إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ١٠

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ١٠

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٤٩

أعمال : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه بمعنى : جزاء أعمالهم فحذف المضاف المفعول «جزاء» وحل محله المضاف إليه «أعمالهم» وجملة «يروا أعمالهم» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بلام التعليل والجار والمجرور متعلق بيصدر.

** (يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً) : المعنى : يخرجون من قبورهم إلى المحشر متفرقين ـ جمع شت ـ أي متفرق .. بيض الوجوه آمنين وسود الوجوه فزعين .. أو يتفرق بهم طريقا الجنة والنار. يقال : صدر الرجل عن الماء ـ يصدر ـ صدرا وصدورا .. من بابي «نصر» و «دخل» و «الصدر» يجمع على «صدور» وهو لفظة مذكرة. وإنما قال الأعشى : كما شرقت صدر القناة من الدم. حملا على المعنى. لأن صدر القناة من القناة وهو كقولهم : ذهب بعض أصابعه لأنهم يؤنثون الاسم المضاف إلى المؤنث. وصدر كل شيء : أوله. والمصدر : صدورا واسم الفاعل : صادر أما اسم المفعول فهو مصدور عنه. تقول العرب : صدرت الإبل عن الماء : إذا شربت وانصرفت ويقال : وردت الإبل الماء للشرب. والوارد من الناس : هو أيضا الذي يرد الماء وجمعه : وراد .. والذي يتقدم الواردين إلى الماء يقال له الفارط وجمعه : فراط وقد أورد الشاعر القطامي هاتين اللفظتين في هذا البيت من الشعر :

فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا

كما تعجل فراط لوراد

والفعل «يصدر» في الآية الكريمة هو فعل لازم لأن معناه أن الناس هم أنفسهم الذين يصدرون وجاء الرباعي «يصدر» متعديا في سورة «القصص» : (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) لأن التقدير : حين يصدر الرعاء إبلهم. أي الرعاة.

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (٧)

(فَمَنْ يَعْمَلْ) : الفاء استئنافية. من : اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر «من». يعمل : فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.

(مِثْقالَ ذَرَّةٍ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. ذرة : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة.

(خَيْراً يَرَهُ) : تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى : من خير : يره : فعل مضارع جواب الشرط مجزوم وعلامة جزمه حذف آخره ـ

٦٨١

حرف العلة .. الألف المقصورة ـ وبقيت الفتحة دالة عليها والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به يعود على «مثقال» و «مثقال» بمعنى : زنة. وجملة «يعمل» صلة الموصول «من» لا محل لها لأن «من» اسم شرط أصله اسم موصول والجملة الفعلية «يره» جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء فلا محل لها.

** (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) : المعنى : ومن يعمل زنة ـ وزن ـ ذرة ، في الدنيا من خير أو شر إن كان خيرا يجد ثوابه في الآخرة وإن كان شرا يجد جزاءه في الآخرة أيضا. والذرة : هي ما يرى في شعاع الشمس من الهباء. أو يره مدخرا عند ربه ليجزيه عليه.

** سبب نزولها : أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت «ويطعمون الطعام على حبه ..» كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل إذا أعطوه .. وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير : الكذبة .. النظرة .. الغيبة وما شابه ذلك ويقولون : إنما وعد الله النار على الكبائر .. فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة وما بعدها ويروى أن جد الفرزدق قدم على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : يا رسول الله أسمعني شيئا مما أنزل الله عليك. فقرأ عليه : إذا زلزلت .. إلى قوله : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) قال : حسبي يا رسول الله.

(وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٨)

هذه الآية الكريمة معطوفة بالواو على الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها بمعنى : ومن يعمل زنة ـ وزن ـ هباء من شر يره مسجلا عليه لينال جزاءه في الآخرة.

***

٦٨٢

سورة العاديات

معنى السورة : العاديات : جمع «عادية» وهو اسم فاعل بمعنى : الجاريات أو الراكضات أو الواثبات وفعلها : عدا ـ يعدو ـ عدوا في مشيه .. من باب «قال» بمعنى : قارب الهرولة وهو دون الجري وفلان له عدوة شديدة وهو عداء ـ فعال بمعنى : فاعل ـ بمعنى : شديد العدو جيده. والمراد بالعاديات في السورة الشريفة : الخيل العاديات أي المغيرات فحذف الموصوف «الخيل» وأقيم النعت العاديات» مقامه.

تسمية السورة : وردت لفظة «العاديات» مرة واحدة في القرآن الكريم سميت بها إحدى سور القرآن الكريم وآيتها الأولى : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) المعنى : ورب العاديات أي أقسم سبحانه بخيل الغزاة وهي تعدو فتضبح أي تجري أو تركض بمعنى : الخيل الراكضات ومفردها : عادية وقيل : هي الإبل إلا أن المعنى الأول أشهر والضبح هو صوت أنفاسها عند جريها من شدة الركض. قال أبو عبيدة : ضبحت الخيل ـ تضبح ـ ضبحا .. مثل ضبعت ـ تضبع ـ ضبعا وهو أن تمد أضباعها في سيرها : أي أعضادها ـ جمع عضد ـ وهو ما بين المرفق إلى الكتف.

فضل قراءة السورة : قال الشاعر سيوف العدل والحق والإيمان الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «العاديات» أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من بات بالمزدلفة وشهد جمعا» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة. وقال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في رجل اسمه «زيد الخيل» وفد عليه وأسلم : ما وصف لي رجل فرأيته إلا كان دون ما بلغني إلا زيد الخيل. وسماه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : زيد الخير. وسمي الخيل بالمال والخير أو سمي الخيل : خيرا كأنها نفس الخير لتعلق الخير بها. والخيل : هي جماعة الأفراس وهي لفظة مؤنثة لا واحد لها ـ لا مفرد ـ لها من لفظها وتجمع على «خيول». وقيل : المعنى : أقسم سبحانه بخيل المجاهدين التي تعدو. و «العاديات» من العدو : وهو الجري. أي والخيل الجاريات.

٦٨٣

إعراب آياتها

(وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) (١)

(وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) : الواو حرف جر وهو واو القسم. العاديات : اسم مجرور بواو القسم وعلامة جره الكسرة والجار والمجرور متعلق بفعل القسم المحذوف. التقدير : ورب خيل المجاهدين أو بخيل الغزاة وهي تركض. ضبحا : مفعول مطلق ـ مصدر ـ منصوب بفعل محذوف تقديره : يضبحن ضبحا أو منصوب بالعاديات بمعنى : والضابحات لأن الضبح يكون مع العدو وعلامة نصبه الفتحة المنونة أو يكون مصدرا في موضع الحال أي ضابحات وهذا الوجه من الاعراب أوجه وأفصح.

** (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) : الضبح : هو صوت أنفاسها عند عدوها ـ جريها ـ من شدة الركض. قيل : إن أول من ركب الخيل هو النبي إسماعيل ـ عليه‌السلام ـ وكانت قبل ذلك وحوشا لا تركب وتعلم بنوه رياضتها منه ولذلك كان العرب أعرف الناس بالخيل .. وقيل : سميت خيلا لاختيالها : أي لتبخترها وإعجابها بنفسها.

** (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة. ونون الإناث في «أثرن» أي هيجن هو ضمير الخيل وعطف الفعل على الاسم الذي هو «العاديات» وما بعده لأنها أسماء فاعلات تعطي معنى الفعل وفي هذا العطف حكمة تصوير هذه الأفعال في النفس لما بين الفعل والاسم من التخالف وهو أبلغ من التصوير بالأسماء المتناسقة وكذلك التصوير بالمضارع بعد الماضي. و «الهاء» في «به» بمعنى : وهيجن بذلك الوقت أو يكون الضمير كناية على «الوادي» وإن لم يتقدم له ذكر لأنه معروف من السياق و «نقعا» أي غبارا ويجوز أن يراد به الصياح والجلبة.

** (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية عشرة .. و «يومئذ» بمعنى يومئذ يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور. يروى أن الحجاج اعتلى المنبر يوما وكان فصيحا فقرأ الآية الكريمة (إِنَّ رَبَّهُمْ) بفتح همزة «إن» بدلا من كسرها فلما علم أن لام التوكيد في خبرها أسقطها لئلا يكون لاحنا ويكون قوله لحنا قرأ : أن ربهم بهم يومئذ خبير. ففر من اللحن ـ أي الخطأ ـ عند الناس ولم يبل أو يبال بتغير كتاب الله لجرأته على الله.

(فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) (٢)

(فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) : معطوفة بالواو على «العاديات» وتعرب إعرابها. قدحا : مفعول مطلق ـ مصدر ـ منصوب بفعل محذوف تقديره تقدح قدحا وعلامة

٦٨٤

نصبه الفتحة المنونة أو يعرب «قدحا» على معنى «قادحات» المعنى : توري النار بسنابكها أي تقدح بمعنى فأورين أو تكون بمعنى : قادحات : أي صاكات الحجارة التي تخرجها بقدحها الأرض قدحا بحوافرها.

(فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) (٣)

الآية الكريمة معطوفة بالفاء على الآية الكريمة الثانية وتعرب مثل إعرابها بمعنى : التي تغير على العدو في وقت السحر أي الصباح و «صبحا» ظرف زمان منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة متعلق بفعل محذوف تفسره المغيرات أي تغير صبحا أي فأغرن .. ووضع اسم الفاعلات موضعه.

(فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) (٤)

(فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) : الفاء عاطفة. أثرن : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الإناث والنون ضمير متصل ـ ضمير الغائبات ـ مبني على الفتح في محل رفع فاعل وهو ضمير الخيل. به : جار ومجرور متعلق بأثرن. نقعا : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى فهيجن غبارا أو ترابا في وجه العدو في أثناء ركضها.

(فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) (٥)

(فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) : معطوفة بالفاء على «أثرن» وتعرب إعرابها. به : جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من ضمير الاناث في «وسطن» بمعنى : ملتبسات به أي فتوسطن ملتبسات به مع جموع الأعداء. جمعا : تعرب إعراب «صبحا» أي منصوب على الظرفية أو يكون المعنى : فوسطن النقع الجمع. أي متوسطين به جمعا من جموع الأعداء.

(إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) (٦)

(إِنَّ الْإِنْسانَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل واقع في جواب القسم والجملة من «إن» مع اسمها وخبرها : جواب القسم المحذوف لا محل لها. الإنسان : اسم «إن» منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

٦٨٥

(لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) : جار ومجرور متعلق بكنود. والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل جر مضاف إليه. اللام لام التوكيد ـ المزحلقة ـ كنود : خبر «إن» مرفوع بالضمة المنونة بمعنى لنعمة ربه فحذف المضاف «نعمة» وأقيم المضاف إليه سبحانه مقامه. بمعنى : لنعمة ربه خصوصا لشدة الكفران .. أي يذكر المصائب وينسى النعم. ومن معاني «كنود» : الكفور .. العاصي .. الجحود.

(وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) (٧)

(وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ) : الواو عاطفة. إن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب اسم «إن». على : حرف جر. ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بعلى اللام لام البعد والكاف حرف خطاب. بمعنى وإن الانسان على كنوده والجار والمجرور متعلق بشهيد.

(لَشَهِيدٌ) : اللام لام التوكيد ـ المزحلقة ـ شهيد : خبر «إن» مرفوع بالضمة المنونة بمعنى وإن الإنسان على كنوده لشهيد أي يشهد على نفسه بذلك وقيل : وإن الله على كنود الإنسان لشاهد على سبيل الوعيد ـ التهديد ـ.

(وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (٨)

(وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) : أعرب في الآية الكريمة السابقة. لحب : جار ومجرور متعلق بشديد. الخير : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. لشديد : يعرب إعراب «لشهيد» بمعنى : وإنه لأجل حب المال لبخيل. أو أراد بالشديد : القوي أي وإنه لحب المال قوي وهو لحب عبادة الله وشكر نعمته ضعيف. ويجوز أن تكون اللام بمعنى التعليل أي من أجل حب المال لبخيل أو شره.

(أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) (٩)

(أَفَلا يَعْلَمُ) : الألف ألف إنكار وتوبيخ بلفظ استفهام. الفاء تزيينية. لا : نافية لا عمل لها. يعلم : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير

٦٨٦

مستتر فيه جوازا تقديره هو والجملة الشرطية بعده مع جوابها سدت مسد مفعولي «يعلم».

(إِذا بُعْثِرَ) : ظرف لما يستقبل من الزمن مبني على السكون في محل نصب متعلق بجوابه متضمن معنى الشرط خافض لشرطه. بعثر : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح.

(ما فِي الْقُبُورِ) : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع نائب فاعل والجملة الفعلية «بعثر ما في القبور» في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد الظرف. في القبور : جار ومجرور متعلق بفعل محذوف تقديره : دفن .. والجملة الفعلية «دفن في القبور» صلة الموصول لا محل لها.

(وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) (١٠)

معطوفة بالواو على الآية الكريمة السابقة وتعرب مثلها بمعنى وجمع ما استقر في الصدور من الحقد والغش.

(إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) (١١)

(إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. رب : اسم «إن» منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه و «إن» واقعة في جواب «إذا» و «إن» وما في حيزها من اسمها وخبرها جواب شرط غير جازم لا محل لها. الباء حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بخبير.

(يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) : ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف و «إذ» اسم مبني على السكون الظاهر على آخره حرك بالكسر تخلصا من التقاء الساكنين : سكونه وسكون التنوين وهو في محل جر بالإضافة وهو مضاف أيضا والجملة المحذوفة المعوض عنها بالتنوين في محل جر مضاف إليه ثان. التقدير : يومئذ يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور .. اللام لام التوكيد ـ المزحلقة ـ خبير : خبر «إن» مرفوع بالضمة المنونة.

٦٨٧

سورة القارعة

معنى السورة : القارعة : مؤنث «القارع» اسم فاعل للفعل «قرع ـ يقرع ـ قرعا» من باب «قطع» نحو : قرع الباب : أي طرقه ونقر عليه والمقرعة ـ بكسر الميم ـ اسم آلة أما «قارعة الطريق» فهو موضع قرع المارة .. ويقال : قرع الفناء ـ يقرع ـ قرعا من باب «طرب» بمعنى : خلا من الغاشية ويقال : نعوذ بالله من قرع الفناء وصفر الإناء. وقال ثعلب : نعوذ بالله من قرع الفناء ـ بسكون الراء ـ على غير قياس ـ وفي الحديث عن عمر ـ رضي الله عنه ـ : «قرع حجكم» بمعنى : خلت أيام الحج من الناس .. وقارعة الدار : هي ساحتها. وذكر الرازي أيضا : وجمع «قارعة» هو قوارع .. ومنه قوارع القرآن : بمعنى : الآيات التي يقرؤها الإنسان إذا فزع من الجن مثل آية الكرسي كأنها تقرع الشيطان. وقارعه ـ تقريعا : بمعنى : عنفه ووبخه. أما الفعل «قرع» بكسر الراء أي من باب «طرب» نحو : قرع الرجل فمعناه : ذهب شعر رأسه فهو أقرع. ومن معاني «القارعة» أيضا : الشديدة من شدائد الدهر وهي الداهية وهو ما ذهب إليه معنى السورة.

تسمية السورة : سميت إحدى سور القرآن الكريم بالقارعة لهولها وهي اسم للقيامة وهي مثل الصاخة والطامة والحاقة وآياتها الثلاث : (الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) صدق الله العظيم. ومعناها : التعجب .. أي عجب الله تعالى من هول يوم القيامة أي ما أعظمه! ويلاحظ أن هذه اللفظة وردت ثلاث مرات في السورة الشريفة نفسها كما وردت في القرآن الكريم مرتين : في سورتي «الرعد» و «الحاقة» واللفظة «القارعة» مثل «الطارق» و «الطارقة» وزنا ومعنى أي يوم القيامة التي تقرع الناس بالذعر والإفزاع والأهوال .. وتقرع السماء والأجرام السماوية بالانشقاق والانفطار والأرض والجبال بالدك والنسف والنجوم بالطمس والانكدار .. والانفطار : هو التشقق والانتشار. وقيل في الأمثال : فلان لا تقرع له العصا : يضرب للمحنك المجرب الحكيم. وأصله أن

٦٨٨

عامر بن الظرب العدواني عند ما شاخ ضعف عقله فطلب من ابنته أن تقرع الترس إذا أنكرت من عقله شيئا عند الحكم.

فضل قراءة السورة : قال سيد الأبرار المختار محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «القارعة» ثقل الله بها ميزانه يوم القيامة» صدق رسول الله.

إعراب آياتها

(الْقارِعَةُ) (١)

(الْقارِعَةُ) : مبتدأ مرفوع بالضمة والجملة الاسمية «ما القارعة» في محل رفع خبر المبتدأ القارعة. وهي اسم يوم القيامة أي تقرع الناس بالفزع الأكبر ويربط هذه الآية وما بعدها إعادة المبتدأ بلفظه.

(مَا الْقارِعَةُ) (٢)

(مَا الْقارِعَةُ) : اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ ومعناه التعجب .. أي عجب الله نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من هول يوم القيامة بمعنى : ما أعظمه! القارعة : خبر «ما» مرفوع بالضمة. وهي الساعة الواجبة الوقوع الثابتة المجيء التي هي آتية لا ريب فيها. وجملة (الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ) ابتدائية لا محل لها والرابط بينهما إعادة المبتدأ ..

(وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) (٣)

(وَما أَدْراكَ) : الواو عاطفة. ما : اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. أدراك : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «ما» وهي فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ما» والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.

(مَا الْقارِعَةُ) : أعربت في الآية الكريمة الثانية والجملة الاسمية «ما القارعة» في محل نصب مفعول «أدرى» الثاني. وأدراك معلقة عن «ما»

٦٨٩

لتضمنه معنى الاستفهام بمعنى وأي شيء أعلمك ما القارعة بمعنى : إنك لا علم لك بكنهها ـ سرها ـ ومدى عظمها.

(يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) (٤)

(يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ) : ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بفعل محذوف دلت عليه القارعة أي تقرع يوم .. يكون : فعل مضارع ناقص مرفوع بالضمة. الناس : اسم «يكون» مرفوع بالضمة والجملة الفعلية «يكون الناس ..» في محل جر بالإضافة.

(كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) : حرف جر للتشبيه. الفراش : اسم مجرور بالكاف وعلامة جره الكسرة والجار والمجرور في محل نصب متعلق بخبر «يكون» المحذوف أو تكون الكاف اسما بمعنى «مثل» مبنيا على الفتح في محل نصب خبر «يكون» ويكون «الفراش» مضافا إليه مجرورا بالإضافة وعلامة جره الكسرة. المبثوث : صفة ـ نعت ـ للفراش مجرور مثله وعلامة جره الكسرة بمعنى كالفراش المنتشر حول النار أو الضوء أو نوم المصباح حائرا.

(وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) (٥)

الآية الكريمة معطوفة بالواو على الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها بمعنى كالصوف المندوف المتطاير.

(فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) (٦)

(فَأَمَّا مَنْ) : الفاء استئنافية. أما : حرف شرط وتفصيل لا عمل له وهو في معنى الشرط لأن جوابه لا بد من اقترانه بالفاء. من : اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر «من» والجملة الفعلية «ثقلت موازينه» صلة الموصول «ما» لا محل لها.

(ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) : فعل ماض مبني على الفتح فعل الشرط في محل جزم بمن والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. موازينه : فاعل مرفوع بالضمة والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل جر مضاف

٦٩٠

إليه وهي جمع «موزون» وهو العمل الذي وزن عند الله. أي موزونا من الأعمال الطيبة.

(فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (٧)

(فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) : الجملة الاسمية جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء رابطة لجواب الشرط. هو : ضمير رفع منفصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. في عيشة : جار ومجرور متعلق بخبر «هو» المحذوف. راضية : صفة ـ نعت ـ لعيشة مجرورة مثلها وعلامة جرهما ـ الموصوف والصفة ـ الكسرة المنونة بمعنى مرضية ذات رضا ـ فاعلة بمعنى مفعولة ـ.

** (الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ) : في هذا القول الكريم تكون «ما» للتعجب بمعنى : ما هي؟ أو أي شيء هي؟ تفخيما لشأنها وتعظيما لهولها فوضع الظاهر «القارعة» موضع المضمر «هي» لأنه أهول منه وأعيد الخبر بلفظ المبتدأ فقام الرابط مقام الضمير.

** (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) : شبه الناس بالفراش في الكثرة والانتشار والمبثوث : أي المتفرق. والفراش : جمع فراشة .. والفراش المبثوث : معناه : ما سقط بالليل في النار. ومن ذلك الحديث عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «ما يحملكم على أن تتابعوا في الكذب كما تتتابع الفراش في النار» والتتابع : هو التهافت. قال ابن خالويه : وأخبرنا أحمد بن عبدان عن علي عن أبي عبيد قال : إنما سمعنا التتابع في الشر ولم نسمع في الخير. ومثله : «فجعلناهم أحاديث» لا تكون أحاديث إلا في الشر .. ويقال : قوم سواسية : اي مستوون في الشر. ولا يكون في الخير. والمبثوث : المتفرق. يقال : قد بسط فلان خيره وبثه وبقه : إذا وسعه. وأنشد ابن دريد :

وبسط الخير لنا وبقه

فالناس طرا يأكلون رزقه

** (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) : وشبه سبحانه الجبال بالصوف الأحمر المصبوغ ألوانا وهو جمع «عهنة» وقال ابن خالويه : وقرأ عبد الله بن مسعود : «كالصوف المنفوش» ويقال : نفشت الصوف والقطن وسبخته إذا نفشته وخففته كما يفعل النادف. ويقال لقطع القطن وما يتساقط عند الندف : السبيخة. ويقال : سبخ الله عنك الحمى : أي خففها وسلها عنك. ومن ذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رأى عائشة تدعو على سارق سرقها .. فقال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «لا تسبخي عنه بدعائك عليه».

(وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) (٨)

هذه الآية الكريمة معطوفة بالواو على الآية الكريمة السادسة وتعرب إعرابها بمعنى وأما الذي خفت موزوناته .. أي رجحت سيئاته على حسناته. أو من خفت موزوناته من الأعمال في الدنيا.

٦٩١

(فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) (٩)

(فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) : الفاء رابطة لجواب الشرط. أمه : مبتدأ مرفوع بالضمة والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل جر مضاف إليه. هاوية : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة المنونة بمعنى : فمأواه النار.

** (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) : جمع «موزون» وهو العمل الذي له وزن عند الله تعالى أو يكون «جمع «ميزان» وثقلها رجحانها أي ثقلت من الحسنات بمعنى ثقلت لاتباعهم الحق في الدنيا وثقلها في الآخرة. وقيل : اختلف الناس في الموازين .. فقيل : إن العبد توزن أعماله تجعل حسناته في كفة وسيئاته في كفة فإن رجحت حسناته دخل الجنة وإن رجحت سيئاته هوى في النار ..

** (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) : المعنى : مأواه النار لأن جهنم تكون أما للكافر إذا كان مصيره إليها ومأواه وكل شيء جمع شيئا وضمه إليه فهو أم له. ومن ذلك قولهم : أم الرأس : وهو مجتمع الدماغ .. وأم القرى : وهي مكة المكرمة وتسمى أيضا أم رحيم .. وأم السماء : هي المجرة .. وأم عبيد : هي الصحراء .. وأم الكتاب : هو اللوح المحفوظ .. وأم القرآن : فاتحة الكتاب. وجمع «الأم» من الناس : أمهات ولغير العاقل أمات ويقال : هوت ـ تهوي ـ هويا فهي هاوية ـ اسم فاعلة. وكل شيء من قريب يقال : أهوى ـ الفعل الرباعي ـ وكل شيء من بعيد يقال : هوى ـ الفعل الثلاثي. قال تعالى : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) لأنه من بعيد. أي كما يأوي الطفل إلى أمه .. وفي القول تهكم بهم. وأصل الهاوية المكان المنخفض جدا.

(وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ) (١٠)

(وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ) : أعرب في الآية الكريمة الثالثة. هي : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع خبر «ما» الثانية. والهاء للسكت لتتبين بها حركة ما قبلها والضمير يعود على الداهية التي دل عليها قوله (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) أو هو ضمير «هاوية» بمعنى : وما أعلمك أيها الإنسان ما هذه الهاوية المهلكة والاستفهام فيه للتهويل والتعجب من هولها.

(نارٌ حامِيَةٌ) (١١)

(نارٌ حامِيَةٌ) : خبر مبتدأ محذوف تقديره : هي. أي هي نار. حامية : صفة ـ نعت ـ لنار مرفوعة مثلها وعلامة رفعهما ـ الموصوف والصفة ـ الضمة المنونة بمعنى : نار حارة أي شديدة الحرارة.

٦٩٢

سورة التكاثر

معنى السورة : التكاثر مصدر الفعل «تكاثر» نحو : تكاثر القوم : بمعنى تغلبوا في الكثرة أي غالب بعضهم بعضا فيها .. ومثله «كاثره» بمعنى : غالبه في الكثرة أو فاخره بكثرة المال أو العدد أو الرجال .. والتكاثر : هو التباهي بالكثرة والتباري فيها كأن يقول هؤلاء : نحن أكثر .. وهؤلاء : نحن أكثر. والفعل «تكاثر» فعل مزيد وفعله المجرد هو كثر واسم الفاعل منه : متكاثر .. وكل مصدر لفعل من وزن «تفاعل» يجيء على «تفاعل» نحو : التقاطع والتدابر إلا أن يكون الفعل معتلا فتكسر عين الفعل نحو : التداعي والتقاضي فإن كان مهموزا مثل «تباطأ» فمصدره : تباطؤا .. وتواطأ : ومصدره : تواطؤا.

تسمية السورة : سميت إحدى سور القرآن الكريم بهذه اللفظة وفيها تقريع بالمتفاخرين وتهكم بهم واستهلت هذه السورة الشريفة بقوله تعالى : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) صدق الله العظيم. نزلت هذه السورة الشريفة تبكيتا ـ أي تعنيفا وتقريعا ـ لهم. روي أن بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا أيهم أكثر عددا! فكثرهم بنو عبد مناف فقالت بنو سهم : إن البغي أهلكنا في الجاهلية فعادونا بالأحياء والأموات فكثرتهم بنو سهم ؛ ونزلت هذه السورة الشريفة تبكيتا لهم .. بمعنى : أنكم تكاثرتم بالأحياء حتى إذا استوعبتم عددهم صرتم إلى المقابر فتكاثرتم بالأموات .. عبر سبحانه عن بلوغهم ذكر الموتى بزيارة المقابر تهكما بهم. وقيل : كانوا يزورون المقابر فيقولون : هذا قبر فلان وهذا قبر فلان عند تفاخرهم؟ ومعنى الآية : ألهاكم ذلك وهو مما لا يعنيكم ولا يجدي عليكم في دنياكم وآخرتكم عما يعنيكم من أمر الدين الذي هو أهم وأعنى من كل مهم ؛ أو أراد سبحانه : ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد إلى أن متم وقبرتم منفقين أعماركم في طلب الدنيا والاستباق إليها والتهالك عليها إلى أن أتاكم الموت لا هم لكم غيرها عما هو أولى بكم من السعي لعاقبتكم والعمل لآخرتكم وقيل : اللهو هو الترويح عن النفس بما لا تقتضيه الحكمة .. قاله الطرطوشي.

٦٩٣

فضل قراءة السورة : قال عبد الله المؤمن ورسوله المكرم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) لم يحاسبه الله بالنعيم الذي أنعم به عليه في دار الدنيا وأعطي من الأجر كأنما قرأ ألف ليلة» صدق رسول الله. وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي بن عبد الله بن الشخير قال : انتهيت إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو يقول : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) يقول ابن آدم : مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت.

إعراب آياتها

(أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) (١)

(أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور حرك بالضم للوصل ـ التقاء الساكنين ـ التكاثر : فاعل مرفوع بالضمة بمعنى : شغلكم التباري ـ في كثرة الأولاد وجمع الأموال عن ذكر الله.

** (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) : يقال : تكاثر الشيء ـ يتكاثر ـ تكاثرا فهو متكاثر ـ اسم فاعل ـ.

** سبب نزول الآية : نزلت هذه السورة أو الآية في حيين من العرب تفاخروا تفاخرا وتكاثروا تكاثرا حتى عدوا أحياءهم فقال كل فريق منهم : منا فلان ومنا فلان .. فلما عدوا أحياءهم زاروا المقابر ـ القبور ـ فعدوا الأموات. وفي رواية : إذا متم ودفنتم علمتم حين ينزل بكم العذاب مغبة ما أنتم عليه من الكفر. وقيل : هناك من عكف همته على استيفاء اللذات ولم يعش إلا ليأكل الطيب ويلبس اللين ويقطع أوقاته باللهو والطرب لا يعبأ بالعلم والعمل ولا يحمل نفسه مشاقهما .. هذا النفر من الناس الذي يحيا هكذا حياة يحسب أنه في نعيم وهو نعيم يعاتب ويسأل عنه الإنسان ويحاسب يوم القيامة وهو ما دلتنا عليه الآية الكريمة المذكورة آنفا. وأصل «الإلهاء» هو الصرف إلى اللهو .. من لها ـ يلهو ـ لهوا بالشيء .. من باب «عدا» بمعنى : لعب به وتلهى به مثله ويقال : إله يا رجل عن الشيء : أي اتركه ولهي عن الشيء لهيا : أي ترك ذكره. وكان ابن الزبير إذا سمع صوت الرعد لهي عن حديثه : بمعنى : تركه وأعرض عنه. ويقال : سوف يلهو لهوا بمعنى : سوف يغفل. وقيل : ستسألون عن اللهو والتنعم الذي شغلكم الالتذاذ به عن الدين : أي عن ذكر ربكم. أما النعيم الذي لا يشغل الإنسان عن ذكر ربه فهو نعيم مباح ولا يعاتب عليه لأنه في هذه الحالة يكون تمتعا بنعمة الله ورزقه اللذين لم يخلقهما سبحانه إلا لعباده الذين ينكبون على دراسة العلم والقيام بالعمل وهم ناهضون بالشكر. وإلى ذلك أشار رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فيما يروى أنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أكل وهو وأصحابه تمرا وشربوا عليه ماء فقال : الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين.

٦٩٤

(حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) (٢)

(حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) : حرف غاية وابتداء. زرتم : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور. المقابر : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. وزيارة المقابر : عبارة عن الموت بمعنى : صرتم إلى المقابر فتكاثرتم بالأموات. وفي القول الكريم تهكم بهم. أو بمعنى : حتى متم ودفنتم في القبور.

(كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٣)

(كَلَّا) : حرف ردع وتنبيه على أن لا ينبغي أن لا يهتم الناظر لنفسه بدينه. وقيل هو حرف ردع وزجر لا عمل له ويجوز أن يكون بمعنى : حقا. وليس ردا. أو بمعنى : ليس الأمر كما تريدون.

(سَوْفَ تَعْلَمُونَ) : حرف تسويف ـ استقبال ـ وفيه وعيد وتهديد وإنذار ليخافوا فينتبهوا عن غفلتهم. تعلمون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى تعلمون الخطأ فيما أنتم عليه.

(ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٤)

الآية الكريمة معطوفة على الآية السابقة بحرف العطف «ثم» وتعرب إعرابها وهي توكيد لفظ لأنها مكررة أي تأكيد للردع والإنذار وهو أبلغ من الأول وأشد.

(كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) (٥)

(كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ) : بدل من «كلا» الأولى. لو : حرف شرط غير جازم. وجواب الشرط محذوف .. للتهويل بمعنى لو تعلمون ذلك لفعلتم ما لا يوصف أو لتركتم التفاخر. تعلمون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل أي لو تعلمون ذلك علما يقينا حقا. بمعنى لو تعلمون علما يقينا سوء عاقبة عملكم.

٦٩٥

(عِلْمَ الْيَقِينِ) : مفعول مطلق ـ مصدر ـ لبيان نوع الفعل منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. اليقين : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. وقال الأخفش : الأصل : وعلم اليقين وهو قسم فحذفت واو القسم ـ حرف الجر ـ فنصب علم على المصدر.

(لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) (٦)

(لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) : اللام واقعة في جواب قسم محذوف والجملة جواب القسم المحذوف لا محل لها. التقدير : والله لترون الجحيم هذا إذا لم يكن «علم اليقين» قسما وفي حالة جعله قسما تكون اللام جوابه أو موطئة أو موصلة له. ترون : فعل مضارع مبني على حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة وسبب بنائه على حذف النون اتصاله بنون التوكيد الثقيلة وواو الجماعة المحذوفة لالتقائها ساكنة مع نون التوكيد الثقيلة في محل رفع فاعل ونون التوكيد الثقيلة لا محل لها والقسم هنا لتوكيد الوعيد .. وإن ما أوعدوا به لا شك فيه. الجحيم : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى لترون بعد الموت والبعث النار المتقدة المستعرة.

(ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) (٧)

(ثُمَّ لَتَرَوُنَّها) : حرف عطف. ترون : معطوفة على «ترون الجحيم» وتعرب إعرابها. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. أي الرؤية التي هي نفس اليقين ويجوز أن يراد بالرؤية العلم والابصار .. وفي التكرار تغليظ في التهديد وزيادة في التهويل .. وتأكيد لما قبله.

(عَيْنَ الْيَقِينِ) : توكيد للضمير «ها» منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف اليقين : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. أي هي اليقين عينه أي نفسه بمعنى ترونها بأعينكم عند ما تصلون فيها. أي عند ما تدخلون فيها بمعنى : رؤية هي نفس اليقين.

٦٩٦

** (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية .. لم تنون لأنها معرفة بالألف واللام ولو جردت من «أل» لم تنون ـ لم تنصرف ـ أيضا لأنها على وزن ـ مفاعل ـ ولأنها صيغة منتهى الجموع بعد ألفها حرفان وهذا الجمع لا ينصرف في معرفة ولا نكرة. وهي جمع «مقبرة» ثلاثية الباء أي تلفظ بضم الباء وفتحها وكسرها وهي اسم موضع. ويقال : أقبره فهو مقبر والمقبر ـ اسم فاعل ـ هو الله تعالى وفعله رباعي «أقبر» واسم الفاعل من الثلاثي «قبر» هو قابر وهو الدافن. والمقبور ـ اسم مفعول ـ قال تعالى في سورة «عبس» فأقبره. قال الأعشى :

لو أسندت ميتا إلى نحرها

عاش ولم ينقل إلى قابر

حتى يقول الناس مما رأوا

يا عجبا للميت الناشر

وكان الحجاج قد صلب رجلا يقال له صالح .. فجاءه قومه فقالوا : أيها الأمير أقبرنا صالحا : أي اجعله ذا قبر.

** (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) : في هذا التكرار تأكيد للردع والإنذار عليهم وهو توكيد للتهديد والإيعاد وهو أبلغ من الأول وأشد كما قال تعالى : «ويل للمكذبين» مكررا في سورة «المرسلات» وفي نظائر له في القرآن. ومثله قول الشاعر :

هلا سألت جموع كن

دة حين ولوا أين أينا

والشاعر المستهزئ بهم هو عبيد بن الأبرص .. بمعنى : أين يفرون وقال .. وبعض القوم يسقط بين بينا وأنشدنا ابن دريد :

بين الأشج وبين قيس بيته

بخ بخ لوالده وللمولود

فأعاد «بين» مرتين وكذلك «بخ بخ» وهي كلمة تقال عند الرضا بالشيء وهي مبنية على الكسر والتنوين وتخفف في الأكثر. وهذا الشاعر أخذه الحجاج فقال : أنت القائل : «بخ بخ لوالده»؟ قال نعم. قال : والله لا تبخبخ بعدها أبدا. يا حرسي أضربا عنقه.

** (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) : المعنى ثم لتسألن يوم الحساب عن نعيم الدنيا الذي شغلكم عن العمل للآخرة .. وقال التفسير الوجيز : ثم : للترتيب الأخباري ؛ لأن السؤال في موقف الحساب قبل رؤية جهنم. قال ابن خالويه : اختلف الناس في «النعيم» أي في معناها هنا فقد قيل : هي عن ولاية علي بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ وقيل عن شرب الماء البارد وقيل : عن أكل خبز البر أي القمح وقيل عن الرطب وقيل عن النورة في الحمام وذلك أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كان رجلا أهلب ـ أي كثير الشعر ـ وبمعنى الذي لا شعر له فهو من الأضداد ـ فقيل : يا أمير المؤمنين لو تنورت! فقال : إنه من النعيم. وكان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ خرج مع جماعة من أصحابه وقد مسهم الجوع فعدلوا إلى بيت الأنصاري .. فقدم لهم ماء باردا ورطبا فأكلوا من ذلك الرطب وشربوا من ذلك الماء. فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «أما إنكم ستسألون عن هذا النعيم» قيل : يا رسول الله فما ذا شكره؟ قال : «أن تحمدوا الله إذا أكلتم» ثم قال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «ثلاث لا يسال العبد عنهن : بيت يواريه من الحر والبرد .. وثوب يواري جسده .. وطعام يقيم به صلبه للصلاة».

(ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (٨)

٦٩٧

(ثُمَّ لَتُسْئَلُنَ) : حرف عطف. اللام واقعة في جواب قسم محذوف والجملة جواب القسم المحذوف لا محل لها التقدير : والله لتسألن .. تسألن : فعل مضارع مبني للمجهول مبني على حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة وسبب بنائه على حذف النون اتصاله بنون التوكيد الثقيلة وواو الجماعة المحذوفة لالتقائها ساكنة مع نون التوكيد الثقيلة في محل رفع نائب فاعل ونون التوكيد لا محل لها.

(يَوْمَئِذٍ) : ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بتسألن وهو مضاف و «إذ» اسم مبني على السكون الظاهر على آخره حرك بالكسر تخلصا من التقاء الساكنين : سكونه وسكون التنوين وهو في محل جر بالإضافة وهو مضاف أيضا والجملة المحذوفة المعوض عنها بالتنوين في محل جر بالإضافة. التقدير : يومئذ ترونها بمعنى يوم القيامة .. يوم الحساب والجزاء.

(عَنِ النَّعِيمِ) : جار ومجرور متعلق بتسألن وكسرت نون «عن» لالتقاء الساكنين بمعنى عن نعيم الدنيا الذي ألهاكم أو شغلكم عن ذكر ربكم.

***

٦٩٨

سورة العصر

معنى السورة : العصر : يرمز إلى مفردات ومعان شتى .. فهو الدهر .. وهو اليوم أو الليلة أو آخر النهار إلى الشفق ـ أي احمرار الشمس ـ وشاع استعماله مع وقت من أوقات الصلاة بل سمي بها أو سميت به فقيل : حان وقت صلاة العصر .. أو أذن لصلاة العصر. و «العصر» إذا وردت مع الصلاة فهي مؤنثة وإن جاءت منفردة أي بدون ذكر الصلاة فهي تذكر وتؤنث .. أما «العصران» فهما الغداة والعشي. وتجمع كلمة «العصر» على «أعصر» وهو جمع قلة .. وعصور .. وهو جمع كثرة. وقيل : العصران إضافة لما تقدم مثنى «العصر» أي هما الليل والنهار نحو أتى عليه العصران. قال الشاعر وهو يستعمل جمع الكثرة :

تعففت عنها في العصور التي مضت

فكيف التصابي بعد ما خلا العمر

وقال آخر في جمع القلة :

تذكرت ليلي والشبيبة أعصرا

وذكر الصبا نوح على من تذكرا

وفي رواية : وذكر الصبا برح : بمعنى : شدة.

تسمية السورة : كرم سبحانه وتعالى صلاة العصر فسمى إحدى سور القرآن الكريم بسورة «العصر» لفضلها وقال عزّ من قائل في آيتها الكريمة الأولى : (وَالْعَصْرِ) أي أقسم سبحانه بصلاة العصر لفضلها أو وحق صلاة العصر فحذف المضاف المقسم به «صلاة» وأقيم المضاف إليه «العصر» اختصارا لأنه معلوم ولفضله بدليل قوله تعالى في سورة «البقرة» : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) صدق الله العظيم. أي وصلاة العصر. وقيل : قد يكون القسم بعصر النبوة أو بالدهر لاشتماله على الأعاجيب لأن «العصر» مرادف للدهر.

فضل قراءة السورة : قال المختص بجوامع الكلم وروائع الحكم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «والعصر» غفر الله له وكان ممن تواصى

٦٩٩

بالحق وتواصى بالصبر» صدق رسول الله. وقال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله بمعنى : ظلم أهله ونقص ماله ولأن التكليف في أداء صلاة العصر أشق لتهافت الناس في تجارتهم ومكاسبهم آخر النهار واشتغالهم بمعايشهم واخرج الطبراني عن عبيد الله بن حفص قال : كان الرجلان من أصحاب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إذا التقيا لم يفترقا إلا أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة «العصر» إلى آخرها ثم يسلم أحدهما على الآخر وأخرجه البيهقي عن أبي حذيفة.

إعراب آياتها

(وَالْعَصْرِ) (١)

(وَالْعَصْرِ) : الواو واو القسم حرف جر. العصر : اسم مجرور بواو القسم وعلامة جره الكسرة والجار والمجرور متعلق بفعل القسم المحذوف.

(إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) (٢)

(إِنَّ الْإِنْسانَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل وهي واقعة في جواب قسم وكسرت همزتها لوقوعها في جواب القسم ووجود لام التوكيد في خبرها. الإنسان : اسم «إن» منصوب وعلامة نصبه الفتحة. والمراد به جنس الإنسان. قال المبرد : الإنسان هاهنا جمع في معنى الأناسي والناس.

(لَفِي خُسْرٍ) : اللام لام التوكيد ـ المزحلقة ـ في خسر : جار ومجرور متعلق بخبر «إن» المحذوف بمعنى لفي خسران في إيثار الدنيا والجملة من «إن» مع اسمها وخبرها : لا محل لها لأنها جواب القسم المحذوف.

** (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) : الإنسان في معنى الجمع لأنه اسم «جنس» أو يراد به الناس .. ولهذا استثني منه مستثنى جمع في الآية الكريمة التالية (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) ولو كان «الإنسان» واحدا ـ هنا لم يجز الاستثناء منه. وأصل «الإنسان» إنسيان .. وهو لفظ يقع للذكر والأنثى من بني آدم .. كما يقال : بعير فيقع على الناقة والجمل. وربما أكدت العرب فقالوا : إنسان وإنسانة. وقال ابن خالويه وهو يؤكد قوله هذا : وأنشدني أبو علي الروذرآوري «نسبة إلى روذرآور : بلدة قرب «همذان» :

إنسانة تسقيك من إنسانها

خمرا حلالا مقلتاها عنبه

٧٠٠