواية بذات بال (٤) وبهذا يعدّ الإمام الباقر (عليه‌السلام) أول علوي من علويين وأول هاشمي من هاشميين.

رابعا : إخوته

والبحث عن إخوة الإمام أبي جعفر الباقر (عليه‌السلام) هو مما تكتمل فيه جوانب من حياة هذا الإمام العالم ، أو مما يضيء بعض الصور من شخصيته ويكشف عن الجو العائلي الذي كان يعيش فيه والذي طالما راح الباحثون المعاصرون يعنون بهذا الجانب لتستكمل لديهم تفصيلات الموضوع المراد بحثه لاعتقادهم أن للجو الأسري إسهاما فعالا في تكوين خزين فكري واعتقادي لدى الفرد والجماعات حتى يظهر ذلك على سلوكهم اليومي وتصرفاتهم الحياتية.

فعلاقة الإمام الباقر (عليه‌السلام) بإخوته كانت علاقة وثيقة للغاية لا يشوبها شيء من النفرة والصدود وكان إخوته يهابونه ويبجلونه لمعرفتهم بمكانته واعترافهم بفضله وسيادته ، أما هو (عليه‌السلام) فإنه حدد لنا جوانب تلك العلاقة بإجابته عن

__________________

(١) مخطوطة الدر النظيم ، ابن حاتم الشامي ، الورقة ١٨٥+ دلائل الإمامة ، ابن رستم الطبري ، ٩٥.

(٢) المصدر نفسه والصفحة+ المصدر نفسه والصفحة.

(٣) البداية والنهاية ، أبو الفداء الدمشقي ، ٩ / ٣٠٩+ أصول الكافي الكليني ، ١ / ٤٦٩.

(٤) ظ : الطبقات الكبرى ، ابن سعد ، ٥ / ٣٢١.

٣٩

سؤال وجه إليه : أي إخوانك أحب إليك؟ فأجاب الإمام بأنه لا يفرق بينهم ، وأنه يكنّ لهم جميعا أعظم المودة والإخلاص قائلا : أما عبد الله فيدي التي أبطش بها ، وأما عمر فبصري الذي أبصر به ، وأما زيد فلساني الذي انطق به ، وأما الحسين فحليم يمشي على الأرض هونا ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما (١).

فبهذه الإجابة قد حدد الإمام معالم الصورة لعلاقته بإخوانه الأربعة فكانت واضحة جلية ، ناهيك عن أنهم كانوا أئمة في الورع والتقوى والصلاح مما كان عاملا مساعدا آخر في تقريب الإمام لهم وصلته وحنوه عليهم ، فقد روت سلمى مولاة أبي جعفر الباقر (عليه‌السلام) فقالت : كان يدخل إليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام ويكسوهم الثياب الحسنة ويهب لهم الدراهم ، قالت : فأقول له بعض ما تصنع؟ فيقول : يا سلمى ما يؤمل في الدنيا بعد المعارف والإخوان (٢).

فهو بهذه المحادثة مع مولاته يقطع الطريق أمام من يريد أن يعكر صفو علاقته بإخوته الكرام ، وسنتكلم عليهم بشيء من الاختصار وهم :

زيد بن علي

ابن الحسين بن علي بن أبي طالب (٣) ، أبو الحسين ، مدني ، تابعي (٤) ، ولد زيد الشهيد سنة ثمان وسبعين للهجرة (٥) وقيل سنة خمس وسبعين (٦) ، روى عن أبيه وأخيه محمد الباقر (عليه‌السلام) وروى عنه الزهري والأعمش وإسماعيل السدي وغيرهم (٧).

__________________

(١) سفينة البحار ، عباس القمي ، ٢ / ٢٧٣+ معجم رجال الحديث ، الخوئي ، ٧ / ٣٥٠+ حياة الإمام الباقر ، القرشي ، ١ / ٦١.

(٢) صفوة الصفوة ، ابن الجوزي ، ٢ / ٦٣+ كشف الغمة ، الأربلي ، ٢ / ٣٣+ المشرع الروي ، الشلي ، ١ / ٣٦

(٣) الطبقات الكبرى ، ابن سعد ، ٥ / ٣٢٥+ مشاهير علماء الأمصار ، البستي ، ٣

(٤) تهذيب التهذيب ، العسقلاني ، ٣ / ٤٢٠+ المحبر ، البغدادي ، ٤٨٣.

(٥) تاريخ دمشق ، ابن عساكر ، ٦ / ١٨.

(٦) مشاهير علماء الأمصار ، البستي ، ٤.

(٧) تهذيب التهذيب ، العسقلاني ، ٥ / ٣٢٥.

٤٠