إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ١٠

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ١٠

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٤٩

(إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (٢٥)

(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) : أداة استثناء. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مستثنى بإلا من الضمير «هم» في «بشرهم». آمنوا : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. بمعنى آمنوا بالله ورسله وكتبه.

(وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) : معطوفة بالواو على جملة «آمنوا» وتعرب إعرابها. الصالحات : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم أي الأعمال الصالحات فحذف المفعول الموصوف «الأعمال» وحلت الصفة «الصالحات» محله. أو تكون «الصالحات» من الصفات التي جرت مجرى الأسماء ومثلها في التقدير : السيئات ..

(لَهُمْ أَجْرٌ) : الجملة الاسمية في محل نصب حال من الاسم الموصول أو من ضمير «عملوا» أو تكون «إلا» أداة قصر ـ حصر ـ بمعنى «لكن» ويكون الاسم الموصول في محل رفع مبتدأ على أنه استثناء منقطع أي غير متصل وفي هذا التقدير تكون الجملة الاسمية «لهم أجر ..» في محل رفع خبر المبتدأ «الذين» اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم محذوف. أجر : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة.

(غَيْرُ مَمْنُونٍ) : صفة ـ نعت ـ لأجر مرفوع مثله وهو مضاف. ممنون : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة بمعنى غير مقطوع أو غير منقوص أو غير ممنون به من المن أي لا يمن به عليهم.

***

٥٦١

سورة البروج

معنى السورة : البروج : جمع «برج» وأصله : القصر العالي .. والبروج كالمنازل للقمر أي إن البروج للكواكب كما هي المنازل بالنسبة للقمر .. وقيل : البروج : هي الكواكب العظام سميت بروجا لظهورها .. لأن اشتقاق «البرج» مأخوذ من التبرج لظهوره. وقيل : هي أبواب السماء .. ومن أقوالهم : هي التي تدخل فيها الشمس في أثناء السنة لتحدث الفصول .. وشبهت بالفصول لأن الكواكب السيارة تنزلها .. وذكر أنها منازل الكواكب أو قصور السماء على التشبيه لأنها لهذه الكواكب كالمنازل لسكانها أو هي النجوم التي هي منازل القمر وعددها : اثنا عشر كوكبا سيارا .. تبرجت المرأة : بمعنى : أظهرت زينتها ومحاسنها .. وقيل : البرج في السماء منزل القمر .. وقيل الكوكب العظيم .. وقيل : باب السماء وجمعه : بروج وأبراج.

تسمية السورة : سميت إحدى سور القرآن الكريم بالبروج تشريفا لها وتكريما لمنزلة السماء التي تحويها على عظمتها .. وآيتها الأولى هي قوله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) أي وحق السماء أو ورب السماء ذات الأبواب أو ذات الكواكب العظيمة .. وجاءت لفظة «البروج» بمعنى الحصون في قوله تعالى في سورة «النساء» : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) صدق الله العظيم. بمعنى : ولو كنتم في قصور مشيدة أو ولو اعتصمتم في حصون منيعة شاهقة.

روي أن ملك الموت مر على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه ـ جمع جليس ـ يديم النظر إليه .. فقال الرجل : من هذا؟ قال : ملك الموت! فقال : كأنه يريدني! وسأل سليمان أن يحمله على الريح ويلقيه ببلاد الهند ففعل. ثم قال ملك الموت لسليمان : كان دوام نظري إليه تعجبا منه لأني أمرت أن أقبض روحه بالهند هو عندك. ويجمع «البرج» إضافة إلى «بروج» و «أبراج» على «أبرجة» أيضا .. وأما برج الحمام فهو مأواه ومسكنه ومثله برج السماء : منزل القمر.

٥٦٢

فضل قراءة السورة : قال فخر الكائنات الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «البروج» أعطاه الله بعدد كل يوم جمعة وكل يوم عرفة يكون في الدنيا عشر حسنات» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

إعراب آياتها

(وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) (١)

(وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) : الواو واو القسم حرف جر. السماء : مقسم به مجرور بواو القسم وعلامة جره الكسرة .. والجار والمجرور متعلق بفعل القسم المحذوف أي أقسم. وجواب القسم محذوف يدل عليه القول الكريم في الآية الكريمة الرابعة (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ). بتقدير أقسم بهذه الأشياء أي السماء وما بعدها في الآيات إنهم ـ أي الكافرين ملعونون. ذات : صفة ـ نعت ـ للسماء مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة. البروج : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى والسماء ذات منازل الكواكب قيل : هي اثناء عشر برجا لاثني عشر كوكبا منها الشمس.

(وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) (٢)

(وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) : معطوف بالواو على السماء ويعرب إعرابها. الموعود : صفة ـ نعت ـ لليوم مجرور مثله وعلامة جره الكسرة أي يوم القيامة. أي اليوم الذي وعد الله به العباد للحساب والجزاء.

(وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) (٣)

(وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) : معطوف بالواو على «السماء» مجرور مثلها وعلامة جره الكسرة المنونة. ومشهود : معطوف بالواو على «شاهد» ويعرب مثله بمعنى : وشاهد في ذلك اليوم ومشهود فيه والمراد بالشاهد : من يشهد فيه من الخلائق كلهم والمشهود : هو ما في ذلك اليوم من عجائبه أو وبكل مشهود عليه من الغير بما اقترف من أفعال.

٥٦٣

(قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) (٤)

(قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. أصحاب : نائب فاعل مرفوع بالضمة. الأخدود : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى : لعن أصحاب الأخدود أي الشق في الأرض. قال التفسير الوجيز : هم قوم كفار أحرقوا جماعة من المؤمنين في أخدود باليمن.

(النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) (٥)

(النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) : بدل من «الأخدود» بدل اشتمال مجرور مثله ويعرب إعرابه. ذات الوقود : تعرب إعراب «ذات البروج» أي وصف النار بأنها نار عظيمة لها ما يرتفع به لهبها من الحطب الكثير وأبدان الناس.

** (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ .. وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) : هذان القولان الكريمان هما نصا الآيتين الكريمتين الثانية والثالثة .. يقال : شهد الرجل بكذا من باب «سلم» بمعنى : حلف وشهد الشيء : أي حضره فهو شاهد ـ اسم فاعل ـ والشيء مشهود ـ اسم مفعول وورد هذان الاسمان في الآية الكريمة المذكورة بمعنى : وشاهد في ذلك اليوم ـ يوم القيامة ـ ومشهود فيه. والمراد بالشاهد : من يشهد فيه من الخلائق كلهم وبالمشهود : ما في ذلك اليوم من عجائبه ونكرت اللفظتان إما على تقدير : وما أفرطت كثرته من شاهد ومشهود وإما الإبهام في الوصف كأنه قيل : وشاهد ومشهود لا يكتنه وصفهما. وقد اضطربت أقاويل المفسرين فيهما .. فقيل : الشاهد والمشهود : الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ويوم القيامة .. وقيل : عيسى ـ عليه‌السلام ـ وأمته لقوله تعالى في سورة «المائدة» : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) وقيل أمة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وسائر الأمم. وقيل : يوم التروية ويوم عرفة وقيل : الحجر الأسود والحجيج. وقيل : الأيام والليالي وبنو آدم وقيل : هما الحفظة وبنو آدم .. وقيل : الأنبياء ومحمد ـ عليهم الصلاة والسلام أجمعين.

** (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة .. وفي القول الكريم دعاء عليهم بمعنى : لعن أصحاب الأخدود : أي الخد في الأرض : وهو الشق. قال صاحب التفسير الوجيز : هم قوم كفار أحرقوا جماعة من المؤمنين في أخدود باليمن. وقال المصحف المفسر : يروى أنه لما تنصر أهل نجران غزاهم ذو نواس اليهودي ملك حمير فأحرق في الأخاديد من لم يرتد عن دينه من نصارى نجران فقد ألقوهم في الأخدود المملوء بالنار ذات الوقود.

** (إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة بمعنى : قاعدون وهي جمع «قاعد» يقال : قعد ـ يقعد ـ قعودا : بمعنى : جلس وهو من باب «دخل» أما قولهم ترسل الرجل في القعود .. فمعناه : تربع وأرخى ثيابه على رجليه وحوله. وقد وردت لفظة «قاعد» في قول الشاعر :

٥٦٤

من فضل النرجس وهو الذي

يرضى بحكم الورد إذ يرأس

أما ترى الورد غدا قاعدا

وقام في خدمته النرجس

الشاعر هنا فضل الورد على النرجس ـ بفتح النون وكسرها ـ مع كسر الجيم وهو نبت من الرياحين وهو جمع «نرجسة» فرد عليه بعضهم فقال :

ليس جلوس الورد في مجلس

قام به نرجسه يوكس

وإنما الورد غدا باسطا

خدا ليمشي فوقه النرجس

والنرجس .. الزهر المشموم المعروف لفظة معربة ونونه زائدة وهو نبت له زهر مستدير أبيض أو أصفر تشبه به العين. واقتصر الأزهري على ضبط لفظة «النرجس» بكسر النون صيغة «نفعل» بفتح النون إلا منقولا من الأفعال وهذا غير منقول فتكسر حملا للزائد على الأصلي .. كما حمل «افعل» بكسر الهمزة في كثير من أفراده على صيغة «فعلل» نحو : إثمد وإصبع. وقيل : اللفظة بفتح النون لأن حمل الزائد على الزائد أشبه من حمل الزائد على الأصلي فيحمل نرجس على نضرب ونصرف .. وفيه نظر لأن الفعل ليس من جنس الاسم حتى يشبه به. أما الفعل «يوكس» فمعناه : ينقص .. من وكس الشيء ـ يكسه ـ وكسا .. من باب «وعد» بمعنى : نقص. والوكس : هو النقص. وفي الحديث : «لها مهر مثلها لا وكس ولا شطط» أي لا نقصان ولا زيادة .. ويأتي متعديا إلى المفعول أيضا : نحو : وكست فلانا : أي نقصته.

** (وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة .. أي شاهدون حاضرون ـ جمع شاهد .. يقال : كان في موقع الحادث شهود عيان ـ بكسر العين ـ وليس بفتحها .. ومثله القول : ظهر ذلك الشيء للعيان أي يشهدون ما عاينوه ومثله أيضا : لقيه أو رآه عيانا : بمعنى : مشاهدة لم يشك في رؤيته إياه وأصل «عيان» مصدر الفعل عاين يقال : عاين الرجل أو الشاهد الشيء عيانا ومعاينة. بمعنى : رآه بعينه. و «العين» تأتي وتقع على أشياء مختلفة .. منها : العين الباصرة .. عين الماء .. عين الشمس. العين الجارية .. والعين الطليعة ـ وهم القوم الذين يبعثون أمام الجيش يتعرفون طلع العدو أي خبره وجمعه : طلائع وعين الشيء : أي نفسه نحو : أخذت مالي بعينه : بمعنى : أخذت عين مالي. وتصغر «العين» على «عيينة» والعامة تقول : عوينة. وتجمعها على «عوينات» والصحيح : عيينات.

** (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ .. فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) : هذان القولان الكريمان هما نصا الآيتين الكريمتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين .. المعنى : بل هذا الذي كذبوا به قرآن مجيد : أي شريف عالي الطبقة في الكتب وفي نظمه وإعجازه .. وقرئ : قرآن مجيد ـ بالإضافة ـ أي قرآن رب مجيد وقرأ يحيى بن يعمر : في لوح ـ بضم اللام ـ واللوح : هو الهواء بين السماء والأرض .. يعني اللوح فوق السماء السابعة الذي فيه اللوح .. ومحفوظ : قرئ بالرفع صفة للقرآن. والمجيد : هو ذو الشرف والمجد على غيره من الكتب .. ومن أحاط علما بمعانيه وعمل بما فيه مجد عند الله وعند الناس .. وهو بسبب من الله المجيد فجاز اتصافه بصفته.

(إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ) (٦)

٥٦٥

(إِذْ هُمْ) : ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بقتل بمعنى لعنوا حين أحدقوا بالنار قاعدين حولها. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل رفع مبتدأ.

(عَلَيْها قُعُودٌ) : جار ومجرور متعلق بخبر «هم». قعود : خبر «هم» مرفوع بالضمة المنونة بمعنى قاعدون على ما يدنو من النار من حافات الأخدود والجملة الاسمية «هم عليها قعود» في محل جر بالإضافة.

(وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) (٧)

(وَهُمْ عَلى) : الواو عاطفة. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل رفع مبتدأ. على : حرف جر.

(ما يَفْعَلُونَ) : اسم موصول مبني على السكون في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بشهود. يفعلون : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والعائد ـ الراجع ـ إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : على ما يفعلونه بتعذيب المؤمنين بالإلقاء بالنار.

(بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) : جار ومجرور متعلق بيفعلون وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته. شهود : خبر «هم» مرفوع بالضمة المنونة بمعنى : شاهدون : أي حاضرون.

(وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (٨)

(وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ) : الواو عاطفة. ما : نافية لا عمل لها. نقموا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. من : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بنقموا. بمعنى : وما عابوا منهم وما أنكروا إلا الإيمان.

٥٦٦

(إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا) : أداة حصر لا عمل لها. أن : حرف مصدري ناصب. يؤمنوا : فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة الفعلية «يؤمنوا» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به للفعل «نقموا» التقدير : إلا الإيمان.

(بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) : جار ومجرور للتعظيم متعلق بيؤمنوا. العزيز الحميد : صفتان ـ نعتان ـ للفظ الجلالة مجروران وعلامة جرهما الكسرة ويجوز أن يكون «الحميد» صفة للعزيز.

(الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٩)

(الَّذِي لَهُ مُلْكُ) : اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة ثالثة للفظ الجلالة أو يكون في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره هو. له : جار ومجرور متعلق بخبر مقدم محذوف. ملك : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة والجملة الاسمية «له ملك ..» صلة الموصول لا محل لها.

(السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. والأرض : معطوفة بالواو على «السموات» وتعرب إعرابها بمعنى مالك الكون كله.

(وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) : الواو عاطفة. الله لفظ الجلالة : مبتدأ مرفوع للتعظيم وعلامة الرفع الضمة. على كل : جار ومجرور متعلق بشهيد. شيء : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة.

(شَهِيدٌ) : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة المنونة. وفي القول الكريم وعيد لهم أي إنه سبحانه علم ما فعلوا وهو مجازيهم عليه.

(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) (١٠)

٥٦٧

(إِنَّ الَّذِينَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم «إن».

(فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. المؤمنين : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته. والمؤمنات : معطوفة بالواو على «المؤمنين» منصوبة أيضا وعلامة النصب الكسرة بدلا من الفتحة لأنها جمع مؤنث سالم بمعنى ابتلوهم بالأذى والعذاب أو عذبوهم بالنار وأحرقوهم.

(ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) : حرف عطف. لم : حرف نفي وجزم وقلب. يتوبوا : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة بمعنى ثم لم يتوبوا من فعلتهم تلك.

(فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) : الجملة الاسمية في محل رفع خبر «إن» الفاء استئنافية أو واقعة في جواب «الذين» لأنه متضمن معنى الشرط أي «من» اللام حرف جر «وهم» ضمير الغائبين في محل جر باللام .. والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم محذوف. عذاب : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. جهنم : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة المنونة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث.

(وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) : الجملة الاسمية معطوفة بالواو على مثيلتها الجملة الاسمية «لهم عذاب جهنم» وتعرب إعرابها وعلامة جر «الحريق» الكسرة الظاهرة على آخره وهي نار عظيمة أخرى لهم في الدنيا.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) (١١)

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا) : تعرب إعراب «إن الذين فتنوا» في الآية الكريمة السابقة. وعملوا : معطوفة بالواو على «آمنوا» وتعرب مثلها.

٥٦٨

(الصَّالِحاتِ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم والمعنى الأعمال الصالحات فحذف المفعول به الموصوف «الأعمال» وحلت الصفة «الصالحات» محله أي آمنوا بالله.

(لَهُمْ جَنَّاتٌ) : الجملة الاسمية في محل رفع خبر «إن». لهم : جار ومجرور متعلق بخبر مقدم محذوف. جنات : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة.

(تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) : الجملة الفعلية في محل رفع صفة ـ نعت ـ لجنات وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل. من تحت : جار ومجرور متعلق بتجري أو بحال من «الأنهار» أي تجري كائنة تحتها و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة. الأنهار : فاعل مرفوع بالضمة.

(ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) : ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف حرف خطاب. الفوز : خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو. الكبير : صفة ـ نعت ـ للفوز مرفوع مثله بالضمة والجملة الاسمية «هو الفوز الكبير» في محل رفع خبر «ذلك».

(إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) (١٢)

(إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. بطش : اسم «إن» منصوب وعلامة نصبه الفتحة. ربك : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه ثان. اللام لام التوكيد ـ المزحلقة ـ شديد : خبر «إن» مرفوع بالضمة المنونة. المعنى : إن أخذ ربك لهم بعنف وشدة لشديد العنف.

(إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) (١٣)

(إِنَّهُ هُوَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «إن». هو : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل نصب توكيد للضمير «الهاء» في «إنه» أي للتوكيد والتخصيص.

٥٦٩

(يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «إن» وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. ويعيد : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «يبدئ» وتعرب إعرابها بمعنى يبدئ البطش ويعيده أي يبطش بهم في الدنيا والآخرة أو أوعد الكفار بأنه يعيدهم كما أبدأهم ليبطش بهم.

(وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) (١٤)

(وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) : الواو عاطفة. هو : ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. الغفور الودود : خبرا «هو» خبر بعد خبر مرفوعان وعلامة رفعهما الضمة وهما من صيغ المبالغة ـ فعول بمعنى فاعل ـ أي الكثير المغفرة والود.

(ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) (١٥)

(ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) : خبر آخر للمبتدإ «هو» مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الخمسة وهو مضاف. العرش : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. المجيد : صفة ـ نعت ـ للاسم «ذو» مرفوع مثله وعلامة رفعه الضمة أي مالك العرش.

(فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (١٦)

(فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) : خبر رابع للمبتدإ «هو» ضمن الأخبار المتعددة لمبتدإ واحد لفظا ومعنى وهو الله سبحانه مرفوع وعلامة رفعه الضمة المنونة أو يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو. اللام حرف جر و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بفعال. يريد : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وجملة «يريد» صلة الموصول لا محل لها والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : لما يريده. ينفعل لإرادته سبحانه كل شيء.

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ) (١٧)

٥٧٠

(هَلْ أَتاكَ) : حرف استفهام لا محل له أو يكون بمعنى «قد». أتاك : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم والمخاطب هو الرسول الكريم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

(حَدِيثُ الْجُنُودِ) : فاعل مرفوع بالضمة. الجنود : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى قد عرفت ـ يا محمد تكذيب تلك الجنود للرسل وما نزل بهم لتكذيبهم.

(فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) (١٨)

(فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) : بدل من «الجنود» مجرور مثله وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة المنونة لأنه ممنوع من الصرف للعجمة والمعرفة. وثمود : معطوف بالواو على «فرعون» ويعرب مثله ومنع من الصرف لأنه معرفة وبتأويل القبيلة.

(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ) (١٩)

(بَلِ الَّذِينَ) : حرف إضراب للاستئناف وكسر آخره لالتقاء الساكنين. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ.

(كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. في تكذيب : جار ومجرور متعلق بخبر محذوف للمبتدإ «الذين» بمعنى إن الذين كفروا من قومك في تكذيب واستيجاب للعذاب والله عالم بأحوالهم وقادر عليهم.

(وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) (٢٠)

(وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ) : الواو استئنافية. الله لفظ الجلالة : مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. من وراء : جار ومجرور متعلق بمحيط و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر بالإضافة. وقيل : من : لابتداء الغاية في الزمان أو المكان.

٥٧١

(مُحِيطٌ) : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة المنونة بمعنى : لا يفوتونه أي لا يفلت منه سبحانه أحد منهم.

(بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) (٢١)

(بَلْ هُوَ) : حرف عطف يرادف الواو هنا. هو : ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ أي بل هذا الذي كذبوا به.

(قُرْآنٌ مَجِيدٌ) : خبر «هو» مرفوع بالضمة المنونة. مجيد : صفة ـ نعت ـ لقرآن مرفوع مثله بالضمة المنونة بمعنى شريف عالي المجد أو عالي الطبقة في الكتب وفي نظمه وإعجازه.

(فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (٢٢)

(فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من قرآن بمعنى محفوظ من وصول الشياطين إليه في لوح و «محفوظ» صفة ـ نعت ـ للوح مجرور مثله وعلامة جرهما ـ الموصوف والصفة ـ الكسرة المنونة.

***

٥٧٢

سورة الطارق

معنى السورة : الطارق : اسم فاعل وفعله : طرق ـ يطرق ـ طرقا .. من باب «قتل» نحو. طرق الباب ـ يطرقها ـ طرقا أي دقه وطرقت الحديد : أي مددته وطرقت الطريق : بمعنى : سلكته. والطارق هنا هو اسم النجم الطارق يقال : طرق النجم ـ يطرق ـ طروقا .. من باب «قعد» بمعنى : طلع. وكل ما أتى ليلا فقد طرق وهو طارق. و «الطارق» هو النجم المسمى : كوكب الصبح.

تسمية السورة : سميت إحدى سور القرآن الكريم باسم «الطارق» التي وردت مرتين في القرآن الكريم وضمتهما آيتان كريمتان من السورة الشريفة المذكورة وأقسم سبحانه بالنجم الثاقب تعظيما له لما عرف فيه من عجيب القدرة ولطيف الحكمة فأراد سبحانه ـ جلت قدرته ـ أن ينبه على ذلك فجاء بما هو صفة مشتركة بينه وبين غيره وهو ـ الطارق ـ ثم قال : وما أدراك ما الطارق ففسره بقوله : النجم الثاقب إظهارا لفخامة شأنه .. وقوله تعالى : (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ) المعنى : وحق السماء والكوكب الآتي ليلا. وورد بعدهما قوله تعالى : (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) بمعنى النجم المضيء سمي بذلك وهو اسم فاعل للفعل «ثقب» لأنه يثقب الظلام بضوئه ويخترقه .. والأصل : والنجم الطارق .. فحذف الموصوف «النجم» وأقيمت الصفة «الطارق» مقامة .. ووصف بالطارق لأنه يبدو بالليل كما يقال للآتي ليلا : طارق .. وكان رسول الله محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لا ينفك يقول في دعائه : «اللهم إني أعوذ بك من طوارق الليل إلا طارقا يطرق بخير» لأن الناس لم يألفوا أن يزوروا أو يزاروا في ظلام الليل في قديم الزمان إلا والشر كامن ـ أي مختف ـ ومنه «الكمين» ولهذا كان الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ينهى أن يطرق الرجل أهله ليلا ويحث على التريث حتى الصباح لأن الناس اعتادوا أن يطرقوا بعضهم في الحوائج والنوائب.

٥٧٣

فضل قراءة السورة : قال الهادي البشير محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «الطارق» أعطاه الله بعدد كل نجم في السماء عشر حسنات» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

إعراب آياتها

(وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) (١)

(وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) : الواو واو القسم حرف جر. السماء : اسم مقسم به مجرور بواو القسم وعلامة جره الكسرة والجار والمجرور متعلق بفعل القسم المحذوف. التقدير : أقسم أو أحلف بالسماء والواو هنا عوض من حرف الجر «الباء» ثم أسقطت كلمة «أحلف» اختصارا لأن المعنى مفهوم وهذا التقدير ينطبق على كل الأسماء المقسم بها في آيات الله البينات. والطارق : معطوف بالواو على «السماء» ويعرب إعرابها التقدير : والنجم الطارق : أي الآتي ليلا وبعد حذف الموصوف «النجم» حلت صفته «الطارق» محله والطارق : اسم فاعل للفعل «طرق» بمعنى : ضرب بالمطرقة أو قرع الباب بمعنى دقه أو أتاهم ليلا.

(وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ) (٢)

تعرب إعراب الآية الكريمة الثالثة من سورة «الحاقة» بمعنى : وما أعلمك يا محمد ما الطارق؟

(النَّجْمُ الثَّاقِبُ) (٣)

(النَّجْمُ الثَّاقِبُ) : بدل من المبدل منه «الطارق» في الآية الكريمة الثانية مرفوع مثله بالضمة أو صفة ـ نعت ـ له ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو. الثاقب : صفة ـ نعت ـ للنجم مرفوع مثله بالضمة بمعنى : النجم المضيء والجملة الاسمية «هو النجم الثاقب» لا محل لها لأنها تفسيرية أي فسر «الطارق» بالنجم الثاقب.

(إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) (٤)

٥٧٤

(إِنْ كُلُّ نَفْسٍ) : مخففة بمعنى «ما» النافية وهي جواب القسم وموصلة له تفيد التوكيد. كل : مبتدأ مرفوع بالضمة. نفس : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة.

(لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) : حرف استثناء بمعنى «إلا» لأنها مشددة. عليها : جار ومجرور متعلق بالخبر. حافظ : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة المنونة بمعنى : مهيمن أو تكون «إن» هنا مخففة من المشددة مهملة دخلت اللام في خبرها عوضا مما حذف من التشديد .. وقيل : إن : غير عاملة عند سيبويه واللام تلزم خبرها لئلا تلتبس بإن النافية وقال الكوفيون : المخففة هي «إن» النافية واللام بمعنى : «إلا» وخالفهم البصريون في ذلك.

(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ) (٥)

(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَ) : الفاء حرف عطف أو استئناف. اللام لام الأمر والأصل كسرها وأسكنت تخفيفا لاتصالها بالفاء. ينظر : فعل مضارع مجزوم باللام وعلامة جزمه سكون آخره الذي حرك بالكسر لالتقاء الساكنين. الإنسان : فاعل مرفوع بالضمة. مم : مكونة من «من» حرف جر و «ما» اسم استفهام مبني على السكون المقدر على الألف قبل حذفها في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بخلق وأدغمت النون في الميم وحذفت الألف من «ما» لأنه استفهام جر بحرف جر وحذف الألف طلبا للفصاحة.

(خُلِقَ) : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو بمعنى : من أي شيء خلقه الله.

** (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الأولى .. المعنى : وحق السماء والكوكب البادي ليلا والمختفي نهارا .. ويسمى كوكب الصبح : الطارق. وهو اسم فاعل ومثله «الطراق» وهو جمع «طارق» وهم المتكهنون .. والطوارق : جمع «طارقة» وهن المتكهنات يقال : ـ طرق الرجل ـ يطرق ـ طرقا ـ بمعنى : ضرب بالحصى على سبيل التكهن فهو طارق وهم طراق وهي طارقة وهن طوارق. قال لبيد بن ربيعة :

لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى

ولا زاجرات الطير ما الله صانع

وكل ما أتى ليلا فقد طرق .. وفي الحديث : «أعوذ بك من طوارق الليل إلا طارقا يطرق بخير».

٥٧٥

** (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثالثة .. المعنى : النجم المضيء كأنه يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه كما قيل : درىء لأنه يدرؤه : أي يدفعه. وأصله : والنجم الطارق الثاقب فتكون «النجم الثاقب» مفسرة للطارق أي ترجمة كلمة بأخرى والفائدة من ذلك أن الله عزوجل أراد أن يقسم بالنجم الثاقب تعظيما له لما عرف فيه من عجيب القدرة ولطيف الحكمة وأن ينبه على ذلك فجاء بما هو صفة مشتركة بينه وبين غيره وهو ـ الطارق ـ ثم قال : وما أدراك ما الطارق؟ ثم فسره بقوله : النجم الثاقب كل هذا إظهار لفخامة شأنه كما قال سبحانه في سورة «الواقعة» : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) أي أقسم بمساقط النجوم قال الشاعر :

يا صبح : ما للشمس غير مضيئة

يا ليل : ما للنجم غير مبين

يا نار : ما للنار بين جوانحي

يا نور : أين النور ملء جفوني

** (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة عشرة .. المعنى فأمهل يا محمد الكافرين ولا تستعجل هلاكهم أمهلهم مهلا رويدا بمعنى إمهالا يسيرا .. وقد خالف سبحانه بين اللفظتين لزيادة التسكين منه والتبصير وهي تأكيد للفعل .. أي لا تشتغل بالانتقام منهم .. بمعنى : ارفق بهم .. ومنه القول : مهلا يا رجل .. وسر على مهل .. وهو مصدر ناب عن فعله ويستوي فيه المذكر والمؤنث مفردا ومثنى وجمعا. ومعنى الآية الكريمة : لا تدع يا محمد بهلاك الكافرين ولا تستعجل به. و «رويدا» مصدر ـ مفعول مطلق ـ مرخم للفعل «أرود» بمعنى : أمهل ويأتي مفعولا مطلقا إذا نون أو أضيف نحو : رويدا في القراءة .. ورويدك في الكتابة أما إذا لم ينون فهو اسم فعل أمر بمعنى : أمهل نحو : رويد الطالب فإنه خجلان ويكون فاعل «رويد» ضميرا مستترا وجوبا تقديره : أنت. والطالب : مفعولا به منصوبا بالفتحة. ويقال : أمهل إمهالا وتمهل في أمرك تمهلا : بمعنى : اتئد في أمرك ولا تعجل .. والمهلة ـ بضم الميم ـ بمعنى : الرفق. وقال الشاعر :

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل

وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

أغرك مني أن حبك قاتلي

وأنك مهما تأمري القلب يفعل

خاطب الشاعر هنا «عنيزة» باسمها الآخر وهو «فاطمة» مرخما إياه. قال أحد النقاد معقبا على قول إمرئ القيس : ولعمري إذا لم يغرها منه كل ذلك فأي شيء يغرها!؟ وقال ابن المعتز ومثل إمرئ القيس في ذلك كمثل الأسير يقول لمن أسره : أغرك أني أسير في يديك؟. وقال الأعشى :

وأنكرتني وما كان الذي نكرت

من الحوادث إلا الشيب والصلعا

فأي شيء تنكره المرأة من الرجل أشد من ذلك! و «فاطم» اسم مرخم أي حذف حرفه الأخير وأصله فاطمة حذف آخره تخفيفا وترقيقا وأبقيت الفتحة على الطاء وهي أصلها قبل حذف الهاء وهذا النوع من الترخيم يسمى باسم : لغة من ينتظر. أما لو قيل : فاطم ـ بضم الميم ـ لسميت لغة من لا ينتظر لأن ما بقي منه بعد حذف آخره هو جعله كل الاسم ولأعرب مبنيا على الضم في محل نصب والترخيم مأخوذ من «رخم الصوت» أو الاسم : بمعنى : صيره رخيما : أي رقيقا ولينا. وكلمة «بعض» في الشعر المذكور نصبت بالمصدر «مهلا» لأن «مهلا» ينوب مناب «دع» أي اتركي .. بمعنى : دعي بعض هذا التدلل. وجاء الفعل «يفعل» مكسور اللام مراعاة للقافية أي الروي .. وأصله : يفعل بتسكين آخره لأنه جواب الشرط مجزوم باسم الشرط «مهما».

٥٧٦

(خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) (٦)

(خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) : أعربت. من ماء : جار ومجرور متعلق بخلق دافق : صفة ـ نعت ـ لماء مجرور مثله وعلامة جرهما ـ الموصوف والصفة ـ الكسرة المنونة بمعنى من ماء منصب باندفاع أي صب فيه دفع بمعنى : مدفوق : أي مصبوب بشدة. وجملة «خلق من ماء دافق» تفسيرية لا محل لها.

(يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) (٧)

(يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ) : الجملة الفعلية في محل جر صفة ثانية لماء وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. من بين : جار ومجرور متعلق بيخرج بمعنى يخرج هذا الماء «المني».

(الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. والترائب : معطوف بالواو على «الصلب» مجرور مثله ويعرب إعرابه. بمعنى : من بين صلب الرجل وترائب المرأة وهي عظام الصدر حيث تكون القلادة. و «من» حرف جر لابتداء الغاية. و «الصلب» أي ظهر الرجل. والترائب : جمع تريبة.

(إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) (٨)

(إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «إن» والضمير يعود على الخالق سبحانه لدلالة «خلق» عليه أي إن ذلك الذي خلق الإنسان ابتداء من نطفة. على رجعه : جار ومجرور متعلق بقادر والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل جر مضاف إليه بمعنى على إعادته بعد الموت.

(لَقادِرٌ) : اللام لام التوكيد ـ المزحلقة ـ قادر : خبر «إن» مرفوع بالضمة المنونة بمعنى : لبين القدرة لا يعجز عنه.

(يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) (٩)

(يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) : ظرف زمان منصوب متعلق برجعه وعلامة نصبه الفتحة أو يكون منصوبا بفعل مضمر يفسره «ناصر» في الآية الكريمة التالية هذا

٥٧٧

في حالة جعل الضمير في «رجعه» للماء أي يرجعه إلى مخرجه من الصلب. تبلى : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر. السرائر : نائب فاعل مرفوع بالضمة وجملة «تبلى السرائر» في محل جر بالإضافة بمعنى : يوم تختبر الضمائر أو ما أسر في القلوب من العقائد والنيات وما أخفي من الأعمال.

(فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) (١٠)

(فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ) : الفاء حرف عطف وجواب. ما : نافية لا عمل لها. له : جار ومجرور متعلق بخبر مقدم محذوف. من : حرف جر زائد لتأكيد معنى النفي. قوة : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه مبتدأ مؤخر بمعنى : فما للإنسان من منعة في نفسه يمتنع بها و «من» حرف جر لابتداء الغاية والضمير ـ الهاء ـ يعود على الكافر منكر البعث.

(وَلا ناصِرٍ) : الواو عاطفة. لا : نافية زائدة لتأكيد معنى النفي. ناصر : معطوفة على «قوة» وتعرب إعرابها بمعنى : ولا مانع يمنعه من عذاب الله أي ينصره منه.

(وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) (١١)

(وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) : أعربت في الآية الكريمة الأولى. ذات : صفة ـ نعت ـ للسماء مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة وهي مضافة. الرجع : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى : ذات المطر وفي الآية الكريمة بمعنى : ذات النفع .. سمي المطر رجعا تسمية بمصدر «رجع» وقيل : الموضع الذي تتحرك منه في كل دورة.

(وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) (١٢)

معطوفة بالواو على الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها. والصدع : هو ما يتصدع عن الأرض من النبات.

(إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) (١٣)

٥٧٨

(إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «إن» يعود على القرآن والجملة من «إن» مع اسمها وخبرها جواب القسم لا محل لها. اللام لام التوكيد ـ المزحلقة ـ قول : خبر «إن» مرفوع بالضمة. فصل : صفة ـ نعت ـ لقول مرفوع مثله بالضمة المنونة بمعنى لذو فصل أي فاصل بين الحق والباطل.

(وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) (١٤)

(وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) : الواو حرف عطف. ما : نافية بمنزلة «ليس» وهي «ما الحجازية» ونافية لا عمل لها عند بني تميم. هو : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع اسم «ما» ومبتدأ على اللغة الثانية. الباء حرف جر زائد. الهزل : اسم مجرور بالباء لفظا منصوب محلا لأنه خبر «ما» ومرفوع محلا لأنه خبر «هو» وعلامة نصبه أو رفعه فتحة مقدرة أو ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد أي إنه جد كله لا هوادة فيه وليس هو باللهو.

(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً) (١٥)

(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب اسم «إن» والضمير يعود على أهل مكة. يكيدون : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «إن» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. كيدا : مفعول مطلق ـ مصدر ـ منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى : يعملون المكايد في إبطال أمر الله وإطفاء نور الحق.

(وَأَكِيدُ كَيْداً) (١٦)

(وَأَكِيدُ كَيْداً) : الواو عاطفة. أكيد : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. كيدا : أعرب في الآية الكريمة السابقة بمعنى : واستدرجهم استدراجا للانتصار منهم بمعنى : للانتقام منهم لأن الكيد محال على الله سبحانه.

٥٧٩

(فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) (١٧)

(فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ) : الفاء استئنافية. للتسبيب. مهل : فعل أمر مبني على السكون الذي حرك بالكسر لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنت. الكافرين : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته. أي فلا تستعجل يا محمد هلاكهم ..

(أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) : تعرب إعراب «مهل» وعلامة بناء الفعل السكون الظاهر على آخره و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به وكرر سبحانه اللفظة وخالف بين اللفظتين لزيادة التسكين منه والتصبير وهي تأكيد للفعل «مهل». رويدا : صفة ـ نعت ـ لموصوف ـ مصدر ـ مفعول مطلق محذوف .. التقدير : أمهلهم مهلا رويدا بمعنى : إمهالا يسيرا.

***

٥٨٠