الإمام الباقر عليه السلام وأثره في التّفسير

الدكتور حكمت عبيد الخفاجي

الإمام الباقر عليه السلام وأثره في التّفسير

المؤلف:

الدكتور حكمت عبيد الخفاجي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠

تموج فيه مجموعة من التيارات الدخيلة والمدخلة على الوسط الثقافي الإسلامي ، فلم يكن دور الإمام في تفسيره لآيات التوحيد دور الموضح والكاشف عن المعاني إنما إلى جنب ذلك كان دورا يصح التعبير عنه أنه المصحح والموجه والكاشف عن مكامن الزيغ والضلال ، وإذا تتبعنا أقوال المفسرين ولا سيما المتقدمين منهم سنكتشف أن للإمام الباقر دورا فاعلا في تحديد المنهج الذي ينبغي السير عليه في فهم آيات الله تعالى.

إن عصر الإمام الباقر لم يكن العصر الذي تفهم فيه آيات الله على ظاهرها ، وأن منهج التفويض لم يثبت أنه قد أمر به رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، أما سكوت الصحابة عن تفسير هذه الآيات فلأنهم فهموها على ضوء سليقتهم ولعدم وجود المداخلات الدخيلة على ثقافتهم القرآنية ، وقد ورد التأويل عن ابن عباس رضي الله عنه في كثير من المواضع.

ويظهر لي أن معظم ما ينقل عن الإمام الباقر له علاقة فيما نقل عن آبائه الكرام وعن بعض الصحابة الميامين وهذا يجرنا إلى القول أن تقسيم العصور إلى سلف وخلف تقسيم ضعيف ، فهذا الطبري ينقل لنا في تفسير رأي المؤولين بنزاهة إلى جانب رأي المفوضين ، وهذا مجاهد الذي يقول عنه ابن تيمية : إمام المفسرين (١) ، ويقول عنه الثوري : إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به (٢) ، وهو يجنح إلى التأويل ناقلا له عن بعض الصحابة (٣).

ونحن إذا راجعنا تفاسير بعض آيات التوحيد وحكمنا الضوابط التي فسرت في ضوئها نجدها مأخوذة عن تفسير الباقر وغيره ، كضابط تفسير القرآن بالقرآن وضابط تفسير القرآن بقواطع العقل.

إن ضرورة اتباع هذه الضوابط جاءت نتيجة لتغير ظروف العصر ـ زمن الإمام الباقر ـ وظهور الشبهات مع بواكير اختلاط المسلمين بغيرهم من أهل

__________________

(١) مقدمة في أصول التفسير ، ابن تيمية ، ٢٤٧.

(٢) المصدر نفسه والصفحة+ الاتقان ، السيوطي ، ٢ / ٢١٠.

(٣) ظ : محاضرات في تفسير آيات الصفات بين المفوضة والمؤولة ، استاذنا الدكتور محسن عبد الحميد.

٣٠١

الكتاب ، ونلحظ أيضا تأثير الإمام في تأويل بعض الآيات في أقوال غيره من التابعين من أمثال سعيد وقتادة وعطاء وسفيان الثوري وغيرهم.

الحقيقة الثانية : إن هذه النماذج التي عرضناها تمثل الاتجاه المدافع عن الحقيقة القرآنية كما في قبالة تلك التيارات التي أرادت أن تخلق مجموعة من الفهم المضلل للقرآن الكريم ، لأن الفهم الصحيح لمسائل العقيدة لا بد أن يستند إلى القرآن الكريم وإلى قواعد العقل ولا بد له من إحالة المتشابه على المحكم ولا بد أن تكون مخلصة في مجابهتها لتيارات التمزق والفرقة ، ولقد كان الإمام الباقر علما بارزا كأحد أعلام هذه الأمة في تأصيل هذا المنهج وتعميم الأخذ به ، وقد ظهر ذلك واضحا من هذه الأمثلة والنماذج التي سقناها على سبيل المثال ، وإلا فإن إحصاءها والكشف عن مقاصدها وآثارها في مسيرة الفكر العربي الإسلامي يتطلب مني التوسع الكثير الذي لا تتسع له صفحات هذه الرسالة.

المبحث الثاني

النبوة والوحي

اتفقت المذاهب الإسلامية وهي تدرس نظرية المعرفة على عدم الاقتصار على المعارف العقلية وقرروا حاجة العقل الإنساني إلى ما يستعين به لتحديد الأعمال وتعيين الاعتقادات ، وذلك المعين أو المحدد هو النبي ووافقهم في ذلك كل الفلاسفة وجميع المؤمنين بالشرائع السماوية (١).

إن أحوال الكون ومراتب الأخلاق ويقينيات الآخرة لا يمكن للعقل البشري أن يصل إليها لوحده إلا بالاستعانة بما يحقق الاتصال بالله تعالى وهم الأنبياء ، قال تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٢).

__________________

(١) أصول الدين الإسلامي ، د. قحطان الدوري ، ٢٠٠.

(٢) آل عمران / ١٦٤.

٣٠٢

وللنبوة في اللغة عدة معان منها :

١ ـ الخبر : فهي من النبأ وهو الخبر ، فالنبي من أنبأ عن الله تعالى (١).

٢ ـ الارتفاع : من النبوة وكذلك النباوة ، والنبي على هذا هو الرفيع المنزلة عند الله (٢).

٣ ـ الطريق : باعتبار أنها وسيلة إلى الله تعالى ويقال للرسل عن الله تعالى أنبياء لكونهم طريق الهداية (٣).

وفي الاصطلاح فقد استقر تعريفها عند العلماء بتفضل من الله تعالى على من اختصه بكرامته لعلمه بحميد عاقبته واجتماع الخلال الموجبة في الحكمة بنبوته في الفضل عمن سواه (٤).

وإن مباحث النبوة التي استهدى علماء الكلام للوصول إليها بآيات القرآن الكريم عززت بايضاحات أئمة المسلمين وهم يكشفون النقاب عن مراميها ومقاصدها ، وقد كان للإمام الباقر دور بارز في هذا الكشف من خلال أقواله وآرائه في الآيات ذات الصلة بمبحث النبوة ، فهي على كثرتها حيث بلغت سبعا وعشرين رواية فإننا سنختار وفقا لتسلسل ورودها في ترتيب المصحف الشريف ما نعتبره نموذجا كاشفا عن جهود الإمام في هذا المجال وأثره فيه :

أولا : قبل أن نقف على تلك الروايات يجب علينا ونحن في هذا المبحث أن نوضح الفرق بين النبي والرسول ونكشف عن رأي الإمام الباقر في هذه المسألة فنقول : اختلف العلماء في بيان الفرق بين النبي والرسول على قولين :

الأول : هو ما ذهب إليه جمهور المعتزلة : من أنه لا يوجد فرق بينهما ، فالنبي رسول والرسول نبي (٥).

ومن أدلتهم على ذلك :

__________________

(١) الصحاح ، الجوهري ، ١ / ٧٤ ـ ٧٥+ شرح المقاصد ، التفتازاني ، ٢ / ١٢٨.

(٢) لسان العرب ، ابن منظور ، ١٥ / ٣٠١ ـ ٣٠٢+ شرح مطالع الأنظار ، الاصفهاني ، ١٩٨.

(٣) شرح الأصول الخمسة ، القاضي عبد الجبار ، ٥٦٧.

(٤) أوائل المقالات ، الشيخ المفيد ، ٧٤ ـ ٧٥.

(٥) أعلام النبوة ، الماوردي ، ٣٧ ـ ٣٨+ شرح الأصول الخمسة ، القاضي عبد الجبار ، ٥٦٧ ـ ٥٦٨.

٣٠٣

أ ـ قوله تعالى : (وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا)(١) ، وجه الدلالة : دلت الآية على أن معنى النبي والرسول واحد وأنهما لا فرق بينهما (٢).

ب ـ قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ)(٣) ، وجه الدلالة : قد جعلت الآية كل من الرسول والنبي مرسلا من عند الله (فلا يكون النبي إلا رسولا ولا الرسول إلا نبيا) (٤).

القول الثاني : ما ذهب إليه متكلموا الأشعرية والإمامية وهو أنه يوجد فرق بين النبي والرسول مستدلين على ذلك بأدلة منها :

أ ـ قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ)(٥) ، وجه الدلالة : دلت الآية على ثبوت التغاير بين الرسول والنبي ، وهو عطف عام على خاص ويقتضي المغايرة (٦).

ب ـ إن من أنبياء الله كانوا حفظة لشرائع الرسل وخلفائهم في المقام (٧). وإن اختلاف الأسماء يدل على اختلاف المسميات (٨). بدليل قوله تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا)(٩) وفي ذلك دلالة على الفرق بينهما (١٠).

وقد أوضح الإمام الباقر الفرق بين النبي والرسول مع البواكير الأولى لظهور هذه الفرق الكلامية الإسلامية وحتى قبل ظهور بعض منها ، وذهب إلى أن هناك فرقا بينهما حيث قال : الرسول الذي تأتيه الملائكة ويعاينهم وتبلغه عن الله تعالى ، والنبي : الذي يرى في منامه ، فما رأى كما رأى (١١).

__________________

(١) مريم / ٥٤.

(٢) الكستلي على النسفية ، ٣٦+ حاشية المرجاني ، ١ / ١٢.

(٣) الحج / ٥٢.

(٤) الشفا ، القاضي عياض ، ١ / ٢٥٠.

(٥) الحج / ٥٢.

(٦) الأساس لعقائد الأكياس ، القاسم ، ١٣٨.

(٧) أوائل المقالات ، الشيخ المفيد ، ٤٩.

(٨) أعلام النبوة ، الماوردي ، ٣٨.

(٩) مريم / ٥١.

(١٠) العقيدة الإسلامية ، الميداني ، ٢ / ٤٢.

(١١) الكافي ، الكليني ، ١ / ١٧٧+ الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ٢ / ٤٧.

٣٠٤

وقد كانت هذه الرواية من الأدلة الخاصة بالإمامية ، وهي تكشف أيضا عن مدى اهتمام المسلمين بمثل هذه القضايا زمن الإمام الباقر من جهة وتوضح الدور الفعال الذي كان يقوم به الإمام في بلورة فهم إسلامي صميم مستندا على القرآن الكريم والسنة المطهرة من جهة أخرى في الخوض بمباحث النبوة وما يتصل بها.

ثانيا : في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...)(١) ، روي بسند صحيح عن عبد الرحيم القصير قال : قال الإمام أبو جعفر (عليه‌السلام) : كشط الله له عن الأرضين حتى رآهن وما تحتهن وعن السموات حتى رآهن وما فيهن من الملائكة وحملة العرش (٢).

ونقل ابن الجوزي أقوال المفسرين في هذه الآية ، فعن مجاهد : ملكوت السموات والأرض : آياتها ، تفرجت له السموات السبع حتى العرش فنظر فيهن ، وتفرجت له الأرضون السبع فنظر فيهن ، وقال قتادة : ملكوت السموات : الشمس والقمر والنجوم ، وملكوت الأرض : الجبال والشجر والبحار ، وقال السدي : أقيم على صخرة ، وفتحت له السموات والأرض فنظر إلى ملك الله (عزوجل) ، حتى نظر إلى العرش وإلى منزله من الجنة ، وفتحت له الأرضون السبع حتى نظر إلى الصخرة التي عليها الأرضون (٣).

يتضح مما نقله أبو الفرج إن قول مجاهد وكذلك السدي كان قريبا من قول الإمام الباقر في هذه الآية وحصر قتادة لملكوت السماوات والأرض بتلك المسميات فقط دعوى بلا دليل.

ولم ينقل الزمخشري أقوال المفسرين من الصحابة والتابعين في هذه الآية واكتفى بالقول : ملكوت السموات والأرض يعني الربوبية والألوهية ، فنوفقه إلى معرفتها ونرشده بما شرحنا صدره وسددنا نظره وهديناه لطريق الاستدلال (٤).

__________________

(١) الأنعام / ٧٥.

(٢) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ٢٦٣+ تفسير القرآن ، القمي ، ١ / ٣٤+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ٢ / ٣٢٢+ مقتنيات الدرر ، الحائري ، ٤ / ١٩٨.

(٣) زاد المسير ، ابن الجوزي ، ٣ / ٢٧٠.

(٤) الكشاف ، الزمخشري ، ٢ / ٤٠.

٣٠٥

ونقل النسفي قول مجاهد المتقدم فقط ولم يعلق عليه ترجيحا أو تركا (١) ، وأورد القرطبي أربعة أوجه في تفسير الآية فقال : قيل : أراد به ما في السموات من عبادة الملائكة والعجائب وما في الأرض من عصيان بني آدم ... روى معناه الإمام علي عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، وقيل : كشف الله له عن السموات والأرض حتى العرش وأسفل الأرضين ، وروى ابن جريح عن القاسم عن إبراهيم النخعي قال : فرجت له السموات السبع فنظر إليهن حتى انتهى إلى العرش ، وفرجت له الأرضون فنظر إليهن ورأى مكانه في الجنة ... عن السدي ، وقال الضحاك : أراه من ملكوت السماء ما قصه من الكواكب ، ومن ملكوت الأرض البحار والجبال والأشجار ونحو ذلك مما استدل به ، وقال بنحوه ابن عباس (٢).

إذن القول الثاني مما أورده القرطبي يؤيد ما ذهب إليه الإمام الباقر في تفسير الآية ويعزز ما ذهبنا إليه من أن الله تعالى من مقتضيات لطفه أنه يمكن الأنبياء من العلم بالكون المشاهد تفصيلا كما يمكنهم من العلم بالكون المقروء.

ثالثا : في قوله تعالى : (... وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ...)(٣) روى الطبري وغيره عن الإمام الباقر قال : أي في أصلاب النبيين ، نبي بعد نبي ، حتى أخرجه من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم (٤) غير أنه لم يرجح قول الإمام الباقر وصوب القول بأن معنى هذه الآية هو : ويرى تقلبك مع الساجدين في صلاتهم معك حين تقوم معهم وتركع وتسجد ، لأن ذلك هو الظاهر من معناه (٥). ويكون بهذا قد أجرى اللفظ على ظاهره.

ونقل ابن الجوزي الأقوال في تفسير هذه الآية بدون أن يرجح واحدا منها فقال : فيه ثلاثة أقوال :

__________________

(١) مدارك التنزيل ، النسفي ، ٢ / ١٩.

(٢) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ٧ / ٢٣ ـ ٢٤.

(٣) الشعراء / ٢١٩.

(٤) جامع البيان ، الطبري ، ١١ / ٥٥+ الدر المنثور ، السيوطي ، ٣ / ٢٩٤ ـ ٢٩٥+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ٧ / ٢٠٧+ تفسير فرات ، فرات بن إبراهيم الكوفي ، ١٠٨.

(٥) جامع البيان ، الطبري ، ١١ / ٥٦.

٣٠٦

أحدها : وتقلبك في أصلاب الأنبياء حتى أخرجك ، رواه عكرمة عن ابن عباس.

الثاني : وتقلبك في الركوع والسجود والقيام مع المصلين في الجماعة ، وهذا قول الأكثرين منهم قتادة.

الثالث : وتصرفك في ذهابك ومجيئك في أصحابك المؤمنين ، قاله الحسن (١).

وذكر الزمخشري القولين الثاني والثالث في أعلاه ولم يذكر القول الأول ولم يرجح واحدا منهما (٢) ، وأيد النسفي القول الثالث في أعلاه ذاكرا للقول الثاني مع عدم الميل إليه ، ولم يذكر القول الأول أيضا (٣).

وأضاف القرطبي لهذه الأقوال الثلاثة قولا رابعا غير أنه استبعده وهو : أنك ترى في قلبك في صلاتك من خلفك كما ترى بعينك من قدامك ، وكان (عليه‌السلام) يرى من خلفه كما يرى من بين يديه ، وذلك ثابت صحيح وفي تأويل الآية بعيد (٤) ، غير أنه لم يرجح أحد الأقوال أيضا.

ويميل الباحث إلى قول ابن عباس رضي الله عنه والإمام الباقر من أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تقلب في أصلاب الأنبياء ، نبي بعد نبي ، حتى أخرجه ، لأن الصراع بين الفهم التلمودي للإسلام والفهم المحمدي له قائم على أساس أن النبوة منحصرة في إسحاق ، وقد أسهم القرآن الكريم في دحض هذه الفرية فمدح النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في قوله تعالى : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) ليشير إلى أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مولود من أصلاب الأنبياء كذلك مما يلزمهم الإيمان به كما آمنوا بأنبياء بني إسرائيل ويثبت لهم أن اسماعيل (عليه‌السلام) ممن أوتي النبوة دحضا لما اعتبر أساسا دينيا عند اليهود بتكذيب نبوة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، وبتفسير الإمام الباقر وقبله ابن عباس تتجلى هذه الحقيقة واضحة وتنكشف الفرية اليهودية ، فيكون تفسير الإمام من روافد الفهم الإسلامي الصحيح لتدرج النبوات ولمفهوم الاصطفاء لهذه الشريحة الكريمة من البشر.

__________________

(١) زاد المسير ، ابن الجوزي ، ٦ / ١٤٨ ـ ١٤٩.

(٢) الكشاف ، الزمخشري ، ٣ / ٣٤١ ـ ٣٤٢.

(٣) مدارك التنزيل ، النسفي ، ٣ / ١٩٩.

(٤) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ١٣ / ١٤٤.

٣٠٧

رابعا : في قوله تعالى : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)(١) قال الطبرسي : أولوا العزم من الرسل من أتى بشريعة مستأنفة نسخت شريعة من تقدمه ، وهم خمسة ، أولهم : نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم محمد (صلى الله عليه وعليهم أجمعين) ، عن ابن عباس وقتادة وهو المروي عن الإمام أبي جعفر الباقر (٢).

وقال الإمام الباقر : وهم سادة النبيين وعليهم دارت رحى المرسلين (٣).

اختلف العلماء في مسميات أولي العزم من الرسل على عشرة أقوال ذكرها جميعا ابن الجوزي (٤) والقرطبي (٥) دون أن يرجحا قولا ، واختار الزمخشري (٦) والبيضاوي (٧) كل واحد منهما قولا يخالف ما اختاره الآخر غير أنه لم يكن أي منهما موافقا لقول الإمام الباقر.

وأعرض ابن كثير عن ذلك تلك الأقوال واختار ما قاله الإمام الباقر وما روي عن ابن عباس ومجاهد وعطاء من أن أولي العزم هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وخاتم الأنبياء كلهم محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقال : قد نص الله تعالى على أسمائهم من بين الأنبياء في آيتين من سورتي الأحزاب والشورى (٨).

ويتضح من قول ابن كثير أنه قد رجح ما كان الدليل عليه من القرآن الكريم ، ويرجح الباحث ما مال إليه ابن كثير من جهة وأن في الآية تسوية بين النبي محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأولي العزم من جهة أخرى ، أوضح فيها الإمام الباقر هذا المصطلح القرآني بأنهم أصحاب الشرائع السماوية والذي جعل من ملازماتها أن كل شريعة لا حقة تنسخ الشريعة السابقة.

__________________

(١) الأحقاف / ٣٥.

(٢) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٩ / ٩٤.

(٣) مقتنيات الدرر ، الحائري ، ١٠ / ٤٣٠.

(٤) زاد المسير ، ابن الجوزي ، ٧ / ٣٩٢ ـ ٣٩٣.

(٥) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ١٦ / ٢٢٠ ـ ٢٢١.

(٦) الكشاف ، الزمخشري ، ٤ / ٣١٣.

(٧) أنوار التنزيل ، البيضاوي ، ٤ / ١٤٦.

(٨) تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، ٦ / ٣٠٧ مشيرا في الآيتين إلى قوله تعالى : ... وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ... الأحزاب / ١٧ وقوله تعالى : شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى الشورى / ١٣.

٣٠٨

خامسا : في قوله تعالى : (... إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(١) وما رجعنا إلى هذه الآية من سورة البقرة إلا لتعلق الأمر بعصمة الأنبياء وطالما تكلم عليها علماء الفرق الإسلامية وأما أهل اللغة فقالوا العصمة : بمعنى الحفظ أو المنع (٢) ، أما في الاصطلاح فهي اللطف الذي يفعله الله تعالى فيختار العبد عنده الامتناع من فعل القبيح (٣).

وقد اختلف العلماء في عصمة الأنبياء قبل البعثة أو بعدها عن الصغائر أو الكبائر مما جعلها من مباحث علم الكلام ، فمن أراد الاستزادة منها فليراجعها في مظانها (٤).

وعلى أية حال ، فإن الإمام الباقر فسر الآية أعلاه برواية جابر الجعفي عنه أنه قال : إن الله اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا واتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا واتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا ، فلما جمع له هذه الأشياء وقبض يده قال له : يا إبراهيم (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) ، فمن عظمها في عين إبراهيم قال : يا رب (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)؟ قال : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(٥).

وفي هذا التفسير دلالة على أن مفهوم الاصطفاء يستلزم الانصياع المطلق لله تعالى وفيه إشارة إلى أن الأنبياء معصومون قبل البعثة ، ولذلك قال الله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فالظالم لفظ مشتق يتحقق التلبس بمتعلقه متى حصل منه ظلم ، فلو حصل قبل البعثة عد ظالما ووجب تكذيب الخبر وحيث اللازم باطل بطل الملزوم.

وذهب لهذا المعنى النسفي في قوله : سأل أن يكون ولده نبيا كما كان هو فأخبر أن الظالم لا يكون نبيا ، بعد أن عرض القول الأول وهو الإمامة وقال فيه : ولكنا نقول المراد بالظالم الكافر هنا إذ هو الظالم المطلق (٦).

__________________

(١) البقرة / ١٢٤.

(٢) لسان العرب / ابن منظور ، ١٢ / ٤٠٤+ تاج العروس ، الزبيدي ، ٨ / ٣٩٩.

(٣) الأمالي ، المرتضى ، ٢ / ٣٤٧+ شرح عقائد الصدوق ، الشيخ المفيد ، ٢٥٤.

(٤) ظ : المواقف ، الايجي ، ٣ / ٢٠٥+ الشفا ، القاضي عياض ، ٢ / ٢٠٣+ كشف المراد ، العلامة الحلي ، ٢١٧.

(٥) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ٢ / ٢٥٦+ تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ٣٦٠.

(٦) مدارك التنزيل ، النسفي ، ١ / ٧٣.

٣٠٩

ومال ابن كثير إلى ما اختاره الطبري عند ما نقل عنه اختياره أنه لا ينال عهد الله بالإمامة ظالما عن مجاهد وغيره (١) ، وكذلك بالنسبة إلى ابن الجوزي فقد مال إلى أن العهد هو الإمامة بعد ما روى عن السدي أنها تعني النبوة (٢).

وعرض القرطبي أقوال العلماء في المسألة وجعل أولها ما رواه أبو صالح عن ابن عباس : أنها النبوة ، وبه قال السدي ومجاهد (٣). أي أن الظالم لا يكون نبيا حين تلبسه بالظلم قبل البعثة لأنه ينافي العصمة وهو تفسير الإمام الباقر كما تقدم غير أن القرطبي هنا عرض الأقوال بدون تصويب.

واختار الزمخشري القول بأن الإمامة هي العهد في هذه الآية وأن الله سبحانه وتعالى لا يجعل الظالم إماما ، بل يجب أن يكون عادلا بريئا ، منزها من الظلم وأطال في ضرب الأمثلة لذلك (٤).

يتبين مما تقدم من عرض أقوال العلماء في مسألة العصمة ومفهوم الاصطفاء أن منهم من ذهب إلى ما ذهب إليه الإمام الباقر ومنهم من خالفه ، رائد الجميع في ذلك هو التوصل لفهم مراد الله تعالى ضمن الإطار العام للفكر الإسلامي.

سادسا : في قوله تعالى : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)(٥) ، عن محمد بن مسلم وجابر الجعفي قالا : سئل الإمام أبو جعفر الباقر : أكان عيسى ابن مريم حين تكلم في المهد حجة لله على أهل زمانه؟ فقال : كان يومئذ نبيا حجة لله غير مرسل أما تسمع قوله حين قال : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) فقيل : فكان يومئذ حجة له على زكريا في تلك الحال وهو في المهد؟ فقال : كان عيسى (عليه‌السلام) في تلك الحال آية للناس ورحمة من الله لمريم حين تكلم فعبر عنها وكان نبيا حجة على من أسمع كلامه في تلك الحال ثم صمت ولم يتكلم حتى مضت له سنتان وكان زكريا الحجة لله تعالى بعد صمت عيسى بسنتين ثم مات زكريا فورثه ابنه

__________________

(١) تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، ١ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤.

(٢) زاد المسير ، ابن الجوزي ، ١ / ١٤٠ ـ ١٤١.

(٣) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ٢ / ٩٧ ـ ١٠٠.

(٤) الكشاف ، الزمخشري ، ١ / ١٨٤.

(٥) مريم / ٣٠.

٣١٠

يحيى الكتاب والحكمة وهو صبي صغير أما تسمع لقوله عزوجل : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(١) فلما بلغ عيسى (عليه‌السلام) سبع سنين تكلم بالنبوة والرسالة حين أوحى الله إليه ، فكان عيسى الحجة على يحيى وعلى الناس أجمعين (٢).

ويؤيد ما ذهب إليه الإمام الباقر النسفي في قوله : أنه كان في المهد نبيا وكلامه معجزته (٣) ، ولكنه لم يفصل ما فصله الإمام الباقر.

واختار ابن الجوزي القول في معنى الآية أي يؤتيني الكتاب ويجعلني نبيا إذا بلغت ، فحل الماضي محل المستقبل (٤) ، وهو ما ذهب إليه سفيان الثوري قبله (٥).

وأيد القرطبي قول الإمام في أن تكلم عيسى في المهد كان رحمة لأمه مريم وحجة على الناس فإن كان التفسير كذلك فقد خلص القرطبي إلى تصويبه وإن كان خلاف ذلك اعتبر القول الثاني هو الصحيح (٦).

وأخيرا فإن في النص المتقدم عن الإمام الباقر تفريقا بين كون وضع سيدنا عيسى (عليه‌السلام) حين تكلم في المهد آية ـ أي معجزة للناس ـ ورحمة لمريم (عليها‌السلام) وحجة على من سمع لأنه دعى إلى نفسه مستدلا على ذلك بالقرآن الكريم بوجوب التمسك بما ورد عن الأنبياء ، وفيها من جهة المنهج وجوب تفسير المشكل من بعض الكتاب بالكتاب.

والذي نستشفه أيضا أن ظاهرة تفسير القرآن بالقرآن في أقوال وآراء الإمام الباقر بارزة ، فما أن يشكل الناس على تفسيره بشيء حتى يسند قوله بما يفسر تلك الآية من القرآن نفسه ، ومن ذلك نعرف أن سياقات التفسير عند الإمام إشارة بوضوح إلى اعتماد منهج تفسير القرآن بالقرآن كأولى المناهج كما وضحنا في الفصل الرابع في الباب الأول من هذه الرسالة.

__________________

(١) مريم / ١٢.

(٢) الصافي في تفسير القرآن ، ٢ / ٤٣ ـ ٤٤+ الكافي ، الكليني ، ٤ / ٥٦.

(٣) زاد المسير ، ابن الجوزي ، ٥ / ٢٢٩.

(٤) مدارك التنزيل ، النسفي ، ٣ / ٣٤ ..

(٥) تفسير القرآن الكريم ، سفيان الثوري ، ١٤٣. وأخرج عبد الرزاق عن عكرمة قال : قضى فيما قضى أن أكون كذلك ، ظ : الدر المنثور ، السيوطي ، ٤ / ٢٧٠.

(٦) الجامع لأحكام القرآن ، ١١ / ١٠٢ ـ ١٠٣.

٣١١

سابعا : وفي إطار الوحي ، فقد كان للإمام الباقر جهد واضح في التفريق بين أنواعه والتمييز بين ألفاظه ، فقد ورد عنه في تفسير قوله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)(١) بسند صحيح عن زرارة بن أعين أن الإمام الباقر سئل عن هذه الآية فقال : الهام (٢).

وذهب ابن كثير إلى هذا التفسير في قوله المراد بالوحي هنا : الإلهام والهداية ، والإرشاد أن تتخذ من الجبال بيوتا تأوي إليها (٣) ، واختار هذا القول أيضا ابن جزي في قوله : الوحي هنا بمعنى الإلهام ، فإن الوحي على ثلاثة أنواع : وحي كلام ، ووحي منام ، ووحي الهام (٤) ، وهو اختيار النسفي أيضا (٥).

وذكر ابن الجوزي في تفسير هذه الآية قولين : أحدهما : أنه الهام ، وبه قال مجاهد والضحاك ومقاتل ، والثاني : أنه أمر ، رواه العوفي عن ابن عباس (٦).

وأيد القرطبي تفسير الإمام الباقر للوحي بمعنى الإلهام في قوله : أنه قد يكون بمعنى الإلهام وهو ما يخلقه تعالى في القلب ابتداء من غير سبب ظاهر (٧).

يتبين من تفسير الإمام الباقر وأقوال المفسرين من بعده لهذه الآية أصل لمنهج يتجه لتحديد المصطلح القرآني من خلال الفهم العام للقرآن الكريم ، ثم من خلال الاستعانة بالسياق ، فللوحي كما هو معروف لغة معاني كثيرة إذا أخذ الأمر على إطلاقه فمنه الإشارة ومنه الكلام الخفي ومنه الأمر ، لكنه هنا باعتبار المخاطب فهو الهام ثبت بتفسير الإمام.

ثامنا : وفي رواية أخرى في إطار أنواع الوحي عن زرارة بن أعين عن الإمام أبي جعفر الباقر قال : الأنبياء على خمسة أنواع : منهم من يسمع الصوت مثل

__________________

(١) النحل / ٦٨.

(٢) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ٢ / ٢٦٣+ تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ٣٧٥+ قلائد الدرر ، الشيخ الجزائري ، ٣ / ٣١٢.

(٣) تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، ٤ / ٢٠٥.

(٤) التسهيل لعلوم التنزيل ، ابن جزي ، ٢ / ١٧٥.

(٥) مدارك التنزيل ، النسفي ، ٢ / ٢٩٢.

(٦) زاد المسير ، ابن الجوزي ، ٤ / ٤٦٥.

(٧) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ١٠ / ١٣٣.

٣١٢

صوت السلسلة فيعلم ما عنى به ، ومنهم من ينبأ في منامه مثل يوسف وإبراهيم ومنهم من يعاين ، ومنهم من ينكت في قلبه ، ومنهم من يوقر في أذنه (١).

وفي هذا النموذج إيضاح لأنواع الوحي أخذ به علماء الأمة ، والإلهام القذف في القلب أجلى أنواعه لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها (٢).

وقال الإمام الرازي في تفسير قوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ...)(٣) وأعلم أن كل واحد من هذه الأقسام الثلاثة وحي إلا أن الله تعالى خصص القسم الأول باسم الوحي لأن ما يقع في القلب على سبيل الإلهام يقع دفعة فتخصيصه به أولى (٤).

وهكذا يتبين لنا من هذه العينة المجتزئة من بعض تفسير الإمام الباقر للآيات المتعلقة بالنبوة جهد علمي رفيع في الكشف عن مفاصلها المعرفية من حيث مشاركته في التفريق بين النبي والرسول وأقواله في علم الأنبياء وعصمتهم وأخيرا في الوحي وأقسامه وإشارة إلى بعض المناهج في تفسير القرآن الكريم.

المبحث الثالث

الإمامة

اختار معظم المسلمين القول بوجوب الإمامة ، ولم يخالف هذا الإجماع إلا النجدات من الخوارج والفوطي والأصم (٥).

غير أنهم قد اختلفوا في جهة وجوبها ، فمنهم من أوجبها عقلا ومنهم من

__________________

(١) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ٢ / ١٦٦+ تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ٤٦+ بحار الأنوار ، المجلسي ، ٥ / ١٥.

(٢) الجامع الصغير ، السيوطي ، ١ / ٩٠.

(٣) الشورى / ٥١.

(٤) التفسير الكبير ، الرازي ، ٢٧ / ١٨٧.

(٥) ظ : رأي النجدات في : الملل والنحل ، الشهرستاني ، ٤ / ٧ ورأي هشام الفوطي في : أصول الدين الإسلامي ، البغدادي ، ٢٧١ ـ ٢٧٢ ورأي الأصم في : مقالات الإسلاميين ، الأشعري ، ٢ / ١٣٣.

٣١٣

أوجبها سمعا ، فالقائلون بوجوبها عقلا هم الشيعة الإمامية ومعتزلة بغداد والجاحظ وأبو الحسين من معتزلة البصرة (١).

وانقسم هؤلاء إلى فريقين :

الأول : وهم الإمامية القائلون بوجوبها عقلا على الله تعالى من حيث كانت لطفا (٢) ، وذلك لأنها ضرورية لحفظ الشريعة ودفع المفاسد وإقامة الحدود ونشر الأحكام ، ولا يكفي في ذلك نصب الأنبياء واستحالة تصور إمكان قيام مجتمع بدون حاكم ، وفي نصب الإمامة استجلاب مصالح ودفع مضار لا تحصى فبه يتم صلاح المعاش والمعاد ، والعدالة الإلهية تقتضي ذلك وعناية الله من مستلزماتها أن لا يترك العالم خاليا ممن يدبر أمر الناس (٣) ، وبه قالت الإسماعيلية (٤).

الثاني : وهم معتزلة بغداد الذين قالوا بوجوبها على المكلفين من حيث كان في الرئاسة مصالح دنيوية ودفع مضار دنيوية (٥).

وأما القائلون بوجوبها سمعا فهم معتزلة البصرة والجبائيان ـ أبو علي وأبو هاشم ـ ، وجمهور أهل السنة (٦) ، مستدلين بقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(٧).

ويرى العلامة الحلي أنه لكي تكون الإمامة لطفا فلا بد من النص عليه باسمه ونسبه ، ولذلك يذهب الإمامية إلى أنه من منتجات نظرية اللطف أن ينصب الله تعالى للناس إماما في نص صريح بآياته وبأمر منه إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقد استدلوا بأدلة كثيرة نجد بعض تفسيرها منقولا عن الإمام الباقر ومن تلك الروايات :

ـ في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)(٨) برواية بريد بن معاوية العجلي قال : قلت له : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)؟ فقال

__________________

(١) تلخيص الشافي ، الشيخ الطوسي ، ١ / ٦٨+ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ، ٢ / ٣٠٨.

(٢) كشف المراد ، العلامة الحلي ، ٣٢٥+ تجريد العقائد ، المحقق الطوسي ، ٩٣.

(٣) أصول المعارف ، محمد الكاظمي ، ٨٢+ الألفين ، العلامة الحلي ، ١٥.

(٤) المواقف ، الايجي ، ٨ / ٣٤٥.

(٥) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ، ٢ / ٣٠٨.

(٦) المغني ، القاضي عبد الجبار ، ٢٠ / ق ١ / ١٦+ أصول الدين الإسلامي ، البغدادي ، ٧٧١.

(٧) النساء / ٥٩.

(٨) البقرة / ١٤٣.

٣١٤

أبو جعفر الباقر : نحن الأمة الوسطى ونحن شهداء لله على خلقه وحجته في أرضه (١).

ورواية أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر يقول : نحن نمط الحجاز ، فقلت : وما نمط الحجاز؟ قال : أوسط الأنماط ، إن الله يقول : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) قال : ثم قال : إلينا يرجع الغالي وبنا يلحق المقصر (٢) ..

وأخرج القرطبي عن الإمام علي في تفسير الآية قوله : عليكم بالنمط الأوسط فإليه ينزل الغالي وإليه يرتفع النازل (٣).

واستدل الإمامية بأدلة عقلية كثيرة ليس هنا المجال لعرضها طالما نحن في مجال الروايات التفسيرية المتعلقة بمبحث الإمامة والمنقولة عن الإمام الباقر فقط ، فمن أراد الاطلاع والاستزادة فعليه مراجعتها في مظانها (٤).

وقد اقترن بنظرية الإمامة عند الشيعة الإمامية مفهوم عصمة الإمام ، ويعرفها الشيخ المفيد بأنها : الامتناع بالاختيار عن فعل الذنوب والقبائح فهي ليست مانعة من جهة القدرة (٥) ، وقد استدلوا عليها أيضا بأدلة نقلية وعقلية كثيرة ، ومن أدلتهم النقلية المأخوذة من روايات تفسيرية عن الإمام الباقر ما يأتي :

١ ـ في قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(٦) فقد وردت روايتان بطريقين مختلفين في تفسير هذه الآية عن الإمام الباقر ، كما يأتي :

ـ عن جابر الجعفي قال : سألته عن هذه الآية ـ يقصد الإمام الباقر ـ فقال : الأوصياء.

__________________

(١) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ ، ٦٢+ تفسير القرآن ، القمي ، ١ / ١٦٠.

(٢) البرهان في تفسير القرآن ، القمي ، ١ / ١٦٠+ تفسير نور الثقلين ، العروسي الحويزي ، ١ / ١١٣.

(٣) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ٢ / ١٥٤.

(٤) ظ : الألفين ، العلامة الحلي ، ١٢٠ ـ ١٢٤+ الشيعة والإمامة ، محمد رضا المظفر+ نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثنى عشرية ، د. صبحي محمود وغيرها.

(٥) أوائل المقالات ، الشيخ المفيد ، ٣ / ٩٧.

(٦) النساء / ٥٩.

٣١٥

ـ وفي رواية عبد الله بن عجلان عنه قال : هي في علي وفي الأئمة الذين جعلهم الله في مواضع الأنبياء غير أنهم لا يحلون شيئا ولا يحرمونه (١).

٢ ـ في قوله تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ)(٢) نفس التفسير للآيات المتقدمة في أعلاه ، وغيرها من الآيات ذات الصلة.

وتبين للباحث خلال الجهد الاستقرائي الذي قام به في البحث عن روايات تفسيرية منقولة عن الإمام الباقر في مصادر الحديث والتفسير عند كلا الفريقين في مبحث الإمامة وجد أن أكثرها بل كلها في مصادر الشيعة الإمامية ، وقد وصلت إلى خمس وخمسين رواية حصرا ، غير أننا سنختار بعضا منها دون مقارنتها بأقوال المفسرين الآخرين لأننا وجدنا أن تفسير معظم هذه الآيات يختلف اختلافا كليا عمّا ورد عن الإمام الباقر من أثر ، ولنتابع بعض تلك الروايات بما يشير إلى هذا الاتجاه ـ يعني الإمامة ـ ووجوبها.

أولا : في قوله تعالى : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها)(٣) عن سعد بن طريف قال : سألت الإمام أبا جعفر الباقر عن هذه الآية قال : آل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أبواب الله وسبيله والدعاة إلى الجنة والقادة إليها والإدلاء عليها إلى يوم القيامة (٤).

وفي تفسير العياشي عنه قال : يعني أن يأتي الأمر من وجهه ، أي الأمور كان (٥).

وقد روى الطبري عن البراء في سبب نزول هذه الآية : كانوا إذا أحرموا في الجاهلية آتوا البيت من ظهره فأنزل الله هذه الآية (٦) ، وفي الدر المنثور عن ابن عباس مثله (٧).

__________________

(١) مجمع البيان الطبرسي ، ٣ / ٦٤ ، ٨٢+ تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ٢٤٩+ اثبات الهداة ، الحر العاملي ، ٣ / ٤٧.

(٢) النساء / ٨٣.

(٣) البقرة / ١٨٩.

(٤) تفسير القرآن ، القمي ، ١ / ١٨٩+ الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ١ / ١٧١.

(٥) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ١٥٢.

(٦) جامع البيان ، الطبري ، ١ / ١٠٥.

(٧) الدر المنثور ، السيوطي ، ١ / ٢٠٤.

٣١٦

وقلنا في موضع آخر بأن مفاد القاعدة الأصولية التي تقول العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب تجعل سبب النزول الذي ذكره الطبري والسيوطي لا ينحصر معنى الآية فيه ، فلذلك ما ورد عن الإمام الباقر من روايتين في تفسير هذه الآية يعد من بعض مصاديقها.

ثانيا : في قوله تعالى : (... وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ...)(١) روى الفضيل بن يسار عن الإمام الباقر قال : نحن نعلمه (٢).

ثالثا : عن جابر الجعفي قال : سألت أبا جعفر الباقر عن قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ)(٣) قال الإمام الباقر : وأما أولوا العلم الأنبياء والأوصياء وهم قيام بالقسط والقسط العدل (٤).

حصر الإمام الباقر (أولي العلم) بهاتين الشريحتين فقط في حين أن بعض المفسرين ذهب إلى حمل اللفظ على اطلاقه فقال : والمراد بأولي العلم هنا علماء الكتاب والسنة وما يتوصل به إلى معرفتهما إذ لا اعتداد بعلم لا مدخل له في العلم الذي اشتمل عليه الكتاب العزيز والسنة المطهرة (٥).

إذن يمكن حمل قول الإمام الباقر على أن آل البيت (عليهم‌السلام) هم من علماء الأمة الإسلامية ومن أعلم الناس بالقرآن الكريم والسنة الشريفة.

رابعا : وعن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر الباقر في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ)(٦) قال الإمام الباقر : نحن منهم ، ونحن بقية تلك العترة (٧).

__________________

(١) آل عمران / ٧.

(٢) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٢ / ٤١٠+ تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ١٦٤+ تفسير القرآن ، القمي ، ١ / ٧١.

(٣) آل عمران / ١٨.

(٤) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ١٦٥+ تفسير نور الثقلين ، العروسي الحويزي ، ١ / ٢٦٨.

(٥) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ٢ / ٢٩٥.

(٦) آل عمران / ٣٣.

(٧) تفسير فرات ، فرات الكوفي ، ٢٠+ تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ١٦٨+ بحار الأنوار ، المجلسي ، ٧ / ٤٦.

٣١٧

ونقل القرطبي والشوكاني عن ابن عباس قوله : آل إبراهيم وآل عمران : المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد يقول الله : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)(١)(٢).

خامسا : في قوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)(٣) ، روى بريد بن معاوية عن الإمام الباقر عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين علي قال : فينا نزلت هذه الآية ، قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : أنا المنذر وأنت الهادي (٤).

وفي هذا الصدد مجموعة من الروايات المروية بطرق متعددة منها عن عبد الرحيم القصير وحنان بن سدير ومسعدة بن صدقة وجابر الجعفي (٥).

وروى الطبري بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما نزلت (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) قال : وضع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يده على صدره وقال : أنا المنذر ، وأومأ بيده إلى منكب علي فقال : أنت الهادي ، يا علي بك يهتدى من بعدي (٦) ، وقد ضعف هذا الحديث كل من الطبري وابن الجوزي (٧) ، وقال ابن كثير : وهذا الحديث فيه نكارة شديدة ، غير أنه نقل قول الجنيد : هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وأخرج عن ابن أبي حاتم قوله : وروي عن ابن عباس في إحدى الروايات وعن أبي جعفر محمد بن علي نحو ذلك (٨).

سادسا : في قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٩) عن محمد بن مسلم وجابر الجعفي قالا : قلنا له : من عندنا يزعم أن قول الله (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) أنهم اليهود والنصارى ، فقال أبو جعفر الباقر : إذن

__________________

(١) آل عمران / ٦٨.

(٢) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ٤ / ٦٢+ فتح القدير ، الشوكاني ، ١ / ٣٠٣.

(٣) الرعد / ٧.

(٤) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ٢ / ٢٠٣+ تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ٢٨١.

(٥) ظ : تفسير فرات ، فرات الكوفي ، ٧٢+ اثبات الهداة ، الحر العاملي ، ٣ / ٥٤٦ ـ ٥٤٨.

(٦) جامع البيان ، الطبري ، ١٣ / ١٠٨.

(٧) المصدر نفسه ، ١٣ / ١٠٨+ زاد المسير ، ابن الجوزي ، ٤ / ٣٠٧.

(٨) تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، ٤ / ٧٠.

(٩) وردت نفس الآية في النحل / ٤٣ والأنبياء / ٧.

٣١٨

يدعونكم إلى دينهم ، قالا : ثم قال بيده إلى صدره : نحن أهل الذكر ، ونحن المسئولون ، قالا : قال أبو جعفر : الذكر القرآن (١).

خلص ابن كثير في هذه الآية بعد أن أورد تفسير الإمام الباقر إلى القول : أنه صحيح ، فإن هذه الأمة أعلم من جميع الأمم السابقة ، وعلماء أهل بيت رسول الله (عليهم‌السلام والرحمة) من خير العلماء إذا كانوا على السنة المستقيمة كعلي وابن عباس وابني علي ومحمد بن الحنفية وعلي بن الحسين زين العابدين وعلي بن عبد الله بن عباس ، وأبي جعفر الباقر وهو محمد بن علي بن الحسين وجعفر ابنه (٢).

وقال الآلوسي : وخصهم بعض الإمامية ـ أي أهل الذكر ـ بالأئمة من أهل البيت احتجاجا بما رواه جابر ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر رضي الله عنه أنه قال : نحن أهل الذكر ، ثم قال : ولعل ما رواه ابن مردويه موافقا بظاهره لمن زعم ذلك البعض من الإمامية عن أنس قال : سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول : أن الرجل ليصلي ويصوم ويحج ويعتمر وأنه لمنافق ، قيل يا رسول الله بما ذا دخل عليه النفاق؟ قال : يطعن على إمامة من قول الله تعالى في كتابه (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ)(٣) ، غير أن الآلوسي لم يصحح هذا الاستدلال وذهب إلى القول : أن أهل الذكر هم أهل القرآن عامة (٤).

سابعا : وردت في تفسير قوله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ)(٥) روايتان بطريقين مختلفين عن الإمام أبي جعفر الباقر :

١ ـ عن الفضيل بن يسار قال : سألت أبا جعفر عن هذه الآية فقال : يجيء رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في قومه وعلي في قومه والحسن في قومه والحسين في قومه ، وكل من مات بين ظهراني إمام جاء معه (٦).

__________________

(١) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٦ / ٣٦٢ ، ٧ / ٤٠+ تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ٢ / ٢٦٠ ـ ٢٦١+ تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ٣٧١+ تفسير فرات ، فرات الكوفي ، ٨٢.

(٢) تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، ٤ / ١٩٧.

(٣) روح المعاني ، الآلوسي ، ١٤ / ١٤٧.

(٤) المصدر نفسه والصفحة.

(٥) الاسراء / ٧١.

(٦) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ٢ / ٣٢+ تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ٤٣٠.

٣١٩

٢ ـ عن جابر الجعفي الرواية نفسها (١).

وعن سفيان الثوري عن جابر عن عدي بن ثابت (٢) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في الآية قال : إمام هدى أو إمام ضلالة (٣).

وأخرج السيوطي عن ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس التفسير نفسه وفيه (و) بدل (أو) (٤) ، ونقل الخازن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الرواية نفسها باختلاف الألفاظ (٥) ، ونقل القرطبي عن الإمام علي قوله : بإمام عصرهم (٦).

ثامنا : في قوله تعالى : (وَقُولُوا حِطَّةٌ)(٧) روى الطبرسي وغيره عن الإمام الباقر أنه قال : نحن باب حطتكم ، أن عليا باب حطة التي من دخل في ولايته أمن ونجى (٨).

ونقل الشوكاني عن ابن أبي شيبة عن الإمام علي قوله : إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح وكباب حطة في بني اسرائيل (٩).

تاسعا : في قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ* إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ)(١٠) ، حكى القرطبي عن الإمام الباقر قوله : نحن أصحاب اليمين ، وكل من أبغضنا أهل البيت فهم المرتهنون (١١) ، ونقله الطبرسي أيضا (١٢).

وأخيرا بعد أن اكتفينا بهذا القدر من روايات الإمام الباقر في تفسير الآيات المتعلقة بمبحث الإمامة ، فإن الأمانة العلمية تحتم علينا أن نقول : إذا كان الأمر كذلك ـ أمر الإمامة ـ مما اختلف فيه أهل القبلة بحيث أطلق عليه الأشعري

__________________

(١) ظ : اثبات الهداة ، الحر العاملي ، ٢ / ٢٥٥+ بحار الأنوار ، المجلسي ، ١٤ / ٢٩٤.

(٢) الأنصاري ، الكوفي ، ثقة ، من الرابعة ، من رواة الستة. ظ : التقريب ، ٢٦٢.

(٣) تفسير القرآن الكريم ، سفيان الثوري ، ١٣٢.

(٤) الدر المنثور ، السيوطي ، ٤ / ١٩٤.

(٥) لباب التأويل ، الخازن ، ٤ / ١٣٩.

(٦) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ١٠ / ٢٩٧+ روح المعاني ، الآلوسي ، ١٥ / ١٢٠ ـ ١٢١.

(٧) البقرة / ٥٨.

(٨) مجمع البيان ، الطبرسي ، ١ / ١١٩+ تفسير نور الثقلين ، العروسي الحويزي ، ١ / ٧٠+ مقتنيات الدرر ، الحائري ، ١ / ١٧٦.

(٩) فتح القدير ، الشوكاني ، ١ / ٧٥+ تأويلات أهل السنة ، السمرقندي ، ١٥٠.

(١٠) المدثر / ٣٨ ـ ٣٩.

(١١) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ١٩ / ٨٥.

(١٢) مجمع البيان ، الطبرسي ، ١٠ / ٣٩١.

٣٢٠