تذكرة الفقهاء - ج ١١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٤٢٩

والأصح عندهم : أنّه يثبت له الردّ ؛ لأنّه مقصود لتربية الجَحْش (١).

وهل يردّ معها شيئاً؟ مبنيّ على طهارة لبنها.

فعلى قول أكثرهم هو نجس ، ولا يردّ معه شيئاً.

وقال الإصطخري منهم : إنّه طاهر ، فيردّ معها ما يردّ مع الشاة (٢).

ولو اشترى جاريةً فوجدها مصرّاة ، فلا خيار له عندنا ؛ لأنّ لبنها غير مقصود غالباً إلاّ على ندور ، فإنّ اللبن في الآدميّات غير مقصود بالذات ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

وأصحّهما عندهم : أنّه يثبت به الخيار ؛ لأنّ غزارة ألبان الجواري مطلوبة في الحضانة ، مؤثّرة في القيمة ، ويختلف ثمنها بذلك. ولأنّه إذا كثر لبنها حسن بدنها ، فكان تدليساً (٣).

وليس بشي‌ء ؛ لندوره.

وعلى تقدير الردّ هل يردّ معها شيئاً؟ وجهان للشافعيّة :

أحدهما : يردّ ؛ لأنّ اللبن فيها مقصود ، ولهذا يثبت الردّ ، فيردّ صاعاً من تمر.

والثاني : لا يردّ شيئاً ؛ لأنّ لبن الآدميّات لا يباع عادةً ، ولا يعتاض عنه غالباً (٤).

مسألة ٢٨١ : إذا ردّ المصرّاة ، ردّ معها اللبن الذي احتلبه منها. فإن كان قد تغيّر وصفه حتى الطراوة والحلاوة ، دفع الأرش. ولو فقد ذلك اللبن ،

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٠ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٢٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٤١ ٢٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣١.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٠ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٢٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٤١ ٢٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣١.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٠ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٢٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣١.

(٤) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٠ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٢٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣١.

١٠١

دفع مثله ؛ لأنّه ملك البائع ، لأنّ العقد وقع عليه ؛ لأنّه كان موجوداً حال العقد ، فيجب ردّه عليه ، وأقرب الأشياء إليه مثله ، فينتقل إليه مع عدمه. فإن تعذّر المثل أيضاً ، فالقيمة وقت الدفع.

وكذا لو تغيّر تغيّراً فاحشاً بحيث يخرج عن حدّ الانتفاع ، فهو كالتالف.

ولو ردّها قبل الحلب ، فلا شي‌ء عليه ؛ لأنّه لم يتصرّف.

وقالت الشافعيّة : إن كان ظهور التصرية قبل الحلب ، ردّها (١) ، ولا شي‌ء عليه. وإن كان بعده ، فاللبن إمّا أن يكون باقياً أو تالفاً ، فإن كان باقياً ، فلا يكلّف المشتري ردّه مع المصرّاة ؛ لأنّ ما حدث بعد البيع ملكٌ له وقد اختلط بالمبيع وتعذّر التمييز ، وإذا أمسكه ، كان بمثابة ما لو تلف (٢).

والوجه : أنّه يكون شريكاً ، ويقضى بالصلح ؛ لعدم التمكّن من العلم بالقدر.

ولو أراد ردّه ، وجب على البائع أخذه ؛ لأنّه أقرب إلى استحقاقه من بدله ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والأصحّ عندهم : عدم الوجوب ؛ لذهاب طراوته بمضيّ الزمان (٣).

واتّفقوا على أنّه لو حمض وتغيّر ، لم يكلّف أخذه (٤).

والأقرب : ذلك إن خرج عن حدّ الانتفاع ، وإلاّ وجب مع الأرش.

وإن تلف اللبن ، دفع المصرّاة وصاعاً من تمر (٥) ؛ للخبر (٦).

والمعتمد : ما قلناه ، ووجوب صاع التمر لو ثبت ، لكان في صورة تعذّر اللبن ومثله ومساواته للقيمة.

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « ردّه ». وما أثبتناه يقتضيه سياق العبارة.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٠.

(٦) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٩٦ ، الهامش (٤).

١٠٢

ولا يخرج ردّها على الخلاف في تفريق الصفقة عند الشافعي ؛ لتلف بعض المبيع وهو اللبن ؛ لأنّ الأخبار وردت بدفع صاع التمر مع دفع العين (١).

وهل يتعيّن للضمّ إليها جنس التمر؟ اختلفت الشافعيّة على طريقين :

قال أبو إسحاق وغيره : إنّه يتعيّن التمر ، ولا يعدل عنه ؛ لقوله عليه‌السلام : « وصاعاً من تمر » (٢) فإن أعوز التمر أو كان في موضع يعزّ فيه التمر وكانت قيمته قيمةَ الشاة أو أكثر من نصف قيمتها ، دفع إليه قيمته بالحجاز حين الدفع ؛ لأنّا لو دفعنا إليه قيمة التمر وكان أكثر من قيمة الشاة ، دفعنا إليه البدل والمبدل.

وعلى هذا لو كانت قيمته بالحجاز أكثر من قيمة الشاة ما حكمه؟ قال (٣) بعض الشافعيّة : يدفع إليه التمر وإن كانت قيمته أكثر من قيمة الشاة ؛ لأنّه وجب بسببٍ آخر ، وهو إتلاف اللبن ، كما إذا زادت قيمة المبيع في يده حتى تضاعفت ثمّ وجد بالثمن عيباً ، فإنّه يردّه ويسترجع المبيع وقد زادت قيمته.

والطريق الثاني : أنّه لا يتعيّن التمر.

وعلى هذا القول للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّ القائم مقامه الأقوات ، كما في صدقة الفطر ؛ لأنّه قد ردّ صاعاً من تمر. وفي حديثٍ أنّه « إن ردّها ردّ معها مثلَيْ أو مِثْل لبنها قَمْحاً » (٤) فالمراد أنّه يردّ صاعاً من غالب قوت البلد ، ولمّا كان غالب قوت الحجاز التمرَ نصّ عليه ، وهو الأصحّ عندهم ، لكن لا يتعدّى إلى الأقط ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٠.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٩٦ ، الهامش (٤).

(٣) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « وقال ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٥٣ ، ٢٩٤٠ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٧١ ، ٣٤٤٦.

١٠٣

بخلاف ما في صدقة الفطر.

وعلى هذا فوجهان :

أحدهما : أنّه يتخيّر بين الأقوات ؛ لأنّ في بعض الروايات ذكر التمر وفي بعضها ذكر القمح ، فأشعر بالتخيير.

وأصحّهما : أنّ الاعتبار بغالب قوت البلد ، كما في صدقة الفطر ، وهو قول مالك.

والثاني حكاه بعض الشافعيّة : أنّه يقوم مقامه غير الأقوات حتى لو عدل إلى مثل اللبن أو إلى قيمته عند إعواز المثل ، اجبر البائع على القبول اعتباراً بسائر المتلفات.

هذا كلّه فيما إذا لم يرض البائع ، فإن تراضيا على غير التمر من قوت أو غيره أو ردّ اللبن المحلوب عند بقائه ، جاز إجماعاً (١).

وحكى القاضي ابن كج من الشافعيّة وجهين في جواز إبدال التمر بالبُرّ عند اتّفاقهما عليه (٢).

مسألة ٢٨٢ : نحن لمّا أوجبنا ردّ العين أو المثل أو القيمة مع تعذّرهما سقط عنّا التفريع الآتي.

أمّا مَنْ أوجب الصاع من التمر أو البُرّ فللشافعيّة وجهان في القدر ، أصحّهما : أنّ الواجب صاع قلّ اللبن أو كثر ؛ لظاهر الخبر (٣) ، لأنّ اللبن الموجود عند البيع يختلط بالحادث بعده ويتعذّر التمييز ، فقطع الشارع الخصومةَ بينهما بتعيّن بدلٍ له ، كما أوجب الغُرّة (٤) في الجنين مع اختلاف‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٠ ٢٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٠.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٩٦ ، الهامش (٤).

(٤) الغُرّة : العبد أو الأمة. الصحاح ٢ : ٧٦٨ « غرر ».

١٠٤

الأجنّة ذكورةً وأُنوثةً ، وأرشَ الموضحة مع اختلافها صغراً وكبراً.

والثاني : أنّ الواجب يتقدّر بقدر اللبن ؛ لقوله عليه‌السلام : « من ابتاع مُحفّلةً فهو بالخيار ثلاثة أيّام فإن ردّها ردّ معها مثل أو مثلي لبنها قمحاً » (١) وعلى هذا فقد يزيد الواجب على الصاع وقد ينقص.

ومنهم مَنْ خصّ هذا الوجه بما إذا زادت قيمة الصاع على نصف قيمة الشاة ، وقطع بوجوب الصاع فيما إذا نقصت عن النصف. ومنهم مَنْ أطلقه إطلاقاً (٢).

وعلى القول بالوجه الثاني قال الجويني : تعتبر القيمة الوسطى للتمر بالحجاز ، وقيمة مثل ذلك الحيوان بالحجاز ، فإذا كان اللبن عُشْر الشاة مثلاً ، أوجبنا من الصاع عُشْر قيمة الشاة (٣).

ولو اشترى شاة بصاع تمر فوجدها مصرّاة ، فعلى الأصحّ عند الشافعيّة أنّه يردّها وصاعاً ، ويستردّ الصاع الذي هو ثمن (٤).

وعلى الوجه الثاني لهم : تقوّم مصرّاة وغير مصرّاة ، ويجب بقدر التفاوت من الصاع (٥).

أمّا غير المصرّاة فإذا حلب لبنها ثمّ ردّها بعيب ، لم يكن له ذلك عندنا ، بل له الأرش ؛ لأنّ التصرّف مانع من الردّ ، والحلب تصرّف.

وعند الشافعي يردّ بدل اللبن كما في المصرّاة (٦).

وله قول آخر : أنّه لا يردّه ؛ لأنّه قليل غير معنيّ بجمعه ، بخلاف ما في المصرّاة (٧).

والجويني خرّج ذلك على أنّ اللبن هل يأخذ قسطاً من الثمن أولا؟

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ١٠٣ ، الهامش (٤).

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣١.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣١.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣١.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣١.

١٠٥

والصحيح عندهم : الأخذ (١).

مسألة ٢٨٣ : لو لم يقصد البائع التصرية لكن ترك الحلب ناسياً أو لشغل عرض أو تحفّلت هي بنفسها ، فالأقرب : ثبوت الخيار ؛ لأنّ ضرر المشتري لا يختلف ، فكان بمنزلة ما لو وجد بالمبيع عيباً لم يعلمه البائع.

ويحتمل ضعيفاً : سقوط الخيار ؛ لعدم التدليس.

وللشافعيّة وجهان (٢) كالاحتمالين.

مسألة ٢٨٤ : قد بيّنّا أنّ التصرية إنّما تثبت في الأنعام.

وقال الشافعي : تثبت في سائر الحيوانات المأكولة (٣).

وهذا الخيار منوط بخصوص التصرية ، وقد يلحق بها التدليس ، فلو حبس ماء القناة أو الرحى ثمّ أرسله عند البيع أو الإجارة فتخيّل المشتري كثرته ثمّ ظهر له الحال ، فله الخيار.

وكذا لو حمّر وجه الجارية أو سوّد شعرها أو جعّده أو أرسل الزنبور في وجهها فظنّها المشتري سمينةً ثمّ بان الخلاف ، فله الخيار.

أمّا لو لطخ ثوب العبد بالمداد فتخيّل المشتري كونه كاتباً ، فلا خيار فإنّ الذنب فيه للمشتري حيث اغترّ بما ليس فيه كثير تغرير ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : يثبت ؛ لأنّه تدليس (٤).

وكذا لو علف (٥) الدابّة كثيراً فظنّها المشتري حبلى ، أو كانت الشاة‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣١.

(٢) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٢٩ ، حلية العلماء ٤ : ٢٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣١.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ٢٤١ ٢٤٢ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣١ ، منهاج الطالبين : ١٠٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٢.

(٥) في « ق ، ك‍ » : « أعلف ».

١٠٦

عظيمةَ الضرع خلقةً فظنّ كثرة اللبن ؛ لأنّه لا يتعيّن في الجهة التي يظنّها ، فلا خيار.

وللشافعيّة وجهان (١).

مسألة ٢٨٥ : لو اشترى مصرّاةً ورضي بها ثمّ وجد بها عيباً آخر ، ثبت له الردّ‌ إن لم يكن قد تصرّف بالحلب. وأمّا إن تصرّف به ، فلا ردّ.

وعند الشافعيّة التصرّف غير مسقط للردّ ، فيثبت له الردّ كما لو وجد بالمبيع عيباً فرضي به ثمّ وجد عيباً آخر ، ثبت له الردّ ويردّ بدل اللبن (٢).

وفيه وجه آخر : أنّه كما لو اشترى عبدين فتلف أحدهما وأراد ردّ الآخر ، فيخرّج على تفريق الصفقة (٣).

فإن قيل : فهلاّ قلتم : لا يثبت ؛ لأنّ اللبن مبيع وقد تلف في يده ، ولا يجوز ردّ المبيع بعد (٤) تلف شي‌ء منه؟

أجابوا : بأنّ التلف هنا لاستعلام العيب ، وهو لا يمنع الردّ. وكذا لو جزّ الشاة فوجدها معيبةً ، إن كان الجزّ للاستعلام ، كان له الردّ ، وإلاّ فلا (٥).

وعندنا أنّ ذلك يمنع الردّ دون المصرّاة ؛ للخبر (٦).

مسألة ٢٨٦ : لو ظهرت التصرية لكن درّ اللبن على الحدّ الذي كان يدرّ مع التصرية واستمرّ كذلك ، فلا خيار ؛ لزوال الموجب له.

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٢ ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٢.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٢٤٢ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٢.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ٢٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٢.

(٤) في « ق ، ك‍ » : « مع » بدل « بعد ».

(٥) لم نعثر على الإشكال والجواب فيما بين أيدينا من المصادر.

(٦) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٩٦ ، الهامش (٣).

١٠٧

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما. والثاني : لا يسقط ؛ لثبوته بمجرّد التصرية (١).

وكذا الوجهان إذا لم يعرف المشتري بالعيب القديم إلاّ بعد زواله ، وكذا لو اعتقت الأمة تحت العبد ولم يعرّف بعتقها حتى عُتق الزوج (٢).

مسألة ٢٨٧ : إذا اشترى شاةً على أنّها لبون ، صحّ الشراء ـ وبه قال الشافعي (٣) لأنّه شرط لا يخالف الكتاب والسنّة ، وهو مقصود للعقلاء.

وإن اشتراها على أنّها تحلب كلّ يوم كذا رطلاً ، لم يصحّ ؛ لأنّ اللبن يختلف ، فلا يصحّ الشرط.

ولو اشتراها على أنّها حامل ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه يصحّ ؛ لأنّ الحمل يعلم في الظاهر ويتعلّق به أحكام.

والثاني : لا يصحّ ؛ لأنّه لا يعلم (٤). وليس بشي‌ء.

مسألة ٢٨٨ : لو ماتت الشاة المصرّاة أو الأمة المدلَّسة ، فلا شي‌ء للمشتري ؛ لأنّ الردّ امتنع بموتها ، والأرش يتبع العيب ولا عيب هنا. ولو زالت التصرية قبل انتهاء الثلاثة ، فلا خيار. ولو زالت بعدها ، ثبت.

المطلب الثاني : في الأحكام.

مسألة ٢٨٩ : خيار الشرط يثبت في كلّ عقد‌ سوى الوقف والنكاح ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٤.

(٤) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣٢٤ ، حلية العلماء ٤ : ١١٢ ، الوجيز ١ : ١٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣.

١٠٨

ولا يثبت في الطلاق ولا العتق ولا الإبراء ، فإن تصرّف المشتري ، سقط الخيار ؛ لأنّ تصرّفه قبل انقضاء مدّة الشرط دليل على الرضا بلزوم العقد. وكذا لو أسقط خياره.

ولو كان الخيار للبائع أو مشتركاً فأسقط البائع خياره ، سقط. ولو تصرّف البائع ، فهو فسخ.

ولو أذن أحدهما للآخر في التصرّف فتصرّف ، سقط الخياران. ولو لم يتصرّف ، سقط خيار الآذن دون المأمور ؛ لأنّه لم يوجد منه تصرّفٌ فعليّ ولا قوليّ.

مسألة ٢٩٠ : لا يبطل الخيار بتلف العين ، بل إن كان مثليّا فاختار صاحبه الفسخ ، طالَبه بالمثل. وإن لم يكن مثليّا ، طالَب بالقيمة.

أمّا لو ظهر المشتري على عيب في العبد بعد موته ، فلا ردّ ؛ إذ لا مردود.

وكذا لو قُتل أو تلف الثوب أو أُكل الطعام ، فليس له الردّ هنا قطعاً.

وكذا لو خرجت العين عن قبول النقل من شخص إلى آخَر ، فلا ردّ ، كما لو أعتق العبد أو أولد الجارية أو وقف الضيعة ثمّ عرف كونه معيباً ، فقد تعذّر الردّ إمّا لتصرّفه في العين ، كما هو مذهبنا ، أو لأنّه لا يتمكّن من نقل العين إلى البائع بالردّ ، كما هو مذهب الشافعي (١).

نعم ، يرجع على البائع بالأرش وبه قال الشافعي وأحمد (٢) لأنّه عيب لم يرض به وَجَده بعد اليأس من الردّ ، فوجب أن يكون له الرجوع بأرش العيب ، كما لو أعتقه ثمّ وجد به عيباً.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٤ ، المغني ٤ : ٢٦٩.

(٢) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٤ ، المغني ٤ : ٢٦٩.

١٠٩

وقال أبو حنيفة : إذا قتله خاصّة ، لا يرجع بأرش العيب ، كما لو باعه (١).

وليس بجيّد ؛ لأنّ البيع لا يتعلّق به الضمان ، وإنّما يتعلّق بالتسليم. ولأنّه في البيع لم ييأس من الردّ.

مسألة ٢٩١ : والأرش جزء من الثمن‌ نسبته إليه نسبة ما ينقص العيب من قيمة المبيع لو كان سليماً إلى تمام القيمة ، وإنّما كان الرجوع بجزء من الثمن ؛ لأنّه لو بقي كلّ المبيع عند البائع ، كان مضموناً عليه بالثمن ، فإذا احتبس جزء منه ، كان مضموناً بجزء من الثمن ، فلو كانت القيمة مائةً دون العيب وتسعين مع العيب ، فالتفاوت بالعشر ، فيكون الرجوع بعُشْر الثمن إن كان مائتين ، فبعشرين ، وإن كان بخمسين ، فبخمسة.

ومتى تُعتبر قيمته؟ يحتمل أن يكون الاعتبار بقيمته يوم البيع ؛ لأنّ الثمن يومئذٍ قابَل المبيع. وأن يكون الاعتبار بقيمته يوم القبض ؛ لأنّه يوم دخول المبيع في ضمانه. وأن يكون الاعتبار بأقلّ الثمنين منهما ؛ لأنّ القيمة إن كانت يوم البيع أقلّ ، فالزيادة حدثت في ملك المشتري. وإن كانت يوم القبض أقلَّ ، فما نقص من ضمان البائع.

وللشافعيّة وجوه ثلاثة كالاحتمالات ، وأكثرهم قطع باعتبار أقلّ القيمتين (٢).

ولو اختلف المقوّمون ، أُخذ بالأوسط.

وإذا ثبت الأرش ، فإن كان الثمن بَعْدُ في ذمّة المشتري ، برئ عن قدر الأرش عند طلبه ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة. والآخر : أنّه لا يتوقّف على‌

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٥ ، المغني ٤ : ٢٦٩.

(٢) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٤.

١١٠

الطلب ، بل يبرأ بمجرّد الاطّلاع على العيب (١).

وإن كان قد سلّمه وهو باقٍ في يد البائع ، فالأقرب : أنّه لا يتعيّن حقّ المشتري فيه ، بل للبائع إبداله ؛ لأنّه غرامة لحقته ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والأظهر عندهم : أنّه يتعيّن لحقّ المشتري (٢).

ولو كان المبيع باقياً والثمن تالفاً ، جاز الردّ ويأخذ مثله إن كان مثليّا ، وقيمته إن كان متقوّماً أقلّ ما كانت من يوم البيع إلى يوم القبض ؛ لأنّها إن كانت يوم العقد أقلّ ، فالزيادة حدثت في ملك البائع. وإن كانت يوم القبض أقلّ ، فالنقص من ضمان المشتري.

ويجوز الاستبدال عنه كما في القرض. وخروجه عن ملكه بالبيع ونحوه كالتلف.

ولو خرج وعاد ، فهل يتعيّن لأخذ المشتري أو للبائع إبداله؟ الأقرب : الأوّل ، وهو أحد قولي الشافعيّة. والثاني : أنّ للبائع إبداله (٣).

وإن كان الثمن باقياً بحاله ، فإن كان معيّناً في العقد ، أخذه.

وإن كان في الذمّة ونقده ، ففي تعيّنه لأخذ المشتري للشافعيّة وجهان (٤). وإن كان ناقصاً ، نُظر إن تلف بعضه ، أخذ الباقي وبدل التالف.

وإن رجع النقصان إلى الصفة ، كالشلل ونحوه ، ففي غرامة الأرش للشافعيّة وجهان ، أصحّهما : العدم ، كما لو زاد زيادة متصلة ، يأخذها مجّاناً (٥).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٥.

١١١

فروع :

أ ـ لو لم تنقص القيمة بالعيب ، كما لو اشترى عبداً فخرج خصيّاً ، كان له الردّ ؛ لأنّه نقص في الخلقة خارج عن المجرى الطبيعي ، فكان له الردّ.

وفي الأرش إشكال ينشأ عن عدم تحقّقه ؛ إذ لا نقص في الماليّة هنا.

وقالت الشافعيّة : لا أرش له ولا ردّ (١).

ب ـ لو اشترى عبداً بشرط العتق ثمّ وجد به عيباً ، فإن كان قبل العتق ، لم يجب عليه أخذه ، وكان له الردّ. فإن أخذه ، كان له ذلك والمطالبة بالأرش ؛ لأنّ الخيار له.

وإن ظهر على العيب بعد العتق ، فلا سبيل إلى الردّ ؛ لأنّ العتق صادف ملكاً فغلب جانبه ، ويثبت له الأرش ، خلافاً لبعض الشافعيّة ؛ لأنّه وإن لم يكن معيباً لم يمسكه (٢). وهذا ليس بشي‌ء.

ج ـ لو اشترى مَنْ يعتق عليه ثمّ وجد به عيباً ، فالأقوى أنّ له الأرش دون الردّ ؛ لخروجه بالعتق.

وللشافعيّة في الأرش قولان : الثبوتُ وعدمُه (٣).

مسألة ٢٩٢ : لو زال ملكه عن المبيع ثمّ عرف العيب ، لم يكن له الردّ لا في الحال ولا فيما بعده وإن عاد إليه بفسخ أو بيع وغيره ؛ لأنّه قد تصرّف في المبيع ، وقد بيّنّا أنّ التصرّف مبطل للردّ ، لكن له الأرش ، سواء زال الملك بعوض كالبيع والهبة بشرط الثواب ، أو بغير عوض.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٥.

١١٢

وقالت الشافعيّة : إن زال الملك بعوض ، فقولان :

أحدهما : له الأرش ؛ لتعذّر الردّ ، كما لو مات العبد أو أعتقه ، وهذا تخريج ابن سريج. وعلى هذا لو أخذ الأرش ثمّ ردّه عليه مشتريه بالعيب ، فهل يردّه مع الأرش ويستردّ الثمن؟ وجهان.

والثاني وهو الصحيح عندهم ، وهو منصوص الشافعي ـ : أنّه لا يرجع بالأرش. وفي تعليله خلاف (١).

قال أبو إسحاق وابن الحدّاد : لأنّه استدرك الظلامة ببيعه وروّج العيب كما رُوّج عليه (٢).

وقال ابن أبي هريرة : لأنّه ما أيس من الردّ فربما يعود إليه ويتمكّن منه ، فلم يكن له الرجوع بالأرش ، كما لو قدر على ردّه في الحال.

وأجابوا عن الأوّل : بأنّه لم يستدرك ظلامته ، بل غبن المشتري في البيع. ولأنّه لم يحصل له استدراك الظلامة من جهة مَنْ ظلمه ، فلا يسقط حقّه بذلك (٣).

والصحيح عندنا ما قلناه من أنّ له الرجوع بالأرش قال أصحاب مالك : وهذا هو الصحيح من مذهب مالك (٤) ؛ لأنّ البائع لم يغرمه ما أوجبه العقد ، فكان له الرجوع عليه كما لو أعتقه أو كاتبه. ولأنّه عندنا يتخيّر المشتري مطلقاً بين الردّ والرجوع بالأرش مع عدم التصرّف ، ومعه يثبت له الأرش لا غير.

وكونُه لا ييأس من الردّ ، فأشبه ما إذا كان قادراً على الردّ لا يُسقط حقَّ المشتري من طلب الأرش عندنا.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٥.

(٤) بداية المجتهد ٢ : ١٧٩ ١٨٠ ، التفريع ٢ : ١٧٤.

١١٣

وإن زال الملك بغير عوض ، فعلى تخريج ابن سريج يرجع بالأرش. وعلى المنصوص وجهان مبنيّان على التعليلين : إن علّلنا باستدراك الظلامة ، يرجع ؛ لأنّه لم يستدرك الظلامة. وإن علّلنا بعدم اليأس من الردّ ، فلا ؛ لأنّه ربما يعود إليه (١).

مسألة ٢٩٣ : لو ظهر على العيب بعد بيعه على آخر ، فقد قلنا : إنّه لا ردّ له ، سواء ردّ عليه أو لا ، بل له الأرش ، فإن ظهر المشتري الثاني على العيب فردّه على الأوّل بالعيب ، لم يكن للأوّل ردّه على البائع ؛ لأنّه ببيعه قد تصرّف فيه ، والتصرّف عندنا يُسقط الردَّ ، وإنّما له الأرش خاصّة.

وقال الشافعي : له الردّ بناءً منه على أنّ هذا التصرّف لا يمنع الردّ. ولأنّه زال التعذّر الذي كان ، وتبيّن أنّه لم يستدرك (٢) الظلامة ، وليس للمشتري الثاني ردّه على البائع الأوّل ؛ لأنّه ما تلقّى الملك منه (٣).

ولو حدث عيب في يد المشتري الثاني ثمّ ظهر عيبٌ قديم ، فعلى التعليل بتعذّر الردّ : للمشتري الأوّل أخذ الأرش من بائعه ، كما لو لم يحدث عيب ، ولا يخفى الحكم بينه وبين المشتري الثاني.

وعلى التعليل الآخر : إن قَبِله المشتري الأوّل مع العيب الحادث ، خيّر بائعه ، إن قَبِله ، فذاك ، وإلاّ ، أخذ الأرش منه (٤).

وقال بعضهم : لا يأخذ الأرش ، واسترداده رضا بالعيب (٥).

وإن لم يقبله وغرم الأرش للثاني ، ففي رجوعه بالأرش على بائعه‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٥.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « ولأنّه زال للتعذّر الذي كان ويئس أن أنّه يستدرك ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز » و « روضة الطالبين ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٧ ٢٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٥ ١٣٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٦.

١١٤

وجهان :

أحدهما : عدم الرجوع وبه قال ابن الحدّاد لأنّه ربّما قَبِله بائعه أو قَبِله هو ، فكان متبرّعاً بغرامة الأرش.

وأظهرهما : أنّه يرجع ؛ لأنّه ربّما لا يقبله بائعه فيتضرّر (١).

وقال بعضهم : يمكن بناء هذين الوجهين على ما سبق من المعنيين : إن علّلنا بالأوّل ، فإذا غرم الأرش ، زال استدراك الظلامة ، فيرجع. وإن علّلنا بالثاني ، فلا يرجع ؛ لأنّه ربّما يرتفع العيب الحادث فيعود إليه. وعلى الوجهين معاً لا يرجع ما لم يغرم للثاني ، فإنّه ربّما لا يطالبه الثاني بشي‌ء فيبقى مستدركاً للظلامة (٢).

ولو كانت المسألة بحالها وتلف المبيع في يد المشتري الثاني أو كان قد أعتقه ثمّ ظهر العيب القديم ، رجع الثاني على الأوّل بالأرش ، ورجع الأوّل بالأرش على بائعه بلا خلاف ؛ لحصول اليأس عن الردّ ، لكن هل يرجع على بائعه قبل أن يغرم لمشتريه؟ فيه وجهان مبنيّان على المعنيين ، إن علّلنا باستدراك الظلامة ، فلا يرجع ما لم يغرم ، وإن علّلنا بالثاني ، يرجع. ويجري الوجهان فيما لو أبرأه الثاني هل يرجع هو على بائعه؟ (٣).

مسألة ٢٩٤ : لو باعه المشتري على آخر ثمّ ظهر له العيب ، سقط الردّ‌ عندنا دون الأرش على ما تقدّم.

وعند الشافعي لا يسقط إذا عاد إليه بالردّ بالعيب على ما قلناه في المسألة السابقة.

وإن عاد إليه لا بالردّ بالعيب ، كما لو عاد بإرثٍ أو اتّهابٍ أو قبول وصيّةٍ أو إقالة ، فلا ردّ له عندنا أيضاً.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٦.

١١٥

وللشافعيّة وجهان من مأخذين :

أحدهما : البناء على المعنيين السابقين ، فإن علّلنا بالأوّل ، لم يردّ ـ وبه قال ابن الحدّاد لأنّ استدراك الظلامة قد حصل بالبيع ولم يبطل ذلك الاستدراك ، بخلاف ما لو ردّ عليه بالعيب. وإن علّلنا بالثاني ، يردّ ؛ لزوال (١) العذر ، وحصول القدرة على الردّ ، كما لو ردّ عليه بالعيب.

والثاني من المأخذين : أنّ الملك العائد هل ينزّل منزلة غير الزائل؟ قيل : نعم ؛ لأنّه عين ذلك المال وعلى تلك الصفة. وقيل : لا ؛ لأنّه ملك جديد ، والردّ نقض لذلك الملك (٢).

ويتخرّج على هذا فروع :

أ ـ لو أفلس بالثمن وقد زال ملكه عن المبيع وعاد ، هل للبائع الفسخ؟

ب ـ لو زال ملك المرأة عن الصداق وعاد ثمّ طلّقها قبل المسيس ، هل يرجع في نصفه أو يبطل حقّه من العين كما لو تعذّر؟

ج ـ لو وهب من ولده وزال ملك الولد وعاد ، هل للأب الرجوع؟ (٣).

مسألة ٢٩٥ : لو عاد إليه بطريق الشراء ثمّ ظهر عيب قديم‌ كان في يد البائع الأوّل ، فإن علّلنا بالمعنى الأوّل ، لم يردّ على البائع الأوّل ؛ لحصول الاستدراك ، ويردّ على الثاني. وإن علّلنا بالثاني ، فإن شاء ردّ على الثاني ، وإن شاء ردّ على الأوّل. وإذا ردّ على الثاني ، فله أن يردّ عليه ، وحينئذٍ يردّ‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » : « فردّ ؛ لزوال ». وفي الطبعة الحجريّة : « فردّ بزوال ». والصحيح ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز » و « روضة الطالبين ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٨ ٢٤٩.

١١٦

هو على الأوّل.

ويجي‌ء وَجْهٌ لهم : أنّه لا يردّ على الأوّل بناءً على أنّ الزائل العائد كالذي لم يَعُدْ.

ووَجْهٌ : أنّه لا يردّ على الثاني ؛ لأنّه لو ردّ عليه لردّ هو ثانياً عليه (١).

وهذا كلّه ساقط عندنا ؛ لسقوط حقّ المشتري من الردّ بتصرّفه.

مسألة ٢٩٦ : إذا زال ملكه عن المبيع ثمّ عرف العيب وكان الزوال بغير عوض ، فلا ردّ له‌ على ما اخترناه إذا عاد إليه مطلقاً.

وقال الشافعي : إذا زال ملكه لا بعوضٍ ، نُظر إن عاد لا بعوض أيضاً ، فجواز الردّ مبنيّ على أنّه هل يأخذ الأرش لو لم يَعُدْ؟ إن قلنا : لا ، فله الردّ ؛ لأنّ ذلك لتوقّع العود. وإن قلنا : يأخذ ، فينحصر الحقّ فيه أو يعود إلى الردّ عند القدرة؟ فيه وجهان.

وإن عاد بعوض ، كما لو اشتراه ، فإن قلنا : لا ردّ في الحالة الأُولى ، فكذا هنا ، ويردّ على البائع الأخير (٢). وإن قلنا : يردّ ، فهنا يردّ على الأوّل أو على الأخير أو يتخيّر؟ ثلاثة أوجُه خارجة ممّا سبق (٣).

مسألة ٢٩٧ : لو باع زيد شيئاً من عمرو ثمّ اشتراه زيد منه فظهر فيه عيب كان في يد زيد ، فإن كانا عالمَين بالحال ، فلا ردّ.

وإن علم زيد خاصّةً ، فلا ردّ له ؛ لعلمه بالعيب ، ولا لعمرو أيضاً ؛ لزوال ملكه وتصرّفه فيه عندنا ، وبه قال الشافعي ؛ لزوال ملكه (٤).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٦.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « الآخر ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز » و « روضة الطالبين ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٧.

١١٧

وهل يثبت لعمرو أرشٌ؟ الأقرب : ذلك وهو أحد قولي الشافعي (١) لوجود سببه ، وهو سبق العيب مع تعذّر الردّ.

والصحيح عنده : أنّه لا أرش له ؛ لاستدراك الظلامة أو لتوقّع العود (٢).

فإن تلفت في يد زيد ، أخذ الأرش عندنا ؛ لما تقدّم ، وعنده على التعليل الثاني لا الأوّل (٣).

وكذا الحكم لو باعه من غيره.

وإن كان عمرو عالماً ، فلا ردّ له ، ولزيدٍ الردُّ ؛ لأنّه اشترى معيباً مع جهله بعيبه وعدم تصرّفه.

ولو كانا جاهلين فلزيدٍ الردُّ ، وبه قال الشافعي إن اشتراه بغير جنس ما باعه أو بأكثر منه (٤). ثمّ لعمرو أن يردّ عليه عند الشافعي (٥). ونحن لا نقول به ؛ لأنّه تصرّف فيه.

وإن اشتراه بمثله ، فلا ردّ لزيد في أحد وجهي الشافعي ؛ لأنّ عَمْراً يردّه عليه ، فلا فائدة فيه ، وله ذلك (٦) (٧).

مسألة ٢٩٨ : لو اشترى المعيب جاهلاً بعيبه ورهنه المشتري ثمّ عرفه بالعيب ، فلا ردّ له‌ على قولنا من أنّ تصرّفه يمنع الردّ ، ويثبت له الأرش.

وقال الشافعي : لا ردّ له في الحال. وهل يأخذ أرشه؟ إن علّلنا باستدراك الظلامة ، فنعم. وإن علّلنا بتوقّع العود ، فلا. وعلى هذا لو تمكّن من الردّ ، ردّ عنده. ولو حصل اليأس أخذ الأرش (٨).

وإن كان المشتري قد آجره ، فلا ردّ له ؛ لتصرّفه فيه ، وله الأرش.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٧.

(٦) أي : ولزيدٍ الردُّ ، في الوجه الآخر.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٧.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٧.

١١٨

وقال الشافعي : إن لم نجوّز بيع المستأجر ، فهو كالرهن. وإن جوّزناه ، فإن رضي البائع به مسلوب المنفعة مدّة الإجارة ، ردّ عليه ، وإلاّ تعذّر الردّ. وفي الأرش الوجهان ، ويجريان فيما لو تعذّر الردّ لغَصْبٍ أو إباق (١).

ولو عرف العيب بعد أن زوّج الجارية أو العبد ولم يرض البائع بالأخذ ، قطع بعض الشافعيّة بثبوت الأرش للمشتري هنا. أمّا على الأوّل : فظاهر. وأمّا على الثاني : فلأنّ النكاح يراد للدوام ، واليأس حاصل (٢).

وقال بعضهم بما تقدّم (٣).

ولو كاتب المشتري ثمّ عرف العيب ، قال بعض الشافعيّة : إنّه كالتزويج (٤).

وقال بعضهم : لا يأخذ الأرش على المعنيين ، بل يصبر ؛ لأنّه قد استدرك الظلامة بالنجوم ، وقد يعود إليه بالعجز وردّه (٥).

والأظهر عندهم : أنّه كالرهن ، وأنّه لا يحصل الاستدراك بالنجوم (٦).

ولو وجد المشتري بالشقص عيباً بعد أخذ الشفيع ، فله الأرش.

وللشافعي وجهان (٧).

مسألة ٢٩٩ : الخيار إن كان موقّتاً ، امتدّ بامتداد ذلك الوقت ، كالمجلس ، والحيوان ، والمشروط وقته.

وإن لم يكن موقّتاً كخيار العيب هل هو على الفور أم لا حتى لو‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٩ ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٧. )

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٧ ١٣٨.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٨.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٠.

١١٩

علم بالعيب وأهمل المطالبة لحظةً ، هل يسقط الردّ؟ الأقرب : أنّه لا يسقط الخيار ، بل لو تطاول زمان سكوته بعد العلم بالعيب ، كان له بعد ذلك المطالبةُ بالأرش ، أو الردّ ؛ لأنّ الأصل بقاء ما ثبت.

وقال الشافعي : إنّ الخيار على الفور ، ويبطل بالتأخير من غير عذر ؛ لأصالة لزوم البيع ، فإذا أمكنه الردّ وقصّر ، لزمه حكمه (١).

وأصالة اللزوم هنا ممنوعة ؛ لأنّ التقدير ثبوت الخيار.

فروع :

أ ـ لو ركب الدابّة ليردّها سواء قصرت المسافة أو طالت ، لم يكن ذلك رضا بها ، وبه قال الشافعي (٢) أيضاً.

ب ـ لو سقاها الماء أو ركبها ليسقيها ثمّ يردّها ، لم يكن ذلك رضا منه بإمساكها.

ج ـ لو حلبها في طريقه ، فالأقرب : أنّه تصرّف يؤذن بالرضا بها.

وقال بعض الشافعيّة : لا يكون رضا بإمساكها ؛ لأنّ اللبن له وقد استوفاه في حال الردّ (٣).

مسألة ٣٠٠ : لصاحب الخيار في العيب وغيره مطلقاً أن يختار الفسخ أو الإمضاء‌ مع الأرش أو بدونه وعلى كلّ حال ، سواء كان البائع له أو المشتري منه حاضراً أو غائباً ، ولا يشترط أيضاً قضاء القاضي وبه قال‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٠ ٢٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٨.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩١ ، وفي حلية العلماء ٤ : ٢٤٠ ٢٤١ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٤ ، وروضة الطالبين ٣ : ١٤٠ وجهان.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٠.

١٢٠