تذكرة الفقهاء - ج ١١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٤٢٩

والفداء الذي يدفعه المولى في جناية العبد؟ إشكال ، أقربه : عدم دخول الفداء ، ودخول المكس ؛ لأنّه من جملة المؤن.

وللشافعيّة وجهان فيهما (١).

ولو استردّ المغصوب بشي‌ء دفعه إلى الغاصب أو غيره ممّن يساعده على ردّه ، لم يدخل.

وهذه العبارات الثلاثة تجري في المحاطّة جريانها في المرابحة.

مسألة ٣٨١ : والمرابحة نوع من البيع ، فإيجابه كإيجابه ، ويزيد : ضمّه الربح والإخبار بالثمن. ويجب العلم به قدراً وجنساً وبقدر الربح وجنسه ، فلو أبهم شيئاً من ذلك ، بطل ؛ لتطرّق الجهالة في أحد العوضين ، فلو قال : بعتك بما اشتريت وربح كذا ، ولم يعلما أو أحدهما قدر الثمن ، بطل.

وكذا لو عيّنا الثمن وجهلا الربح ، مثل أن يقول : الثمن عشرة وقد بعتك بعشرة ومهما شئت من الربح.

ويجب أيضاً ذكر الصرف والوزن مع الاختلاف.

وإذا كان المبيع لم يتغيّر البتّة ، صحّ أن يقول : اشتريته بكذا ، أو : هو عليَّ ، أو : ابتعته ، أو : تقوّم عليَّ ، أو : رأس مالي.

ولو عمل فيه ما لَه زيادة عوض ، قال : اشتريته بكذا وعملت فيه بكذا.

ولو استأجر في ذلك العمل ، صحّ أن يقول : تقوّم عليّ ، ويضمّ الأُجرة وكلّ ما يلزمه من قصّار وصبّاغ وغير ذلك ممّا تقدّم مع علمه بقدر ذلك كلّه.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٧.

٢٢١

مسألة ٣٨٢ : بيع المرابحة مبنيّ على الأمانة ؛ لاعتماد المشتري بنظر البائع واستقصائه وما رضيه لنفسه ، فيرضى المشتري بما رضيه البائع من زيادة يبذلها ، فيجب على البائع حفظ الأمانة بالصدق في الإخبار عمّا اشترى به وعمّا قام به عليه إن باع بلفظ القيام ، فلو اشترى بمائة ثمّ خرج عن ملكه ثمّ اشتراه بخمسين ، فرأس ماله خمسون ، ولا يجوز ضمّ الثمن الأوّل إليه.

ولو اشتراه بمائة وباعه بخمسين ثمّ اشتراه ثانياً بمائة ، فرأس ماله مائة ، ولا يجوز أن يخبر بمائة وخمسين لأجل خسرانه الخمسين.

ولو اشتراه بمائة وباعه بمائة وخمسين ثمّ اشتراه بمائة ، فإن أراد بيعه مرابحةً بلفظ رأس المال ، أو بلفظ « ما اشتريت » أخبر بمائة. ولا يلزمه أن يحطّ عنه ربح البيع الأوّل ، كما لم يجز في الصورة الأُولى ضمّ الخسران إلى المائة وبه قال أبو يوسف ومحمّد والشافعي (١) لأنّ الثمن الذي يخبر به هو الذي يلي بيع المرابحة ، والذي يلي بيع المرابحة مائة ، فجاز أن يخبر بها ، كما لو لم يربح فيها.

وقال أبو حنيفة وأحمد : يجب أن يحطّ ربح البيع الأوّل فيمن يخبر ، فيضمّ أحد العقدين إلى الآخر ؛ لأنّ المرابحة تضمّ فيها العقود ، فيخبر بما يقوم عليه ، كما تضمّ اجرة الخيّاط والقصّار ، فيخبر بما يقوم عليه ، وقد استفاد بهذا العقد الثاني تقرير الربح في العقد الأوّل ؛ لأنّه أَمِن به أن يردّ عليه بعيب ، فلا ينقل بعض ما استفاد للعقد بجميع الثمن (٢).

__________________

(١) بدائع الصنائع ٥ : ٢٢٤ ، المغني ٤ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٦ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٨٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٤ : ٢٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٨.

(٢) بدائع الصنائع ٥ : ٢٢٤ ، المغني ٤ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٦ ١١٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٨١ ٢٨٢ ، حلية العلماء ٤ : ٢٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٢.

٢٢٢

والفرق ظاهر ؛ فإنّ الذمّة لزمته في هذا البيع الذي يلي بيع المرابحة. وتقرير الربح في الأوّل ليس بصحيح ؛ لأنّ العقد الأوّل قد لزم ولم يظهر فيه عيب ، فلا يتعلّق به حكم.

وإن باعه بلفظ « قام عليَّ » فكذلك عندنا ؛ لأنّ الإخبار إنّما هو بالثمن الأخير الذي يلي عقد المرابحة ، والملك الأخير إنّما قام عليه بمائة.

وللشافعيّة وجهان ، أصحّهما عندهم : ما قلناه. والثاني : أنّه لا يخبر إلاّ بخمسين ، فإنّ أهل العرف يعدّون السلعة والحال هذه قائمة عليه بذلك (١).

مسألة ٣٨٣ : يجوز لبائع المتاع شراؤه‌ بزيادة ونقصان حالاّ ومؤجّلاً بعد القبض وقبله ، إلاّ أن يكون موزوناً أو مكيلاً ، فلا يجوز قبل القبض مطلقاً على رأي ، ويكره على رأي ، ويمنع في الطعام خاصّة على رأي ، وقد سبق (٢).

إذا تقرّر هذا ، فإذا باع شيئاً وشرط الابتياع حال البيع ، لم يجز ؛ لاستلزامه الدور ، ويجوز لو كان ذلك من قصدهما ولم يذكراه لفظاً في العقد ، فإذا باع غلامه أو صاحبه أو ولده سلعة ثمّ اشتراها بزيادة من غير شرط الابتياع ، جاز. وإن قصد بذلك الأخبارَ بالزائد ، كره.

وكذا يكره أن يواطئ وكيله فيبيع ما اشتراه منه ثمّ يشتريه بأكثر ليخبر به في المرابحة ؛ لأصالة صحّة العقد ، وهو قول أكثر الشافعيّة (٣).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٨.

(٢) في ج ١٠ ص ١١٩ وما بعدها ، المسألة ٦٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٨.

٢٢٣

وقال بعضهم : لا يجوز ، ويثبت للمشتري الخيار ؛ لأنّه تدليس ، وهو محرَّم في الشرع ، فإذا ظهر له ذلك ، ثبت له الخيار (١).

وليس بجيّد ؛ لأصالة اللزوم والصحّة ، والتدليس ممنوع إذا لم يخبر إلاّ بالواقع.

نعم ، استعمل حيلة شرعيّة ؛ لأنّ للإنسان نقل ملكه عنه وشراءه له.

مسألة ٣٨٤ : إذا اشترى شيئاً من ولده أو أبيه ، جاز أن يبيعه مرابحةً‌ ويخبر بثمنه ـ وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمّد (٢) لأنّه أخبر بما اشتراه به عقداً صحيحاً ، فوجب أن يجوز ، كما لو اشتراه من الأجانب.

وقال أبو حنيفة وأحمد : لا يجوز ذلك حتى يبيّن ؛ لأنّ هؤلاء لا يثبت لهم بشهادته كما لا يثبت لنفسه بقوله ، فصار الشراء منهم كالشراء من نفسه. ولأنّه يحابيهم ، فهُمْ كعبده ومكاتَبه (٣).

وردّ الشهادة ممنوع عندنا. ولو سلّمنا ، فإنّ هذا لا يشبه ردّ الشهادة ؛ لأنّه لم تقبل شهادته لهم للتهمة بتفضيلهم على الأجانب. والشراء لنفسه منه لا تهمة فيه ؛ لأنّ حظّ نفسه عنده أوفر ، فلا يتّهم في ذلك ، فجرى مجرى الشهادة عليهم. وأمّا المكاتب فممنوع. وإن سلّم ، فإنّه غير متميّز من ملكه ، بخلاف الأب والابن.

مسألة ٣٨٥ : إذا حطّ البائع من الثمن بعد انقضاء العقد ، جاز أن يخبر‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٩.

(٢) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٨٥ ، حلية العلماء ٤ : ٢٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٠ ١٩١ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٢٥ ، المغني ٤ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٤.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ٢٢٥ ، المغني ٤ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٤ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٥٦ ، حلية العلماء ٤ : ٢٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٤.

٢٢٤

المشتري بالأصل ، فلو اشتراه بمائة ثمّ حطّ البائع عنه عشرة ، أخبر بالمائة ، سواء كان الحطّ في زمن الخيار لهما أو لأحدهما ، أو لا في زمن الخيار ، وكذا الزيادة ؛ لأنّ الذي وجب بالبيع إنّما هو أصل الثمن ، وعروض السقوط بالإبراء لا يُخرجه عن كونه من الثمن ، والإخبار إنّما هو بالثمن.

وقال الشافعي (١) : إن كان الحطّ قبل استقرار العقد مثل أن يكون في المجلس أو مدّة الخيار ، فإنّه يلحق بالعقد ، ويُخبر بما بعد الحطّ. وإن كان بعد لزوم العقد ، لم يلحق بالعقد. وكذا الزيادة قبل الحطّ.

وقال أبو حنيفة : يلحق بالعقد (٢).

ولو حطّ بعض الثمن بعد لزوم العقد وباع بلفظ « ما اشتريت » لم يلزمه حطّ المحطوط ، وبه قال الشافعي (٣) ، خلافاً لأبي حنيفة (٤).

وإن باعه بلفظ « قام عليَّ » لم يُخبر إلاّ بالباقي.

فإن حطّ الكلّ ، لم يجز بيعه مرابحةً بلفظ « قام ».

ولو حطّ عنه بعض الثمن بعد جريان المرابحة ، لم يلحق الحطّ المشتري ، وبه قال بعض الشافعيّة (٥).

وقال بعضهم : يلحق (٦).

مسألة ٣٨٦ : لو اشترى عبداً بثوبٍ قيمته عشرون وأراد بيعه مرابحة‌

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٦ ، حلية العلماء ٤ : ٢٩٢ ٢٩٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٨١ ، المغني ٤ : ٢٨١.

(٢) بدائع الصنائع ٥ : ٢٢٢ ، حلية العلماء ٤ : ٢٩٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٨١ ، المغني ٤ : ٢٨١.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٢٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٩.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ٢٢٢ ، حلية العلماء ٤ : ٢٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٩.

٢٢٥

بلفظ الشراء أو بلفظ القيام ، ذكر أنّه اشتراه بثوبٍ قيمته كذا ، ولا يقتصر على ذكر القيمة ؛ لأنّ البائع بالثوب يشدّد أكثر ما يشدّد البائع بالنقد.

ولو كان قد اشترى الثوب بعشرين ثمّ اشترى به العبد ، جاز أن يقول : « قام عليَّ بعشرين » ولا يقول : اشتريته بعشرين.

مسألة ٣٨٧ : لو اشتراه بدَيْنٍ له على البائع ، لم يجب الإخبار عنه ، سواء كان مليّاً أولا ، مماطلاً أو لا ، قصد التخلّص من الغريم بالتسامح أو لا.

وقال الشافعي : إن كان مليّاً غير مماطل ، لم يجب الإخبار عنه. وإن كان مماطلاً ، وجب الإخبار عنه ؛ لأنّه يشتري من مثله بالزيادة للتخلّص من التقاضي (١). وليس بشي‌ء.

وكذا لو سامح البائع بزيادة الثمن إمّا لغرضٍ أو لا لغرضٍ ، لم يجب الإعلام بالحال.

مسألة ٣٨٨ : إذا اشترى شيئين صفقةً واحدة أو جملة كذلك ثمّ أراد بيع بعضها مرابحةً ، لم يكن له ذلك‌ مع تقسيط الثمن على الأبعاض ، إلاّ أن يخبر بصورة الحال ، سواء اتّفقت ، كقفيزي حنطة ، أو اختلفت ، كقفيز حنطة وقفيز شعير ، أو عبدين ، أو ثوبين ، أو عبد وثوب ، وسواء ساوى بينهما في التقويم أو لا ، وسواء باع خيارها بالأقلّ أو لا ، إلاّ أن يخبر بصورة الحال في ذلك كلّه ؛ لتفاوت القيم والأغراض. ولأنّ توزيع الثمن على القيمتين تخمين وحزر وظنّ يتطرّق إليه الخطأ غالباً ، فلم يجز.

وقال الشافعي : يجوز مطلقاً ، ويقسّم الثمن على القيمتين ، فما خصّ‌

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٩.

٢٢٦

كلّ واحد منهما فهو ثمنه ؛ لأنّ الثمن ينقسم على المبيع على قدر قيمة المبيع في نفسه ، ولهذا لو باع شقصاً وسيفاً ، فإنّ الشفيع يأخذ الشقص بثمنه فيقوّمان ويقسّم الثمن على قدر القيمتين ، وكذا هنا (١).

وهو ممنوع ؛ لأنّ أخذ الشفعة قهريّ ، فالتجأ فيه إلى التقويم تخليصاً من إبطال حقّه.

وقال أبو حنيفة وأحمد : لا يجوز فيما يقسّم الثمن على القيمة ، وما يتساوى يجوز ، كالطعام (٢).

أمّا لو أخبر بالحال فقال : اشتريت المجموع بكذا وقوّمته مع نفسي فأصاب هذه القطعة من الثمن كذا ، فإنّه يجوز إجماعاً.

مسألة ٣٨٩ : يجب الإخبار بالعيوب المتجدّدة في يد المشتري‌ أو الجناية مثل أن يشتري عبداً صحيحاً بمائة ثمّ يقطع إصبعه ، سواء حدث العيب بآفة سماويّة أو بجنايته أو بجناية أجنبيّ ، أو اشتراه على أنّه صحيح ـ وبه قال الشافعي (٣) لأنّ المشتري يبني العقد على العقد الأوّل ، ويتوهّم بقاء المبيع على حاله التي اشتراها البائع.

ولا فرق بين ما ينقص العين وما ينقص القيمة ، كما في الردّ ، فلو اشترى عبداً بعشرين ثمّ خصاه فزادت قيمته ، فالأقوى وجوب الإخبار‌

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٥ ٢٩٦ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٨٥ ، حلية العلماء ٤ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٩ ١٩٠ ، المغني ٤ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٤.

(٢) مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٣١ ، ١١٠٢ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٨٥ ، حلية العلماء ٤ : ٢٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٣ ، المغني ٤ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٠ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٢٣.

٢٢٧

بالخصاء وإن زادت به القيمة.

وقال أبو حنيفة : لا يجب الإخبار عن العيب الحادث وإن نقصت القيمة إذا كان بآفة سماويّة (١).

مسألة ٣٩٠ : لو اطّلع المشتري على عيبٍ قديم فأسقط أرشه ورضي به ، لم يجب ذكره في المرابحة ، كما لو تسامح معه.

وقال الشافعي : يجب (٢). وليس بمعتمد.

ولو أخذ أرش العيب السابق ، أسقطه من رأس المال ، فلو اشتراه بمائة فوجد به عيباً أخذ أرشه عشرة ، أخبر بتسعين وبه قال الشافعي (٣) لأنّ ما رجع من أرش العيب نقصان من الثمن ؛ لما عرفت أنّ الأرش جزء من الثمن ، بخلاف ما لو حطّ بعض الثمن أو وهبه إيّاه ؛ لأنّ أخذ الأرش قهريّ وذلك اختياريّ ، فافترقا.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يخبر بصيغة « رأس مالي » أو « تقوّم عليّ » أو « هو عليَّ بتسعين » ولا يقول : « اشتريته » لأنّ الشراء كان بما سمّي في العقد.

ولو قال بصيغة « اشتريته » وجب أن يخبر بالمائة ، ويذكر العيب واسترجاع قدر أرشه.

مسألة ٣٩١ : لو اشترى عبداً بمائة فجني عليه في يده فأخذ الأرش ، لم يضعه في المرابحة‌ إن باع بلفظ « اشتريته » وكذا إن قال : « بما قام عليَّ » ولا يجب ذكر الجناية فيهما.

__________________

(١) بدائع الصنائع ٥ : ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٠.

(٣) انظر : التهذيب للبغوي ٣ : ٤٨٤ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ١٩٠.

٢٢٨

وقال الشافعي : إن باع بلفظ الشراء ، ذكر الثمن وأخبر بالجناية. وإن باع بلفظ « قام عليّ » فوجهان :

أحدهما : أنّه نازل منزلة الكسب والزيادات ؛ لأنّه من منافع العبد. ولأنّه لو جنى العبد ففداه ، لم يضمّه إلى الثمن ، والمبيع قائم عليه بتمام الثمن.

وأصحّهما عنده : أنّه يحطّ الأرش من الثمن ، كأرش العيب (١).

وفيه (٢) بعض القوّة ؛ لأنّ المشتري إنّما أخلد إلى البائع وثوقاً بنظره ، وهو إنّما بذل الثمن الكثير في مقابلة السليم ، فيكون المشتري كذلك.

إذا تقرّر هذا ، فالمراد من الأرش هنا على قولهم بوضعه قدر النقصان ، لا المأخوذ بتمامه ، فإذا (٣) قطعت يد العبد وقيمته مائة فنقص ثلاثين (٤) ، يأخذ خمسين ، ويحطّ من الثمن ثلاثين لا خمسين ، وهو أحد قولي الشافعيّة (٥).

وحكى الجويني وجهاً آخر : أنّه يحطّ جميع المأخوذ من الثمن (٦).

وإن نقص من القيمة أكثر من الأرش المقدّر ، حطّ ما أخذ من الثمن ، وأخبر عن قيامه عليه بالباقي وأنّه (٧) نقص من قيمته كذا.

تذنيب : لو جنى العبد في يد المشتري ففداه ، لم يضمّ الفداء إلى رأس ماله ، ويُخبر به ؛ لأنّ الفداء لزمه لتخليص ماله وتبقيته عنده ، فجرى‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٠.

(٢) أي : في الوجه الثاني.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « فلو » بدل « فإذا ».

(٤) الظاهر : ثلاثون.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٠.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٠.

(٧) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « وأن ». والأنسب ما أثبتناه.

٢٢٩

مجرى طعامه وشرابه.

مسألة ٣٩٢ : إذا كان قد اشتراه مغبوناً فيه ، لم يلزمه الإخبار بالغبن ؛ لأنّه باع ما اشترى بما اشترى ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : يلزم ؛ لأنّ المشتري اعتمد على نظره واعتقد أنّه [ لا يحتمل ] (١) الغبن ، فليخبره ليكون على بصيرة فيأمره.

ورجّح أكثرهم الثاني ؛ لأمرين :

أ ـ أنّهم قالوا : لو اشتراه بدَيْنٍ من مماطل ، وجب الإخبار عنه ؛ لأنّ الغالب أنّه يشتري من مثله بالزيادة. وهو ممنوع.

ب ـ لو اشترى من ابنه الطفل ، وجب الإخبار عنه ؛ لأنّ الغالب في مثله الزيادة في الثمن عنه نظراً للطفل واحترازاً عن التهمة ، فإذا وجب الإخبار عند ظنّ الغبن فلأن يجب عند تيقّنه كان أولى (٢).

ولو اشتراه من ولده البالغ أو من أبيه ، فالأصحّ عندهم : أنّه لا يجب الإخبار عنه ، كما لو اشترى من زوجته أو مكاتبه (٣).

وأوجب أبو حنيفة الإخبار عن البائع إذا كان ابناً أو أباً له (٤).

والأصحّ أنّه لا يجب. وكذا لو كان غلامه.

مسألة ٣٩٣ : لو اشتراه بثمن مؤجّل ، وجب الإخبار عنه ؛ لاختلاف الثمن بسببه ، فإنّ الظاهر التفاوت في الثمن بين المعجّل والمؤجّل ، فإنّ‌

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « لا يجهل ». وما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٠.

(٣) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٠ ١٩١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٤.

٢٣٠

المعجّل أقلّ ثمناً والمؤجّل أكثر ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة (١).

فإن باعه وذكر الثمن وأهمل الأجل ، تخيّر المشتري بين الرضا به حالاّ وبين الفسخ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد (٢) لأنّه لم يرض بذمّة المشتري ، وقد تكون ذمّته دون ذمّة البائع ، فلا يلزم الرضا بذلك.

وقال الأوزاعي : يلزمه العقد ، ويثبت في ذمّة المشتري مؤجّلاً (٣) ؛ لأنّه باعه بما اشتراه ، فيثبت على المشتري مؤجّلاً.

ويمنع أنّه باعه بما اشتراه في الوصف ؛ إذ التقدير خلافه ، وأنّه باعه حالاّ.

أمّا لو قال : اشتريته بمائة وبعتك بها على صفتها ، كان للمشتري مثل الأجل.

مسألة ٣٩٤ : إذا أثمر النخل في يد المشتري أو حملت الدابّة أو الأمة في يده أو تجدّد لها لبن أو صوف وشبهه فاستوفاه المشتري ، لم يحطّ النماء‌ المنفصل الذي استوفاه ولا قيمته من رأس المال ، ويُخبر بما اشتراه ؛ لأنّ ذلك فائدة تجدّدت في ملكه ، فإن اشتراها مثمرةً وأخذ الثمرة أو حاملاً ، سقط حصّة الثمرة والولد من الثمن وأخبر (٤) بالحال ، كما لو اشترى عينين وباع أحدهما مرابحةً.

ولا يجب أن يُخبر عن وطئ الثيّب ولا عن مهرها الذي أخذه ، وبه قال الشافعي (٥).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩١.

(٢) المغني ٤ : ٢٨٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٤.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٢٩٥.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « أخبره ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩١.

٢٣١

أمّا لو وطئ البكر ، فإنّه يُخبر به ؛ لأنّه يوجب أرشاً بالاقتضاض.

مسألة ٣٩٥ : إذا باعه بمائة هي رأس ماله وربح كلّ عشرة واحداً ، وكان قد أخبر بأنّ رأس المال مائة ، ثمّ ظهر كذبه وأنّ الثمن تسعون ، لم يبطل البيع من أصله ـ وهو أظهر قولي الشافعي (١) لأنّ سقوط جزء من الثمن المسمّى بضرب من التدليس لا يمنع من صحّة العقد ، ولا يقتضي جهالة الثمن ، كأرش المعيب (٢). ولأنّا لا نسقط شيئاً من الثمن بل نخيّره في الفسخ والإمضاء بالجميع.

وقال الشافعي في الآخر : إنّ البيع باطل وبه قال مالك لأنّ الثمن وقع مجهولاً ، لأنّه غير المسمّى ، فلم يصح (٣). وجوابه تقدّم.

إذا ثبت أنّ البيع صحيح ، فإنّ المشتري يتخيّر بين أخذه بجميع الثمن الذي وقع عقد المرابحة عليه ، وبين الردّ وبه قال أبو حنيفة ومحمّد والشافعي في أحد القولين (٤) لأنّ الثمن مسمّى في العقد ، وإنّما كان فيه تدليس وخيانة ، وذلك يوجب الخيار دون الحطيطة ، كما لو ظهر فيه عيب دلّسه البائع.

والقول الثاني للشافعي : أنّه يأخذه بما ثبت أنّه رأس المال وحصّته‌

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٨٦ ، حلية العلماء ٤ : ٢٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩١.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « البيع » بدل « المعيب ». والظاهر ما أثبتناه كما في هامش « ق ».

(٣) حلية العلماء ٤ : ٢٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩١.

(٤) حلية العلماء ٤ : ٢٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩١ ، بداية المجتهد ٢ : ٢١٥ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٢٦ ، المغني ٤ : ٢٨١ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٢.

٢٣٢

من الربح وبه قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف وأحمد بن حنبل لأنّه باعه إيّاه برأس ماله وما قدّره من الربح ، وإنّما ذكر أكثر من رأس المال ، فإذا كان رأس المال قدراً ، كان متعيّناً به وبالزيادة ، بخلاف العيب (١) ؛ لأنّه لم يرض إلاّ بالثمن المسمّى ، وهنا رضي برأس المال والربح المقرّر (٢).

ويمنع أنّ البيع برأس المال ؛ لأنّه عيّنه بالذكر.

قالت الشافعيّة : إذا قلنا بالصحّة ، فلا يخلو إمّا أن يكون كذبه في هذا الإخبار خيانةً أو غلطاً.

فإن كان خيانةً ، فقولان منصوصان عن الشافعي في اختلاف العراقيّين :

أحدهما وبه قال أحمد ـ : أنّا نحكم بانحطاط الزيادة وحصّتها من الربح ؛ لأنّه يملّك باعتبار الثمن الأوّل فينحطّ الزائد عليه ، كما في الشفعة.

والثاني وبه قال أبو حنيفة ـ : أنّا لا نحكم به ؛ لأنّه سمّى ثمناً معلوماً ، وعقد به العقد فليجب.

وإن كان غلطاً ، فالمنصوص القول الأوّل. والثاني مخرّج من مثله في الحالة الاولى (٣).

مسألة ٣٩٦ : قد بيّنّا أنّه إذا أخبر بالزائد ، يتخيّر المشتري ، وهو أحد قولي الشافعي. وفي الثاني : أنّه يحطّ الزائد وما يصيبه من الربح (٤).

__________________

(١) وردت العبارة في المغني والشرح الكبير هكذا : « فإذا بان رأس المال قدراً ، كان مبيعاً به وبالزيادة ، بخلاف العيب ». فلاحظ.

(٢) المصادر في الهامش (٤) من ص ٢٣٤.

(٣) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٨٦ ، حلية العلماء ٤ : ٢٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٤ ٣٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩١.

(٤) انظر : المصادر في الهامش (٤) من ص ٤٣٤.

٢٣٣

فعلى الانحطاط هل للمشتري الخيار؟ للشافعي قولان :

أظهرهما : نفي الخيار ؛ لأنّه قد رضي بالأكثر فبالأقلّ أولى.

والثاني وبه قال أبو حنيفة أنّه يثبت الخيار ؛ لأنّه إن بان كذبه بالإقرار لم يؤمن كذبه ثانياً وثالثاً. وإن بان بالبيّنة على الشراء أو بالبيّنة على الإقرار ، فقد يخالف الباطن الظاهر. ولأنّه قد يكون له غرض في الشراء بذلك المبلغ لتحلّة قسمٍ أو إنفاذ وصيّة ونحوها (١).

وللشافعيّة طريق آخر : أنّ القول الأوّل محمول على ما إذا تبيّن كذب البائع بالبيّنة ، والثاني على ما إذا تبيّن بالإقرار. والفرق : أنّه إذا ظهر بالبيّنة خيانته ، لم تؤمن خيانته من وجهٍ آخر ، والإقرار يشعر بالأمانة وبذل النصح. والطريقة الاولى أظهر عندهم (٢).

فإن قلنا : لا خيار له ، أو قلنا : له الخيار فأمسك بما يبقى بعد الحطّ ، فهل للبائع الخيار؟ للشافعيّة وجهان ، وقيل : قولان :

أحدهما : نعم ؛ لأنّه لم يسلم له مسمّاه في العقد.

وأظهرهما : المنع ؛ لاستبعاد أن يصير تلبيسه أو غلطه سبباً لثبوت الخيار له (٣).

ومنهم مَنْ خصّ الوجهين بصورة الخيانة ، وقطع بثبوت الخيار عند الغلط (٤).

مسألة ٣٩٧ : قد بيّنّا مذهبنا في ظهور كذب إخبار البائع ، وأنّ المشتري يتخيّر ولا يحطّ شيئاً ، وهو أحد قولي الشافعي (٥). وحينئذٍ إنّما يثبت الخيار‌

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩١.

(٥) انظر : المصادر في الهامش (٤) من ص ٢٣٤.

٢٣٤

له ؛ لأنّه قد غرّه ودلّس عليه ، فلو كان المشتري عالماً بكذب البائع ، لم يكن له خيار ، ويكون بمنزلة ما لو اشترى معيباً وهو عالم بعيبه.

وإذا ثبت الخيار ، فلو قال البائع : لا تفسخ فإنّي أحطّ الزيادة ، سقط الخيار.

وللشافعي وجهان (١).

ولا فرق بين أن يظهر الكذب في قدر الثمن أو جنسه أو وصفه أو حلوله أو قلّة أجله.

مسألة ٣٩٨ : لو ظهر كذب البائع بعد هلاك السلعة ، ففي سقوط خيار المشتري إشكال‌ ينشأ : من أنّه ثبت بحقّ فلا يسقط بهلاك المعقود عليه ، كغيره من أنواع الخيار. ومن أنّ الخيار ثبت لإزالة الضرر ، فلا يثبت مع الضرر ، كالبائع.

واختلفت الشافعيّة :

فقال بعضهم : تحطّ الخيانة وحصّتها من الربح قولاً واحداً.

وقال بعضهم بجريان القولين في الانحطاط ، فإن قلنا بالانحطاط ، فلا خيار للمشتري ؛ لأنّ البائع قد لا يريد القيمة ، فالفسخ وردُّ القيمة يضرّ به. وأمّا البائع فإن لم يثبت له الخيار عند بقاء السلعة ، فكذا هاهنا. وإن أثبتناه ثَمَّ ، ثبت هنا أيضاً ، كما لو وجد بالعبد عيباً والثوب الذي هو عوضه تالف (٢). وإن قلنا بعدم الانحطاط ، فهل للمشتري الفسخ؟ وجهان ، أظهرهما : لا ، كما لو عرف بالعيب بعد تلف المبيع ، ولكن يرجع بقدر‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٢.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « بألف » بدل « تالف » والصحيح ما أثبتناه.

٢٣٥

التفاوت وحصّته من الثمن ، كما يرجع بأرش العيب (١).

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : سقط حقّه ، فلا يفسخ ولا يرجع بشي‌ء ؛ لأنّ الخيار ثبت له من طريق الحكم لا لنقصٍ ، فيسقط بتلف السلعة ، كخيار الرؤية (٢).

وحكي عن محمّد أنّه قال : يردّ القيمة ، ويرجع في الثمن (٣). كما قوّيناه نحن أوّلاً.

وقول أبي حنيفة باطل ؛ لأنّ الخيار ثبت له لتدليس البائع ونقص الثمن عمّا حكاه ، فهو بمنزلة العيب يستره عنه ، ولا يشبه خيار الرؤية ؛ لأنّه يثبت للاختبار ، لا لأجل نقصٍ أو خيانة تثبت. وأمّا الفسخ بعد التلف فإضرار بالبائع ، كما لا يثبت إذا تلف المبيع المعيب في يد المشتري.

مسألة ٣٩٩ : يجب عليه الإخبار بكلّ ما يتفاوت الثمن بسببه‌ على وجهه كالأجل وشبهه من عيب طرأ في يده فنقص أو جناية على ما تقدّم. فلو كذب ، تخيّر المشتري ، وهو أحد قولي الشافعي. وفي الثاني : تحطّ الجناية وقدرها من الربح (٤).

هذا في القدر ، أمّا لو كذب في سلامة المبيع وكان معيباً ، أو في حلول الثمن وكان مؤجّلاً ، هل يكون حكمه حكم القدر؟ قال بعض الشافعيّة بذلك ، فعلى قول الحطّ فالسبيل النظر إلى القيمة ويقسّط الثمن عليها (٥). ونحن لا نقول بذلك.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٢.

(٢) بدائع الصنائع ٥ : ٢٢٦ ، حلية العلماء ٤ : ٣٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٥.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٣٠١.

(٤) الوجيز ١ : ١٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٢.

(٥) الوجيز ١ : ١٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٢.

٢٣٦

مسألة ٤٠٠ : لو كذب بنقصان الثمن ـ بأن قال : كلّ الثمن أو رأس المال أو ما قامت السلعة به عليَّ مائة ، وباع مرابحة لكلّ عشرة درهم ، ثمّ عاد وقال : غلطت والثمن مائة وعشرة فإن صدّقه المشتري ، فالبيع صحيح ؛ لأنّه عقد صدر من أهله في محلّه بثمن معلوم مسمّى ، فيكون صحيحاً ، كغيره من العقود وهو أحد وجهي الشافعيّة (١) كما لو غلط بالزيادة.

وقال بعضهم : البيع باطل ؛ لأنّ العقد لا يحتمل الزيادة ، وأمّا النقصان فهو معهود عند الشرع بدليل الأرش (٢).

وعلى ما اخترناه من صحّة البيع لا تثبت الزيادة كما لا يثبت الحطّ ، لكن للبائع الخيار في فسخ البيع وإمضائه بلا شي‌ء ، وهو أحد وجهي الشافعيّة القائلين به.

والثاني لهم : تثبت الزيادة مع ربحها ، وللمشتري الخيار (٣).

وإن كذّبه المشتري ، وهو قسمان :

أ ـ أن لا يبيّن للغلط وجهاً محتملاً ، فلا تسمع دعواه. ولو أقام بيّنةً ، لم تسمع ؛ لأنّه أقرّ بأنّ الثمن مائة ، وتعلّق بذلك حقّ المشتري ، فلا يقبل رجوعه عنه ولا تُسمع بيّنته ؛ لأنّ إقراره يكذّبها ، بخلاف ما لو أقرّ بأنّ الثمن أقلّ ؛ لأنّه اعترف فيها بما هو حقّ لغيره وضرر عليه. ولأنّ إقراره الثاني يكذّب قوله وبيّنته.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٢.

(٢) التهذيب للبغوي ٣ : ١٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٢ ١٩٣.

٢٣٧

فإن ادّعى علم المشتري بصدقه والتمس تحليفه على أنّه لا يعرف ذلك ، اجيب إليه ؛ لأنّه ربما يقرّ عند عرض اليمين عليه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : لا يجاب ، كما لا تسمع بيّنته (١).

فإن نكل ، تردّ اليمين على المدّعى ، وهو أحد قولي الشافعيّة. والثاني : لا تردّ (٢).

والوجهان مبنيّان على أنّ اليمين المردودة بعد نكول المدّعى عليه كالإقرار من جهة المدّعى عليه أو كالبيّنة من جهة المدّعى؟ وسيأتي تحقيقه فعلى الأوّل تردّ ، لا على الثاني ؛ لأنّ بيّنته غير مقبولة.

وإذا (٣) قلنا بتحليف المشتري ، يحلف على نفي العلم. فإن حلف ، ثبت العقد على ما حلف عليه ، فيثبت المبيع له بمائة وعشرة. وكذا إذا قلنا : لا تعرض اليمين عليه. وإن نكل ورددنا اليمين على البائع ، فإنّه يحلف على القطع أنّه اشتراه بمائة وعشرة. وإذا حلف ، فللمشتري الخيار بين إمضاء العقد بما حلف عليه البائع فيكون الثمن عليه مائةً وأحد وعشرين ، وبين الفسخ ؛ لأنّه دخل في العقد على أن يكون الثمن مائةً وعشرة مع الربح.

ب ـ أن يبيّن للغلط وجهاً محتملاً ، مثل أن يقول : ما كنت اشتريته بنفسه ، بل اشتراه وكيلي وأخبرني أنّ الثمن مائة فبانَ خلافه ، أو ورد عليَّ كتابه فبانَ مزوّراً ، أو يقول : كنت راجعت جريدتي فغلطت من [ ثمن ] (٤)

__________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٣٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٣.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٣٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٣.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « فإذا ».

(٤) أضفناها لأجل السياق.

٢٣٨

متاع إلى غيره ، فتُسمع دعواه للتحليف ؛ لأنّ بيان هذه الأعذار يُجوّز ظنّ صدقه ، وهو قول بعض الشافعيّة (١).

وبعضهم طرد الخلاف في التحليف ، وسماع البيّنة يترتّب على التحليف ، إن قلنا : لا تحليف ، فالبيّنة أولى أن لا تُسمع. وإن قلنا : له التحليف ، ففي البيّنة وجهان ، الأظهر عندهم : سماعها (٢).

وعندنا أنّه يحلف المشتري ، كما إذا أقرّ بإقباض الرهن ثمّ رجع عن ذلك.

وقال أحمد بن حنبل : القول قول البائع مع يمينه ؛ لأنّه لمّا دخل معه المشتري في بيع المرابحة فقد جعله أميناً ، فالقول قوله مع يمينه ، كالوكيل والشريك والمُضارب (٣).

وهو خطأ ؛ لأنّه قبل قوله فيما أخبر به من الثمن ، وذلك لا يصير به أميناً له ، كما لو أخبره بقدر المبيع ، فإن قال : بعتك هذه الصبرة وهي عشرة أقفزة ، فقبل قوله ثمّ بانت تسعة وأنكر البائع ذلك ، لم يقبل قوله. ويفارق الوكيل والشريك ؛ لأنّه استنابه في التصرّف عنه فقبل قوله عليه ، بخلاف المتنازع.

مسألة ٤٠١ : إذا قال : رأس مالي مائة درهم بعتك بها وربح كلّ عشرة واحداً ، اقتضى أن يكون الربح من جنس الثمن الأوّل. وكذا لو قال : بعتك بمائة وربح عشرة.

ويجوز أن يجعل الربح من غير جنس الأصل.

ولو قال : اشتريت بكذا وبعتك به وربح درهم على كلّ عشرة ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٣.

(٣) المغني ٤ : ٢٨٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٣ ، حلية العلماء ٤ : ٣٠٤.

٢٣٩

فالربح يكون من جنس نقد البلد ؛ لإطلاقه الدرهم ، والأصل مثل الثمن ، سواء كان من نقد البلد أو غيره.

مسألة ٤٠٢ : لو انتقل إليه بغير عوض ، كالهبة ، لم يجز بيعه مرابحةً ، سواء قوّمها بثمنٍ مساوٍ أو أزيد أو أنقص ، إلاّ أن يبيّن الحال في ذلك ، ولا يكفي بيان قدر القيمة من غير تعريف الحال.

ولو اتّهب بشرط الثواب فذكره وباع به مرابحةً ، فإن كان قد بيّن ذلك للمشتري ، جاز ، وإلاّ فلا.

وقالت الشافعيّة : يجوز (١) ، من غير تفصيل.

ولو آجر داره بعبدٍ أو نكحت المرأة رجلاً على عبد ، أو خالع زوجته عليه ، أو صالح عن الدم عليه ، لم يجز بيع العبد مرابحةً بلفظ الشراء. ولو أخبر بالحال ، جاز « بما قام عليَّ ».

ويذكر في الإجارة أُجرة مثل الدار ، وفي النكاح والخلع مهر المثل ، وفي الصلح عن الدم الدية.

واعلم أنّ الفقهاء أطبقوا على تجويز المرابحة فيما إذا قال : بعت بما اشتريت وربح كذا ، أو : بما قام عليَّ وربح كذا ، ولم يذكروا فيه خلافاً ، واختلفوا فيما لو أوصى بنصيب ولده ، فقال بعضهم : لا يصحّ بل يصحّ لو قال : مثل نصيب ولدي (٢).

والظاهر أنّهم اقتصروا هنا على ما هو الأصحّ ، وإلاّ فلا فرق بين الأمرين.

مسألة ٤٠٣ : إذا دفع التاجر إلى الدلاّل ثوباً أو غيره وقوّمه عليه‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٤.

٢٤٠