تذكرة الفقهاء - ج ١١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٤٢٩

هذه المدّة ، بل تنقطع.

ومن طريق الخاصّة : رواية الحلبي عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأله عن رجل باع بيعاً ليس عنده إلى أجل وضمن البيع ، قال : « لا بأس » (١).

ولأنّه يثبت في الذمّة مثله ويوجد في محلّه غالباً ، فجاز عقد السَّلَم عليه ، كما لو كان موجوداً.

وقال الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة : لا يجوز السَّلَم في المعدوم ، بل يجب أن يكون جنسه موجوداً حال العقد إلى حال المحلّ ؛ لأنّ كلّ زمان من ذلك يجوز أن يكون محلاًّ للمُسْلَم فيه بأن يموت المسلم إليه ، فاعتبر وجوده فيه ، كالمحلّ (٢).

وهو غلط ؛ لأنّه لو اعتبر ذلك ، لأدّى إلى أن تكون آجال العقد مجهولةً ، والمحلّ جَعَله المتعاقدان محلاًّ ، بخلاف المتنازع حيث لم يجعلاه محلاًّ ، فهو بمنزلة ما بعد المحلّ.

مسألة ٤٧٩ : إذا أسلم فيما يعمّ وجوده وقت الحلول ثمّ انقطع وجوده لجائحة عند المحلّ ، لم ينفسخ البيع ـ وبه قال أبو حنيفة ، وهو أصحّ قولي الشافعي (٣) لأنّ العقد صحّ أوّلاً ، وإنّما تعذّر التسليم ، فأشبه ما لو اشترى عبداً فأبق من يد البائع. ولأنّ المُسْلَم فيه تعلّق بالذمّة ، فأشبه ما إذا أفلس المشتري بالثمن ، لا ينفسخ العقد ، كذا هنا.

والقول الثاني للشافعي : إنّه ينفسخ ؛ لأنّ المُسْلَم فيه من ثمرة ذلك‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٠١ ، ٨ ، التهذيب ٧ : ٢٨ ، ١١٨.

(٢) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٦١ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٩ ، ١٠٧٥ ، حلية العلماء ٤ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٢ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٦١.

٣٢١

العام ، وإذا هلكت ، انفسخ العقد ، كما لو باع قفيزاً من صبرة فتلفت. وإنّما قلنا : إنّ العقد تعلّق بثمرة تلك السنة ؛ لأنّه يجبر على دفعه منها ، وكما لو تلف المبيع قبل القبض (١).

ويُمنع تعيين المبيع في ثمرة تلك السنة ؛ لأنّهما لو تراضيا على دفع ثمرة من غيرها ، جاز. ولأنّ المُسْلَم فيه لا يجوز تعيينه ، وإنّما اجبر على دفعه ؛ لتمكّنه من دفع ما هو بصفة حقّه.

مسألة ٤٨٠ : إذا انقطع المبيع عند الأجل ، فقد قلنا : إنّ العقد لا ينفسخ ، بل يتخيّر المشتري بين الصبر إلى وقت إمكان الوجود وبين الفسخ ؛ لتضرّره بالصبر. ولأنّه شرط ما لم يسلم له ، فكان له الخيار. ولأنّ التأخير كالعيب ، ولهذا يختلف الثمن باختلافه ، فكان له الخيار ، كما لو دفع إليه المعيب.

ولما رواه عبد الله بن بكير عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأله عن رجل أسلف في شي‌ء يسلف الناس فيه من الثمار فذهب زمانها ولم يستوف سلفه ، قال : « فليأخذ رأس ماله أو لينظره » (٢).

إذا ثبت هذا ، فإذا فسخ المشتري البيع ، وجب على المسلم إليه ردّ رأس المال إن كان باقياً. وإن كان تالفاً ، فمثله إن كان مثليّا. وإن لم يكن له مثل ، ردّ قيمته. وكذا على قول الشافعي بالفسخ (٣).

وإن اختار الصبر إلى مجي‌ء المبيع ، طالب به ، فإن تعذّر بعضه ووجد بعضه ، تخيّر المسلم بين الفسخ في الجميع ؛ لتبعّض حقّه ، وبين أخذ‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٢.

(٢) الفقيه ٣ : ١٦٥ ، ٧٢٨ ، التهذيب ٧ : ٣١ ، ١٣١ ، الاستبصار ٣ : ٧٤ ، ٢٤٧.

(٣) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٦١.

٣٢٢

الموجود ، ويرجع بحصّة الباقي أو يصبر بالباقي.

وهل له أن يأخذ الموجود ويفسخ في المعدوم؟ الأقرب : ذلك.

وعند الشافعي أنّه مبنيّ على تفريق الصفقة (١).

وإذا جوّزنا له الفسخ في المعدوم ، أخَذَ الموجود بحصّته من الثمن ، وهو أصحّ قولي الشافعي. والثاني : أنّه يأخذه بجميع الثمن أو يردّه (٢).

وإذا أخذه بالكلّ ، فلا خيار للبائع. وإن أخذه بالحصّة ، فالأقرب ذلك أيضاً ؛ لأنّ التعيّب بالتفريق حصل من البائع بترك دفع الجميع.

وللشافعي في خيار البائع وجهان (٣).

إذا ثبت هذا ، فإنّه لا ينفسخ البيع لو قبض البعض من أصله ، كما لا ينفسخ لو لم يقبض شيئاً ؛ للأصل.

ولما رواه عبد الله بن سنان في الحسن عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأله أرأيت إن أوفاني بعضاً وعجز عن بعض أيصلح لي أن آخذ بالباقي رأس مالي؟ قال : « نعم ، ما أحسن ذلك » (٤).

مسألة ٤٨١ : ولا فرق في الخيار بين الصبر والفسخ بين أن لا يوجد المُسْلَم فيه عند المحلّ أصلاً وبين أن يكون موجوداً‌ ويؤخّر البائع التسليم حتى ينقطع ، وهو أحد قولي الشافعيّة ، وأنّ الخلاف في فسخ العقد من أصله والخيار كما تقدّم جارٍ في الصورتين معاً (٥).

وفرّق بعضهم ، فقال : الخلاف في الفسخ والخيار إنّما هو فيما إذا‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٠.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٤) الكافي ٥ : ١٨٥ ، ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٨ ، ١٢٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٢.

٣٢٣

لم يوجد المُسْلَم فيه عند الأجل ، أمّا إذا وُجد وفرّط البائع بالتسليم ، فلا ينفسخ العقد بحال ؛ لوجود المُسْلَم فيه وحصول القدرة (١).

وليس بشي‌ء ؛ لتضرّر المشتري في الصورتين. ولأنّه كالعيب المتجدّد في يد البائع ، فإنّه يوجب للمشتري الخيار.

مسألة ٤٨٢ : لو أجاز المشتري ثمّ بدا له في الفسخ ، احتُمل وجوب الصبر ، وعدم الالتفات إليه في طلب الفسخ ؛ لأنّه إسقاط حقّ ، فأشبه إجازة زوجة العنّين ، وهو أحد وجهي الشافعيّة (٢).

ويحتمل أنّ له الفسخَ ، ولا يكون ذلك إسقاطَ حقٍّ ، بل تكون هذه الإجازة إنظاراً ، والإنظار تأجيل ، والأجل لا يلحق العقد بعد وقوعه ، فأشبه زوجة المُولي إذا رضيت بالمقام ثمّ ندمت ، فإذا اشترط حقّ الفسخ ، لا يسقط.

ولو قال المسلم إليه للمسلم : لا تصبر وخُذْ رأس مالك ، فللمسلم (٣) أن لا يجيبه.

وللشافعيّة وجه : أنّه يجب عليه الإجابة (٤). وليس بشي‌ء.

ولو حلّ الأجل بموت المسلم إليه في أثناء المدّة والمُسْلَم فيه منقطع ، فالوجه : أنّه لا ينفسخ العقد من أصله ، بل يتخيّر المشتري كما تقدّم (٥).

وللشافعيّة قولان : الفسخ من أصل العقد ، وتخيير المشتري (٦).

ولو كان موجوداً عند المحلّ وتأخّر التسليم لغيبة أحد المتعاقدين ثمّ‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٢.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فللمسلم إليه ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٢ ، وانظر : روضة الطالبين ٣ : ٢٥٢.

(٥) في ص ٣٢٤ ، المسألة ٤٨٠.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٢.

٣٢٤

حضر والمُسْلَم فيه منقطع ، فكما تقدّم من تخيير المشتري عندنا ، ومن الوجهين : الفسخ والتخيير عند الشافعيّة (١).

مسألة ٤٨٣ : لو أسلم في شي‌ء عامّ الوجود عند الحلول ثمّ عرضت آفة علم بها انقطاع الجنس عند المحلّ ، احتمل تخيير المشتري‌ في الحال بين الصبر والفسخ ؛ لتحقّق العجز في الحال.

ويحتمل وجوب الصبر ، ولا خيار في الحال ؛ لأنّه لم يأت وقت وجوب التسليم.

وللشافعي قولان ، أحدهما : أنّه يتخيّر في الفسخ في الحال ، أو ينفسخ في الحال. والثاني : أنّه لا يتخيّر ولا ينفسخ إلاّ في المحلّ.

وهذا الخلاف مأخوذ من الخلاف فيما إذا حلف ليأكلنّ هذا الطعام غداً فتلف قبل الغد من فعله أنّه يحنث في الحال أو يتأخّر إلى الغد؟ (٢).

ويحصل الانقطاع بأن لا يوجد المُسْلَم فيه أصلاً بأن يكون ذلك الشي‌ء ينشأ من تلك البلدة وقد أصابته جائحة مستأصلة ، وهو انقطاع حقيقي.

وفي معناه ما لو كان يوجد في غير تلك البلدة ولكن لو نقل إليها فسد.

وإذا لم يوجد إلاّ عند قوم مخصوصين وامتنعوا من بيعه ، فهو انقطاع. ولو كانوا يبيعونه بثمنٍ غال ، فليس انقطاعاً ، ووجب تحصيله ما لم يتضرّر المشتري به كثيراً. ولو أمكن نقل المُسْلَم فيه من غير تلك البلدة إليها ، وجب نقله مع عدم التضرّر الكثير.

مسألة ٤٨٤ : إذا أسلم في شي‌ء وقبض البعض عند الأجل‌ وتعذّر‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٢ ٤٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٢.

٣٢٥

الباقي ، فقد قلنا : إنّه يتخيّر المشتري بين الفسخ في الجميع وفي الباقي ، سواء باع ما أخذه منه بزائد أو لا ؛ لما رواه سليمان بن خالد عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يسلم في الزرع فيأخذ بعض طعامه ويبقى بعض لا يجد وفاء ، فيردّ على صاحبه رأس ماله ، قال : « فليأخذ فإنّه حلال » قلت : فإنّه يبيع ما قبض من الطعام بضعف (١) ، قال : « وإن فعل فإنّه حلال » (٢).

مسألة ٤٨٥ : وهل له أن يأخذ القيمة بسعر وقت الأجل أو المطالبة؟ الأقرب : ذلك ؛ لأنّه قد استحقّ مالاً في ذمّة البائع فجاز بيعه ، كما يجوز بيع سائر الديون ، أو أن يعوّضه عن العين (٣) بالقيمة ، كما لو قضى الدَّيْن من غير جنسه.

ولما رواه أبان بن عثمان عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يسلف الدراهم في الطعام إلى أجل فيحلّ الطعام فيقول : ليس عندي طعام ولكن انظر ما قيمته فخُذْ منّي ثمنه ، قال : « لا بأس بذلك » (٤).

وقد روى عليّ بن جعفر قال : سألته عن رجل له على رجلٍ آخر تمر أو شعير أو حنطة أيأخذ بقيمته دراهم؟ قال : « إذا قوّمه دراهم فسد ، لأنّ الأصل الذي يشتري به دراهم ، فلا يصلح دراهم بدراهم » (٥).

قال الشيخ رحمه‌الله : الذي افتي به ما تضمّنه هذا الخبر من أنّه إذا كان الذي أسلف فيه دراهم ، لم يجز له أن يبيع عليه بدراهم ؛ لأنّه يكون قد باع‌

__________________

(١) في المصدر : « فيضعف ».

(٢) الكافي ٥ : ١٨٥ ، ٤ ، التهذيب ٧ : ٢٩ ، ١٢٣.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « الدَّيْن » بدل « العين ».

(٤) الكافي ٥ : ١٨٥ ١٨٦ ، ٦ ، التهذيب ٧ : ٣٠ ، ١٢٧ ، الاستبصار ٣ : ٧٥ ، ٢٥٢.

(٥) قرب الإسناد : ٢٦٤ ٢٦٥ ، ١٠٥١ ، التهذيب ٧ : ٣٠ ، ١٢٩ ، الاستبصار ٣ : ٧٤ ، ٢٤٦.

٣٢٦

دراهم بدراهم ، وربما يكون فيه زيادة ونقصان وذلك ربا.

ثمّ تأوّل الخبر الأوّل بأن يكون قد أعطاه في وقت السلف ثمناً غير الدراهم ، فلا يؤدّي ذلك إلى الربا ؛ لاختلاف الجنسين (١) ؛ لما رواه العيص بن القاسم في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أسلف رجلاً دراهم بحنطة حتى إذا حضر الأجل لم يكن عنده طعام ووجد عنده دوابّ ورقيقاً ومتاعاً يحلّ له أن يأخذ من عروضه تلك بطعامه؟ قال : « نعم ، يسمّي كذا وكذا بكذا وكذا صاعاً » (٢).

والوجه : ما اخترناه. ولا ربا هنا ؛ لأنّ التقدير أنّه اشترى متاعاً بأحد النقدين ثمّ باعه بذلك النقد ، ومن شرط الربا بيع أحد المتماثلين جنساً بصاحبه مع التفاضل.

البحث الخامس : في علم المقدار.

مسألة ٤٨٦ : المبيع إن كان ممّا يدخله الكيل أو الوزن ، لم يصح بيعه سلفاً‌ إلاّ بعد ذكر قدره بأحدهما ؛ لما رواه العامّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « مَنْ أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم » (٣).

ومن طريق الخاصّة : قال الصادق عليه‌السلام : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا بأس بالسَّلَم كيل معلوم إلى أجل معلوم » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٠ ٣١.

(٢) التهذيب ٧ : ٣١ ، ١٣٠.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٦٠٢ ٦٠٣ ، ١٣١١ ، سنن الدارقطني ٣ : ٣ ، ٤ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ١١ : ١٣٠ ، ١١٢٦٣ و ١١٢٦٤.

(٤) الفقيه ٣ : ١٦٧ ، ٧٤٠ ، وفي الكافي ٥ : ١٨٤ ( باب السَّلَم في الطعام ) الحديث ١ ، والتهذيب ٧ : ٢٧ ، ١١٦ بتفاوت يسير في اللفظ.

٣٢٧

ولأنّ السَّلَم يشتمل على نوع غرر ، فلا يحتمل من الغرر ما لا يحتمله الحالّ. ولو باع الحالّ جزافاً ، لم يجز.

ويجب أن يكون المكيال متعارفاً عند الناس ، فلا يجوز تقديره بإناء معيّن ؛ لأنّه قد يهلك فيتعذّر معرفة المُسْلَم فيه ، وهو غرر لا يحتاج إليه. ولأنّه أيضاً مجهول ؛ لأنّه لا يعلم بذلك قدر المبيع من المكيال المعروف ولا هو مشاهد.

وكذا الصنجة إذا عيّنها ، فإن كانت الصنجة المشهورةَ بين العامّة ، جاز ؛ لأنّها إذا تلفت رجع إلى مثلها. وإن كانت مجهولةً ، لم يجز.

وإن عيّنه بمكيال رجل معروف أو ميزانه ، فإن كان مكياله وصنجته (١) معروفين ، جاز ، وإلاّ فلا. وإذا كان معروفاً ، لم يختصّ به.

وكذا لو أسلم في ثوب على صفة خرقة أحضرها حال العقد ، لم يصح ؛ لجواز أن تهلك الخرقة فيكون ذلك غرراً لا حاجة به إليه ؛ لأنّه لا يمكنه أن يضبطه بالصفات الموجودة فيها.

مسألة ٤٨٧ : ليس المراد في الخبر (٢) الجمع بين الكيل والوزن ، بل قد يكون الجمع بينهما مبطلاً ؛ لعزّة الوجود ، كما لو أسلم في ثوب ووصفه بالذرع وقال : وزنه كذا ، أو أسلم في مائة صاع حنطة على أن يكون وزنها كذا.

نعم ، لو ذكر في الخشب مع الصفات المشروطة الوزنَ ، جاز ؛ لأنّ الزائد يمكن تعديله بالنحت.

لكنّ المراد الأمر بالكيل في الموزونات التي يتأتّى فيها الكيل ،

__________________

(١) كذا في « س ، ي » والطبعة الحجريّة. والظاهر : « وميزانه » بدل « وصنجته ».

(٢) أي النبوي المتقدّم في صدر المسألة ٤٨٦.

٣٢٨

بخلاف أعيان الربا حيث لم يجز بيع بعض المكيلات ببعض في الجنس الواحد وزناً ؛ لأنّ المعتبر فيها التساوي بالكيل ، فإذا باعها وزناً ، ربما تفاضلت كيلاً ، فلم يجز.

والمراد هنا بالكيل معرفة المقدار والخروج (١) عن الجهالة ، فبأيّ شي‌ء قدّره جاز ، فحينئذٍ يجوز أن يسلف فيما أصله الوزن كيلاً وبالعكس ـ وبه قال الشافعي (٢) لما رواه وهب عن الصادق عليه‌السلام عن الباقر عليه‌السلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بالسلف ما يوزن فيما يكال وما يكال فيما يوزن » (٣).

ومَنَع بعض الشافعيّة من السَّلَم كيلاً في الموزونات (٤).

أمّا لو أسلم في فتات المسك والعنبر ونحوهما كيلاً ، لم يصح ؛ لأنّ القدر اليسير منه ماليّته كثيرة ، والكيل لا يعدّ ضابطاً فيه.

مسألة ٤٨٨ : لا يكفي العدد في المعدودات التي تدخل تحت الوزن ، كالبطّيخ والقثّاء والرمّان والسفرجل والباذنجان والنارنج والبيض ، بل يجب الوزن ، ولا يعتبر الكيل ؛ لأنّها تتجافى في المكيال ، ولا العدد ؛ لتفاوتها كبراً وصغراً ، وإنّما اكتفي بالعدد في العيان تعويلاً على المشاهدة وتسامحاً ، بخلاف السَّلَم الذي لا مشاهدة فيه.

وكذا الجوز واللوز لا يجوز السلف فيهما عدداً ، بل لا بدّ من الوزن.

وفي الكيل فيهما للشافعيّة وجهان ، أحدهما : الجواز ؛ لعدم تجافيهما‌

__________________

(١) في « س ، ي » : « وخروجه ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٤ ، منهاج الطالبين : ١١١.

(٣) الفقيه ٣ : ١٦٧ ، ٧٣٩ ، التهذيب ٧ : ٤٤ ٤٥ ، ١٩٢ ، الاستبصار ٣ : ٧٩ ، ٢٦٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٤.

٣٢٩

في المكيال (١).

وكذا الفستق والبندق.

وقال بعضهم : لا يجوز السَّلَم في [ قشور ] (٢) الجوز واللوز لا كيلاً ولا وزناً ؛ لاختلافها (٣) غلظةً ورقّةً ، والغرض يختلف باختلافها ، فامتنع السلف فيها بالوزن أيضاً (٤).

وليس بجيّد ؛ لأنّ القشور هنا كالنوى في التمر ، فإنّه يختلف صغراً وكبراً ولم يعتبره الشارع ، كذا هنا.

وقال أبو حنيفة : يجوز السَّلَم في البيض عدداً ؛ لأنّ التفاوت فيه (٥) يسير (٦). وليس بجيّد.

مسألة ٤٨٩ : جميع البقول والخضراوات كالقثّاء والخيار والبطّيخ لا يجوز السلف فيها عدداً ولا كيلاً ، بل يجب الوزن.

ولا يجوز السَّلَم في البقول (٧) حزماً ؛ لعدم ضبطها.

ولا يجوز السَّلَم في البطّيخة الواحدة والسفرجلة الواحدة إلاّ مع‌

__________________

(١) التنبيه في الفقه الشافعي : ٩٨ ، حلية العلماء ٤ : ٣٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٥ ، منهاج الطالبين : ١١١.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « لاختلاف قشورهما » بدل « لاختلافها ».

(٤) فتح العزيز بهامش المجموع ٩ : ٢٦٠ ٢٦١. وفي العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٦ سقط بعض العبارة.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فيها » بدل « فيه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٦) حلية العلماء ٤ : ٣٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٦ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٥٤.

(٧) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « البقل » بدل « البقول ». والظاهر ما أثبتناه لأجل السياق.

٣٣٠

الوزن ، فتكون عامّة الوجود لا قليلة الوقوع ، ولا في عددٍ منها ؛ لأنّه يحتاج إلى ذكر حجمها ووزنها ، وذلك يورث عزّة الوجود.

أمّا اللِّبن فيجوز الجمع فيه بين العدد والوزن ، بل هو الواجب ، فيقول : كذا كذا لبنة وزن كلّ واحدة كذا ؛ لأنّها تضرب عن اختيار ، فالجمع فيها بين الوزن والعدد لا يورث عزّة الوجود ، والأمر فيه على التقريب دون التحديد.

مسألة ٤٩٠ : لو عيّن مكيالاً غير معتاد كالكوز ، فسد العقد. وإن كان يعتاد ، فسد الشرط وصحّ العقد ؛ لأنّ ملأه مجهول القدر. ولأنّ فيه غرراً لا حاجة إلى احتماله ، فإنّه قد يتلف قبل المحلّ.

وفي البيع لو قال (١) : بعتك مل‌ء هذا الكوز من هذه الصبرة ، بطل مع جهالة قدر مل‌ء الكوز.

وللشافعيّة وجهان ، أصحّهما عندهم : الصحّة (٢).

أمّا لو عيّن في البيع أو السَّلَم مكيالاً معتاداً ، فإنّه يصحّ البيع ويلغو الشرط ، كسائر الشروط التي لا غرض فيها ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : يفسد ؛ لتعرّضه للتلف (٣).

وهل السَّلَم الحالّ على تقدير جوازه كالمؤجّل أو كالبيع؟ للشافعيّة (٤) وجهان ، أحدهما : أنّه كالمؤجّل ؛ لأنّ الشافعي قال : لو أصدقها مل‌ء هذه الجرّة خَلاًّ ، لم يصح ؛ لأنّها قد تنكسر فلا يمكنه التسليم ، كذا هنا (٥).

__________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « في البيع ولو قال ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) الوسيط ٣ : ٤٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٦.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « للشافعي ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٦.

٣٣١

ولو قال : أسلمت إليك في ثوبٍ كهذا الثوب ، أو في مائة صاع كهذه الحنطة ، لم يصح ؛ لإمكان تلف الثوب المحال عليه أو الحنطة ، وهو أحد قولي الشافعيّة. وفي الثاني : يصحّ ، ويقوم مقام الوصف (١).

ولو أسلم في ثوبٍ ووصفه بصفات السَّلَم ثمّ أسلم في آخر بتلك الصفة ، جاز.

مسألة ٤٩١ : يجوز السَّلَم في المذروع أذرعاً‌ كالثياب والحبال وشبهها ؛ لأنّ ضبطها بذلك. ولا يجوز في القصب أطناناً ، ولا الحطب حزماً ، ولا الماء قرباً ، ولا المخروز خرزاً (٢) ؛ لاختلافها ، وعدم ضبطها بالصغر والكبر. ولو ضبط بالوزن ، جاز ؛ لأنّ جابراً سأل الباقرَ عليه‌السلام عن السلف في روايا الماء ، فقال : « لا تبعها ، فإنّه يعطيك مرّة ناقصة ومرّة كاملة ، ولكن اشتر (٣) معاينة ، وهو أسلم لك وله » (٤).

مسألة ٤٩٢ : وكما يجب العلم في المبيع بالقدر والوصف ، كذا يجب في الثمن. فنقول : إن كان الثمن في الذمّة لم يعيّنه المتعاقدان ، فلا بدّ من ضبط صفته وقدره ، كما يضبط صفة المُسْلَم فيه ، إلاّ أن يكون من الأثمان فيكفي إطلاقه إذا كان في البلد نقد غالب واحد.

ويجوز أن يكون رأس المال موصوفاً في الذمّة ، ويعيّناه في المجلس قبل التفرّق ، فيجري ذلك مجرى تعيينه حال العقد.

وإن كان الثمن معيّناً حالة العقد ، فإن كان مشاهداً ، كفت الرؤية عن‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٦.

(٢) لعلّها : المحزور حزراً.

(٣) في المصدر : « اشتره ».

(٤) التهذيب ٧ : ٤٥ ، ١٩٣.

٣٣٢

وصفه. وإن لم يكن مشاهداً ، فلا بدّ من وصفه بما يرفع الجهالة وبه قال مالك وأحمد والشافعي في أحد القولين ، وأبو إسحاق المروزي (١) لأنّ عقد السَّلَم منتظر مترقّب لا يمكن إتمامه في الحال ، وإنّما هو موقوف على وجود المُسْلَم فيه عند المحلّ لا يؤمن انفساخه ، فوجب معرفة رأس المال فيه ليؤدّيه له ، كما في القرض وعقد الشركة.

والقول الثاني للشافعي : لا يجب تعيينه وضبطه بالوصف ، وهو اختيار المزني (٢).

وقال أبو حنيفة : إن كان رأس المال مكيلاً أو موزوناً ، وجب ضبط صفاته. وإن كان مذروعاً أو معدوداً ، لم يجب ضبط صفاته (٣) ؛ لأنّ المكيل والموزون يتعلّق العقد بقدره بدليل أنّه لو باع صبرة على أنّها عشرة أقفزة فبانت أحد عشر ، كان له أن يأخذ عشرة ويردّ الباقي ، ولو اشترى ثوباً على أنّه عشرة أذرع فبان أحد عشر ذراعاً ، تخيّر البائع إن شاء سلّم الكلّ ، وإن شاء فسخ ؛ لأنّ العقد تعلّق بعينه.

واحتجّ الشافعي على عدم الحاجة إلى الوصف : بأنّه عوض مشاهد ، فاستغني بمشاهدته عن معرفة قدره ، كبيوع الأعيان (٤) ، وكما لو كان مذروعاً أو معدوداً ، ولا يلزم أعيان الربا ؛ لأنّه لا يحتاج إلى معرفة القدر ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٣ ٣٩٤ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٥ ، المغني ٤ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦٦.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٥.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ٢٠١ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٤.

(٤) انظر : المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٧ ، والمغني ٤ : ٣٦٥ ، والشرح الكبير ٤ : ٣٦٦.

٣٣٣

وإنّما يحتاج إلى معرفة التساوي فيها.

والجواب عمّا قاله أبو حنيفة : أنّه خطأ ؛ لأنّ المكيل والموزون يجوز أن يكون جزافاً في البيع والصداق ، فلو تعلّق بقدره ، لم يجز. وما استشهد به فإنّما كان كذلك ؛ لأنّ المكيل والموزون ينتقص ولا ضرر فيه ، والثوب ينتقص بقطعه ، فلهذا اختلفا ، لا لما ذكره.

وما قاله الشافعي ضعيف ؛ لأنّا نمنع الاكتفاء بالمشاهدة عن معرفة القدر في بيع الأعيان ، بخلاف المذروع ، فإنّه غير واجب العلم بقدر الذرع وكذا العدد.

إذا ثبت ما قلناه ، فلا بدّ من ضبط صفات الثمن ، فما لا يضبط بالوصف مثل الجواهر والأخلاط لا يجوز أن يكون رأس مال السَّلَم ، وإنّما يجوز أن يكون رأس المال ما جاز أن يسلم فيه.

هذا إذا لم يكن مشاهداً ، وأمّا إذا كان مشاهداً ، فلا حاجة إلى الوصف ، بل تجب معرفة القدر ، سواء كان مثليّا أو لا. وبالجملة ، كلّ ما جاز أن يكون ثمناً جاز أن يكون رأس مال السَّلَم ، فإن لم يعرف صفاته ، عيّنه ، فإن انفسخ السَّلَم ؛ لانقطاع المُسْلَم فيه ، ردّ رأس المال إن كان موجوداً ، ومثله إن كان مفقوداً وله مثل ، وإن لم يكن له مثل ، ردّ قيمته. ولو اختلفا في قدره أو قيمته ، فالقول قول المسلم إليه ؛ لأنّه غارم.

مسألة ٤٩٣ : لو كان رأس المال متقوّماً (١) وضُبطت صفاته بالمعاينة ، لم يشترط معرفة قيمته ، كثوبٍ بعضُ صفاته مشاهدة ، وجارية موصوفة ،

__________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « مقبوضاً » بدل « متقوّماً ». والظاهر ما أثبتناه.

٣٣٤

وهو قول أكثر الشافعيّة (١).

وقال بعضهم : فيه قولان (٢).

ولا فرق بين السَّلَم الحالّ والمؤجّل.

وبعض الشافعيّة خصّ القولين بالسَّلَم المؤجّل ، وقطع في الحالّ بالاكتفاء بالمعاينة فيه (٣).

وموضع القولين لهم ما إذا تفرّقا قبل العلم بالقدر والقيمة ، أمّا إذا علما ثمّ تفرّقا ، فلا خلاف في الصحّة (٤).

وليس بجيّد عندنا ، بل القدر يجب أن يكون معلوماً حالة العقد.

وبنى كثير من الشافعيّة على هذين القولين أنّه هل يجوز أن يجعل رأس مال السَّلَم ما لا يجوز السَّلَم فيه؟ إن قلنا بالأصحّ ، جاز ، وإلاّ فلا (٥).

وإذا كان رأس المال جزافاً عنده واتّفق الفسخ وتنازعا في القدر ، كان القول قول المسلم إليه ؛ لأنّه غارم (٦).

البحث السادس : قبض الثمن.

مسألة ٤٩٤ : يشترط في السَّلَم قبض الثمن في المجلس ، فلا يجوز التفرّق قبله ، فإن تفرّقا قبل القبض ، بطل السَّلَم عند علمائنا أجمع وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد (٧) لأنّه عقد لا يجوز فيه شرط تأخير العوض المطلق ، فلا يجوز فيه التفرّق قبل القبض ، كالصرف. ولأنّ المُسْلَم فيه دَيْنٌ‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٥.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٥.

(٧) بدائع الصنائع ٥ : ٢٠٢ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٧ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٢ ٢٤٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٠٢ ، الذخيرة ٥ : ٢٣٠ ، المغني ٤ : ٣٦٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦٣.

٣٣٥

في الذمّة ، فلو أخّر تسليم رأس المال عن المجلس ، لكان ذلك في معنى بيع الكالئ بالكالئ ؛ لأنّ تأخير التسليم ينزّل منزلة الدينيّة في الصرف وغيره. ولأنّ الغرر في المُسْلَم فيه احتمل للحاجة ، فجبر ذلك بتأكيد العوض الثاني بالتعجيل لئلاّ يعظم الغرر في الطرفين.

وقال مالك : يجوز أن يتأخّر قبضه يومين وثلاثة وأكثر ما لم يكن يشترط أو تطول المدّة ؛ لأنّه معاوضة لا يخرج بتأخير قبضه من أن يكون سَلَماً ، فوجب أن لا يفسده ، كما لو أخّره وهُما في المجلس (١).

والفرق ظاهر بين المفارقة قبل القبض في المجلس وفيه ، كالصرف.

مسألة ٤٩٥ : لو قبض بعض الثمن في المجلس ثمّ تفارقا قبل قبض الباقي ، بطل السَّلَم فيما لم يقبض ، كالصرف ، وسقط بقسطه من المُسْلَم فيه. والحكم في المقبوض كما لو اشترى شيئين فتلف أحدهما قبل القبض.

ولو جاءه (٢) المشتري ببعض الثمن في المجلس ، كان للبائع الامتناع من قبضه ؛ للتعيّب بالتشقيص ، بخلاف الدَّيْن ، فإنّ المديون لو دفع بعض الدَّيْن ، وجب على صاحب الدَّيْن قبضه.

ولو كان رأس المال منفعة عبد أو دار مدّة معيّنة ، صحّ ، وكان تسليم تلك المنفعة بتسليم العين.

مسألة ٤٩٦ : لا يشترط تعيين الثمن عند العقد ، فلو قال : أسلمت إليك ديناراً في ذمّتي في كذا ، ثمّ عيّن وسلَّم في المجلس ، جاز.

__________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ٢٠٢ ، الذخيرة ٥ : ٢٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩١ ، المغني ٤ : ٣٦٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦٣.

(٢) في « ي » والطبعة الحجريّة : « جاء ».

٣٣٦

وكذا في الصرف لو باع ديناراً بدينار أو بدراهم في الذمّة ثمّ عيّن وسلم في المجلس ، جاز.

وهذا إذا كان الدينار المطلق منصرفاً إلى نقدٍ معلوم ، أمّا لو تعدّد ، وجب تعيينه.

ولو أسلم طعاماً بطعام في الذمّة ثمّ عيّن وسلم في المجلس ، فإن وصفه بما يرفع الجهالة ، جاز.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : المنع ؛ لأن الوصف فيه يطول ، بخلاف الصرف ، فإنّ الأمر في النقود أهون ، ولهذا يكفي فيها الإطلاق ولا يكفي في العروض.

والثاني : الجواز ، ويصفه كما يصف المُسْلَم فيه. وهذا أظهر عند الشافعيّة (١).

مسألة ٤٩٧ : لا يشترط استمرار قبض الثمن ، فلو سلّمه المشتري إلى البائع ثمّ ردّه البائع إليه وديعةً قبل التفرّق ، جاز بلا خلاف.

ولو ردّه عليه بدَيْنٍ كان له عليه قبل التفرّق ، صحّ ؛ لأنّه قد ملكه بالعقد ، واستقرّ ملكه بالقبض.

وقال بعض الشافعيّة : لا يصحّ ؛ لأنّه تصرّف فيه قبل انبرام (٢) ملكه. فإذا تفرّقا ، صحّ السَّلَم ؛ لحصول القبض وانبرام (٣) الملك ، ويستأنف إقباضه للدَّيْن (٤). وليس بشي‌ء.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٣.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « والتزام » بدل « وانبرام ». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « والتزام » بدل « وانبرام ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٣.

٣٣٧

ولو كان له في ذمّة غيره دراهم فقال : أسلمت إليك الدراهم التي في ذمّتك في كذا ، صحّ ؛ لأنّه مقبوض في ذمّة صاحبه على إشكال.

وقال بعض الشافعيّة : إن شرط الأجل ، فهو باطل ؛ لأنّه بيع الدَّيْن بالدَّيْن.

وإن كان حالاّ ولم يسلّم المُسْلَم فيه قبل التفرّق ، فكذلك.

وإن أحضره وسلم ، فوجهان :

الصحّة ، كما لو صالح من تلك الدراهم على دينار وسلّمه في المجلس.

وأظهرهما : المنع ؛ لأنّ قبض المُسْلَم فيه ليس بشرط أمّا لو لم يعيّن الثمن من المال الذي عليه ثمّ حاسبه بعد العقد من دَيْنه عليه ، جاز قطعاً ولو كان السَّلَم حالاّ ، فلو وجد ، لكان متبرّعاً به ، وأحكام البيع لا تُبنى على التبرّعات ، أفلا ترى أنّه لو باع طعاماً بطعام إلى أجل ثمّ تبرّعا بالإحضار ، لم يجز (١).

وأطلق بعض الشافعيّة الوجهين في أنّ تسليم المُسْلَم فيه (٢) في المجلس وهو حالّ هل يغني عن تسليم رأس المال؟ والأظهر عندهم : المنع (٣).

مسألة ٤٩٨ : لو أحال المشتري البائع بالثمن على غيره فقبل المحال عليه وقبضه البائع منه في المجلس ، صحّ ؛ لحصول القبض في المجلس.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٣.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « إليه » بدل « فيه ». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٣.

٣٣٨

وقال بعض الشافعيّة : لا يصحّ ، سواء قبضه البائع في المجلس أو لا ؛ لأنّه بالحوالة يتحوّل الحقّ إلى ذمّة المحال عليه ، فهو يؤدّيه من جهة نفسه لا من جهة المسلم. ولو قبضه المشتري وسلم إلى البائع ، جاز (١).

ولو قال [ المشتري ] (٢) للمحال عليه : سلّمه إليه (٣) ففعل ، لم يكف في صحّة السَّلَم عندهم ؛ لأنّ الإنسان في إزالة ملكه لا يصير وكيلاً للغير لكن يجعل البائع وكيلاً عن (٤) المشتري في قبض ذلك ، ثمّ السَّلَم يقتضي قبضاً ، ولا يمكنه أن يقبض من نفسه (٥).

والوجه : ما قلناه.

أمّا لو لم يقبض البائع في المجلس ، فالأقوى : بطلان السَّلَم ؛ لعدم القبض في المجلس الذي هو شرط صحّة السَّلَم. ويحتمل الصحّة ؛ لأنّ الحوالة كالقبض.

ولو أحال البائع برأس المال على المشتري فتفرّقا قبل التسليم ، احتمل البطلان وإن جعلنا الحوالة قبضاً وهو قول بعض الشافعيّة (٦) لأنّ المعتبر في السَّلَم القبض الحقيقي. والصحّة ؛ لأنّ الحوالة كالقبض.

ولو أحضر المشتري رأس المال ، فقال البائع : سلّمه إليه ، ففعل ، صحّ ، ويكون المحتال وكيلاً عن البائع في القبض.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٣.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « البائع » بدل « المشتري ». والظاهر ما أثبتناه كما هو ظاهر المصدر.

(٣) في « س » : « لي » بدل « إليه ».

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « غير » بدل « عن ». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٣.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٣.

٣٣٩

ولو كان رأس المال دراهم في الذمّة فصالح عنها على مال ، فالأقرب عندي : الصحّة.

وقال بعض الشافعيّة : لا يصحّ وإن قبض ما صالح عليه (١).

ولو كان الثمن عبداً فأعتقه البائع قبل القبض ، صحّ.

وقال بعض الشافعيّة : لا يصحّ إن لم [ نصحّح ] (٢) إعتاق المشتري قبل القبض ، وإن صحّحناه ، فوجهان.

ووجه الفرق : أنّه لو نفذ ، لصار قابضاً من طريق الحكم ، وأنّه غير كافٍ في السَّلَم بدليل الحوالة ، فعلى هذا إن تفرّقا قبل قبضه ، بطل العقد. وإن تفرّقا بعده ، صحّ. وفي نفوذ العتق وجهان (٣).

مسألة ٤٩٩ : إذا انفسخ السَّلَم بسببٍ وكان رأس المال معيّناً في ابتداء العقد وهو باقٍ ، رجع المشتري إليه. وإن كان تالفاً ، رجع إلى بدله إمّا المثل إن كان مثليّا ، أو القيمة إن لم يكن.

وإن كان موصوفاً في الذمّة ثمّ عجّل في المجلس وهو باقٍ ، فهل له المطالبة بعينه أم للبائع الإتيان ببدله؟ الأقرب : الأوّل ؛ لأنّ المعيّن في المجلس كالمعيّن في العقد.

ويحتمل الثاني ؛ لأنّ العقد لم يتناول تلك (٤) العين.

وللشافعيّة وجهان (٥) كهذين.

تذنيب : لو وجدنا رأس المال في يد البائع واختلفا ، فقال المشتري‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٤.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : لم يصح. وما أثبتناه من المصدر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٤.

(٤) في العزيز شرح الوجيز : « ملك » بدل « تلك ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٤.

٣٤٠