الإمام الباقر عليه السلام وأثره في التّفسير

الدكتور حكمت عبيد الخفاجي

الإمام الباقر عليه السلام وأثره في التّفسير

المؤلف:

الدكتور حكمت عبيد الخفاجي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠

١

٢

٣
٤

بسم الله الرّحمن الرَّحيم

(إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ

وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ

بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

صدق الله العلي العظيم

آل عمران / ٣٣ ـ ٣٤

* * *

٥
٦

بسم الله الرّحمن

مقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين حبيب الله وحبيب قلوب المؤمنين رسول الله محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى صحبه الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد :

فان من عناية الله تعالى ولطفه أن يقيض للقرآن الكريم من يخدمه ، لما في ذلك من استمرارية نشر النور الإسلامي الساطع والأجر الرائع ، ولما ينطوي عليه من نفع للمسلمين.

ولهذا هبّ علماء الأمة الإسلامية من أول نزول القرآن يحاولون فهمه ، والوصول إلى مراد الله تعالى من خلاله ، فكان الصحابة الكرام (رضي الله عنهم) يعقدون مجالسهم لمدارسته والعمل به ، فإن أشكل عليهم معنى أو غمض عليهم تركيب ، لجؤوا إلى معلمهم الأكرم ومفسرهم الأقدم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يسألونه ويستوضحونه لسابق علمهم بأن هذا النبي الكريم كان من إحدى أهم وظائفه بيان كتاب الله ، قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(١) فيجدون عنده ضالتهم ويروون من سلسبيله ظمأهم ، فما التحق رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالرفيق الأعلى حيث المقامات السامية وجنة الخلد العالية حتى شمرّ صحابته الكرام (رضي الله عنهم) عن ساعد السعي الحثيث والجد الدءوب في تعليم القرآن الكريم

__________________

(١) النحل / ٤٤.

٧

درسا وقراءة وحفظا وعملا وسار على نهجهم جهد الميامين من التابعين وتابعي التابعين يأخذون عنهم وينقلون ما أخذوه إلى الناس وذلك للحاجة الشديدة إلى هذا الأخذ والنقل ، بعد أن اتسعت الرقعة الإسلامية بما منّ الله تعالى على المسلمين بفتح البلدان والأمصار ليستضيئوا بنور الإسلام ويستنيروا بهديه ، فاختلطت ثقافات أجنبية بالثقافة الإسلامية وظهرت مشاكل فكرية ما كانت لتظهر لو لا هذا الاختلاط وذاك الاتساع.

فانبرى التابعون يذودون عن حياض الإسلام ويحمون بيضته من أن تتسلل إليه أفكار خارجة عن حدوده وأطره الفكرية ، والاجتماعية ، والسياسية ، والعلمية.

وأحس التابعون أنهم لا يستطيعون الوقوف بوجه التيارات المضادة إلا بمعرفة معاني القرآن والغوص في تفسيره للتوصل إلى فهم مراد الله تعالى ، مدركين بأن في القرآن الكريم جميع الحلول وكل عرى المنظومة الفكرية الإسلامية بما ينظّم كل مجالات الحياة دنيوية أو أخروية ، فأقبلوا عليه موصلين الليل بالنهار تعلما ، ودراسة ، وقراءة ، وحفظا ، وتدبرا ، فكان لهم ما يريدون.

وكان الإمام الباقر (عليه‌السلام) من جملتهم ، بيد أن صفة الفقيه ظلت تلازمه ، حتى أن علماء الرجال والتراجم والطبقات عدوّه من فقهاء المدينة المنورة البارزين ، فأردت التحقق من ذلك فبحثت في ثنايا المصادر من كتب حديث وتفسير ففوجئت بأن الإمام مفسر بارز للقرآن الكريم ، ومن الطراز الأول ، من خلال ما عرض أمامي وتجمع لدي من روايات له في التفسير هذا من جهة ، ومن خلال ما تلمست من أثر له في معاصريه وفي من جاء بعده من جهة أخرى.

ومن هذا المنطلق رأيت أن يكون موضوع دراستي هو (الإمام الباقر (عليه‌السلام) وأثره في التفسير) لما عرف عنه من دور كبير في علم التفسير والعلوم الأخرى التي خدمت القرآن الكريم ، ولما له من مقام معروف بين

٨

التابعين وأثر واضح في غيره من المفسرين ، فقد عرف الإمام الباقر (عليه‌السلام) بشخصيته المتميزة بين الناس وبين الأوساط العلمية في عصره ، فكما عرفناه حفيدا لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، مترعرعا (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)(١) عرفناه قارئا للقرآن ، وإماما مفتيا ، وناصحا أمينا ، ومفسرا بارعا ، وعالما كبيرا ، حتى غدا قرين العلم ، لا يذكر العلم في مناسبة أو مكان إلا وذكر معه ، فكان باقر علوم الأولين والآخرين بلا منازع ، فتوجهت أنظار المسلمين إليه ، ليأخذوا منه العلم كما يأخذون منه تفسير القرآن الكريم ، كاشفا لهم عن معضلات العلم وموضحا لهم غامض المسائل ، فصار مرجع الخاصة والعامة على السواء.

ولقد استهدفت من دراستي هذه أمورا منها : الكشف عن الخطوة الثانية ـ بعد الصحابة ـ التي خطاها علم التفسير وتشخيص تطوره وإبراز ما تميز به فيها وبيان مصادره وأهدافه ، ومدى مشاركة وإسهام الإمام الباقر (عليه‌السلام) في إرساء بعض دعائمه وتأصيل بعض قواعده ، ليكون ذلك الكشف نورا يستهدي به فيما بعد المفسرون لكتاب الله تعالى.

ومنها : معرفة الثابت الصحيح عن الإمام الباقر (عليه‌السلام) في التفسير لأهميته وضرورته لكل من يريد الفهم السليم لكتاب الله وذلك بالتحري في أقوال المفسرين ـ صحابة وتابعين ـ وبيان الصحيحة منها والتثبت فيها ، ومعرفة الضعيف والموضوع منها.

ومن المعلوم أن أقوال أئمة آل البيت عامة والإمام الباقر (عليه‌السلام) خاصة قد خالطها الكثير من المنسوب إليه مما لا يصح ثبوته عنه ، فعزف بعض المفسرين عن الاعتماد على تلك الأقوال ، خشية عدم ثبوت بعض منها ، وتمادى آخرون في عزوفهم حتى أنهم ضعفوا كلّ ما ورد عنه جملة وتفصيلا ، غير ناظرين إلى سند تلك الأقوال ، واشتط آخرون في الجانب المقابل وعدوا كل

__________________

(١) النور / ٣٦.

٩

ما وصل سنده إلى الإمام صحيحا وثابتا وإن كان في السند ما يضعفه أو يشين به ، فكان لنا موقف إزاء الموقفين ، فتحرينا عن سند تلك الأقوال وتثبتنا من رجالها ، وفرزنا ما كان صحيحا منها أو ضعيفا أو مكذوبا عليه ، فكان نتيجة ذلك أن الروايات التفسيرية المنقولة عنه لم تكن كلها خالية من الكذب ولا معصومة كما يجب ، بل فيها ما يرد وفيها ما يعتمد في الإطار العام للفهم الشمولي للإسلام.

وأظن أن الباحثين لم يسبقوني لمثل هذه الدراسة ـ في حدود ما اطلعت عليه ـ بحثا أكاديميا كان أو تأليفا سوى أحد الباحثين المعاصرين وهو الشيخ باقر شريف القرشي في كتابه «حياة الإمام الباقر (عليه‌السلام)» غير أن هذا لم يكن دراسة وافية ولا فيه تحليل علمي دقيق بقدر ما كان تعريفا بالإمام وعصره والظروف التي نشأ وعاش فيها ، ولم يكن هذا قصورا من المؤلف ـ حاشا لله ـ ولكنها طريقة لإيصال المعلومات إلى أكثر عدد من الناس ، وتبقى له فضيلة السبق فقد أفدت منه إفادات كثيرة جدا فجزاه الله عني خير الجزاء.

ومنهجنا في هذه الرسالة قائم على سلوك البحث العلمي المتجرد عن التعصب والهوى استقراء واستقصاء ، مبرزا بشكل خاص ما للإمام الباقر (عليه‌السلام) من جهد واضح في علوم القرآن والتفسير دون التجني على جهود الآخرين لعلمنا بأنهم جميعا كانوا يشتركون ويجتمعون على هدف واحد ، هو خدمة كتاب الله تعالى وبيان مراميه بإخلاص وتفان قل نظيرهما في التراث الإنساني.

وقد اقتضت طبيعة الرسالة أن تقسم على : مقدمة وبابين وخاتمة.

أما الباب الأول : فخصصته لدراسة حياة الإمام الباقر (عليه‌السلام) وما يتعلق بها وجعلته على أربعة فصول :

الفصل الأول : عقدته لحياته الشخصية ، فعرفت باسمه ونسبه وولادته ووفاته وبينت الراجح في الأخيرتين ، وذكرت مكان دفنه وكنيته

١٠

ورجحت رأيا في ألقابه ، كما تكلمت على أسرته ، وسردت نبذة عن أخلاقه وصفاته وعبادته ، وختمت الفصل ببعض وصاياه ومواعظه وأقواله الخالدة.

الفصل الثاني : تحدثت فيه عن شيء من سيرته العلمية ، فبينت فيه حثه على طلب العلم مسجلا بعض أقواله في العلم والعلماء ، وتحدثت بشيء من الاقتضاب عن علومه ومعارفه وما برع فيه من حديث وفقه وأصول فقه وعلم بالسيرة الشريفة ، ثم كشفت النقاب عن مشاركته الفعالة في تعريب العملة في دار الإسلام بعد أن ذكرت الأقوال في ذلك فرجحت أحدها ، ثم عرجت على ذكر مناظراته مع الخوارج والمعتزلة وغلاة الشيعة وبعض الفقهاء والمفسرين وبينت هناك تسليم العلماء له بالمكانة الرفيعة ، وكان ختام هذا الفصل مخصصا للحديث عن مكانته وأقوال العلماء فيه.

الفصل الثالث : ترجمت فيه للذين روى عنهم الإمام الباقر (عليه‌السلام) وقسمتهم قسمين : الأول : آباؤه الكرام ، والثاني : الصحابة العظام (رضي الله عنهم) ، وبعد ذلك ترجمت لتلامذته ورواة علمه وعرضت كل واحد منهم على معايير نقد الرجال ، مستوضحا آراء علماء الجرح والتعديل من الفريقين.

الفصل الرابع : عرفت فيه بمصادر الإمام الباقر (عليه‌السلام) في التفسير ، وتنوع هذه المصادر من كتاب وسنة واجتهاد صحيح ، أسهم من خلالها في إغناء هذا العلم وترصين بعض قواعده ، وعرضت فيه لكل واحد من تلك المصادر المعتمدة عند الإمام ببعض النماذج لتؤيد ما اختاره من مصادره.

وأما الباب الثاني : فقد درست فيه أثر الإمام الباقر (عليه‌السلام) في التفسير من خلال عرض جهوده ، وقسمته خمسة فصول :

الفصل الأول : خصصته للكلام على آرائه وأثرها في علوم القرآن مبينا آراءه في الناسخ والمنسوخ وموضحا موقفه منه ، كما وضحت جهوده في علم أسباب النزول وتوجيهه لها ، قبل أن أعرج على إسهاماته

١١

في القراءات القرآنية وموقفه من حديث الأحرف السبعة ، مختتما ذلك ببعض التطبيقات لقراءاته. ثم بينت جهوده في فضائل القرآن الكريم فوجدت أن معظمها قد استلهم فيها أحاديث جده رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأقوال الصحابة (رضي الله عنهم) ، وختمت هذا الفصل في إبراز جهده المتعلق بتنقية تفسير القصص القرآني التي لا تكاد رواياته التفسيرية أن تخلو من الأفكار الإسرائيلية.

وقبل أن أعرج على الفصل الثاني قسمت المضامين القرآنية على ثلاثة : الأول : عقائدي والثاني : تشريعي والثالث : تربوي أخلاقي ، وبعدها تكلمت في الفصل الثاني على آرائه وأثرها في تفسير آيات العقائد فكانت مباحثه متمثلة بالتوحيد ونفي الصفات والنبوة والوحي والإمامة والمعاد والشفاعة ، وعرضت لآرائه في ذلك كله ثم عرضت ما يوافقها أو يخالفها من أقوال الصحابة أو التابعين مقارنا ومرجحا في أغلب الأحيان.

والفصل الثالث : اتسعت صفحاته للحديث عن جهود الإمام الباقر (عليه‌السلام) وأثرها في تفسير آيات الأحكام وقد قدمت له بتمهيد ، ثم قسمت تلك الجهود على أبواب الفقه فكانت هناك أقوال له في تفسير بعض آيات العبادات : من صلاة وزكاة وصوم وحج وغير ذلك ، وبعضها الآخر انتظم تحت مبحث المعاملات من المكاسب والنكاح والطلاق والرهن والدين وغير ذلك ، وبعضها الثالث كان من حصة الحدود والجنايات والقضاء. فكان منهجي فيه أن أستعرض أقوال المفسرين إلى جانب قول الإمام ، وأحيانا أعرض أقوال أئمة المذاهب الإسلامية الأخرى ، غير أني رجحت في بعض الأحيان بعض ما أراه راجحا حتى تبقى هذه الرسالة في حدود ما قدر لها أن تكون أي محصورة (في علوم القرآن والتفسير).

والفصل الرابع : عقدناه لإبراز الجانب التربوي والأخلاقي في فكر الإمام الباقر (عليه‌السلام) بصورة عامة ، وفي تفسيره بصورة خاصة ، وتحدثنا فيه

١٢

عن تفسير الإمام للآيات المتعلقة بالحلم وكظم الغيظ ، والحث على الصدقة والترهيب عن منع الزكاة والرياء ، والأمانة والقناعة وغير ذلك من التفريعات الجزئية للمباحث التربوية والأخلاقية.

وكان منهج الدراسة في الفصل الخامس ، رصدا لقيمة أقواله وتقصيا لإبراز خصائص وسمات تفسيره غير غافلين عن توضيح مكانة ذلك التفسير ، مبينين أثره في معاصريه وفي الذين جاءوا بعده.

وما كان لهذه الرسالة أن تبلغ نهاية مطافها دون خاتمة موجزة أذكر فيها أهم ما توصلت إليه من نتائج مستحصلة من الدراسة ، وهو ما فعلناه ، مردفين إياها بقائمة لمصادر البحث ومراجعه.

هذا وما لقيته من صعوبات في أيام إعداد هذه الرسالة قد ذللها الله تبارك وتعالى ـ والحمد لله ـ إذ ألهمني صبرا فائقا على تحملها لإنجاز هذا البحث ، فله الحمد أولا وأخيرا.

أما المصادر التي عدت إليها فقد زادت على (أربعمائة كتاب) كانت في التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصول الفقه والفلسفة وعلم الكلام والأخلاق والتصوف والتاريخ والتراجم والرجال وكتب اللغة والأدب وأمثال ذلك ما بين مخطوط ومطبوع.

وأخيرا ، فإن كان بحثي هذا لم يرق إلى مستوى ما يتطلع إليه الباحثون ، فلعل عذري أني بحثت وثابرت ، وواصلت الليل بالنهار في سبيل استقصاء وتتبع جل أقوال الإمام وآرائه في التفسير وفي العلوم الأخرى على حد سواء ، فهذا جهدي أقدمه بين يدي القارئ فإن رأى فيه نقصا أو تقصيرا فلا يبخل علي بإرشاد أو توجيه فتلك طبيعة البشر وذاك الكمال الإلهي المطلق.

وبعد ... فأقدم جزيل شكري وامتناني إلى أستاذي المشرف الأستاذ الدكتور خالد رشيد الجميلي لما منحني من ثقته ما دفعني إلى أن

١٣

أسعى لأكون عند حسن ظنه وظن الآخرين بالبحث وصاحبه ، ولما أولانيه من رعاية أبوية ، وعناية بالغة ومتابعته هذا البحث حرفا حرفا وكلمة كلمة ، ناصحا ومرشدا وموجها ، حتى خرج هذا البحث بهذه الصورة ، سائلا المولى سبحانه وتعالى أن يجعل أعمالنا كلها خالصة لوجهة الكريم ، ضارعا إليه أن يدخلني في زمرة خدمة كلامه العزيز ليكون شفيعا يوم لا ينفع مال ولا بنون.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الدكتور حكمت عبيد حسين الخفاجي

العراق ـ الحلة الفيحاء

عشر بقين من ذي الحجة ١٤١٧ ه

١٤

الباب الأوّل

حياة الإمام الباقر

(عليه‌السلام)

ويتضمن

الفصل الأول

سيرة الإمام الباقر (عليه‌السلام) الشخصية

الفصل الثاني

من سيرته العلمية

الفصل الثالث

رواته ومن روى عنهم

الفصل الرابع

مصادر الإمام الباقر (عليه‌السلام) في التفسير

١٥
١٦

الفصل الأوّل

سيرة الإمام الباقر (عليه‌السلام)

الشخصية

ويتضمن :

* المبحث الأول : اسمه ، ونسبه ، وولادته ، ووفاته ، ومدفنه.

* المبحث الثاني : كنيته ، وألقابه ، ونقش خاتمه.

* المبحث الثالث : أسرته ، جده ، أبوه ، أمه ، أخوته ، أبناءه وبناته.

* المبحث الرابع : صفاته وتكامل شخصيته.

* المبحث الخامس : وصاياه ومواعظه وبعض أقواله الخالدة.

١٧
١٨

المبحث الأول

اسمه ونسبه وولادته ووفاته ومدفنه

اسمه : هو محمد بن علي (١) بن الحسين (٢) بن علي (٣) بن أبي طالب ، القرشي ، الهاشمي (٤) ، العلوي (٥) ، المدني (٦).

نسبه : جده الرابع هو عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أدد ... ويستمر نسبه حتى إسماعيل بن إبراهيم (٧) (عليهما‌السلام) ، فهو يلتقي إذن مع جده رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عند جده عبد المطلب.

وأما من جهة أمهات الآباء ، فأم جده الحسين الشهيد هي فاطمة الزهراء بنت المصطفى (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، وأمه بنت عم أبيه فاطمة بنت الحسن التي سنتكلم على بعض شئونها في الصفحات الآتية ولهذا امتاز نسب الإمام الباقر (عليه‌السلام) بخير الناس

__________________

(١) ستأتي ترجمته في ص ٨١ من الرسالة وانظر مصادرها.

(٢) ستأتي ترجمته في ص ٨٠ من الرسالة وانظر مصادرها.

(٣) ستأتي ترجمته في ص ٨٠ من الرسالة وانظر مصادرها.

(٤) مخطوطة تاريخ دمشق ، ابن عساكر ، ج ٥١ رقم الورقة ٣٧+ تذكرة الحفاظ ، الذهبي ، ١ / ١٢٤+ تهذيب التهذيب ، ابن حجر العسقلاني ، ٩ / ٣٥٠+ الجمع بين كتابي أبي نصر الكلاباذي وأبي بكر الأصفهاني ، ابن القيسراني ، ٢ / ٤٤٦.

(٥) تذكرة الحفاظ ، الذهبي ، ١ / ١٢٤+ تهذيب الأسماء واللغات ، النووي ، ١ / ٨٧+ تاريخ الإسلام ، الذهبي ، ٤ / ٢٩٩+ البداية والنهاية ، بن كثير الدمشقي ، ٩ / ٣٠٩.

(٦) التاريخ الكبير ، البخاري ، ق ١ / ١ / ١٨٣+ الوافي بالوفيات ، الصفدي ، ٤ / ١٠٢+ الإرشاد ، الشيخ المفيد ، ٢٩٣+ مخطوطة الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم ، ابن حاتم الشامي ، رقم الورقة ١٨٥.

(٧) تاريخ الأمم والملوك ، الطبري ، ٢ / ١٧٢ ـ ١٩١+ دلائل النبوة ، البيهقي ، ١ / ١١٨+ زاد المعاد ، ابن قيم الجوزية ، ١ / ١٥+ السيرة النبوية ، ابن هشام ، ١ / ١٠٢+ الكامل في التاريخ ، ابن الأثير ، ٢ / ٩ ـ ٢١+ بحر الأنساب ، ركن الدين الموصلي ، ٦٣.

١٩

على امتداد العصور ، فآباؤه الكرام كلهم سادات ما منهم إلا من هو سيد قومه في عصره ، فيحق لمفتخر أن يفتخر بهذا النسب الشريف.

ولادته : كانت ولادته بالمدينة المنورة (١) ونشأ بين ربوعها ، وفي آل بيت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في كنف والده الإمام زين العابدين علي بن الحسين (٢) ورعايته ، ومن البديهي أن يؤثر المحيط الذي نشأ فيه في بناء شخصيته كثيرا مما يجعله يتربى ـ كما سنرى ـ تلك التربية الإسلامية ويتسم بسمات أهل البيت الطاهرين من العقل الثاقب والعلم الزاخر والخلق الباهر وقد تجلت هذه الآثار الروحية على مسيرة حياته كلها ، وامتاز بالزهد والورع والعلم والتعمق في كثير من علوم الإسلام وصلابة في الحق وجهاد في سبيله.

وقد اختلف العلماء في سنة ولادته ، اختلافا شديدا وتباينت أقوالهم تباينا كبيرا ولم يجمعوا فيها على وجه التدقيق ، وأذهلني شدّة ذلك الاختلاف لأنني لم أجد اثنين منهم قد اتفقا على قول واحد من خلال عملية البحث والاستقصاء في كتب التاريخ والتراجم والسير على كل شيء ، فإنه مثلا إذا وجدنا اثنين قد اتفقا على سنة الولادة نجدهما قد اختلفا في اليوم والشهر ـ إلا أننا لا نعير إلى معرفة اليوم والشهر اهتماما ـ فهو خلاف لا يؤثر على معرفتنا بسيرته الشخصية والعلمية (٣) بل ما يهمنا هو سنة الولادة ، وبعد إمعان النظر والتدبر أمكننا الوصول إلى بعض النتائج المتعدّدة للولادة وسنة الوفاة من خلال جمع الأقوال وتقسيمها إلى الفقرات الآتية :

أولا : قال بعض العلماء : إن ولادته كانت سنة ست وخمسين من الهجرة (٤).

__________________

(١) أعلام الورى لأعلام الهدى ، الطبرسي ، ٢٦٤+ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ، ابن عنبة الأصفر ، ١٨٤+ صفوة ابن الجوزي ، ٢ / ٦٠.

(٢) لقد عاش الإمام الباقر في كنف أبيه تسع وثلاثين سنة. انظر : أعلام الورى ، الطبرسي ، ٦٥+ كشف الغمة ، ابن أبي الفتح الأربلي ، ٢ / ٣٢٩.

(٣) إن ما عليه أكثر أقوال العلماء إنه توفي في يوم ٧ ذي الحجة ، بينما كانت ولادته ٣ صفر.

(٤) غاية النهاية في طبقات القراء ، ابن الجزري ، ٢ / ٢٠٢+ التاريخ الكبير ، البخاري ، ق ١ / ١ / ١٨٣+ تهذيب التهذيب ، ابن حجر العسقلاني ، ٩ / ٣٥١+ الوافي بالوفيات ، الصفدي ، ٤ / ١٠٢+ شذرات الذهب ، ابن العماد الحنبلي ، ١ / ١٤٩+ دائرة معارف القرن العشرين ، محمد فريد وجدي ، ٣ / ٥٦٣.

٢٠