إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ١٠

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ١٠

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٤٩

(إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ) : كافة ومكفوفة. أنت : ضمير منفصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. منذر : خبر «أنت» مرفوع بالضمة.

(مَنْ يَخْشاها) : اسم موصول مبني على السكون في محل جر مضاف إليه والأصل تنوين آخر «منذر» ونصب «من» مفعولا به لاسم الفاعل إلا أنه أضيف للتخفيف. يخشى : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به بمعنى : يخشى أهوالها بمعنى بعثت يا محمد لتنذر بذلك.

(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) (٤٦)

(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ) : حرف مشبه بالفعل من أخوات «إن» يفيد التشبيه. و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب اسم «كأن». يوم : ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة. متعلق بيلبثوا وجملة «يرونها» في محل جر بالإضافة.

(يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا) : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. لم : حرف نفي وجزم وقلب. يلبثوا : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة وجملة «لم يلبثوا ..» في محل رفع خبر «كأن» بمعنى كأنهم لم يمكثوا في الدنيا.

(إِلَّا عَشِيَّةً) : أداة حصر لا عمل لها. عشية : مفعول فيه ـ ظرف زمان ـ منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة متعلق بيلبثوا.

(أَوْ ضُحاها) : حرف عطف للتخيير. ضحى : معطوفة على «عشية» منصوبة مثلها وتعرب إعرابها وعلامة نصبها الفتحة المقدرة على الألف للتعذر و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة يعود على «عشية» وأضيفت الضحى إلى العشية لاجتماعهما في نهار واحد أي إن مدة مكوثهم لم تبلغ يوما كاملا ولكن ساعة من عشية أو ضحاها.

٥٠١

سورة عبس

معنى السورة : عبس : فعل ماض من باب «ضرب» ومضارعه : يعبس بمعنى : قطب وجهه فهو عابس ـ اسم فاعل .. وبه سمي. وبمعناه أيضا اسم الفاعل : عباس ـ فعال بمعنى فاعل ـ وهو من صيغ المبالغة بمعنى : الكثير العبوس ومثله : العبوس ـ بفتح العين ـ ومصدر الفعل «عبسا .. وعبوسا ـ بضم العين ـ ومنه قيل : عبس اليوم : أي اشتد فهو عبوس بمعنى شديد .. والتعبس : هو التجهم. وقد وردت لفظة «عبوس» مرة واحدة في القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة «الإنسان» على لسان الأبرار : (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) أي يوما شديدا مكفهرا شديد الكلوح ـ أي التعبس ـ.

تسمية السورة : سميت إحدى سور القرآن الكريم باللفظة «عبس» تشريفا وتكريما للصحابي أو لقصته أي قصة الصحابي ابن أم مكتوم الذي كان كفيف البصر .. وأم مكتوم أم أبيه واسمه : عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤي .. أتى هذا الصحابي رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وعنده صناديد قريش : عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وأمية بن خلف والوليد بن المغيرة يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم فقال : يا رسول الله أقرئني وعلمني بما علمك الله .. وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغلهم أو تشاغل الرسول الكريم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالقوم ـ فكره رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قطعه لكلامه وعبس وأعرض عنه فنزلت هذه السورة الكريمة .. فكان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يكرمه ويقول إذا رآه : مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ويقول له : هل لك من حاجة؟ واستخلفه على المدينة مرتين .. وروي أنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ما عبس في وجه فقير قط ولا تعرض لغني.

فضل قراءة السورة : قال النبي الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «عبس وتولى» جاء يوم القيامة ووجهه ضاحك مستبشر» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٥٠٢

إعراب آياتها

(عَبَسَ وَتَوَلَّى) (١)

(عَبَسَ وَتَوَلَّى) : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وتولى : معطوفة بالواو على جملة «عبس» وتعرب إعرابها. وعلامة بناء الفعل الفتحة المقدرة على الألف للتعذر بمعنى : قطب وجهه وأعرض. والمراد به الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

(أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) (٢)

(أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) : حرف مصدري. جاءه : فعل ماض مبني على الفتح والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم. الأعمى : فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والجملة الفعلية «جاءه الأعمى» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر محذوف بتقدير لمجيء والجار والمجرور متعلق بتولى أو بعبس ومحل الجار والمجرور النصب على أنه مفعول لأجله لأن اللام لام التعليل بمعنى : لأجل مجيء الأعمى. وقيل : يجوز أن تكون «أن» بمعنى «إذ» وفي هذا التقدير تكون جملة «جاءه الأعمى» في محل جر بالإضافة.

(وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) (٣)

(وَما يُدْرِيكَ) : الواو استئنافية. ما : اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يدريك : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «ما» وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ما» والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل نصب مفعول به بمعنى : وأي شيء يجعلك داريا بحال هذا الأعمى .. لعله يتطهر من أوضار الإثم بمعنى وما يعلمك؟

(لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) : حرف مشبه بالفعل من أخوات «إن» والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب اسم «لعل». يزكى :

٥٠٣

الجملة الفعلية في محل رفع خبر «لعل» وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وأصله : يتزكى أدغمت التاء في الزاي فشدد الزاي.

(أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) (٤)

(أَوْ يَذَّكَّرُ) : حرف عطف للتخيير. يذكر : معطوفة على جملة «يزكى» وتعرب إعرابها وعلامة رفع الفعل الضمة الظاهرة على آخره.

(فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) : الفاء سببية. تنفعه : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم. الذكرى : فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر وجملة «تنفعه الذكرى» صلة حرف مصدري لا محل لها بمعنى لعله يتذكر أي يتعظ فتنفعه ذكراك أي موعظتك.

(أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) (٥)

(أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) : حرف شرط وتفصيل. من : اسم موصول مبني على السكون الذي حرك بالكسر لالتقاء الساكنين في محل رفع مبتدأ. استغنى : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هو.

(فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) (٦)

(فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) : الفاء واقعة في جواب «أما». أنت : ضمير منفصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. والجملة الاسمية «فأنت له تصدى» في محل رفع خبر المبتدأ «من» في الآية الكريمة السابقة. له : جار ومجرور متعلق بتصدى. تصدى : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. وأصله : تتصدى .. حذفت إحدى التاءين لتواليهما والجملة الفعلية «تصدى» في محل رفع خبر «أنت» بمعنى : تتعرض بالإقبال عليه.

٥٠٤

(وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى) (٧)

(وَما عَلَيْكَ) : الواو استئنافية. ما : نافية لا عمل لها. عليك : جار ومجرور متعلق بخبر مقدم لمبتدإ محذوف تقديره بأس أي ليس عليك بأس في أن لا يتزكى بالإسلام إن عليك إلا البلاغ.

(أَلَّا يَزَّكَّى) : مؤلفة من «أن» و «لا» المدغمة بنون «أن» وهي نافية لا عمل لها. يزكى : فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هو وأصله : يتزكى بمعنى يتطهر وحذفت التاء تخفيفا فشدد الزاي وجملة «يزكى» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف بتقدير : في ألا يزكى. التقدير : في عدم تطهره والجار والمجرور متعلق بالمبتدإ المقدر «بأس».

(وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى) (٨)

(وَأَمَّا مَنْ) : الواو عاطفة. أما : حرف شرط وتفصيل. من : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.

(جاءَكَ يَسْعى) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. يسعى : الجملة الفعلية في محل نصب حال من ضمير «جاء» وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هو بمعنى : جاءك يسرع ـ مسرعا ـ في طلب الخير والعلم والموعظة.

** (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى .. فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) : هذا القول الكريم هو نص الآيتين الكريمتين الخامسة والسادسة .. المعنى : أما الذي استغنى بثروته وماله وجاهه عن سماع القرآن أو ما جئت به من الخير فأنت تتعرض بالإقبال عليه. يقال : غني به عنه غنية وغنيت المرأة بزوجها غنيانا أي استغنت وغني بالمكان : أقام به .. وبمعنى عاش والفعل من باب «صدي» و «تصدى» أصله : تتصدى .. حذفت إحدى التاءين تخفيفا ..

٥٠٥

** (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية عشرة والهاء يعود على «تذكرة» في الآية الكريمة السابقة ولم يقل ذكرها لأن «التذكرة» مؤنث تأنيثا غير حقيقي أو على معنى الذكر.

** (وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً) : المعنى : فأنبتنا في الأرض أشجار زيتون ونخلا أي نخيلا وبعد حذف المضاف المفعول «أشجار» حل المضاف إليه «زيتون» محله فانتصب على المفعولية. ويقال : في ترتيب حمل النخلة : أطلعت ثم أبلحت ثم أبسرت ثم أمعت ثم أرطبت ثم أثمرت. والبسر : أوله طلع ثم خلال ثم بلح ثم بسر. وفي الآية التالية «وحدائق غلبا» بمعنى وحدائق وفرة الثمر ملتفة. والأصل في الوصف بالغلب والرقاب فاستعير لأن الغلب جمع «أغلب» وهو غليظ العنق.

** (فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثالثة والثلاثين. والصاخة هي الصيحة التي تصم لشدتها من سمعها سميت بها القيامة أو وصفت النفخة بالصاخة لأن الناس يصخون لها. يقال : صخ الصوت ـ يصخ الأذن ـ صخا .. من باب «رد» بمعنى : أصمها.

** (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة والثلاثين .. المعنى : يوم القيامة يهرب المرء من أعز الناس إليه لانشغاله بنفسه عن غيره. والمرء : بمعنى : الرجل وإذا جردت لفظة «المرء» من الألف واللام قيل : امرؤ وامرآن وجمعه : رجال من غير لفظه والأنثى امرأة. وقال الشاعر :

لا تحمدن امرأ حتى تجربه

ولا تذمنه من غير تجريب

فإن حمدك من لم تبله صلف

وإن ذمك بعد الحمد تكذيب

وفي رواية : تمدحن .. بدلا من «تحمدن» و «لم تبله» بمعنى : لم تجر به وتختبره.

(وَهُوَ يَخْشى) (٩)

(وَهُوَ يَخْشى) : الواو حالية والجملة الاسمية في محل نصب حال ثانية. هو : ضمير منفصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. يخشى : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «هو» وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بمعنى وهو يخاف الله أو يخاف الكفار وأذاهم أو يخاف عقاب الله. والمراد بضمير الغائب : الأعمى ابن أم مكتوم.

(فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) (١٠)

هذه الآية الكريمة تعرب إعراب الآية الكريمة السادسة. وأصله : تتلهى بمعنى : تتشاغل عنه وتصد.

(كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ) (١١)

٥٠٦

(كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ) : حرف ردع وزجر لا محل له أي ردع عن المعاتب عليه وعن معاودة مثله. إن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم إن» أي إن آيات الله. تذكرة : خبر «إن» مرفوع بالضمة المنونة بمعنى : موعظة وعبرة يجب الاتعاظ بها والعمل بموجبها.

(فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) (١٢)

(فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) : الفاء استئنافية. من : اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر «من». شاء : فعل ماض مبني على الفتح فعل الشرط في محل جزم بمن والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وحذف المفعول به اختصارا بمعنى فمن أراد الاتعاظ. ذكره : فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم لأنه جواب الشرط والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به يعود على «تذكرة» وذكر الضمير لأن «تذكرة» تأنيثها غير حقيقي أو على معنى : الذكر والوعظ. والجملة الفعلية «شاء» صلة الموصول لا محل لها والآية الكريمة جاءت اعتراضا بين الموصوف «تذكرة» في الآية الكريمة السابقة والصفة «في صحف» في الآية التالية.

(فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ) (١٣)

(فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ) : جار ومجرور متعلق بصفة ـ نعت ـ لتذكرة بمعنى : مثبتة في صحف منتسخة من اللوح. مكرمة صفة ـ نعت ـ لصحف مجرورة مثلها وعلامة جرهما ـ الموصوف والصفة ـ الكسرة المنونة بمعنى : مكرمة عند الله.

(مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ) (١٤)

(مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ) : صفتان أخريان لصحف مجرورتان مثلها وعلامة جرهما الكسرة المنونة بمعنى : مرفوعة في السماء أو مرفوعة القدر أو المقدار منزهة عن أيدي الشياطين ،

٥٠٧

(بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) (١٥)

(بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) : جار ومجرور متعلق بصفة أخرى لصحف أو يكون متعلقا بحال من «صحف» بعد وصفها. كائنة بأيدي كتبة ينتسخون الكتب من اللوح أو هم الملائكة. سفرة : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة وبمعنى سفراء بين الله تعالى ورسله الكرام ..

(كِرامٍ بَرَرَةٍ) (١٦)

(كِرامٍ بَرَرَةٍ) : صفتان ـ نعتان ـ لسفرة مجرورتان وعلامة جرهما الكسرة المنونة أي أتقياء جمع : بار أي ملائكة خيار أتقياء مطيعين لهم مكانتهم عند الله تعالى.

(قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) (١٧)

(قُتِلَ الْإِنْسانُ) : فعل ماض مبني على للمجهول مبني على الفتح. الإنسان : نائب فاعل مرفوع بالضمة بمعنى : أهلك أو لعن والقول الكريم دعاء شنيع عليه بالهلاك. أي ما أكثر كفره! أو كفرانه.

(ما أَكْفَرَهُ) : نكرة تامة بمعنى «شيء» مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ تفيد التعجب أي التعجب من إفراطه في كفرانه نعمة الله. أكفره : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ما» والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به والجملة الفعلية «أكفره» في محل رفع خبر المبتدأ «ما» ويجوز أن تكون «ما» اسم استفهام مبنيا على السكون في محل رفع مبتدأ وتكون جملة «أكفره» صلة لخبر «ما» المقدر لا محل لها بمعنى ما الذي أكفره؟ بعد ما تبين آيات الله البينات وبعد أن أسبغ سبحانه عليه نعمه.

(مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (١٨)

(مِنْ أَيِ) : حرف جر. أي : اسم استفهام مجرور بمن وعلامة جره الكسرة وهو مضاف والجار والمجرور متعلق بخلق.

٥٠٨

(شَيْءٍ خَلَقَهُ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. خلقه : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به بمعنى : من أي شيء مهين خلقه. أي خلق الله تعالى هذا الكافر؟ أي ألم ير من أي مادة خلقه الله؟ وفي السؤال تقريع وتوبيخ.

(مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) (١٩)

(مِنْ نُطْفَةٍ) : جار ومجرور متعلق بخلق والجملة تفسيرية ـ بيانية ـ لا محل لها بمعنى : من ماء مهين خلقه.

(خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) : أعربت في الآية الكريمة السابقة. فقدره : معطوفة بالفاء على جملة «خلقه» وتعرب إعرابها بمعنى : فهيأه لما يصلح له ويختص به. وأصل «النطفة» الماء القليل ثم كني بها عن ماء الرجل.

(ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) (٢٠)

(ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) : حرف عطف. السبيل : مفعول به منصوب بفعل محذوف يفسره ما بعده بمعنى : يسر السبيل وعلامة نصبه الفتحة ويجوز أن يكون التقدير : ثم للسبيل .. فحذف اللام وإنما قدرت اللام لأن الفعل يتعدى إلى المفعول الثاني بحرف جر مثل الفعل «هدى». يسره : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به بمعنى : ثم سهل سبيله وهو مخرجه من بطن أمه أي سهل ولادته. وقيل : ذلل له الله تعالى سبيل الخير والشر ليختار أي السبيلين يسلك.

(ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ) (٢١)

(ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ) : حرف عطف. أماته : معطوفة على «يسره» وتعرب مثلها. فأقبره : معطوفة بالفاء على «أماته» وتعرب إعرابها والفاء هنا تفيد الترتيب المعنوي غير المسبب فإن «الإقبار» مرتب على الإماتة ولكنه غير مسبب

٥٠٩

عنها بمعنى : فجعله ذا قبر يوارى فيه تكرمة له وسترا له. أي أسكنه القبر ـ دفنه ـ إلى أن يبعث للحساب والجزاء.

(ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) (٢٢)

(ثُمَّ إِذا) : أعرب. إذا : ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه متعلق بجوابه متضمن معنى الشرط.

(شاءَ أَنْشَرَهُ) : الجملة الفعلية في محل جر بالإضافة وهي فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. أنشره : الجملة الفعلية جواب شرط غير جازم لا محل لها وتعرب إعراب «شاء» والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به بمعنى : أحياه بعد موته.

(كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) (٢٣)

(كَلَّا لَمَّا) : حرف زجر وردع لا عمل له بمعنى ردع الإنسان عما هو عليه. لما : حرف نفي وجزم وقلب وهو بمنزلة «لم» إلا أنه يختلف عنه في أن نفيه مستمر حتى زمن التكلم أي يسري على الحال.

(يَقْضِ ما أَمَرَهُ) : فعل مضارع مجزوم بلما وعلامة جزمه حذف آخره ـ الياء ـ وبقيت الكسرة المجانسة للياء دالة عليها والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الإنسان بمعنى : لم يقض بعد مع تطاول الزمان وامتداده من لدن آدم إلى هذه الغاية. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول «يقضي». أمره : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو أي الله سبحانه والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به بمعنى : حتى يخرج عن جميع أوامره يعني : أن إنسانا لم يخل من تقصير قط.

(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) (٢٤)

٥١٠

(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ) : الفاء استئنافية. اللام لام الأمر. ينظر : فعل مضارع مجزوم بلام الأمر وعلامة جزمه سكون آخره الذي حرك بالكسر لالتقاء الساكنين. الإنسان : فاعل مرفوع بالضمة أي فلينظر نظرة تفكر.

(إِلى طَعامِهِ) : جار ومجرور متعلق بينظر والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الكسر في محل جر مضاف إليه بمعنى : إلى مطعمه الذي يعيش به كيف دبرنا أمره أي من أين توفر مطعومه الذي هو سبب استمراره في الحياة.

(أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا) (٢٥)

(أَنَّا صَبَبْنَا) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير التفخيم المسند إلى الواحد المطاع ـ مبني على السكون في محل نصب اسم «أن». صببنا : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «أن» وهي فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالضمير «نا» و «نا» ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع ـ مبني على السكون في محل رفع فاعل. و «أن» وما في حيزها من اسمها وخبرها في محل جر بدل من «الطعام» ويجوز أن يكون في محل جر بحرف جر محذوف بتقدير : لأنا والجار والمجرور «المصدر المنسبك» ـ متعلق بينظر.

(الْماءَ صَبًّا) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى : الغيث ـ المطر ـ صبا : مفعول مطلق ـ مصدر ـ يفيد التوكيد منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى أنزلنا المطر من السحب.

(ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا) (٢٦)

الآية الكريمة معطوفة بحرف العطف «ثم» على الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها أي بالنبات.

(فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا) (٢٧)

معطوفة بالفاء على الآية الكريمة السابقة وتعرب إعراب «صببنا الماء». فيها : جار ومجرور متعلق بأنبتنا.

٥١١

(وَعِنَباً وَقَضْباً) (٢٨)

(وَعِنَباً وَقَضْباً) : معطوفان بواوي العطف على «حبا» ويعربان إعرابه. و «القضب» الرطبة سمي بمصدر قضبه : إذا قطعه لأنه يقضب مرة بعد مرة.

(وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً) (٢٩)

نعرب إعراب «وعنبا وقضبا» بمعنى وأنبتنا فيها أشجار زيتون ونخلا.

(وَحَدائِقَ غُلْباً) (٣٠)

تعرب إعراب «وعنبا» غلبا : صفة ـ نعت ـ لحدائق منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة المنونة ولم تنون «حدائق» لأنها ممنوعة من الصرف. بمعنى : وحدائق وفرة الثمر ملتفة والأصل في الوصف بالغلب والرقاب فاستعير لأن الغلب جمع أغلب وهو غليظ العنق.

(وَفاكِهَةً وَأَبًّا) (٣١)

تعرب إعراب الآية الكريمة الثامنة والعشرين. والأب : المرعى لأنه يؤب أي يؤم وينتجع.

(مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) (٣٢)

أعربت في الآية الكريمة الثالثة والثلاثين من سورة «النازعات» بمعنى خلقها الله لكم منفعة.

(فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ) (٣٣)

تعرب إعراب الآية الكريمة الرابعة والثلاثين من سورة «النازعات» و «الصاخة» هي الصيحة التي تصم لشدتها من سمعها سميت بها القيامة أو وصف النفخة بالصاخة مجازا.

(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) (٣٤)

تعرب إعراب الآية الكريمة الخامسة والثلاثين من سورة «النازعات» من أخيه : جار ومجرور متعلق بيفر وعلامة جر الاسم الياء لأنه من الأسماء الخمسة والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل جر مضاف إليه.

٥١٢

(وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ) (٣٥)

معطوفان بواوي العطف على «أخيه» ويعربان إعرابه وعلامة جر «أمه» الكسرة بمعنى : يفر منهم لعلمه أنهم لا يغنون عنه شيئا و «أبيه» معطوف على «أمه».

(وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) (٣٦)

تعرب إعراب «وأمه وأبيه» وعلامة جر «بنيه» الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.

(لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (٣٧)

(لِكُلِّ امْرِئٍ) : جار ومجرور متعلق بخبر مقدم محذوف. امرئ : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة.

(مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ) : حرف جر بياني و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بصفة محذوفة من «امرئ». يوم : ظرف زمان منصوب وعلامة نصبه الفتحة متعلق بيفر وهو مضاف و «إذ» اسم مبني على السكون الظاهر وحرك بالكسر تخلصا من التقاء الساكنين : سكونه وسكون التنوين وهو في محل جر مضاف إليه وهو مضاف أيضا والجملة المحذوفة المعوض عنها بالتنوين في محل جر مضاف إليه ثان. التقدير : يومئذ تجيء الصاخة يفر المرء من أخيه .. لانشغاله بنفسه.

(شَأْنٌ يُغْنِيهِ) : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة. يغنيه : الجملة الفعلية في محل رفع صفة ـ نعت ـ لشأن وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به أي يكفيه في الاهتمام به.

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ) (٣٨)

تعرب إعراب الآية الكريمة الثامنة من سورة «النازعات» ويجوز أن تكون «مسفرة» خبر «وجوه» أي مضيئة متلألئة وهي اسم فاعل للفعل : أسفرت : أي أضاءت.

٥١٣

(ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) (٣٩)

(ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) : صفتان أخريان لوجوه مرفوعتان مثلها بالضمة المنونة بمعنى وجوه يوم القيامة مضيئة متهللة ضاحكة مستبشرة بما تراه من نعيم الجنة .. وهي وجوه المؤمنين.

(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ) (٤٠)

(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ) : معطوفة بالواو على «وجوه يومئذ» في الآية الكريمة الثامنة والثلاثين وتعرب إعرابها.

(عَلَيْها غَبَرَةٌ) : الجملة الاسمية في محل رفع خبر «وجوه». عليها : جار ومجرور متعلق بخبر مقدم محذوف. غبرة : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة بمعنى : عليها غبار يعلوها.

(تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) (٤١)

(تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) : الجملة الفعلية في محل رفع صفة ثانية لوجوه ويجوز أن تكون في محل نصب حالا من وجوه بعد أن وصفت. وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. قترة : فاعل مرفوع بالضمة بمعنى : عليها غبار يلحقها و «قترة» بمعنى غبار أو سواد كالدخان.

(أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) (٤٢)

(أُولئِكَ) : اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف حرف خطاب.

(هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) : الجملة الاسمية في محل رفع خبر «أولئك». هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل رفع مبتدأ ثان وحرك آخره بالضم للوصل ـ التقاء الساكنين. الكفرة : خبر «هم» مرفوع بالضمة. الفجرة : صفة ـ نعت ـ للكفرة مرفوع مثله بالضمة أو يكون خبرا ثانيا للمبتدإ «هم» وهي جمع «فاجر» و «الكفرة الفجرة» هم الذين جمعوا الفجور أي الفسوق إلى الكفر : وهو العصيان.

٥١٤

سورة التكوير

معنى السورة : التكوير : مصدر الفعل «كور» الشيء ـ يكوره ـ تكويرا .. يقال : كار الرجل عمامته ـ يكورها ـ كورا. من باب «قال» أي قال ـ يقول ـ قولا. بمعنى : أدارها على رأسه ولفها وكل دور كور .. تسمية بالمصدر والجمع : أكوار .. مثل : ثوب وأثواب .. أما الفعل المشدد «كور» نحو : كور العمامة ـ يكورها ـ تكويرا فهو للمبالغة ومنه يقال : كورت الشيء : إذا لففته على جهة الاستدارة .. وقوله تعالى : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) المراد به : طويت كطي السجل وقيل الفعل «كور» الذي جيء به للمبالغة بمعنى زاد أو أكثر من كورها. فالرجل الذي يكور عمامته يقال عنه : المكور ـ بتشديد الواو وكسرها لأنها اسم فاعل والعمامة مكورة ـ بفتح الواو وتشديدها وجاء الفعل المبني للمعلوم «يكور» وهو فعل مضارع مرتين في القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة «الزمر» : (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) المعنى : أنه سبحانه يلف الليل على النهار ويلف النهار على الليل لف اللباس للابس .. أو يغيبها كما يغيب الملفوف باللفافة أو يدخل هذا في هذا. أما الفعل الماضي المبني للمجهول «كورت» فقد ورد مرة واحدة في القرآن الكريم في الآية الكريمة الأولى من هذه السورة الشريفة (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) صدق الله العظيم.

تسمية السورة : سميت إحدى سور القرآن الكريم بمصدر الفعل «كور» ورافق هذا الفعل «الشمس» والحدث المراد هو يوم القيامة ولهوله صور سبحانه حجب الشمس أو تغريبها في ذلك اليوم المفزع وشبه عزوجل «تكوير الشمس» كطي السجل .. وقال ابن عباس : المعنى غورت : أي حجبت أو غربت أو أزيلت. وقال أبو عبيدة : كورت مثل تكوير العمامة فتمحى .. وقال قتادة : ذهب ضوؤها. وقيل : جمع ضوؤها ولف كما تلف العمامة أو بمعنى : اضمحلت وذهبت. وقيل : المعنى : رفعت لأن الثواب إذا أريد رفعه لف فكأن الشمس ألقيت عن فلكها.

٥١٥

فضل قراءة السورة : قال الرسول المصطفى محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «إذا الشمس كورت» أعاذه الله أن يفضحه حين تنشر صحيفته» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

إعراب آياتها

(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (١)

(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) : ظرف لما يستقبل من الزمن متضمن معنى الشرط غير الجازم خافض لشرطه متعلق بجوابه. الشمس نائب فاعل مرفوع بفعل مضمر يفسره «كورت» وعلامة رفعه الضمة وجملة «كورت الشمس» في محل جر بالإضافة. وجواب «إذا» أو عامل النصب فيها الجملة «علمت نفس ..» في الآية الكريمة الرابعة عشرة. كورت : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها وجملة «كورت» تفسيرية لا محل لها بمعنى لفت أو ذهب انبساط ضوئها وانتشاره في الآفاق أو كورت مثل تكوير العمامة ـ أي لفها ـ.

(وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) (٢)

معطوف بالواو على الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها بمعنى انقضت وأظلمت والفعل مبني للمعلوم والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي والفعل «انكدرت» فعل مطاوع وبمعنى هوت وسقطت.

(وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ) (٣)

معطوفة بالواو على الآية الكريمة الأولى وتعرب إعرابها بمعنى : سرت عن وجه الأرض وأبعدت وسيرت في الجو تسيير السحاب.

(وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ) (٤)

معطوفة بالواو على الآية الكريمة الأولى وتعرب مثلها و «العشار» جمع «عشراء» والعشار : النوق والعشراء هي التي أتى على حملها عشرة شهور .. وعطلت : بمعنى : تركت مهملة ولم يبق على وضعها إلا شهران.

٥١٦

(وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) (٥)

معطوفة بالواو على الآية الكريمة الأولى وتعرب إعرابها بمعنى : جمعت من كل ناحية وقيل : حشرها : موتها.

(وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) (٦)

معطوفة بالواو على الآية الكريمة الأولى وتعرب إعرابها بمعنى ملئت وهي من سجر التنور : إذا ملأه بالحطب وقيل : ملئت نيرانا أي أوقدت.

(وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) (٧)

معطوفة بالواو أيضا على الآية الكريمة الأولى وتعرب إعرابها بمعنى : قرنت كل نفس بشكلها.

** (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الأولى .. المعنى : لفت وكورت مثل تكوير «لف» العمامة وذهب ضوؤها المنتشر في آفاق الكون وجواب «إذا» هو الآية الكريمة الرابعة عشرة (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) ويجوز أن يكون الآية الكريمة الخامسة عشرة (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ) أو تكون الآيتان الكريمتان عاملتين في جواب «إذا» وقال التفسير الوجيز هذه الأحداث أي الآيات : الأولى إلى الآية الكريمة الثالثة عشرة تحدث من زمن النفخة الأولى .. إلى انقضاء الحساب وإعلان الجزاء ومنها يكون بعد النفخة الثانية. يعني نفخة إسرافيل في الصور «البوق» النفخة الأولى التي يموت فيها الأحياء جميعا ـ إيذانا ببدء يوم القيامة وفي النفخة الثانية يحيى الأموات جميعا ويساقون إلى يوم الحشر ـ يوم الجزاء والحساب ـ.

** (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية عشرة المعنى : وإذا الجحيم أوقدت إيقادا شديدا وأججت نيرانها .. وتشديد الفعل هنا للمبالغة .. قيل سعرها غضب الله تعالى وخطايا بني آدم ومن أسماء هذه النار العظمى : جهنم .. الجحيم .. السعير .. سقر .. والجحيم : هو النار الشديدة الوقود .. وقيل : كل نار على نار وجمر على جمر فهي جحيم «والجحيم» هو اسم للنار أي هو جهنم وقيل : كل نار عظيمة هي جحيم.

** (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة عشرة .. و «الخنس» هو من أسماء الكواكب سميت بذلك لأنها تخنس بالنهار في مجراها تحت ضوء الشمس فتغيب عن العيون يقال : خنس عنه ـ يخنس ـ خنوسا .. من باب «دخل» بمعنى : تأخر وأخنسه غيره : أي خلفه ومضى عنه. و «الخناس» اسم فاعل من صيغ المبالغة ـ فعال بمعنى فاعل ـ أي كثير الخنوس وهو الشيطان لأنه يخنس إذا ذكر الله عزوجل. و «الخنس» في الآية الكريمة المذكورة هي الكواكب كلها لأنها تخنس في المغيب أو لأنها تخفى نهارا وقيل : هي الكواكب السيارة دون الثابتة .. وقال الفراء : إن المراد بها في القرآن الكريم :

٥١٧

زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد لأنها تخنس في مجراها وتكنس ـ أي تستتر ـ كما تكنس الظباء في الكناس .. وقال الجوهري : سميت خنسا لتأخرها لأنها الكواكب المتحيرة التي ترجع وتستقيم. «كناس الظبي» هو جحره ومنه أيضا : تكنس الرجل : بمعنى : دخل في الخيمة .. وتكنست المرأة : أي دخلت الهودج .. وفي الآية الكريمة : الكواكب الرواجع بينما كان النجم في آخر البرج إذ كر راجعا إلى أوله.

** (الْجَوارِ الْكُنَّسِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة عشرة .. والجواري : جمع جارية أي السيارة والكنس : التي تختفي تحت ضوء الشمس وقيل : إن جميع الكواكب تخنس ـ ترجع ـ بالنهار وتكنس ـ تطلع ـ بالليل وتختفي ـ أي تستتر ـ في النهار .. وعلى ذكر «الكواكب» قال الشاعر :

ما إن أعد من المكارم خصلة

إلا وجدتك عمها أو خالها

وإذا الملوك تسايروا في بلدة

كانوا كواكبها وكنت هلالها

إن المكارم لم تزل معقولة

حتى حللت براحتيك عقالها

الشاعر قائل هذه الأبيات هو ربيعة بن ثابت الأنصاري وهو من مخضرمي في الدولتين : الأموية والعباسية وهو يمدح العباس بن محمد. و «الجوار الكنس» هما بمعنى : السيارات الكنس .. وقيل : هي الدراري الخمسة : بهرام وزحل وعطارد والزهرة والمشتري. والدراري : هي الكواكب العظام التي لا تعرف أسماؤها وهي تجري مع الشمس والقمر وترجع حتى تختفي تحت ضوء الشمس. فخنوسها : رجوعها وكنوسها : هو اختفاؤها تحت ضوء الشمس وقيل : هي جميع الكواكب تخنس بالنهار فتغيب عن العيون وتكنس بالليل أي تطلع في أماكنها كالوحش في كنسها ـ أي في جحرها ـ

** (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة عشرة .. المعنى والصبح إذا أضاء. قال العجاج :

حتى إذا الصبح لها تنفسا

وانجاب عنها ليلها وعسعسا

قيل : إذا أقبل الصبح بإقباله روح ونسيم فجعل ذلك تنفسا له على المجاز والمراد بتنفس الصبح هو ارتفاع ضوئه وانبساطه وعند انبساط الضوء استطار الفجر بقرب طلوع الشمس فكأنه تنفس لذلك.

** (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة والعشرين .. يقال : ضن بالشيء ـ يضن ـ من باب «تعب» ضنا وضنة وضنانة بمعنى : بخل فهو ضنين ـ فعيل بمعنى فاعل ـ أي بخيل ويأتي الفعل من باب «ضرب» أيضا في لغة أخرى. فمعنى الآية الكريمة : وما محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على الغيب ببخيل .. وفي كلمة «ضنين» قراءتان اثنتان أي ضنين وظنين وثمة اختلاف بين جبلين من جبال العلم والقراءة وهما : عبد الله وأبي .. فقد وردت اللفظة «ظنين» بالظاء في مصحف عبد الله .. وفي مصحف أبي وردت «ضنين» بالضاد. وكان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقرأ بهما ومعنى الآية : وما محمد على ما يعلمه بالوحي وما يلقى إليه من الغيوب ببخيل بها عليكم .. أو وما محمد على ما يخبر به من الغيب من رؤية جبريل ـ عليه‌السلام ـ والوحي إليه وغير ذلك بمتهم .. من «الظنة» وهي التهمة وقرئ بضنين من «الضن» وهو البخيل : أي لا يبخل بالوحي فيزوي بعضه غير مبلغه أو

٥١٨

سأل تعليمه فلا يعلمه. وقراءة الرسول الكريم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالحرفين تعني أن المراد معنيان : البخيل والمتهم. وقيل : قد نأتمن ظنينا ونتهم أمينا. قال الشاعر :

شهدت بأني لم أحل عن مودة

وأني بكم لو تعلمين ضنين

وأن فؤادي لا يلين إلى هوى

سواك وإن قالوا بلى سيلين

(وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ) (٨)

معطوفة بالواو على الآية الكريمة الأولى وتعرب إعرابها والموءودة : هي المدفونة حية خوف العار أو الحاجة .. أي سؤال تقريع لقاتلها بغير ذنب ارتكبته.

(بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (٩)

(بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) : الباء حرف جر. أي : اسم استفهام مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة والجار والمجرور متعلق بقتلت و «أي» مضاف. ذنب : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. قتلت : تعرب إعراب «كورت».

(وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) (١٠)

معطوفة بالواو على الآية الكريمة الأولى وتعرب إعرابها بمعنى : صحف أعمال بني آدم تنشر يوم القيامة أي وإذا هذه الصحف ـ صحف الأعمال ـ طويت. أو فتحت وبسطت.

(وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ) (١١)

معطوفة بالواو على الآية الكريمة الأولى وتعرب إعرابها بمعنى : كشفت وأزيلت. أي قلعت ..

(وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ) (١٢)

معطوفة بالواو على الآية الكريمة الأولى وتعرب مثلها بمعنى : أو قدت إيقادا شديدا وأججت.

(وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ) (١٣)

معطوفة بالواو على الآية الكريمة الأولى وتعرب إعرابها بمعنى : أدنيت وقربت من المتقين لدخولها.

٥١٩

(عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) (١٤)

(عَلِمَتْ نَفْسٌ) : الجملة الفعلية جواب شرط غير جازم ـ الآية الأولى ـ فلا محل لها وهي فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. نفس : فاعل مرفوع بالضمة المنونة.

(ما أَحْضَرَتْ) : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. أحضرت : يعرب إعراب «علمت» والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. وجملة «أحضرت» صلة الموصول لا محل لها والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : أحضرته بمعنى ما وجدته حاضرا أو ما قدمته من أعمالها.

(فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ) (١٥)

(فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ) : الفاء واقعة في جواب «إذا» في الآية الكريمة الأولى وما بعدها جواب شرط غير جازم لا محل له أي يكون عاملا ثانيا للنصب. لا أقسم بالخنس : أعربت وشرحت في الآية الكريمة الأولى من سورة «القيامة» والخنس : الكواكب الرواجع بمعنى التي تظهر ليلا وتختفي نهارا تحت ضوء الشمس.

(الْجَوارِ الْكُنَّسِ) (١٦)

(الْجَوارِ الْكُنَّسِ) : صفة ـ نعت ـ للخنس أو صفة ثانية للموصوف المحذوف «الكواكب» مجرور مثله وعلامة جره الكسرة المقدرة للثقل على الياء المحذوفة خطا واختصارا وبقيت الكسرة المجانسة للياء دالة عليها. الكنس : صفة أخرى للخنس أو للكواكب مجرور مثلها وعلامة جرها الكسرة الظاهرة أي الجواري بمعنى الجاريات أي السيارة جمع «جارية» أما «الكنس» فمعناها : التي تختفي تحت ضوء الشمس وقيل : إن جميع الكواكب تخنس ـ ترجع ـ بالنهار وتكنس ـ تطلع ـ بالليل .. وتختفي أي تستتر في النهار ..

(وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ) (١٧)

٥٢٠