إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ١٠

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ١٠

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٤٩

الياء للوصل .. أي لالتقاء الساكنين. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة بمعنى : إن أماتني الله ..

(وَمَنْ مَعِيَ) : الواو عاطفة. من : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب معطوف على منصوب وهو ياء المتكلم في «أهلكني» مع : ظرف مكان يدل على الاجتماع والمصاحبة منصوب على الظرفية متعلق بفعل محذوف تقديره وجد أو كان معي من المؤمنين وهو مضاف وكسر آخر «مع» مراعاة لحركة تجانس الياء أو تناسبها ـ فهو اسم بمعنى الظرف. والياء ضمير متصل ـ ضمير المتكلم ـ في محل جر مضاف إليه.

(أَوْ رَحِمَنا) : معطوف بأو حرف العطف للتخيير على «أهلكني الله» ويعرب مثله والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به بمعنى : أو رحمنا بتأخير موتنا.

(فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ) : الجملة الاسمية جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. من : اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يجير : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الكافرين : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته والجملة الفعلية «يجير الكافرين» في محل رفع خبر المبتدأ «من» بمعنى : فمن ينقذهم أو ينجيهم؟ أي لا ينقذهم أحد.

(مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) : جار ومجرور متعلق بيجير. أليم : صفة ـ نعت ـ لعذاب مجرور مثله وعلامة جرهما الكسرة المنونة أي من عذاب مؤلم.

(قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢٩)

(قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ) : أعربت في الآية الكريمة السابقة. هو : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. الرحمن : خبر «هو» مرفوع بالضمة.

(آمَنَّا بِهِ) : الجملة الفعلية في محل نصب حال من «الرحمن» والجملة الاسمية «هو الرحمن» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ و «آمن» فعل

٢٤١

ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المتكلمين و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. به : جار ومجرور متعلق بآمنا بمعنى : هو الله الرحمن صدقنا به إلها واحدا لا معبود سواه.

(وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) : معطوفة بالواو على «آمنا به» وتعرب إعرابها. والجار والمجرور «عليه» متعلق بتوكلنا.

(فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ) : أعربت في الآية الكريمة السابعة عشرة. من : اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. هو : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ ثان والجملة الاسمية «من هو في ضلال» في محل نصب مفعول به.

(فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) : جار ومجرور متعلق بخبر محذوف للمبتدإ «هو» مبين : صفة ـ نعت ـ لضلال مجرور مثله وعلامة جرهما الكسرة المنونة والجملة الاسمية «هو في ضلال مبين» في محل رفع خبر «من» بمعنى : سوف تعلمون من منا في باطل واضح بين أو تكون «من» اسما موصولا بمعنى «الذي» في محل نصب مفعولا به والجملة الاسمية «هو في ضلال مبين» صلة الموصول لا محل لها.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) (٣٠)

هذه الآية الكريمة تعرب إعراب الآية الكريمة الثامنة والعشرين. أصبح : فعل ماض من أخوات «كان» وهو فعل ناقص مبني على الفتح. ماء : اسم «أصبح» مرفوع بالضمة. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل جر مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور. غورا : خبر «أصبح» منصوب بالفتحة المنونة بمعنى : غائرا ذاهبا في الأرض وهو وصف بالمصدر. والجار والمجرور «بماء» متعلق بيأتي. الجواب : الله سبحانه. و «كم» في محل نصب مفعول به.

***

٢٤٢

سورة القلم

معنى السورة : القلم : هو اليراعة التي يكتب بها وهو بصيغة «فعل» بمعنى مفعول كالحفر بمعنى : المحفور .. ولهذا قالوا : لا يسمى قلما إلا بعد البري ويسمى قبله قصبة ويراعة. قال الأزهري : ويسمى السهم قلما لأنه يقلم أي يبرى كبري القلم .. وكل شيء قطعت منه شيئا بعد شيء فقد قلمته والمقلمة : هي وعاء الأقلام ..

تسمية السورة : كرم الله تعالى العلم والمعرفة فسمى سبحانه إحدى سور التنزيل برمز العلم والمعرفة ألا وهو القلم لا بل قيل إن الحرف «ن» في صدر الآية الكريمة الأولى من سورة «القلم» هو من الرحمن أي أقسم سبحانه بالقلم وقيل : المعنى : أقسم باسم الله الرحمن الرحيم وقيل : إن إدريس حفيد شيت وجد أبي نوح واسمه أخنوخ هو أول من خط بالقلم في الجملة ونظر في علم النجوم والحساب. وقالت العرب : قلما يخلو إنسان من نسيان وقلم من طغيان والقلم رمز العلم وأداة المعرفة وفيصل بين العلم والجهل. وقال أكثر المفسرين : إن «الفاتحة» هي أول ما نزل من سور القرآن الكريم ثم سورة «القلم» إلا أن ابن عباس ومجاهدا ـ رضي الله عنهما ـ قالا : إن أول سورة نزلت هي سورة «العلق» وآيتها الأولى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) وبعدها : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) صدق الله العظيم. وقال عبد الله بن درستويه خطان لا يقاسان : خط المصحف لأنه سنة وخط العروض لأنه يثبت ما أثبته اللفظ وقيل : القلم لفظة معربة عن «قلموس» اليونانية ومعناها : قصبة.

فضل قراءة السورة : قال النبي الصفوح محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «القلم» أعطاه الله ثواب الذين حسن الله أخلاقهم» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

٢٤٣

إعراب آياتها

(ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) (١)

(ن) : شأنها شأن الأحرف التي تبدأ بها بعض السور وقد شرحت هذه الأحرف بصفة مسهبة في سورة «يوسف» وقيل عن «ن» إضافة لما قيل عن أحرف بقية السور : فيها قراءات ومعان كثيرة. قال الزمخشري : قرئ «ن والقلم» بالبيان والإدغام وبسكون النون وفتحها وكسرها كما في «ص» والمراد هذا الحرف من حروف المعجم وأما قولهم : هو الدواة فما أدري أهو وضع لغوي أم شرعي .. ولا يخلو إذا كان اسما للدواة من أن يكون جنسا أو علما .. فإن كان جنسا فأين الإعراب والتنوين وإن كان علما فأين الإعراب؟ وأيهما كان فلا بد له من موقع في تأليف الكلام. فإن قلت : هو مقسم به وجب إن كان جنسا أن تجره وتنونه ويكون القسم بدواة منكرة مجهولة كأنه قيل : ودواة والقلم .. وإن كان علما أن تصرفه وتجره أو لا تصرفه وتفتحه للعلمية والتأنيث. وقيل : نون : من الرحمن.

(وَالْقَلَمِ) : الواو واو القسم حرف جر. القلم : مقسم به مجرور بواو القسم وعلامة جره الكسرة والجار والمجرور متعلق بفعل القسم المحذوف.

(وَما يَسْطُرُونَ) : الواو عاطفة. ما : اسم موصول بمعنى «الذي» مبني على السكون في محل جر لأنه معطوف على مجرور. يسطرون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة الفعلية «يسطرون» صلة الموصول لا محل لها والعائد ـ الراجع ـ إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : وما يسطرونه أو تكون «ما» مصدرية فتكون جملة «يسطرون» صلة حرف مصدري لا محل لها. و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر معطوف على «القلم» بمعنى : وما يكتب من كتب وقيل : ما يسطره الحفظة وجواب القسم في الآية الكريمة التالية (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ).

(ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) (٢)

٢٤٤

(ما أَنْتَ) : نافية بمنزلة «ليس» عند أهل الحجاز ونافية لا عمل لها عند بني تميم. أنت : ضمير منفصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل رفع اسم «ما» أو مبتدأ على اللغة الثانية والمخاطب هو رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

(بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) : جار ومجرور متعلق بمجنون في محل نصب حال بمعنى : ما أنت يا محمد بمجنون منعما عليك بالنبوة والفهم ولم تمنع الباء في «بمجنون» أن يعمل «مجنون» فيما قبله لأنها زائدة لتأكيد النفي أي استبعاد ما كان ينسبه إليك كفار مكة عداوة وحسدا. ربك : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه ثان. الباء حرف جر لتأكيد معنى النفي. مجنون : اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر «ما» ومرفوع محلا على أنه خبر «أنت».

(وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) (٣)

(وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً) : الواو عاطفة. إن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. لك : جار ومجرور متعلق بخبر «إن» المقدم المحذوف اللام لام التوكيد المزحلقة ـ أجرا : اسم «إن» المؤخر منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة أي لثوابا.

(غَيْرَ مَمْنُونٍ) : صفة ـ نعت ـ للموصوف «أجرا» منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. ممنون : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة بمعنى : غير مقطوع أو غير منقوص.

(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٤)

(وَإِنَّكَ لَعَلى) : الواو عاطفة. إن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل نصب اسم «إن» اللام لام التوكيد ـ المزحلقة ـ على : حرف جر والجار والمجرور «لعلى خلق» متعلق بخبر «إن» المحذوف.

(خُلُقٍ عَظِيمٍ) : اسم مجرور بعلى وعلامة جره الكسرة المنونة. عظيم : صفة ـ نعت ـ لخلق مجرور مثله بالكسرة المنونة.

٢٤٥

(فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) (٥)

(فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) : الفاء استئنافية. السين : حرف تسويف ـ استقبال ـ للقريب. تبصر : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. الواو حرف عطف. يبصرون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وفي القول الكريم وعيد للكفار وتسلية لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

(بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) (٦)

(بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) : الباء حرف جر زائد. أي : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل جر مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور. المفتون : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة وهو مصدر بمعنى «الفتنة» لأن حكم مصدر الفعل حكم اسم مفعوله في التقدير لا في اللفظ أو يكون المفتون مبتدأ وما قبله خبره كقولهم «بمن مرورك» و «على أيهم نزولك» لأن الأول في معنى الظرف أو تكون الباء بمعنى «في» ويكون الجار والمجرور متعلقا بخبر مقدم والمفتون مبتدأ مؤخرا بمعنى : في أي الفريقين يوجد من يستحق هذا الاسم أي الجنون .. أبفريق المؤمنين أم بفريق الكافرين؟ وقيل : المفتون : بمعنى المجنون لأنه فتن : أي محن بمعنى : اختبر وامتحن بالجنون والجملة الاسمية لا محل لها لأنها استئنافية أو تكون في محل نصب مفعول «تبصر».

** (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الأولى ويسطرون .. بتخفيف الطاء بمعنى : وما يكتب من كتب وقيل : ما يسطره الحفظة أي الملائكة التي تدون أعمال البشر .. وقيل : المعنى : وما يسطرون ـ بتشديد الطاء ـ بمعنى وما يؤلفون الأساطير ـ جمع أسطورة ـ أي ما يكتب أو هي الحديث الذي لا أصل له. واقسام الله جلت قدرته بالقلم هو تعظيم لشأن الكتابة التي تكتب بالقلم والكتابة هي أداة العلم والقلم هو رمز العلم وأداة المعرفة والفيصل بين العلم والجهل. وقال أكثر المفسرين : إن «الفاتحة» هي أول ما نزل من سور القرآن الكريم ثم سورة «القلم» إلا أن ابن عباس ومجاهدا ـ رضي الله عنهم ـ قالا : إن أول سورة نزلت هي سورة «العلق» وآيتها الأولى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) وما بعدها : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) صدق الله العظيم. وشبه الجملة «باسم ربك محله النصب على الحال : أي اقرأ مفتتحا باسم ربك

٢٤٦

أي قل باسم الله ثم اقرأ. وقد حذف مفعول «خلق» الأول وذكر في «خلق الانسان» وذلك لأن المراد أنه هو الذي حصل منه الخلق واستأثر به لا خالق سواه. فلم يقدر له مفعول .. أو يكون المفعول محذوفا أو بتقدير : خلق كل شيء : فيتناول كل مخلوق لأنه مطلق .. فليس بعض المخلوقات أولى بتقديره من بعض. وقوله سبحانه «خلق الانسان» تخصيص للإنسان بالذكر من بين ما يتناوله الخلق لان التنزيل إليه وهو أشرف ما على الأرض. ويجوز أن يراد : الذي خلق الإنسان كما قال في سورة «الرحمن» : (عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ) فقيل : الذي خلق مبهم ثم فسره سبحانه بقوله : خلق الانسان. تفخيما لخلق الانسان ودلالة على عجيب فطرته. وفي قوله تعالى : (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) حذف مفعولا «علم» المتعدي إلى مفعولين من باب الايجاز .. المعنى : علم الإنسان الكتابة بالقلم في حين ذكر مفعولا «علم» في الآية الكريمة التالية (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) وفي هذا القول الكريم يتجلى كرمه سبحانه حيث دل عزوجل فيه على كمال كرمه بأنه علم عباده ما لم يعلموا ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ونبه سبحانه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو جلت قدرته وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة ولو لا الكتابة لما استقامت أمور الدين والدنيا ولو لم يكن على دقيق حكمة الله ولطيف تدبيره دليل إلا أمر القلم والخط لكفى به. وقرأ ابن زبير الآية الكريمة : «علم الخط بالقلم».

** (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية. المعنى : ما أنت يا محمد بسبب ما أنعم عليك ربك بالنبوة وحصافة الرأي بمجنون كما زعم المشركون الجهلة.

** سبب نزول الآية : أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : كانوا يقولون عن النبي محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إنه مجنون ثم شيطان فنزلت الآية الكريمة.

** (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة .. أي أيكم الذي فتن بالجنون والباء زائدة وقيل : بأيكم المجنون لأن «المفتون» مصدر من مصادر «فتن» كالفتون سواء بسواء. والفاتن ـ اسم فاعل ـ بمعنى : المضل. وفعله ثلاثي «فتن» وهو لغة أهل الحجاز. قال الفراء : أهل الحجاز يقولون : «ما أنتم عليه بفاتنين» وأهل نجد يقولون : «بمفتنين ..» من أفتنت .. أي اسم فاعل للفعل الرباعي. والباء في الآية الكريمة «بأيكم» زائدة كما في قوله تعالى : «وكفى بالله شهيدا» والمفتون : الفتنة وهو مصدر كالمعقول والمحلوف. وجاءت الباء زائدة لأن قبله : (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) قال الشاعر : ألم تعلم مسرحي القوافي .. أي تسريحي القوافي .. وقال زهير : وذبيان هل أقسمتم كل مقسم .. أي كل إقسام. وذلك كثير الاستعمال. وقال الفيومي : ونقل بعضهم عن سيبويه أنه منع مجيء المصدر موازن مفعول وأنه تأول ما ورد من ذلك فتقدير معسورة وميسورة عنده : من وقت يعسر فيه إلى وقت يوسر فيه فالأول هو المشهور في الكتب قال أبو عبيد في باب المصادر وعلى مثال مفعول : حلفت محلوفا : مصدر. ومثله المعسور والميسور والمجلود .. هذه لفظه وقد يأتي اسم الفاعل بمعنى المصدر سماعا نحو قم قائما : أي قياما. قال الشاعر :

ولا أنا ممن يزجر الطير همه

أطار غراب أم تعرض ثعلب

ولا السانحات البارحات عشية

أمر سليم القرن أم مر أعضب

٢٤٧

زجر الطير وغيرها : بمعنى : طرقها بحصاة حتى تتحرك فإن ولته ميامنها فهي سانحة وإن ولته مياسرها فهي بارحة .. ومما كان العرب يتشاءمون به تعرض الثعلب في الطريق. والأعضب : هو المكسور أحد قرنيه والعرب يتشاءمون به أيضا : أي يتطيرون.

** (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة العاشرة .. المعنى : ولا تطع كل حلاف أي كثير الحلف ـ فعال بمعنى فاعل ـ من صيغ المبالغة أي كثير الحلف في الكذب والباطل و «مهين» من «المهانة» وهي الحقارة أو أراد الكذب لأنه مهان ـ حقير ـ عند الناس. ومنه المثل : كل حلاف كذاب والحلاف : هو الكثير الحلف في الحق والباطل وكفى به مزجرة لمن اعتاد الحلف ومثله قوله تعالى في سورة «البقرة» : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) وهي جمع «يمين» وهناك أيمان مستعملة بكثرة وجرى عليها اللسان .. مثل : لا والله .. بلى والله .. فهذه الأيمان بما أنها غير مقصودة فالله سبحانه وتعالى لا يؤاخذهم عليها كما جاء ذكر ذلك في قوله تعالى في سورة «المائدة» : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) واللغو : هو الكلام الباطل. بمعنى : ولكن يؤاخذكم بما وثقتم الأيمان عليه بالقصد والنية. و «الحلف» و «القسم» تعنيان معنى واحدا مع فارق بسيط .. فالحلف : هو العهد ويكون بين القوم ومنه : حالفه : أي عاهده وتحالفوا : بمعنى : تعاهدوا ، وفي الحديث : «أنه حالف بين قريش والأنصار» يعني آخى بينهم لأنه لا حلف في الاسلام. و «الحليف» هو «المحالف» فعيل بمعنى : فاعل وهو المعاهد ومنه قيل : نتعاون إذا اتفقنا ونتعاضد إذا اختلفنا. ومن معاني «الحلف» اليمين. ومن رسالة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ إلى أبي موسى الأشعري : البينة على من ادعى واليمين على من أنكر والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا. ومن معاني «الحلف» الصديق .. لأنه يحلف لصاحبه أنه لا يغدر به. ووردت كلمة «يمين» في قول عمرو بن كلثوم في معلقته :

ونوجد نحن أمنعهم ذمارا

وأوفاهم إذا عقدوا يمينا

يقول الشاعر : تجدنا أيها المخاطب أمنعهم ذمة وجوارا وحلفا وأوفاهم باليمين عند عقدها. و «الذمار» : هو العهد والحلف والذمة .. سمي بذلك لأنه يتذمر له أي يتغضب لمراعاته وهو ما يلزم حمايته وحفظه والدفاع عنه. ومن الأمثال قولهم : فلان حلف بالسمر والقمر قال الأصمعي : السمر : هو الظلمة وإنما سميت سمرا لأن العرب كانوا يجتمعون في الظلمة فيسمرون : أي لا ينامون ويتحدثون ليلا ثم كثر ذلك حتى سمي سمرا ومعنى المثل : حلفت بالقمر وظله أما «القسم» فهو اليمين .. يقال : أقسم بالله : أي حلف. والمقسم : هو اليمين أيضا وهو أيضا موضع القسم.

** (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية عشرة .. المعنى : لا تطع كل عياب كثير الهمز كثير المشي بالنميمة أي نقال الحديث من قوم إلى قوم على وجه الوشاية والهمز كاللمز يقال : همزه ـ يهمزه ـ همزا .. من باب «ضرب» بمعنى : عابه ومثله وزنا ومعنى : لمزه ـ يلمزه ـ لمزا. والهامز والهماز ـ فعال بمعنى فاعل ـ هو العياب .. الطعان ومثلهما : الهمزة .. يقال : هذا رجل همزة وامرأة همزة أيضا. أما همزات الشيطان .. فهي خطراته التي يخطرها ـ أي يسهلها ـ بقلب الانسان يحكى أن المأمون قال لرجل اغتاب رجلا في مجلسه : دع الشر يعبر. والواشي : هو النمام والنمام هو الذي

٢٤٨

يتحدث مع القوم فينم عليهم فيكشف ما يكره كشفه. وتناول الشعراء النمام في قصائدهم قال الشاعر «صاحب بثينة» :

ولا زادني الواشون إلا صبابة

ولا كثرة الناهين إلا تماديا

وقال مجنون ليلى :

ولو كان واش باليمامة داره

وداري بأعلى حضر موت اهتدى ليا

و «حضر موت» اسمان مركبان جعلا اسما واحدا يجوز فيه بناء الاسم الأول «حضر» على الفتح وإعراب الثاني بالإضافة أو إعراب ما لا ينصرف نحو : حضر موت : اسم بلد واسم قبيلة .. أما في حالة الإضافة فإن الأول يعرب نحو : حضر موت : اسم بلد واسم قبيلة فالأول «حضر» أعرب فجاء مرفوعا لأنه مبتدأ وجر الثاني على الإضافة.

** (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة عشرة .. المعنى : سنجعل له علامة على الأنف وعبر بذلك عن الإذلال والإهانة أي هو كناية عن الإذلال والإهانة أي سنجعل له علامة مميزة .. والمراد به هو كل حلاف مهين وواش بالنميمة والصفات الأخرى المذكورة في الآيات قبلها .. وقيل : المقصود بذلك هو الوليد بن المغيرة. وقيل : المعنى : سنشهره بهذه الشتيمة في الدارين جميعا فلا تخفى كما لا تخفى السمة ـ العلامة ـ على الخرطوم وعبر سبحانه بالوسم على الخرطوم عن غاية الإذلال والإهانة لأن السمة على الوجه شين فكيف بها على أكرم موضع من الوجه لتقدمه له ولذلك جعلوه العز والحمية أي جعلوا مكان الأنف يدل على ذلك أو جعلوا الأنف مكان العز والأنفة والكبرياء ولهذا اشتقوا منه «الأنفة» وقالوا : الأنف في الأنف .. وحمى أنفه وفلان شامخ العرنين ـ وهو تحت مجتمع الحاجبين وهو أول الأنف حيث يكون فيه الشمم ـ وقالوا في الذليل : جدع أنفه .. ورغم أنفه .. وقيل : وسم العباس أباعرة ـ جمع بعير ـ في وجوهها فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أكرموا الوجوه. فغير مكان وسمها. وفي لفظ «الخرطوم» استخفاف به واستهانة. وقيل : معناه : سنعلمه يوم القيامة بعلامة مشوّهة يبين بها عن سائر الكفرة سئل رجل : من سبك؟ قال : من بلغني أي الذي بلغه ما يكره هو الذي قال له لأنه لو سكت لم يعلم. ومن شتائم العرب قولهم : لا در دره : أي لا كثر خيره ولا زكا عمله .. مأخوذ من در اللبن وغيره ـ يدر ـ درا : بمعنى : كثر وفي دعاء الخير قالوا : لله دره : أي لله ما خرج منه من خير وفي دعاء الشر قالوا : لا در دره : بمعنى : لا كثر خيره ويقال لمن أتى بالمستحسن : أخزاه الله ما أشعره! كما يقولون : قاتله الله ما أشجعه! وهو دعاء بدل المدح غير منظور إلى المعنى. وقالت العرب : سبك من بلغك .. وهو مثل قولهم : الراوية أحد الشاتمين.

** (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة عشرة. وقوله تعالى : (وَلا يَسْتَثْنُونَ) هو نص الآية الكريمة الثامنة عشرة .. المعنى : إنا اختبرناهم أو امتحنا أهل مكة بالقحط والجوع بدعوة الرسول عليهم كما اختبرنا وامتحنا أصحاب الجنة «أي البستان» حين أقسموا أي حلفوا ليقطعن ثمرات النخل وهم داخلون في الإصباح كيلا يشعر بهم المساكين حتى لا يعطوهم شيئا منها كما كان يفعل أبوهم وكان هذا البستان قرب صنعاء وكان لرجل ينادي الفقراء وقت الصرام ـ أي وقت قطع البلح ويترك لهم ما أخطأه المنجل أو ألقته الريح فيجتمع لهم شيء كثير فلما

٢٤٩

مات لم يرد أبناؤه أن يقتدوا به فحلفوا ليصرمنها أي ليقطعنها «أي ثمرات النخل» في الصباح. ولا يستثنون أي ولا ينوون استثناء شيء من حق المساكين ولا يقولون في يمينهم : إن شاء الله وسمي استثناء مع أن «قولهم إن شاء الله» شرط لأنه يؤدي مؤدى الاستثناء من حيث إن قول الرجل : «لأخرجن إن شاء الله» ولا أخرج إلا أن يشاء الله في معنى واحد .. ومثله القول : «إلا ما شاء الله» أي إلا إن شاء الله شيئا من ذلك. روي عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «قال سليمان : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله فطاف عليهن فلم تحمل إلا واحدة جاء بشق رجل .. والذي نفسي بيده لو قال : إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون» وقال تعالى في سورة «الفتح» : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) صدق الله العظيم. وجاء في تفسير الزمخشري قوله : فإن قلت ما وجه دخول «إن شاء الله» في إخبار الله عزوجل؟ قلت : فيه وجوه : أن يعلق عدته بالمشيئة تعليما لعباده أن يقولوا في عداتهم ـ وعودهم ـ مثل ذلك متأدبين بأدب الله تعالى ومقتدين بسنته وأن يريد لتدخلن جميعا إن شاء الله ولم يمت منكم أحدا أو كان ذلك على لسان ملك فأدخل الملك «إن شاء الله» أو هو حكاية رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لأصحابه وقص عليهم.

** (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة والعشرين المعنى : وساروا غدوة ـ أي ما بين صلاة الغداة إلى طلوع الشمس قادرين على نكد لا غير عاجزين عن النفع يعني أنهم عزموا أن يتنكدوا على المساكين وهم قادرون على نفعهم في ظنهم فغدوا بحال فقر وذهاب مال لا يقدرون فيها إلا على النكد والحرمان. والحرد : مأخوذ من حادرت السنة إذا انعدم مطرها .. وحرد عليه ـ يحرد ـ حردا من باب «طرب» أي غضب عليه وحرد ـ يحرد ـ حردا ـ من باب «ضرب» بمعنى : قصد وفي الآية الكريمة بمعنى : قصد أو منع لأن المصدر «حردا» من باب «ضرب» والحرد ـ بفتح الحاء والراء ـ مصدر الفعل من باب «طرب» هو الغضب.

** (قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة والعشرين وأوسطهم : معناه : أقصدهم إلى الحق أو أوسطهم رأيا وسنا : لو لا تذكرون الله وتتوبون إليه من خبث نيتكم كان أوسطهم قال ذلك حين عزموا على ذلك : اذكروا الله وانتقامه من المجرمين والتسبيح تنزيه والاستثناء تفويض إليه والاثنان يلتقيان في معنى التعظيم لله جلت قدرته.

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (٧)

هذه الآية الكريمة أعربت في الآية الكريمة الخامسة والعشرين بعد المائة من سورة «النحل».

(فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) (٨)

(فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) : الفاء استئنافية. لا : ناهية جازمة. تطع : فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره الذي حرك بالكسر لالتقاء الساكنين.

٢٥٠

والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. وأصله : تطيع حذفت الياء تخفيفا ولالتقاء الساكنين. المكذبين : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته. أي المكذبين بآيات الله.

(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (٩)

(وَدُّوا لَوْ) : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. لو : حرف مصدري لا محل له و «لو» وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به للفعل «ود» أي تمنوا.

(تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) : الجملة الفعلية صلة حرف مصدري لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت بمعنى : لا تلين وتصانع أي تداهن وتلاين بتقدير : ودوا إدهانك. الفاء عاطفة. يدهنون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وجاء الفعل مرفوعا في «يدهنون» لأنه ليس جوابا للتمني لأن «لو» مصدرية ولو كانت للتمني لكانت الفاء سببية وحذفت نون «يدهنون» بإضمار «أن» بعد الفاء أو تكون جواب التمني ولم ينصب الفعل بإضمار «أن» بعد الفاء لأنه عدا به إلى طريق آخر وهو أن جعل خبر مبتدأ محذوف. التقدير : فهم يدهنون على معنى : ودوا لو تدهن فهم يدهنون حينئذ أو ودوا إدهانك فهم الآن يدهنون لطمعهم في إدهانك.

(وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ) (١٠)

(وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) : أعربت في الآية الكريمة الثامنة. كل : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. حلاف : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة وهو من صيغ المبالغة أي كثير الحلف في الكذب والباطل ـ فعال بمعنى فاعل ـ مهين : صفة ـ نعت ـ لحلاف مجرور مثله وعلامة جره الكسرة المنونة وهو من المهانة وهي الحقارة أو أراد الكذب لأنه مهان ـ حقير ـ عند الناس.

٢٥١

(هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (١١)

(هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) : صفتان ـ نعتان ـ لحلاف مجرورتان مثله وعلامة جرهما الكسرة المنونة بمعنى : عياب طعان أي كثير الهمز وهو الطعن كثير المشي بالنميمة أي نقال للحديث من قوم إلى قوم على وجه السعاية أي الوشاية. بنميم : جار ومجرور متعلق بمشاء ـ على تأويل فعله ـ.

(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) (١٢)

هذه الآية الكريمة تعرب إعراب الآية الكريمة السابقة بمعنى : بخيل وهو من صيغ المبالغة فعال بمعنى : فاعل. و «الخير» هو المال أو مناع أهله الخير وهو الإسلام فذكر الممنوع منه دون الممنوع بتقدير : مناع من الخير .. و «معتد» بمعنى : مجاوز في الظلم حده وحذفت ياؤه لأنه منقوص نكرة وتخلصا من التقاء الساكنين .. و «أثيم» فعيل بمعنى فاعل أي كثير الآثام.

(عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) (١٣)

(عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) : صفتان أخريان لحلاف مجرورتان وعلامة جرهما الكسرة المنونة. وعتل» بمعنى غليظ جاف من عتله : إذا أخذه أو قاده بعنف وغلظة. وقال عكرمة : هو اللئيم الذي يعرف بلؤمه. بعد : ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بعتل وهو مضاف بمعنى مع. ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. اللام للبعد والكاف حرف خطاب أي بعد ما عد له من المثالب والنقائص. و «زنيم» بمعنى : دعي منسوب لغير قومه والمراد به : دعي من قريش.

(أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) (١٤)

(أَنْ كانَ ذا) : حرف مصدري. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. ذا : خبر «كان» منصوب وعلامة نصبه الألف لأنه من الأسماء الخمسة وهو مضاف. الجملة الفعلية «كان ذا مال ..» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول لأجله بمعنى لأن كان أي لكونه أو متعلق بقوله : لا

٢٥٢

تطع بمعنى : ولا تطعه مع هذه المثالب ويجوز أن يتعلق بما بعده على معنى : ألكونه متمولا مستظهرا بالبنين كذب بآياتنا .. أي ذا مال وبنين؟

(مالٍ وَبَنِينَ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. وبنين : معطوف بالواو على «مال» مجرور مثله وعلامة جره الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (١٥)

(إِذا تُتْلى) : ظرف لما يستقبل من الزمان مبني على السكون متضمن معنى الشرط خافض لشرطه متعلق بجوابه. تتلى : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر بمعنى إذا قرئت.

(عَلَيْهِ آياتُنا) : جار ومجرور متعلق بتتلى آيات : نائب فاعل مرفوع بالضمة و «نا» ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع ـ مبني على السكون في محل جر مضاف إليه والجملة الفعلية «تتلى عليه آياتنا» في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد الظرف.

(قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) : الجملة الفعلية جواب شرط غير جازم لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. أساطير : خبر مبتدأ محذوف تقديره هي مرفوع بالضمة. الأولين : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته والجملة الاسمية «هي أساطير الأولين» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ

(سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) (١٦)

(سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) : السين حرف استقبال ـ تسويف ـ للقريب. نسمه : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : نحن. والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به. على الخرطوم : جار ومجرور متعلق بنسم بمعنى : سنجعل له علامة على الأنف.

٢٥٣

(إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ) (١٧)

(إِنَّا بَلَوْناهُمْ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير الواحد المطاع مبني على السكون في محل نصب اسم «إن» وقد أدغم بنون «إن». بلوناهم : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «إن» وهي فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الواحد المطاع و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به بمعنى : بلونا أهل مكة بالقحط والجوع بدعوة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عليهم.

(كَما بَلَوْنا) : الكاف حرف جر و «ما» مصدرية. بلونا : أعربت. والجملة الفعلية «بلونا» صلة حرف مصدري لا محل لها و «ما» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالكاف ـ حرف التشبيه ـ والجار والمجرور متعلق بمفعول مطلق محذوف. التقدير : إنا بلوناهم بلاء كبلائنا أصحاب الجنة أو يكون الكاف اسما بمعنى «مثل» مبنيا على الفتح في محل نصب صفة نائبة عن مفعول مطلق ـ مصدر ـ محذوف أي إنا بلوناهم بلاء مثل بلائنا أصحاب الجنة أو مثل الذي بلونا أصحاب الجنة وعلى هذا التقدير الأخير تكون «ما» اسما موصولا مبنيا على السكون في محل جر بالإضافة.

(أَصْحابَ الْجَنَّةِ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الجنة : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.

(إِذْ أَقْسَمُوا) : ظرف زمان بمعنى «حين» مبني على السكون في محل نصب متعلق ببلونا. أقسموا : الجملة الفعلية في محل جر بالإضافة وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. و «الجنة» هنا بمعنى : البستان.

(لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ) : الجملة الفعلية جواب قسم لا محل لها. اللام واقعة في جواب القسم. يصرمن : فعل مضارع مبني على حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة وسبب بنائه على حذف النون اتصاله بنون التوكيد الثقيلة. وواو الجماعة المحذوفة لالتقائها ساكنة مع نون التوكيد الثقيلة في محل

٢٥٤

رفع فاعل ونون التوكيد لا محل لها و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به بمعنى ليقطعن ثمرات النخل. مصبحين : حال من ضمير «أقسموا» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته بمعنى : وهم داخلون في الإصباح.

(وَلا يَسْتَثْنُونَ) (١٨)

(وَلا يَسْتَثْنُونَ) : الواو عاطفة. لا : نافية لا عمل لها. يستثنون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى : ولا يقولون : إن شاء الله.

(فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ) (١٩)

(فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ) : الفاء سببية. طاف : فعل ماض مبني على الفتح. عليها : جار ومجرور متعلق بطاف. طائف : فاعل مرفوع بالضمة المنونة بمعنى : بلاء أو هلاك طائف فحذف الفاعل الموصوف وحلت صفته محله.

(مِنْ رَبِّكَ) : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «طائف» والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه.

(وَهُمْ نائِمُونَ) : الواو حالية والجملة الاسمية في محل نصب حال. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل رفع مبتدأ. نائمون : خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته بمعنى فأهلك هذا العذاب أو الطائف ثمر البستان أو نار أحرقته وجعلته كالنخل المنزع ثمره عقابا لهم.

(فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) (٢٠)

(فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) : الفاء عاطفة للتسبيب. أصبحت : فعل ماض ناقص من أخوات «كان» مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. الكاف حرف جر للتشبيه. الصريم : اسم مجرور بالكاف وعلامة جره الكسرة والجار والمجرور متعلق بخبر «أصبح» المحذوف أو يكون الكاف اسما مبنيا على الفتح

٢٥٥

بمعنى «مثل» في محل نصب خبر «أصبحت» ويكون «الصريم» مضافا إليه مجرورا بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو بصيغة ـ فعيل بمعنى : مفعول ـ أي كالمصرومة بمعنى : المقطوعة لهلاك ثمرها وذلك عقابا لهم أي فأصبح البستان محترقا أسود كالليل وتاء التأنيث تعود للجنة ـ البستان ـ.

(فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ) (٢١)

(فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ) : الفاء استئنافية للتسبيب. تنادوا : فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين واتصاله بواو الجماعة. وبقيت الفتحة دالة عليها والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة بمعنى : فنادى بعضهم بعضا. مصبحين : أعرب في الآية الكريمة السابعة عشرة.

(أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) (٢٢)

(أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ) : حرف تفسير لا عمل له وكسر آخره لالتقاء الساكنين والجملة الفعلية بعده تفسيرية لا محل لها ويجوز أن تكون «أن» مصدرية فتكون الجملة الفعلية «اغدوا» صلة حرف مصدري لا محل لها. و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحرف حرف محذوف بتقدير : بأن اغدوا والجار والمجرور متعلق بتنادوا. اغدوا : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة بمعنى : اخرجوا وقت الغداة وهو أول ساعات النهار بمعنى : باكرين. على حرثكم : جار مجرور متعلق باغدوا. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل جر مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور بمعنى : إلى زرعكم وقال : على حرثكم على معنى : الإقبال.

(إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) : حرف شرط جازم. كنتم : فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك فعل الشرط في محل جزم بإن. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور وجواب الشرط محذوف لتقدم معناه.

٢٥٦

صارمين : خبر «كان» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته بمعنى : حاصدين أي قاطعين ثمر نخلكم.

(فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) (٢٣)

(فَانْطَلَقُوا وَهُمْ) : الفاء عاطفة للتسبيب. انطلقوا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الواو حالية. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل رفع مبتدأ.

(يَتَخافَتُونَ) : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «هم» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة الاسمية «هم يتخافتون» في محل نصب حال من ضمير «انطلقوا» بمعنى فانطلقوا أي فهرعوا إلى جنتهم ـ بستانهم ـ وهم يخفضون أصواتهم ويقولون سرا حتى لا يسمعهم أحد.

(أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) (٢٤)

(أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ) : حرف تفسير والجملة الفعلية بعدها تفسيرية لا محل لها. لا : نافية لا عمل لها. يدخلن : فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. النون نون الوقاية لا محل لها و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. والضمير «ها» يعود على «الجنة» أو تكون «لا» ناهية جازمة فيكون الفعل «يدخلن» في محل جزم بلا. اليوم : ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بيدخلن.

(عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) : جار ومجرور متعلق بيدخلن والميم علامة جمع الذكور. مسكين : فاعل مرفوع بالضمة المنونة.

(وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) (٢٥)

(وَغَدَوْا) : الواو عاطفة. غدوا : فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين واتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة وبقيت الفتحة دالة على الألف المحذوفة.

٢٥٧

(عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) : جار ومجرور متعلق بغدوا. قادرين : حال من ضمير «غدوا» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في الاسم المفرد بمعنى : وساروا غدوة قادرين على نكد أي عزموا أن يتنكدوا على المساكين ويحرمون وهم قادرون على نفعهم فغدوا بحال فقر وذهاب مال لا يقدرون فيها إلا على النكد والحرمان. و «الحرد» بمعنى : القصد. وقيل : المنع. أو التصميم.

(فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) (٢٦)

(فَلَمَّا رَأَوْها) : الفاء استئنافية. لما : اسم شرط غير جازم بمعنى «حين» مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بالجواب. رأوها : الجملة الفعلية في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد «لما» وهي فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين واتصاله بواو الجماعة وبقيت الفتحة دالة على الألف المحذوفة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «ها» ضمير متصل يعود على الجنة ـ البستان ـ مبني على السكون في محل نصب مفعول به بمعنى فلما رأوا جنتهم ـ أي بستانهم ـ سوداء محترقة ..

(قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) : الجملة الفعلية جواب شرط غير جازم لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة والجملة بعدها المؤولة من «إن» مع اسمها وخبرها : في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ بمعنى : قالوا في بداية وصولهم. إن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير المتكلمين مبني على السكون في محل نصب اسم «إن» اللام لام التوكيد ـ المزحلقة ـ و «ضالون» خبر «إن» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته بمعنى : ضللنا جنتنا لما رأوا من هلاكها واحتراقها. أي قالوا : هذه ليست جنتنا إنا تائهون عنها.

(بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) (٢٧)

٢٥٨

(بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) : حرف اضراب للاستئناف لا عمل له. نحن : ضمير منفصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على الضم في محل رفع مبتدأ. محرومون : خبر «نحن» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته بمعنى : حرمنا خيرها لجنايتنا على أنفسنا قالوا ذلك بعد أن تأملوا وعرفوا أنها هي.

(قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) (٢٨)

(قالَ أَوْسَطُهُمْ) : فعل ماض مبني على الفتح. أوسط : فاعل مرفوع بالضمة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه.

(أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ) : الجملة الفعلية في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ بمعنى : قال أعدلهم وخيرهم دينا. الهمزة همزة إنكار دخلت على المنفي فرجع إلى معنى التقرير وقيل : هو استفهام إنكار للنفي مبالغة في الإثبات بمعنى : قد قلت لكم. لم : حرف نفي وجزم وقلب. أقل : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره وحذفت واوه ـ أصله : أقول ـ تخفيفا وتخلصا من التقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. لكم : جار ومجرور متعلق بأقل والميم علامة جمع الذكور وكان أوسطهم أي أقصدهم إلى الحق قد قال لهم حين عزموا على ذلك : اذكروا الله وتوبوا عن هذه العزيمة فعصوه فعيرهم.

(لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) : الجملة في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ لو لا : حرف تحضيض لا عمل له. تسبحون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى : لو تستثنون أو هلا تستثنون؟ قيل : كان استثناؤهم سبحان الله وقيل : إن شاء الله بمعنى : هلا تستغفرون الله من عملكم وتتوبون.

(قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) (٢٩)

(قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا) : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة بعدها في محل نصب

٢٥٩

مفعول به ـ مقول القول ـ سبحان : مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف تقديره : أسبح. وهو مضاف. رب : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل جر مضاف إليه ثان أي ننزه الله عن الظلم وعن كل نقيصة.

(إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ المدغم بنون «إن» مبني على السكون في محل نصب اسم «إن». كنا : فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير المتكلمين و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع اسم «كان». ظالمين : خبر «كان» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته والجملة الفعلية «كنا ظالمين» في محل رفع خبر «إن» والكلمة اسم فاعلين وحذف مفعولها اختصارا لأن اسم الفاعل يعمل عمل فعله المتعدي بمعنى كنا ظالمين أنفسنا وهو اعتراف وإقرار منهم بظلمهم في منع المعروف وترك الاستثناء.

(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) (٣٠)

(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ) : الفاء : عاطفة. أقبل : فعل ماض مبني على الفتح. بعض : فاعل مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر مضاف إليه.

(عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) : جار ومجرور متعلق بأقبل. يتلاومون : الجملة الفعلية في محل نصب حال من ضمير الغائبين وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى : يلوم بعضهم بعضا.

(قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) (٣١)

هذه الآية الكريمة تعرب إعراب الآية الكريمة التاسعة والعشرين. يا : حرف نداء. ويل : منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. ويجوز أن يكون «يا» حرف تنبيه أو حرف نداء والمنادى به محذوفا مثل :

٢٦٠