إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ١٠

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ١٠

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٤٩

سورة الأعلى

معنى السورة : الأعلى : صيغة تفضيل وفعله : علا ـ يعلو ـ علوا .. من باب «قعد» بمعنى : ارتفع فهو عال ـ اسم فاعل وللفعل معان أخرى .. منها : علا في الأرض ـ يعلو ـ علوا : بمعنى : صعد .. وعلا ـ يعلو ـ علوا : أي تجبر وتكبر .. والعلو مصدر الفعل «علا» و «العلو» بتسكين اللام : خلاف «السفل» والعلياء : هي المكان العالي المشرف.

تسمية السورة : كرمت إحدى سور القرآن الكريم بهذه التسمية الجليلة «الأعلى» وهي من أسماء الله الحسنى وإحدى صفاته الجليلة جلت قدرته. وقال الله عزّ من قائل في مستهل آيات هذه السورة الشريفة : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) صدق الله العظيم. ورد في الحديث : «لما نزلت الآية الكريمة «فسبح باسم ربك العظيم» قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «اجعلوها في ركوعكم .. فلما نزل قوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال «صلى‌الله‌عليه‌وسلم» اجعلوها في سجودكم. وكانوا يقولون في الركوع : اللهم لك ركعت .. وفي السجود : اللهم لك سجدت .. وتسبيح اسمه ـ عزوجل ـ هو تنزيهه عما لا يصح فيه من المعاني التي هي إلحاد في أسمائه مثل أن يفسر «الأعلى» بمعنى «العلو» الذي هو القهر والاقتدار لا بمعنى العلو في المكان والاستواء على العرش حقيقة. وعن الرسول محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : أفضل الكلام أربع : سبحان الله .. والحمد لله .. ولا إله إلا الله .. والله أكبر. و «سبحان» بتقدير أو شبيه القول : أبرئ براءة .. فسبحان الله يشبه قول : أبرئ الله من السوء براءة. وكان علي وابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يقولان ذلك .. أي يقولان : سبحان ربي الأعلى .. وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحب سماع ذلك. والسبحلة : هي مصدر الفعل «سبحل» نحو : سبحل الرجل : بمعنى : قال : سبحان الله .. والتسبيح : هو التنزيه .. ومنه «النزاهة» وهي البعد عن الشر .. وينزه الرجل نفسه عن القبائح : بمعنى : يباعدها عنها .. وهذا رجل نزيه : أي رجل كريم بعيد من اللؤم ومثله

٥٨١

القول : فلان نزيه الخلق وقيل : التسبيح : هو التقديس والتنزيه .. نحو : سبحت الله : أي نزهته عما يقول الجاحدون وسبح المؤمن ـ يسبح ـ سبحانا : أي قال : سبحان الله .. ومثله : سبح ـ يسبح ـ تسبيحا : بمعنى : قال : سبحان الله .. وسبح الله ولله : بمعنى : نزهه تعالى ومجده.

فضل قراءة السورة : قال حبيب الله ورسوله محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «الأعلى» أعطاه الله عشر حسنات بعدد كل حرف أنزله الله تعالى على إبراهيم وموسى ومحمد» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وكان إذا قرأها قال : سبحان ربي الأعلى. وقال : أول من قال : سبحان ربي الأعلى هو ميكائيل.

إعراب آياتها

(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (١)

(سَبِّحِ اسْمَ) : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. اسم : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

(رَبِّكَ الْأَعْلَى) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه ثان. الأعلى : صفة ـ نعت ـ للرب مجرور مثله وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر بمعنى : قدس يا محمد ونزه اسم ربك الأعلى عما لا يصح من المعاني .. والأعلى : أي القاهر المقتدر على كل شيء وذلك بقولك : سبحان ربي الأعلى.

(الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) (٢)

(الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) : اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة ثانية للرب أو بدل منه ويجوز أن يكون صفة للأعلى لأن الصفة موصوفة في المعنى. خلق : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو بمعنى : خلق كل شيء والجملة الفعلية «خلق ..» صلة

٥٨٢

الموصول لا محل لها. فسوى : معطوفة بالفاء على «خلق» وتعرب مثلها وعلامة بناء الفعل الفتحة المقدرة على الألف للتعذر بمعنى : فسوى خلقه. أو يكون المعنى : الذي خلق الإنسان وغيره فعدل خلقه.

(وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) (٣)

معطوفة بالواو على الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها بمعنى : والذي قدر لكل حيوان ما يصلحه فهداه إليه وعرفه وجه الانتفاع به. أو والذي قدر كل شيء فعرفه بما خلق له.

(وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) (٤)

(وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) : يعرب إعراب «الذي خلق» لأنه معطوف عليه بالواو. المرعى : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر بمعنى : والذي أنبت العشب والنبت ومراعي الحيوان أخرجها من الأرض.

(فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) (٥)

(فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) : الفاء عاطفة. جعل : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول. غثاء : مفعول به ثان منصوب بجعل المتعدي إلى مفعولين وعلامة نصبه الفتحة المنونة. أحوى : صفة ـ نعت ـ لغثاء منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر ويجوز أن يكون حالا من «المرعى» بمعنى : أخرجه أحوى أسود من شدة الخضرة والري فجعله غثاء أي يابسا والفاء في «فجعله» وقعت موقع «ثم» مع الفاصل الكثير بين خروج المرعى وجعله غثاء.

** (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثالثة .. يقال : هداه الله للدين ـ يهديه ـ هدى .. بمعنى : دله وأرشده والهدى هو الرشاد يذكر ويؤنث. ونقول : دعا له بالخير ـ يدعو ـ وهداه إلى الصواب ـ يهديه. الفعل «دعا» جاء رسمه بالألف الممدودة .. والفعل «هدى» بالألف المقصورة وعند وصله ـ أي الفعل «دعا» بضمير المتكلم أو المخاطب قلبت الفه وصارت واوا فنقول : دعوت ودعوت وعفوت وعفوت .. وفي الفعل

٥٨٣

الثاني «هدى» نقول : هديت ومثله : رميت ورميت. وعند وصل الأفعال بهذين الضميرين يتبين أصلها أي آخرها هل هو واو مثل : دعوت .. أي الأصل ـ يدعو أو ياء مثل : رميت أي الأصل «يرمي» قال الحريري :

إذا الفعل يوما غم عنك هجاؤه

فألحق به تاء الخطاب ولا تقف

فإن تره بالياء يوما كتبته

بياء وإلا فهو يكتب بالألف

** (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة .. المخاطب هو الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أي سنقرئك القرآن على لسان جبريل ـ عليه‌السلام ـ بما يلقيه من الوحي فتحفظه.

** سبب نزول الآية : قال المصحف المفسر .. حدث معه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يوما في الصلاة إذ نسي آية فذكر بها ويحتمل أن يراد في الآية الكريمة التالية «إلا ما شاء الله ..» هو النسخ أي ينسخ الله تعالى تلاوة بعض الآيات .. وجاء في التفسير الوجيز : قال مجاهد والكلبي : كان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إذا نزل عليه جبريل بالوحي لم يفرغ جبريل من آخر الآية حتى يتكلم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بأولها مخافة أن ينساها فنزلت (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) بعد ذلك شيئا فقد كفيتكه.

** (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة وفيه حذف مفعولا الفعلين المعنى : فذكر يا محمد الناس بهذا القرآن إن نفعتهم الذكرى. وجاء في تفسير الزمخشري : فإن قلت : كان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مأمورا بالذكرى نفعت أو لم تنفع فما معنى اشتراط النفع؟ قلت : هو على وجهين : أحدهما أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قد استفرغ مجهوده في تذكيرهم وما كانوا يزيدون على زيادة الذكرى إلا عتوا وطغيانا .. وكان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يتلظى حسرة وتلهفا ويزداد جدا في تذكيرهم وحرصا عليه فقيل له : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) وأعرض عنهم وقل سلام و (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) (٩) وذلك بعد إلزام الحجة بتكرير التذكير. والوجه الثاني : أن يكون ظاهره شرطا ومعناه ذما للمذكرين وإخبارا عن حالهم واستبعادا لتأثير الذكرى فيهم تسجيلا عليهم بالطبع على قلوبهم كما تقول للواعظ : عظ المكاسين «المشاكسين» إن سمعوا منك. قاصدا بهذا الشرط استبعاد ذلك وأنه لن يكون .. وهم غير خاشين ولا ناظرين ولا مفكرين حتى يقودهم النظر إلى اتباع الحق فلا تأمل أن يقبلوا منك.

(سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (٦)

(سَنُقْرِئُكَ) : السين حرف استقبال ـ تسويف ـ للقريب. نقرئك : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل نصب مفعول به أول وحذف المفعول به الثاني اختصارا لأنه معلوم بمعنى : سنقرئك يا محمد القرآن أي ما يقرأ عليه جبريل ـ عليه‌السلام ـ من الوحي فيحفظه.

٥٨٤

(فَلا تَنْسى) : الفاء استئنافية. لا : نافية لا عمل لها بمعنى : ليس. تنسى : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. وحذف المفعول به اختصارا لأن ما قبله يدل عليه بمعنى : فلا تنسى ما يقرأ عليك. وقيل : اللام لام الأمر ـ النهي ـ والفعل مجزوم بها وعلامة جزمه حذف الألف وثبتت الألف وهي زائدة ـ مزيدة ـ للفاصلة أي رأس آية ـ مراعاة لفواصل الآيات ـ بمعنى : فلا تغفل قراءته وتكريره فتنساه.

(إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) (٧)

(إِلَّا ما شاءَ اللهُ) : أداة استثناء. ما : اسم موصول بمعنى «الذي» مبني على السكون في محل نصب مستثنى بإلا والجملة الفعلية «شاء الله» صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الفتح ولفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم وعلامة الرفع الضمة بمعنى : إلا ما شاء الله أن ينسيكه بنسخ قراءته.

(إِنَّهُ يَعْلَمُ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «إن». يعلم : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «إن» وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.

(الْجَهْرَ وَما يَخْفى) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الواو عاطفة. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب معطوف على «الجهر». يخفى : تعرب إعراب «يعلم» وعلامة رفع الفعل الضمة المقدرة على الألف للتعذر وجملة «يخفى» صلة الموصول لا محل لها بمعنى : يعلم ما يسر الإنسان وما يعلن من الأقوال والأفعال وما ظهر وما بطن من أحوالكم.

(وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) (٨)

٥٨٥

(وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) : معطوفة بالواو على «نقرئك» وتعرب إعرابها. لليسرى : جار ومجرور متعلق بنيسر وعلامة جر الاسم الكسرة المقدرة على الألف للتعذر بمعنى : ونوفقك للطريقة اليسرى أي التي هي أسهل وأيسر : أي حفظ الوحي. وقيل : للشريعة السمحة التي هي أيسر الشرائع.

(فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) (٩)

(فَذَكِّرْ) : الفاء استئنافية. أو واقعة في جواب الشرط المقدم. ذكر : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. وحذف المفعول اختصارا بمعنى : فذكر الناس أو فذكرهم بالقرآن.

(إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) : حرف شرط جازم. نفعت : فعل ماض مبني على الفتح وهو في معنى المستقبل فعل الشرط في محل جزم بإن والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها حركت بالكسر لالتقاء الساكنين. وجواب الشرط محذوف لتقدم معناه. أي يكمن في معنى تقديم الآية وتأخيرها. التقدير : إن نفعت الذكرى الناس فذكرهم أو فذكر بقراءة القرآن أو تكون «إن» هنا بمعنى «قد». الذكرى : فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر.

(سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى) (١٠)

(سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى) : السين حرف تسويف للتأكيد في المستقبل. يذكر : فعل مضارع مرفوع بالضمة. وأصله يتذكر أي يتعظ حذفت التاء تخفيفا فشدد الذال. من : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. يخشى : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وحذف المفعول به اختصارا لأنه معلوم بمعنى : من يخشى الله وسوء العاقبة. وجملة «يخشى ..» صلة الموصول لا محل لها.

(وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى) (١١)

(وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى) : الواو عاطفة. يتجنب : فعل مضارع مرفوع بالضمة و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم.

٥٨٦

الأشقى : فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر بمعنى ويتجنب الذكرى الكافر لأنه أشقى من الفاسق. أي يتركها جانبا ويهملها .. والأشقى : هو الكافر لأنه أشقى من الفاسق أو هو أشقاهم لتوغله في عداوة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

(الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) (١٢)

(الَّذِي يَصْلَى) : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع صفة ـ نعت ـ للأشقى. يصلى : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو بمعنى سيدخل جهنم.

(النَّارَ الْكُبْرى) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الكبرى : صفة ـ نعت ـ للنار منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة المقدرة على الألف للتعذر وجملة «يصلى النار الكبرى» صلة الموصول لا محل لها. والنار الكبرى : هي السفلى من أطباق النار أي يخلد في أسافل النار. ونار الدنيا : هي النار الصغرى.

(ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) (١٣)

(ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها) : حرف عطف للتراخي .. لأن الترجح بين الحياة والموت أفظع من الصلي فهو متراخ عنه في مراتب الشدة. لا : نافية لا عمل لها. يموت : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. فيها : جار ومجرور متعلق بيموت بمعنى : لا يموت في جهنم فيستريح.

(وَلا يَحْيى) : معطوفة بالواو على «لا يموت فيها» وتعرب إعرابها وعلامة رفع الفعل الضمة المقدرة على الألف للتعذر بمعنى : ولا يحيا حياة طيبة تنفعه.

(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) (١٤)

(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ) : حرف تحقيق. أفلح : فعل ماض مبني على الفتح بمعنى قد فاز. من : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل.

٥٨٧

(تَزَكَّى) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بمعنى تطهر من الشرك. أو للصلاة.

(وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (١٥)

(وَذَكَرَ اسْمَ) : معطوفة بالواو على «تزكى» وتعرب إعرابها وعلامة بناء الفعل الفتحة الظاهرة على آخره. اسم : مفعول به منصوب بالفتحة.

(رَبِّهِ فَصَلَّى) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل جر مضاف إليه ثان. الفاء عاطفة. صلى : فعل ماض مبني على الفتح وقدر الفتح على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بمعنى : فصلى الصلوات الخمس المفروضة.

(بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) (١٦)

(بَلْ تُؤْثِرُونَ) : حرف إضراب للاستئناف. تؤثرون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.

(الْحَياةَ الدُّنْيا) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الدنيا : صفة ـ نعت ـ للحياة وعلامة نصبها الفتحة المقدرة على الألف للتعذر بمعنى تختارون الحياة العاجلة فلا تفعلون ما تفلحون به. ويجوز أن تكون «بل» حرف تحقيق أو تفضلون الحياة الفانية على الآخرة الدائمة الباقية أو وتتركون الآجلة.

(وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) (١٧)

(وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) : الواو استئنافية. الآخرة : مبتدأ مرفوع بالضمة. خير : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. وأبقى : معطوف بالواو على «خير» مرفوع مثله وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر بمعنى : أفضل وأنعم وأدوم. أي وجزاء الآخرة خير من الدنيا وأدوم ..

٥٨٨

(إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى) (١٨)

(إِنَّ هذا) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. هذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب اسم «إن» والإشارة إلى قوله «قد أفلح .. إلى أبقى».

(لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى) : اللام لام التوكيد ـ المزحلقة ـ في الصحف : جار ومجرور متعلق بخبر «إن» المحذوف. الأولى : صفة ـ نعت ـ للصحف مجرور مثلها وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الألف للتعذر بمعنى : إن معنى هذا الكلام وارد في الصحف الأولى بمعنى في الكتب السابقة للقرآن الكريم المنزلة على الرسل الأولين ..

(صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) (١٩)

(صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) : بدل من المبدل منه «الصحف» مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة. إبراهيم : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعجمة. وموسى : معطوف بالواو على «إبراهيم» ويعرب إعرابه وقدرت الفتحة على آخره للتعذر.

***

٥٨٩

سورة الغاشية

معنى السورة : الغاشية : هي القيامة لأنها تغشى بأهوالها وأفزاعها الناس .. والغاشية : مؤنث «الغاشي» وهو اسم فاعل .. وفعله : غشي .. من باب «تعب» نحو : غشيه ـ يغشاه ـ غشيا : أي ستره .. ومثله : غشاه ـ يغشيه ـ تغشية .. وجمع «غاشية» هو «غواش» وقد ذكرت هذه اللفظة مرة واحدة في القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة «الأعراف» : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) أي لهم من النار فراش ومن فوقهم أغطية : جمع «غطاء» فالغاشية أيضا : الغطاء. أما «الغشاء» فهو «الغطاء» وزنا ومعنى .. وهو اسم من الفعل غشى : بمعنى : غطى. ووردت لفظة «الغشاوة» في سورة «الجاثية» : (عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) وفي سورة «البقرة» : (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) وهو مثل قوله تعالى في سورة «يس» : (فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) بمعنى : فغطينا على أعينهم أو غطينا أعينهم.

تسمية السورة : سميت إحدى سور القرآن الكريم بالغاشية وهي تعني القيامة لأهميتها وهولها وقد خص سبحانه بهذه التسمية «القيامة» وبما يرادفها في المعنى عددا من السور الشريفة ولفظة «الغاشية» وردت مرتين في كتاب الله الكريم مرة في سورة «يوسف» : (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ) أي أفأمنوا أن تحل بهم نائبة من عذاب الله تغشاهم وتجللهم وتغطيهم لأن أصل «الغاشية» هو كل ما يغطي الشيء .. والمرة الثانية وردت فيها هذه اللفظة هي في الآية الكريمة الأولى من هذه السورة التي سميت بها في قوله عزّ من قائل (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) صدق الله العظيم. بمعنى : هل جاءك أيها النبي خبر الداهية الدهياء التي تغشى الناس : أي تغطيهم وتشملهم بشدائدها وأهوالها؟ والداهية : هي المصيبة أو الأمر العظيم .. وداهية دهياء : بمعنى : مصيبة شديدة .. ودهياء للتأكيد مثل قولنا : هذه ليلة ليلاء أو ليل لائل : بمعنى : شديد الظلمة.

٥٩٠

فضل قراءة السورة : قال الرسول المجتبى محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «الغاشية» حاسبه الله حسابا يسيرا» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال التفسير الوجيز :

أخرج مسلم وأصحاب السنن عن النعمان بن بشير أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان يقرأ ب «سبح اسم ربك الأعلى» والغاشية في الجمعة والعيدين.

إعراب آياتها

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) (١)

(هَلْ أَتاكَ) : حرف استفهام لا محل له وقيل : لفظه لفظ استفهام ومعناه : قد. أتاك : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم.

(حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) : فاعل مرفوع بالضمة. الغاشية : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. أي القيامة أو النار أو الداهية. وأتاك : بمعنى : جاءك خبر القيامة التي تشمل الناس بشدائدها.

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ) (٢)

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ) : مبتدأ مرفوع بالضمة المنونة. يوم : ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بخشعت وهو مضاف و «إذ» اسم مبني على السكون الظاهر على آخره وحرك بالكسر تخلصا من التقاء الساكنين : سكونه وسكون التنوين وهو في محل جر مضاف إليه والجملة المحذوفة المعوض عنها بالتنوين في محل جر مضاف إليه ثان. التقدير : يومئذ غشيت الغاشية. خاشعة : خبر «وجوه» مرفوع بالضمة بمعنى : ذليلة خاضعة لملاقاتها عذاب الآخرة.

(عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) (٣)

٥٩١

(عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) : خبران ثان وثالث للمبتدإ «وجوه» أي أخبار متعددة ـ مرفوعان وعلامة رفعهما الضمة المنونة بمعنى : تعمل في النار عملا تنصب ـ أي تتعب ـ منه. أو تكونان صفتين لوجوه.

(تَصْلى ناراً حامِيَةً) (٤)

(تَصْلى) : الجملة الفعلية في محل رفع صفة أخرى لوجوه ويجوز أن تكون في محل نصب حالا منها بعد أن وصفت وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي أي تدخل.

(ناراً حامِيَةً) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. حامية : صفة ـ نعت ـ للموصوف «نارا» منصوبة مثلها بالفتحة المنونة.

(تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) (٥)

(تُسْقى) : الجملة الفعلية في محل رفع صفة أخرى لوجوه فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي بمعنى : تشرب.

(مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) : جار ومجرور متعلق بتسقى. آنية : صفة ـ نعت ـ لعين مجرورة مثلها وعلامة جرهما ـ الموصوف والصفة ـ الكسرة المنونة بمعنى : من عين متناهية في الحر.

** (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثالثة .. المعنى : وجوه يوم القيامة تعمل في النار عملا تنصب ـ أي تتعب ـ منه. يقال : نصب الرجل ينصب ـ نصبا .. من باب «تعب» بمعنى : أعيا وتعب.

** (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة. أي من شوك شديد المرارة كالسم القاتل ترعاه الإبل ما دام رطبا فإذا يبس تحامته ـ أي اجتنبته ـ وهو لا يسمن الأجسام الهزيلة ولا يشبع البطون الجائعة ومن هذه الآية الكريمة والآية الكريمة في سورة «الحاقة» : (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) أي من غسالة أهل النار وصديدهم .. من هاتين الآيتين يتبين أن العذاب ألوان والمعذبين طبقات .. فمنهم أكلة الزقوم ومنهم أكلة الغسلين .. ومنهم أكلة الضريع يعني أن طعامهم من شيء ليس من مطاعم الإنس وإنما هو شوك ـ والشوك مما ترعاه الإبل وتتولع به ـ وهذا نوع منه تنفر عنه

٥٩٢

ولا تقربه .. ومنفعتا الغذاء منتفيتان عنه .. وهما إماطة الجوع وإفادة القوة والسمن في البدن .. أو أريد أن لا طعام لهم أصلا لأن «الضريع» ليس بطعام للبهائم فضلا عن الإنس .. لأن الطعام هو ما أشبع أو أسمن وهو منهما بمعزل كما يقال : ليس لفلان ظل إلا الشمس .. يراد نفي الظل على التوكيد. وقيل : قال كفار قريش : إن الضريع لتسمن عليه إبلنا فنزلت (لا يُسْمِنُ ..) فلا يخلو إما أن يتكذبوا ويتعنتوا بذلك ـ وهو الظاهر ـ فيرد قولهم. بنفي السمن والشبع وإما أن يصدقوا فيكون المعنى : إن طعامهم من ضريع ليس من جنس ضريعكم وإنما هو من ضريع غير مسمن ولا مغن من جوع. يقال : تطعم الرجل الشيء : بمعنى : ذاقه .. وقيل في أمثال العرب : تطعم تطعم : أي ذق حتى تشتهي فتأكل .. يضرب هذا المثل في التشويق إلى الشيء وقولهم : طاعمه : بمعنى : أكل معه والطعام : جمعه أطعمة. والطاعم : اسم فاعل أما اسم المفعول فهو المطعوم وهو ما يؤكل أو يذاق ومنه اسم «المطعم» ـ مفعل ـ اسم مكان وهو موضع الأكل. وقولهم : ما يطعم آكل هذا : بمعنى : ما يشبع. ويقال فلان مطعم اسم مفعول .. بمعنى : مرزوق.

** (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية عشرة .. المعنى : لا تسمع فيها لغوا أي كلاما باطلا لا يعتد به .. لأن أهل الجنة لا يتكلمون إلا بالحكمة وحمد الله على ما رزقهم من النعيم الدائم. يقال : ألغيت هذا الشيء من حسابي : بمعنى : أسقطته فأنا ملغ ـ اسم فاعل ـ والشيء ملغى ـ اسم مفعول ـ وكان ابن عباس يلغي طلاق المكره أي يسقطه ويبطله. ويقولون : تكلم فلان باللغو واشتغل باللغو : بمعنى : قال ما لا يعتد به من كلام وغيره وبمعنى : أثم في حلفه. ومنه «اللغو في اليمين ـ الحلف ـ وهو ما لا يعقد عليه القلب كقول القائل : لا والله وبلى والله. قال تعالى في سورة «المائدة» : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) صدق الله العظيم. بمعنى : لا يؤاخذكم الله على ما يبدر منكم من الأيمان بلا قصد كقول الرجل : لا والله .. بلى والله .. ولكن يؤاخذكم بما وثقتم الأيمان عليه بالقصد والنية لأن الأيمان المذكورة جرى عليها اللسان في الاستعمال. ومن أخطائهم الشائعة قولهم : اعتبرت هذه المادة لاغية : يريدون : أعدت باطلة في حين أن الصواب القول : إنها ملغاة ـ اسم مفعول للفعل الرباعي «ألغى» لأن المادة لا تلغي نفسها حتى يقال : لاغية ـ اسم فاعل ـ بل ثمة ـ هناك ـ من يلغيها وهو الملغي ـ اسم فاعل ـ أي المبطل يقال : لغا الشيء ـ يلغو لغوا .. من باب «عدا» و «صدى» بمعنى : بطل فهو لاغ وهي لاغية قال العجاج :

أستغفر الرحمن ذا التعظم

من اللغا ورفث الكلام

والرفث : هو الفحش وقولهم : لغا الرجل : معناه : تكلم باللغو وهو أخلاط الكلام. كما في الآية الكريمة.

** (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة عشرة. المعنى : أفلا ينظرون نظر الاعتبار إلى الجمال ـ النوق ـ كيف خلقت.

** سبب نزول الآية : أخرج ابن جرير وغيره عن قتادة قال : لما نعت الله تعالى ما في الجنة عجب من ذلك أهل الضلالة فأنزل الله : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ ..).

و «الإبل» اسم جمع لا واحد ـ مفرد ـ لها وهي لفظة مؤنثة لأن اسم الجمع الذي لا واحد له من لفظه إذا كان لما لا يعقل يلزمه التأنيث وتدخله الهاء إذا صغر نحو : أبيلة وغنيمة.

٥٩٣

وقال الفيومي : وتجمع على «آبال» و «أبيل» وإذا ثنيت أو جمعت فالمراد : قطيعان أو قطيعات وكذلك أسماء الجموع نحو : أبقار وأغنام. والإبل : بناء نادر .. قال سيبويه : لم يجىء على «فعل» بكسر الفاء والعين من الأسماء إلا حرفان : إبل وحبر .. وبعض الأئمة يذكر ألفاظا غير ذلك لم يثبت نقلها عن سيبويه.

(لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ) (٦)

(لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ) : فعل ماض ناقص من أخوات «كان» اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر «ليس» المقدم المحذوف. طعام : اسم «ليس» مرفوع بالضمة المنونة.

(إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) : أداة استثناء تفيد النفي لا عمل لها ـ ملغاة ـ من ضريع : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «طعام» و «الضريع» جنس من الشوك ترعاه الإبل ما دام رطبا فإذا يبس تحامته الإبل وهو سم قاتل.

(لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) (٧)

(لا يُسْمِنُ) : الجملة في محل رفع صفة لطعام أو في محل جر صفة لضريع. لا : نافية لا عمل لها. يسمن : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو بمعنى : لا يسمن الإبل أو الأجسام.

(وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) : معطوفة بالواو على جملة «لا يسمن» وتعرب إعرابها وعلامة رفع الفعل الضمة المقدرة على الياء للثقل. من جوع : جار ومجرور متعلق بيغني بمعنى : غير مسمن ولا مغن من جوع أي لا يشبع البطون.

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) (٨)

تعرب إعراب الآية الكريمة الثانية بمعنى : وجوه ذات بهجة وحسن ورونق أو متنعمة.

(لِسَعْيِها راضِيَةٌ) (٩)

(لِسَعْيِها راضِيَةٌ) : جار ومجرور متعلق براضية. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة. أي بكرامة أو ثواب عملها في الدنيا. راضية : بدل من المبدل منه «ناعمة» مرفوعة مثلها بالضمة المنونة ويجوز

٥٩٤

أن تكون خبر مبتدأ محذوف تقديره : هي راضية ويجوز أن يكون الجار والمجرور «لسعيها» متعلقا بخبر مقدم محذوف وتكون «راضية» مبتدأ مؤخرا .. إلا أن الوجه الأول أصوب وأعرب.

(فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) (١٠)

(فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) : جار ومجرور متعلق بخبر محذوف ثان لوجوه. عالية : صفة ـ نعت ـ لجنة مجرورة مثلها وعلامة جرهما «الموصوف والصفة» الكسرة المنونة ويجوز أن يتعلق الجار والمجرور «في جنة» بحال محذوف من «وجوه» بتقدير : تستقر في جنة أي في بستان عالية المكان أو المقدار. أي يدخل أصحاب هذه الوجوه في هذه الجنة.

(لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) (١١)

(لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) : نافية لا عمل لها. تسمع : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي وجملة «لا تسمع فيها لاغية» في محل رفع خبر آخر للمبتدإ «وجوه» أو في محل نصب حال من «وجوه» بعد وصفها ويجوز أن يكون ضمير «تسمع» أي فاعل الفعل للمخاطب وهو ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. فيها : جار ومجرور متعلق بتسمع. لاغية : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى «لغوا» أو كلمة ذات لغو أو نفسا تلغو بمعنى : تقول قولا غير حكيم أي باطلا.

(فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) (١٢)

(فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) : جار ومجرور متعلق بخبر مقدم محذوف. عين : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة. جارية : صفة ـ نعت ـ لعين مرفوعة مثلها بالضمة المنونة بمعنى عيون كثيرة متدفقة عذبة.

(فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) (١٣)

تعرب إعراب الآية الكريمة السابقة بمعنى : مرفوعة المقدار ـ القدر ـ أو السمك ليرى المؤمن ما خوله ربه من الملك والنعيم. أي «أسرة» جمع «سرير».

٥٩٥

(وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) (١٤)

معطوفة بالواو على الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها بمعنى : موضوعة على حافات العيون معدة للشرب.

(وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ) (١٥)

معطوفة بالواو على الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها بمعنى : ووسائد ـ مساند ـ ولم ينون آخر «نمارق» لأنها ممنوعة من الصرف على وزن «مفاعل» هذه الوسائد صف بعضها بجانب بعض.

(وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) (١٦)

تعرب إعراب الآية الكريمة السابقة بمعنى : وبسط فاخرة .. وقيل : طنافس مبسوطة لها خمل رقيق وهي جمع «زربية» أو «زربي».

(أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (١٧)

(أَفَلا يَنْظُرُونَ) : الألف ألف تعجيب وتوبيخ في لفظ استفهام. الفاء تزيينية. لا : نافية لا عمل لها. ينظرون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى : أفلا ينظرون نظر الاعتبار.

(إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ) : جار ومجرور متعلق بينظرون. كيف : اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال والعامل فيه خلقت.

(خُلِقَتْ) : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. و «الإبل» : الجمال «النوق» جمع «ناقة».

(وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) (١٨)

معطوفة بالواو على الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها بمعنى : رفعت رفعا بعيد المدى بغير عمد؟

(وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) (١٩)

٥٩٦

معطوفة بالواو على الآية الكريمة الثامنة عشرة وتعرب مثلها بمعنى : نصبت نصبا ثابتا فهي راسخة لا تميل أي قائمة على الأرض لا تزول.

(وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (٢٠)

تعرب إعراب الآية الكريمة التاسعة عشرة بمعنى : كيف بسطت؟ حتى أصبحت صالحة للعيش.

(فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) (٢١)

(فَذَكِّرْ إِنَّما) : الفاء استئنافية. ذكر : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت بمعنى فذكرهم ولا يهمنك أنهم لا ينظرون ولا يذكرون. إنما : كافة ومكفوفة.

(أَنْتَ مُذَكِّرٌ) : ضمير رفع منفصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. مذكر : خبر «أنت» مرفوع بالضمة المنونة.

(لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (٢٢)

(لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) : فعل ماض ناقص من أخوات «كان» مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل رفع اسم «ليس». على : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بمصيطر الباء حرف جر زائد لتأكيد النفي. مصيطر : اسم مجرور لفظا منصوب محلا لأنه خبر «ليس» بمعنى : لست عليهم بمتسلط أو مستول.

(إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) (٢٣)

(إِلَّا مَنْ) : أداة استثناء. من : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مستثنى بإلا وهو استثناء منقطع أي لست بمستول عليهم ولكن من تولى .. ويجوز أن يكون استثناء متصلا من قوله «فذكرهم» أي فذكر إلا من انقطع طمعك من إيمانه وتولى.

(تَوَلَّى وَكَفَرَ) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر بمعنى : من أعرض. وكفر :

٥٩٧

معطوفة بالواو على «تولى» وتعرب إعرابها وعلامة بناء الفعل الفتحة الظاهرة على آخره بمعنى وكفر فاستحق العذاب. أي أعرض عن القرآن وكفر به.

(فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) (٢٤)

(فَيُعَذِّبُهُ اللهُ) : الفاء عاطفة على محذوف بمعنى : فإن لله الولاية والقهر فهو يعذبه أي يتولاه فيعذبه. يعذبه : فعل مضارع بالضمة والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل نصب مفعول به مقدم. الله لفظ الجلالة فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.

(الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) : مفعول مطلق ـ مصدر ـ منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الأكبر : صفة ـ نعت ـ للعذاب منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة الذي هو عذاب جهنم أو يكون «العذاب» مفعولا به ثانيا وتكون الجملة الفعلية «فيعذبه الله العذاب الأكبر» على المعنى في محل رفع خبر المبتدأ المقدر «هو».

(إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) (٢٥)

(إِنَّ إِلَيْنا) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. إلى : حرف جر و «نا» ضمير متصل ـ ضمير التفخيم المسند إلى الواحد المطاع ـ مبني على السكون في محل جر بإلى والجار والمجرور متعلق بخبر «إن» المقدم المحذوف.

(إِيابَهُمْ) : اسم «إن» المؤخر منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه بمعنى : رجوعهم وفي تقديم الجار والمجرور «الظرف» تشديد في الوعيد.

(ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) (٢٦)

الآية الكريمة معطوفة بحرف العطف «ثم» على الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها .. ومعنى «ثم» هو الدلالة على أن الحساب أشد من الإياب لأنه موجب العذاب أي حسابهم على كفرهم يوم المحشر.

***

٥٩٨

سورة الفجر

معنى السورة : الفجر : هو ضوء الصباح .. سمي بذلك لانصداع ـ لانكشاف ـ الظلمة عن نور الصبح .. وقيل : الفجر : فجران : الأول : الفجر الكاذب وهو المستطيل ويبدو أسود معترضا .. والثاني : الفجر الصادق وهو المستطير ـ اسم فاعل ـ أي المنتشر ويبدو ساطعا يملأ الأفق ببياضه وهو عمود الصبح ويطلع بعد ما يغيب الأول وبطلوعه يدخل النهار .. والفجر في آخر الليل كالشفق في أول الليل .. وقولهم : لقد أفجرنا : معناه : دخلنا في الفجر وهو مثل «أصبحنا» بمعنى : دخلنا في الصبح. وقيل : ويطلع الفجر الثاني وعند دخول النهار بطلوعه يحرم على الصائم كل ما يفطر به.

تسمية السورة : كرم سبحانه وتعالى «الفجر» بتسمية إحدى سور القرآن الكريم به وزاده تكريما إقسامه جلت قدرته بالفجر حين خص عزوجل الآية الكريمة الأولى من هذه السورة الشريفة بقوله ـ عزّ من قائل ـ : (وَالْفَجْرِ) أقسم سبحانه بحق الفجر أي فجر كل يوم ـ وقد وردت هذه اللفظة ست مرات في القرآن الكريم. كان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إذا رأى نور الفجر قال : أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله والخلق والليل والنهار لله.

فضل قراءة السورة : قال سيد البشرية وهادي الإنسانية محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «الفجر» في الليالي العشر غفر له .. ومن قرأها في سائر الأيام كانت له نورا يوم القيامة» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

أقسم سبحانه بالفجر كما أقسم بالصبح وبالليل .. وقيل : المعنى : وصلاة الفجر. وعن فضل قراءة هذه السورة الكريمة أيضا وكما جاء في «التفسير الوجيز» : روى النسائي عن جابر قال : صلى معاذ صلاة فجاء رجل .. فصلى معه .. فطول .. فصلى في ناحية المسجد ثم انصرف فبلغ ذلك معاذا فقال : منافق فذكر ذلك لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فسأل الفتى فقال : يا رسول الله جئت أصلي معه فطول علي فانصرفت وصليت في ناحية

٥٩٩

المسجد فعلقت ناقتي .. فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أفتان يا معاذ؟ أين أنت من (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) و (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) و (وَالْفَجْرِ) و (اللَّيْلِ إِذا يَغْشى).

إعراب آياتها

(وَالْفَجْرِ) (١)

(وَالْفَجْرِ) : الواو واو القسم حرف جر. الفجر : مقسم به مجرور بواو القسم وعلامة جره الكسرة والجار والمجرور متعلق بفعل القسم المحذوف أي أقسم بالفجر وأبدلت الباء بالواو أو يكون التقدير : ورب الفجر أو وحق الفجر وجواب القسم محذوف اختصارا .. التقدير : لنعذبن المشركين. أي الكافرين.

(وَلَيالٍ عَشْرٍ) (٢)

(وَلَيالٍ عَشْرٍ) : معطوف بالواو على «الفجر» ويعرب إعرابه وعلامة جره الكسرة وبما أن «ليالي» اسم ممنوع من الصرف فتكون علامة جره الفتحة بدلا من الكسرة وقدرت الفتحة على الياء قبل حذفها فاختصرت الفتحة النائبة عن الكسرة لثقلها وعوض التنوين بما حذف. عشر : صفة ـ نعت ـ لليال مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة المنونة. وهي عشر ذي الحجة ونكرت «ليال عشر» لأنها ليال مخصوصة بفضيلة ليست لغيرها وقيل : لأنها ليال مخصوصة من بين جنس الليالي والعشر بعض منها وقيل : المراد : الليالي العشر من ذي الحجة .. أو رمضان. أي عشر رمضان الأخيرة.

(وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) (٣)

(وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) : معطوف بالواو على «الفجر» مجرور مثله وعلامة جره الكسرة. والوتر : معطوف بالواو على «الشفع» ويعرب مثله بمعنى : ويوم النحر ويوم عرفة أو والزوج والفرد من كل شيء ونوع.

(وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) (٤)

٦٠٠