الإمام الباقر عليه السلام وأثره في التّفسير

الدكتور حكمت عبيد الخفاجي

الإمام الباقر عليه السلام وأثره في التّفسير

المؤلف:

الدكتور حكمت عبيد الخفاجي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠

من تفسيرها لقاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وهو قوله : كلما ردوا إلى الاختبار ليرجعوا إلى الكفر والشرك رجعوا إليه (١).

٩ ـ في سبب نزوله قوله تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً)(٢) قال الإمام الباقر : كانت بنت محمد بن سلمة عند رافع بن خديج وكانت قد دخلت في السنن وكانت عنده امرأة شابة سواها فطلقها تطليقة حتى إذا بقي من أجلها يسير قال : إن شئت راجعتك وصبرت على الأثرة وإن شئت تركتك ، قالت : بل راجعني واصبر على الأثرة ، فراجعها ، فذلك الصلح الذي بلغنا إن الله تعالى أنزل فيه هذه الآية (٣).

وروي عن سعيد بن المسيب مثله (٤) ، وروي عن عكرمة عن ابن عباس سبب آخر هو : خشيت سودة أن يطلقها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقالت : يا رسول الله لا تطلقني واجعل يومي لعائشة ففعل ، فنزلت الآية. وبلفظ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مثله ، غير أن ابن كثير نقل قول الترمذي عن الرواية الأولى بقوله : حسن غريب ، وعن الثانية : غريب مرسل (٥).

ولذلك يترجح عندنا ، أن رواية الإمام الباقر وسعيد بن المسيب هي الأولى بالقبول.

١٠ ـ في سبب نزول قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً)(٦) ، عن السدي عن الإمام الباقر قال : إنها نزلت في

__________________

(١) جامع البيان ، الطبري ، ٥ / ١٢٧.

(٢) النساء / ١٢٨.

(٣) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٥ / ١١٩ ـ ٢٠٠+ كنز العرفان ، المقداد السيوري ، ٣ / ٧٩.

(٤) جامع البيان ، الطبري ، ٥ / ١٩٨ ـ ١٩٩+ تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير الدمشقي ، ١ / ٥٦٢+ أسباب النزول ، الواحدي ، ١٢٧+ لباب النقول ، السيوطي ، ٨٤.

(٥) تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير الدمشقي ، ١ / ٥٦٢.

(٦) المائدة / ٢.

٢٤١

الحطم بن هند البكري ، أنه جاء إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ودخل المدينة وحده خلف خيله خارج المدينة فقال : إلى ما تدعو؟ ـ وقد كان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال لأصحابه : يدخل عليكم اليوم رجل من بني ربيعة يتكلم بلسان شيطان ـ فلما أجابه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : انظرني لعلي أسلم ولي من أشاوره ، فخرج من عنده فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقب غادر. فمر بسرح من سروح المدينة فساقه وانطلق به وهو يرتجز ويقول :

قد لفها الليل بسواق حطم

ليس براع ابل ولا غنم

ولا بجزار على ظهر وضم

بات نياما وابن هند لم ينم

بات يقاسيها غلام كالزلم

خدلج الساقين ممسوح القدم

ثم أقبل من عام قابل حاجا قد قلد هديا فأراد رسول الله أن يبعث إليه ، فنزلت هذه الآية (١).

١١ ـ في سبب نزول قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ)(٢) ، عن زياد بن المنذر عن الإمام الباقر قال : كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يحب إسلام الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف فدعاه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أن يسلم فغلب عليه الشقاء فشق ذلك على رسول الله ، فأنزل الله الآية (٣).

١٢ ـ أخرج العياشي بسنده عن محمد بن مسلم في قوله تعالى : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)(٤) عن الإمام الباقر قال :

__________________

(١) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٦ / ١٥٣ ـ ١٥٤+ قلائد الدرر ، الشيخ الجزائري ، ٢ / ١١٣. وقد روى هذا السبب أيضا كل من الطبري في تفسيره ٦ / ٣٥ ـ ٣٦ عن السدي وعكرمة وابن جريج وكذلك الواحدي في أسباب النزول ، ١٣٠ عن ابن عباس ، والسيوطي في لباب النقول ص ٨٦ عن عكرمة والسدي.

(٢) الأنعام. ٣٥.

(٣) تفسير القرآن ، القمي ، ١ / ١٩٧. وذكر الواحدي هذا السبب لآية أخرى وهي ٣٣ من الأنعام عن مقاتل ص ١٤٩ فقارن.

(٤) الأنعام / ١٤١.

٢٤٢

لا يكون الحصاد والجذاذ بالليل أن الله يقول : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) وقال : كان فلان بن فلان الأنصاري ـ سماه ـ وكان له حرث وكان إذا جذه تصدق به وظل هو وعياله بغير شيء ، فجعل الله ذلك سرفا (١).

١٣ ـ في سبب نزول قوله تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ* وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ* إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ* ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ* ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ)(٢) ، قال الإمام الباقر : أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لما نظر إلى كثرة عدد المشركين وقلة عدد المسلمين استقبل القبلة وقال : اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم أن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض ، فما زال يهتف ربه مادا يديه حتى سقط رداؤه من منكبيه ، فأنزل الله تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ* وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ* إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ* ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ* ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ

__________________

(١) تفسير العياشي ، ١ / ٣٧٩+ وسائل الشيعة ، الحر العاملي ، ٢ / ٤+ التبيان في تفسير القرآن ، الشيخ الطوسي ، ٨ / ٢٩٦. وانظر لباب النقول ، السيوطي ، ١٠٤ فقد أخرج عن ابن جريج : أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس جذ نخله فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة.

(٢) الأنفال / ٩ ـ ١٤.

٢٤٣

عَذابَ النَّارِ) ، وهي رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه والسدي وأبي صالح ، وقال الإمام الباقر : ولما أمسى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وجنه الليل ألقى الله على أصحابه النعاس وكانوا قد نزلوا في موضع كثير الرمل لا يثبت فيه قدم فأنزل الله عليهم المطر رذاذا حتى لبد الأرض وثبت أقدامهم ، وكان المطر على قريش مثل الغزالي ، وألقى الله في قلوبهم الرعب كما قال الله تعالى : (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ)(١)(٢)

١٤ ـ في سبب نزول قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ* وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)(٣) ، قال الطبرسي : قال الكلبي والزهري : نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري وذلك أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حاصر يهود قريظة إحدى وعشرين ليلة فسألوا النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الصلح على ما صالح عليه إخوانهم من بني النضير على أن يسيروا إلى اذرعات واريحاء من أرض الشام فأبى أن يعطيهم ذلك رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فقالوا أرسل إلينا أبا لبابة وكان مناصحا لهم لأن عياله وماله وولده كانت عندهم فبعثه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فأتاهم ، فقالوا : ما ترى يا أبا لبابة أننزل على حكم سعد بن معاذ؟ فأشار أبو لبابة إلى حلقه أنه الذبح فلا تفعلوا ، فأتى جبرئيل (عليه‌السلام) لرسول الله فأخبره بذلك ، وقال أبو لبابة : فو الله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله فنزلت الآية فيه ، فلما نزلت شد نفسه إلى سارية من سواري المسجد وقال : والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله علي ، فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاما ولا شرابا حتى خرّ مغشيا عليه ثم تاب الله عليه فقيل له : يا أبا لبابة قد تيب عليك ، فقال : لا والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هو الذي يحلني فجاءه فحله بيده ، ثم قال أبو لبابة :

__________________

(١) الأنفال / ١٢.

(٢) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٩ / ٥٢٥ وانظر لباب النقول ، السيوطي ، ١٠٧ فقد أخرج نقلا عن الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخبر بعينه.

(٣) الأنفال / ٢٧ ـ ٢٨.

٢٤٤

أن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي ، فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : يجزئك الثلث أن تصدق به ، وهو المروي عن الإمام أبي جعفر الباقر (١).

١٥ ـ في سبب نزول قوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(٢) ، عن أبي بصير عن الإمام الباقر قال : نزلت في علي والحمزة والعباس وشيبة ، قال العباس : أنا أفضل لأن سقاية الحاج في يدي ، وقال شيبة : أنا أفضل لأن حجاب البيت في يدي ، وقال حمزة : أنا أفضل لأن عمارة البيت في يدي ، وقال علي : أنا أفضل فإني آمنت قبلكم وهاجرت وجاهدت ، فرضوا برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حكما ، فأنزل الله الآية (٣).

١٦ ـ في سبب نزول قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ)(٤) ، قال الإمام الباقر : أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حيث كتب إلى قريش يخبرهم بخبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لما أراد فتح مكة (٥).

__________________

(١) التبيان في تفسير القرآن ، الشيخ الطوسي ، ٩ / ٤٣٦+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ٩ / ٥٣٧ وانظر : أسباب النزول ، الواحدي ، ١٦٢ ـ ١٦٣ ذكر الرواية بالنص بدون ذكر السند.

(٢) التوبة / ١٩.

(٣) تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ١٩٣+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ١٠ / ١٤ ـ ١٥ فقد أورد الرواية نفسها مرة عن الحسن والشعبي ومحمد بن كعب القرظي وثانية عن ابن سيرين ومرة الهمذاني وأخرى عن ابن بريدة عن أبيه ، وانظر : أسباب النزول ، الواحدي ، ١٦٩ عن الحسن والشعبي والقرظي مرة وعن ابن سيرين ومرة أخرى عن الهمذاني ، وكذلك السيوطي في لباب النقول ص ١١٦.

(٤) التوبة / ٢٣ ـ ٢٤.

(٥) مجمع البيان ، الطبرسي ، ١٠ / ١٦. وانظر : أسباب النزول ، الواحدي ، ١٦٩ فقد ذكر سببا آخر لنزول هذه الآيات عن الكلبي ، وانظر : أسد الغابة في معرفة الصحابة ، ابن الأثير ، ١ / ٢٩٩ ـ ٣٠٠ في ترجمة حاطب بن أبي بلتعة فانه روى السبب المروي عن الباقر مفصلا عن علي بن أبي طالب.

٢٤٥

١٧ ـ في سبب نزول قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)(١) عن زياد بن المنذر عن الإمام أبي جعفر الباقر قال : وذلك أن أهل المدينة قبل أن يسلموا كان يعتزلون الأعمى والأعرج والمريض لا يأكلون معهم وكانت الأنصار في نبل وتكرم معهم فقالوا : أن الأعمى لا يبصر الطعام والأعرج لا يستطيع الزحام والمريض لا يأكل كما يأكل الصحيح فعزلوا لهم طعامهم على ناحية وكانوا يرون في مؤاكلتهم جناحا وكان الأعرج والأعمى والمريض يقولون لعلنا نؤذيهم إذا أكلنا معهم فاعتزلوا مؤاكلتنا ، فلما قدم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سألوه في ذلك ، فأنزل الله هذه الآية (٢).

١٨ ـ في سبب نزول قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(٣) عن زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم الطائفي عن الإمام الباقر قال : نزلت هذه الآية في رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين (عليهم‌السلام) وذلك في بيت أم سلمة زوج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، فدعا رسول الله عليا وفاطمة والحسن والحسين ثم ألبسهم كساء خيبريا ودخل معهم ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي الذين وعدتني فيهم ما وعدتني ، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (٤).

وقد أخرج الطوسي والطبرسي هذا السبب لنزول هذه الآية عن طريق أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك وواثلة بن الاسقع وعائشة وأم سلمة وجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهم أجمعين (٥).

__________________

(١) النور / ٦١.

(٢) تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ١٠٨ ـ ١٠٩+ مقتنيات الدرر ، الحائري ، ٧ / ٣٨١. وانظر : أحكام القرآن ، ابن العربي ، ٣ / ١٤٠٣ حيث أورد ثمانية أقوال في سبب نزول هذه الآية وجعل هذا السبب هو الأول ورواه عن ابن عباس ورجحه ، وانظر : أسباب النزول ، الواحدي ، ٢٣٢ ذكر نفس الرواية عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك ، وكذلك انظر : لباب النقول ، السيوطي ، ١٦٠.

(٣) الأحزاب / ٣٣.

(٤) تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ٣١٣+ الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ٢ / ٣٥١ ـ ٣٥٢.

(٥) ظ : التبيان في تفسير القرآن ، الشيخ الطوسي ، ٢٢ / ٣٣٨+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ١٢ / ٣٥٦ ـ ٣٥٧.

٢٤٦

ثم أن الأخبار الصحيحة الواردة في أن عليا وفاطمة والحسن والحسين هم آل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كثيرة جدا ذكرت في مواضع شتى في باب نزول آية التطهير (١).

١٩ ـ أخرج السيوطي بسنده عن جعفر بن محمد رضي الله عنه في سبب نزول سورة الكوثر عن أبيه الإمام الباقر قال : توفي القاسم بن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بمكة فمر رسول الله وهو آت من جنازته على العاص بن وائل وابنه عمرو فقال حين رأى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أني لاشنؤه ، فقال العاص بن وائل لا جرم لقد أصبح أبتر ، فأنزل الله (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)(٢)(٣).

وبهذا المثال نختتم هذا المبحث لاعتقادنا أننا قد بينا جهد الإمام الباقر وإسهامه في بيان أسباب النزول وتوجيهه لبعض منها ، ويمكننا أن نصل إلى نتائج نراها مهمة في توضيح ذلك الجهد ، وهي :

أ ـ قد تبين لنا خلال البحث والاستقصاء أنه قلما توجد آية قرآنية فيها سبب نزول ولم يذكره الإمام الباقر ، حتى أنه ذكر أسبابا لنزول بعض الآيات فات العلماء أن يذكروها.

ب ـ وتبين أيضا من خلال الأمثلة التي قدمناها ، أنه قد روى عن جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله وابن عباس وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم ، وعن غيرهم من الصحابة.

ج ـ أن كثيرا من التابعين قد أخذوا عنه بعض أسباب النزول.

د ـ أنه وافق كثيرا من الأقوال التي أثرت عن بعض الصحابة والتابعين ، فلم تكن الأسباب التي ذكرها الإمام الباقر بخارجة عن نطاق ما يعرفه العلماء ، أي أنه لم يكن له رأي اجتهادي أو عقلي فيها.

__________________

(١) ظ : مستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري ، ٣ / ١٤٧+ المسند ، الإمام أحمد بن حنبل ، ٦ / ٢٩٦+ ذخائر العقبى ، محب الدين الطبري ، ٢١+ جامع البيان ، الطبري ، ٢٢ / ٦ ـ ٧ حيث أورد هذا السبب عن أربعة عشر طريقا عن الصحابة+ أحكام القرآن ، ابن العربي ، ٣ / ١٣٥٨+ أسباب النزول ، الواحدي ، ٢٥١ ـ ٢٥٢ ، وغيرها كثير فراجع.

(٢) الكوثر / ٣.

(٣) الدر المنثور ، السيوطي ، ٦ / ٤٠٤+ أسرار التنزيل ، البيضاوي ، ٤٦٧. وأورده الطبرسي في تفسيره ١٠ / ٥٥٠ عن مجاهد ، وانظر : أسباب النزول ، الواحدي ٣٤١+ لباب النقول ، السيوطي ، ٢٣٥.

٢٤٧

المبحث الثالث

جهوده في القراءات القرآنية

* المطلب الأول : حديث الأحرف السبعة وموقفه منه :

لقد اختلف العلماء من صحابة وتابعين في قضية حديث الأحرف السبعة ، وكان للإمام الباقر رأي حازم في هذه المسألة ، إلا أننا سنعرض أولا لبعض تلك الروايات المستفيضة في نزول القرآن على سبعة أحرف ومن الجدير بالذكر أن هذه الروايات جاءت جميعا من طريق الجمهور ولم تأت من طريق الإمامية إطلاقا ، وأهم هذه الروايات هي :

١ ـ أخرج الطبري عن يونس وأبي كريب بإسنادهما عن ابن شهاب ، بإسناده عن ابن عباس ، حدثه أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : اقرأني جبرئيل على حرف فراجعته ، فلم أزل أستزيده فيزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف (١) ، ورواها مسلم عن حرملة عن ابن وهب عن يونس (٢) ، ورواها البخاري بسند آخر (٣) ، وروي مضمونها عن ابن البرقي بإسناده عن ابن عباس.

٢ ـ وأخرج الطبري أيضا عن أبي كريب ، بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن جده عن أبي بن كعب قال : كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة انكرتها عليه ، ثم دخل رجل آخر فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه ، فدخلنا جميعا على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : فقلت : يا رسول الله إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل هذا فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه ، فأمرهما رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقرءا ، فحسن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) شأنهما ، فوقع في نفسي من التكذيب ، ولا إذ كنت في الجاهلية ، فلما رأى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا كأنما انظر إلى الله فرقا ، فقال لي : يا

__________________

(١) جامع البيان ، الطبري ، ١ / ١٢.

(٢) صحيح مسلم ، باب أن القرآن نزل على سبعة أحرف ، ٢ / ٢٠٢.

(٣) صحيح البخاري ، باب نزل القرآن على سبعة أحرف ٦ / ١٠٠.

٢٤٨

أبي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف ، فرددت عليه أن هون على أمتي ، فرد علي في الثانية أن أقرأ القرآن على حرف (١) ، فرددت عليه أن هون على أمتي ، فردّ عليّ في الثالثة أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف ، ولك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها ، فقلت : اللهم اغفر لأمتي ، اللهم اغفر لأمتي ، وأخرت الثالثة ليوم يرغب فيه إليّ الخلق كلهم حتى إبراهيم (عليه‌السلام) (٢).

٣ ـ وأخرج الطبري أيضا عن يونس بن عبد الأعلى ، بإسناده عن عمر بن الخطاب قضية مع هشام بن حكيم تشبه هذه القضية ، وروى البخاري ومسلم والترمذي قصة عمر مع هشام بن حكيم بإسناد غير هذا ، واختلاف في ألفاظ الحديث (٣).

٤ ـ وأخرج الطبري أيضا عن محمد بن المثنى ، بإسناده عن ابن أبي ليلى عن أبي بن كعب أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان عند إضاءة بني غفار قال : فأتاه جبرئيل فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته ، وأن أمتي لا تطيق ذلك ، قال : ثم أتاه الثانية فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته ، وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم جاء الثالثة فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على ثلاثة أحرف فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته ، وأن أمتي لا تطيق ذلك ، ثم جاء الرابعة فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف ، فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا (٤).

هذه نماذج من بعض الروايات التي نصت على حديث الأحرف السبعة ، وإن اختلفت في بعض ألفاظها وقد نص على تواترها أبو عبيد

__________________

(١) وفي صحيح مسلم على حرفين.

(٢) جامع البيان ، الطبري ، ١ / ٣+ المسند ، الإمام أحمد بن حنبل ، ٥ / ١٢٧+ صحيح مسلم بشرح النووي ، ٦ / ١٠١ ـ ١٠٢+ السنن ، أبي داود ، ٢ / ٧٦+ مجمع الزوائد ، الهيثمي ، ٥ / ١٢٨ بطرق أخرى.

(٣) صحيح البخاري ، ٣ / ٩٠ ، ٦ / ١٠٠ ، ٨ / ٥٣ ، ٢١٥+ صحيح مسلم ، ٢ / ٢٠٢+ صحيح الترمذي بشرح ابن العربي ، باب ما جاء أنزل القرآن على سبعة أحرف ، ١١ / ٦٠.

(٤) جامع البيان ، الطبري ، ١ / ١٤.

٢٤٩

القاسم بن سلام (ت : ٢٢٤ ه‍) فقد روى هذا الحديث أكثر من عشرين صحابيا عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وشاع بين الصحابة والتابعين (١).

وقد ورد من طريق الإمامية عن أهل البيت (عليهم‌السلام) وخاصة الإمام الباقر ما يخالف ظاهرا هذه الروايات جميعا بيّن فيها موقفه من حديث الأحرف السبعة ، وموقفه هذا هو موقف جميع أئمة آل البيت ، ومن جملة هذه الروايات التي نقلت بهذا الصدد ، رواية وردت عن الإمام أبي جعفر الباقر وهي :

ـ روى محمد بن يعقوب عن الحسين بن محمد ، عن الوشاء عن جميل بن دراج عن محمد بن مسلم عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر الباقر قال : إن القرآن واحد نزل من عند الواحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة (٢).

ومن المعروف عند الإمامية أن المرجع في أمور الدين بعد القرآن الكريم إنما هي السنة النبوية الشريفة وسنة آل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فأقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم هي امتداد طبيعي لأقوال وأفعال وتقريرات جدهم (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

وهناك إشكالات عديدة حول مفهوم الأحرف السبعة وأن المسلمين إلى اليوم لم يصلوا إلى معناه ، ولا يمكن أن يحتج بغير الواضح فما زال الخلاف قائما في معنى الحديث وترجمته ، على أنه معارض بحديث الإمام الباقر المتقدم في نزول القرآن على حرف واحد وعلى هذا لا دلالة في هذه الحروف السبعة على القراءات السبعة ، وإذا كان القرآن قد أنزل على سبعة أحرف فالإنزال حينئذ يكون توقيفيا ، وتعهد الله سبحانه وتعالى بحفظه وصيانته لأنه ذكر ، والذكر

__________________

(١) ظ : النشر في القراءات العشر ، ابن الجزري ، ١ / ٢١+ الاتقان ، السيوطي ، ١ / ١٣١. وهذه الروايات كلها موجودة في : المسند ، الإمام أحمد ، ٥ / ١١٢ ، ١١٤ ، ١٢٤ ، ١٣٢+ السنن ، أبو داود ، ٢ / ٧٦+ سنن الترمذي بشرح التحفة ، ٨ / ٦٣+ السنن ، النسائي ، ٢ / ١٥٢ ، ١٥٣+ اليوم والليلة ، النسائي ، ٤٦١+ جامع البيان ، الطبري ، ١ / ١٢ ، ١٥ ـ ٢٠+ الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ١ / ٤٣ ، وقد جمع الدكتور عبد الصبور شاهين هذه الروايات وألحقها في كتابه ، تاريخ القرآن ، ٢٢٩ ـ ٢٣٥ فلتراجع.

(٢) أصول الكافي ، محمد بن يعقوب الكليني ، كتاب فضل القرآن ـ باب النوادر ، الرواية ١٢ ، ٢ / ٦٣٠+ الشافي في شرح أصول الكافي ، الشيخ عبد الحسين المظفر ، ٧ / ٢٢١+ تفسير نور الثقلين ، العروسي الحويزي ، ١ / ١٤٩+ البيان في تفسير القرآن ، الخوئي ، ١٩٣.

٢٥٠

قرآن ، والقرآن مصان لقوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(١).

إذن فالإمام الباقر يقرر أن القرآن واحد أي على حرف واحد وليس على سبعة أحرف إلا أنه لم ينكر القراءات القرآنية ولم ينف وجودها لأن في ذلك مخالفة لواقع الحال بل كان على العكس من ذلك فالمتتبع لقراءاته (عليه‌السلام) يجد أن له باعا طويلا فيها ، ناهيك عن تصريحه وتصريح غيره من أئمة أهل البيت من أن أصح قراءة عندهم هي قراءة أبي بن كعب (رضي الله عنه) كما ورد عنهم في بعض الروايات (٢) ، فلذلك نستطيع أن نقول : إن الإمام الباقر لم ينكر صحة صدور الحديث عن جده رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بل أراد أن يوجه الحديث وجهة أخرى غير ما تعارف عليه بعض المسلمين آنذاك من أن المقصود بالأحرف السبعة هي القراءات السبع ، ولعله كان يقصد بأن نزول القرآن الكريم على أحرف سبع هي اللهجات العربية في ذلك الوقت فمنهم من يلفظ (الحاء) (عينا) ، ومنهم من يلفظ (القاف) (كافا) وهكذا ـ والله أعلم ـ.

* المطلب الثاني : حجية القراءات عند الإمامية :

يكاد ينعقد إجماع الإمامية كانعقاد إجماع المسلمين على حجية هذه القراءات وتواترها ـ سواء أكان التواتر عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أو عن أصحابها ـ وعلى جواز القراءة بها في الصلاة وغيرها ، وهذا استعراض لجملة من آراء علمائهم المحققين في هذه المسألة ، نبدؤها برواية صحيحة رواها محمد بن يعقوب الكليني بسنده عن الإمام الصادق أنه قال : اقرءوا كما يقرأ الناس واقرءوا كما علمتم (٣).

أي أن الإمام الصادق يوصي أصحابه وأتباعه أن يقرءوا مثل قراءة الناس وما شاع واشتهر من القراءة بين ظهرانيهم وأن يقرءوا كما علموا من قبل القراء وغيرهم.

__________________

(١) الحجر / ٩.

(٢) ظ : أصول الكافي ، الكليني ، ٢ / ٦٣٣+ الشافي في شرح أصول الكافي ، الشيخ عبد الحسين المظفر ، ٧ / ٢٢٧ رقم الحديث ٣٥٩٦.

(٣) أصول الكافي ، الكليني ، باب نوادر فضل القرآن ٢ / ٦٣١.

٢٥١

وقال الشيخ الطوسي (ت : ٤٦٠ ه‍) وهو يتحدث عن رأي الإمامية في الموضوع : واعلموا أن العرف في مذهب أصحابنا والشائع من أخبارهم وروايتهم أن القرآن نزل بحرف واحد على نبي واحد غير أنهم أجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القراء ، وأن الانسان مخير بأي قراءة شاء قرأ ، وكرهوا تجريد قراءة بعينها ، بل أجازوا القراءة بالمجاز الذي يجوز بين القراء ، ولم يبلغوا بذلك حد التحريم والحضر (١).

وقد حكى الطبرسي (ت : ٥٤٨ ه‍) الإجماع عليه فقال : أعلم أن الظاهر من مذهب الإمامية أنهم أجمعوا على جواز القراءة بما تداوله القراء بينهم من القراءات ، إلا أنهم اختاروا القراءة بما جاز بين القراء وكرهوا تجريد قراءة مفردة (٢).

وذهب الشهيد الأول (ت : ٧٨٦ ه‍) من الإمامية إلى أن القراءات متواترة ، ومجمع على القراءة بها ، وتابعه الخوانساري في ذلك ونفى الخلاف على حجية السبع منهم مطلقا ، والثلاث المكملة للعشر في الجملة ، بل اعتبر تواترها بوجوهها السبعة عن رسول الله عند قاطبة أهل الاسلام (٣).

وقد انتهى السيد العاملي إلى الإجماع على تواتر القراءات ونعتها به وحكاه عن المنتهى والتحرير والتذكرة والذكرى والموجز الحاوي وغيرها من أمهات كتب الإمامية مما يقطع به تواترها حرفا حرفا ، وحركة حركة (٤).

وقد فصل الخوئي في القول فذهب إلى عدم حجية هذه القراءات فلا يستند بها على الحكم الشرعي ، إذ لم يتضح عنده كون القراءات رواية ، فلعلها اجتهادات في القراءة ولكنه جوز الصلاة بها نظرا لتقرير المعصومين لها ، وذلك يشمل كل قراءة متعارفة زمن أهل البيت إلا الشاذة فلا يشملها التقرير (٥).

__________________

(١) التبيان في تفسير القرآن ، الشيخ الطوسي ، ١ / ٤.

(٢) مجمع البيان في تفسير القرآن ، الطبرسي ، ١ / ١٢.

(٣) ظ : روضات الجنات ، الخوانساري ، ٢٦٣.

(٤) مفتاح الكرامة ، العاملي ، ٢ / ٢٩٠.

(٥) ظ : البيان في تفسير القرآن ، الخوئي ، ١٦٤ ـ ١٦٧.

٢٥٢

ومن هذا يتبين أن القراءات القرآنية قد انعقد اجماع الإمامية على حجتها وجواز الصلاة بها إلا ما شذ من رأي الخوئي من عدم الاستدلال بها على الحكم الشرعي ، وكان ذلك رد فعل لما حكاه العاملي من تمسكه بأن القراءات القرآنية متواترة عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) غير أن توسط هذين الرأيين هو أن القراءات القرآنية حجة وأنها تجوز الصلاة بأيها كان عدا القراءة المفردة الشاذة كما تقدم.

* المطلب الثالث : تطبيقات من قراءات الإمام الباقر :

بعد أن استقصينا قراءات الإمام الباقر في مصادر الحديث والتفسير وجدناها قليلة إذا ما قيست بما أثر عنه في العلوم القرآنية الأخرى كما رأينا وسنرى فهي لا تتجاوز ثلاثين رواية روتها عنه كتب التفسير أغلبها قد قرأ بها بعض الصحابة والتابعين فلذلك ـ في حدود ما اطلعت عليه ـ لم تكن للإمام الباقر قراءة مفردة بعينها وإليك بعض تلك القراءات :

١ ـ قوله تعالى : (... وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ ...)(١) قرأها الإمام الباقر : (... وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ ...). بفتح التاء وجزم اللام. قاله الفراء والطوسي (٢).

٢ ـ قوله تعالى : (... وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها ...)(٣) قرأها الإمام الباقر : ... ولكلّ وجهة هو مولّاها ... قاله الطوسي والرازي وابن كثير (٤).

٣ ـ قوله تعالى : (... وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً ...)(٥) قرأها الإمام الباقر برواية أبي القاسم البلخي عنه : (... وَلا تَقُولُوا

__________________

(١) البقرة / ١١٩.

(٢) معاني القرآن ، الفراء ، ١ / ٧٥+ التبيان في تفسير القرآن ، الطوسي ، ١ / ٤٣٦+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ١ / ١٩٦. وقرأ بها ابن عباس ونافع ويعقوب. انظر : معجم القراءات القرآنية ، د. أحمد مختار عمر ، ١ / ١٠٧ ومصادره.

(٣) البقرة / ١٤٨.

(٤) معاني القرآن ، الفراء ، ١ / ٩٠+ التبيان في تفسير القرآن ، الطوسي ، ٢ / ٢٣+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ٢ / ٢٣٠+ التفسير الكبير ، الرازي ، ٤ / ١٤٤+ تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، ١ / ١٩٤+ قلائد الدرر ، الشيخ الجزائري ، ١ / ١٢٧. وقرأ بها ابن عباس وابن عامر وأبو بكر بن عاصم وأبو رجاء وشريح. انظر : معجم القراءات القرآنية ، د. أحمد مختار عمر ، ١ / ١٢٦ ومصادره.

(٥) النساء / ٩٤.

٢٥٣

لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً ...) بفتح الميم الثانية. قاله الطوسي والطبرسي (١).

٤ ـ قوله تعالى : (... يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ...)(٢) عن زرارة ومحمد بن مسلم قرأ الإمام الباقر : ... يحكم به ذو عدل منكم ... قاله الطبرسي والسيوري وغيرهما (٣).

٥ ـ قوله تعالى : (... لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ ...)(٤) قرأ الإمام الباقر : ... أو تتوب عليهم أو تعذّبهم ... بالتاء ، قاله العياشي (٥).

٦ ـ قوله تعالى : (... وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ...)(٦) روى الشيخ الطوسي عن غالب بن الهذيل قال : سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الآية على الخفض هي أم على النصب؟ قال (عليه‌السلام) : بل هي على الخفض (٧) يعني (... وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ...).

__________________

(١) التبيان في تفسير القرآن ، الشيخ الطوسي ، ٣ / ٣٤+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ٣ / ٩٤. وقرأ بها أبو جعفر الرؤاسي وعلي وابن عباس وعكرمة وأبو العالية ويحيى بن يعمر وعيسى بن وردان وابن جماز. انظر : معجم القراءات القرآنية ، د. أحمد مختار عمر ، ٢ / ١٥٥ ومصادره.

(٢) المائدة / ٩٥.

(٣) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٢ / ٢٤٢+ كنز العرفان ، المقداد السيوري ، ١ / ١٦٥+ مقتنيات الدرر ، سيد مير علي الحائري ، ٤ / ٩٨+ قلائد الدرر ، الشيخ الجزائري ، ٢ / ٨٣. وقرأ بها ابنه الإمام الصادق ، انظر : معجم القراءات القرآنية ، د. أحمد مختار عمر ، ٢ / ٢٣٨ ومصادره.

(٤) آل عمران / ١٢٨.

(٥) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ١٥٢+ مقتنيات الدرر ، سيد مير علي الحائري ، ٢ / ٦٧. ولم نجد في معجم القراءات القرآنية من قرأ بهذه القراءة. انظر : معجم القراءات القرآنية ، د. أحمد مختار عمر ، ٢ / ٦٥.

(٦) المائدة / ٦.

(٧) وسائل الشيعة ، الحر العاملي ، ١ / ٢٨٦+ تفسير القرآن ، القمي ، ١ / ٤٥٤+ تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ٣٠+ كنز العرفان ، المقداد السيوري ، ١ / ١٩+ قلائد الدرر ، الشيخ الجزائري ، ١ / ٢٣+ معاني القرآن ، الفراء ، ١ / ٣٠٢. وقرأ بها ابن كثير ، أبو عمرو ، حمزة ، أبو بكر ، عكرمة ، ابن عباس ، الباقر ، قتادة ، علقمة ، وغيرهم ، ظ : معجم القراءات القرآنية ، ٣ / ١٩٥.

٢٥٤

٧ ـ قوله تعالى : (... يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ ...)(١) قرأ الإمام الباقر أبو جعفر الباقر : ... يسألونك الأنفال ... قاله الطبرسي والجزائري (٢).

٨ ـ قوله تعالى : (... التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ ...)(٣) قرأها الإمام الباقر : ... التّائبين العابدين الحامدين ... وهي قراءة أبي وابن مسعود قاله الفراء والطبرسي (٤).

٩ ـ قوله تعالى : (... أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ...)(٥) قرأها الإمام الباقر : ... ألا إنّهم تثنوني صدورهم ... وهي قراءة يحيى بن يعمر وعلي بن الحسين وزيد بن علي ، قاله الطبرسي (٦) ، وهي قراءة ابن عباس عن الفراء (٧).

١٠ ـ قوله تعالى : (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ ...)(٨) عن محمد بن مسلم قرأ الإمام الباقر (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ ...) وهي قراءة الإمام علي وعروة بن الزبير ، عن جملة من المفسرين (٩).

__________________

(١) الانفال / ١.

(٢) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٤ / ٥١٦+ قلائد الدرر ، الشيخ الجزائري ، ١ / ٣٣٠ ، وقد روى الطبرسي : أنها قراءة كل من : ابن مسعود وسعد بن أبي وقاص وزين العابدين علي بن الحسين وزيد بن علي وطلحة بن مصرف ، ٤ / ٥١٦ ، وأضاف صاحب معجم القراءات القرآنية كلا من جعفر الصادق وعكرمة وعطاء والضحاك. انظر : معجم القراءات القرآنية ، د. أحمد مختار عمر ، ٢ / ٤٣٧.

(٣) التوبة / ١١٢.

(٤) معاني القرآن ، الفراء ، ١ / ٤٥٣+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ٥ / ٧٤. وقرأ بها الأعمش ، انظر : معجم القراءات القرآنية ، د. أحمد مختار عمر ، ٣ / ٤٧ ومصادره.

(٥) هود / ٥.

(٦) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٥ / ١٤٢.

(٧) معاني القرآن ، الفراء ، ٢ / ٣. وقرأ بها : ابن عباس وعلي بن الحسين وزيد بن علي ومحمد بن علي وجعفر بن محمد ويحيى بن يعمر ونصر بن عاصم وعبد الرحمن بن ابزى وعاصم الجحدري وعبد الله بن إسحاق وأبو الأسود الدؤلي وأبو رزين والضحاك. انظر : معجم القراءات القرآنية ، د. أحمد مختار عمر ، ٣ / ١٠٠ ومصادره.

(٨) هود / ٤٢.

(٩) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ٢ / ١٤٨+ تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ٢٢٢+ التفسير الكبير ، الرازي ، ١٧ / ٢٤٠+ تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، ٢ / ٢٤١+ الدر المنثور ، السيوطي ، ٣ / ٣٣٤+ مقتنيات الدرر ، سيد مير علي الحائري ، ٥ / ٣١٥. وقرأ بها : علي بن الحسين وجعفر بن محمد ، انظر : معجم القراءات القرآنية ، د. أحمد مختار عمر ، ٣ / ١١٢ ـ ١١٣ ومصادره.

٢٥٥

١١ ـ قوله تعالى : (... قَدْ شَغَفَها حُبًّا ...)(١) قرأها الإمام الباقر : ... قد شعفها حبّا ... بالعين ، وهي قراءة الإمام علي والحسن وعلي بن الحسين ويحيى بن يعمر وقتادة ومجاهد بخلاف وابن محيصن ، قاله الطبرسي وغيره (٢).

١٢ ـ قوله تعالى : (... أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ ...)(٣) قرأ الإمام الباقر : (... أَنْ نَتَّخِذَ ...) بضم النون وفتح الخاء ، قاله الطبرسي (٤).

١٣ ـ قوله تعالى : (... يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً ...)(٥) قرأ الإمام الباقر : ... يأخذ كلّ سفينة صالحة غصبا ... وهي قراءة الإمام علي ، قاله الطبرسي (٦). وهي قراءة تفسيرية.

١٤ ـ قوله تعالى : (... خِفْتُ الْمَوالِيَ ...)(٧) قرأ الإمام الباقر : ... خفّت الموالي ... بفتح الخاء وتشديد الفاء وكسر تاء التأنيث (٨) ، وهي قراءة عثمان بن عفان وابن عباس وزيد بن ثابت وعلي بن الحسين وسعيد بن جبير ، قاله الطبرسي (٩).

__________________

(١) يوسف / ٣٠.

(٢) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٥ / ٢٢٨ وانظر : معاني القرآن ، الفراء ، ٢ / ٤٢+ جامع البيان ، الطبري ، ١٢ / ١١١+ التبيان في تفسير القرآن ، الشيخ الطوسي ، ١٢ / ١٢٩+ الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ٩ / ١٧٧+ فتح القدير ، الشوكاني ، ٢ / ١٩. وقرأ بها جعفر بن محمد والشعبي ، وعوف ، انظر : معجم القراءات القرآنية ، د. أحمد مختار عمر ، ٣ / ١٦٤ ومصادره.

(٣) الفرقان / ١٨.

(٤) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٧ / ١٦٢+ الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ٢ / ١٨٩. وقرأ بها ابن عامر وأبو الدرداء وزيد بن ثابت وأبو الرجاء ونصر بن علقمة وزيد بن علي ومكحول وحفص وإبراهيم النخعي وشيبة ومجاهد والحسن وغيرهم. انظر : معجم القراءات القرآنية ، د. أحمد مختار عمر ، ٤ / ٢٧٩ ومصادره.

(٥) الكهف / ٧٩.

(٦) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٦ / ٤٨١. وقرأ بها : أبي وابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير. انظر : معجم القراءات القرآنية ، د. أحمد مختار عمر ، ٤ / ٧ ومصادره.

(٧) مريم / ٥.

(٨) روح المعاني ، الآلوسي ، ١٦ / ١٦.

(٩) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٦ / ٥٠٠+ قلائد الدرر ، الشيخ الجزائري ، ٣ / ٣٤٩+ الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ٢ / ٥٣٨. وقرأ بها سعيد بن العاص وزيد بن علي وشبيل بن عزرة والوليد بن مسلم. انظر : معجم القراءات القرآنية ، د. أحمد مختار عمر ، ٤ / ٣٠ ومصادره.

٢٥٦

١٥ ـ قوله تعالى : (... عَلَيْها صَوافَّ ...)(١) قرأها الإمام الباقر : ... عليها صوافن ... بالنون ، وهي قراءة عبد الله بن مسعود وابن عمر وابن عباس وقتادة وعطاء والضحاك ، قاله الطبرسي والقرطبي (٢).

١٦ ـ قوله تعالى : (... تَصَدَّى)(٣) و (... تَلَهَّى)(٤) قرأ الإمام الباقر : (... تَصَدَّى) و (... تَلَهَّى) بضم التاء ، قاله الطبرسي (٥).

١٧ ـ قوله تعالى : (... وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ)(٦) قرأ الإمام الباقر : وإذا المودّة سئلت ، ووضح الإمام الباقر الحجة في هذه القراءة بقوله : يعني قرابة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ومن قتل في جهاد. وقرأ بها جعفر بن محمد الصادق وعبد الله بن عباس ، قاله الطبرسي وغيره (٧) ... ونص الآلوسي على أن هذه القراءة انفرد بها مجمع البيان ، ثم قال ـ والعهدة عليه ـ والمراد بها : الرحم والقرابة ، وعن أبي جعفر قرابة الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، ويراد بقتلها : قطعها (٨).

المبحث الرابع

جهوده في فضائل القرآن

* المطلب الأول : ما ورد عنه في فضل القرآن بالجملة :

فضائل القرآن هو نوع من علوم القرآن ، أفرد له المحققون بالتصنيف ، وقد ساهم الإمام الباقر في هذا النوع ببعض الروايات اعتمدها بعض المصنفين في

__________________

(١) الحج / ٣٦.

(٢) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٧ / ١٨٥+ الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ١٢ / ٦٢+ قلائد الدرر ، الشيخ الجزائري ، ٢ / ٨٢. وقرأ بها الكلبي والأعمش وإبراهيم النخعي ، انظر : معجم القراءات القرآنية ، د. أحمد مختار عمر ، ٤ / ١٨٢ ومصادره.

(٣) عبس / ٦.

(٤) عبس / ١٠.

(٥) مجمع البيان ، الطبرسي ، ١٠ / ٤٣٦+ الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ٢ / ٧٨٧. وقرأ بكلتا القراءتين أبو جعفر الرؤاسي ، انظر : معجم القراءات القرآنية ، د. أحمد مختار عمر ، ٨ / ٧٣ ـ ٧٥ ومصادره.

(٦) التكوير / ٨.

(٧) مجمع البيان ، الطبرسي ، ١٠ / ٤٤٢+ تفسير فرات ، فرات بن إبراهيم الكوفي ، ٢٠٣.

(٨) روح المعاني ، الآلوسي ، ٣٠ / ٥٣+ معجم القراءات القرآنية ، د. أحمد مختار عمر ، ٨ / ٨٢.

٢٥٧

كتبهم نقل فيها الإمام أقوال جده رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بما نقله عن آبائه الكرام ، وإليك تلك الروايات :

١ ـ أخرج العياشي بإسناده عن عمرو بن قيس عن الإمام الباقر قال : إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة إلا أنزله في كتابه وبينه لرسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وجعل لكل شيء حدا ، وجعل دليلا يدل عليه ، وجعل على من تعدى ذلك الحد حدا (١).

٢ ـ وأخرج العياشي أيضا بإسناده عن سعد بن طريف قال : سمعت أبا جعفر الباقر يقول : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : أعطيت الطوال مكان التوراة ، وأعطيت المئين مكان الانجيل ، وأعطيت المثاني مكان الزبور ، وفضلت بالمفصل سبع وستين سورة (٢).

٣ ـ وحث الإمام الباقر على تلاوة القرآن الكريم لأنه المنبع الفياض لهداية الناس واستقامتهم وهو مما يحيي القلوب ، فقد روي بسند صحيح عن أبي بصير قال : روى الإمام الباقر عن جده رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في فضل تلاوته قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين ، ومن قرأ مائة كتب من القانتين ، ومن قرأ مائتين آية كتب من الخاشعين ، ومن قرأ ثلاثمائة آية كتب من الفائزين ، ومن قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين ، ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار من تبر (٣).

__________________

(١) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ٦+ الشافي في شرح أصول الكافي ، الشيخ عبد الحسين المظفر ، ٦ / ٢١٨.

(٢) المصدر نفسه ، ١ / ٢٥. وعن واثلة بن الاسقع رضي الله عنه أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : أعطيت مكان التوراة السبع ، وأعطيت مكان الزبور المئين ، وأعطيت مكان الانجيل المثاني ، وفضلت بالمفصل ، رواه أحمد ، وفي إسناده عمران القطان ، انظر : الترغيب والترهيب ، المنذري ، ٢ / ٣٦٨.

(٣) التهذيب ، الشيخ الطوسي ، ١ / ٥٦+ أصول الكافي ، الكليني ، ١ / ٣٧٠+ بحار الأنوار ، محمد باقر المجلسي ، ١٩ / ٧٢ ـ ٧٤. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين. رواه الحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم ، وعنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ في ليلة مائة آية كتب من القانتين ، رواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم ، واللفظ له ، وقال : صحيح على شرطهما ، انظر : الترغيب والترهيب ، المنذري ، ٢ / ٣٥٦.

٢٥٨

٤ ـ وروى أبو بصير قال : قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : إذا قرأت القرآن فرفعت صوتي جاءني الشيطان فقال : إنما ترائي أهلك والناس ، فقال الإمام الباقر : يا أبا محمد اقرأ قراءة ما بين القراءتين ، تسمع أهلك ، ورجع بالقرآن صوتك فان الله يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعا (١).

* المطلب الثاني : ما ورد عنه في فضل آيات أو سور بعينها :

١ ـ أخرج السيوطي عن أبي جعفر بن علي قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : بسم الله الرحمن الرحيم مفتاح كل كتاب (٢).

٢ ـ وأخرج السيوطي أيضا عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال : لم كتمتم بسم الله الرحمن الرحيم نعم الاسم والله كتموا ، فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان إذا دخل منزله اجتمعت قريش فيجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويرفع صوته بها فتولي قريش فرارا ، فأنزل الله : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً)(٣)(٤).

٣ ـ وأخرج محمد بن يعقوب بسند صحيح عن فرات بن الاحنف قال : سمعت أبا جعفر الباقر يقول : أول كتاب نزل من السماء بسم الله الرحمن الرحيم ، فإذا قرأت بسم الله الرحمن الرحيم فلا تبالي أن لا تستعيذ ، وإذا قرأت بسم الله الرحمن الرحيم سترك فيما بين السموات والأرض (٥).

٤ ـ أخرج الشيخ الطوسي بإسناد صحيح عن الإمام الصادق عن أبيه الباقر قال : بسم الله الرحمن الرحيم أقرب إلى الاسم الأعظم من ناظر العين إلى بياضها (٦).

__________________

(١) أصول الكافي ، الكليني ، ١ / ٣٧٢.

(٢) الدر المنثور ، السيوطي ، ١ / ١٠.

(٣) الاسراء / ٤٦.

(٤) الدر المنثور ، السيوطي ، ٤ / ١٨٧.

(٥) أصول الكافي ، الكليني ، ٧ / ٣٢٠+ تفسير نور الثقلين ، العروسي الحويزي ، ١ / ٥.

(٦) تهذيب الأحكام ، الطوسي ، ٢ / ١٢+ تفسير نور الثقلين ، العروسي الحويزي ، ١ / ٨. وأخرج السيوطي عن ابن عباس : أن عثمان بن عفان (رضي الله عنه) سأل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن بسم الله الرحمن الرحيم فقال : هو اسم من أسماء الله تعالى وما بينه وبين اسم الله الأكبر إلا كما بين سواد العين وبياضها من القرب. الدر المنثور ، السيوطي ، ١ / ٨.

٢٥٩

٥ ـ وأخرج محمد بن يعقوب بسنده عن سلمة بن محرز ومحمد بن مسلم قالا : سمعنا أبا جعفر يقول : من لم يبرأه الحمد لم يبرأه شيء (١).

٦ ـ أخرج الطبرسي عن الإمام الباقر قال : لكل شيء ذروة وذروة القرآن آية الكرسي ، وفي رواية أخرى قال : من قرأ آية الكرسي مرة صرف الله عنه ألف مكروه من مكاره الدنيا ، وألف مكروه من مكاره الآخرة ، أيسر مكروه الدنيا الفقر ، وأيسر مكروه الآخرة عذاب القبر (٢).

٧ ـ روي بسند صحيح عن الإمام الصادق عن أبيه الباقر أنه قال : قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : لما أراد الله أن ينزل فاتحة الكتاب وآية الكرسي ، و (شَهِدَ اللهُ)(٣) و (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٤) ، تعلقن بالعرش وليس بينهن وبين الله حجاب وقلن : يا رب تهبطنا إلى دار الذنوب وإلى من يعصيك ونحن معلقات بالطهور والعرش ، فقال : وعزتي وجلالي ما من عبد قرأكن في دبر كل صلاة مكتوبة إلا أسكنته حضيرة القدس على ما كان فيه وإلا نظرت إليه بعيني المكنونة في كل يوم سبعين نظرة وإلا قضيت له في كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة وإلا أعذته من كل عدو ونصرته عليه ، ولا يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت (٥).

__________________

(١) أصول الكافي ، الكليني ، ٢ / ٩٦+ تفسير نور الثقلين ، العروسي الحويزي ، ١ / ١٤. وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإيمان بسند جيد عن عبد الله بن جابر أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال له : ألا أخبرك بأخير سورة نزلت بالقرآن ، قلت : بلى يا رسول الله ، قال : فاتحة الكتاب وأحسبه قال : فيها شفاء من كل داء. وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : فاتحة الكتاب شفاء من السم. انظر : الدر المنثور ، السيوطي ، ١ / ٤ ـ ٥.

(٢) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٢ / ٣٦١+ مقتنيات الدرر ، سيد مير علي الحائري ، ٢ / ١١٢. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لكل شيء سنام وإن سنام القرآن سورة البقرة ، وفيها أية هي سيدة آي القرآن ، آية الكرسي. الترغيب والترهيب ، المنذري ، ٢ / ٣٧٥.

(٣) آل عمران / ١٨.

(٤) آل عمران / ٢٦ ـ ٢٧.

(٥) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ١٦٥+ تفسير القرآن ، القمي ، ١ / ٢٧٣+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ٢ / ٤٢٦+ الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ١ / ٢٥٠. وأخرج السيوطي عن الإمام علي نفس الحديث تقريبا ، وقريبا منه عن أبي أيوب الأنصاري. انظر : الدر المنثور ، السيوطي ، ٢ / ١٢.

٢٦٠