تذكرة الفقهاء - ج ١١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٤٢٩

الحاجة إلى الزيادة على الثلاثة ، ولمّا كانت الحاجة تختلف باختلاف الأشخاص وأحوالهم وجب الضبط بما يعرفه المتعاقدان من المدّة التي يحتاجان إليها.

مسألة ٢٣٤ : وإنّما يصحّ شرط الخيار إذا كان مضبوطاً محروساً‌ من الزيادة والنقصان ، وأن يُذكر في متن العقد ، فلو جعل الخيار إلى مقدم (١) الحاجّ أو إدراك الغلاّت أو إيناع الثمار أو حصاد الزرع أو دخول القوافل أو زيادة الماء أو نقصانه أو نزول الغيث أو انقطاعه ، بطل العقد ؛ لأنّ للأجل قسطاً من الثمن ، فيؤدّي جهالته إلى جهالة العوض ، ويؤدّي إلى الغرر المنهيّ عنه.

ولو ذكرا مثل هذا الخيار ثمّ أسقطاه بعد العقد أو اختارا الإمضاء ، لم ينقلب صحيحاً ؛ لأنّه وقع فاسداً ، فلا عبرة به ، والأصل بقاء الملك على بائعه ولم يوجد مزيل عنه فبقي على حاله.

وإذا ذكرا أجلاً مضبوطاً قبل العقد أو بعده ، لم يعتدّ به ؛ لأنّ العقد وقع منجّزاً فلا يؤثّر فيه السابق واللاحق ، وإنّما يعتدّ بالشرط لو وقع في متن العقد بين الإيجاب والقبول ، فيقول مثلاً : بعتك كذا بكذا ولي الخيار مدّة كذا ، فيقول : اشتريت.

مسألة ٢٣٥ : إذا اشترطا (٢) مدّة معيّنة أكثر من ثلاثة أيّام في العقد ، صحّ‌ على ما بيّنّاه.

وقال الشافعي بناءً على أصله : يبطل العقد. فإن أسقطا ما زاد على الثلاث في مدّة الخيار ، لم يحكم بصحّة العقد وبه قال زفر لأنّه عقد وقع‌

__________________

(١) في هامش « ق » : « الأصل : قدوم ».

(٢) في « ق ، ك‍ » : « شرطا ».

٤١

فاسداً ، فلا يصحّ حتى يبتدأ ، كما لو باع درهماً بدرهمين وأسقطا درهماً (١).

وقال أبو حنيفة : يصحّ العقد بإسقاط ذلك ؛ لأنّ المفسد ما زاد على الثلاث ، فإذا أسقطه ، وجب أن يصحّ العقد. والدليل على جواز إسقاطه أنّه خيار مشروط في العقد ، فإذا أسقطاه في الثلاث ، سقط ، كاليوم الثالث (٢).

وهو ممنوع ؛ لأنّ العقد غير قائم بينهما ، والخيار لم يثبت فيسقط ، بخلاف الثالث ؛ لأنّه يثبت (٣) فصحّ إسقاطه ، بخلاف ما زاد عليه ، فإنّه لم يثبت.

مسألة ٢٣٦ : إذا اشترى شيئاً بشرط الخيار ولم يُسمّ وقتاً ولا أجلاً ، بل أطلقه ، بطل البيع‌ وبه قال الشافعي (٤) للجهالة المتضمّنة لجهالة العوض.

وللشيخ رحمه‌الله قول : إنّه يصحّ البيع ، ويكون له الخيار ثلاثة أيّام ، ولا خيار له بعد ذلك (٥).

وهو محمول على إرادة خيار الحيوان.

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٣ : ٣١٨ ٣٢٣ ، حلية العلماء ٤ : ٢٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٨ ، المجموع ٩ : ١٩٠ و ١٩٤ ، المبسوط للسرخسي ١٣ : ٤٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٩.

(٢) المبسوط للسرخسي ١٣ : ٤٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ٦٧ ، حلية العلماء ٤ : ٢٢ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٣٢٣ ، المغني ٤ : ١٢٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٧٤.

(٣) في « ق ، ك‍ » : « ثبت ».

(٤) الحاوي الكبير ٥ : ٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٩ ، المجموع ٩ : ١٩١ و ١٩٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٠٩ ٢١٠ ، المغني ٤ : ١٢٤ ١٢٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٧٤ ٧٥.

(٥) الخلاف ٣ : ٢٠ ، المسألة ٢٥.

٤٢

وقال أبو حنيفة : البيع فاسد ، فإن أجازه في الثلاثة ، جاز عنده خاصّة.

وإن لم يجز حتى مضت الثلاثة ، بطل البيع (١).

وقال أبو يوسف ومحمّد : له أن يجيز بعد الثلاثة (٢).

وقال مالك : إن لم يجعل للخيار وقتاً ، جاز ، وجعل له من الخيار مثل ما يكون في تلك السلعة (٣).

وقال الحسن بن صالح بن حيّ : إذا لم يعيّن أجل الخيار ، كان له الخيار أبداً (٤).

مسألة ٢٣٧ : قد ذكرنا أنّه إذا قرن الخيار بمدّة مجهولة ، بطل البيع‌ ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (٥) لما تقدّم. ولأنّها مدّة ملحقة بالعقد ، فلا يجوز مع الجهالة ، كالأجل.

وقال ابن أبي ليلى : الشرط باطل والبيع صحيح ؛ لأنّ عائشة اشترت‌

__________________

(١) مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٥٥ ، ١١٣٢ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٢٧ ، النتف ١ : ٤٤٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٩ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٠٩ ، الاستذكار ٢٠ : ٢٥٣ ، ٣٠٠٨٤ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٢٠ ، المسألة ٢٥.

(٢) الاستذكار ٢٠ : ٢٥٣ ، ٣٠٠٨٥ ، وحكاه عنهما أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٢٠ ، المسألة ٢٥.

(٣) بداية المجتهد ٢ : ٢٠٩ ، الاستذكار ٢٠ : ٢٥٣ ، ٣٠٠٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٠ ، وحكاه عنه أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٢٠ ، المسألة ٢٥.

(٤) المحلّى ٨ : ٣٧٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٠٩ ، الاستذكار ٢٠ : ٢٥٤ ، ٣٠٠٨٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٥٥ ، ١١٣٢ ، وحكاه عنه أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٢٠ ، المسألة ٢٥.

(٥) الحاوي الكبير ٥ : ٦٧ ، حلية العلماء ٤ : ٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٩ ، المجموع ٩ : ١٩١ ، المغني ٤ : ١٢٤ ١٢٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٧٤ ٧٥.

٤٣

بريرة وشرط مواليها أن تجعل ولاءها لهم ، فأجاز النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم البيع وردّ الشرط (١). وهذا يدلّ على أنّ الشرط الفاسد لا يفسد العقد (٢).

وقال ابن شُبْرُمة : الشرط والبيع صحيحان وهو ظاهر ما روي عن أحمد (٣) لما رواه جابر قال : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابتاع منّي بعيراً بمكة فلمّا نقدني الثمن شرطت عليه أن يحملني على ظهره إلى المدينة ، فأجاز النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشرط والبيع (٤) ، فكذلك سائر الشروط.

وقال مالك : البيع صحيح ، ويضرب له من الأجل ما يختبر في مثله في العادة ؛ لأنّ ذلك متقرّر (٥) في العادة ، فإذا (٦) أطلقا ، حُمل عليه (٧).

والجواب : أنّ حديث عائشة قضيّة في عين. ويحتمل أن يكون الشرط قد وقع قبل العقد أو بعده ، فلا يكون معتبراً. وقد روي أنّه أمرها أن تشتري وتشترط الولاء (٨) ؛ ليبيّن فساده بياناً عامّاً.

وخبر جابر : نقول بموجبه ؛ لأنّه شرط بعد العقد ونقد الثمن ؛ لدلالة كلامه عليه ، وذلك غير مانع من صحّة العقد السابق.

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٢٥١ ، صحيح مسلم ٢ : ١١٤١ ، ١٥٠٤.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٣٠ ، المغني ٤ : ١٢٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٧٥.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٣٠ ، المغني ٤ : ١٢٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٧٤.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ٢٤٨ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٣ ، ١١٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٧.

(٥) في الشرح الكبير : « مقرّر ». وفي المغني : « مقدّر ». والأخير مناسب لما يأتي عند الجواب عن قول مالك.

(٦) في الطبعة الحجريّة : « فإن » بدل « فإذا ».

(٧) حلية العلماء ٤ : ٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٠ ، المغني ٤ : ١٢٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٧٤.

(٨) صحيح البخاري ٣ : ٢٥١ ، صحيح مسلم ٢ : ١١٤٢ ١١٤٣ ، ٨.

٤٤

سلّمنا لكن شرط الحمل إلى المدينة معلوم ، فجاز اشتراطه في العقد ، وليس محلَّ النزاع.

والعادة المقدّرة ممنوعة ؛ إذ لا عادة مضبوطة هنا ؛ لأنّه إنّما يُشرط نادراً.

مسألة ٢٣٨ : قال الشيخ ; : إذا قال : بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث ، فإن نقدتني الثمن إلى ثلاث ، وإلاّ فلا بيع بيننا ، صحّ البيع (١) ، وبه قال أبو حنيفة. ويكون في ذلك إثبات الخيار للمشتري وحده (٢).

قال أبو حنيفة : ولو قال البائع : بعتك على أنّي إن رددت الثمن بعد ثلاثة فلا بيع بيننا ، صحّ. ويكون في ذلك إثبات الخيار للبائع وحده (٣) ؛ لقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٤).

ولأنّه نوع بيع ، فجاز أن ينفسخ بتأخّر القبض ، كالصرف.

وقال الشافعي : إنّ ذلك ليس بشرط خيار ، بل شرط فاسد يُفسد العقد ؛ لأنّه علّق العقد على خطر فلا يصحّ ، كما لو علّقه بقدوم زيد. ولأنّ عقده لا يتعلّق فكذا فسخه (٥).

لا يقال : ينتقض بالنكاح.

لأنّا نقول : فسخه لا يتعلّق بذلك ، بل إنّما يتعلّق الطلاق وليس‌

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٤٠ ، المسألة ٥٧.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٢٨ ، المغني ٤ : ١٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٦٧.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٢٨.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٧١ ، ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ ، ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٥) حلية العلماء ٤ : ٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٩ ، المجموع ٩ : ١٩٣ و ٣٧٩ ، المغني ٤ : ١٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٦٧.

٤٥

بفسخ.

ويفارق الصرف ؛ لأنّ القبض واجب فيه بالشرع ، وهنا بخلافه.

ونحن في ذلك من المتوقّفين.

مسألة ٢٣٩ : يجوز اشتراط أقلّ من الثلاثة‌ عندنا وعند الباقين (١) خلافاً لمالك ـ لأنّه يجوز عندنا أكثر من ثلاثة ، وعند الباقين يجوز ثلاثة ، فالناقص أولى.

أمّا مالك ، فإنّه اعتبر الحاجة ، فإنّها إن دعت إلى شهر أو أزيد ، جاز شرطه. وإن كان المبيع ممّا يسارع إليه الفساد أو يُعرف حاله بالنظر إليه ساعة أو يوماً ، لم تجز الزيادة (٢).

وقالت الشافعيّة : فيما لو كان المبيع ممّا يسرع إليه الفساد عادة لو شرط الثلاث ، هل يبطل البيع أو يصحّ ويباع عند الإشراف على الفساد ويقام ثمنه مقامه؟ وجهان (٣).

مسألة ٢٤٠ : روى الجمهور أنّ حبّان بن منقذ أصابته آمّة في رأسه فكان يُخدع في البيع ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا بايعت فقُلْ : لا خلابة » ‌

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ١٣ : ٤١ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٢٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٦٨ ٦٩ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٢٦٥ ، المجموع ٩ : ١٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٠.

(٢) بداية المجتهد ٢ : ٢٠٩ ، الذخيرة ٥ : ٢٣ ٢٤ ، حلية العلماء ٤ : ١٩ ٢١ ، الحاوي الكبير ٥ : ٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٠ ، المغني ٤ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٧٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٨.

٤٦

وجَعَل له الخيار ثلاثاً (١).

وفي رواية « وجعل له بذلك خيار ثلاثة أيّام » (٢).

وفي رواية : « قُلْ : لا خلابة ، ولك الخيار ثلاثاً » (٣).

وهذه الروايات مسطورة في كتب فقههم دون مشهورات كتب أحاديثهم.

وهذه الكلمة في الشرع عبارة عن اشتراط الخيار ثلاثاً إذا أطلقاها عالمَيْن بمعناها ، كان بمنزلة التصريح باشتراط الثلاثة. وإن كانا جاهلَيْن ، لم يثبت الخيار.

وإن علم البائع دون المشتري ، للشافعيّة فيه وجهان :

أحدهما : لا يثبت ؛ لعدم التراضي ، وهو لا يعلمه فلا يلزمه.

والثاني : يثبت ؛ للخبر (٤). ولا يعذر في جهله ، كما إذا كان محجوراً عليه ، لزمه حكم الحجر وإن كان جاهلاً.

والأقرب أن نقول : إذا قال البائع : بعتك كذا بكذا ولا خلابة ، وقصد إثبات الخيار ثلاثاً لنفسه وكان المشتري عالماً ، يثبت (٥) الخيار ، وإلاّ فلا.

مسألة ٢٤١ : إذا اشترط الخيار مدّةً معيّنة وأطلقا مبدأها ، قال الشيخ ; : المبدأ انقضاء خيار المجلس‌ بالتفرّق لا من حين العقد (٦). وهو أحد قولي الشافعيّة ؛ لأنّه لو جعل المبدأ العقد ، لزم اجتماع الخيارين ، وهُما مِثْلان والمِثْلان يمتنع اجتماعهما. ولأنّ الشارط يبغي بالشرط إثبات ما لولا الشرط لما ثبت ، وخيار المجلس ثابت وإن لم يوجد الشرط ، فيكون المقصود ما بعده.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٨٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٨٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٨٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٠ ، المجموع ٩ : ١٩٢ ١٩٣.

(٥) في « ق ، ك‍ » : « ثبت ».

(٦) الخلاف ٣ : ٣٣ ، المسألة ٤٤.

٤٧

وأُجيب : بأنّ الخيار واحدٌ له جهتان : المجلس والشرط ، ولا بُعْد فيه ، كما أنّه قد يجتمع خيار المجلس والعيب.

ولو نُزّل الشرط على ما بعد المجلس ، لزم الجهل بالشرط ؛ لأنّ وقت التفرّق مجهول.

وأُجيب بأنّ جهالة المجلس كجهالة (١) العقد ؛ لأنّ لهما فيه الزيادة والنقصان ، فكانت المدّة بعده ، كالعقد (٢).

والأقرب : أنّ المبدأ من حين العقد ؛ لأنّها مدّة ملحقة بالعقد ، فكان ابتداؤها من حين العقد ، كالأجل ، لا من حين التفرّق ولا خروج الثلاثة في الحيوان.

فروع :

أ ـ إذا شرطا مدّةً لتسليم الثمن ، فابتداؤها من حين العقد.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إن جعلنا الخيار من وقت العقد ، فالأجل أولى.

والثاني : من حين التفرّق.

والفرق : أنّ الأجل لا يثبت إلاّ بالشرط ، فالنظر فيه إلى وقت الشرط ، والخيار قد يثبت من غير شرط ، فمقصود الشرط إثبات ما لولاه لما ثبت. وأيضاً فإنّ الأجل وإن شارك الخيار في منع المطالبة بالثمن لكن يخالفه من‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » : « كحالة ». وفي المغني والشرح الكبير : « حالة المجلس كحالة .. ».

(٢) الوجيز ١ : ١٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٢ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٢٦٥ ، المجموع ٩ : ١٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٠ ، المغني ٤ : ١١٢ ١١٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٧٦.

٤٨

وجوه ، واجتماع المختلفين ممكن (١).

ب ـ إن (٢) قلنا : إنّ المبدأ هو العقد كما اخترناه فلو انقضت المدّة وهُما مصطحبان ، انقطع خيار الشرط بانقضاء مدّته ، وبقي خيار المجلس. وإن تفرّقا والمدّة باقية ، فالحكم بالعكس. وإن قلنا : المبدأ التفرّق كما قاله الشيخ (٣) فإذا تفرّقا ، انقطع خيار المجلس ، واستؤنف خيار الشرط.

ج ـ إن قلنا : إنّ ابتداء المدّة من حين العقد فشرطا أن يكون ابتداؤها من حين التفرّق ، لم يصح ؛ لأنّه يجعله مجهولاً ، ويقتضي زيادةً على الثلاثة ، وهو ممنوع عند الشافعيّة (٤).

وإن قلنا : ابتداؤها من حين التفرّق فشرطا أن يكون ابتداؤه (٥) من حين العقد ، صحّ عندنا وهو أحد قولي الشافعيّة (٦) لأنّ ابتداء المدّة معلومة ولم يزد به على الثلاثة بل نقص فجاز ، كما لو شرط يومين.

والثاني : لا يصحّ ؛ لأنّهما شرطا الخيار في المجلس ، والخيار فيه ثابت بالشرع ، فلم يصح اشتراطه (٧).

وهو ممنوع ؛ فإنّه يصحّ اشتراط القبض وغيره من مقتضيات العقد.

د ـ لو قلنا بأنّ مبدأ المدّة العقدُ وأسقطا الخيار مطلقاً قبل التفرّق ،

__________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٠ ، المجموع ٩ : ١٩٩.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « إذا » بدل « إن ».

(٣) الخلاف ٣ : ٣٣ ، المسألة ٤٤.

(٤) انظر المصادر في الهامش (٤) من ص ٤٠.

(٥) أي : ابتداء الخيار.

(٦) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٦٦ ، المجموع ٩ : ١٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٢.

(٧) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٦٦ ، المجموع ٩ : ١٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٢.

٤٩

سقط الخياران : خيار المجلس والشرط. وإن قلنا بالتفرّق ، سقط خيار المجلس دون خيار الشرط ؛ لأنّه غير ثابت بَعْدُ ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (١).

مسألة ٢٤٢ : الأقرب عندي أنّه لا يشترط اتّصال مدّة شرط الخيار (٢) بالعقد ، فلو شرط خيار ثلاثة أو أزيد من آخر الشهر ، صحّ العقد والشرط ؛ عملاً بالأصل ، وبقوله عليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم » (٣) ولأنّه عقد تضمّن شرطاً لا يخالف الكتاب والسنّة ، فيجب الوفاء به ؛ لقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤).

وقال الشافعي : لا يجوز ؛ لأنّه إذا تراخت المدّة عن العقد ، لزم ، وإذا لزم لم يَعُدْ جائزاً (٥).

وهو ممنوع ؛ فإنّ خيار الرؤية لم يثبت قبلها ، وكذا الخيار بعد الثلاثة ؛ لعدم التسليم.

فروع :

أ ـ لو قال : بعتك ولي الخيار عشرة أيّام ، مثلاً وأطلق ، اقتضى اتّصال‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٠ ، المجموع ٩ : ١٩٩.

(٢) في « ق ، ك‍ » : « اتّصال مدّة خيار شرط الخيار ».

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٢٠ ، سنن الدارقطني ٣ : ٢٧ ، ٩٨ و ٩٩ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٤٩ ، معرفة السنن والآثار ١٠ : ٢٣٧ ، ١٤٣٤٩ ، و ٢٣٨ ، ١٤٣٥١ ، المستدرك ـ للحاكم ٢ : ٤٩ و ٥٠ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٦ : ٥٦٨ ، ٢٠٦٤ ، المعجم الكبير للطبراني ٤ : ٢٧٥ ، ٤٤٠٤.

(٤) المائدة : ١.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٩ ، المجموع ٩ : ١٩١.

٥٠

المدّة بالعقد ؛ للعرف.

ب ـ لو قال : عشرة أيّام متى شئت ، بطل ؛ للجهالة.

ج ـ لو شرط خيار الغد دون اليوم ، صحّ عندنا على ما تقدّم ، خلافاً للشافعي (١).

د ـ لو شرط خيار ثلاثة أيّام ثمّ أسقطا اليوم الأوّل ، سقط خاصّة ، وبقي الخيار في الآخَرَيْن.

وقال الشافعي : يسقط الكلّ (٢).

مسألة ٢٤٣ : إذا تبايعا وشرطا الخيار إلى الليل ، لم يدخل الليل في الشرط ، وكذا لو تبايعا وشرطا الخيار إلى النهار ، لم يدخل النهار ـ وبه قال الشافعي (٣) لأنّ الغاية جُعلت فاصلةً بين ما قبلها وما بعدها تحقيقاً للغاية ، فلو دخل ما بعدها في حكم ما قبلها ، لم يكن غاية. ولأنّها مدّة ملحقة بالعقد ، فلا يدخل حدّها في محدودها ، كالأجل.

وقال أبو حنيفة : يدخل الليل والنهار معاً إذا كانا غايتين ؛ لأنّ « إلى » قد تستعمل للغاية ، وبمعنى « مع » كـ ( إِلَى الْمَرافِقِ ) (٤) فإذا شرط الخيار ، لم ينتقل الملك فلا ينتقل (٥) بالشكّ (٦).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٩ ، المجموع ٩ : ١٩١.

(٢) التهذيب للبغوي ٣ : ٣٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٠ ، المجموع ٩ : ١٩٢.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ٦٩ ، حلية العلماء ٤ : ٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩١ ، المجموع ٩ : ١٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٩ ، المغني ٤ : ١١٧.

(٤) المائدة : ٦.

(٥) في « ق ، ك‍ » : « فلا ننقله ».

(٦) المبسوط للسرخسي ١٣ : ٥٢ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٦٧ ٢٦٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٦٩ ، حلية العلماء ٤ : ٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩١ ، المجموع ٩ : ١٩١ ، المغني ٤ : ١١٧.

٥١

ونمنع استعمالها بمعنى « مع » حقيقةً ؛ لأنّها للحدّ حقيقةً ، فلا تكون حقيقةً في غيرها ؛ دفعاً للاشتراك. والاستعمال لا يدلّ عليه ، والمجاز أولى من الاشتراك ، على أنّ البيع يوجب الملك وإنّما الشرط منع ، فما تحقّق منع ، وما لم يتحقّق منه وجب إنفاذ حكم العقد.

وقال أبو حنيفة : ولو شرط الخيار إلى الزوال أو إلى وقت العصر ، اتّصل إلى الليل (١). وليس بجيّد.

تذنيب : لو شرطا الخيار إلى وقت طلوع الشمس من الغد ، صحّ ؛ لأنّه وقت معلوم محروس من الزيادة والنقصان.

ولو شرطا إلى طلوعها من الغد ، قال الزبيري (٢) : لا يصحّ ؛ لأنّ طلوع الشمس مجهول ؛ لأنّ السماء قد تتغيّم فلا تطلع الشمس (٣).

وهو خطأ ؛ فإنّ التغيّم إنّما يمنع من الإشراق واتّصال الشعاع لأمن الطلوع.

ولو شرطاه إلى الغروب أو إلى وقته ، جاز قولاً واحداً ؛ لأنّ الغروب سقوط القرص ، ولا مانع لها من ذلك ، كما يمنع الغيم من طلوعها.

والتحقيق عدم الفرق ؛ لأنّ الطلوع ثابت في الأوّل لكنّه قد يخفى ، وكذا الغروب قد يخفى.

مسألة ٢٤٤ : يجوز جَعْل خيار الشرط لكلّ واحد من المتعاقدين‌ ولأحدهما دون الآخر وأن يشرط لأحدهما الأكثر وللآخر الأقلّ ؛ لأنّه شُرّع‌

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٣٤ ، المسألة ٤٦.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « الزهري » بدل « الزبيري ». وما أثبتناه من المصادر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٠ ١٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٩ ، المجموع ٩ : ١٩١.

٥٢

للإرفاق بهما ، فكيفما تراضيا به جاز.

ولدلالة حديث حبّان بن منقذ على أنّه عليه‌السلام جعل للمشتري الخيار (١) ، ولم يفرق أحد بينه وبين البائع.

وهل يجوز جَعْل الخيار للأجنبيّ؟ ذهب علماؤنا أجمع إلى جوازه ، وأنّه يصحّ البيع والشرط وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد والشافعي في أصحّ القولين (٢) لأنّه خيار يثبت بالشرط للحاجة وقد تدعو الحاجة إلى شرطه للأجنبيّ ؛ لكونه أعرف بحال المعقود عليه. ولأنّ الخيار إلى شرطهما ؛ لأنّه يصحّ أن يشترطاه لأحدهما دون الآخر فكذلك صحّ أن يشترطاه للأجنبيّ.

وللشافعي قول : إنّه لا يصحّ ، ويبطل البيع والشرط معاً ؛ لأنّه خيار يثبت في العقد فلا يجوز شرطه لغير المتعاقدين ، كخيار الردّ بالعيب (٣).

والفرق : أنّ خيار العيب يثبت لا من جهة الشرط ، بخلاف المتنازع.

فروع :

أ ـ إذا شرط الخيار للأجنبيّ ، صحّ سواء جَعَله وكيلاً في الخيار أو لا.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٨٣.

(٢) مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٥٥ ، ١١٣٤ ، المبسوط للسرخسي ١٣ : ٤٧ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٣٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢١ ، بداية المجتهد ٢ : ٢١٢ ، المغني ٤ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٧٦ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٢٦٥ ، المجموع ٩ : ١٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١١١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٤.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٦٥ ، المجموع ٩ : ١٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١١١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٤ ، المغني ٤ : ١٠٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٧٦. بداية المجتهد ٢ : ٢١٢.

٥٣

وقال أبو حنيفة : إذا شرطه لأجنبيّ ، صحّ ، وكان الأجنبيّ وكيلاً للّذي شرطه (١).

وللشافعي قول ثالث : إنّه إن جعل فلاناً وكيلاً له في الخيار ، صحّ. وإن لم يجعله وكيلاً ، لم يصح (٢). وما تقدّم يُبطله.

ب ـ لو جعل المتعاقدان خيار الشرط للموكّل الذي وقع العقد له ، صحّ قولاً واحداً ؛ لأنّه المشتري أو البائع في الحقيقة والوكيل نائب عنه.

ج ـ لا فرق في التسويغ بين أن يشترطا أو أحدهما الخيار لشخصٍ واحد وبين أن يشترط هذا الخيارَ لواحدٍ وهذا الخيارَ لآخرَ.

وكذا عند الشافعي لا فرق بينهما على القولين (٣).

وكذا يجوز أن يجعلا شرط الخيار لهما ولأجنبيّ أو اثنين أو جماعة ، ولأحدهما مع الأجنبيّ.

د ـ لو شرطه لفلان ، لم يكن للشارط خيار ، بل كان لمن جَعَله خاصّة ، وهو أحدقو لي الشافعي تفريعاً على الجواز. وفي الآخر : أنّه يكون له وللآخر ، ويكون الآخر وكيلا له وبه قال أبو حنيفة وأحمد لأنّه نائب عنه في الاختيار ، فإذا ثبت للنائب فثبوته للمنوب أولى (٤).

__________________

(١) انظر : النتف ١ : ٤٤٧ ٤٤٨ ، والهداية للمرغيناني ٣ : ٣٠ ، والاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢١ ، والمغني ٤ : ١٠٦ ، والشرح الكبير ٤ : ٧٦ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٤.

(٢) انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٤ ، وروضة الطالبين ٣ : ١١١ ، والمغني ٤ : ١٠٦ ، والشرح الكبير ٤ : ٧٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١١١ ، المجموع ٩ : ١٩٦.

(٤) النتف ١ : ٤٤٧ ٤٤٨ ، المغني ٤ : ١٠٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٧٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ١ : ٢٦٥ ، المجموع ٩ : ١٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١١١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٤.

٥٤

وليس بجيّد ؛ اقتصاراً على الشرط ، كما لو شرطاه لأحدهما ، لم يكن للآخر شي‌ء ، وكما لو شرطاه لأجنبيّ دونهما.

هـ ـ قال محمّد بن الحسن في جامعه الصغير : قال أبو حنيفة : لو قال : بعتك على أنّ الخيار لفلان ، كان الخيار له ولفلان (١).

وقال أبو العباس : جملة الفقه في هذا أنّه إذا باعه وشرط الخيار لفلان ، نظرت فإن جعل فلاناً وكيلاً له في الإمضاء والردّ ، صحّ قولاً واحداً. وإن أطلق الخيار لفلان ، أو قال : لفلان دوني ، فعلى قولين : الصحّة وعدمها. وبه قال المزني (٢).

و ـ لو شرطا الخيار للأجنبيّ دونهما ، صحّ البيع والشرط عندنا ، ويثبت الخيار للأجنبيّ خاصّة ؛ عملاً بالشرط ، وهو أحد قولي الشافعي. وعلى الثاني أنّه لا يختصّ بالأجنبيّ ، بل يكون للشارط أيضاً لا يصحّ هذا الشرط ، ولا يختصّ بالأجنبيّ (٣).

ز ـ لو شرطا الخيار لأجنبيّ ، كان له خاصّة دون العاقد ، فإن مات الأجنبيّ في زمن الخيار ، ثبت الآن له ؛ لأنّ الحقّ والرفق له في الحقيقة ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة على تقدير اختصاص الأجنبيّ بالخيار (٤).

ح ـ لو شرطا الخيار لأحدهما وللأجنبيّ أو لهما وللأجنبيّ ، فلكلّ واحد منهم الاستقلال بالفسخ ؛ عملاً بمقتضى الشرط. ولو فسخ أحدهما وأجاز الآخر ، فالفسخ أولى.

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٣٥ ، المسألة ٤٨.

(٢) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٣٥ ٣٦ ، المسألة ٤٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٤.

(٤) التهذيب للبغوي ٣ : ٣٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١١١ ، المجموع ٩ : ١٩٧.

٥٥

ط ـ لو باع عبداً وشرط الخيار للعبد ، صحّ البيع والشرط معاً عندنا ـ وهو أحدقو لي الشافعي (١) لأنّ العبد بمنزلة الأجنبيّ.

ي ـ لا فرق بين جَعْل الخيار لأحد المتعاقدين وللأجنبيّ في اشتراط ضبط مدّته وهو أصحّ قولي الشافعيّة (٢) لأنّه مع عدم الضبط تتطرّق الجهالة إلى المبيع. والثاني : أنّه يصحّ مع جهالة المدّة في حقّ الأجنبيّ خاصّة ؛ لأنّه يجري مجرى خيار الرؤية فلا يتوقّت. والصحيح عندهم الأوّل (٣).

مسألة ٢٤٥ : إذا اشترى شيئاً أو باع بشرط أن يستأمر فلاناً ، صحّ‌ عندنا ؛ لأنّه شرط سائغ يتعلّق به غرض العقلاء ، فيندرج تحت قوله عليه‌السلام : « المؤمنون (٤) عند شروطهم » (٥) وهو أحد قولي الشافعي بناءً على أنّه يصحّ شرط الخيار للأجنبيّ. والثاني : المنع (٦) على ما تقدّم.

إذا تقرّر هذا ، فإنّه ليس للشارط أن يفسخ حتى يستأمر فلاناً ويأمره بالردّ ؛ لأنّه جعل الخيار له دون العاقد ، وهو أحد قولي الشافعي (٧). والثاني : أنّه يجوز له الردّ من غير أن يستأمر ، وذكر الاستئمار احتياطاً (٨). والمعتمد : الأوّل.

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٣ : ٣٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١١١ ، المجموع ٩ : ١٩٦.

(٢) لم نعثر عليهما فيما بين أيدينا من المصادر. وانظر : التهذيب للبغوي ٣ : ٣٣١.

(٣) لم نعثر عليهما فيما بين أيدينا من المصادر. وانظر : التهذيب للبغوي ٣ : ٣٣١.

(٤) في « ق ، ك‍ » : « المسلمون ».

(٥) التهذيب ٧ : ٣٧١ ، ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ ، ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٦) التهذيب للبغوي ٣ : ٣٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١١١ ، المجموع ٩ : ١٩٧.

(٧) في « ق ، ك‍ » : « الشافعيّة ».

(٨) التهذيب للبغوي ٣ : ٣٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١١١ ، المجموع ٩ : ١٩٧ ، المغني ٤ : ١١١ ، الشرح الكبير ٤ : ٧٧.

٥٦

فروع :

أ ـ لا بدّ من ضبط مدّة الاستئمار ؛ لأنّ الجهالة فيه توجب تطرّقها إلى العقد ، وهو أحد قولي الشافعي. والثاني : أنّه لا يشترط ضبطه ، بل يجوز من غير تحديد ، كما في خيار الرؤية (١).

وإذا قلنا : لا بدّ من تحديده ، لم ينحصر في مدّة معيّنة ، بل يجوز اشتراط ما أراد من الزمان ، قلّ أو كثر بشرط ضبطه وهو أحد قولي الشافعيّة كخيار الرؤية.

والثاني : أنّه لا يزيد على ثلاثة أيّام ، كخيار الشرط (٢). وقد أبطلنا ذلك فيما تقدّم.

ب ـ يجوز للوكيل أن يشترط الخيار للموكّل ؛ لأنّه يجوز جَعْله للأجنبيّ فللموكّل أولى وهو أظهر وجهي الشافعيّة (٣) لأنّ ذلك لا يضرّه.

وهل له شرط الخيار لنفسه؟ عندنا يجوز ذلك ؛ لأنّه يجوز في الأجنبيّ ففي الوكيل أولى ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : ليس له ذلك (٤).

ج ـ للوكيل أن يجعل شرط الخيار لغيره ولغير موكّله حسبما تقتضيه مصلحة الموكّل ، فلوكيل البيع شرط الخيار للمشتري ، ولوكيل الشراء شرط الخيار للبائع.

ومَنَع الشافعي من ذلك ، وأبطل البيع (٥). وليس بجيّد.

د ـ لو شرط الخيار لنفسه أو أذن له الموكّل فيه صريحاً ، ثبت له‌

__________________

(١) انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٥ ، وروضة الطالبين ٣ : ١١١ ١١٢ ، والمجموع ٩ : ١٩٧.

(٢) انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٥ ، وروضة الطالبين ٣ : ١١١ ١١٢ ، والمجموع ٩ : ١٩٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٢ ، المجموع ٩ : ١٩٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٢ ، المجموع ٩ : ١٩٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٢ ، المجموع ٩ : ١٩٤.

٥٧

الخيار ، ولا يفعل إلاّ ما فيه الحظّ للموكّل ؛ لأنّه مؤتمن. وكذا الأجنبيّ لو جُعل الخيار له.

وفرّق الشافعي بينهما ، فلم يوجب على الأجنبيّ رعاية الحظّ (١).

وليس بجيّد ؛ لأنّ جَعْل الخيار له ائتمان له.

وهل يثبت الخيار للموكّل في هذه الصورة مع ثبوته للوكيل؟ الوجه : لا ؛ اقتصاراً بالشرط على مورده.

وللشافعيّ وجهان (٢).

وحكى الجويني فيما إذا أطلق الوكيل شرط الخيار بالإذن المطلق من الموكّل ثلاثة أوجُه : إنّ الخيار يثبت للوكيل أو للموكّل أو لهما (٣).

وقد عرفت مذهبنا فيه.

مسألة ٢٤٦ : يشترط تعيين محلّ الخيار المشترط وتعيين مستحقّه ، فلو باعه عبدين وشرط الخيار في أحدهما لا بعينه ، لم يصحّ الشرط ولا العقد ؛ لأنّه خيار مجهول المحلّ ، وغرر ، فيكون منفيّاً ، ويقدّر بمنزلة ما لو باعه أحدهما لا بعينه ، وبه قال الشافعي (٤).

وقال أبو حنيفة : يجوز في العبدين والثوبين والثلاثة ، ولا يجوز في الأربعة فما زاد (٥).

وليس بشي‌ء ؛ لما بيّنّا.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٢ ، المجموع ٩ : ١٩٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٢ ، المجموع ٩ : ١٩٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٢ ، المجموع ٩ : ١٩٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٩ ، المجموع ٩ : ١٩٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩١.

٥٨

ولو شرطه في أحدهما بعينه ، صحّ البيع والشرط معاً ؛ للأصل ، وعموم ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (١) و « المسلمون عند شروطهم » (٢) وهو أحد قولي الشافعي (٣) ويثبت لكلّ مبيع حكمه ، فيثبت الخيار فيما شُرط فيه الخيار ، ويكون الآخر خالياً عن الخيار.

وفي القول الآخر : لا يصحّ ؛ لأنّه جمع بين عينين مختلفي الحكم بعقدٍ واحد (٤).

وبطلانه ممنوع ، كما لو جمع بين بيع وصرف ، أو بيع وإجارة.

ولو شرط الخيار لأحد المتعاقدين لا بعينه أو لأحد الرجلين لا بعينه ، بطل البيع والشرط.

ولو شرط الخيار يوماً في أحد العبدين بعينه ، ويومين في الآخر ، صحّ عندنا. وللشافعي قولان (٥).

مسألة ٢٤٧ : بيع الخيار جائز عندنا ، وهو أن يبيعه شيئاً عقاراً أو غيره ، ويشترط البائع الخيار لنفسه سنةً أو أقلّ أو أكثر إن جاء بالثمن الذي قبضه من المشتري وردّه إليه ، كان أحقّ بالمبيع. وإن خرجت المدّة ولم يأت بالثمن ، سقط خياره ، ووجب البيع للمشتري ؛ للأصل ، وعموم‌

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٢٠ ، سنن الدارقطني ٣ : ٢٧ ، ٩٨ و ٩٩ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٤٩ ، معرفة السنن والآثار ١٠ : ٢٣٧ ، ١٤٣٤٩ ، و ٢٣٨ ، ١٤٣٥١ ، المعجم الكبير للطبراني ٤ : ٢٧٥ ، ٤٤٠٤ ، المستدرك للحاكم ٢ : ٤٩ و ٥٠ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ٦ : ٥٦٨ ، ٢٠٦٤.

(٣) الوسيط ٣ : ١١٠ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٩ ، المجموع ٩ : ١٩٣.

(٤) الوسيط ٣ : ١١٠ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٩ ، المجموع ٩ : ١٩٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٩ ، المجموع ٩ : ١٩٣.

٥٩

قوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (١) وقوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٢).

وقوله عليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم » (٣).

وقول الباقر عليه‌السلام : « إن بعت رجلاً على شرط إن أتاك بمالك ، وإلاّ فالبيع لك » (٤) وغيره من الأحاديث ، وقد سبق.

أمّا الجمهور فإنّه لا يصحّ إلاّ عند مَنْ جوّز شرط الخيار.

والخلاف في تقديره بالثلاثة الأيّام كما تقدّم.

مسألة ٢٤٨ : إذا شرط الخيار ثلاثة أيّام أو أزيد على مذهبنا ثمّ مضت المدّة ولم يفسخا ولا أجازا ، تمّ العقد ولزم‌ وبه قال الشافعي (٥) لأنّ شرط الخيار في المدّة منع من لزوم العقد تلك المدّة ، فإذا انقضت ، ثبت موجب العقد ، كالأجل في الدَّيْن إذا انقضى ، ثبت الدَّيْن ؛ لزوال المانع. ولأنّ تركه للفسخ حتى يتعدّى الأجل رضاً منه بالعقد ، فلزمه.

وقال مالك : لا يلزم بمضيّ المدّة ؛ لأنّ مدّة الخيار ضُربت لحقٍّ له لا لحقٍّ عليه ، فلم يلزمه الحكم بنفس مرور الزمان ، كمضيّ الأجل في حقّ المُولي (٦).

والفرق أنّ تقدّم المدّة ليست سبباً لإيقاع الطلاق ، بخلاف المتنازع.

مسألة ٢٤٩ : لو باعه عبدين وشرط الخيار فيهما ، صحّ‌ عندنا وعند‌

__________________

(١) النساء : ٢٩.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٥٩ الهامش (٢).

(٤) التهذيب ٧ : ٢٣ ، ٩٧.

(٥) حلية العلماء ٤ : ٢٦ ، المجموع ٩ : ١٩٥ ، المغني ٤ : ١٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٧٨.

(٦) حلية العلماء ٤ : ٢٦ ، المجموع ٩ : ١٩٥ ، المغني ٤ : ١٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٧٨.

٦٠