إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ١٠

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ١٠

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٤٩

(وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) : معطوف بالواو على «الفجر» ويعرب إعرابه. إذا : ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بحال محذوفة من «الليل» التقدير : أقسم بالليل كائنا إذا يسري. يسر : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة للثقل على الياء المحذوفة خطا واختصارا ولتشابه رءوس الآيات التي قبلها والكسرة دالة على الياء المحذوفة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو بمعنى يسري فيه.

(هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) (٥)

(هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ) : حرف استفهام لا محل له. في : حرف جر. ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بفي. اللام للبعد والكاف حرف خطاب والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم محذوف. قسم : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة أي قسم كاف لصاحب عقل؟

(لِذِي حِجْرٍ) : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «قسم» وعلامة جر «ذي» الياء لأنه من الأسماء الخمسة وهو مضاف و «حجر» مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة بمعنى هل في إقسامي بهذه الأشياء إقسام لذي عقل.

** (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة .. المعنى : يمضي .. أو يذهب أي يسري فيه أو يقبل بعد النهار .. يقال : سرى ـ يسري ـ سرى ـ بضم السين ـ ومسرى وأسرى : إسراء : أي سار ليلا وجاء القرآن الكريم بالفعلين : الثلاثي والرباعي في آياته البينات وعن ابن عباس : حذفت ياء «يسري» في الدرج ـ أي في الكتابة ـ اختصارا واكتفاء عنها بالكسرة الدالة عليها .. وأما في الوقف فتحذف الياء مع الكسرة. قال أبو زيد : ويكون السرى أول الليل وأوسطه وآخره .. وقد استعملت العرب الفعل «سرى» في المعاني تشبيها لها بالأجسام مجازا واتساعا كقوله تعالى في هذه الآية الكريمة .. والمعنى : إذا يمضي .. وقيل : إذا سار وذهب. قال جرير :

سرت الهموم فبتن غير نيام

وأخو الهموم يروم كل مرام

وقال الفارابي : يقال : سرى فيه السم والخمر ونحوهما : بمعنى : أثرا فيه. وزاد ابن القطاع على ذلك بقوله : وسرى عليه الهم : أي أتاه ليلا وسرى همه : بمعنى ذهب. قال الفيومي : إن إسناد الفعل إلى المعاني كثير في كلام العرب .. نحو : طاف الخيال .. وذهب الهم وأخذه الكسل والنشاط. وقول الفقهاء : سرى الجرح إلى النفس .. معناه : دام ألمه حتى حدث منه الموت. وقطع كفه فسرى إلى ساعده : أي تعدى أثر الجرح وهذه الألفاظ

٦٠١

جارية على ألسنة الفقهاء وليس لها ذكر في الكتب المشهورة لكنها موافقة لما تقدم. قال الشاعر : أكل امرئ تحسبين امرأ ونار توقد بالليل نارا أي وتحسبين كل نار توقد بالليل نارا وهنا حذف المضاف وبقي المضاف إليه مجرورا على حالته بدون أن يعرب إعراب المضاف المحذوف وكان المحذوف معطوفا على مثله لفظا ومعنى. وأصله : تتوقد حذفت إحدى التاءين.

** (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة. المعنى : هل في هذا الإقسام بهذه الأشياء حلف لصاحب عقل يعتبره ويؤكد به .. وسمي «العقل» حجرا لأنه يمنع ـ يحجر ـ الإنسان عما لا يليق به أو لا ينبغي .. نحو : حجر عليه ـ يحجر ـ حجرا .. من باب «قتل» بمعنى : منعه التصرف فهو محجور عليه والفقهاء يحذفون الصلة «عليه» تخفيفا لكثرة الاستعمال .. فيقولون : محجور ـ اسم مفعول ـ وهو سائغ. و «الحجر» بكسر الحاء هو العقل. وقال الفيومي : الحجر : هو حطيم مكة : أي جدار حجر الكعبة من جهة الميزاب : أي من جهة القناة وهو مسيل الماء في الوادي : أي هو ما حواه الحطيم المدار بالبيت الحرام. أما «الحجر» بفتح الحاء والجيم ـ وجمعه : أحجار وحجارة فمعروف .. يقال : ألقمه الحجر : بمعنى : أفحمه بجواب مسكت قاطع وبه سمي الرجل. قال بعضهم : ليس في العرب «حجر» بفتحتين اسما إلا أوس ابن حجر وأما غيره فيلفظ بضم الحاء وسكون الجيم. وهو من شعراء تميم في الجاهلية زوج أم زهير بن أبي سلمى ـ بضم السين ـ وهو أحد أصحاب المعلقات السبع .. وفي شعره حكمة ورقة. وله بيت شعر تبرز فيه أهمية الله سبحانه بالنسبة إلى آلهة الجاهلية :

وباللات والعزى ومن دان دينها

وبالله إن الله منهن أكبر

واشتهر الشاعر برزانته وحبه للسلام. وقد نظم معلقته ـ وهي الثالثة في المعلقات على أثر الحرب التي دارت رحاها بين عبس وفزارة بسبب سباق داحس والغبراء .. وهو دقيق الوصف متين التنسيق .. رزين : مترو .. يعتبر من أشعر شعراء عصره .. ميال إلى الحكم ولقب بالشاعر الحكيم وفي ديوانه سطر معلقته التي ذكر فيها حرب السباق المذكورة ومساعي بعضهم في سبيل الصلح ومدح بها المصلحين لحقن الدماء. وفي قصيدته كثير من المدح مع شيء من الهجاء والفخر وحذر الفريقين من شر الخيانة وإضمار الحرب .. وقد توسع في وصف الحرب ونتائجها المشئومة .. ثم ختم معلقته بحكمه التي استحق بها لقب «الشاعر الحكيم» و «حجرا» مصدر الفعل «حجر» يلفظ بتثليث الحاء. ويقال : حجرا له : بمعنى : دفعا. تقوله العرب عند الأمر الذي تنكره .. وقولهم «حجرا محجورا» كلمة يتكلمون بها عند لقاء عدو أو هجوم نازلة هائلة يضعونها موضع الاستعاذة حيث يطلبون من الله تعالى أن يمنع المكروه فلا يلحقهم لأن المستعيذ طالب من الله أن يمنع المكروه فلا يلحقه.

** (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ ..) إرم ذات العماد .. التى لم يخلق مثلها فى البلاد : هذه الأقوال الكريمة هي نصوص الآيات : السادسة .. السابعة .. والثامنة. المعنى : ألم تخبر كيف فعل الله ببني ـ أولاد عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح ـ قوم ـ هود ـ أصحاب ـ سبط ـ إرم وأهل إرم إن أريد اسم قبيلتهم التي لم يوجد مثلها في البلاد و «ذات العماد» أي ذات العماد الرفيع أو الرفعة والثبات و «عاد» اسم قبيلة و «إرم» : اسم قبيلة وهو أيضا جد «عاد» وهو

٦٠٢

عاد بن عوص بن إرم بن سام. من لم يضف الاسم «عادا» جعل «إرم» اسمه ولم يصرفه لأنه جعل عادا اسم أبيهم. وإرم اسم القبيلة وجعله بدلا منه .. ومن قرأ بالإضافة ولم يصرفه جعله اسم أمهم أو اسم بلدة. وقيل لعقب «عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح» عاد .. كما يقال لبني هاشم : هاشم ثم قيل للأولين منهم : عاد. و «إرم» تسمية لهم باسم جدهم .. ولمن بعدهم «عاد» الأخيرة. وفي الآية الكريمة تكون «إرم» عطف بيان لعاد وإيذانا بأنهم «عاد» الأولى القديمة .. وقيل : إرم : بلدتهم وأرضهم التي كانوا فيها .. ويدل عليه قراءة «ابن الزبير» بعاد إرم على الإضافة وتقديره : بعاد أهل إرم كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) أي واسأل أهل القرية .. ولم تنصرف قبيلة كانت أو أرضا للتعريف والتأنيث .. وقرأ الحسن بعاد إرم مفتوحتين .. وقرئ بعاد إرم ـ بسكون الراء ـ تخفيفا وقرئ بعاد إرم ذات العماد بإضافة «إرم» إلى ذات العماد. و «الإرم» هو العلم يعني بعاد أهل أعلام ذات العماد .. و «ذات العماد» اسم المدينة. و «ذات العماد» إذا كانت صفة للقبيلة فالمعنى : أنهم كانوا بدويين أهل عمد أو طوال الأجسام على تشبيه قدودهم بالأعمدة وقيل : ذات البناء الرفيع .. وإن كانت صفة للبلدة فالمعنى : أنها ذات أساطير .. وروي أنه كان لعاد ابنان : شداد .. وشديد .. فملكا وقهرا ثم مات شديد وخلص الأمر لشداد فملك الدنيا ودانت له ملوكها .. فسمع بذكر الجنة فقال : أبني مثلها! فبنى «إرم» في بعض صحارى عدن في ثلاث مائة سنة وكان عمره تسعمائة سنة وهي مدينة عظيمة قصورها من الذهب والفضة وأساطينها من الزبرجد والياقوت .. وفيها أصناف الأشجار والأنهار المطردة ولما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا.

** (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا .. وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) : هذان القولان الكريمان هما نصا الآيتين الكريمتين التاسعة عشرة والعشرين .. المعنى : وتأكلون الميراث أكلا ذا لم وهو الجمع بين الحلال والحرام .. قال الحطيئة :

إذا كان لما يتبع الذم أهله

فلا قدس الرحمن تلك الطواحنا

يعني أنهم يجمعون في أكلهم بين نصيبهم في الميراث ونصيب غيرهم : أي إذا كان الأكل ذا لم وجمع بين ما يحمد وما لا يحمد ولا ينفك الذم عن صاحب الأكل يتبعه كالطفل فلا قدس الرحمن تلك الأسنان التي طحنت المأكول. والطواحن : هي الأضراس التي تسمى الأرحاء.

** (يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة والعشرين .. وفيه نودي «ليت» وهو غير عاقل للتعجب والأمر الشديد فالله تعالى يعبر عن حال من تمنى أن يقدم أعمالا صالحة فالتمني مصحوب بحسرة ولوعة.

** (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ..) ارجعى إلى ربك راضية مرضية .. فادخلى فى عبادى .. وادخلى جنتى : هذه الأقوال الكريمة هي نصوص الآيات الأواخر من هذه السورة الشريفة .. أي يقول الله المطمئنة : يا أيتها النفس إما أن يكلمه إكراما له كما كلم موسى ـ عليه‌السلام ـ أو على لسان ملك. والمطمئنة أي الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن وهي النفس المؤمنة أو المطمئنة إلى الحق ويقال لها عند الموت أو عند البعث أو عند دخول الجنة على معنى : ارجعي إلى

٦٠٣

موعد ربك راضية بما أوتيت مرضية عند الله. فادخلي في جملة عبادي الصالحين وادخلي جنتي معهم. قال الشاعر يناجي رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ :

فدى لك موروثا أبي وأبو أبي

ونفسي ونفسي بعد بالناس أطيب

بك اجمعت أنسابنا بعد فرقة

فنحن بنو الإسلام ندعى وننسب

** سبب نزول الآية : قيل : نزلت في حمزة بن عبد المطلب. وقيل : في حبيب بن عدي الذي صلبه أهل مكة وجعلوا وجهه إلى المدينة فقال : اللهم إن كان لي عندك خير فحول وجهي نحو قبلتك .. فحول الله وجهه نحوها فلم يستطع أحد أن يحوله والظاهر : العموم. وقال ابن عباس : نزلت في عثمان حين اشترى بئر رومة لسقاية المسلمين.

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ) (٦)

(أَلَمْ تَرَ) : الألف ألف استفهام لفظا بمعنى : التقرير. لم : حرف نفي وجزم وقلب. تر : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف آخره ـ حرف العلة .. الألف المقصورة ـ وبقيت الفتحة دالة عليها والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت بمعنى : ألم تعلم والمخاطب هو الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأصل الفعل «ترأى» حذفت الهمزة تخفيفا ويجوز أن يكون المخاطب من لم ير ولم يسمع لأن الكلام جرى مجرى المثل في التعجيب وفي هذه الحالة يكون الفاعل ضميرا مستترا جوازا تقديره هو بمعنى : ألم تعلم أو ألم تخبر؟ وتكون الهمزة همزة توبيخ بلفظ استفهام.

(كَيْفَ فَعَلَ) : اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال. فعل : ماض مبني على الفتح والجملة الاستفهامية في محل نصب مفعول به للفعل «ترى».

(رَبُّكَ بِعادٍ) : فاعل مرفوع بالضمة والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل جر بالإضافة. بعاد : جار ومجرور متعلق بفعل وصرف «عاد» لأنه اسم الأب أو الجد وليس اسم القبيلة أي بعاد الأولى ـ قوم هود ـ الذين عذبوا بالصيحة بمعنى ببني عاد.

(إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) (٧)

(إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) : عطف بيان لعاد مجرور مثله وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للتعريف والتأنيث المراد اسم قبيلة أو

٦٠٤

أرض .. وأصله : أهل إرم فحذف المضاف اختصارا «أهل» وأقيم المضاف إليه «أرم» مقامه. ذات : صفة ـ نعت ـ لإرم مجرور مثله وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. العماد : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى : ذات الرفعة أو ذات العماد الرفيع أو بعاد أهل أعلام ذات العماد ـ أي سكان الخيام العالية ـ.

(الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) (٨)

(الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ) : اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة ثانية لإرم. لم : حرف نفي وجزم وقلب. يخلق : فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره والجملة الفعلية «لم يخلق مثلها ..» صلة الموصول لا محل لها.

(مِثْلُها فِي الْبِلادِ) : نائب فاعل مرفوع بالضمة و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة. في البلاد : جار ومجرور متعلق بيخلق بمعنى : لم يخلق الله مثل عاد في البلدان في بطشهم وشدتهم وقوتهم.

(وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ) (٩)

(وَثَمُودَ الَّذِينَ) : معطوفة بالواو على «عاد» وتعرب إعرابها وعلامة جرها الفتحة بدلا من الكسرة المنونة لأنها ممنوعة من الصرف للتأنيث والتعريف ولأنها اسم قبيلة. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به بفعل محذوف تقديره : أعني أو يكون في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره : هم أو يكون في محل جر صفة لموصوف محذوف مجرور بتقدير بأهل ثمود الذين ..» وهم قوم صالح.

(جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الصخر : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى : قطعوا صخر الجبال واتخذوا فيها بيوتا. بالواد : جار ومجرور متعلق بجابوا وعلامة جر الاسم الكسرة المقدرة للثقل على الياء المحذوفة

٦٠٥

خطا واختصارا وبقيت الكسرة المجانسة للياء دالة على الياء وحذفت الياء أيضا مراعاة لفواصل ـ رءوس ـ الآيات. أي لتشابه رءوس الآي. أي بوادي القرى على طريق الشام من المدينة المنورة.

(وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) (١٠)

(وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) : معطوف بالواو على «ثمود» ويعرب إعرابه بمعنى : وبفرعون ومنع الاسم من الصرف لأنه اسم أعجمي. ذي : صفة ـ نعت ـ لفرعون مجرور مثله وعلامة جره الياء لأنه من الأسماء الخمسة وهو مضاف. الأوتاد : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وسمي «ذي الأوتاد» لكثرة جنوده ومضاربهم ـ خيمهم ـ أي صاحب المباني العالية الشامخة كشموخ الجبال.

(الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ) (١١)

(الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ) : تعرب إعراب الآية الكريمة التاسعة والجار والمجرور «في البلاد» متعلق بطغوا بمعنى تجاوزوا الحدود أو يكون «الذين» خبر مبتدأ محذوف تقديره : هؤلاء «عاد وثمود وفرعون» هم الذين .. وتكون الجملة الاسمية «هم الذين» في محل رفع خبر المبتدأ المحذوف «هؤلاء» على التفسير.

(فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ) (١٢)

(فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ) : معطوفة بالفاء على «طغوا في البلاد» وتعرب إعرابها. الفساد : مفعول به منصوب بالفتحة. أي. بكفرهم وقتلهم الناس وظلمهم.

(فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) (١٣)

(فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ) : الفاء عاطفة سببية. صب : فعل ماض مبني على الفتح. على : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بصب. ربك : فاعل مرفوع بالضمة والكاف ضمير متصل

٦٠٦

ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل جر بالإضافة بمعنى : فأنزل بهم أي بهؤلاء القوم الكفرة.

(سَوْطَ عَذابٍ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. عذاب : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة بمعنى : ألم سوط عذاب أو نصيب عذاب والمراد الشدة لأن الضرب بالسوط أعظم ألما.

(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) (١٤)

(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. ربك : اسم «إن» منصوب وعلامة نصبه الفتحة والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه. اللام لام التوكيد ـ المزحلقة. بالمرصاد : جار ومجرور متعلق بخبر «إن» المحذوف بمعنى : إن ربك مراقبك لا يفوته شيء. ويرصد أعمال عباده جميعا.

(فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) (١٥)

(فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا) : الفاء استئنافية متعلقة بقوله «إن ربك لبالمرصاد». أما : حرف شرط وتفصيل لا عمل له. الإنسان : مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة. إذا : ظرف زمان بمعنى «حين» مبني على السكون في محل نصب.

(مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) : زائدة ويجوز أن تكون صلة. ابتلاه فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم. ربه : فاعل مرفوع بالضمة. والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل جر مضاف إليه والجملة الفعلية «ابتلاه ربه» في محل جر بالإضافة بمعنى اختبره بالغنى.

(فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ) : الجملتان معطوفتان بحرفي العطف الفاء والواو على جملة «ابتلاه» وتعربان إعرابها وعلامة بناء الفعلين الفتحة الظاهرة على آخرهما وفاعلهما ضمير مستتر جوازا تقديره هو أي الرب سبحانه.

٦٠٧

(فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) : الفاء واقعة في جواب «أما». يقول : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هو والجملة الفعلية «يقول ..» في محل رفع خبر المبتدأ «الإنسان». ربي : مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على الباء حذفت بسبب حركة تجانس الياء والياء ضمير متصل ـ ضمير المتكلم ـ في محل جر بالإضافة. والجملة الاسمية «ربي أكرمني» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ أكرمن : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. النون نون الوقاية وأصله أكرمني وحذفت الياء خطا واختصارا ولملاءمة رءوس الآي والياء المحذوفة ضمير متصل ـ ضمير المتكلم ـ في محل نصب مفعول به وبقيت الكسرة دالة على الياء المحذوفة وجملة «أكرمني» في محل رفع خبر المبتدأ.

(وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) (١٦)

الآية الكريمة معطوفة بالواو على الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها وحذف المبتدأ هنا لأن ما قبله يدل عليه وفاعل «ابتلاه» ضمير مستتر جوازا تقديره هو. عليه : جار ومجرور متعلق بقدر بمعنى : ضيق. رزقه : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل جر مضاف إليه.

(كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) (١٧)

(كَلَّا بَلْ لا) : حرف ردع وزجر أي ردع للإنسان عن قوله هذا. بل : حرف إضراب يفيد هنا التحقيق. لا : نافية فيها تأكيد الجحد.

(تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. اليتيم : مفعول به منصوب بالفتحة أي تحسنون إليه.

(وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) (١٨)

(وَلا تَحَاضُّونَ) : معطوفة بالواو على «لا تكرمون» وتعرب مثلها وأصل الفعل. تتحاضون .. حذفت إحدى التاءين تخفيفا.

٦٠٨

(عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) : جار ومجرور متعلق بتحاضون. المسكين : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى : ولا يحض بعضكم بعضا بمعنى ولا تحثون بعضكم بعضا على إطعام المسكين.

(وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا) (١٩)

(وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ) : الواو عاطفة. تأكلون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. التراث : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى : الميراث.

(أَكْلاً لَمًّا) : مفعول مطلق ـ مصدر ـ منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. لما : صفة ـ نعت ـ للموصوف «أكلا» منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى : أكلا ذا لم وهو الجمع بين الحلال والحرام.

(وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) (٢٠)

الآية الكريمة معطوفة بالواو على الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها بمعنى : حبا شديدا مع الحرص والشره.

(كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) (٢١)

(كَلَّا إِذا) : حرف ردع وزجر أي ردع لهم عن ذلك وإنكار لفعلهم. إذا : ظرف لما يستقبل من الزمن متضمن معنى الشرط خافض لشرطه متعلق بجوابه وجوابه أو عامل النصب فيه «يتذكر» في الآية الثالثة والعشرين.

(دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا) : الجملة الفعلية في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد الظرف «إذا» وهي فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها وحركت بالكسر لالتقاء الساكنين. الأرض : نائب فاعل مرفوع بالضمة. دكا : مفعول مطلق ـ مصدر ـ منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى دكا متتابعا.

(دَكًّا) : مصدر مؤكد تأكيد للأول أو تكرار له منصوب مثله ويعرب إعرابه. بمعنى : دكا بعد دك حتى عادت هباء منثورا. وقيل : كرر المصدر

٦٠٩

الثاني تأكيدا وقيل : ليست من تأكيد الاسم خلافا لكثير من النحويين لأن المعنى : دكا بعد دك وإن الدك كرر عليها حتى صارت هباء منثورا بعد زلزالها المهدم لكل شيء.

(وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (٢٢)

(وَجاءَ رَبُّكَ) : الواو عاطفة. جاء : فعل ماض مبني على الفتح. ربك : فاعل مرفوع بالضمة والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه بمعنى : وجاء أمر ربك وظهرت آيات اقتداره سبحانه وحذف المضاف الفاعل «أمر» لدلالة قرينة عليه فقام المضاف إليه مقامه في إعرابه رفعا.

(وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) : الواو عاطفة. الملك : معطوف على «الأمر» أي فاعل «جاء» بمعنى : وجاء الملك مرفوع وعلامة رفعه الضمة. صفا : حال من «الملك» وهو في الأصل مصدر لفعل محذوف تقديره : يصطفون صفا .. منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. صفا : تأكيد للمصدر الأول منصوب مثله ويعرب إعرابه بمعنى : ينزل ملائكة كل سماء فيصطفون صفا بعد صف.

(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) (٢٣)

(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) : الواو حرف عطف. جيء : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. يوم : ظرف زمان منصوب وعلامة نصبه الفتحة متعلق بجيء وهو مضاف و «إذ» اسم مبني على السكون الظاهر على آخره وحرك بالكسر تخلصا من التقاء الساكنين : سكونه وسكون التنوين وهو في محل جر مضاف إليه وهو مضاف أيضا والجملة المحذوفة المعوض عنها بالتنوين في محل جر مضاف إليه ثان. التقدير : ويومئذ يجاء بجهنم وتدك الأرض ويجيء أمر ربك والملك يتذكر الإنسان. بجهنم : جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل للفعل «جيء» وعلامة جر الاسم الفتحة بدلا من الكسرة المنونة لأنه ممنوع من الصرف للتأنيث والتعريف أو تكون الباء

٦١٠

حرف جر زائدا وتكون «جهنم» اسما مجرورا لفظا مرفوعا محلا لأنه نائب فاعل بمعنى : وبرزت جهنم للناظرين.

(يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) : أعرب أو يكون بدلا من «إذا دكت الأرض» وعامل النصب فيه «يتذكر». يتذكر : فعل مضارع مرفوع بالضمة. الإنسان : فاعل مرفوع بالضمة وحذف المفعول به اختصارا لأنه معلوم .. بمعنى : يتذكر الإنسان ما فرط فيه من الأعمال ويتعظ. والجملة الفعلية «يتذكر الإنسان» جواب شرط غير جازم لا محل لها.

(وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) : الواو عاطفة. أنى : اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب ظرف مكان بمعنى : من أين له متعلق بخبر مقدم محذوف. له : جار ومجرور متعلق بالخبر المحذوف. الذكرى : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر بمعنى : من أين له منفعة الذكرى ولا بد من تقدير حذف مضاف وإلا فبين «يوم يتذكر» وبين «أنى له الذكرى» تناف وتناقض ـ هذا ما ذكره الزمخشري ـ وقيل : لا ينفعه التذكر والتوبة حينئذ.

(يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) (٢٤)

(يَقُولُ يا لَيْتَنِي) : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والجملة الفعلية بعده في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ يا : أداة تنبيه أو أداة نداء والمنادى به محذوف. التقدير : يا هؤلاء .. مثلا. ليت : حرف مشبه بالفعل من «أخوات إن» يفيد التمني. النون نون الوقاية لا محل لها والياء ضمير متصل ـ ضمير المتكلم ـ في محل نصب اسم «ليت» أي يقول هذا المقصر : يا ليتني قدمت لأجل حياتي ..

(قَدَّمْتُ لِحَياتِي) : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «ليت» وهي فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل ـ ضمير المتكلم ـ مبني على الضم في محل رفع فاعل وحذف المفعول اختصارا بمعنى : قدمت خيرا أو عملا صالحا. لحياتي : جار ومجرور

٦١١

متعلق بقدمت والياء ضمير متصل ـ ضمير المتكلم ـ في محل جر بالإضافة أي في حياتي في الدنيا أي في حياتي هذه وهي حياة الآخرة أو وقت حياتي في الدنيا.

(فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ) (٢٥)

(فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ) : الفاء استئنافية. يومئذ : سبق إعرابه. لا : نافية لا عمل لها. يعذب : فعل مضارع مرفوع بالضمة.

(عَذابَهُ أَحَدٌ) : مفعول به مقدم منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل جر بالإضافة. أحد : فاعل مرفوع بالضمة المنونة بمعنى : لا يتولى عذاب الله أحد لأن الأمر له سبحانه في ذلك اليوم.

(وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ) (٢٦)

الآية الكريمة معطوفة بالواو على الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها بمعنى : لا يشد وثاقه أحد غير الله سبحانه وضمير الغائب في «عذابه» و «وثاقه» يعود على المقصر ـ الكافر ـ.

(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) (٢٧)

(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) : حرف نداء. أية : منادى مبني على الضم في محل نصب و «ها» زائدة للتنبيه. النفس : صفة ـ نعت ـ أو بدل من المنادى «أية» مرفوعة بالضمة على لفظ المنادى لا على محله. المطمئنة : صفة ـ نعت ـ للنفس مرفوعة مثلها بالضمة بمعنى المطمئنة إلى الحق أو النفس المؤمنة الآمنة وجملة النداء في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ أي ويقول الله تعالى للمؤمن ذلك. لأن المؤمن تطمئن نفسه إلى الله.

(ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً) (٢٨)

(ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة والياء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبة ـ في محل رفع فاعل. إلى

٦١٢

ربك : جار ومجرور متعلق بارجعي والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبة ـ مبني على الكسر في محل جر مضاف إليه.

(راضِيَةً مَرْضِيَّةً) : حال من ضمير المخاطبة منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى : راضية بما أوتيت. مرضية : حال ثانية أو توكيد للحال الأولى منصوبة مثلها بالفتحة المنونة بمعنى : مرضية عند الله سبحانه. و «إلى ربك» بمعنى : إلى ثواب ربك.

(فَادْخُلِي فِي عِبادِي) (٢٩)

(فَادْخُلِي فِي عِبادِي) : معطوفة بالفاء على «ارجعي» وتعرب مثلها. في عبادي : جار ومجرور متعلق بادخلي والياء ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع ـ في محل جر بالإضافة بمعنى : في جملة عبادي الصالحين وانتظمي في سلكهم. وقيل : المعنى مع عبادي لأن «في» تفيد المصاحبة.

(وَادْخُلِي جَنَّتِي) (٣٠)

(وَادْخُلِي جَنَّتِي) : معطوفة بالواو على «ادخلي» الأولى وتعرب إعراب «ارجعي». جنتي : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على التاء منع من ظهورها حركة تجانس الياء ـ تناسبها ـ والياء أعرب في «عبادي».

***

٦١٣

سورة البلد

معنى السورة : البلد : هو مكان من الأرض عامر بسكانه أو بأهله وغير عامر أي خال منهم .. وهذه اللفظة أي البلد تذكر وتؤنث وتجمع على «بلدان» أما «البلدة» فتجمع على بلاد ويجوز جمعها على بلدان أيضا وهي بمعنى البلد كذلك أو قطعة منه .. وخرج منها الفعل «بلد» نحو : بلد الرجل ـ يبلد ـ بلودا .. من باب «ضرب» بمعنى : أقام بالبلد ومصدره «بلدا» أيضا واسم الفاعل «بالد» أو بلد بالمكان : بمعنى : اتخذه بلدا .. ويقال : بلد الرجل .. بضم اللام ـ يبلد بلادة .. من باب «ظرف» فهو بليد ـ فعيل بمعنى فاعل ـ بمعنى : غير ذكي ولا فطن والبلادة عكس الذكاء. ويطلق البلد والبلدة على كل موضع من الأرض عامرا كان أو خلاء وقال تعالى في سورة «فاطر» : (إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) بمعنى : إلى أرض ليس بها نبات ولا مرعى فيخرج ذلك بالمطر فترعاه أنعامهم فأطلق الموت على عدم النبات والمرعى وأطلق الحياة على وجودهما وفي قوله تعالى في سورة «الفرقان» : (بَلْدَةً مَيْتاً) بمعنى : بلدا ميتا فهنا جاءت لفظة «ميتا» صفة لبلدة وفي الآية الكريمة التي قبلها جاءت صفة لبلد وذلك لأن «ميتا» يستوي فيه المذكر والمؤنث ولأن «البلد» تذكر وتؤنث أيضا. أما «البلاد» فهي جمع «بلد» و «بلدة» وتعني القطر أو الوطن الواحد نحو «بلاد العالم» أي كل بمفردها .. والبلدان : جمع «بلد» و «بلدة» أيضا وتأتي على معنى مجموع الأقطار أو الأوطان نحو «بلدان العالم» أي معتبرة معا.

تسمية السورة : سميت إحدى سور القرآن الكريم بسورة «البلد» تكريما وتشريفا لأكرم البلدان. البلد الحرام وهي مكة المكرمة ـ البلد الطيب ـ الآمن وآيتها الكريمة الأولى : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) وبعدها : (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) صدق الله العظيم. أي أقسم سبحانه بهذا البلد الكريم وأنت يا محمد حال به.

٦١٤

فضل قراءة السورة : قال نبي المسلمين والهادي إلى دين الحق محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) أعطاه الله الأمان من غضبه يوم القيامة» صدق رسول الله. وقيل : لقد عظم الله سبحانه وتعالى هذا البلد الحرام ـ مكة المكرمة ـ بقسمه ـ جلت قدرته ـ به. وهو حقيق بهذا التعظيم العظيم والقسم الجليل الكريم.

إعراب آياتها

(لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) (١)

(لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) : صلة زائدة. وقيل غير زائدة وشرحت بصورة وافية في الآية الكريمة الأولى من سورة «القيامة» أقسم : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. الباء حرف جر. هذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بأقسم. البلد : بدل من اسم الإشارة مجرور وعلامة جره الكسرة ويجوز أن يكون صفة ـ نعتا ـ لاسم الإشارة.

(وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) (٢)

(وَأَنْتَ حِلٌ) : الواو اعتراضية والجملة الاسمية اعتراضية لا محل لها أي اعتراض بين المقسم به ـ المعطوف عليه ـ والمعطوف في الآية الكريمة التالية. أنت : ضمير منفصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. حل : خبر «أنت» مرفوع بالضمة المنونة بمعنى وأنت حال أو حلال أي استحلوا إيذاءك.

(بِهذَا الْبَلَدِ) : أعرب في الآية الكريمة السابقة والجار والمجرور «بهذا» متعلق بحل. أو تكون الواو حالية .. والجملة الاسمية في محل نصب حال. أو بمعنى وأنت مقيم بهذا البلد الحرام ..

(وَوالِدٍ وَما وَلَدَ) (٣)

٦١٥

(وَوالِدٍ وَما وَلَدَ) : معطوف بالواو على «البلد» مجرور مثله وعلامة جره الكسرة المنونة. الواو عاطفة. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل جر معطوف على «والد» ولد : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «ولد» صلة الموصول لا محل لها. والعائد ـ الراجع ـ إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : وما ولده أي رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ومن ولده أي أقسم ببلده وحرم أبيه ـ إبراهيم ـ وبمن ولده وبه أو تكون «ما» مصدرية فتكون جملة «ولد» صلة حرف مصدري لا محل لها و «ما» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر لعطفه على مجرور. التقدير : بوالد وولادته وهو آدم أو إبراهيم وبمن ولد إلى يوم القيامة وقيل : كل والد وولد.

(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) (٤)

(لَقَدْ خَلَقْنَا) : الجملة جواب القسم لا محل لها. اللام واقعة في جواب القسم. قد : حرف تحقيق «توقع» خلق : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير «نا» و «نا» ضمير متصل ـ ضمير التفخيم المسند إلى الواحد المطاع ـ مبني على السكون في محل رفع فاعل.

(الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. في كبد : جار ومجرور في محل نصب حال من «الإنسان» بمعنى : مكابدا أي في شدة وتعب. وقيل : المعنى : خلقناه منتصبا.

** (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة .. المعنى : خلقناه مكابدا في شدة وتعب من يوم يولد إلى يوم يموت ليتطهر من الأدناس أي خلقناه في مرض وهو مرض القلب وفساد الباطن .. وقيل : في كبد : أي في تعب ومشقة ومنه المكابدة. ومن أخطاء بعضهم قولهم : كبده ذلك الأمر عناء شديدا .. والصواب هو القول : حمله عناء شديدا .. أو جشمه عناء شديدا : بمعنى : تكلف الأمر على مشقة ومنه القول : كابد فلان الأمر : أي قاسى شدته أما كبده : فمعناه : صار في كبده نحو كبدت الشمس أو النجوم السماء أو تكبدتها : بمعنى : صارت في كبيدائها أو كبدها : بمعنى : في وسطها.

** (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة .. المعنى : أيظن هذا الدعي أن لا يستطيع الله عليه أي على الانتقام منه؟ بلى .. فالله تعالى قادر على قهره بالتأكيد.

٦١٦

** سبب نزول الآية : نزلت هذه الآية الكريمة وما بعدها على بعض صناديد قريش الذين كان الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يكابد ما يكابد .. وقيل : إن المقصود بهذا القول الكريم هو الوليد بن المغيرة وقيل : هو أبو الأشد من كلدة الجمحي وكان قويا في قومه يبسط له الأديم العكاظي فيقوم عليه ويقول مغترا بقوته البدنية : من أزالني عنه فله كذا فلا ينزع إلا قطعا ويبقى موضع قدميه .. وكان أيضا يقول متباهيا ومن باب التفاخر والشهرة : أنفقت مالا كثيرا اظهارا لغناه قال ابن عباس : كان أبو الأشد يقول : أنفقت في عداوة محمد مالا كثيرا وهو في ذلك كاذب.

** (وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة. وهي مثنى «شفة» ويقال هذا كلام شفوي .. أو شفهي .. وقد اختلف علماء اللغة حول أصل اللفظتين .. فمنهم من عزا الأصل إلى الواو وقسم آخر قال : الأصل : هاء. قال الفيومي : الشفة : مخففة ولامها محذوفة والهاء عوض عنها .. وللعرب فيها لغتان .. منهم من يجعلها هاء ويبني عليها تصاريف الكلمة .. ويقول : الأصل : شفهة وتجمع على شفاه وشفات وتصغر على شفهية .. ويقال : كلمته مشافهة .. والحروف الشفهية .. ومنهم من يجعلها واوا ويبني عليها تصاريف الكلمة ويقول الأصل : شفوة وتجمع على شفوات وتصغر على شفيه .. وكلمته مشافاة .. والحروف الشفوية. ونقل ابن فارس القولين عن الخليل وقال الأزهري أيضا : قال الليث : تجمع «الشفة» على شفهات وشفوات والهاء : أقيس والواو : أعم لأنهم شبهوها بسنوات ونقصانها حذف هائها .. وناقض الجوهري فأنكر أن يقال : أصلها : الواو وقال : تجمع على شفوات. ويقال : ما نطق ببنت شفة : بمعنى : بكلمة. والشفة من الإنسان : هي ما يطبق على فمه ويستر أسنانه. وقيل : الصواب أن نقول : أجري له امتحان شفهي وليس شفويا .. لأن الشفهي : نسبة إلى «الشفة» وأصلها : الشفهة. أما «المشافهة» فهي المخاطبة من فم الرجل إلى فم صاحبه .. كما قالت العرب في أمثالها : حدثني فاه إلى في : أي فمه إلى فمي وذلك إذا حدثك وليس بينكما شيء. التقدير : حدثني جاعلا فاه إلى في .. يعني مشافها .. ويقال : إن الأدب المقارن يعني دراسة الشفاهي ـ النسبة هنا إلى الجمع ـ كالأدب الشعبي والفولكلور والأساطير والحكايات الشعبية. أما «الإشمام» فهو ضم الشفتين ـ عند القراءة ـ كمن يريد النطق بضمة إشارة إلى أن الحركة المحذوفة هي ضمة من غير أن يظهر ذلك في النطق. قيل في أمثال العرب : فلان له في الناس شفة حسنة : أي ذكر جميل. ويقال في الفرق : الشفة : من الإنسان. والمشفر : من ذي الخف. والجحفلة : من ذي الحافر. والمقمة : من ذي الظلف. والخطم والخرطوم : من السباع. و «المنسر» بفتح الميم وكسرها والسين مفتوحة فيهما : من ذي الجناح الصائد. و «المنقار» : من غير الصائد.

** (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) : هذه الأقوال الكريمة هي نصوص الآيات : الرابعة عشرة .. الخامسة عشرة .. والسادسة عشرة .. و «مسغبة» بمعنى : مجاعة وهي أيضا «السغب» بفتح السين والغين بمعنى : الجوع وإنما قال : مسغبة .. كما قال جلت قدرته : مرحمة ـ بمعنى رحمة ـ مراعاة لرءوس الآي الشريف .. يقال : سغب ـ يسغب .. سغبا من باب «طرب» بمعنى : جاع فهو ساغب ـ اسم فاعل ـ وسغبان وهي سغبى .. ويقال : أسغب القوم بمعنى : دخلوا في المجاعة. و «المسغبة» و «المقرية» و «المتربة» : مفعلات .. من «سغب» إذا جاع .. وقرب في النفس .. يقال : فلان ذو قرابتي

٦١٧

وذو مقربتي .. وترب الرجل ـ يترب «تربا» من باب «طرب» بمعنى أصابه التراب ومنه ترب الرجل أي افتقر كأنه لصق بالتراب وهو كناية عن شدة فقره .. أي لا يملك شيئا. أما الفعل «أترب» فمعناه : استغنى : أي صار ذا مال كالتراب في الكثرة كما قيل : أثرى. ووصف اليوم بذي مسغبة مثل قول النحويين : هم ناصب : أي ذو نصب.

(أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) (٥)

(أَيَحْسَبُ) : الألف ألف توبيخ في لفظ استفهام. يحسب : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. يعود على بعض صناديد قريش والجملة من «أن» وما بعدها بتأويل مصدر سد مسد مفعولي يحسب.

(أَنْ لَنْ يَقْدِرَ) : حرف ملغى لأن العرب إذا جمعت بين حرفين عاملين ألغت أحدهما أو يكون حرفا مخففا من «أن» الثقيلة الحرف المشبه بالفعل واسمه ضمير شأن مستتر جوازا تقديره أنه أي أن الشأن والجملة الفعلية بعده (لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) في محل رفع خبر «أن». لن : حرف نصب وتوكيد واستقبال. يقدر : فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه الفتحة بمعنى أيظن أن لا يستطيع أحد الانتقام منه؟

(عَلَيْهِ أَحَدٌ) : جار ومجرور متعلق بيقدر. أحد : فاعل مرفوع بالضمة المنونة و «أحد» هنا هو الله جلت قدرته.

(يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) (٦)

(يَقُولُ أَهْلَكْتُ) : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. أهلكت : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل ـ ضمير المتكلم ـ مبني على الضم في محل رفع فاعل والجملة الفعلية (أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ بمعنى : أنفقت مالا كثيرا.

(مالاً لُبَداً) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. لبدا : صفة ـ نعت ـ للموصوف «مالا» منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة المنونة وهي جمع «لبدة» يقول هذا من باب التفاخر والتباهي والشهرة. و «لبدا» من «تلبد الشيء» بمعنى اجتمع.

٦١٨

(أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) (٧)

(أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) : أعرب في الآية الكريمة الخامسة. لم : حرف نفي وجزم وقلب. يره : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف آخره ـ حرف العلة .. الألف ـ وبقيت الفتحة دالة عليها. والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم. أحد : فاعل مرفوع بالضمة المنونة. بمعنى أيتخيل أنه لم يره أحد؟ الله تعالى يراه ويحاسبه ويجازيه.

(أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) (٨)

(أَلَمْ نَجْعَلْ) : الألف ألف تقرير في لفظ استفهام ومعناه التوبيخ. لم : حرف نفي وجزم وقلب. نجعل : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : نحن.

(لَهُ عَيْنَيْنِ) : جار ومجرور متعلق بنجعل. عينين : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى والنون عوض من تنوين المفرد بمعنى : كيف يضل عن الحق ألم نجعل له عينين يبصر بهما.

(وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ) (٩)

الآية الكريمة معطوفة بواوي العطف على «عينين» وتعرب إعرابها وعلامة نصب «لسانا» الفتحة المنونة.

(وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (١٠)

(وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) : الواو عاطفة. هدى : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالضمير «نا» و «نا» ضمير متصل ـ ضمير التفخيم المسند إلى الواحد المطاع ـ مبني على السكون في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول. النجدين : مفعول به ثان منصوب بهدى المتعدي إلى مفعولين وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى والنون عوض من تنوين المفرد وحركته .. بمعنى : ودليناه

٦١٩

وأرشدناه إلى طريقي الخير والشر ليختار أحدهما لنفسه. و «النجد» هو المكان المرتفع وأريد بهما في الآية الكريمة : الطريقان : الخير والشر.

(فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (١١)

(فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) : الفاء استئنافية. لا : نافية لا عمل لها بمعنى «لم» أي فلم يقتحم العقبة كما في قوله تعالى (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) أي فلم يصدق ولم يصل. و «لا» تكرر إذا دخلت على فعل ماض وهي هنا مكررة لأن المعنى : فلا اقتحم العقبة فلا فك رقبة ولا أطعم مسكينا. وقال الزجاج : قوله (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) يدل على معنى : فلا اقتحم العقبة ولا آمن. اقتحم : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هو. العقبة : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى : فلم يشكر تلك الأيادي والنعم بالأعمال الصالحة. والاقتحام : هو الدخول والمجاوزة بشدة ومشقة. أو بمعنى فهلا اجتاز الطريق الصعب للاختيار بين فعل الخير وترك الشر.

(وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ) (١٢)

تعرب إعراب الآية الكريمة الثالثة من سورة «الحاقة» والواو هنا اعتراضية والجملة اعتراضية لا محل لها. بمعنى : وما أعلمك ما اجتياز الطريق الصعب الشاق؟

(فَكُّ رَقَبَةٍ) (١٣)

(فَكُّ رَقَبَةٍ) : خبر مبتدأ محذوف تقديره هي. مرفوع بالضمة. رقبة : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. والجملة الاسمية تفسيرية لا محل لها أي فسر اقتحام العقبة بفك رقبة وفك رقبة : بمعنى تخليصها من رق أو غيره الأسر وما شابهه.

(أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) (١٤)

(أَوْ إِطْعامٌ) : معطوف بأو على «فك» ويعرب إعرابه وكلمتا «فك» و «إطعام» مصدرا : فك .. وأطعم.

٦٢٠