تذكرة الفقهاء - ج ١١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٤٢٩

أقبضته بعد التفرّق ، وقال البائع : بل قبله ، قدّم قول البائع ؛ تمسّكاً بصحّة البيع والقبض.

ولو أقاما بيّنةً ، قال بعض الشافعيّة : بيّنة المسلم إليه أولى ؛ لأنّها نافلة (١) (٢).

وعندي فيه نظر ؛ لأنّ القول قوله فالبيّنة (٣) بيّنة الآخر.

مسألة ٥٠٠ : لو وجد رأس المال معيباً ، فإن كان معيّناً وكان من غير الجنس ، بطل السَّلَم. وإن لم يكن معيّناً ، فإن تقابضا الصحيح في المجلس قبل التفرّق ، صحّ السَّلَم ، وإلاّ بطل.

وإن كان من الجنس ، فالأقرب : الصحّة إن افترقا بعد الإبدال ، ولو تفرّقا قبله ، بطل العقد على إشكالٍ أقربه : الصحّة.

ولو أسلم مائة في حنطة ومثلها في شعير ثمّ دفع مائتين قبل التفرّق فوجد بعضها (٤) زيوفاً من غير الجنس ، وُزّع بالنسبة ، وبطل من كلّ جنس بنسبة حصّته من الزيوف.

مسألة ٥٠١ : لو شرط تعجيل نصف الثمن وتأخير الباقي ، لم يصح‌

السَّلَم مطلقاً. أمّا في غير المقبوض : فلانتفاء القبض الذي هو شرط صحّة السَّلَم. وأمّا المقبوض : فلزيادته على المؤجّل ، فيستدعي أن يكون في مقابلته أكثر ممّا في مقابلة المؤجّل ، والزيادة مجهولة.

__________________

(١) في « ي » والطبعة الحجريّة : « ناقلة » بالقاف.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٥.

(٣) في « س » : « والبيّنة ».

(٤) في الطبعة الحجريّة : « بعدها » بدل « بعضها » والصحيح ما أثبتناه من « س ، ي ».

٣٤١

النظر الثالث : في الأحكام.

مسألة ٥٠٢ : قال الشيخ : لا بُدَّ من ذكر موضع التسليم. وإن كان في حمله مئونة ، فلا بُدَّ من ذكره أيضاً (١).

والشافعيّة قالوا : السَّلَم إمّا حالّ أو مؤجّل.

أمّا الحالّ : فلا حاجة فيه إلى تعيين مكان التسليم ، كالبيع ، ويتعيّن مكان العقد ، لكن لو عيّن موضعاً آخر ، جاز ، بخلاف البيع عنده ؛ لأنّ السَّلَم يقبل التأجيل فيقبل شرطاً يتضمّن تأخير التسليم (٢) بالإحصار (٣) ، والأعيان لا تحتمل التأجيل فلا تحتمل شرطاً يتضمّن تأخير التسليم. وحكم الثمن في الذمّة حكم المُسْلَم فيه. وإن كان معيّناً ، فهو كالمبيع (٤).

وعندنا لو شرط تعيين المكان في الأعيان ، جاز.

ولا نريد بمكان العقد ذلك الموضع بعينه ، بل تلك المحلّة ، إلاّ مع الشرط.

وإن كان السَّلَم مؤجّلاً ، فعن الشافعي اختلاف في أنّه هل يجب تعيين مكان التسليم فيه؟

وقد انقسم أصحابه إلى نُفاة الخلاف ومُثبتيه.

أمّا النُّفاة : فعن بعضهم أنّه إن جرى العقد في موضعٍ يصلح للتسليم فيه ، فلا حاجة إلى التعيين. وإن جرى في موضعٍ غير صالح ، فلا بُدَّ من‌

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٠٢ ، المسألة ٩.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « السلم » بدل « التسليم ». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٣) في « س » والطبعة الحجريّة : « بالإحضار » بالضاد المعجمة ، وكلتاهما ساقطة في « ي » وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٤.

٣٤٢

التعيين. وحمل قولي الشافعي على الحالين.

وقال آخرون : إنّ المُسْلَم فيه إن كان لحملة مئونة ، وجب التعيين ، وإلاّ فلا. وحمل القولين على الحالين. وبهذا قال أبو حنيفة.

وأمّا المثبتون : فلهم طرق :

أحدها : أنّ المسألة على قولين مطلقاً.

والثاني : أنّه إن لم يكن الموضع صالحاً ، وجب التعيين لا محالة. وإن كان صالحاً ، فقولان.

والثالث : أنّه إن لم يكن لحملة مئونة ، فلا حاجة إلى التعيين. وإن كان له مئونة ، فقولان.

والرابع : إن كان لحملة مئونة ، فلا بُدَّ من التعيين ، وإلاّ فقولان. وهذا أصحّ عند بعضهم.

ووجه اشتراط التعيين : أنّ الأغراض تتفاوت بتفاوت الأمكنة ، فلا بُدَّ من التعيين قطعاً للنزاع ، كما لو باع بدراهم وتعدّدت نقود البلد.

ووجه عدم الاشتراط وبه قال أحمد ـ : القياس على البيع ، فإنّه لا حاجة فيه إلى تعيين مكان التسليم.

ووجه الفرق بين الموضع الصالح وغيره : اطّراد العرف بالتسليم في الموضع الصالح ، واختلاف الأغراض في غيره.

ووجه الفرق بين ما لحملة مئونة وغيره قريب من ذلك.

وفتوى الشافعيّة من هذا كلّه على وجوب التعيين إذا لم يكن الموضع صالحاً أو كان لحملة مئونة ، وعدم الاشتراط في غير هاتين الحالتين (١).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٣ ٤٠٤ ، فتح العزيز بهامش المجموع ٩ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٣ ، وراجع : بدائع الصنائع ٥ : ٢١٣ ، والمغني ٤ : ٣٦٧ ٣٦٨ ، والشرح الكبير ٤ : ٣٦٩.

٣٤٣

وهو عندي أقرب.

وإذا شرطنا التعيين ، فلو لم يعيّن ، فسد العقد. وإن لم نشترط ، فإن عيّن ، تعيّن.

وعن أحمد رواية أنّ هذا الشرط يفسد السَّلَم (١).

وإن لم يعيّن ، حمل على مكان العقد.

وقال بعض الشافعيّة : إذا لم يكن في حمله مئونة ، يسلّمه في أيّ موضعٍ صالح [ شاء ] (٢) (٣).

وفي وجهٍ لهم : إذا لم يكن الموضع صالحاً للتسليم ، حمل على أقرب موضعٍ صالح (٤).

ولو عيّن موضعاً للتسليم فخرب وخرج عن صلاحية التسليم ، احتمل تعيين ذلك الموضع عملاً بالشرط. ويحتمل أقرب موضعٍ صالح. وتخيير المشتري.

وللشافعيّة أقوال ثلاثة (٥) ، كالاحتمالات.

فقد ظهر أنّ موضع العقد إن أمكن فيه التسليم ، لم يجب شرطه ، وإلاّ وجب كما لو كانا في مفازة ، عند بعض الشافعيّة (٦).

وقال بعضهم : فيه قولان : الوجوب ، وعدمه. والأوّل أولى‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٤ ، وانظر : المغني ٤ : ٣٦٨ ، والشرح الكبير ٤ : ٣٦٩.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٣ ٢٥٤.

(٦) انظر المصادر في الهامش (١) من ص ٣٤٥.

٣٤٤

عندهم (١).

وقال بعضهم : إن كان لحملة مئونة ، وجب ذكر الموضع ، وإلاّ فلا. وبه قال أبو حنيفة (٢).

وقال أبو يوسف ومحمّد : لا يجب ذكر موضع التسليم (٣).

وقال أحمد : لا يجب ، وإن ذكره ، ففي فساد السَّلَم روايتان ، إحداهما : الفساد ؛ لأنّه شرط ما لا يقتضيه الإطلاق ، وفيه غرر ؛ لأنّه ربما تعذّر تسليمه في ذلك المكان ، فأشبه ما إذا شرط مكيالاً بعينه أو نخلة بعينها (٤).

وهو غلط ؛ لأنّ القبض يجب بحلوله ، ولا يعلم موضعهما في ذلك الوقت ، فوجب شرطه ، وإلاّ كان مجهولاً ، وليس القبض يختصّ بحالة العقد ، فإنّه يصحّ في غيرها ، فلم يتعلّق بها ، بخلاف الحال ؛ لأنّ القبض يجب في هذه الحال ، فانصرف إليها. وكونه غرراً غلط ، ولو كان تعيين المكان غرراً في العقد ، لكان تعليقه بزمانٍ غرراً ، إلاّ أن يكون موضعاً لا يمكن فيه التسليم ، فإنّه لا يجوز.

ويحتمل قويّاً أنّه لا يشترط موضع التسليم وإن كان في حمله مئونة ، فإن شرطاه ، تعيّن.

ولو اتّفقا على التسليم في غيره ، جاز. ومع الإطلاق ينصرف وجوب التسليم إلى موضع العقد.

ولو كانا في بلد غربة أو برّيّة وقَصْدُهما مفارقته قبل الحلول ،

__________________

(١) انظر المصادر في الهامش (١) من ص ٣٤٥.

(٢) انظر المصادر في الهامش (١) من ص ٣٤٥.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ٢١٣ ، المغني ٤ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦٩.

(٤) المغني ٤ : ٣٦٧ ٣٦٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦٩ ، حلية العلماء ٤ : ٣٧٦.

٣٤٥

فالأقرب : وجوب تعيين المكان.

مسألة ٥٠٣ : يجوز أخذ الرهن على المُسْلَم فيه وكذا الضامن ، ولا نعلم فيه خلافاً.

قال الله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ ) إلى آخر الآية الثانية (١).

وروى العامّة عن ابن عباس وابن عمر أنّهما قالا : لا بأس بالرهن والحميل (٢).

ومن طريق الخاصّة : رواية محمّد بن مسلم الصحيحة عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن السَّلَم في الحيوان وفي الطعام ويؤخذ الرهن ، قال : « نعم ، استوثق من مالك ما استطعت » قال : وسألته عن الرهن والكفيل في بيع النسيئة ، فقال : « لا بأس به » (٣).

ولأنّه دَيْن واجب مستقرّ في الذمّة ، فجاز أخذ الرهن والضمين به ، كالثمن.

مسألة ٥٠٤ : لا يجوز السلف في ثوبٍ بشرط (٤) أن يكون من غزل امرأة‌ بعينها أو نسج شخص بعينه ، ولا في الثمرة بشرط أن تكون من نخلة معيّنة أو بستان بعينه ، أو في زرع بشرط أن يكون من أرض معيّنة أو قرية صغيرة وبه قال الشافعي (٥) لتطرّق الموت إلى تلك المرأة أو النساج‌

__________________

(١) البقرة : ٢٨٢ و ٢٨٣.

(٢) سنن البيهقي ٦ : ١٩.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٢ ، ١٧٨.

(٤) في « س ، ي » : « ويشترط ». وفي الطبعة الحجريّة : « يشترط » بدون الواو. والظاهر ما أثبتناه من حيث السياق.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٦ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٦٠.

٣٤٦

المعيّن أو تعذّر غزلها ونسجه ، وقد تصيب تلك النخلة أو البستان الجائحةُ فتنقطع الثمرة.

وكذا الغلّة فقد تصيب تلك الأرض المعيّنة أو القرية الصغيرة آفةٌ لا يخرج الزرع تلك السنة ، فإذَنْ في التعيين غرر لا ضرورة إلى احتماله. ولأنّ التعيين ينافي المدينيّة (١) من حيث إنّه يضيق مجال التحصيل (٢) ، والمسلم فيه ينبغي أن يكون دَيْناً مرسلاً في المدينيّة (٣) ليتيسّر أداؤه.

أمّا لو أسلم في ثمرة ناحية أو قرية كبيرة ، فإن أفاد أمراً زائداً ، كمعقليّ البصرة ومعقليّ بغداد ، فإنّهما صنف واحد ، لكن كلّ واحد (٤) منهما يمتاز عن الآخر بصفات وخواصّ ، فالإضافة إليها تفيد فائدة الأوصاف ، ويكون الشرط لازماً.

وإن لم يُفد أمراً زائداً ، احتمل عدم الالتفات إليه ، كتعيين المكيال ؛ لخلوّه عن الفائدة. والصحّة ؛ لأنّه لا ينقطع غالباً ، ولا يتضيّق به المجال (٥).

وكلاهما للشافعيّة ، وأصحّهما عندهم : الثاني (٦) ، وهو الأقوى عندي.

إذا تقرّر هذا ، فإذا نسب الغلّة إلى قرية عظيمة تبعد الحيلولة فيها فاتّفق ، كان بحكم انقطاع المُسْلَم فيه يتخيّر المشتري بين الصبر والفسخ.

__________________

(١) كذا ، والظاهر : الدينيّة.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « من حيث إنّه يصير محال التسليم » وفي هامشها : « التحصيل خ ل » وفي « س » بدل « التسليم » : « التحصيل ». والعبارة في « ي » ساقطة. والصحيح ما أثبتناه.

(٣) كذا ، والظاهر : « الذمّة » بدل « المدينيّة ».

(٤) في « س » والطبعة الحجريّة : « لكن ذكر كلّ واحد ».

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « المحال » وهو خطأ.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٦.

٣٤٧

وفي رواية زرارة الصحيحة عن الباقر عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل اشترى طعام قرية بعينها ، فقال : « لا بأس إن خرج فهو له ، وإن لم يخرج كان دَيْناً عليه » (١).

مسألة ٥٠٥ : قد بيّنّا أنّه يجب اشتراط الجودة والرداءة في كلّ ما يسلم فيه ؛ لأنّ القيمة والأغراض تختلف بهما ، وهو أحد قولي الشافعيّة. والقول الثاني : لا يحتاج إليه ، ويحمل المطلق على الجيّد (٢). وهو محتمل عندي.

وعلى كلّ تقدير إذا اشترطت الجودة أو قلنا : ينزّل عليها المطلق ، ينزّل على أقلّ مراتب الدرجات ، كغيرها من الصفات ، فإذا شرط الكتابة ، كفى أقلّ درجاتها ، وكذا الخياطة وشبهها ؛ لأنّ المراتب لا نهاية لها ، فاكتفي بأقلّ المراتب ؛ لأصالة البراءة عمّا زاد.

ولو شرط الرداءة ، جاز ويكتفى فيها بمهما كان من أنواعها.

وقال كثير من الشافعيّة : إن شرطا رداءة النوع ، جاز ؛ لانضباطه. وإن شرطا رداءة العين أو الصفة ، لم يجز ؛ لأنّها لا تنضبط ، وما من ردي‌ء إلاّ وهناك خير منه ، وإن كان رديئاً ، فيفضي إلى النزاع (٣).

واعلم أنّ نوع المُسْلَم فيه لا بُدَّ من التعرّض له ، فإن لم ينص على النوع وتعرّض للردي‌ء تعريفاً للنوع ، قالت الشافعيّة : فذلك محتمل لا محالة. وإن نصّ على النوع ، فذكر الرداءة حشو (٤).

وأمّا رداءة الصفة فقال كثير منهم بجواز اشتراطه (٥) ؛ لأنّهم ذكروها في مقابلة الجودة ، ولا شكّ أنّهم لم يريدوا بها جودة النوع.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٣٢ ، ٥٧٤ ، التهذيب ٧ : ٣٩ ، ١٦٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٣.

٣٤٨

مسألة ٥٠٦ : الصفات المشترطة إن كانت مشهورةً عند الناس ، فلا بحث.

وإن لم تكن مشهورةً إمّا لغرابة الألفاظ المستعملة فيها أو لغيرها ، فلا بدّ من معرفة المتعاقدين بها. وإن جهلاها أو أحدهما ، لم يصح العقد.

وهل تكفي معرفتهما؟ إشكال ينشأ من أنّه لا بدّ من أن يعرفها غيرهما ليرجعا إليه عند التنازع ، ومن أنّه عقد على معلوم عند المتعاقدين ، فكان جائزاً ، كالمقدار.

وإن جهله غيرهما ، فإن شرطنا معرفة الغير ، اكتفي بمعرفة عدلين ، ولا يفتقر إلى الاستفاضة.

وللشافعيّة قولان : الاكتفاء بالعدلين ، واشتراط الاستفاضة (١).

وكذا يجري الوجهان فيما إذا لم يعرف المكيال المذكور إلاّ عدلان (٢).

مسألة ٥٠٧ : إذا دفع البائع من غير الجنس ، كما إذا باع تمراً فدفع زبيباً ، أو أسلم في ثوب كتّان فدفع ثوب قطن ، لم يجب على المشتري قبوله‌ إجماعاً ؛ لأنّه غير ما شرطه ، فإن تراضيا عليه ، جاز ؛ للأصل. ولقوله عليه‌السلام : « الصلح جائز بين المسلمين إلاّ ما حرّم حلالاً أو حلّل حراماً » (٣).

وقال الشافعي : لا يجوز ؛ لأنّه اعتياض ، وذلك غير جائز في السَّلَم (٤).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٠.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٨ ، ٢٣٥٣ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٣٠٤ ، ٣٥٩٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٣٥ ، ١٣٥٢ ، سنن البيهقي ٦ : ٦٥.

(٤) الوجيز ١ : ١٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٠.

٣٤٩

وهو مصادرة على المطلوب.

ويؤيّده ما رواه العيص بن القاسم في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أسلف رجلاً دراهم بحنطة حتى إذا حضر الأجل لم يكن عنده طعام ووجد عنده دوابّ أو رقيقاً أو متاعاً ، يحلّ له أن يأخذ من عروضه تلك بطعامه؟ قال : « نعم ، يسمّي كذا وكذا بكذا وكذا صاعاً » (١).

أمّا إن دفع من الجنس لكنّه أجود ممّا شرط ، وجب قبوله ولم يكن حراماً ؛ لما رواه سليمان بن خالد قال : سئل الصادق عليه‌السلام عن رجل يسلم في وصف (٢) أسنان معلوم ولون معلوم ثمّ يعطى فوق شرطه ، فقال : « إذا كان على طيبة نفس منك ومنه فلا بأس به » (٣).

ولو كان أكثر ، لم يجب القبول ؛ لما فيه من المنّة.

ولو جاءه بالثوب المُسْلَم فيه أجود ممّا شرط فأعطاه عوض الجودة شيئاً ، جاز وبه قال أبو حنيفة (٤) لأنّه أخذ عوضاً عن الزيادة ، فأشبه ما لو أسلم في عشرة أذرع فجاءه بأحد عشر ذراعاً. ولأنّها معاوضة على شي‌ء سائغ بشي‌ء مملوك ، فكان جائزاً ، كغيرها من المعاوضات.

وقال الشافعي : لا يجوز ؛ لأنّ الجودة صفة ، فلا يجوز إفرادها بالعقد (٥) ، كما لو كان مكيلاً أو موزوناً ، بخلاف الذرع ؛ لأنّه عين وليس بصفة.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٨٦ ، ٧ ، الفقيه ٣ : ١٦٥ ، ٧٢٩ ، التهذيب ٧ : ٣١ ، ١٣٠ ، الإستبصار ٣ : ٧٦ ، ٢٥٤.

(٢) في المصدر : وصيف.

(٣) التهذيب ٧ : ٤١ ، ١٧٣.

(٤) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ١١٩.

(٥) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٨.

٣٥٠

ويُمنع المنع من جواز إفرادها ، والأصل فيه أنّ هذا نوع من الصلح ، وليس بيعاً حقيقيّاً ، فلم يكن به بأس.

وإن دفع أدون في الوصف ممّا عليه ، لم يجب قبوله ، لكن لو رضي به ، جاز ؛ لأنّه نوع إسقاط لما وجب له.

ولما رواه أبو بصير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن السَّلَم في الحيوان ، قال : « ليس به بأس » قلت : أرأيت إن أسلم في أسنان معلومة أو شي‌ء معلوم من الرقيق فأعطاه دون شرطه وفوقه بطيب نفس منهم؟ فقال : « لا بأس به » (١).

وبه قال الشافعي (٢).

ولو دفع عوضاً عن الرداءة ، فالأقرب : الجواز ، كما في طرف الجودة.

وأمّا إن جاءه (٣) بنوعٍ آخر ، كما إذا أسلم في الزبيب الأبيض فجاءه بالأسود ، فالأقرب : الجواز ؛ لأنّه من جنسه ، والمخالفة في الوصف لا غير ، لكن بشرط أن يتراضيا عليه.

وللشافعي قولان ، أحدهما : المنع ؛ لأنّه يكون اعتياضاً (٤). وهو ممنوع.

وللشافعي في قبول الأجود في الوصف مع اتّحاد الجنس قولان :

أحدهما : المنع ؛ لما فيه من المنّة.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٢٠ ، ١ ، الفقيه ٣ : ١٦٦ ، ٧٣٣ ، التهذيب ٧ : ٤٦ ، ١٩٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٠.

(٣) في « س » والطبعة الحجريّة : « جاء ».

(٤) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٨ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨١ ٣٨٢ ، الوجيز ١ : ١٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٥.

٣٥١

وأصحّهما : الجواز كما قلناه لأنّ إتيانه به يشعر بأنّه لا يجد سبيلاً إلى إبراء ذمّته بغير ذلك ، وهو يهوّن أمر المنّة (١).

ولو اختلف النوع ، كما لو أسلم في المعقليّ فجاء بالبرنيّ ، أو في الزبيب الأبيض فجاء بالأسود ، أو في الثوب الهرويّ فجاء بالمرويّ ، لم يجب على المسلم قبوله ؛ لاختلاف الأغراض باختلاف الأنواع.

وقال بعض الشافعيّة : يجب القبول (٢).

والحقّ الأوّل.

فإن قَبِله ، جاز وهو أحد قولي الشافعي (٣) كما لو اختلفت الصفة.

والثاني : لا يجوز ، كما لو اختلف الجنس (٤).

وامتناعه باطل عندنا.

وللشافعيّة اختلاف في أنّ التفاوت بين التركيّ والهنديّ من العبيد تفاوت جنسٍ أو تفاوت نوعٍ؟ والصحيح عندهم : الثاني ، وفي (٥) أنّ التفاوت بين الرطب والتمر وبين ما يسقى بماء السماء وما يسقى بغيره تفاوت نوعٍ أو صفة؟ والأشبه : الأوّل (٦).

تذنيب : لو دفع الأردأ أزيد من الحقّ ، فإن لم يكن ربويّاً ، جاز. وإن كان ربويّاً وكانت المعاوضة على سبيل البيع ، لم يجز ؛ لأنّه ربا. وإن لم يكن على سبيل البيع ، فالأقرب عندي : الجواز.

مسألة ٥٠٨ : للمشتري سَلَماً أخذ الحنطة خاليةً من التبن وغيره‌ ومن‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٠.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٣٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٥.

(٤) حلية العلماء ٤ : ٣٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٥.

(٥) في « س ، ي » : « ومن » بدل « وفي ». والصحيح ما أثبتناه.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٠.

٣٥٢

الزائد على العادة من التراب ، وأخذ التمر جافّاً ، ولا يجب تناهي جفافه ؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ الواجب أقلّ ما يطلق عليه الاسم. ويجب تسليم الرطب صحيحاً غير مشدّخ (١).

ولا يجوز قبض المكيل والموزون جزافاً ، فإن تراضيا به ، فالأقوى عندي : الجواز. وللمشتري مل‌ء المكيال وما يحتمله ، ولا يكون ممسوحاً ولا يدقّه ولا يهزّه ولا يزلزل المكيال ولا يوضع الكفّ على جوانبه ، وليس له قبض المكيل بالوزن ولا بالعكس إلاّ بالتراضي.

مسألة ٥٠٩ : ليس للمشتري المطالبة بالمُسْلَم فيه قبل المحلّ إجماعاً ، وإلاّ لبطل فائدة التأجيل. ولو أدّى المُسْلَم إليه قبل المحلّ ، لم يجب على المشتري قبوله ، سواء كان له في الامتناع غرض ، كما إذا كان وقت نهب ، أو كان المُسْلَم فيه حيواناً يحذر من علفها (٢) ، أو كان ثمرة أو لحماً يريد أكله عند المحلّ طريّاً ، أو كان ممّا يحتاج إلى مكانٍ له مئونة ، كالحنطة والقطن ، أو لم يكن له غرض في الامتناع ، وسواء كان للمؤدّي غرض سوى براءة الذمّة ، كما لو كان به رهن يريد فكاكه أو ضامن يريد براءته ، أو لا ؛ لأنّ التعجيل كالتبرّع بالزيادة ، فلا يكلّف تقليد المنّة.

وقال الشافعي : إن كان له في الامتناع غرض ، كالخوف من النهب أو تكلّف مئونة الحيوان أو اجرة الدار أو عدم الطراوة ، لم يجبر على القبول ؛ لتضرّره.

وإن لم يكن له غرض في الامتناع ، فإن كان للمؤدّي غرض سوى براءة الذمّة ، أُجبر على القبول ، كالمكاتب يعجّل النجوم ليعتق ، فإنّه يجبر‌

__________________

(١) الشدخ : الكسر في كلّ شي‌ء رَطْب. لسان العرب ٣ : ٢٨ « شدخ ».

(٢) كذا ، والظاهر : علفه.

٣٥٣

السيّد على قبولها.

وهل يلتحق بهذه الأعذار خوفه من انقطاع الجنس قبل الحلول؟ وجهان ، أحدهما : أنّه يلحق ؛ لما في التأخير من خطر انفساخ العقد ، أو ثبوت حقّ الفسخ.

وإن لم يكن للمؤدّي غرض سوى البراءة ، فقولان ، أحدهما : أنّه لا يجبر المستحقّ على القبول. وأصحّهما : أنّه يجبر ؛ لأنّ براءة الذمّة غرض ظاهر ، وليس للمستحقّ غرض في الامتناع فيمنع من التعنّت.

وإن تقابل غرض الممتنع والمؤدّي ، فطريقان ، أحدهما : أنّه يتساقطان ، ويجري القولان. وأصحّهما : أنّ المراعى جانب المستحقّ (١).

وبعضهم طرّد القولين فيما إذا كان للمعجّل غرض في التعجيل ولم يكن للممتنع غرض في الامتناع (٢). وهو غريب.

وبعضهم راعى جانب المؤدّي أوّلاً ، فقال : إن كان له غرض في التعجيل ، يجبر الممتنع على القبول ، وإلاّ فإن كان له غرض في الامتناع ، فلا يجبر ، وإلاّ فقولان (٣).

وهذا كلّه ساقط عندنا. وحكم سائر الديون المؤجّلة حكم المُسْلَم فيه.

مسألة ٥١٠ : كلّ مَنْ عليه حقٌّ مالي حالّ أو مؤجّل وقد حلّ إذا دفعه إلى صاحبه ، وجب عليه قبوله مطلقاً ؛ لأنّ له غرضاً في إبراء ذمّته.

وقالت الشافعيّة : إن كان للمعجّل غرض سوى البراءة ، أُجبر على‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٦ ٤٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٧.

٣٥٤

القبول ، وإلاّ فطريقان ، أحدهما : أنّه على قولين : أحدهما : عدم الإجبار ؛ لأنّ الحقّ له ، فله أن يؤخّره إلى متى شاء. والأصحّ : أنّه يُجبر على القبول ، فحينئذٍ لو أصرّ على الامتناع ، أخذه الحاكم وحفظه له. فإن تلف ، كان من المالك (١).

أمّا لو دفعه إليه قبل وقته ، فإنّه لا يجب القبول ، فإن تلف قبل تسليمه ، كان من مال الدافع.

ولو عيّن البائع المُسْلَم فيه في مشخّص أو المديون الدَّيْن في مال بعينه ودفعه إلى صاحبه فامتنع من قبوله فتلف ، فإن تعذّر الحاكم ، فهو تالف من صاحب الدَّيْن والمُسْلِم. وإن أمكن الوصول إلى الحاكم ، فالأقرب : أنّه من مال الدافع ؛ لأنّ التعيين يتمّ بقبض الحاكم ، مع احتمال الاكتفاء بتعيينه ، فحينئدٍ يكون من مال صاحبه أيضاً ويبرأ الدافع.

مسألة ٥١١ : إذا تعيّن موضع التسليم بمطلق العقد إذا قلنا : يتعيّن به في موضع العقد ، أو تعيّن بالشرط ، وجب التسليم فيه ، فإن جاءه في غير موضعه ، لم يُجبر على أخذه ؛ لأنّه يفوت عليه غرضه في ذلك الموضع.

ولو بذل له اجرة حمله إلى ذلك الموضع ، لم يلزمه قبوله ، لكن يجوز له أخذه.

وقال الشافعي : لا يجوز ؛ لأنّ بذل العوض في المُسْلَم فيه لا يجوز فكذا في تسليمه في موضعٍ دون موضع (٢).

والملازمة ممنوعة.

فإن جعله نائباً عنه في حمله ، لم يكن قابضاً ، وكان للمسلم إليه ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧١.

(٢) انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٨.

٣٥٥

واحتاج إلى أن يسلّمه إليه إذا حصل في الموضع المستحقّ.

ولو ظفر المُسلِم به في غير ذلك المكان ، فإن كان لنقله مئونة ، لم يطالب به.

وهل يطالب بالقيمة للحيلولة؟ للشافعيّة وجهان : أحدهما : المنع ؛ لأنّ أخذ العوض عن المُسْلَم فيه قبل القبض غير جائز. والثاني : نعم ؛ لوقوع الحيلولة بينه وبين حقّه. فإن قلنا بالأوّل ، فللمسلم الفسخ واسترداد رأس ماله ، كما لو انقطع المُسْلَم فيه (١).

وإن لم يكن لنقله مئونة ، كالدراهم والدنانير ، فله مطالبته به على أحد القولين للشافعيّة (٢).

أمّا لو ظفر المالك بالغاصب في غير مكان الغصب والإتلاف ، فله أن يطالبه بالمثل.

وقال أكثر الشافعيّة : له أن يطالبه بالقيمة لا غير (٣).

وهذه القيمة المأخوذة عن السَّلَم ليست عوضاً ؛ إذ يبقى استحقاق المطالبة بحاله حتى إذا عاد إلى مكان التسليم ، يطالبه به ويردّ القيمة.

ولو جاء المسلم إليه بالمُسْلَم فيه في غير مكان التسليم المشترط أو الثابت بمطلق العقد وأبى المستحقّ قبوله ، فقد قلنا : إنّه لا يجبر على قبوله ، سواء كان لنقله مئونة أو لم يكن ، أو كان الموضع مخوفاً أو لا.

وللشافعيّة (٤) فيما إذا لم يكن لنقله مئونة أو لم يكن مخوفاً وجهان‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧١.

(٢) الوجيز ١ : ١٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٢.

(٣) الوجيز ١ : ١٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٢.

(٤) في « س » والطبعة الحجريّة زيادة : « وجهان » والعبارة في « ي » ساقطة. وحذفناها ؛ لأنّها زيادة.

٣٥٦

بناءً على القولين في التعجيل قبل المحلّ ، فإن رضي وأخذه (١) ، لم يكن له أن يكلّفه مئونة النقل (٢).

مسألة ٥١٢ : إذا قبض المسلم المُسْلَم فيه ثمّ وجد به عيباً ، كان له أن يرضي به ، وله أن يردّه ، فإذا ردّه ، انفسخ القبض ، وكان له المطالبة بما لا عيب فيه. وإن رضي به ، لزمه. وإن حدث عنده عيب قبل الردّ ، لم يكن له أن يردّه ، ورجع (٣) بأرش العيب وبه قال الشافعي (٤) لأنّه عوض يجوز ردّه بالعيب ، فإذا سقط بحدوث عيبٍ آخر ، ثبت الرجوع بالأرش ، كبيوع الأعيان.

وقال أبو حنيفة : لا يرجع بالأرش ؛ لأنّ الرجوع بالأرش أخذ عوض الجزء الفائت ، وبيع المُسْلَم فيه قبل القبض لا يجوز (٥).

وهو غلط ؛ لأنّ بيع المعيّن قبل القبض لا يجوز وقد جاز أخذ الأرش. ولأنّ ذلك فسخ العقد في الجزء الفائت وليس ببيع ، ولهذا يكون بحسب الثمن المسمّى في العقد.

فأمّا إذا وجد العيب في رأس المال بعد التفرّق ، فالحكم فيه كما سبق في المتصارفين إذا وجد أحدهما بما صار إليه عيباً ، وقد سبق (٦).

__________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « واحد » بدل « وأخذه ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٢.

(٣) في « س » : « ويرجع ».

(٤) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٩ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٢٣ ، ١٠٩١.

(٥) مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٢٣ ، ١٠٩١ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٤.

(٦) في ج ١٠ ، ص ٤٢٨ ، المسألة ٢١٦.

٣٥٧

تذنيب : إذا ضمن المُسْلَم فيه ضامن فصالحه المسلم عنه ، لم يجز ؛ لأنّه بيع المُسْلَم فيه قبل القبض ، هذا عند الشافعي (١).

وعندنا الصلح عقد مستقلّ قائم بنفسه ليس بيعاً ، فلا تجب مساواته له في أحكامه.

قال : فإن صالح المسلم المسلم إليه ، لم يجز أيضاً ، إلاّ أن يصالحه على رأس المال بعينه ، فيكون فسخاً للعقد ، ويصحّ (٢).

والوجه عندي : جواز الأوّل أيضاً.

مسألة ٥١٣ : إذا تقايلا السَّلَم ، وجب ردّ رأس المال‌ إن كان باقياً بعينه. وإن كان تالفاً ، ردّ مثله إن كان مثليّا ، وإلاّ فالقيمة ، فإن تراضيا أن يدفع إليه بدله مع بقائه ، جاز أن يدفع العوض.

وهل يجب تعيينه في المجلس؟ الأقرب : عدم الوجوب.

وقال الشافعي : يجب (٣).

فإن كان رأس المال من جنس الأثمان والعوض منه أيضاً ، وجب القبض في المجلس عند الشافعي (٤).

والأقرب : أنّه لا يجب ؛ لأنّه ليس بيعاً ، فلا يجب فيه ما يجب في الصرف.

وإن كان أحدهما من غير جنس الأثمان ، لم يجب القبض في المجلس ؛ لأنّه ليس بيعاً. وإن كان ، فهو بيع عوض معيّن من غير جنس الأثمان بثمن في الذمّة ، فجاز فيه التفرّق قبل القبض ، كما لو باع سلعة‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٤) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٩.

٣٥٨

بثمن ، وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني : يجب ؛ لأنّه لو تفرّقا قبل القبض ، كان الثمن والمثمن مضمونين على البائع. ولأنّ المبيع في الذمّة ، فإذا كان المبيع في الذمّة ، وجب قبض الثمن (١) في المجلس كما يجب قبض رأس مال السَّلَم في المجلس (٢).

وقال أبو حنيفة : لا يجوز أن يأخذ عوضه ؛ استحساناً ، فلو كان السَّلَم فاسداً ، جاز أخذ عوض رأس المال ؛ لقوله عليه‌السلام : « مَنْ أسلم في شي‌ء فلا يصرفه إلى غيره » (٣) [ و ] (٤) لأنّه مضمون على المسلم إليه بعقد السَّلَم ، فلا يجوز له أن يدفع عوضه ، كالمُسْلَم فيه (٥).

واحتجّ الشافعي : بأنّه مال عاد إليه بفسخ العقد ، فجاز أن يأخذ عوضه ، كالثمن في بيع الأعيان إذا فسخ ، والمُسْلَم فيه مضمون على المسلم إليه بالعقد ، وهذا بعد فسخ العقد ، فهو بمنزلة الثمن الذي ذكرناه. والمراد بالخبر المُسْلَم فيه (٦). وذلك إجماع.

مسألة ٥١٤ : لا يجوز بيع السلف قبل حلوله ، ويجوز بعده قبل القبض على الغريم وغيره على كراهية.

ويجوز بيع بعضه وتوليته وتولية بعضه والشركة فيه وبه قال‌

__________________

(١) في « س ، ي » : « ثمنه » بدل « الثمن ».

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٩.

(٣) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٧٦ ، ٣٤٦٨ ، سنن الدارقطني ٣ : ٨٥ ، ١٨٧ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٧٣.

(٤) أضفناها لأجل السياق ، وكما في المغني والشرح الكبير.

(٥) حلية العلماء ٤ : ٣٨٨ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٧٣.

(٦) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٧٣.

٣٥٩

مالك (١) ، وقد تقدّم (٢) أكثر ذلك لأنّ العامّة رووا عن النبيّ عليه‌السلام أنّه نهى عن بيع الطعام قبل قبضه ، ورخّص في الشركة والتولية (٣).

ومن طريق الخاصّة : ما روي أنّ معاوية بن وهب سأل الصادقَ عليه‌السلام : عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه ، فقال : « ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلاّ أن يولّيه الذي قام عليه » (٤).

ولأنّهما يختصّان بالثمن ، فأشبها الإقالة.

وقال الشافعي : لا يجوز للمسلم أن يشرك غيره في المُسْلَم فيه فيقول له : شاركني في نصفه بنصف الثمن ، ولا أن يولّيه فيقول : ولني جميعه بجميع الثمن أو نصفه بنصف الثمن ؛ لأنّها معاوضة في المُسْلَم فيه قبل قبضه ، فلم يجز ، كما لو كانت بلفظ البيع (٥).

والملازمة ممنوعة.

مسألة ٥١٥ : يجوز أن يسلف في شي‌ء ويشترط السائغ ، كالقرض والبيع والاستسلاف والرهن والضمين ؛ لأنّه عقد قابل للشرط ، وقد شرط ما هو سائغ ممّا لا يوجب جهالةً في أحد العوضين ، فيجب أن يكون جائزاً ؛ لقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٦).

وقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٧).

__________________

(١) المحلّى ٩ : ٢ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٦ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٧٠.

(٢) في ج ١٠ ص ١٢٨ ، ذيل المسألة ٦٨.

(٣) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٧٠.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٥ ، ١٤٦.

(٥) حلية العلماء ٤ : ٣٨٦ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٩٩.

(٦) المائدة : ١.

(٧) التهذيب ٧ : ٣٧١ ، ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ ، ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

٣٦٠