إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ١٠

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ١٠

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٤٩

(إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) (٣)

(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) : أداة استثناء. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مستثنى بإلا وهو استثناء متصل لأنه مستثنى من «الإنسان» لأنه بمعنى «جمع» اسم جنس أي الأناسي والناس. آمنوا : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وأصله : أأمنوا والهمزة الأولى هي همزة أو ألف قطع والثانية أصلية ـ فاء الفعل ـ فلينوها كراهية للجمع بينهما. أي خاسر إلا الذين آمنوا بالله ورسوله.

(وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «آمنوا» وتعرب إعرابها. الصالحات : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم ولأن التاء فيها غير أصلية.

(وَتَواصَوْا بِالْحَقِ) : تعرب إعراب «وعملوا» وعلامة بناء الفعل الفتحة المقدرة للتعذر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين وبقيت الفتحة دالة عليها. بالحق : جار ومجرور متعلق بتواصوا .. بمعنى : يوصي بعضهم بعضا بالخير كله من توحيد الله وطاعته واتباع كتبه ورسله.

(وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) : معطوفة بالواو على «تواصوا بالحق» وتعرب إعرابها بمعنى : يوصي بعضهم بعضا بالصبر على الطاعات وعن المعاصي وعلى ما يبلو الله به عباده ..

** (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) : بمعنى : إلا الذين اعتصموا بالإيمان ونهجوا العمل الصالح أو وعملوا الأعمال الصالحات فحذف الموصوف «الأعمال» وحلت الصفة «الصالحات» محله. أو هو من الصفات التي جرت مجرى الأسماء. و «الحق» هو الله تعالى .. وهو القرآن الكريم. و «الحق» هو محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ و «الحق» يجمع على «حقوق» و «الصبر» بإسكان الباء هو ضد الجزع. وأما بكسر الباء فهو الدواء المر وهو جمع «صبرة» قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «ما ذا في الأمرين من الشفاء والثفاء والصبر» الثفاء ـ بضم الثاء وتشديد الفاء هو الحرف أو الخردل أو حب الرشاد أي حريف الطعم والأمر الصبر والأمر : الفقر. قال ابن دريد عن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال : دعا أعرابي لرجل فقال : «أذاقك الله البردين ووقاك الأمرين» قال : البردان : برد العافية وبرد الغنى والأمران : مرارة الفقر ومرارة العري.

٧٠١

سورة الهمزة

معنى السورة : الهمزة أو الهماز من صيغ المبالغة «فعلة وفعال بمعنى «فاعل» وهو الذي يغتاب الناس في غيبتهم .. وفعله : همز ـ يهمز ـ همزا .. من باب «ضرب» أي غمز. والغمز : هو الإشارة بالعين أو الجفن أو الحاجب .. ومنه : تغامز القوم : بمعنى : أشار بعضهم إلى بعض بأعينهم .. وغمز بالرجل وعلى الرجل من باب «ضرب» أيضا ويتعدى بنفسه أيضا نحو : غمز الشيء بيده وغمزه بعينه وغمز فيه أيضا بمعنى : عابه وصغر من شأنه فهو غامز ـ اسم فاعل ـ والهامز أيضا اسم فاعل هو العياب وجمعه : هامزون وهماز ومنه قوله تعالى في سورة «المطففين» : (وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ) ومنه الغمز بالناس. والهمز كاللمز وزنا ومعنى ويقال : هذا رجل همزة أي هامز .. بمعنى : عياب .. وهذه امرأة همزة أيضا.

تسمية السورة : جمع القرآن الكريم اللفظتين في سورة سميت بإحداهما أي سورة «الهمزة» وآيتها الكريمة الأولى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) صدق الله العظيم. بمعنى : هلاك وعذاب لكل طعان عياب في أعراض الناس. والهمزة : أي الكثير الهمز وهو الكسر من الأعراض ومثله «لمزة» أي الكثير اللمز وعن الحسن : الهماز هو العياب والطعان : يلوي شدقيه ـ أي زاويتي فمه من باطن الخدين ـ في أقفية الناس. واللفظتان : تعنيان الشتم أي الطعن واسم الفاعل : طاعن وطعان ـ فعال بمعنى فاعل ـ من صيغ المبالغة أي كثير الطعن بمعنى : شتام : أي كثير الشتم ومثله : السباب : وهو الشتم الوجيع وسمي الاصبع الرابع «السبابة» لأنه كاسم الفاعلة يشار بها عند السب.

فضل قراءة السورة : قال المشرفة بذكره المنابر الرسول الكريم محمد ـ «صلى‌الله‌عليه‌وسلم» ـ : «من قرأ سورة «الهمزة» أعطاه الله عشر حسنات بعدد من استهزأ بمحمد وأصحابه». صدق رسول الله.

٧٠٢

إعراب آياتها

(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) (١)

(وَيْلٌ لِكُلِ) : مبتدأ مرفوع بالضمة وهو نكرة وجاء الابتداء به لأنه قريب من المعرفة. وقيل : هو في الأصل مصدر لا فعل له معناه تحسر وقيل : هو واد في جهنم .. وقيل اسم معنى كالهلاك ويرفع رفع المصادر لإفادة معنى الثبات وقيل : جاء نكرة لأنه متضمن معنى الفعل الدعاء لأن معنى الويل : الهلاك والعذاب. لكل : جار ومجرور متعلق بخبر «ويل» المحذوف ، وقيل هو معرفة لأنه اسم «واد» في جهنم.

(هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. لمزة : بدل من «همزة» مجرور مثله وعلامة جره الكسرة المنونة. الهمزة الذي يهمز الناس واللمزة الذي يطعن الناس. بمعنى : هلاك وخزي وعذاب لكل طعان في الأعراض غياب لهم.

(الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) (٢)

(الَّذِي جَمَعَ) : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره هو. والجملة الاسمية «هو الذي» في محل جر صفة ـ نعت ـ لهمزة لأن النكرة لا توصف بالمعرفة ـ أي بالاسم الموصول ـ وقيل : يجوز أن يكون في محل جر صفة لكل همزة لمزة أي يكون نعتا وهو معرفة لمنعوت نكرة أو يكون بدلا منه في محل جر أي بدلا من كل همزة أو يكون في محل نصب مفعولا به بفعل محذوف تقديره : أعني الذي. جمع : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وجملة «جمع مالا» صلة الموصول لا محل لها.

(مالاً وَعَدَّدَهُ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. وعدده : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «جمع مالا» وتعرب إعرابها والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به بمعنى جعله عدة لحوادث الدهر أو بمعنى : عده مرة بعد مرة ملتذا بذلك متعاليا به على الناس.

٧٠٣

(يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) (٣)

(يَحْسَبُ أَنَ) : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. أن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «أن» وما بعدها من اسمها وخبرها في محل نصب سدت مسد مفعولي «يحسب».

(مالَهُ أَخْلَدَهُ) : اسم «أن» منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل جر مضاف إليه. أخلده : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «أن» وهي فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به بمعنى ويظن أن المال تركه خالدا في الدنيا لا يموت .. والجملة الفعلية «يحسب وما بعدها» لا محل لها لأنها بدل من صلة الموصول «الذي» أو بمعنى : يظن هذا الكافر أو يخيل إليه أن ماله سيبقيه ويخلده.

** (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) : المعنى : عذاب وهلاك لكل هامز كثير الهمز ولامز كثير اللمز أي لكل هامز يهمز الناس أي يغتابهم ولامز يطعن الناس فالهامز المغتاب واللامز : العياب. وقد دخلت الهاء للمبالغة. وقد نهى القرآن الكريم والدين الحنيف ورسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والصالحون والأتقياء والمهذبون والشعراء .. نهوا جميعا الناس من إطلاق هاتين اللفظتين .. لأن الشاتم ـ اسم فاعل ـ والمشتوم ـ اسم مفعول ـ تنحط مرتبتهما ومكانتهما عند الناس وهما لفظتان مذمومتان وتعدان من الكبائر. وعن أنس بن مالك : لم يكن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ سبابا ولا فحاشا ولا لعانا. قال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه» و «الويل» متى انفرد جاز فيه الرفع والنصب نقول : ويل له وويلا له أي ألزمه الله ويلا وإذا أضيف نحو : ويله لم يكن إلا منصوبا. قال ابن خالويه : الويس : كلمة أخف من «الويل» و «الويح» : كلمة أخف من «الويس» و «الويب» : كلمة أخف من «الويح» ويقال : ويل لزيد وويله وويحه وويسه وويبه. قال الحسن : ويح : كلمة رحمة. وقيل : لم تصرف العرب أفعالا من «ويح» وويس وويل.

** سبب نزول الآية : نزلت هذه الآية الكريمة في الأخنس بن شريق. ونزلت فيه : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) ونزلت فيه : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) ونزلت فيه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) صدق الله العظيم وكان قدم على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فحلف أنه ما جاء إلا للسلام ثم غدر واستاق مالا فلذلك قوله : (وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ) ثم مر بزرع للمسلمين فأحرقه وبحمر فعقرها وارتد ؛ فذلك قوله (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها).

٧٠٤

** (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) : المعنى : والله ليطرحن بتحقير وليرمين في جهنم .. وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : «إن جهنم لمن ادعى الربوبية» و «لظى» لعبدة النار .. و «الحطمة» لعبدة الأصنام قال الشاعر العربي :

لا تسقني ماء الحياة بذلة

بل فاسقني بالعز ماء الحنظل

ماء الحياة بذلة كجهنم

وجهنم بالعز أطيب منزل

و «الحطمة» من أسماء النار أيضا بل هي النار الشديدة سميت بذلك لأنها تحطم ما يلقى فيها ومن أسماء النار أيضا : الهاوية .. وسقر.

(كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) (٤)

(كَلَّا) : حرف ردع وزجر أي ردع لهذا الكافر على حسبانه وردا لمقالته وفعله هذا بمعنى : رد الله جل ذكره عليه هذا الظن الكاذب واقسم ليرمينه في الحطمة.

(لَيُنْبَذَنَ) : اللام لام التوكيد أو لام القسم بمعنى والله لينبذن. والجملة الفعلية جواب القسم المحذوف لا محل لها وهي فعل مضارع مبني للمجهول مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ونون التوكيد لا محل لها.

(فِي الْحُطَمَةِ) : جار ومجرور متعلق بينبذن بمعنى : ليرمين أو يتركن في جهنم التي من شأنها أن تحطم كل ما يلقى فيها.

(وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ) (٥)

تعرب إعراب الآية الكريمة الثالثة من سورة «القارعة» بمعنى : وما أعلمك ما هي؟ أي وأي شيء هي.

(نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) (٦)

(نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) : بدل من «الحطمة» مرفوعة مثلها وعلامة رفعها الضمة أو تكون خبر مبتدأ محذوف تقديره هي. الله اسم لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة. الموقدة : صفة ـ نعت ـ للنار مرفوعة مثلها وعلامة رفعها الضمة. بمعنى : المتقدة الملتهبة.

(الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) (٧)

٧٠٥

(الَّتِي تَطَّلِعُ) : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع صفة ـ نعت ـ ثان للنار. تطلع : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي.

(عَلَى الْأَفْئِدَةِ) : جار ومجرور متعلق بتطلع بمعنى تعلو أوساط القلوب وتغليها وتشتمل عليها وخصت الأفئدة لأنها محل كل معتقد زائغ وهي جمع «فؤاد» وسمي قلبا لتقلبه.

(إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) (٨)

(إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم «إن» على حرف جر و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بخبر «إن». مؤصدة : خبر «إن» مرفوع بالضمة المنونة بمعنى إن النار على أهلها مطبقة أي مقفلة.

(فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) (٩)

(فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) : جار ومجرور متعلق بمؤصدة. ممددة : صفة ـ نعت ـ لعمد مجرورة مثلها وعلامة جرهما الموصوف والصفة ـ الكسرة المنونة بمعنى في أعمدة طويلة ممتدة وهي جمع «عامود» أو «عمود».

***

٧٠٦

سورة الفيل

معنى السورة : الفيل : هو حيوان ضخم .. بل هو أضخم الحيوانات .. له خرطوم ـ بضم الخاء ـ طويل يرفع به العلف والماء إلى فمه .. ويضرب به. وسمي أحد الأمراض به وهو داء الفيل .. وهذا المرض يحدث منه غلظ كثيف في القدم والساق تنتج منه عقد وعروق صغيرة ناتئة .. وتجمع لفظة «الفيل» على «أفيال» و «فيول» قال ابن السكيت ولا تقل : أفيلة. ويطلق على صاحبه : فيال .. وجمعه : فيالة.

تسمية السورة : وردت لفظ «الفيل» في القرآن الكريم مرة واحدة وسميت إحدى سوره الشريفة بها أي بهذا الاسم .. وسبب هذه التسمية له قصة سميت قصة «أصحاب الفيل» وهي أن «أبرهة الأشرم» ملك اليمن الحبشي حاول في ذلك العام الذي سمي عام الفيل وفيه يؤرخ مولد الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حاول أبرهة هدم الكعبة المشرفة مستخدما الفيلة في القتال وكان غرضه من ذلك هو صرف الناس عن حج البيت الحرام إلى كنيسة بناها في صنعاء .. فلما وصل إلى الكعبة المشرفة هلك بطيور سماها الله سبحانه طيرا أبابيل. وقيل : لا يبعد أن تكون تلك الطيور جراثيم الطاعون إذ لا مانع من تسميتها طيورا. قال تعالى في تلك السورة الكريمة : («أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) (١) (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) (٢) (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) (٣) (تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) (٤) (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ») صدق الله العظيم. والمخاطب في (أَلَمْ تَرَ) هو الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ و (فِي تَضْلِيلٍ) معناه : في ضياع وخسران. وتضليل : تضييع. و «أبابيل» فرق أو جماعات جمع «إبالة» وهي الحزمة الكبيرة. وقيل : هو جمع لا مفرد له. و «سجيل» هو الطين المتحجر .. أما العصف فهو ورق الشجر المتآكل .. رموا به حتى هلك أبرهة وجنده وفيله.

فضل قراءة السورة : قال المبعوث بالآيات الباهرة والحجج الساطعة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «الفيل» اعفاه الله أيام حياته من الخسف والمسخ» صدق رسول الله.

٧٠٧

إعراب آياتها

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) (١)

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ) : الألف ألف توبيخ وتقرير بلفظ استفهام. والاستفهام : تقرير للمخاطب وهو الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وفيه تعريض بالمشركين على سبيل التوبيخ. لم : حرف نفي وجزم وقلب. تر : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف آخره ـ حرف العلة .. الألف المقصورة .. أصله : ترى ـ وبقيت الفتحة دالة على الألف المحذوفة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت والجملة الاستفهامية وما بعدها في محل نصب مفعول به للفعل «ترى». كيف : اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال والعامل فيه «فعل» وهو توبيخ بلفظ استفهام وأصل آخره ـ أي الفاء ـ السكون وفتحت لالتقاء الساكنين ولم تكسر ـ كما هو القياس في التقاء الساكنين ـ لأنهم كرهوا الكسر مع الياء والفتح أكثر في ذلك نحو : أين .. وغيره. ومعنى «ألم تر» وكل ما في القرآن الكريم هو ألم تعلم .. ألم تخبر يا محمد فهو من رؤية القلب والعلم لا من رؤية العين.

(فَعَلَ رَبُّكَ) : فعل ماض مبني على الفتح. ربك : فاعل مرفوع بالضمة والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه.

(بِأَصْحابِ الْفِيلِ) : جار ومجرور متعلق بفعل. الفيل : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.

(أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) (٢)

(أَلَمْ يَجْعَلْ) : أعرب. يجعل : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.

(كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه والجار والمجرور «في

٧٠٨

تضليل» متعلق بجعل وهو في مقام المفعول به الثاني ليجعل لأن المعنى : ألم يصير الله تدبيرهم الخبيث في هدم الكعبة في تضييع وخسران وابطال.

(وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) (٣)

(وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ) : الواو عاطفة. أرسل : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وجملة «أرسل» معطوفة على «يجعل» وإنما عطف ماض على مضارع لأن «ألم يجعل» بمعنى جعل بعد قلب «لم» المضارع يجعل إلى معنى «جعل» فعطف ماض على ماض. على : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى. والجار والمجرور «عليهم» متعلق بأرسل.

(طَيْراً أَبابِيلَ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. أبابيل : صفة ـ نعت ـ للموصوف «طيرا» منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة ولم ينون آخره لأنه ممنوع من الصرف بمعنى : جماعات كثيرة.

** (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) : بمعنى : جماعات ـ جمع «إبالة» وهي الحزمة الكبيرة شبهت بها الجماعة من الطير في تضامها أو جمع «إبول» وقال أبو جعفر الرؤاسي : مفردها إبيل. وقال آخرون : أبابيل : لا واحد لها من لفظها .. ومثلها أساطير وقال آخرون : مفرد الأساطير أسطورة. أما «الطير» فهي جمع «طائر» واللفظة تذكر وتؤنث. وقيل : هي اسم جمع. وقيل : الطير : هو كل ما طار في الهواء صغيرا أو كبيرا فيشمل حتى الذباب والبعوض. وقال الفيومي : الطير : جمع «طائر» وهو اسم فاعل من طار ـ يطير ـ طيرانا. وهو له في الجو كمشي الحيوان في الأرض. وجمع «الطير» هو : طيور وأطيار وقيل : الطير : يقع على الواحد والجمع. قال ذلك أبو عبيدة وقطرب. وقال ابن الأنباري : الطير : جماعة وتأنيثها أكثر من التذكير ولا يقال للواحد طير بل طائر وقلما يقال للأنثى : طائرة. وطائر الإنسان : هو عمله وتطير من الشيء : بمعنى تشاءم. قال ابن عباس : وإذا أرسل الله تعالى على قوم عذابا لم يفلتهم .. فما أفلت من أصحاب الفيل إلا سائس الفيل أو قائده فقيل له : ما وراءك؟ فقال : أتت طير مثل هذا وأشار إلى طائر في الهواء وكان الطائر قد اتبعه بحجر فأرسله عليه فقتله.

(تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) (٤)

(تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ) : الجملة الفعلية في محل نصب صفة ثانية للموصوف «طيرا» وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل

٧٠٩

ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي .. يعود على «طيرا» لأنه اسم جمع مذكر أنث على المعنى و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به. بحجارة : جار ومجرور متعلق بترمي.

(مِنْ سِجِّيلٍ) : جار ومجرور متعلق بترمي لأن «من» حرف جر بياني بمعنى : من طين مطبوخ كما يطبخ الآجر وقال «ترميهم» ولم يقل : رمتهم وهو في المضارع أبلغ لأن فيه استحضارا للصورة العجيبة.

(فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (٥)

(فَجَعَلَهُمْ) : معطوفة بالفاء على جملة «أرسل» وتعرب إعرابها و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به أول.

(كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) : الكاف اسم مبني على الفتح بمعنى «مثل» في محل نصب مفعول به ثان لأن «جعلهم» بمعنى : صيرهم. عصف : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. مأكول : صفة ـ نعت ـ لعصف مجرور مثله وعلامة جره الكسرة المنونة بمعنى : كورق الشجر أو الزرع إذا أكل أي وقع فيه الأكال .. وقيل : هو دقاق التبن المبلول.

***

٧١٠

سورة قريش

معنى السورة : قريش : اسم قبيلة مأخوذة من «القرش» وهو الكسب والجمع .. من قرش ـ يقرش ـ قرشا الشيء .. من باب «ضرب» بمعنى : جمعه من هنا وهنا وضم بعضه إلى بعض .. وبمعنى : اكتسب نحو : قرش لعياله. ويأتي الفعل «قرش» في «قرشه» بمعنى صيره من قريش. وقريش : هو النضر ابن كنانة .. ومن لم يلده فليس بقريشي أو قرشي لأن النسبة إلى «قريش» هي قرشي وربما قالوا : قريشي وهو القياس. وقريش إن أريد به الحي صرف ـ أي نون آخره ـ وإن أريد به قبيلة لم يصرف ـ أي لم ينون آخره ..

تسمية السورة : سميت إحدى سور القرآن الكريم بهذه التسمية إكراما إلى الحرم الشريف .. لأن اللفظة مأخوذة من «تقرش القوم» بمعنى : تجمعوا .. ومنه سميت هذه القبيلة لتجمعها إلى الحرم الشريف. وقيل : قريش : هو فهر بن مالك ولم لم يلده فليس من قريش. وقيل : سموا بتصغير «القرش» وهو دابة عظيمة في البحر. وعن معاوية أنه سأل ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : بم سميت قريش؟ قال : بدابة في البحر تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى. وقال الشاعر :

وقريش هي التي تسكن البح

ر بها سميت قريش قريشا

أما تسميتهم بهذه اللفظة من «القرش» وهو الكسب فلأنهم كانوا كسابين لتجارتهم وضربهم في البلاد. وذكرت لفظة «قريش» مرة واحدة في القرآن الكريم في سورة سميت بها .. أي سورة «قريش» وتسمي أيضا سورة «لإيلاف» قال تعالى : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) صدق الله العظيم. أما «صقر قريش» فهو لقب أطلقه الخليفة العباسي المنصور على القائد العربي عبد الرحمن الداخل وهو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك .. أطلقه عليه لأن الصقور تمتاز بخبرتها في الطيران وبذكائها الخارق وسرعتها.

فضل قراءة السورة : قال النافذة بذكره وفضله المحابر والمبعوث بالآيات البينات الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «قريش»

٧١١

أعطاه الله عشر حسنات بعدد من طاف بالكعبة واعتكف بها» صدق رسول الله. وروى البيهقي في الخلافيات عن أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «فضل الله قريشا بسبع خلال ... ذكر منها : أن الله تعالى أنزل فيهم سورة من القرآن .. ثم تلا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ هذه السورة الكريمة.

إعراب آياتها

(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) (١)

(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) : جار ومجرور متعلق بقوله : «فليعبدوا» أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين وقيل : المعنى : عجبوا لإيلاف قريش أو تكون اللام للتعليل أو للتعجب. قريش : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره : الكسرة المنونة.

** (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) : إيلاف : مصدر الفعل «آلف» يؤالف ـ إيلافا فهو مؤالف ومؤلف ـ اسم فاعل ـ مثل آمن .. فهو مؤمن. وثلاثيه «ألف» من باب «علم» نحو : ألفته إلفا : بمعنى : أنست به وأحببته والاسم منه «الألفة» بضم الهمزة والألف أيضا : اسم من الائتلاف وهو الالتئام والاجتماع واسم الفاعل منه : أليف .. ويقال : آلفت المكان إيلافا من باب «أكرمت» إكراما .. وقوله تعالى (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ) معناه : أهلكت أصحاب الفيل لأولف قريشا مكة ولتؤلف قريش رحلة الشتاء والصيف : أي تجمع بينهما إذا فرغوا من ذه أخذوا في ذه. وهكذا كما تقول ضربته لكذا لكذا بحذف الواو. واختلف علماء اللغة في «لإيلاف ..» فقال قوم : هي و «ألم تر» سورة واحدة. منهم الفراء وسفيان بن عيينة قالا : والتقدير : فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش» فعلى هذا تكون اللام لام الخفض متصلة بألم تر وقال الخليل والبصريون : اللام لام الإضافة متصلة بفليعبدوا. والتقدير : فليعبدوا رب هذا البيت لأن الله من عليهم بإيلاف قريش وصرف عنهم شر أصحاب الفيل. وقال الفراء : يجوز أن تكون اللام لام التعجب كأنه قال : اعجب يا محمد لايلاف قريش.

(إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) (٢)

(إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ) : بدل من «إيلاف» الأولى مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه. رحلة : مفعول به منصوب بالمصدر «إيلاف» وعلامة نصبه الفتحة.

٧١٢

(الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. والصيف : معطوف بالواو على «الشتاء» ويعرب إعرابه بمعنى : ألفوا الرحلة بأمان واطمئنان في رحلة الشتاء والصيف إلى اليمن والشام.

(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) (٣)

(فَلْيَعْبُدُوا) : الفاء واقعة في جواب شرط مقدر على المعنى. بمعنى : إن نعم الله عليهم لا تحصى فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الظاهرة. اللام لام الأمر. يعبدوا : فعل مضارع مجزوم باللام وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.

(رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. هذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. البيت : صفة ـ نعت ـ لاسم الإشارة أو بدل منه مجرور وعلامة جره الكسرة بمعنى رب الكعبة .. ويجوز أن تكون الفاء في «فليعبدوا» سببية. أي من أجل هذه النعمة فليعبد القرشيون رب هذا البيت الحرام.

(الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (٤)

(الَّذِي أَطْعَمَهُمْ) : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة ـ نعت ـ للرب. أطعم : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به بمعنى رزقوا وأطعموا بسبب رحلتي الصيف والشتاء.

(مِنْ جُوعٍ) : جار ومجرور متعلق بأطعم بمعنى : أطعمهم بالرحلتين من جوع شديد.

(وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «أطعمهم من جوع» وتعرب إعرابها. وقيل «من» بمعنى «عن» أو بمعنى : البدل .. أي بدل جوع. وجاء تنكير «جوع» و «خوف» لشدتهما المعنى : جعلهم بعد هاتين الرحلتين يعيشون في أمان لجوارهم بيت الله الحرام.

٧١٣

سورة الماعون

معنى السورة : الماعون : المراد به في السورة الشريفة : الزكاة .. العون. الطاعة. ويقال : العون : بمعنى : الظهير على الأمر وجمعه : أعوان. ويقال : استعان به فأعانه وقد يعدى بنفسه فيقال : استعانه .. والاسم منه : المعونة ـ بوزن مفعلة ـ بضم العين وبعضهم يجعل الميم أصلية ويقول : هي مأخوذة من الماعون. والمعونة : بمعنى : الإعانة يقال : ما عنده معونة ولا معانة ولا عون. قال الكسائي : والمعون أيضا : المعونة. وقال الفراء : هو جمع «معونة» وفي الدعاء : رب أعني ولا تعن علي. وقيل : أصل «الماعون» معونة. والألف عوض من الهاء. والماعون في الإسلام : هو الطاعة والزكاة وقال الشاعر :

قوم على الإسلام لما يمنعوا

ما عونهم ويهللوا التهليلا

يقول : هم قوم على الإسلام لم يمنعوا الزكاة ولم يضيعوا الصلاة.

تسمية السورة : ذكرت لفظة «الماعون» في القرآن الكريم مرة واحدة فسميت إحدى سوره الشريفة بها وجاءت اللفظة في الآية الكريمة الأخيرة من السورة المذكورة في قوله تعالى : (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) صدق الله العظيم. ومن معاني «الماعون» أيضا : المطر .. الماء .. المعروف .. الزكاة. وكل ما ينتفع به وكل ما يستعار من فأس وقدر إضافة إلى المراد به في هذه السورة وهو الزكاة .. والانقياد والطاعة. وقيل : أكثر ما عرف عنه وأريد به هو الزكاة وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ : الماء والنار والملح في قوله تعالى : (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) وقد يكون منع هذه الأشياء محظورا في الشريعة إذا استعيرت عن اضطرار وقبيحا في المروءة في غير حال الضرورة. وفي عصرنا الراهن .. قد تطلق لفظة «الماعون» على «الصحن» وهو أيضا القصعة الصغيرة ومثله الطبق الذي يؤكل عليه. عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : طعام الاثنين ـ المشبع لهما ـ كافي الثلاثة ـ أي كافيهم القوت ـ وطعام الثلاثة كافي الأربعة ـ لشبعهم ـ لما ينشأ عن بركة الاجتماع فكلما كثر الجمع ازدادت البركة.

٧١٤

فضل قراءة السورة : قال المنزل عليه قرآن عربي غير ذي عوج الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «أرأيت» غفر الله له إن كان للزكاة مؤديا». صدق رسول الله.

إعراب آياتها

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) (١)

(أَرَأَيْتَ الَّذِي) : الألف ألف تقرير وتنبيه في لفظ استفهام فيه معنى التعجب من أمر هذا المكذب بيوم الحساب أو الإسلام. رأيت : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل .. ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل رفع فاعل والمخاطب هو الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ. الذي : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. وجملة «يكذب بالدين» صلة الموصول لا محل لها.

(يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بالدين : جار ومجرور متعلق بيكذب. بمعنى : هل عرفت وأبصرت الذي يكذب بالإسلام من هو؟

(فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) (٢)

(فَذلِكَ الَّذِي) : الفاء واقعة في جواب شرط مقدر على المعنى. أي إن لم تعرف الذي يكذب بالجزاء فذلك .. أو تكون «فذلك» معطوفة بفاء العطف على «الذي يكذب» ويكون جواب أرأيت محذوفا لدلالة ما بعده عليه بمعنى : أخبرني وما تقول فيمن يكذب بالجزاء أنعم ما يصنع. أو ألا يستحق العذاب؟ ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف للخطاب. والجملة الاسمية بعده «هو الذي» في محل رفع خبر «ذلك» و «الذي» اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره هو. وجملة «يدع اليتيم» صلته لا محل لها.

٧١٥

(يَدُعُّ الْيَتِيمَ) : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. اليتيم : مفعول به منصوب بالفتحة.

** (يَدُعُّ الْيَتِيمَ) : المعنى يدفعه دفعا عنيفا بجفوة ـ يقال : دعه ـ يدعه ـ دعا .. من باب «رد» بمعنى : دفعه. أما «اليتيم» فمعناه : المنفرد. وسميت «الدرة» يتيمة لانفرادها وأنها لا نظير لها. يقال : يتم الصبي ـ ييتم ـ يتما ـ بفتح الياء وضمها .. من بابي «تعب» و «قرب» و «اليتم» في الناس من قبل الأب وفي غير الناس من قبل الأم ويقال : أيتمت المرأة إيتاما فهي موتم ـ اسم فاعل ـ بمعنى : صار أولادها يتامى .. فإن مات الأبوان فالصغير : لطيم. وإن ماتت أمه فقط فهو عجي .. ويطلق «اليتيم» على كل فرد يعز نظيره بعد إطلاقهم القول «درة يتيمة» أي لا نظير لها وتطلق لفظة «اليتيم» على «الطير» في حالة موت الآباء والأمات لأنهما جميعا يلقمانه ويزقانه.

(وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) (٣)

(وَلا يَحُضُ) : الواو عاطفة. لا : نافية للتأكيد. يحض معطوفة على «يدع» وتعرب إعرابها بمعنى : ولا يحث أهله أو غيرهم.

(عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) : جار ومجرور متعلق بيحض. المسكين : مضاف إليه مجرور بالكسرة بمعنى : على إطعام المحتاج.

(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) (٤)

(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) : الفاء استئنافية. ويل : مبتدأ مرفوع بالضمة المنونة. وهو نكرة وجاز الابتداء بالنكرة لأنه قريب من المعرفة لأنه اسم واد في جهنم. وقيل : هو في الأصل : مصدر لا فعل له معناه تحسر وقيل : هو اسم بمعنى : هلاك. ويرفع رفع المصادر لافادة معنى الثبات. للمصلين : جار ومجرور متعلق بخبر «ويل» المحذوف بتقدير : مستقر للمصلين. وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته ويجوز أن تكون الفاء واقعة في جواب شرط محذوف بتقدير : فإذا كان الأمر كذلك فويل للمصلين.

** (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) : المعنى : ولا يحث أهله أو نفسه على إطعام الفقير المحتاج فحذف مفعول «يحض» اختصارا. جاء في الحديث : «رحم الله رجلا قال : يا أهلاه .. صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم لعل الله يجمعهم في الجنة»

٧١٦

و «المسكين» في اللغة عند قوم : هو أحسن حالا من الفقير .. وعند آخرين : الفقير أحسن حالا وعن ابن السكيت قال : قال يونس لأعرابي : أفقير أنت أم مسكين؟ فقال : لا بل مسكين .. أي أسوأ حالا. يقال : تمسكن الرجل يتمسكن ـ تمسكنا .. إذا صار مسكينا ـ بكسر الميم ـ فالمسكين بصيغة «مفعيل» من السكون وهو تواضع الحال .. وكذلك المسكنة : الذل والخضوع. قال تعالى في سورة «البقرة» : وضربت عليهم الذلة والمسكنة» صدق الله العظيم. قال لقمان الحكيم : إذا امتلأت المعدة خرست الحكمة ونامت الفطنة وسكنت الأعضاء عن العبادة.

** (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) : المعنى : فويل لهم فوضعت صفتهم موضع ضمير هم «الذي» يعود على ضمير الذي يكذب وهو مفرد إلا أن معناه : الجمع لأن المراد به : الجنس بمعنى فهلاك وعذاب يوم القيامة للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون. وأصله : للمصليين ـ جمع مصلي فاستثقلوا الكسرة على الياء فحذفوها فالتقى الساكنان : ياء الجمع والياء التي هي لام الاسم فحذفت لسكونها وسكون ما بعدها.

** سبب نزول الآية : أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) قال : نزلت في المنافقين كانوا يراءون المؤمنين بصلاتهم إذا حضروا ويتركونها إذا غابوا ويمنعونهم العارية .. أي الشيء المستعار.

** (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) : بمعنى : غافلون غير ملتفتين إليها يقال : سها ـ يسهو ـ سهوا عن الشيء .. من باب «عدا» و «سما» فهو ساه ـ اسم فاعل ـ وسهوان. قال الشاعر :

أترغب عن وصية من عليه

صلاة الله تقرن بالسلام

أما تخشى السهو فتتقيه

أم أنت مبرأ من كل ذام

(الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) (٥)

(الَّذِينَ هُمْ) : اسم موصول مبني على الفتح في محل جر صفة ـ نعت ـ للمصلين. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل رفع مبتدأ.

(عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) : جار ومجرور متعلق باسم الفاعلين «ساهون» و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين في محل جر مضاف إليه. وكسرت هاء «هم» وأصلها : الضم لمجاورتها كسرة التاء. ساهون : خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته وأصله : ساهيون .. على وزن «فاعلون» فحذفت الياء لسكونها وسكون الواو بعد حذف الضمة التي كانت على الياء للثقل.

(الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) (٦)

٧١٧

(الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) : اسم موصول مبني على السكون لأنه بدل من «الذين» في الآية الكريمة السابقة. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل رفع مبتدأ. يراءون : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «هم» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الاسمية (هُمْ يُراؤُنَ) صلة الموصول لا محل لها بمعنى : يراءون المؤمنين أي ينافقونهم بصلاتهم طمعا في مدحهم.

(وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) (٧)

الآية الكريمة معطوفة بالواو على «يراءون الناس» وتعرب إعرابها. الماعون : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى : ويمنعون عن الناس العون والمساعدة أو الزكاة.

***

٧١٨

سورة الكوثر

معنى السورة : الكوثر : على وزن «فوعل» هو العدد الكثير أو السيد الكثير الخير والعطاء وقيل : هو اسم نهر في الجنة .. ومن معانيه أيضا : الشيء الكثير المتراكم الملتف ـ ويأتي بمعنى : الشراب العذب .. والكوثر إضافة إلى ما ذكر آنفا : هو المفرط الكثرة .. قيل لأعرابية رجع ابنها من السفر : بم آب ابنك؟ قالت : آب بكوثر. وقيل : الكوثر : فوعل من الكثرة والواو فيه زائدة مثل «نوفل» وقال ابن خالويه : والكوثر في غير هذا : الرجل السخي قال الكميت بن زيد :

وأنت كثير يا بن مروان طيب

وكان أبوك ابن العقائل كوثرا

و «العقائل» : جمع «عقيلة» وهي المرأة الكريمة وإنما سميت عقيلة لشرفها وكرمها مشبهة بالدرة في الصدف وهي معقولة فيها. وعن اللحياني قال : العقيلة : درة الصدف والخريدة المرأة البكر مشبهة بالخريدة : أي الكثيرة الحياء الخفرة. يقال : أخرد الرجل إذا سكت حياء وأقرد الرجل إذا سكت ذلا. وقيل : غير ذلك.

تسمية السورة : سميت إحدى سور القرآن الكريم بهذه اللفظة إكراما وتشريفا لمعانيها إذ من معانيها أيضا : القرآن. وهذه السورة الشريفة هي أقصر السور وفيها ثلاث آيات فقط وآيتها الكريمة الأولى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) صدق الله العظيم. وهذه اللفظة وردت مرة واحدة في القرآن الكريم في هذه السورة الشريفة. والمخاطب هو الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بمعنى : إنا أعطيناك يا محمد الخير المفرط والشرف العظيم أو الكثير من العلم والعمل. وفي قراءة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) لأن الفعلين «أعطى» و «أنطى» مثل بعضهما وزنا ومعنى في لغة أهل اليمن.

٧١٩

فضل قراءة السورة : قال الذي شدت به البلاغة نطاقها الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «الكوثر» سقاه الله من كل نهر في الجنة ويكتب له عشر حسنات بعدد كل قربان قربه العباد في يوم النحر أو يقربونه» صدق رسول الله. وأخرج الإمام أحمد عن أنس بن مالك : أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أغفى إغفاءة ثم تبسم لنزول هذه السورة عليه وفسر الكوثر : بقوله : هو نهر أعطانيه ربي عزوجل في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة أي هو الحوض المورود.

إعراب آياتها

(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) (١)

(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير التفخيم المسند إلى الواحد المطاع مبني على السكون في محل نصب اسم «إن» وأصله : إننا. وحين اجتمع ثلاث نونات حذفت واحدة اختصارا وتخفيفا وقد جاء في القرآن (وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) على الأصل. و «بأنا» على الحذف. أعطيناك : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «إن» وهي فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالضمير «نا» و «نا» ضمير متصل ـ اسم الله تعالى ـ ضمير الواحد المطاع سبحانه ـ مبني على السكون في محل رفع فاعل والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل نصب مفعول به أول والمخاطب هو النبي محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ. الكوثر : مفعول به ثان منصوب بأعطى وعلامة نصبه الفتحة بمعنى : النبوة .. الخير الكثير أو القرآن.

** (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) : روي في صفة «الكوثر» أنه أحلى من العسل وأشد بياضا من اللبن وأبرد من الثلج وألين من الزبد حافتاه من الزبرجد أو الذهب وهو نهر في الجنة ماؤه أشد بياضا من اللبن والثلج من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا .. وحصباؤه المرجان والدر وحاله المسك وأوانيه من فضة بعدد نجوم السماء. وعن أنس : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «رفعت إلى السدرة فإذا أربعة أنهر نهران ظاهران ونهران باطنان. فأما الظاهران فالفرات والنيل وأما الباطنان فنهران في الجنة أي هما السلسبيل والكوثر و «نا» في «إنا» و «أعطينا»

٧٢٠