الإمام الباقر عليه السلام وأثره في التّفسير

الدكتور حكمت عبيد الخفاجي

الإمام الباقر عليه السلام وأثره في التّفسير

المؤلف:

الدكتور حكمت عبيد الخفاجي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠

فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ولم تخافون ذلك؟ قالوا : إذا كنا عندك فذكرتنا ورغبتنا وجلنا ونسينا الدنيا وزهدنا حتى كنا نعاين الآخرة والجنة والنار ونحن عندك ، فاذا خرجنا من عندك ودخلنا هذه البيوت وشممنا الأولاد ورأينا العيال والأهل يكاد أن نحول على الحالة التي كنا عليها عندك وحتى كأننا لم نكن على شيء ، أفنخاف علينا أن يكون ذلك نفاقا؟ فقال لهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : كلا ، إن هذه خطوات الشيطان فيرغبكم بالدنيا ، والله لو تدومون على الحالة التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة ومشيتم على الماء ، ولو لا أنكم تذنبون فتستغفرون الله تعالى لخلق خلقا حتى يذنبوا فيستغفروا الله تعالى فيغفر لهم ، إن المؤمن مفتن تواب ، أما تسمعوا لقول الله (عزوجل) : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) وقوله : (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ)(١)(٢).

ومعنى قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : لو لا أنكم تذنبون فتستغفرون الله تعالى لخلق خلقا حتى يذنبوا فيستغفروا الله تعالى فيغفر لهم. إشارة إلى قاعدة أثبتها الفلاسفة الالهيون والعرفاء وهي أن جميع ما في هذا العالم مظهر من مظاهر اسمائه تعالى المقدسة ، فلو لم يتحقق العفو والغفران والتوبة بالنسبة إليه (عزوجل) ، فمن لوازم هذه الأسماء المقدسة تحقق الذنب مع أنه بنفسه يوجب استكانة المذنب عند ربه وطلبه العفو والغفران منه (٣).

٥ ـ روى العياشي بسنده عن جابر الجعفي في تفسير قوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)(٤) ، عن الإمام أبي جعفر الباقر قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : إن الملك ينزل الصحيفة أول النهار وأول الليل يكتب فيها عمل ابن آدم ، فاعملوا في أولها خيرا وفي آخرها خيرا فان الله يغفر لكم ما بين ذلك إن شاء الله ، فان الله يقول : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)(٥).

__________________

(١) هود / ٩٠.

(٢) أصول الكافي ، الكليني ، ٤ / ١٣٠+ تفسير نور الثقلين ، العروسي الحويزي ، ١ / ١٧٩ ـ ١٨٠+ مواهب الرحمن في تفسير القرآن ، السيد عبد الأعلى السبزواري ، ٣ / ٣٩١ ـ ٣٩٢.

(٣) ظ : مواهب الرحمن ، عبد الأعلى السبزواري ، ٣ / ٣٩٣.

(٤) البقرة / ١٥٢.

(٥) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ٦٧+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ١ / ٢٣٤.

٢٠١

٦ ـ روى الجزائري عن جابر الجعفي أيضا في تفسير قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ)(١) ، قال : قال أبو جعفر الباقر : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : من طلب مرضاة الناس بما يسخط الله كان حامده من الناس ذاما ، ومن آثر طاعة الله (عزوجل) بما يغضب الناس كفاه الله عداوة كل عدو وحسد كل حاسد وبغي كل باغ وكان الله له ناصرا وظهيرا (٢). وفي رواية أخرى عن الإمام الباقر بلفظ آخر أخرجها ابن مردويه بسنده عنه (عليه‌السلام) قال قرأ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) ثم قال : الخير اتباع القرآن وسنتي (٣).

٧ ـ أخرج محمد بن يعقوب بسنده عن أبي حمزة الثمالي في تفسير قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً ...)(٤) ، عن الإمام أبي جعفر الباقر قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب عظيم : شيخ زان ، وملك جبار ، ومقل مختال (٥).

وفي لفظ أخر عنه (عليه‌السلام) قال : انزل في العهد (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) والخلاق النصيب ، فمن لم يكن له نصيب ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة فبأي شيء يدخل الجنة (٦).

إن هذا الحديث فيه دليل عقلي على عدم دخولهم الجنة بافرادهم الثلاثة في حديث النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وبهؤلاء الذين ذكر أوصافهم الإمام الباقر.

٨ ـ وأخرج العياشي بسنده عن زياد بن المنذر (أبو الجارود) في تفسير قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً

__________________

(١) آل عمران / ١٠٤.

(٢) قلائد الدرر ، الشيخ أحمد الجزائري ، ٢ / ٢٠٠.

(٣) الدر المنثور ، السيوطي ، ٢ / ٦٢.

(٤) آل عمران / ٧٧.

(٥) أصول الكافي ، الكليني ، ٢ / ٨٧+ تفسير نور الثقلين ، العروسي الحويزي ، ١ / ٢٥٦.

(٦) الشافي في شرح أصول الكافي ، الشيخ عبد الحسين المظفر ، ٤ / ١٤٢.

٢٠٢

وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)(١) عن الإمام أبي جعفر الباقر قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يبعث أناس من قبورهم يوم القيامة تؤجج أفواههم نارا ، فقيل له : يا رسول الله من هؤلاء؟ قال : الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما (٢).

وفي رواية أخرى أخرجها الكليني بسنده عن الإمام الباقر : إن آكل مال اليتيم يجيء يوم القيامة والنار تلتهب في بطنه حتى يخرج لهب النار من فيه ، يعرفه أهل الجنة أنه آكل مال اليتيم (٣).

٩ ـ أخرج الطبري بسنده عن الحكم بن عتيبة (عيينة) في تفسير قوله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ ...)(٤) عن جعفر بن محمد عن أبيه الإمام الباقر قال : لم يصبه شيء من شرك في ولادته وقال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : إني خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح (٥).

١٠ ـ روى الطبرسي عن الفضيل بن يسار في تفسير قوله تعالى : (وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ)(٦) عن أبي جعفر الباقر قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ما من عين ترقرقت بمائها إلا حرم الله ذلك الجسد عن النار ، فان فاضت من خشية الله لم يرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة (٧).

١١ ـ وأخرج الطبرسي أيضا عن أبي حمزة الثمالي في تفسير قوله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ)(٨) عن الإمام الصادق عن أبيه أبي جعفر الباقر عن آبائه في حديث طويل عن علي (عليه‌السلام) قال : سمعت حبيبي رسول الله يقول : أرجى آية في كتاب الله

__________________

(١) النساء / ١٠.

(٢) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ٢٢٥+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ٣ / ١٣+ تفسير القرآن ، القمي ، ١ / ٣٤٧+ بحار الأنوار ، المجلسي ، ١٥ / ١٢١.

(٣) أصول الكافي ، الكليني ، ٢ / ٢٠٢+ مواهب الرحمن ، السبزواري ، ٧ / ٣١٨.

(٤) التوبة / ١٢٨.

(٥) جامع البيان ، الطبري ، ١١ / ٥٥ ـ ٥٦.

(٦) يونس / ٢٦.

(٧) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٥ / ١١٥ ، وانظر : صفة الصفوة ، ابن الحوزي ، ٢ ، ٦١+ البداية والنهاية ، ابن كثير الدمشقي ، ٩ / ٤١٢.

(٨) هود / ١١٤.

٢٠٣

(وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا إن أحدكم ليقوم من وضوئه فيتساقط عن جوارحه الذنوب ، فاذا استقبل الله بوجهه وقلبه لم ينفتل وعليه من ذنوبه شيء كما ولدته أمه ، فاذا أصاب شيئا بين الصلاتين كان له مثل ذلك ، حتى عدّ الصلوات الخمس ، ثم قال : يا علي إنما منزلة الصلوات الخمس لأمتي كنهر جار على باب أحدكم لو كان في جسده درن ثم اغتسل في ذلك النهر خمس مرات أكان يبقى في جسده درن؟ فكذلك والله الصلوات الخمس لأمتي (١).

١٢ ـ روى العياشي ، عن جابر بن يزيد في تفسير قوله تعالى : (طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ)(٢) عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) قال : بينما رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جالس ذات يوم إذ دخلت عليه أم أيمن في ملحفتها شيء ، فقال لها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : يا أم أيمن أي شيء في ملحفتك؟ فقالت : يا رسول الله فلانة بنت فلان أملكوها فنثروا عليها فاخذت من نثارها شيئا ، ثم إن أم أيمن بكت فقال لها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ما يبكيك؟ فقالت : فاطمة زوجتها فلم ينثر عليها شيء. فقال لها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : لا تبكي ، فو الذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا لقد شهد أملاك فاطمة جبرائيل وميكائيل واسرافيل في ألوف من الملائكة ، ولقد أمر الله طوبى فنثرت عليهم من حللها وسندسها واستبرقها وزمردها وياقوتها وعطرها ، فأخذوا منه حتى ما دروا ما يصنعوا به ولقد نحل الله طوبى في مهر فاطمة فهي في دار علي بن أبي طالب (٣).

__________________

(١) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٥ / ٢٠١+ قلائد الدرر ، الشيخ الجزائري ، ١ / ٥٦.

(٢) الرعد / ٢٩.

(٣) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ٢ / ٢١١ ـ ٢١٢+ تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ٢٩٢+ تفسير فرات ، فرات بن إبراهيم الكوفي ، ٧٢.

وورد هذا التفسير بلفظ آخر عن الإمام الباقر ، أخرجه القرطبي في تفسيره فقال : قال أبو جعفر محمد بن علي : سئل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن قوله تعالى : (طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) فقال : شجرة أصلها في داري وفرعها في الجنة ، ثم سئل مرة أخرى فقال : شجرة أصلها في داري وفرعها في الجنة ، ثم سئل عنها ثالثة فقال : أصلها في دار علي وفرعها في الجنة ، فقال النبي : إن داري ودار علي غدا في الجنة واحدة في مكان واحد. الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ٩ / ٣١٧.

٢٠٤

١٣ ـ روي عن عبد الله بن عطاء المكي في تفسير قوله تعالى : (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)(١) عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه الإمام الباقر عن آبائه عن علي ابن أبي طالب قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) هو الجدي لأنه نجم لا يزول وعليه بناء القبلة وبه يهتدي أهل البر والبحر (٢).

١٤ ـ روى علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن أبي حمزة الثمالي في تفسير قوله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً)(٣) ، عن الإمام أبي جعفر الباقر قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : لا يزول قدم عبد يوم القيامة بين يدي الله (عزوجل) حتى يسأله عن أربع خصال : عمرك فيما أفنيته وجسدك فيما أبليته ومالك من أين كسبته وأين وضعته وعن حبنا أهل البيت (٤).

١٥ ـ روى ابن كثير الدمشقي بسنده عن جعفر بن محمد الصادق في تفسير قوله تعالى : (عُرُباً أَتْراباً)(٥) عن أبيه الإمام الباقر عن آبائه قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : عربا ، قال : كلامهن عربي (٦).

تبين لنا من خلال هذه الأمثلة القليلة المجتزئة من الكثير مما استطعنا الوقوف عليه أن الإمام الباقر كان يعتمد في بيان آي الذكر الحكيم بعد العودة الى القرآن الكريم نفسه اتخاذ السنة القولية الصحيحة مرجعا لتفسير القرآن الكريم ، ومن الملاحظ ، أن أسانيده فيها كان عن آبائه عن الإمام علي عن الرسول الكريم (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

* المطلب الثالث : تفسيره بالسيرة النبوية الشريفة :

سنورد هنا شواهد وأمثلة على ما استطعنا استقصاءه من روايات تفسيرية للإمام الباقر ، كان اعتماده في تفسير بعض الآيات القرآنية فيها على السيرة

__________________

(١) النحل / ١٦.

(٢) تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ٣٦٢+ تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ٢ / ٢٥٦+ الصافي ، الفيض الكاشاني ، ١ / ٣٩.

(٣) الاسراء / ٣٦.

(٤) تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ١٩+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ٦ / ٤١٦.

(٥) الواقعة / ٣٧.

(٦) تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير الدمشقي ، ٤ / ٢٣٣+ الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ١٣ / ٢٠٧.

٢٠٥

النبوية الشريفة مستشهدا بها أو مستنبطا المعاني المنطوية تحت تلك اللمحات المضيئة من السيرة النبوية الشريفة في تفسير جملة من الآيات ، وإليك بعض النماذج :

١ ـ في قوله تعالى : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(١) اختلف العلماء في مسألة نسخ هذه الآية ، وقد أفاض الرازي في بيان الخلاف وأسبابه ثم خلص الى تبني قول الإمام الباقر حيث قال : إنه لم يؤمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بقتال حتى نزل جبرئيل (عليه‌السلام) بقوله تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ...)(٢) وقلده سيفا ، فكان أول قتال قاتل أصحاب عبد الله بن جحش ببطن نخل وبعده غزوة بدر (٣).

٢ ـ روي بسند صحيح عن حمران بن أعين في تفسير قوله تعالى : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)(٤) عن الإمام الباقر قال : أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حين صدّ بالحديبية قصر وأحل ونحر ، ثم انصرف منها ولم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك ، فأما المحصور فانما يكون عليه التقصير (٥).

وهناك ما يؤيد هذه الرواية ، فقد ورد عن معاوية بن عمار عن الإمام الصادق قال : المحصور غير المصدود ، وقال (عليه‌السلام) : المحصور هو المريض والمصدود هو الذي يرده المشركون كما ردوا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وإنه ليس من مرض ، والمصدود يحل له النساء والمحصور لا يحل له النساء (٦) ، ونسب ذلك الى المشهور بين الفقهاء (٧).

__________________

(١) البقرة / ١٠٩.

(٢) الحج / ٣٩.

(٣) التفسير الكبير ، الرازي ، ٣ / ٢٦٤.

(٤) البقرة / ١٩٦.

(٥) أصول الكافي ، الكليني ، ٣ / ١٧٩+ التبيان في تفسير القرآن ، الشيخ الطوسي ، ٢ / ١٥٨+ تفسير نور الثقلين ، العروسي الحويزي ، ١ / ١٥٣.

(٦) تهذيب الأحكام ، الشيخ الطوسي ، ٢ / ١٣٢+ أصول الكافي ، الكليني ، ٢ / ١٧١+ مواهب الرحمن ، السبزواري ، ٣ / ١٩٩.

(٧) ظ : مواهب الرحمن ، السبزواري ، ٣ / ١٩٩ ـ ٢٠٠.

٢٠٦

٣ ـ روى علي بن إبراهيم في تفسيره عن جابر الجعفي في تفسير قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)(١) ، عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : أتى رجل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال : إني راغب نشيط في الجهاد ، فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : فجاهد في سبيل الله ، فإنك إن تقتل كنت حيا عند الله ترزق وإن مت فقد وقع أجرك على الله وإن رجعت خرجت من الذنوب إلى الله هذا تفسير : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)(٢).

٤ ـ روى محمد بن يعقوب بسنده عن عبد الله بن كيسان في تفسير قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ)(٣) عن الإمام أبي جعفر الباقر قال : أتى رجل من الأنصار رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال : هذه ابنة عمي وامرأتي لا أعلم منها إلا خيرا وقد أتتني بولد شديد السواد ، منتشر المنخرين ، جعد ، قطط ، أفطس الأنف لا أعرف شبهه في أخوالي ولا في أجدادي. فقال لامرأته : ما تقولين؟ قالت : لا والذي بعثك بالحق نبيا ، ما اقعدت مقعده مني منذ ملكني أحدا غيره ، قال (عليه‌السلام) : فنكس رسول الله مليا ، ثم رفع بصره إلى السماء ، ثم أقبل على الرجل فقال : يا هذا ، إنه ليس من أحد إلا بينه وبين آدم تسع وتسعون عرقا كلها تضرب في النسب فإذا وقعت النطفة في الرحم اضطربت تلك العروق تسأل الله الشبه لها ، فهذا من تلك العروق التي لم يدركها أجدادك ولا أجداد أجدادك ، خذي إليك ابنك ، فقالت المرأة : فرجت عني يا رسول الله (٤).

٥ ـ روى الطبرسي عن أبان بن عثمان في تفسير قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)(٥) عن أبي جعفر الباقر : أنه

__________________

(١) آل عمران / ١٦٩.

(٢) تفسير القرآن ، القمي ، ١ / ٣٢٥+ تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ٢١٦+ تفسير نور الثقلين ، العروسي الحويزي ، ١ / ٣٣٤+ مواهب الرحمن ، السبزواري ، ٧ / ٨٥ ـ ٨٦.

(٣) آل عمران / ٦.

(٤) الشافي في شرح أصول الكافي ، الشيخ عبد الحسين المظفر ، ٣ / ٩٥+ تفسير نور الثقلين ، العروسي الحويزي ، ١ / ١٥٩ ـ ١٦٠.

(٥) آل عمران / ١٤٥.

٢٠٧

أصاب عليا (عليه‌السلام) ستون جراحة وأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمر أم سليم وأم عطية أن تداوياه فقالتا : إنا لا نعالج منه مكانا إلا انفتق مكان آخر وقد خفنا عليه فدخل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والمسلمون يعودونه وهو قرحة واحدة فجعل يمسح بيده ويقول : إن رجلا لقي هذا في الله فقد أبلى واعذر وكان القرح الذي يمسه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يلتئم ، فقال علي : الحمد لله إذ لم أفر ولم أول الدبر ، فشكر الله له ذلك في موضعين من القرآن وهو قوله : (... وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ)(١) وقوله : (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)(٢).

٦ ـ روى العياشي بسنده عن زرارة بن أعين في تفسير قوله تعالى : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ)(٣) عن أبي جعفر الباقر قال : أتى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عمار بن ياسر فقال : يا رسول الله ، أجنبت الليلة ولم يكن معي ماء ، فقال : كيف صنعت؟ قال : طرحت ثيابي ثم قمت على الصعيد فتمعكت ، فقال : هكذا يصنع الحمار ، إنما قال الله : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) قال : فضرب بيديه الأرض ثم مسح إحداهما على الأخرى ثم مسح يديه بجبينه ثم مسح كفيه كل واحد منهما على الاخرى (٤).

٧ ـ روى السيوري في تفسير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ)(٥) عن الإمام الباقر قال : أن خيبرية من أشرافهم زنت فكرهوا رجمها فارسلوا الى النبي يستفتونه طمعا في رخصة تكون في دينه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، فقال رسول الله : أترضون بحكمي؟ فقالوا : نعم ، فافتاهم بالرجم ، فأبوا أن يقبلوا ، فقال جبرئيل للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : سلهم عن ابن صوريا واجعله بينك وبينهم

__________________

(١) آل عمران / ١٤٤.

(٢) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٢ / ٥١٥+ الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ٣ / ١٢٠.

(٣) المائدة / ٦.

(٤) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ٤٤+ تفسير القرآن ، القمي ، ١ / ٣٧٢ ، ورواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود على اختلاف يسير وأنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) علم عمار التيمم عملا ، في باب التيمم ضربة ، وطريق البخاري هو عن محمد بن سلام قال : اخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق وذكر الحديث. ١ / ٩٦.

(٥) المائدة / ٤١.

٢٠٨

حكما ، فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لهم : أتعرفون ابن صوريا؟ قالوا : نعم ، واثنوا عليه وعظموه ، فارسل إليه فأتى فقال له النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : أنشدك الله هل تجدون في كتابكم الذي جاء به موسى (عليه‌السلام) الرجم على المحصن؟ فقال : نعم ، ولو لا مخافتي من رب التوراة أن كتمت لم اعترفت فنزلت (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ)(١) فقام ابن صوريا وسأله أن يذكر الكثير الذي أمر بالعفو عنه فاعرض عن ذلك ، واسلم ابن صوريا عبد الله وكان شابا أمرد ، أعور ، وكان أعلم يهودي في زمانه (٢).

٨ ـ روى العياشي في تفسيره ، في تفسير قوله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ)(٣) عن زرارة وحمران عن الإمام أبي جعفر الباقر قال : أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قد كان لقى من قومه بلاء شديدا حتى أتوه ذات يوم وهو ساجد حتى طرحوا عليه رحم شاة ، فاتته ابنته وهو ساجد لم يرفع رأسه فرفعته عنه ومسحته ثم أراه الله بعد ذلك الذي يحب ، أنه كان ببدر وليس معه غير فارس واحد ثم كان معه يوم الفتح اثنا عشر ألفا حتى جعل الله أبو سفيان والمشركون يستغيثون (٤).

٩ ـ روى الطبري وابن كثير بسندهما عن محمد بن إسحاق عن حكيم بن حكم بن عباد في تفسير قوله تعالى : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)(٥) عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين قال : لما نزلت على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقد كان بعث أبا بكر ليقيم الحج للناس ، فقيل يا رسول الله لو

__________________

(١) المائدة / ١٥.

(٢) كنز العرفان في فقه القرآن ، المقداد السيوري ٤ / ٣٣+ مقتنيات الدرر ، سيد مير علي الحائري ، ٥ / ٩٦ وانظر : لباب النقول ، السيوطي ، ٩٠ ، روى هذا السبب في نزول قوله تعالى يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ بلفظ قريب عن عكرمة.

(٣) الانفال / ٣٠.

(٤) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ٢ / ٥٤+ تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ٧٩+ بحار الأنوار ، المجلسي ، ٢ / ٥٥. وانظر : لباب النقول ، السيوطي ، ١٠٦ ـ ١٠٧ ذكر سببين لنزول هذه الآية ، الأول عن ابن عباس ، والثاني عن عبد المطلب بن أبي وداعة.

(٥) التوبة / ٣.

٢٠٩

بعثت إلى أبي بكر ، فقال : لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي ، ثم دعا عليا فقال : اذهب بهذه القصة من سورة براءة واذّن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى أنه لا يدخل الجنة كافر ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف في البيت عريان فمن كان له عهد عند رسول الله فهو له إلى مدته فخرج علي رضي الله عنه على ناقة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) العضباء حتى أدرك أبا بكر في الطريق فلما رآه أبو بكر رضي الله عنه قال : أمير أو مأمور؟ فقال : بل مأمور ، ثم مضيا ، فأقام أبو بكر للناس إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج التي كانوا عليها في الجاهلية حتى إذا كان يوم النحر قام علي بن أبي طالب فأذّن في الناس الذي أمره رسول الله فقال : يا أيها الناس أنه لا يدخل الجنة كافر ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عهد عند رسول الله فهو إلى مدته ، فلم يحج بعد ذلك العام مشرك ولم يطف في البيت عريان ثم قدم على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١).

١٠ ـ روى علي بن إبراهيم بسنده عن زرارة وحمران بن أعين ومحمد بن مسلم الطائفي في تفسير قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ)(٢) عن الإمام أبي جعفر الباقر قال : حدث أبو سعيد الخدري أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : أن جبرئيل قال لي ليلة أسري بي وحين رجعت فقلت : يا جبرئيل هل لك حاجة؟ فقال : حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله ومني السلام ، وحدثنا عن ذلك أنها قالت حين لقيها النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال الذي قال جبريل قالت : إن الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام وعلى جبرئيل السلام (٣).

١١ ـ روى الجزائري في تفسيره ، في تفسير قوله تعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها)(٤) عن الإمام الباقر قال : أمره الله تعالى أن يخص أهله

__________________

(١) جامع البيان ، الطبري ، ١٠ / ٤٧+ تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير الدمشقي ، ٢ / ٣٣٣ ـ ٣٣٤.

(٢) الاسراء / ١.

(٣) تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ٤٠١+ تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ٢ / ٢٧٩+ الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ١ / ٩٤٢.

(٤) طه / ١٣٢.

٢١٠

دون الناس ليعلم الناس أن لأهله منزلة ليست للناس فأمرهم مع الناس عامة ثم امرهم خاصة (١) ، ثم قال : بعد نزول الآية كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يجيء كل يوم عند صلاة الفجر حتى يأتي باب علي وفاطمة فيقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فيقول علي وفاطمة والحسن والحسين : وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، ثم يأخذ بعضادتي الباب فيقول : الصلاة ، الصلاة ، يرحمكم الله (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(٢) فلم يزل يفعل ذلك إذا شهد المدينة (٣).

١٢ ـ روى الطبرسي بسنده عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم في تفسير قوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ)(٤) عن الإمام الباقر قال : أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يقوم من الليل ثلاث مرات فينظر في آفاق السماء ويقرأ الخمس من أواخر آل عمران إلى قوله : (إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) ثم يفتتح بصلاة الليل (٥).

١٣ ـ أخرج السيوطي في تفسير قوله تعالى : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ)(٦) عن أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنه قال : دخل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على رجل من الأنصار يعوده فاذا ملك الموت (عليه‌السلام) عند رأسه ، فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : يا ملك الموت ارفق بصاحبي فانه مؤمن ، فقال : ابشر يا محمد ، فإني بكل مؤمن رفيق ، واعلم يا محمد أني لأقبض روح ابن آدم فيصرخ أهله فأقوم في جانب من الدار فأقول : والله ما لي من ذنب وأن لي لعودة وعودة ، الحذر الحذر وما خلق الله من أهل بيت ولا مدر ولا شعر ولا بر ولا بحر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم وليلة خمس مرات حتى أني لا أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم ، والله يا محمد إني لا أقدر أن أقبض روح بعوضة حتى يكون الله تبارك وتعالى هو الذي يأمر بقبضه (٧).

__________________

(١) ظ : البرهان في تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ٣٢.

(٢) الاحزاب / ٣٣.

(٣) قلائد الدرر ، الشيخ الجزائري ، ١ / ٨٩+ ظ : الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ١١ / ٢٦٣.

(٤) الطور / ٤٩.

(٥) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٩ / ١٧٠+ كنز العرفان ، المقداد السيوري ، ١ / ٦١+ الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ٢ / ٦١٦ ـ ٦١٧+ مقتضيات الدرر ، مير سيد علي الحائري ، ١٠ / ٢٥٥.

(٦) السجدة / ١١.

(٧) الدر المنثور ، السيوطي ، ٥ / ١٧٤.

٢١١

المبحث الثالث

رجوعه الى اللغة في التفسير

اللغة هي الأساس في التعبير القرآني ، وإن فهم القرآن الكريم يعتمد أساسا على اللغة فهي أداة التعبير والقرآن نزل بلسان عربي مبين ، فمعرفة اللغة العربية شرط أساس في فهم القرآن (١) ، وبدون الاستناد عليها في فهم القرآن يكون الفهم ناقصا ومعيبا ، كما حذر السلف من ذلك ، يقول مالك بن أنس رضي الله عنه : لا أوتي برجل غير عالم بلغة العرب يفسر كتاب الله إلا جعلته نكالا (٢).

ولهذا فإنّ اللّغة لا يمكن الاستغناء عنها في أي منهج من مناهج التفسير ، وهي لا تعد مصدرا مستقلا بل هي أساس كل المصادر (٣) ، فالتفسير لكي يكون مقبولا يجب أن يعتمد على اللغة ابتداء يقول الطبري في بيان أفضل الطرق لمعرفة كتاب الله وأوضحهم برهانا فيما ترجم وبين ، مما كان مدركا علمه من جهة اللسان ، أمّا بالشواهد من أشعارهم السائرة ، وأما من منطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة (٤) ، ولهذا كان السلف يحضون على تعلم اللغة العربية كثيرا ، فقد قال الصحابي الجليل أبي بن كعب رضي الله عنه : تعلموا العربية كما تعلمون حفظ القرآن (٥) ، وما حثهم على ذلك إلّا لإدراكهم لضرورة اعتماد اللغة في فهم القرآن الكريم وكان الإمام الباقر يوصي بالرجوع في كثير من الأحيان الى اللغة في بيان معاني وألفاظ القرآن الكريم ، وإليك بعض النماذج مما استقصيناه في رجوع الإمام الى اللغة في التفسير :

١ ـ فسر الإمام الباقر (الدين) في قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)(٦) فقال : الدين الحساب (٧)

__________________

(١) ظ : القرآن : المعجزة الكبرى ، محمد أبو زهرة ، ٥٨٦.

(٢) البرهان في علوم القرآن ، الزركشي ، ٢ / ١٦٠+ ايضاح الوقف والابتداء ، الانباري ، ١ / ٣٦.

(٣) ظ : القرآن ، المعجزة الكبرى ، الشيخ محمد أبو زهرة ، ٥٨٦.

(٤) جامع البيان ، الطبري ، ١ / ١٤.

(٥) المصنف ، ابن أبي شيبة ، ١٠ / ٤٢٧.

(٦) الفاتحة / ٣.

(٧) التبيان في تفسير القرآن ، الشيخ الطوسي ، ١ / ٣٦+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ١ / ٢٤.

٢١٢

٢ ـ وعند تفسيره لقوله تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ)(١) قال الإمام الباقر : لا تأكلا منها (٢).

٣ ـ وفسر الإمام الباقر لفظة (الفوم) في قوله تعالى : (... مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها)(٣) قال الإمام : إنه الحنطة (٤).

٤ ـ في تفسير قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(٥) قال الإمام أبو جعفر الباقر : معنى العهد الأمانة (٦). روى العياشي بسنده عن الإمام قال : أي : لا يكون إماما ظالما (٧).

٥ ـ روى القمي في تفسيره بسنده عن زرارة وحمران ابني أعين في تفسير قوله تعالى : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً)(٨) قال الإمام الباقر : الصبغة الاسلام (٩).

٦ ـ فسر الإمام الباقر قوله تعالى : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ)(١٠) فقال : معنى كرسيه علمه (١١).

٧ ـ وقال الإمام الباقر في تفسير قوله تعالى : (وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ)(١٢) : القنطار هو ملء مسك ثور ذهبا (١٣).

__________________

(١) البقرة / ٣٥.

(٢) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ٣٥+ تفسير القرآن ، القمي ، ١ / ٤٥+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ١ / ٨٥.

(٣) البقرة / ٦١.

(٤) التبيان في تفسير القرآن ، الطوسي ، ١ / ٢٧٥+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ١ / ١٢٢. وانظر : معاني القرآن ، الفراء ، ١ / ٤١ فانه قال : الفوم فيما ذكر لغة قديمة وهي الحنطة والخبز.

(٥) البقرة / ١٢٤.

(٦) التبيان في تفسير القرآن ، الشيخ الطوسي ، ١ / ٤٤٨+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ١ / ٢٠٢.

(٧) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ٥٨ وانظر : معاني القرآن ، الفراء ، ١ / ٧٦.

(٨) البقرة / ١٣٨.

(٩) تفسير القرآن ، القمي ، ١ / ١٥٧+ تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ٦٢+ الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ١ / ١٤٤.

(١٠) البقرة / ٢٥٥.

(١١) التبيان في تفسير القرآن ، الشيخ الطوسي ، ٢ / ٣٠٩+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ٢ / ٣٦٢.

(١٢) آل عمران / ١٤.

(١٣) التبيان في تفسير القرآن ، الشيخ الطوسي ، ٢ / ٤١١+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ٢ / ٤١٧+ تفسير نور الثقلين ، العروسي الحويزي ، ١ / ٢٦٢+ وقال الفراء : واحد قناطير قنطار ، ويقال : إنه ملء مسك ثور ذهبا أو فضة. معاني القرآن ، الفراء ، ١ / ١٩٥.

٢١٣

٨ ـ وفي تفسير قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً)(١) قال الإمام الباقر : انما سميت مكة بكة لأنها يبتك بها الرجال والنساء أي يزدحمون (٢).

٩ ـ وفي تفسير قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ)(٣) قال الإمام الباقر : ربيون عشرة آلاف (٤)

١٠ ـ وفي تفسير قوله تعالى : (فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً)(٥) قال الإمام الباقر : إن المراد بالثبات السرايا ، وبالجميع العسكر (٦).

١١ ـ وفي تفسير لفظة (بهيمة) في قوله تعالى : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ)(٧) عن زرارة عن الإمام الباقر قال : هي الأجنة جمع جنين ، التي في بطون الأمهات (٨).

١٢ ـ وفي تفسير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ)(٩) عن بكير بن أعين قال : قلت : ما عنى بها؟ قال الإمام الباقر : من النوم (١٠).

١٣ ـ وفي تفسير قوله تعالى : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ)(١١) عن زرارة عن الإمام الباقر قال : الحرج الضيق (١٢).

__________________

(١) آل عمران / ٩٦.

(٢) تفسير القرآن ، القمي ، ١ / ٣٠٠+ تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ١٨٦+ الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ١ / ٢٧٨+ التفسير الكبير ، الرازي ، ٨ / ١٦٤+ قلائد الدرر ، الشيخ الجزائري ، ٢ / ٥+ تفسير نور الثقلين ، العروسي الحويزي ، ١ / ٣٠٤+ علل الشرائع ، الشيخ الصدوق ، ٢ / ٣٩٧. قال الفراء : إنما سميت بكة لازدحام الناس بها يقال : بك الناس بعضهم بعضا : إذا ازدحموا. معاني القرآن ، الفراء ، ١ / ٢٢٧.

(٣) آل عمران / ١٤٦.

(٤) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٢ / ٥١٧+ تفسير نور الثقلين ، العروسي الحويزي ، ١ / ٣٣٣. قال الفراء : والربيون الالوف. معاني القرآن ، الفراء ، ١ / ٢٣٧.

(٥) النساء / ٧١.

(٦) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٣ / ٧٣+ تفسير نور الثقلين ، العروسي الحويزي ، ١ / ٤٠٩. وقال الفراء : يقول إذا دعيتم إلى السرايا ، أو دعيتم جميعا ، معاني القرآن ، الفراء ، ١ / ٢٧٥.

(٧) المائدة / ١.

(٨) تفسير القرآن ، القمي ، ١ / ٤٣٢+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ٣ / ١٥٢.

(٩) المائدة / ٦

(١٠) قلائد الدرر ، الشيخ الجزائري ، ١ / ١٧+ بحار الأنوار ، المجلسي ، ١٨ / ٥٣.

(١١) المائدة / ٦.

(١٢) تفسير القرآن ، القمي ، ١ / ٤٥٤+ تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ٣٠٢.

٢١٤

١٤ ـ في تفسير قوله تعالى : (وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ)(١) عن سفيان الثوري عن جابر عن الإمام الباقر قال : الغارمين المستدينين بغير فساد ، وابن السبيل المجتاز من أرض إلى أرض (٢).

١٥ ـ في تفسير قوله تعالى : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ)(٣) عن جابر عن الإمام الباقر قال : تركوا طاعة الله فنسيهم أي تركهم (٤).

١٦ ـ في تفسير قوله تعالى : (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ)(٥) عن جابر عن الإمام الباقر قال : مع النساء (٦).

١٧ ـ في تفسير قوله تعالى : (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً)(٧) قال الإمام الباقر : مدخلا أسرابا في الأرض (٨).

١٨ ـ في تفسير قوله تعالى : (نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ)(٩) عن أبي حمزة الثمالي عن الإمام الباقر قال : صواع الملك ، الطاس الذي يشرب فيه (١٠).

١٩ ـ في تفسير قوله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)(١١) قال الإمام الباقر : إلهام (١٢)

__________________

(١) التوبة / ٦٠.

(٢) تفسير القرآن الكريم ، سفيان الثوري ، ٨٥+ جامع البيان ، الطبري ، ١٠ / ١٠٠+ الدر المنثور ، السيوطي ، ٣ / ٢٥٢. قال الفراء : الغارمين : أصحاب الدين الذين ركبهم في غير افساد ، وابن السبيل : المنقطع به أو الضيف. معاني القرآن ، الفراء ، ١ / ٤٤٣ ـ ٤٤٤.

(٣) التوبة / ٦٧.

(٤) تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ١٣٧+ تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ٢ / ٦٥ ـ ٦٦.

(٥) التوبة / ٨٧.

(٦) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ٢ / ١٠٣+ الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ١ / ٧٢٠.

(٧) التوبة / ٥٧.

(٨) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٥ / ٤٠. وقال الفراء : (أو مدخلا) يريد : سربا في الأرض. معاني القرآن ، الفراء ، ١ / ٤٤٣.

(٩) يوسف / ٧٢.

(١٠) تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ٢٦٤+ تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ٢ / ١٨٥+ بحار الأنوار ، المجلسي ، ٥ / ١٨٦+ الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ١ / ٨٤٩. قال الفراء : الصواع ذكر ، وهو الإناء الذي كان الملك يشرب فيه ، معاني القرآن ، ٢ / ٥١.

(١١) النحل / ٦٨.

(١٢) تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ٣٧٥+ تفسير العياشي ، ٢ / ٢٦٣+ الصافي ، الفيض الكاشاني ، ١ / ٩٣٠+ بحار الأنوار ، المجلسي ، ١٤ / ٧١٤+ مقتنيات الدرر ، مير سيد علي الحائري ، ٦ / ١٥١. وقال الفراء : وأوحى ربك إلى النحل ، ألهمها ولم يأتها رسول ، معاني القرآن ، الفراء ، ٢ / ١٠٩.

٢١٥

المبحث الرابع

استنباط المعاني للآيات

الاستنباط كما قال ابن قيم الجوزية : استنباط المعاني والعلل ونسبة بعضها إلى بعض ، فيعتبر ما يصح منها بصحة مثله ومشبهه ونظيره ، ويلغى ما لا يصح ، والاستنباط كالاستخراج ومعلوم أن ذلك قدر زائد على مجرد فهم اللفظ (١) ، وهذا الاستنباط هو ما يسمى بالتأويل في معناه العام ، ودعا به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لابن عباس في قوله : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل (٢) ، وقد أشار اليه بعض العلماء بقوله : التفسير بالمقتضي من معنى الكلام والمقتضب من قوة الشرع (٣) ، غير أن الحديث عن الاستنباط أو التأويل بمعناه العام يجرنا إلى الحديث عن معنى التأويل وأنواعه والفرق بينه وبين التفسير ، والبحث في هذه المسألة ليس هنا محله ، فلذلك نريد أن نقول : إن استنباطات الإمام الباقر كثيرة لكثرة ما روي عنه في التفسير ، فقد كان غواصا على المعاني ، مقتنصا لشوارد المسائل ، متلمسا وجه العلة ومناسبة الحكم وقد أورد له الشيخ الصدوق وحده في كتابه علل الشرائع أكثر من (٩٣) مسألة في علل الأحكام وتوجيهاتها ، وسنورد هنا بعض النماذج على ما قررناه.

١ ـ روى الطبرسي في تفسير قوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ)(٤) عن الإمام الباقر قال : أي مثلهم في دعائك إياهم إلى الإيمان كمثل الناعق في دعائه والمنعوق به من البهائم التي لا تفهم وإنما تسمع الدعاء (٥).

__________________

(١) اعلام الموقعين ، ابن القيم ، ١ / ٢٢٥+ التبيان في أقسام القرآن ، ١٤٤.

(٢) مسند الإمام أحمد ، شرح أحمد محمد شاكر ، ٤ / ١٢٧.

(٣) البرهان في علوم القرآن ، الزركشي ، ١ / ١٦٠+ الاتقان ، السيوطي ، ٢ / ١٢٨.

(٤) البقرة / ١٧١.

(٥) مجمع البيان ، الطبرسي ، ١ / ٢٥٥+ مواهب الرحمن ، السبزواري ، ٢ / ٣٢٦.

٢١٦

وعدّ الشيخ الطوسي هذا التفسير بأنه أكثر في باب الفائدة من أي وجه آخر من التفسير ، وقد فسر به ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، واختاره عدد من العلماء كالفراء والطبري والرماني (١).

٢ ـ روى العياشي بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي في تفسير قوله تعالى : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها)(٢) قال : قال الإمام الباقر : يعني أن يأتي الأمر من وجهه ، أي الأمور كان (٣).

وقد أورد الواحدي روايتين في سبب نزول هذه الآية (٤) ، غير أن ما فسره الإمام الباقر كان هو معنى الآية الشريفة على نحو المعنى الكلي فيكون ما أورده الواحدي في نزولها من باب ذكر بعض المصاديق.

٣ ـ روى الطبرسي في تفسيره ، في تفسير قوله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ)(٥) ، قال الإمام الباقر : كانوا قبل نوح أمة واحدة على فطرة الله لا مهتدين ولا ضلالا فبعث الله النبيين (٦).

واختلف المفسرون في معنى الأمة المعنية بهذه الآية :

ـ فقال ابن عباس وقتادة : هم الذين كانوا بين عاد ونوح.

ـ وقال مجاهد : المراد بالآية آدم ، فبعث النبيين إلى ولده ، وغير ذلك من الأقوال (٧).

وتفسير الإمام الباقر لهذه الآية موافق للأمر التكويني لعدم تشعب الأفكار ، بل كانوا على سذاجة الفطرة لا مهتدين بالهداية التشريعية ولا ضلالا بضلالة

__________________

(١) التبيان في تفسير القرآن ، الشيخ الطوسي ، ٢ / ٧٧.

(٢) البقرة / ١٨٩.

(٣) تفسير العياشي ، ١ / ٨٦+ تفسير القرآن ، القمي ، ١ / ١٩٠+ الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ١ / ١٧١.

(٤) أسباب النزول ، الواحدي ، ٣٩ ـ ٤٠.

(٥) البقرة / ٢١٣.

(٦) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٢ / ٣٠٧.

(٧) ظ : التبيان في تفسير القرآن ، الشيخ الطوسي ، ٢ / ١٩٧.

٢١٧

الكفر ، لعدم إتمام الحجة بالرسل وعدم حدوثها بعد ، فلما بعث الله الرسل وأتم الحجة بهم اختلفوا وتفرقوا (١).

٤ ـ روى الشيخ الصدوق في العلة التي من أجلها دعا نوح على قومه بسنده عن سدير الصيرفي قال : قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : أرأيت نوحا (عليه‌السلام) حين دعا على قومه فقال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً* إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً)(٢) ، قال الإمام : علم أنه لا ينجو من بينهم أحد ، قال : قلت : وكيف علم ذلك؟ قال : أوحى الله إليه (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ)(٣) فعند هذا دعا عليهم بهذا الدعاء (٤).

٥ ـ سنورد هنا مثالا على طوله لنبين مدى استطاعة الإمام الباقر في استنباط المعاني للآيات القرآنية الكريمة ، فقد روى محمد بن يعقوب الكليني بسنده عن حمران وزرارة ابني أعين ومحمد بن مسلم الطائفي ، في تفسير قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٥) ، عن الإمام الباقر قال : إن الله إذا أراد أن يخلق النطفة التي هي مما أخذ عليه الميثاق من صلب آدم (عليه‌السلام) أو مما يبدو له فيه ويجعلها في الرحم حرك الرجل للجماع وأوحى إلى الرحم أن افتحي بابك حتى يلج فيك خلقي وقضائي النافذ وقدري ، فتفتح بابها ، فتصل النطفة إلى الرحم فتردد فيه أربعين يوما ثم تصير علقة أربعين يوما ثم مضغة أربعين يوما ثم تصير لحما فيه عروق متشابكة ، ثم يبعث الله ملكين خلاقين يخلقان في الأرحام ما يشاء الله ، يقتحمان في بطن المرأة من فم المرأة ، فيصلان إلى الرحم وفيها الروح القديمة في أصلاب الرجال وأرحام النساء فينفخان فيها روح الحياة والبقاء ، ويشقان له السمع والبصر والجوارح وجميع ما في البطن بإذن الله تعالى ، ثم يوحي الله إلى الملكين ، اكتبا عليه قضائي وقدري

__________________

(١) ظ : مواهب الرحمن ، السبزواري ، ٣ / ٢٩٠.

(٢) نوح / ٢٦ ـ ٢٧.

(٣) هود / ٣٦.

(٤) علل الشرائع ، الشيخ الصدوق ، ١ / ٣١.

(٥) آل عمران / ٦.

٢١٨

ونافذ أمري واشترطا لي البداء فيما تكتبان فيقولان ، يا رب ما نكتب؟ فيوحي الله (عزوجل) إليهما : أن ارفعا رءوسكما إلى رأس أمه ، فيرفعان رأسيهما فإذا اللوح يقرع جبهة أمه فينظران فيه فيجدان في اللوح صورته وزينته وأجله وميثاقه سعيدا أو شقيا وجميع شأنه ، فيملي أحدهما على صاحبه ، فيكتبان جميع ما في اللوح ويشترطان البداء فيما يكتبان ، ثم يختمان الكتاب ويجعلانه بين عينيه ثم يقيمانه قائما في بطن أمه ، قال : فربما عتا فانقلب ، ولا يكون ذلك إلا في كل عات أو ما رد وإذا بلغ أوان خروج الولد تاما أو غير تام أوحى الله للرحم أن افتحي بابك حتى يخرج خلقي إلى أرضي وينفذ فيه أمري فقد بلغ أوان خروجه قال : فتفتح الرحم باب الولد فينقلب فتصير رجلاه فوق رأسه ورأسه في أسفل البطن ليسهل الله على المرأة وعلى الولد الخروج ، فيبعث الله (عزوجل) ملكا يقال له زاجر فيزجره زجرة فيفزع منها الولد فإذا احتبس زجره الملك زجرة أخرى فيفزع منها فيسقط الولد إلى الأرض باكيا فزعا من الزجرة (١).

في هذا الحديث يبين الإمام الباقر جملة وافرة من أسرار التكوين ببيان واضح جلي معتمدا على قوة استنباطه وغوصه على المعاني القرآنية من خلال الآيات ، والأمور التي ذكر فيها أسرارا معنوية وأسرارا تكوينية حقيقية لا تنافي الأسباب الطبيعية المعروفة ، إذ يمكن أن يكون في شيء واحد أسباب جلية واضحة ، وأسباب خفية معنوية لا يحيط بها إلا الله تعالى ، وهما في الواقع يرجعان إلى منشأ واحد ، وكل واحد منهما يكون من المقتضي لتحصيل المعلول ، أو يكون كل واحد منهما علة تامة مترتبة كل سابقة علة للاحقتها ، فيصير كل واحد علة تامة من جهة ومقتضيا من جهة أخرى.

وأما قوله (عليه‌السلام) : النطفة التي مما أخذ الله عليها الميثاق ، فهو مطابق تمام الانطباق للقانون العقلي وهو انبعاث المعلول عن علته ، ولا ريب في أن جميع الموجودات خصوصا النطفة التي لا يريد أن يجعلها بشرا سويا أتم خلق الله وأهمه ، وارتباطه تكوينا مع الله ثابت ويصح أن يعبر عن هذا الارتباط بالميثاق ،

__________________

(١) الشافي في أصول الكافي ، الشيخ عبد الحسين المظفر ، ١ / ٣٤.

٢١٩

قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ)(١).

٦ ـ روى علي بن إبراهيم في تفسيره ، في تفسير قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ)(٢) عن جابر بن يزيد الجعفي عن الإمام أبي جعفر الباقر قال : شهد الله أنه لا إله إلا هو ، فإن الله تبارك وتعالى يشهد بها لنفسه وهو كما قال ، فأما قوله (والملائكة) فإنه أكرم الملائكة بالتسليم لربهم وصدقوا وشهدوا كما شهد لنفسه ، وأما قوله تعالى (وأولي العلم قائما بالقسط) فإنّ أولي العلم الأولياء والأوصياء ، وهم قيام بالقسط ، والقسط هو العدل (٣).

وبيان هذا الحديث الذي استطاع الإمام الباقر فيه أن يستنبط معناه من الآية الكريمة فهو إمّا جهة إكرام الملائكة لأنه تعالى ذكرهم بعد نفسه الأقدس ، وإمّا التسليم لربهم فلا ريب في أن المجردات مطلقا خاضعة خضوعا تكوينيا لله جل جلاله لذاته ولجميع صفاته خصوصا لوحدانيته تعالى ، وأنه جلت عظمته يتجلى لهم بوحدانيته فتكون شهادة الملائكة بالتوحيد بتجليه تبارك وتعالى لهم بتلك الصفة ، ولو لوحظ مراعاة الاصطلاح تكون شهادتهم من عين اليقين فضلا عن حق اليقين ، وأما قوله (عليه‌السلام) (وهم قيام بالقسط) فهو من ذكر المصدر من باب المبالغة في التعبير والاختصاص للقيام بخصوص أولي العلم بل يشمل الملائكة أيضا (٤).

٧ ـ روى العياشي في تفسيره ، في تفسير قوله تعالى : (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ)(٥) عن زرارة بن أعين قال : سألت أبا جعفر عن قوله

__________________

(١) الأعراف / ١٧٢.

(٢) آل عمران / ١٨.

(٣) تفسير القرآن ، القمي ، ١ / ٢٧٣+ تفسير العياشي ، ١ / ١٦٥ ـ ١٦٦+ الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ١ / ٢٥٠.

(٤) ظ : مواهب الرحمن ، السبزواري ، ٥ / ١٨٢.

(٥) آل عمران / ١٥٨.

٢٢٠